هيئة اجتماع الحيوانية والوجود والإنسانية ، ولكن هذا القصد يحرزه الباب بالمثال المشعر بأن الكثرة الموجبة للدقة فى التفصيل لا بد أن تكون كما مثل مما يحتاج إلى تأمل ، وزاد غير المصنف فى الأعرفية أن تعتبر الخصوصية فى الجنس إذا كانت دقيقة كما فى تشبيه عين الديك بالشرر باعتبار الحمرة المخصوصة ، وظاهره أن غير ما ذكر لا أعرفية فيه ، والصواب هو أن ينظر فى الدقة فهى المرجع فى الحسن والأعرفية حيث كانت (وكلما كان التركيب) ، سواء كان حسيا نادرا كما فى المرآة فى كف الأشل ، أو كان خياليا كما فى أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد ، أو عقليا كما فى مثل الحمار يحمل أسفارا ، (من أمور أكثر) أى : وكلما ازداد تركيب وجه شبه فى تشبيه (كان) ذلك (التشبيه أبعد) عن الابتذال لبعد تناوله حينئذ عن مطلق الناس ، وإنما يتفطن الأذكياء ، وذلك بشرط كون التفصيل فيه دقة وغرابة كما تقدم ، فإذا كان بهذا القيد فكلما كثر ازداد غرابة ، كما فى قوله تعالى : (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)(١) فإن الوجه يؤخذ من هذه الجمل كلها فيحتاج إلى مزيد نظر فى تتبعها وفى كيفية أخذ الوجه منها ، فتكون هيئة تركيبية غاية فى اللطافة والغرابة ، حيث يراعى فيها أن مثل الحياة الدنيا شبهت بحال نبات كان له سبب هو المطر ، وأن ذلك النبات تم إلى حيث اختلط واشتبك من كل نوع مما ينفع الناس والأنعام ، فصار بحيث ينال منه المقصود ويعجب ، وذلك بسبب تمام سببه العادى وهو المطر ، وبلوغ النهاية فى نعيمه وكماله ، وأنه حينئذ تزينت به الأرض وظن أهل الأرض أنهم يبلغون به المرام ، وأعجبهم ، وأنهم بعد تمامه وإعجابه فاجأ أهله أمر الله فيه من ضر أو غيره ، فصار يابسا مضمحلا ذاهبا كأن لم يعجب بالأمس ، فيأخذ الهيئة من مجموع ما ذكر على هذا الترتيب ، وهو كون الشيء يبتدى ضعيفا بسبب عادى ثم لا يزال يزداد حتى يكون معجبا ، بحيث يغتر به من رآه ، ويرى تمكن الانتفاع ثم يطمئن إليه ، وأنه بعد الاطمئنان إليه يصيبه عاجلا ما
__________________
(١) الكهف : ٤٥.