الدينية تعاملاً قشرياً ، يجعله يستغرق بالحقحقة ، حتى يبتعد عن روح الشريعة ، ويحبس نفسه في قمقمٍ جدب ، ومقفل ؛ ويحرم نفسه من العيش في رحاب الله سبحانه ، فلا يوفق للانطلاقة الهادفة في آفاقه الرحبة ، الزاخرة بالعطاء ، الغنية بالمواهب.
نعم .. إن سلمان حينما أحسّ أن زيد بن صوحان يتعرض لهذا الخطر الاكيد ، ويوشك أن تزل به قدمه .. فانه من موقع المربي المشفق ، يعمل على تصحيح الخطأ ، واعادة الامور إلى نصابها ..
يقول النص التاريخي عن زيد :
إنه : « كان يقوم الليل ، ويصوم النهار ، وإذا كانت الجمعة أحياها ، وإنه ليكرهها إذا جاءت ، لما يلقى بها؛ فبلغ سلمان ما كان يصنع ، فأتاه ، فقال :
أين زيد؟ فقالت امرأته : ليس هاهنا.
قال : فاني أقسم عليك : لمّا صنعت طعاماً ، ولبست محاسن ثيابك.
ثم بعث إلى زيد ، فقرب إليه الطعام ، وقال له :
كل يا زيد.
فقال : إني صائم.
فقال : كل يازيد ، لا تنقص دينك ، إن شر السير الحقحقة ، إن لعينك عليك حقاً ، وإن لبدنك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقاً.
فأكل زيد ، وترك ما كان يصنع (١).
وقريب من ذلك يروى لسمان مع أبي الدرداء أيضاً (٢).
__________________
(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ١٥ وتاريخ بغداد ج ٨ ص ٤٣٩ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٦ عنه.
(٢) راجع : حلية الاولياء ج ١ ص ١٨٨ واحياء علوم الدين ج ١ ص ٣٤٧ والاستيعاب بهامش الاصابة