أما في عهد العباسيين ، فقد كانت التقلبات السياسية ، التي كان لغير العرب دور كبير فيها وفي صنعها ، وتوجيهها ـ كان لها ـ تأثير بارز على ظهور التعصبات العرقية ، والعنصرية بين حين وآخر ، على درجات متفاوتة من القوة والضعف ، وقد صاحب ذلك تهيؤ الفرصة أمام غير العرب ، للتعبير عن رأيهم في هذه القضية ، والدفاع عن مبدأ المساواة بين الناس ، بقوة وبحرية ..
ولكن موضوع التمييز العرقي ، والشعور العنصري ، بقي له دوره في كثير من المواضع والمواقع ، وكان له تأثيره في كثير من التقلبات ، والمواقف ، ولا نريد هنا تقصي هذا الامر ، وإنما نريد فقط الالماح إلى مورد أو موردين ظهر فيهما هذا الامر جلياً وواضحاً ، ونكل أمر تقصي ذلك إلى من يهمه هذا الاُمر.
فنقول : إنه عدا عن الفتن العرقية والثورات العنصرية التي ظهرت في اكناف واطراف الدولة الاسلامية هنا وهناك ، وهي كثيرة جداً (١) فاننا نجد :
١ ـ إنه يظهر : أن سياسة الاتهام بالزندقة ، التي تعني لزوم قتل المتهم بها ، ـ هذه السياسة ـ يرجع تاريخها إلى عهد بني اُمية ، ثم تبناها العباسيون بصورة أكثر فعالية ، وحزماً ، وتشدداً. وكانت هذه التهمة تمثل اسلوب الانتقام الناجح من الخصوم ، من دون أن يثير أية سلبيات ظاهرة ، بل ان فيها ايجابية اظهار الهيئة الحاكمة حريصة على الشريعة ، مهمتة بأمر الدين ، متجلببة جلباب التقوى ، والخشية والورع.
وقد طالت هذه التهمة الموالي بالدرجة الاولى ، وخصوصاً المثقفين والواعين منهم ، ويظهر من بعض النصوص: أن الموالي كانوا مستهدفين ـ هم والشيعة ـ
__________________
(١) راجع : على سبيل المثال الفتن والحروب التي جرت في عهد الرشيد ما بين سنة ١٧٠ و ١٨٥ فإن في ذلك مقنعاً وكفاية ، لمن أراد الرشد والهداية.