وإذا كانت هذه حالتهم ، فانهم لم يكن
يمكن لهم أن يسمحووا لمخيّلتهم أن يمر فيها وَهمُ الخروج من حالتهم تلك ، فضلاً عن
أن يفكروا في السيطرة على الامبراطورية الكسروية وغيرها ، ويصبحوا بين يوم وآخر
أسياد العالم وحكامه ، والمسيطرين على قدراته وامكاناته.
أضف إلى ذلك : أن الاكثرية الساحقة حين
حصول هذا التحول الهائل في واقعهم ، كانت لا تزال تعيش في ظل مفاهيمها الجاهلية ،
وتخضع للضوابط والمعايير القبلية ، وتنطلق في مواقفها من اهوائها ، وعصبياتها ،
ومصالحها الشخصية.
ولم يتهيأ لها ، أو لم تكلف نفسها عناء
العيش في ظل مفاهيم الاسلام وتعاليمه ، ولم تتفاعل مع قيمه ومثله ، ولا عاشت
التجربة إلا في حدود الشعار ، أو التوهج العاطفي ، الذي لم يتأصل في وعيها ، ولم
يتجذر في فكرها ، ولا تلاقي مع فطرتها ، ولا لامس ضميرها ووجدانها ..
وقد تجلى ذلك بصورة أوضح ، بعد أن تعرضت
الامة بعد وفاة نبيها لمسحٍ إعلامي ، وتثقيفي ، عمل على إيجاد حالة جديدة ، تستهدف
تحويل الاتجاه في مرامي الطموح إلى مسار جديد ينسجم مع المصالح الطارئة ،
والتغيرات العارضة ، التي جاءت كنتيجة طبيعية للتغيير غير الطبيعي الذي نار مركز
القيادة بعد الرسول الاعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فتسلّمت القيادة تلك الفئة التي خصتهم بامتيازات ما كانوا يفكرون فيها ، ولا
يحلمون بها .. فعكفوا على دنياهم ، وغرقوا في زبارجها وبهارجها.
ولم يعد يهمهم ، إلا أن يكرسوا لانفسهم
هذه الامتيازات ، ويحوطوها ، ويحافظوا عليها ، ثم الحصول على المزيد منها ، مهما
كان ذلك ظالماً ، ومدمراً للآخرين ، أو مخالفاً للشرع ، ولاُحكام الدين ، أو تمجه
الاخلاق ، وتأباه الفطرة ..
وبعد كل ذلك ، فان من الطبيعي : أن نجد
: أن هؤلاء ، قد ابتلوا بداء