ألف وتشديد الهاء مفتوحة. وقرأ حفص عن عاصم (تُظاهِرُونَ) بضم التاء وفتح الظاء مخففة وألف وهاء مكسورة ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف : (تُظاهِرُونَ) بفتح التاء وفتح الظاء مخففة بعدها ألف وفتح الهاء.
(وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ)
هذا هو المقصود الذي ووطّئ بالآيتين قبله ، ولذلك أسهب الكلام بعده بتفاصيل التشريع فيه. وعطفت هاته الجملة على اللتين قبلها لاشتراك ثلاثتها في أنها نفت مزاعم لا حقائق لها.
والقول في المراد من قوله : (ما جَعَلَ) كالقول في نظيره من قوله (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ) اللاء (تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ). والمعنى : أنكم تنسبون الأدعياء أبناء فتقولون للدعيّ : هو ابن فلان ، للذي تبناه ، وتجعلون له جميع ما للأبناء.
والأدعياء : جمع دعيّ بوزن فعيل بمعنى مفعول مشتقا من مادة الادّعاء ، والادّعاء : زعم الزاعم الشيء حقا له من مال أو نسب أو نحو ذلك بصدق أو كذب ، وغلب وصف الدعيّ على المدّعي أنه ابن لمن يتحقق أنه ليس أبا له ؛ فمن ادعى أنه ابن لمن يحتمل أنه أب له فذلك هو اللحيق أو المستلحق ، فالدعي لم يجعله الله ابنا لمن ادّعاه للعلم بأنه ليس أبا له ، وأما المستلحق فقد جعله الله ابنا لمن استلحقه بحكم استلحاقه مع إمكان أبوته له. وجمع على أفعلاء لأنه معتل اللام فلا يجمع على فعلى ، والأصح أن أفعلاء يطّرد في جمع فعيل المعتل اللام سواء كان بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول.
نزلت هذه الآية في إبطال التبني ، أي : إبطال ترتيب آثار البنوة الحقيقية من الإرث ، وتحريم القرابة ، وتحريم الصهر ، وكانوا في الجاهلية يجعلون للمتبنّى أحكام البنوة كلها ، وكان من أشهر المتبنين في عهد الجاهلية زيد بن حارثة تبناه النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعامر بن ربيعة تبناه الخطاب أبو عمر بن الخطاب ، وسالم تبناه أبو حذيفة ، والمقداد بن عمرو تبناه الأسود بن عبد يغوث ، فكان كل واحد من هؤلاء الأربعة يدعى ابنا للذي تبنّاه.
وزيد بن حارثة الذي نزلت الآية في شأنه كان غريبا من بني كلب من وبرة ، من أهل الشام ، وكان أبوه حارثة توفي وترك ابنيه جبلة وزيدا فبقيا في حجر جدهما ، ثم جاء عماهما فطلبا من الجدّ كفالتهما فأعطاهما جبلة وبقي زيد عنده فأغارت على الحي خيل من تهامة فأصابت زيدا فأخذ جدّه يبحث عن مصيره ، وقال أبياتا منها :