أصول الفقه - ج ١٠

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١٠

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-83-6
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٩٤

وقع التطهّر عليه ، لاحتمال كونه قد خرج جديداً فنستصحب نجاسته ، لأنّ هذا السطح الموجود مردّد بين السطح الذي طهّرناه وبين سطح آخر لم نطهّره ، فهذا السطح الموجود فعلاً تحت يدنا نعلم أنّه كان نجساً ولم نعلم بأنّا قد طهّرناه ، فنستصحب نجاسته. ولا يرد عليه إلاّما عرفت من دعوى عدم اتّصال الشكّ الفعلي باليقين السابق ، لتوسّط العلم بطهارة السطح الذي كان موجوداً قطعاً ، وقد عرفت أنّ ذلك غير مضرّ في اتّصال الشكّ في بقاء نجاسة هذا السطح الموجود فعلاً باليقين بنجاسته.

وهكذا الحال فيما لو تردّدت هذه المرأة بين كونها زوجته التي عقد عليها وكونها أجنبية في استصحاب كونها أجنبية أو لم يعقد عليها.

والحاصل : أنّ العبرة في اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين إنّما هو بحال إجراء الاستصحاب ، ومن الواضح فيما نحن فيه أنّ الاتّصال المذكور حال الاستصحاب الذي هو يوم الاثنين فيما ذكرناه من المثال متحقّق بالنسبة إلى كلّ من المشكوك والمتيقّن ومن الشك واليقين. أمّا الأوّل فواضح ، لأنّ المشكوك وهو نجاسة هذا الاناء يوم الأحد متّصل بالمتيقّن وهو النجاسة يوم السبت ، بمعنى أنّ هذه النجاسة في يوم الأحد لو كانت متحقّقة في الواقع لكانت هي عين النجاسة التي كانت يوم السبت لا غيرها ، فيكون المشكوك فيه حينئذ هو عين المتيقّن ، وهو معنى اتّصال المشكوك بالمتيقّن. وأمّا الثاني فواضح أيضاً ، لما عرفت من أنّ نجاسة يوم السبت متيقّنة يوم الاثنين ، بمعنى أنّ يقينه السابق المتعلّق بالنجاسة يوم السبت هو موجود ومتحقّق يوم الاثنين ، فتكون نجاسة يوم السبت متيقّنة له يوم الاثنين ، كما أنّ نجاسة يوم الأحد مشكوكة في اليوم المذكور أعني يوم الاثنين.

١٨١

وإن شئت فقل : إنّه في يوم الاثنين متيقّن بالنجاسة السابقة إلى يوم الأحد ، وهو شاكّ في بقائها من ذلك اليوم ـ أعني يوم الأحد ـ إلى الآن ، فكان شكّه بالنجاسة المذكورة متّصلاً بيقينه لحصولهما معاً في آن واحد ، وليس حاله إلاّكمن التفت إلى ثوبه مثلاً في آخر الشهر ، وتيقّن أنّه كان نجساً في أوّل الشهر ، وشكّ في بقاء نجاسته المذكورة إلى الآن ، أو إلى نصف الشهر إن فرض أنّه طهّره يقيناً من نصف الشهر إلى الآن.

ولا فرق بين المثال وبين ما نحن فيه إلاّمن حيث إنّه فيما نحن فيه كان الشكّ الفعلي في نجاسة هذا الاناء مسبوقاً بيقين سابق بطهارة إناء كان معيّناً عنده وهو الآن يحتمل أنّه هو هذا الاناء ، وهذا لا يوجب إلاّ احتمال انتقاض يقينه السابق المتعلّق بالنجاسة السابقة ، وقد عرفت أنّه لا يضرّ بالاستصحاب ، فإنّ ذلك اليقين بالطهارة لأجل طروّ التردّد يكون شكّاً فعلياً ، ولو كان مضرّاً لكان اللازم اختصاص الاستصحاب في الأُمور الماضية بما إذا كان الشكّ في البقاء ناشئاً عن الغفلة ، دون ما إذا كان ناشئاً عن احتمال الالتفات والنسيان ، كما لو علم أنّ ثوبه نجس سابقاً واحتمل أنّه طهّره فيما سبق ، بحيث إنّه لو طهّره لكان حين تطهيره له عالماً ملتفتاً ، فإنّه من هذه الجهة مثل ما نحن فيه ، حيث إنّه يحتمل أنّه قد انتقض يقينه بنجاسة ثوبه باليقين بطهارته.

ومثل ذلك ما لو كان قد تيقّن الحدث وشكّ في الوضوء ، فإنّ الوضوء على تقديره يكون ملتفتاً إليه ، وأنّه على تقدير صدور الوضوء منه فيما تقدّم يكون يقينه بالحدث السابق منتقضاً باليقين بالوضوء.

ولا فرق بين هذه الأمثلة وبين ما نحن فيه إلاّ أنّ المكلّف فيما نحن فيه عالم حين الاستصحاب أنّ يقينه السابق المتعلّق بالنجاسة قد انتقض باليقين بالطهارة

١٨٢

في أحد الاناءين معيّناً سابقاً ، مع فرض أنّه في حال الاستصحاب غير معيّن عنده.

وفيه أوّلاً : أنّه منقوض بما لو علم أنّه قد صدر منه عمل ملتفتاً إليه سابقاً ولكنّه نسيه فعلاً ، وتردّد بين كونه تطهيراً لثوبه أو كونه عملاً آخر لا دخل له بذلك ، أو تردّد بين كونه هو الوضوء أو عملاً آخر لا أثر له فعلاً مع فرض كونه ملتفتاً إليه حين العمل ، وإن لم يكن لذلك العمل الآخر أثر شرعي ، إذ ليس المدرك في الإشكال هو تعارض الأُصول ، بل إنّ المدرك فيه هو احتمال انتقاض اليقين السابق وعدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين. وهكذا الحال فيما لو كان لذلك العمل أثر شرعي ، كما لو علم أنّه قد صدر منه إمّا الوضوء أو تطهير ثوبه مع فرض كونه كان ملتفتاً إليه سابقاً ولكنّه فعلاً نسيه وتردّد بين كونه هو الوضوء أو هو غسل الثوب وتطهيره من الخبث.

