أنت كظهر أمي ، وناسا يقولون للدعي : فلان ابن فلان ، يريدون من تبناه.
وانتصب (الْحَقَ) على أنه صفة لمصدر محذوف مفعول به ل (يَقُولُ). تقديره: الكلام الحق ، لأن فعل القول لا ينصب إلا الجمل أو ما هو في معنى الجملة نحو (إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون : ١٠٠] ، فالهاء المضاف إليها (قائل) عائدة إلى (لِمَةٌ) وهي مفعول أضيف إليها. وفي الإخبار عن اسم الجلالة وضميره بالمسندين الفعليين إفادة قصر القلب ، أي : هو يقول الحق لا الذين وضعوا لكم تلك المزاعم ، وهو يهدي السبيل لا الذين أضلوا الناس بالأوهام. ولما كان الفعلان متعديين استفيد من قصرهما قصر معموليهما بالقرينة ، ثم لما كان قول الله في المواضع الثلاثة هو الحق والسبيل كان كناية عن كون ضده باطلا ومجهلة. فالمعنى : وهم لا يقولون الحق ولا يهدون السبيل.
و (السَّبِيلَ) : الطريق السابلة الواضحة ، أي : الواضح أنها مطروقة فهي مأمونة الإبلاغ إلى غاية السائر فيها. وإذا تقرر أن تلك المزاعم الثلاثة لا تعدو أن تكون ألفاظا ساذجة لا تحقق لمدلولاتها في الخارج اقتضى ذلك انتفاء الأمرين اللذين جعلا توطئة وتمهيدا للمقصود وانتفاء الأمر الثالث المقصود وهو التبني ، فاشترك التمهيد والمقصود في انتفاء الحقية ، وهو أتم في التسوية بين المقصود والتمهيد.
وهذا كله زيادة تحريض على تلقي أمر الله بالقبول والامتثال ونبذ ما خالفه.
(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥))
(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ).
استئناف بالشروع في المقصود من التشريع لإبطال التبنّي وتفصيل لما يحق أن يجريه المسلمون في شأنه. وهذا الأمر إيجاب أبطل به ادعاء المتبني متبناه ابنا له. والمراد بالدعاء النسب. والمراد من دعوتهم بآبائهم ترتب آثار ذلك ، وهي أنهم أبناء آبائهم لا أبناء من تبناهم.
واللام في (لِآبائِهِمْ) لام الانتساب ، وأصلها لام الاستحقاق. يقال : فلان لفلان ، أي : هو ابنه ، أي : ينتسب له ، ومنه قولهم : فلان لرشدة وفلان لغيّة ، أي : نسبه لها ،