فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه ، فبقي سليمان عليهالسلام متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله ـ وقيل سنة ـ والناس ينظرون اليه وهم يقدرون انه حي ، وكان الجن كذلك ينظر اليه ويعملون له.
وبعد مدة من الزمن بعث الله عزوجل « الارضة » فدبت في عصاه ، فلما اكلت جوفها انكسرت العصا وخر سليمان عليهالسلام من قصره على وجهه ميتا.
وعلمت الجن بعد ذلك ما التبس عليهم انهم لا يعلمون الغيب ، ولو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب ، وشكرت الجن الارضة ما صنعت بعصا سليمان ، فما تكاد تراها في مكان الا وعندها ماء وطين.
وقيل ان سليمان عليهالسلام عاش سبعمائة سنة واثنى عشر سنة ، (١) وقيل اقل من هذا ، وروي ان سليمان عندما توفي دفن الى جنب قبر ابيه داود ، وكان له من العمر يوم ملك اثنتا عشرة سنة ، فمات وله اثنتان وخمسون سنة والله العالم. (٢)
اتضح لنا كيف ان رجلا بكل هذه القدرة والعظمة كان امام الموت ضعيفا لا حول له ولا قوة ، بحيث فارق الدنيا فجاة وفي لحظة واحدة.
وكيف ان الاجل لم يعطه حتى فرصة الجلوس او الاستلقاءعلى سريره.
هذه عبرة وموعظة لمن يتعض البعض حينما يبلغون مقاما او منصبا ان قد اصبحوا مقتدرين حقيقة ، فان المقتدر الحقيقي ، ذلك الذي كان الجن والانس والشياطين خدما بين يديه ، ذلك الذي كان يجول في الارض والسماء ، والذي بلغ قمة الهيبة والحشمة ، ثم في لحظة واحدة قصيرة ـ كزبد البحر ـ فارق الدنيا ... فتامل.
__________________
١ ـ كمال الدين ، عنه البحار : ج ١٤ ص ١٤٠.
٢ ـ تاريخ اليعقوبي : ص ٦٠.