والقسم الثالث : يكون خارجا عن المشبه فقط ، كما لو استعير العدو للطيران في جوف الهواء مباشرة بناء على لزومه العدو ودخوله في الطيران ولا يخلو المثالان عن بحث ولا ضرر فيه ؛ لأن المقصود الإيضاح.
تقسيم آخر للاستعارة باعتبار الجامع
(و) نعود (أيضا) لتقسيم الاستعارة باعتبار الجامع تقسيما آخر وهو أنها (إما عامية) يدركها عامة الناس ويصح منهم استعمالها (وهى المبتذلة) لابتذالها أى : امتهانها بتناول كل أحد لها في كل ما أريدت وذلك (لظهور الجامع) بين الطرفين (فيها نحو رأيت أسدا يرمى) بالسهام فإن الأسد استعارة للرجل الشجاع ، والجامع بينهما وهو الجراءة أمر واضح يدركه كل أحد لاشتهار الأسد به ، فكل ما أدرك في الشجاع انتقل منه إلى وجوده في الأسد فيلزم صحة الاستعارة بسببه لكل أحد فكانت مبتذلة (أو خاصية) عطف على عامية أى : إما أن تكون الاستعارة عامية لوضوح وجهها ، وإما أن تكون خاصية (وهي الغريبة) لغرابة الجامعة فيها فلا يطلع عليه إلا الخواص ، وهم الذين أعطوا أذهانا متسعة في المدارك والدقائق ، وفي التفطن للأمور التى من شأنها الخفاء وبتلك الأذهان ارتقوا عن مرتبة العوام في اعتباراتهم ومداركهم (والغرابة) التي تنسب بها الاستعارة إلى الخواص على قسمين : لأنها (قد تكون) حاصلة (في نفس الشبه) بين الطرفين ، وذلك بأن يكون أصل تلك الاستعارة تشبيها في وجهه غرابة من ذاته لكون الانتقال من المشبه به بعد استحضار المشبه ليس ممكنا من كل أحد لخفاء الجامع بينهما بحيث لا يدركه إلا المتسع في الدقائق والمدارك المحيط علما بما لا يمكن لكل أحد وهذا مراد من قال بأن يكون تشبيها فيه غرابة ، وإلا فلا يخفي أن الوجه إن كان واضحا لم يكن التشبيه غريبا (كما في قوله) أى : التشبيه الغريب كالتشبيه الكائن في قول يزيد بن مسلمة بن عبد الملك يصف الفرس بأنه مؤدب أدبا ، كأنه يعلم به ما يراد منه حتى إنه إذا نزل عنه وألقى عنانه في قربوس سرجه وقف مكانه كالمنتظر لربه لا يبرح عن ذلك المكان كما يريد راكبه حتى يعود إليه.