ولكن هذه المعونة وتلك المشاركة .. قد رافقها الحفاظ على اصالة خطه الرسالي ، ومواصلة اظهار المظلومية ، والشكوى من انحرافهم عن الجادة ، ومخالفتهم للنبيّ الاكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ..
نعم .. وهذه هي المشاركة البنّاءة ، والتي هي في خط الرسالة وخدمة لها.
وأما حين تكون المشاركة إمضاءً لممارسات الحكم اللامشروعة ، وسبباً ، أو فقل : عاملاً مساعداً في تركيز الانحراف ، وفي زيادة البعد عن الخط الاسلامي الاصيل .. وحيث يصبح الانسان أداةً بيد الحكم ، يستفيد منها لتكريس انحرافاته ، وتبرير أخطائه ، أو يتخذ منه واجهة تختفي وراءها شتى أنواع الفساد والظلم ، والهرطقة ، واللادينية .. فان هذه المشاركة تصبح خيانة للامة ، وللدين ، ولانسانية الانسان ، مهما كان ذلك الرجل شريفاً ، ونبيلاً في نفسه ، ومستقيم الطريقة في سلوكه الشخصي ، وفي ملكاته النفسية الخاصة ..
ولاجل ذلك نجد الائمة عليهمالسلام ، ليس فقط لا يشاركون في الحكم الاموي والعباسي ، ولا يمدون لهما يد العون .. وإنما يعتبرون أدنى عون ، أو تأييد له ، حتى ولو بمثل أن يؤجّر الرجل جماله للحاكم ؛ ليحج عليها ، الامر الذي يستلزم أن يحب بقاء ذلك الحاكم الظالم حياً ، إلى حين انتهاء مدة الاجارة (١) يعتبرون حتى هذا القدر ، من الذنوب الكبيرة ، والجرائم الخطيرة ، التي لا يمكن التساهل فيها ، أو الاغضاء عنها ..
ج : وأما في صدر الاسلام ، حيث دور التأسيس ، وتركيز وتعميق القيم والمفاهيم الاسلامية ، والاساسية ، وحيث كان لابد من تأصيل الاصول ، ونشأة العقائد وتكونها ، الاُمر الذي يستدعي طرح وتركيز العقائد الصحيحة ، ورعايتها ، والحفاظ عليها ، وطرد كل ما هو دخيل ، وغريب .. فان أي انحراف ، أو تساهل ، لسوف يترك أثره على اصل الاسلام وأساسه ، ومفاهيمه ومبانيه ،
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال ، المعروف برجال الكشي ص ٤٤١ وقاموس الرجال ج ٥ ص ١٢٧.