الإرجاء وبذلك تنشأ احتمالات في المراد من الإرجاء والإيواء صريحهما وكنايتهما.
فضمير (مِنْهُنَ) عائد إلى النساء المذكورات ممن هن في عصمته ومن أحل الله له نكاحهن غيرهن من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته ، والواهبات أنفسهن ، فتلك أربعة أصناف :
الصنف الأول : وهنّ اللاء في عصمة النبي عليه الصّلاة والسّلام فهن متصلن به فإرجاء هذا الصنف ينصرف إلى تأخير الاستمتاع إلى وقت مستقبل يريده ، والإيواء ضده. فيتعين أن يكون الإرجاء منصرفا إلى القسم فوسع الله على نبيئه صلىاللهعليهوسلم بأن أباح له أن يسقط حق بعض نسائه في المبيت معهن فصار حق المبيت حقا له لا لهن بخلاف بقية المسلمين ، وعلى هذا جرى قول مجاهد وقتادة وأبي رزين ، قاله الطبري.
وقد كانت إحدى نساء النبي صلىاللهعليهوسلم أسقطت عنه حقها في المبيت وهي سودة بنت زمعة ، وهبت يومها لعائشة فكان النبي صلىاللهعليهوسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة وكان ذلك قبل نزول هذه الآية ، ولما نزلت هذه الآية صار النبي عليه الصلاة والسلام مخيرا في القسم لأزواجه. وهذا قول الجمهور ، قال أبو بكر بن العربي : وهو الذي ينبغي أن يعول عليه. وهذا تخيير للنبي صلىاللهعليهوسلم إلا أنه لم يأخذ لنفسه به تكرما منه على أزواجه. قال الزهري. ما علمنا أن رسول الله أرجأ أحدا من أزواجه بل آواهن كلّهن. قال أبو بكر بن العربي : وهو المعنى المراد. وقال أبو رزين العقيلي (١) : أرجأ ميمونة وسودة وجويرية وأم حبيبة وصفية ، فكان يقسم لهن ما شاء ، أي دون مساواة لبقية أزواجه. وضعفه ابن العربي.
وفسر الإرجاء بمعنى التطليق ، والإيواء بمعنى الإبقاء في العصمة ، فيكون إذنا له بتطليق من يشاء تطليقها وإطلاق الإرجاء على التطليق غريب.
وقد ذكروا أقوالا أخر وأخبارا في سبب النزول لم تصح أسانيدها فهي آراء لا يوثق بها. ويشمل الإرجاء الصنف الثاني وهن ما ملكت يمينه وهو حكم أصلي إذ لا يجب للإماء عدل في المعاشرة ولا في المبيت.
ويشمل الإرجاء الصنف الثالث وهن : بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته ، فالإرجاء تأخير تزوج من يحلّ منهن ، والإيواء العقد على إحداهن ، والنبيصلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) أبو رزين بفتح الراء اسمه : لقيط. ويقال له العقيلي أو العامري وهو من بني المنتفق. وله صحبة.