الهزل الذى يراد به الجد
(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (الهزل الذي يراد به الجد) وتسميته أغنت عن تعريفه فيكفي فيه المثال ولذلك لم يعرفه واقتصر على المثال فقال وذلك كقوله : (١)
إذا ما تميمي أتاك مفاخرا |
فقل عد عن ذا أين أكلك للضب |
فهذا كلام هزل في أصله لأنه لو أتاك إنسان مفاخرا وخاطبته غير مفاخر في مجلس ممن تريد المطايبة معهم والمضاحكة قلت إذا أتاك فلان مفاخرا فقل له اترك عنك هذا أين أكلك للضب كان هزلا ؛ لأنه إنما يقصد به الضحك والمطايبة ولكن مقصود الشاعر به الجد وهو ذم التميمي بأكل الضب وأنه لا مفاخرة له مع كونه يرتكب أكل الضب الذي يعافه أشراف الناس ، وبهذا التقرير يندفع ما يتوهم من أن كونه هزلا مع كونه أريد به الجد متنافيان ؛ لأن الهزلية باعتبار أصل استعماله والجدية باعتبار الحالة الراهنة وقوله عد : أمر من عداه جعله يتعدى الشيء أي عد نفسك عن هذه المفاخرة بتركها وحدثنا عن أكلك للضب. وأين : يسأل بها عن المكان ولكن كثيرا ما يكون السؤال عن المكان كناية عن صاحبه فالمراد بالسؤال عن مكان أكل الضب السؤال عن نفس الأكل والقصد التعيير به والحمل على الإقرار به.
تجاهل العارف
(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (تجاهل العارف) أي النوع المسمى بذلك (وهو) أي وهذا النوع يسمى باسمين أحدهما هو ما تقدم والآخر (كما سماه) أي : على ما سماه (السكاكي) هو (سوق المعلوم مساق) أي سوقا كسوق (غيره) بأن يعبر عنه بما يدل في الأصل على أنه غيره معلوم (لنكتة) أي لفائدة ، فإن عبر عن المعلوم بعبارة المجهول لا لنكتة كأن يقال أزيد قائم أم لا؟ حيث يعلم أنه قائم لم يكن من هذا الباب في شيء ، والعبارة الثانية أفضل لوجهين.
__________________
(١) البيت لأبى نواس ، فى الإيضاح ص (٣١٩) ، ولكن ورد (كيف) بدلا من (أين).