وخبر برد الإسكاف أيضاً قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّي رجل خرّاز ولا يستقيم عملنا إلّا بشعر الخنزير نخرز به؟ قال : خذ منه وبره فاجعلها في فخّارة ، ثمّ أوقد تحتها حتّى يذهب دسمها ، ثمّ اعمل به» (١).
ولعلّ مستند القول بالجواز مطلقاً الخبران أو ثانيهما ، مضافاً في نفي اعتبار تقييده بحال الضرورة إلى ما عدا الأخير ، كما أشار إليه في المسالك.
ويشكل بأنّ التفصيل المستفاد من الثلاثة بين ذي الدسم وغيره قاطع لإطلاق ثاني الخبرين بضابطة حمل المطلق على المقيّد ، إلّا أن تتحمّل في دفعه بمنع كون النهي عن العمل بذي الدسم للتحريم ، بل هو إرشادي للتحفّظ والتوقّي عن النجاسة المانعة من الصلاة وغيرها من مشروط بالطهارة ـ كما صنعه بعض مشايخنا (٢) ـ فلا تنافي حينئذٍ بين المطلق والمقيّد.
وكيف كان يرد على التمسّك بالخبر الأوّل ـ مع قصور سنده في الجملة بالحسن بن زرارة لعدم توثيق فيه ـ منع الدلالة فإنّها لا تتمّ إلّا على تقدير كون عنوان السؤال المشتبه حكمه للسائل الاستقاء بالحبل المتّخذ من شعر الخنزير من البئر لشبهة في جواز استعمال شعر الخنزير كما هو موضوع الكلام ومحلّ البحث ، وهذا غير واضح ، بل الظاهر كون عنوان السؤال الاستقاء من البئر الّتي يشرب منها أو يتوضّأ منها بالحبل المتّخذ من الشعر النجس لشبهة في فساد الماء المانع من شربه والتوضّي به بملاقاة النجس وعدمه. والقرينة عليه وصف البئر بكونها يشرب منها أو يتوضّأ منها ، فإنّ عنوان السؤال لو كان هو الاستقاء بشعر الخنزير واستعماله من حيث إنّه يجوز أو لا يجوز لم يكن في ذكر الوصف فائدة أصلاً ، وإطلاق الجواب ينصرف إلى عنوان السؤال ، فقوله عليهالسلام : «لا بأس به» لا ينساق منه إلّا نفي فساد ماء البئر بملاقاة هذه النجاسة.
وتوهّم : أنّ الخبر إن لم يدلّ على حكم استعمال شعر الخنزير بالنطق لدلّ عليه بالتقرير ، لأنّه لو لا جوازه لوجب على الإمام عليهالسلام الردع منه ، وعدمه يكشف عن الجواز.
__________________
(١) الوسائل ٣٤ : ٢٣٧ / ١ ، ب ٦٥ ما يكتسب به ، التهذيب ٩ : ٨٤ / ٣٥٥.
(٢) الجواهر ٣٦ : ٤٠١.