أنها هيئة متمكنة فى الذات متقررة فيها خارجا تقررا استقلت معه فى ذلك الموصوف بالمفهومية ، واحترز بذلك عن النسبية ، فإن النسبية لا تعقل إلا بين شيئين ، فليست مستقلة المفهومية فى الموصوف على ما يأتى تحقيق ذلك فى تفسير مقابل الحقيقة ، وهى ـ أعنى تلك الحقيقة قسمان ـ لأنها :
قسما الحقيقة :
الحسية
(إما حسية) أى مدركة بإحدى الحواس الخمس التى هى البصر والشم والسمع والذوق واللمس ، وذلك (كالكيفيات الجسمية) أى : المختصة بالوجود فى الجسم والكيفية عرض لا يقتضى قسمة ولا عدمها لذاته اقتضاء أوليا ، ولا يتوقف تعقله على تعقل الغير ، وقد تقدمت محترزات هذه القيود فى صدر الكتاب عند تفسير الملكة ، ثم الكيفية الجسمية حيث كانت حسية تدرك بإحدى الحواس ، فهى حينئذ إما أن تكون (مما يدرك بالبصر) وهى معنى قائم بالحدقة يتعلق بالألوان ، والأكوان التى هى الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ، ويفسر عند الحكماء على ما اقتضاه التشريح بأنه قوة مترتبة أى : متمكنة فى العصبتين المجوفتين اللتين هما متلاقيتان ، فتفترقان إلى العينين ، وذلك أن الطرف الأول من الدماغ قامت من جهته اليسرى عصبة مجوفة كالقصبة الصغيرة ، ومن جهته اليمنى عصبة كذلك ، فذهبت اليسارية إلى العين اليمنى واليمنية إلى العين اليسرى ، فتلاقت العصبتان قبل الوصول إلى العينين على التقاطع فصارتا على هيئة الصليب ، وقام معنى البصر فى العصبتين وظاهر هذا التفسير أن البصر لا يختص بما اتصل منهما بالعينين ولا بما اتصل بالدماغ ولا بوسطهما ، بل هو مبثوث فى الجميع ، وليس فى ذلك قيام المعنى بمحلين ؛ لأن ذلك محمول على أن فى كل محل مثل ما فى الآخر ، ويحتمل اختصاصها بمحل مخصوص منها ، ولكن جرت العادة مطلقا بأن العصبة إذا أصابتها آفة فى موضع منها ذهب البصر عن جميعها ، ثم بين ما يدرك بالبصر بقوله : (من الألوان) كبياض وسواد وحمرة وصفرة وغير ذلك ، فيقال مثلا عند التشبيه فى اللون : خده كالورد فى حمرته ، وشعره كالغراب فى سواده ، (و) من (الأشكال) والشكل عبارة