المضمن ولا يخفى بالذوق السليم كونها غير مقصودة أولا ، كما لا يخفى من التركيب فلو صرح بالمعنى المضمن أولا لم يكن ذلك من الإدماج كما قيل في قوله (١) :
أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا |
وأسعفنا فيمن نحب ونكرم |
|
فقلت لهم نعماك فيهم أتمها |
ودع أمرنا إن المهم المقدم |
فإنه قيل : إن هذا الكلام مسوق للتهئنة بالوزارة لبعض الوزراء وأن الدهر أسعد في تلك الوزارة وأن الشاعر يحبها وضمن ذلك التشكي من الدهر في عدم إسعافه هو في نفسه فكانت الشكاية فيه إدماجا وهو سهو ؛ لأنه صرح أولا بالشكاية بل قيل : لو جعلت التهئنة مدمجة كان أقرب ولا ينافي ذلك كون المقصود بالذات هو التهنئة ؛ لأن القصد الذاتي لا ينافي إفادة ذلك المقصود بطريق الإدماج بأن يؤتى به بعد التصريح بغيره فافهم.
التوجيه
(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (التوجيه) أي النوع المسمى بالتوجيه ويسمى أيضا محتمل الضدين (وهو) أي التوجيه (إيراد الكلام) أي الإتيان بالكلام (محتملا) (لوجهين مختلفين) على حد سواء والمراد بالاختلاف التضاد والتنافي كالمدح والذم والسب والدعاء ولا يكفي فيه مجرد كون المعنيين متغايرين فلو قيل : رأيت العين في موضع يحتمل على السواء أن يراد رأيت العين الجارية وعين الذهب والفضة لم يكن من التوجيه ؛ لأن المعنيين متغايران ولا تضاد بينهما وإنما التوجيه (كقول من قال لأعور : ليت عينيه سواء) (٢) فإنه محتمل على السواء لمعنيين متضادين أحدهما أن يكون دعاء عليه والآخر أن يكون دعاء له ؛ لأنه يحتمل أن يراد طلب تصحيح العين العوراء فيكون دعاء له أو تعوير الصحيحة فيكون دعاء عليه هذا شطر بيت من بيتين هما قوله :
خاط لي عمرو قباء |
ليت عينيه سواء |
|
فاسأل الناس جميعا |
أمديح أم هجاء |
__________________
(١) البيتان لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر ، وهما فى الإيضاح ص (٣١٧).
(٢) البيت لبشار بن برد ، وهو فى الإيضاح ص (٣٠٨).