وثانياً وهو العمدة : أنّ هذا المقدار من العلم الاجمالي بانتقاض اليقين السابق لا أثر له في الأخذ بالحالة السابقة في أحد الطرفين ، وحينئذ نقول فيما نحن فيه إنّ هذا المقدار من العلم الاجمالي بانتقاض اليقين السابق في أحد الاناءين لا يؤثّر على إجراء الاستصحاب في هذا الاناء المعيّن ، لأنّه بالنسبة إليه لا يكون إلاّمن احتمال انتقاض اليقين الذي يشاركه فيه هذه الأمثلة.

ومن ذلك كلّه تعلم أنّه لو تمّ ما أُفيد فيما نحن فيه لكان جارياً في مسألة الحادثين ، كما في مسألة موت المورّث وإسلام الوارث أو موت المتوارثين ، فإنّه غالباً يكون المكلّف حال حدوث كلّ منهما ملتفتاً إلى ذلك ، بحيث إنّه يكون في وقته عالماً بأنّ الحادث أوّلاً مثلاً هو موت المورّث والحادث ثانياً هو إسلام الوارث أو بالعكس ، لكن بعد مضي مدّة يطرؤه النسيان ويحصل له الشكّ في أنّ

١٨٣

الحادث أوّلاً هو أيّهما ، فتأمّل.

وممّا ذكرناه يظهر لك الحال في الدم المردّد بين كونه من الدم الخارج بالذبح وبين كونه من الباقي في الذبيحة. وهكذا الحال في القليل من الماء المأخوذ من أحد الاناءين المسبوقين بالنجاسة ، المفروض أنّه قد طرأ التطهير على أحدهما المعيّن مع فرض عدم الاشتباه بينهما ، وأنّ الاشتباه إنّما وقع في ذلك الماء القليل في أنّه مأخوذ من أي الاناءين المعلوم تفصيلاً طهارة أحدهما المعيّن وبقاء الآخر على نجاسته ، مع كونهما مسبوقين بالنجاسة.

وينبغي أن يعلم أنّ هذا الذي أفاده قدس‌سره يمكن أن يقرب بوجهين :

أحدهما راجع إلى أنّ المورد من قبيل عدم إحراز اتّصال الشكّ باليقين ، بتقريب أنّ هذا الاناء لمّا كان يحتمل كونه هو ذلك الاناء الذي كنّا يوم الأحد متيقّنين بطهارته ، بحيث كان اليقين بنجاسته يوم السبت منتقضاً باليقين يوم الأحد بطهارته ، ولازم ذلك هو عدم إحراز كون البناء على طهارته يوم الاثنين من قبيل نقض اليقين بالشكّ ، كما عرفت تفصيله.

الوجه الثاني : أن يقال : إنّ ذلك من قبيل إحراز عدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ، فإنّ هذا الاناء وإن كان مشكوك النجاسة يوم الاثنين ، إلاّ أنّ يوم اليقين بنجاسته إنّما هو يوم السبت ، ويوم الأحد فاصل بين زمان اليقين وزمان الشكّ ، لأنّ هذا الاناء إن كان هو الشرقي فهو في يوم الأحد متيقّن الطهارة ، وإن كان هو الاناء الغربي فهو في يوم الأحد متيقّن النجاسة ، وعلى كلّ حال فهو في يوم الأحد غير مشكوك النجاسة ، فيكون يوم الأحد فاصلاً بين زمان اليقين بنجاسته الذي هو يوم السبت وزمان الشكّ في نجاسته وهو يوم الاثنين.

ولا يخفى أنّ عبارة هذا التحرير مضطربة ، فصدرها صريح في الوجه الثاني

١٨٤

لكن ذيلها صريح في الوجه الأوّل ، لأنّه يقول : إلاّ أنّه لا يعقل اتّصال زمان الشكّ في كلّ منهما بزمان اليقين بنجاستهما ، لأنّ المفروض أنّه قد انقضى على أحد الاناءين زمان لم يكن زمان اليقين بالنجاسة ولا زمان الشكّ فيها ، فكيف يعقل اتّصال زمان الشكّ في كلّ منهما بزمان اليقين (١). وهذا صريح في أنّ الدعوى هي إحراز عدم الاتّصال لا عدم إحراز الاتّصال.

ثمّ يقول : فلا مجال لاستصحاب بقاء النجاسة في كلّ منهما ، لأنّه في كلّ إناء منهما يحتمل أن يكون هو الاناء الذي تعلّق العلم بطهارته ، ففي كلّ منهما يحتمل انفصال الشكّ عن اليقين ، فلا يجري الاستصحاب (٢). وهذا صريح في أنّ الدعوى هي عدم إحراز الاتّصال ، وهكذا الحال في باقي عباراته.

نعم ، إنّ عبارة السيّد سلّمه الله (٣) خالية من هذا الاضطراب ، وهي بتمامها صريحة في أنّ الدعوى هي عدم إحراز الاتّصال ، فراجع.

ثمّ لا يخفى أنّ الشبهة بالنحو الأوّل يمكن أن تقرّر بنحو ثالث يكون موجباً لخروج المقام عن مسألة عدم الاتّصال أو عدم إحراز الاتّصال ، وذلك بأن يقال : إنّا نحتمل انطباق الاناء الشرقي الذي كنّا علمنا بطهارته يوم الأحد على هذا الاناء الذي هو تحت يدنا ، وعلى هذا التقدير تكون طهارته باقية إلى الآن ، فيكون حاصل الشبهة هو أنّا نحتمل أنّ هذا الاناء الذي تحت يدنا الذي كان نجساً يوم السبت قد حصل لنا اليقين بطهارته ، وأنّ اليقين بنجاسته قد ارتفع وانتقض باليقين بطهارته الباقية قطعاً حتّى الآن ، فلا تكون المسألة إلاّمن باب احتمال

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥١٤.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥١٤.

