اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) [الأحزاب : ٩] إلخ .. إشارة إلى أن ذلك التأييد الذي أيد الله به رسوله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين معه إذ ردّ عنهم أحزاب الكفار والمنافقين بغيظهم لم ينالوا خيرا ما هو إلا أثر من آثار الميثاق الذي أخذه الله على رسوله حين بعثه.
والميثاق : اسم العهد وتحقيق الوعد ، وهو مشتق من وثق ، إذا أيقن وتحقق ، فهو منقول من اسم آلة مجازا غلب على المصدر ، وتقدم في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) في سورة البقرة [٢٧]. وإضافة ميثاق إلى ضمير النبيئين من إضافة المصدر إلى فاعله على معنى اختصاص الميثاق بهم فيما ألزموا به وما وعدهم الله على الوفاء به. ويضاف أيضا إلى ضمير الجلالة في قوله (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) [المائدة : ٧].
وقوله (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) إلخ هو من ذكر بعض أفراد العام للاهتمام بهم فإن هؤلاء المذكورين أفضل الرسل ، وقد ذكر ضمير محمد صلىاللهعليهوسلم قبلهم إيماء إلى تفضيله على جميعهم ، ثم جعل ترتيب ذكر البقية على ترتيبهم في الوجود. ولهذه النكتة خص ضمير النبي بإدخال حرف (من) عليه بخصوصه ، ثم أدخل حرف (من) على مجموع الباقين فكان قد خصّ باهتمامين : اهتمام التقديم ، واهتمام إظهار اقتران الابتداء بضمير بخصوصه غير مندمج في بقيتهم عليهمالسلام.
وسيجيء أن ما في سورة الشورى [١٣] من تقديم (ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) على (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الشورى : ١٣] طريق آخر هو آثر بالغرض الذي في تلك السورة من قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ) الآية [الشورى : ١٣].
وجملة (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) أعادت مضمون جملة (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ) النبيئين ميثاقهم لزيادة تأكيدها ، وليبنى عليها وصف الميثاق بالغليظ ، أي : عظيما جليل الشأن في جنسه فإن كل ميثاق له عظم فلما وصف هذا ب (غَلِيظاً) أفاد أن له عظما خاصا ، وليعلّق به لام التعليل من قوله (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ).
وحقيقة الغليظ : القويّ المتين الخلق ، قال تعالى : (فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) [الفتح : ٢٩]. واستعير الغليظ للعظيم الرفيع في جنسه لأن الغليظ من كل صنف هو أمكنه في صفات جنسه.