الكثرة ؛ لأن ذلك هو الواقع وقصد الإشعار بما يظهر به ذلك الوصف كانت الاستعارة غريبة إذ لا يأتي بها مع هذين التصرفين إلا من له ذهن ارتقى به عن العامة.
وإلى هذا أشار بقوله (إذ أسند الفعل إلى الأباطح) أى : وإنما قلنا إنه تصرف في العامية بما صارت به غريبة لأجل أنه أسند في البيت إلى الأباطح الفعل الذى هو سالت ، وفيه وقعت الاستعارة العامية حيث تضمن نقل السيلان إلى السير وإسناده إلى الأباطح ، من إسناد ما للحال إلى المحل لكثرة الملابسة كما قررنا (وأدخل) معطوف على أسند أى : لأجل أنه أسند وأدخل (الأعناق في السير) ؛ لأن التركيب يقتضى كونها هى المسند إليها في الحقيقة ، كما قررنا ولو كانت مجرورة لفظا ويحتمل أن يريد من إدخالها في السير جرها بالباء المقتضية لملابسة الفعل لها. وقد تقدم أن تلك الملابسة مرجعها إلى الإسناد وقد تقدم أيضا أن سبب إدخالها في السير كون هواديها أى مقدمها فيه تظهر السرعة وضدها وسائر الأعضاء تابعة لها ، فيكون إدخالها في السير باعتبار كون التركيب اقتضى أصالة الإسناد لها لأجل كونها كالسيف لدلالتها على حال الحركة والدال سبب لفهم المدلول ، فنزل ذلك منزلة السبب في الوجود فبهذه الاعتبارات والمحل اكتسبت الاستعارة الملابسة له دقة وبهذا يعلم أن المراد بالتصرف أن يضم إليها شىء آخر دقيق فيكون استعمالها في صحبة ما دق غريبا.
أقسام الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع :
ثم أشار إلى تقسيم الاستعارة باعتبار الثلاثة فقال : (و) الاستعارة تنقسم أيضا (باعتبار الثلاثة) أعنى المستعار منه والمستعار إليه والجامع بينهما انقساما آخر ، وذلك أن المستعار منه والمستعار له إما أن يكون حسيين معا أو يكونا عقليين معا أو يكون المستعار منه حسيا والمستعار له عقليا ، أو العكس أعنى : أن يكون المستعار له حسيا والمستعار منه عقليا. وقد علم مما تقدم في التشبيه وهو أنه متى كان الطرفان أو أحدهما عقليا ، لم يكن الجامع إلا عقليا لاستحالة قيام الحسى بالعقلى ؛ لأن وجه الشبه المسمى هنا جامعا لا بد أن يقوم بالطرفين ، فإذا كانا أو أحدهما عقليا امتنع قيام الحسى بذلك العقلى منهما أو من أحدهما. والثلاثة الأخيرة من هذه الأقسام الأربعة فيها طرف