(٣) أجود التقريرات ٤ : ١٥٣ ـ ١٥٤.

١٨٥

انتقاض اليقين بالنجاسة باليقين بالطهارة المتيقّن بقاؤها على تقديرها حتّى الآن ، فلا تكون الشبهة شبهة عدم الاتّصال أو عدم إحراز الاتّصال ، بل تكون شبهة احتمال الانتقاض الجارية في جميع موارد العلم الاجمالي في ارتفاع الحالة السابقة في بعض الأطراف ، ولو قرّرت الشبهة بهذا النحو لم يرد عليها إلاّما ورد على الشبهة الواردة في موارد العلم الاجمالي بالانتقاض في أحد طرفي العلم الاجمالي.

وحاصل الايراد عليها : أنّ احتمال انطباق المتيقّن الكلّي على هذا الفرد لا يخرجه عن كونه مشكوكاً فعلاً ، نعم لو كان الانطباق معلوماً لخرج هذا الفرد عن كونه مشكوكاً ، أمّا إذا لم يكن إلاّمجرّد احتمال الانطباق ، فإنّ احتمال انطباق الفرد المردّد الذي علم بعروض الطهارة عليه على هذا الفرد المعيّن لا يخرج هذا الفرد المعيّن عن كونه مشكوك الطهارة فعلاً ، فإنّ احتمال انطباق ما هو المعلوم عليه لا يخرجه عن كونه فعلاً مشكوكاً ، إذ لا معنى لاحتمال كونه هو المعلوم إلاّكونه مشكوكاً فعلاً.

ومن ذلك كلّه يظهر لك الاستغناء عمّا أجاب الأُستاذ العراقي عن الشبهة في مقام العلم الاجمالي ، وعن الشبهة في الحادثين المسبوقين بالعدم ـ كما قرّرها في الكفاية (١) ـ بقوله في المقالة : ومن البديهي أنّ العلم الاجمالي لا يسري إلى طرفيه بخصوصياتهما أصلاً الخ (٢) فإنّا لو سلّمنا السراية فإنّما هي فيما لو كان الانطباق معلوماً ، دون ما لو لم يكن في البين إلاّ احتمال الانطباق ، فإنّه لا يؤثّر في احتمال المعلومية ، فإنّ احتمال المعلومية ممّا لا يعقل تحقّقه ، لكون صفة العلم

__________________

(١) كفاية الأُصول : ٤٢٠.

(٢) مقالات الأُصول ٢ : ٤٢١.

١٨٦

دائرة بين الوجود والعدم ، ولا يعقل فيها الاحتمال ، ولعلّ هذا هو مراده من عدم السراية.

وقد يورد على ما أفاده الأُستاذ العراقي قدس‌سره من عدم سراية العلم من الماهية إلى أفرادها ، بأنّه موجب لسدّ باب الاستدلال بالشكل الأوّل ، إذ ليس ملاك الشكل الأوّل إلاّ أنّ العلم بالكبرى بعد العلم بالصغرى موجب للعلم بالنتيجة ، فيقال : إنّ العلم بكون كلّ متغيّر حادث بعد العلم بانطباق المتغيّر على العالم في قولنا العالم متغيّر ، يكون موجباً للعلم بأنّ العالم حادث ، فالعلم بحدوث العالم سرى إليه من العلم بأنّ كلّ متغيّر حادث بعد العلم بانطباق المتغيّر على العالم.

وفيه : ما لا يخفى ، فإنّ العلم بأنّ المتغيّر حادث لم يسر بنفسه إلى العلم بأنّ العالم حادث ، نعم بعد العلم بالكبرى والعلم بانطباق الأوسط على العالم يحصل لنا علم جديد بأنّ العالم حادث ، لا أنّ نفس العلم بأنّ المتغيّر حادث سرى بنفسه إلى العالم ، فلاحظ. هذا كلّه لو قرّرت الشبهة بما عرفت.

أمّا لو قرّرت بأحد النحوين السابقين فقد عرفت الجواب عنها ، وحاصله هو أنّك قد عرفت أنّ المدار في الاستصحاب على اليقين والشكّ في حال إجرائه ، لا على ما مضى قبل إجرائه أو قبل الالتفات ، [ وبه ] تعرف الجواب عن كلّ واحد من التقريبين.

أمّا الأوّل ، فلأنّ هذا الاناء وإن احتملنا أنّه هو الذي كنّا متيقّنين بطهارته يوم الأحد ، إلاّ أنّا فعلاً شاكّون في نجاسته يوم الأحد ، بحيث إنّا لو طهّرناه فعلاً أو نجّسناه لم يكن ذلك رافعاً لشكّنا الآن في نجاسته يوم الأحد.

وبالجملة : إنّه في يوم الاثنين يكون مشكوك النجاسة في يوم الأحد ، كما أنّه في يوم الاثنين متيقّن النجاسة يوم السبت ، وحينئذ يجري استصحاب نجاسته

١٨٧

من يوم السبت إلى يوم الأحد إلى يوم الاثنين ، ولا يعتبر في الاستصحاب أن يكون الشكّ حاصلاً في يوم الأحد ، بل يكفي فيه تعلّق الشكّ الآن بيوم الأحد كيف ما كان حاله يوم الأحد من غفلة أو يقين بالطهارة أو يقين بالنجاسة ، ولا معنى للقول بأنّ اليقين السابق يحتمل أنّه قد انتقض ، لأنّ الانسان له في كلّ آن يقين وشكّ ، فيقينه الآن بنجاسة يوم السبت محكوم عليه بالمنع من نقضه بالشكّ في نجاسته يوم الأحد.

