وأنت تريد عبده ؛ لأنه لا يعبر بزيد عن عبده ، فلفظ" زيد" ليس يشتمل على العبد.
وبدل المعرفة من النكرة ، والنكرة من المعرفة ، والمضمر من المظهر ، والمظهر من المضمر ، في هذه الأبواب سواء ، وليست كالنعت ؛ لأن النعت تمام المنعوت ، وتجلية له ، والبدل منقطع من المبدل منه على ما ذكرنا ، فلم تكن حال توجب استواءهما في التعريف والتنكير.
والوجه الرابع : بدل الغلط ، ولا يجوز أن يقع في شعر ولا قرآن ولا كلام معمول محكّك وإنما يجيء في الكلام الذي يبتدؤه الإنسان على جهة سبق اللسان إلى الشيء الذي لا يريده ، فيلغيه ، حتى كأنه لم يذكره بلفظ مما يريده ، كقولك : " رأيت زيدا" وأنت تريد عمرا فتلغي زيدا ، وتذكر عمرا فتقول : رأيت زيدا عمرا ، وتكون مريدا لزيد ، فيبدو لك ، إما لأنك تبينت أن الفعل لم يقع بعد بزيد ، وأنه كان واقعا بعمرو ، وإما لأنك أردت الإضراب عن نسبة ذلك الفعل إلى زيد ، وإنما يقع في بديه الكلام.
والعامل في البدل في ذلك كله هو العامل في المبدل منه ؛ لتعلقهما به من طريق واحد.
قال سيبويه على إثر ما ذكره من البدل : (فهذا يجيء على وجهين : على أنه أراد رأيت أكثر قومك ورأيت ثلثي قومك ، وصرفت وجوه أولها ، ولكنه ثنّى الاسم توكيدا كما قال الله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)(١)).
فهذا أحد الوجهين ، والمعنى في ذلك أنه حين قال : " رأيت قومك" كان غرضه رأيت ثلثي قومك ؛ لأنه قد يجوز أن تعبّر باللفظ العام وأنت تريد البعض ، كما قد يقول القائل : " شغب الجند" وإنما تريد بعضهم ، و" ضج أهل بغداد" ، وعسى ألا يكون ضج منهم إلا نفر ، فإذا أراد باللفظ الأول العام البعض ثم أتى بذلك البعض فكرره بلفظ آخر فقد أكّد ، كما أكّد في قوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ،) وكما قال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ)(٢) ، ف" قتال فيه" بدل وهو تأكيد على هذا الوجه الذي ذكرناه ، لأنه أراد بقوله : " الشهر الحرام" القتال ، ثم أعاد القتال توكيدا قال
__________________
(١) سورة الحجر ، آية : ٣٠.
(٢) سورة البقرة ، آية : ٢١٧.