أصحابه عما يوجبه فيصدر عنهم من الأقوال ما تجيش به خواطرهم قبل التدبر فيما يحفّ بذلك من الاحتمالات التي تقلعه وتنفيه ودون التأمل فيما يترتب عليه من إخلال بالواجبات. وكذلك يصدر عنهم من الأعمال ما فيه ورطة لهم قبل التأمل في مغبة عملهم ، نبه الله المؤمنين كيلا يقعوا في مثل تلك العنجهية لأن مدارك العقلاء في التنبيه إلى معاني الأشياء وملازماتها متفاوتة المقادير ، فكانت حرية بالإيقاظ والتحذير. وفائدة التشبيه تشويه الحالة المشبّهة لأن المؤمنين قد تقرر في نفوسهم قبح ما أوذي به موسى عليهالسلام بما سبق من القرآن كقوله : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥] الآية.
والذين آذوا موسى هم طوائف من قومه ولم يكن قصدهم أذاه ولكنهم أهملوا واجب كمال الأدب والرعاية مع أعظم الناس بينهم. وقد حكى الله عنهم ذلك إجمالا وتفصيلا بقوله : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) الآية (فلم يكن هذا الأذى من قبيل التكذيب لأجل قوله : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) والاستفهام في قوله : (لِمَ تُؤْذُونَنِي) إنكاري). فكان توجيه الخطاب للمؤمنين من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم مراعى فيه المشابهة بين الحالين في حصول الإذاية.
فالذين آذوا موسى قالوا مرة (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) [المائدة : ٢٤] فآذوه بالعصيان وبضرب من التهكم. وقالوا مرة (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) [البقرة : ٦٧] فنسبوه إلى الطيش والسخرية ولذلك قال لهم (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [البقرة : ٦٧]. وفي التوراة في الإصحاح الرابع عشر من الخروج «وقالوا لموسى فإذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر فإنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية». وفي الإصحاح السادس عشر «وقالوا لموسى وهارون إنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع». وفي الحديث «إن موسى كان رجلا حييّا ستّيرا فقال فريق من قومه : ما نراه يستتر إلا من عاهة فيه. فقال قوم : به برص ، وقال قوم : هو آدر» ونحو هذا ، وكان قريبا من هذا قول المنافقين : إن محمدا تزوج مطلقة ابنه زيد بن حارثة.
وقد دلت هذه الآية على وجوب توقير النبي صلىاللهعليهوسلم وتجنب ما يؤذيه وتلك سنة الصحابة والمسلمين وقد عرضت فلتات من بعض أصحابه الذين لم يبلغوا قبلها كمال التخلق بالقرآن مثل الذي قال له لما حكم بينه وبين الزبير في ماء شراح الحرّة : أن كان ابن عمتك يا رسول الله. ومثل التميمي خرفوص الذي قال في قسمة مغانم حنين : «هذه