ومنه يظهر لك الجواب عن التقريب الثاني ، فإنّ الاناء في يوم الأحد سواء كان معلوم الطهارة في ذلك اليوم أو كان معلوم النجاسة في ذلك ، لا ينفعنا ولا يضرّنا في استصحاب نجاسته يوم الاثنين ، بل علينا أن ننظر يوم الاثنين إلى حاله يوم الأحد ، وهل نحن الآن ـ يعني يوم الاثنين ـ متيقّنون بنجاسته يوم الأحد أو شاكّون ، وحيث إنّنا الآن ـ يعني يوم الاثنين ـ شاكّون في نجاسته يوم الأحد ، كان علينا أن نجرّ اليقين بنجاسته من يوم السبت إلى يوم الأحد إلى يوم الاثنين.

والحاصل : أنّ المدار في اليقين والشكّ على حال الاستصحاب لا على ما مضى من يقين أو شكّ ، بل على اليقين الموجود حال إجراء الاستصحاب وإن لم يكن موجوداً فيما مضى ، بحيث إنّا لو كنّا في يوم الجمعة مسبوقين بسفر زيد ، والآن الذي هو يوم الجمعة مثلاً علمنا أنّه سافر يوم السبت الماضي ، وشككنا في رجوعه يوم الأحد الماضي ، فنحن في هذا الآن الذي هو الجمعة متيقّنون بسفره يوم السبت وشاكّون في رجوعه يوم الأحد ، سواء علمنا برجوعه فيما بعد الأحد وشككنا في تأخّره عن يوم الأحد أو لم نعلم برجوعه ، فاليقين بسفره والشكّ في بقائه على حالة السفر كلاهما حصلا دفعة واحدة يوم الجمعة ، ومع ذلك

١٨٨

نستصحب سفره من يوم السبت إلى ما بعد يوم الأحد ، فليس المراد من اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين هو كون الشكّ حادثاً لنا في الزمان الماضي المتّصل بزمان اليقين الماضي ، بل المراد أنّ الزمان الذي تعلّق به الشكّ الآن متّصل بالزمان الذي تعلّق به اليقين الآن ، وإن حصل الشكّ مقارناً لليقين ، بل قد حقّق في أوائل الاستصحاب (١) أنّه لابدّ فيه من كون الشكّ مقارناً لليقين في الزمان الذي يحصلان فيه ، وأنّه لو كان حصول الشكّ بعد حصول اليقين كان من قبيل قاعدة اليقين.

وحينئذ نقول : إنّ هذا الاناء الذي وضعنا اليد عليه نحن فعلاً متيقّنون بنجاسته يوم السبت ، وشاكّون في طهارته يوم الأحد ، فنحن الآن نجرّ نجاسته من يوم السبت إلى يوم الأحد وإن كنّا فعلاً في يوم الاثنين ، فواقع يوم الأحد ـ أعني حينما كنّا فيه ـ لم يكن حين وقوعه زمان شكّ في طهارته إلاّ أنّا فعلاً في الاثنين لا نعلم بطهارته في يوم الأحد.

وهذا هو الذي صرّح به قدس‌سره فيما حرّره عنه السيّد سلّمه الله في مقام الردّ على شبهة مطلب الكفاية بقوله : قلت قد ذكرنا مراراً أنّه لا يعتبر في الاستصحاب تقدّم زمان اليقين على زمان الشكّ ، فلو شكّ في عدالة زيد يوم الجمعة ثمّ علم يوم السبت بعدالته يوم الخميس ، فلا ريب في جريان الاستصحاب ، كما أنّه لو حصل اليقين والشكّ في زمان واحد مع تقدّم زمان المتيقّن على المشكوك يجري الاستصحاب أيضاً الخ (٢).

وبالجملة : إنّ حاصل الجواب هو أنّ العبرة باليقين والشكّ في حال

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٣١٦.

(٢) أجود التقريرات ٤ : ١٥٧.

١٨٩

الاستصحاب ، لا فيما مضى من اليقين الذي قد ارتفع بطروّ الشكّ فعلاً من جهة اشتباه الاناءين أو الدمين أو المتقدّم والمتأخّر من الحادثين ، فنسبة هذا الشكّ المتأخّر إلى اليقين الذي طرأ فيما مضى ، كنسبة الشكّ الساري إلى ذلك اليقين السابق الذي هو غير موجود فعلاً.

قوله : والحاصل أنّه فرق واضح بين العلم الاجمالي بطهارة أحد الاناءين وبين العلم التفصيلي بطهارة خصوص الاناء الشرقي ، فإنّ العلم بالطهارة في الأوّل إنّما يصير سبباً ... الخ (١).

حاصل هذا الفرق : هو أنّ الشكّ في طهارة كلّ من الاناءين ونجاسته في الصورة الأُولى مسبّب عن العلم الاجمالي ، وهو ـ أعني العلم الاجمالي ـ في الصورة الأُولى حاصل في يوم الأحد ، فيكون يوم الأحد الذي هو يوم الشكّ متّصلاً بيوم اليقين بنجاسة كلّ منهما الذي هو يوم السبت ، بخلاف الصورتين الأخيرتين ، فإنّ الشكّ في كلّ واحدة من الصورتين مسبّب عن اشتباه الاناءين اللذين علم في يوم الأحد بطهارة أحدهما تفصيلاً ونجاسة الآخر ، فيكون الشكّ حاصلاً في يوم الاثنين ، لأنّ سببه الذي هو اشتباه أحدهما بالآخر إنّما حصل في يوم الاثنين ، وحينئذ يكون يوم الأحد فاصلاً بين يوم اليقين الذي هو يوم السبت ويوم الشكّ الذي هو يوم الاثنين.

