والآخر : أن الخلود إنما يعهد انقطاعه باعتبار الاستقبال ، كما أن القدم إنما ينتفي باعتبار الماضي.
والآخر أن الاستثناء لا يكون على نسق واحد ؛ لأنه في الأول لقطع الخلود استقبالا ، وفي الثاني لقطعه من ابتداء أوقاته ؛ ولذلك حمل على معنى أن أهل الجنة لا يخلدون في نعيمها ؛ لخروجهم في بعض الأوقات إلى ما هو أعظم ، كالرضوان والشهود وأهل النار لا يخلدون في عذابها ؛ لخروجهم في بعض الأوقات إلى عذاب الزمهرير.
ويرد على هذا الحمل أن الكون في الجنة يتضمن جميع النعم روحانيا وبدنيا ، والكون في النار يتضمن أنواع العذاب المجددات بعد وقت الدخول. فكيف يصح إخراج بعض الأحوال دون بعض؟ فإن قدر ففي نعيم الجنة المحسوس ، وفي عذاب النار الذي هو الحرارة بالخصوص ، خرج المستثنى عن التناول ، مع أن التقدير كالتحكم ؛ فلأجل ما ذكر على التأويلين قيل إن الاستثناء تقديري. أي : إلا ما شاء ربك ، على تقدير مشيئته ، بمعنى أنه لو شاء الخروج من كليهما لكان. ويكون في ذلك إشارة إلى أن الخلود ليس بواجب ذاتي بل بالمشيئة ، وعليه يكون المراد بالشقاوة الشقاوة الكبرى ، وبالسعادة ما يقابلها. كما أن المراد بها على التأويل الثاني ما ذكر أيضا ، بناء على أن النكرة تنصرف عند الإطلاق للفرد الأكمل ، وهذا في غاية البعد عن الدلالة اللفظية.
فالوجهان الأولان أقرب لصحتهما لفظا على ما فيها فتأمل.
(وقد يطلق التقسيم على أمرين آخرين) غير ما تقدم ، والذي تقدم هو أن يذكر متعدد ، ثم يضاف لكل من المقصود في التعدد ما له على التعيين.
التقسيم مع ذكر أحوال الشيء مضافا لما يليق به
(أحدهما) أي : أحد هذين الأمرين اللذين ليس كل منهما من التقسيم السابق (أن تذكر أحوال الشيء) بعد ذكره (مضافا) أي : حال كون تلك الأحوال قد أضيف (إلى كل) منها (ما يليق به كقوله) أي : كقول المتنبي :
سأطلب حقي بالقنا ومشايخ |
كأنهم من طول ما التثموا مرد (١) |
__________________
(١) البيت لأبى الطيب المتنبى فى التبيان (١ / ٢٥٧) ، وفى شرح المرشدى على عقود الجمان (٢ / ٩٦).