فى كثير من الأمور بخلاف المعقولات الصرفة ، ومن ثم قيل : إن الفرق بين المقيد والمركب أحوج شيء إلى التأمل ، يعنى فى تفسيره والتعبير عنه وفى إدراكه وأخذ حقيقته من كلام البلغاء مع اسم التقييد والتركيب ، وأما إدراك كنهه فى نفس الأمر لا بقيد اسم التقييد والتركيب وهو منشأ الصعوبة فهو أحوج شيء إلى الذوق ، وإنما صعب فى التعبير لأن التعبير عن الذوقيات أصعب شيء وإدراكها من التعبير كذلك ، ولذلك يقال من وصف له البلوغ قبل الاحتلام لم يفهمه إلا بعده ، وكذلك هو أصعب شيء فى الإدراك حيث يدعى التركيب أو التقييد ، ولم يطابق الذوق ذلك المدعى تأمله.
الرابع : تشبيه مركب بمفرد
(وإما تشبيه مركب بمفرد) ، يعنى بمفرد مقيد بدليل المثال وهو معطوف أيضا على ما عطف عليه ما قبله ، يعنى أن التشبيه إما تشبيه مفرد بمفرد ، وقد تقدمت أقسامه ، وإما تشبيه مركب بمركب ، وإما تشبيه مفرد بمركب ، وإما تشبيه مركب بمفرد مقيد كقوله : (يا صاحبى تقصيا نظريكما) (١) أى : ابلغا أقصى نظريكما بالمبالغة فى تحديق النظر ، يقال تقصيته بلغت أقصاه ، وإذا تقصيتما نظريكما واجتهدتما فيه ولم تقصرا فيه فانظرا ما قابلكما من الأرض بأن تلاحظا ملاحظة لا تقتضى المطالعة على مخبر الشيء فكأنما (تريا وجوه الأرض) أى : الأماكن البادية منها كالوجه (كيف تصور) أى : تريا كيف تبدو صورتها ، أى : تريا كيفية صورتها بثبوت الإشراق لها كما دل عليه ما بعد ، فقوله : " كيف تصور" بدل من وجوه مضارع سقطت منه تاء المضارعة ، يقال : صوره الله فتصور ، أى : فقبل التصوير ، وبدت صورته فى الوجود ، (تريا نهارا) أى : تريا ضوء نهار وإلا فالنهار لا يرى من حيث إنه زمان (مشمسا) أى : ذا شمس لم تستر بغيم ، ولهذا وصف النهار بكونه مشمسا وأراد بالشمس ضوءها الظاهر (قد شابه) أى : خالط ذلك النهار ، أى : ضوءه (زهر) أى : لون زهر (الربا) جمع ربوة وهى المكان المرتفع ، وأراد بالزهر النبات مطلقا ، وأطلق عليه الزهر ؛ لأنه أحسن ما فيه مجازا (فكأنما هو) أى : النهار بمعنى الضوء المشوب بلون النبات (مقمر) أى : ليل ذو قمر ، أى : ذو ضوء
__________________
(١) البيتان لأبى تمام من قصيدة يمدح فيها المعتصم ، ديوانه (٢ / ١٩٤) ، والإشارات ص (١٨٣).