وفيه : أنّ هذا كلّه مسلّم ، إلاّ أنّ الشكّ في طهارة كلّ منهما يوم الاثنين لم يكن متعلّقه الذي هو الطهارة مظروفة ليوم الاثنين ، بل إنّ متعلّقه هو الطهارة يوم الأحد ، لأنّ حاصل شكّنا هو أنّا في يوم الاثنين شاكّون في طهارة هذا الاناء يوم

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥١٥.

١٩٠

الأحد فكان المشكوك لنا متّصلاً بزمان المتيقّن ، وإن كان اليقين والشكّ كلّ منهما في يوم الاثنين ، وليس المدار على حدوث الشكّ وإنّما المدار على متعلّقه.

قوله : وكذا الكلام في الدم المردّد بين كونه من البدن أو من البق ، فإنّه لا يجري فيه استصحاب النجاسة أيضاً ... الخ (١).

لا يخفى أنّه لابدّ من كون المفروض أنّ هناك دماً من البق قد أخرجه من بدن إنسان ، ونشكّ في هذا الدم الذي على الثوب هل هو من ذلك الدم الذي من البق ، أو أنّه خرج ابتداءً من جسم الإنسان ، ليتمّ العلم الاجمالي بين ما طرأه الطهارة وما هو باقٍ على النجاسة ، ومنه يعلم أنّ هذا الفرع لا يترتّب على القول بنجاسة الدم في الباطن ، بل يمكن أن يتأتّى مع القول بطهارته ولكنّه ينجس بالخروج ، سواء أخرجه البق أو خرج بغير البق ، غايته أنّه لو أخرجه البقّ لو استقرّ في جوفه تطرؤه الطهارة ، وحينئذ فهذا الدم الذي على الثوب لو تردّد بين كونه ممّا علمنا أنّه قد طرأته الطهارة بعد الخروج وكونه ممّا علمنا أنّه لم تطرأه الطهارة ، فيكون أيضاً ممّا نحن فيه.

ولكن لا يخفى أنّ مطهّرية انتقال الدم من بدن الإنسان إلى جوف البق ليست على حذو مطهّرية بقاء الدم في الذبيحة بعد خروج الدم المسفوح منها ، فإنّ الدم الباقي في الذبيحة يكون تطهيره بالذبح وخروج الدم المسفوح على النحو المتعارف ، فيكون ذلك الدم الباقي هو بعينه الذي كان موجوداً قبل الذبح ، غايته أنّه طرأ عليه التطهير ، وحينئذ يجري الاستصحاب في الدم المردّد بين كونه من الباقي أو من المسفوح بناءً على ما قدّمناه.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥١٧.

١٩١

وهذا بخلاف الدم المردّد بين كونه من الإنسان أو من البق بعد أن كان كلّ من الدمين مسبوقاً بالنجاسة ، فإنّه لا يجري فيه استصحاب النجاسة السابقة على طروّ المطهّر وهو الانتقال إلى البق ، لأنّه على تقدير كونه من البق وأنّه تطهر عندما خرج من بدن الإنسان ودخل في جوف البقة على وجه صار يعدّ جزءاً منها ، لا يكون إلاّمن قبيل الاستحالة ، وحينئذ فمع التردّد المذكور لا يكون استصحاب النجاسة التي كانت متحقّقة له عندما كان في بدن الإنسان جارياً فيه ، لما عرفت من أنّه على تقدير كونه من البق يكون قد استحال من دم الإنسان إلى دم البق ، فهذا الدم المردّد لا يمكننا الحكم ببقاء نجاسته بالاستصحاب ، لأنّه حينئذ من قبيل عدم إحراز الموضوع ، فيكون عدم جريان الاستصحاب فيه من هذه الجهة ، لا من جهة عدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.

ولعلّه لأجل ذلك أطلق في العروة قوله : فإذا رأى في ثوبه دماً لا يدري أنّه منه أو من البق أو البرغوث يحكم بالطهارة (١) فإنه شامل لما إذا كان منه على تقدير كونه من البق ، مع أنّه ممّن يجري الاستصحاب في الدم المردّد بين المسفوح والمتخلّف ، فراجع.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المستصحب هو الموضوع ، وهو كون هذا الدم الذي على الثوب دم إنسان وأنّه لم يتبدّل إلى دم البق ، بعد العلم بأنّ ما امتصّه البق قد تبدّل ، وحينئذ يشكل الأمر في إطلاق عبارة العروة ، خصوصاً في البرغوث الذي لا يكون دمه إلاّمن دم صاحب الثوب.

ثمّ لا يخفى أنّ الدم المردّد بين كونه من المسفوح أو من الباقي إنّما يجري

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ١ : ١٣٨ مسألة ٧.

١٩٢

فيه استصحاب النجاسة على القول بنجاسة الدم في الباطن ، أمّا على القول بطهارته فالذي ينبغي جريانه في هذا الدم هو استصحاب الطهارة في قبال احتمال تنجّسه بصيرورته مسفوحاً. نعم لا أهميّة في هذا الاستصحاب ، لكونه على وفق قاعدة الطهارة ، فيكون الحكم في ذلك الدم هو الطهارة على كلّ حال.

ومن هذا القبيل ما لو تردّدت المرأة الحاضرة بين كونها هي تلك الأجنبية أو كونها هي زوجته المعلومة لديه ، فإنّ استصحاب كون هذه المرأة أجنبية وأنّه لم يعقد عليها لا أهميّة له ، لحرمة الإقدام عليها حتّى لو قلنا بعدم جريان الاستصحاب استناداً إلى أصالة الحرمة في الفروج ، اللهمّ إلاّ أن ننكر هذا الأصل وندّعي أنّ الابتلاء بمسألة الفروج غالباً يكون مقروناً بأصل موضوعي ينقّح موضوع الحرمة كما في هذه الصورة (١) ، وإلاّ فلو احتملنا حرمة بنت الجار مثلاً كانت أصالة حلّ نكاحها بمعنى العقد عليها جارية ، وقد نقل السيّد قدس‌سره في ربا العروة (٢) عن صاحب الجواهر قدس‌سره (٣) ما يظهر منه أوّلاً الاتّفاق على المنع من إجراء قاعدة [ الحل ] في موارد الشكّ في كون المرأة محرّمة نسباً ، هذا.

ولكن كثيراً ما يكون الجاري هو الأصل المنقّح للحل ، مثل ما لو شكّ في كون الارضاع خمساً موجباً للتحريم ، أو كون النظر من الأب الذي يعبّرون عنه بمنظورة الأب موجباً للتحريم.

__________________

(١) هذه الصورة ذكرها الشيخ قدس‌سره في التنبيه الأوّل من تنبيهات المسألة الرابعة من مسائل دوران الأمر بين الحرمة وغير الوجوب [ منه قدس‌سره. راجع فرائد الأُصول ٢ : ١٢٧ ].

(٢) العروة الوثقى ٦ : ٣٧ / مسألة ١٥.

(٣) جواهر الكلام ٢٣ : ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

١٩٣

قوله : وأمّا الشكّ في كلّ منهما بالاضافة إلى زمان حدوث الآخر فهو لا يحصل إلاّفي اليوم الثالث ، فإنّه ما لم يعلم بحدوث كلّ من الحادثين لا يكاد يحصل الشكّ في المتقدّم والمتأخّر منهما ، وموطن العلم بحدوث كلّ منهما إنّما يكون في اليوم الثالث ، والاستصحاب إنّما يتبع زمان الشكّ ، فاستصحاب عدم كلّ منهما في زمان الآخر إنّما يجري في اليوم الثالث أيضاً ـ إلى قوله ـ فاليوم الثاني يكون فاصلاً بين زمان اليقين وزمان الشكّ ... الخ (١).

لا يخفى أنّ هذه المقدّمة وهي أنّ الشكّ في حدوث كلّ منهما بالاضافة إلى زمان حدوث الآخر لا يحصل إلاّفي اليوم الثالث ، لو سلّمت لكانت نتيجتها هو إحراز عدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين كما أفاده بقوله : فاليوم الثاني يكون فاصلاً بين زمان اليقين وزمان الشكّ ، ولأجل ذلك أجاب في التقريرات المطبوعة في صيدا عن هذه الشبهة بأنّه لا يعتبر في الاستصحاب تقدّم زمان اليقين على زمان الشكّ الخ (٢).

ولا يخفى أنّه في التحريرات المذكورة قرّب الشبهة أوّلاً بما سيأتي بيانه ، وأجاب عنها بقوله : ولا يخفى عليك أنّ ذلك إنّما يتمّ لو كانت قضية « لا تنقض » مسوقة لبيان المنع عن انتقاض المتيقّن بالمشكوك الخ (٣) ، ثم قرّب الشبهة في قوله : فإن قلت الخ ، بهذا النحو المذكور في هذا التحرير ، وأجاب عنها بقوله :

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥١٨.

(٢) أجود التقريرات ٤ : ١٥٧.

(٣) أجود التقريرات ٤ : ١٥١.

١٩٤

قلت قد ذكرنا مراراً أنّه لا يعتبر في الاستصحاب تقدّم زمان اليقين الخ (١).

ولا يخفى أنّ تقريب الشبهة بهذا التقريب هو عين تقريب الشبهة في الاناءين الشرقي والغربي ، وهذا الجواب المذكور بقوله : قلت ، يصلح للجواب عن الشبهة في الاناءين ، بل الظاهر أنّ الجواب عن الشبهة الأُولى في الحادثين وهو ما أُفيد بقوله : لا يخفى عليك أنّ ذلك إنّما يتمّ لو كان الخ ، صالح أيضاً للجواب عن شبهة عدم إحراز الاتّصال في الاناءين الشرقي والغربي ، فلاحظ وتأمّل.

وكيف كان ، فالظاهر أنّ شبهة صاحب الكفاية قدس‌سره (٢) في الحادثين لا تكون نتيجتها عدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ، بل إنّ نتيجتها هي عدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.

وحاصل التقريب : هو أنّه بعد فرض كون مورد الأثر هو عدم أحدهما في زمان الآخر ، لابدّ أن يكون الآخر مفروض الوجود ، ليكون الموت مثلاً مشكوكاً فيه في زمان تحقّق الإسلام ، وكذلك الحال من ناحية العكس ، فإنّ الشكّ متعلّق بالإسلام في زمان الموت ، فلا يكون الشكّ في كلّ منهما متحقّقاً إلاّبعد تحقّق كلّ من الحادثين ، ويكون زمان الشكّ منحصراً بزمان العلم بتحقّقهما ، وذلك بعد اليوم الثالث فإنّه هو زمان العلم بتحقّقهما ، ويكون اليوم الثاني فاصلاً بين اليوم الأوّل الذي هو زمان اليقين بعدم كلّ منهما ، واليوم الثالث الذي هو زمان الشكّ في وجود كلّ منهما في زمان وجود الآخر.

والحاصل : أنّ الشكّ في وجود الموت في زمان الإسلام إنّما يكون بعد

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٢) كفاية الأُصول : ٤٢٠.

١٩٥

فرض تحقّق الإسلام ، وهو ـ أعني تحقّق الإسلام ـ لا يكون إلاّفي اليوم الثالث ، فيكون اليوم الثاني فاصلاً بين اليوم الأوّل الذي هو زمان اليقين بعدم الموت ، وبين اليوم الثالث الذي هو الزمان الذي فيه يوجد الشكّ في وجود الموت في زمان تحقّق الإسلام. وهكذا الحال في ناحية الشكّ المتعلّق بوجود الإسلام في زمان الموت ، فإنّه أيضاً ينحصر بزمان العلم بتحقّق الموت ، إذ لا يكون الإسلام في زمان الموت مشكوكاً فيه إلاّفي ذلك الزمان.

والجواب عن هذا التقريب حينئذ : هو أنّ الشكّ في وجود كلّ منهما في زمان الآخر وإن لم يحصل إلاّبعد تحقّقهما ، وهو ـ أعني تحقّق الإسلام والموت ـ لا يكون إلاّفي اليوم الثالث ، إلاّ أنّ متعلّق هذا الشكّ وهو الموت في زمان الإسلام لمّا كان سابقاً على اليوم الثالث ، لأنّ زمان الإسلام سابق على اليوم الثالث ، وكان ذلك السابق متّصلاً بزمان اليقين لأنّ الزمان المحتمل وقوع الإسلام فيه مستمر من اليوم الأوّل إلى اليوم الثالث ، كان ذلك الاتّصال كافياً في جريان الاستصحاب وإن لم يكن ذلك الشكّ غير حاصل إلاّبعد اليوم الثالث ، فذلك نظير ما لو حصل له الشكّ الآن بطهارته في الساعة السابقة مع فرض مسبوقية تلك الساعة بالحدث.

والحاصل : أنّ المشكوك إذا كان متّصلاً بالمتيقّن ، وكان في هذا الحال متيقّناً فيما مضى على ذلك المشكوك وشاكّاً فيما لحقه ، كان ذلك كافياً في جريان الاستصحاب وفي تحقّق اتّصال الشكّ باليقين ، وإن كان حدوث كلّ من ذلك الشكّ وذلك اليقين في الزمان المتأخّر عن كلّ من المتيقّن والمشكوك ، فالعبرة حينئذ باتّصال المشكوك بما أنّه مشكوك بالمتيقّن بما أنّه متيقّن ، وإن كان كلّ من اليقين والشكّ حصلا دفعة واحدة بعد مضي زمان كلّ من المشكوك والمتيقّن.

أمّا ما أُفيد من الجواب عن الشبهة بأنّ زمان الإسلام لم يؤخذ قيداً في عدم

١٩٦

الموت وإنّما أخذ ظرفاً ، فالظاهر أنّه غير نافع ، فإنّ ذلك الإسلام وإن أخذناه ظرفاً ، إلاّ أنّه يتوجّه عليه بأنّ زمان الشكّ هو زمان وجود الإسلام المفروض أنّه لم يتحقّق إلاّفي اليوم الثالث.

ولكن يمكن أنّ تقرّب الشبهة بنحو آخر لا تكون نتيجته إلاّكون المورد من باب عدم إحراز اتّصال الشكّ باليقين ـ لا من باب إحراز العدم ـ كما هو الظاهر من الكفاية وحاشيتها ، إذ لا ريب في أنّ روح هذه الشبهة راجعة إلى عدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين كما هو مصرّح به في الكفاية وفي هذه التقريرات وفي التقريرات المطبوعة في صيدا (١). فالأولى حينئذ هو نقل نصّ عبارة حاشية صاحب الكفاية التي كتبها قدس‌سره على هذا المقام من الكفاية ، ليتّضح المراد من الشبهة المذكورة ، قال قدس‌سره : وإن شئت قلت : إنّ عدمه الأزلي المعلوم قبل الساعتين وإن كان في الساعة الأُولى منهما مشكوكاً ، إلاّ أنّه حسب الفرض ليس موضوعاً للحكم والأثر ، وإنّما الموضوع هو عدمه الخاصّ ، وهو عدمه في زمان حدوث الآخر المحتمل كونه الساعة الأُولى المتّصلة بزمان يقينه أو الثانية المنفصلة عنه ، فلم يحرز اتّصال زمان شكّه بزمان يقينه ، ولابدّ منه في صدق « لا تنقض اليقين بالشكّ » ، فاستصحاب عدمه إلى الساعة الثانية لا يثبت عدمه في زمان حدوث الآخر إلاّعلى الأصل المثبت فيما دار الأمر بين التقدّم والتأخّر ، فتدبّر (٢).

ومراده أنّه إذا فرضنا أنّ اليقين بعدم كلّ من الإسلام والموت كان قبل الساعة الأُولى ، وكان قد علم بحدوث أحدهما في الساعة الأُولى وحدوث الآخر في الساعة الثانية ، وكان الأثر مترتّباً على عدم الموت في زمان الإسلام ، فأقصى ما

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٢) كفاية الأُصول : ٤٢٠ ( الهامش ).

١٩٧

في البين هو أن نقول : إنّ حدوث الموت في زمان الإسلام مشكوك ، فنستصحب عدمه الذي كنّا متيقّنين به قبل الساعة الأُولى ، لكن حيث كان حدوث الإسلام مردّداً بين كونه في الساعة الأُولى وكونه في الساعة الثانية ، فذلك الزمان الواقعي للإسلام الذي فرضنا أنّه زمان الشكّ في الموت ، والذي أردنا أن نحكم بعدم الموت فيه بالاستصحاب ، إن كان هو الساعة الأُولى كان متّصلاً بزمان اليقين بعدم الموت ، لكنّه إن كان هو الساعة الثانية لم يكن متّصلاً بزمان اليقين بعدم الموت المفروض كونه قبل الساعة الأُولى ، فذلك الزمان الواقعي للإسلام لم نحرز اتّصاله بزمان اليقين بعدم الموت ، لاحتمال كونه هو الساعة الثانية ، فتكون الساعة الأُولى فاصلة بين زمان اليقين به الذي هو ما قبل الساعة الأُولى وزمان الشكّ فيه الذي هو الساعة الثانية ، وحينئذ فلم يبق بأيدينا إلاّ أن نأخذ عدم الموت مضافاً إلى نفس الزمان ، ونحكم بجرّه في عمود الزمان ممّا قبل الساعة الأُولى إلى الساعة الثانية التي هي زمان اليقين بكلّ منهما.

وهذا الاستصحاب وإن كان في حدّ نفسه صحيحاً ، إلاّ أنّه لا يترتّب عليه إلاّ الحكم بعدم الموت ممّا قبل الساعة الأُولى إلى حين العلم بتحقّقه ، وهذا لم يكن هو موضوع أثرنا ، وإنّما كان موضوع أثرنا هو عدم الموت في زمان الإسلام ، وذلك ـ وهو عدم الموت في زمان الإسلام ـ يكون لازماً لجرّ عدم الموت من زمان اليقين به إلى زمان اليقين بانتقاضه الذي هو زمان حدوث الموت ، وحينئذ لا يكون استصحابنا لعدم الموت إلى زمان اليقين بحدوث الموت نافعاً لنا إلاّعلى الأصل المثبت ، هذا حاصل توضيح ما أفاده قدس‌سره في هذه الحاشية في تقرير الشبهة.

وقد عرفت من هذا التوضيح أنّه ليس بصدد أخذ زمان الإسلام قيداً في الموت على نحو العنوان المنتزع الذي هو التقارن أو التقدّم والتأخّر ، كي يتوجّه

١٩٨

عليه ما أُفيد من أنّه خارج عن مفروض الكلام من عدم أخذ مثل هذه العناوين الانتزاعية فيما هو موضوع الحكم ، بل هو بصدد بيان أنّ الأثر فيما نحن فيه لم يكن مترتّباً على عدم الموت في عمود الزمان ، بل هو مترتّب على تحقّق عدمه في زمان خاصّ وهو زمان حدوث الإسلام ، مع فرض كون ذلك الزمان ـ أعني زمان الإسلام ـ لم يؤخذ إلاّظرفاً لعدم الموت ، لا أنّه مقيّد به.

وبالجملة : إنّ هذه الشبهة يكفي فيها أخذ زمان الإسلام ظرفاً لعدم الموت ، فإنّه يترتّب على ذلك أنّ ذلك الزمان الذي هو الزمان الواقعي للإسلام وإن كان الموت مشكوكاً فيه ، إلاّ أنّه ـ أعني ذلك الزمان الواقعي ـ لم يحرز اتّصاله بزمان اليقين بعدم الموت الذي كان قبل الساعة الأُولى ، لاحتمال كون ذلك الزمان الواقعي للإسلام المفروض كونه زمان الشكّ في الموت متأخّراً عن الساعة الأُولى وكونه هو الساعة الثانية ، فتكون الساعة الأُولى حينئذ فاصلة بين زمان اليقين بعدم الموت الذي هو قبل الساعة الأُولى وزمان الشكّ فيه الذي هو الساعة الثانية.

ولا يخفى أنّه على هذا التقدير ـ أعني تقدير كون زمان الإسلام هو الساعة الثانية ـ لا تكون المسألة من باب انفصال زمان الشكّ عن زمان اليقين ، بل من باب اليقين بالانتقاض ، فإنّا لو فرضنا انطباق ذلك الزمان الواقعي للإسلام على الساعة الثانية ، بمعنى أنّا فرضناه أنّه هو المتأخّر ، كان انتقاض اليقين بعدم الموت فيه محقّقاً.

وبالجملة : لو كان زمان الإسلام منطبقاً على الساعة الأُولى كان عدم الموت فيه متيقّناً ، ولم يكن من اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ، وإن كان زمان الإسلام منطبقاً على الساعة الثانية كان الموت فيه محقّقاً ، ولم يكن من قبيل انفصال زمان الشكّ عن زمان اليقين ، فتكون المسألة من باب احتمال انتقاض اليقين باليقين لا

١٩٩

من باب احتمال الانفصال ، ويكون حال هذه الشبهة في هذا المقام حال الشبهة في العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحد الأطراف ، والجواب عنها في المقام هو الجواب عنها في ذلك المقام.

وإن أمكن الجواب عنها في خصوص هذا المقام بأن يقال : إنّ محلّ الكلام في الحادثين المسبوقين بالعدم مع فرض الشكّ في تقدّم أحدهما على الآخر ، فيكون لنا حينئذ شكّان أحدهما الشكّ في أنّ الموت هل هو موجود في زمان الإسلام أو لا ، والشكّ الثاني هو أنّ الإسلام هل هو موجود في زمان الموت أو لا ، ونحن إذا أردنا أن نجري الاستصحاب في أحد هذين الحادثين لابدّ أن نجريه بالقياس إلى الشكّ الذي هو في ناحيته ، دون الشكّ الذي هو في ناحية الآخر فنقول :

إذا أردنا أن نجري الاستصحاب في عدم الموت إلى زمان حدوث الإسلام يكون منظورنا هو نفس [ كون ] عدم الموت باقياً في عمود الزمان إلى زمان حدوث الإسلام ، أمّا كون زمان الإسلام نفسه مشكوكاً ومردّداً بين كونه الساعة الأُولى أو الساعة الثانية ، فذلك إنّما هو في ناحية استصحاب عدم الإسلام لا في ناحية استصحاب عدم الموت.

وبالجملة : إنّ كون زمان الإسلام مردّداً إنّما هو مولّد للشكّ في حدوثه في الساعة الأُولى الذي يكون موجباً لجريان الاستصحاب في عدمه ، ونحن في هذه المرتبة ـ أعني مرتبة إجراء استصحاب العدم في الموت إلى زمان الإسلام ـ لا ننظر إلى زمان الإسلام مردّداً ومشكوكاً ، بل ننظر إليه مفروض التحقّق في الواقع في زمانه الذي وقع وحدث فيه ، ونقول : إنّ عدم الموت مشكوك إلى ذلك الزمان ، فنجرّ عدم الموت الذي كنّا متيقّنين به قبل الساعة الأُولى إلى ذلك الزمان

٢٠٠