أصول الفقه - ج ١٠

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١٠

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-83-6
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٩٤

رتّب أثر « الأوّل » على استصحاب عدم دخول الشهر فيما قبل ذلك اليوم ، فيكون ذلك تصرّفاً خاصّاً في استصحاب خاصّ ، فلا يثبت به عموم حجّية الأصل المثبت ، بل لا يثبت حجّيته إلاّفي هذا المورد الخاصّ ، ولعلّ المنشأ في هذه الخصوصية هو أنّ « الأوّل » وإن كان عنواناً وجودياً ، إلاّ أنّه في خصوص هذه الأحكام أخذه مؤلّفاً من أمر وجوديّ وهو كونه من شوال وعدمي وهو عدم وجود مثله قبله ، أو يقال : إنّ الشارع في خصوص هذا المقام ـ أعني مقام الشكّ في اليوم الثلاثين أنّه من الشهر السابق أو أنّه أوّل اللاحق ، وفي اليوم الواحد والثلاثين أنّه أوّل اللاحق أو أنّه ثانيه ـ حكم حكماً ظاهرياً بأنّ اليوم الثلاثين هو من الشهر السابق ، وأنّ اليوم الواحد والثلاثين هو أوّل اللاحق ، ولعلّ هذا هو المراد لشيخنا قدس‌سره من دون أن يكون هذا الحكم راجعاً إلى الاستصحاب المذكور ، ولا إلى التصرّف في معنى « الأوّل » ، هذا.

ولكن لم أعثر على رواية في هذا الباب تدلّ على أنّ اليوم الذي بعد الثلاثين هو أوّل الشهر ، فإنّها كما عرفت ليس فيها إلاّ التعبّد ببقاء وجوب الصوم إلى إكمال الثلاثين ، أمّا أنّ ما بعد هذه الثلاثين هو أوّل الشهر اللاحق فلا دلالة لها على شيء من ذلك ، وحبّذا لو كانت دالّة عليه ، لأنّها حينئذ تدلّ على نفس ما قدّمنا تحريره من إثبات أوّل الشهر باستصحاب عدم وجود مثله قبله أو باستصحاب بقاء ما قبله.

أمّا قوله عليه‌السلام : « ثمّ أفطروا » فليس الأمر بالافطار وجوبياً كي يكون ملازماً لحرمة الصوم الذي هو عبارة أُخرى عن كونه يوم العيد وأوّل الشهر ، بل أقصى ما فيه هو دلالتها على ارتفاع وجوب الصوم ، لكون ما بعد يوم الشكّ من شوال قطعاً غايته أنّه يحتمل كونه الثاني منه كما يحتمل كونه الأوّل منه. كما أنّ قوله عليه‌السلام في

١٤١

الرواية الأُخرى : « فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين وصوموا الواحد والثلاثين » لا دلالة فيه إلاّعلى أنّه يجب الصوم في الواحد والثلاثين لكونه من رمضان وجداناً ، ولا دلالة فيه على أنّ ذلك اليوم هو أوّل رمضان ، إلاّبما ذكرناه من أنّ نفي رمضان قبله ولو بالاستصحاب يكون محقّقاً للتعبّد بأنّه أوّل رمضان.

وفي التقريرات المطبوعة بصيدا ما لفظه ـ بعد تقرير المطلب ـ : أنّ ثبوت الشهر مع عدم الرؤية يتوقّف بحكم الشارع على مضي ثلاثين يوماً من شعبان ، فهذه الأدلّة تكون حاكمة على الأدلّة المثبتة للأحكام على اليوم الأوّل والثاني والثالث وهكذا ، ومثبتة لموضوعاتها ، فالالتزام بهذه الأحكام لا يكشف عن القول باعتبار الأُصول المثبتة كما توهّم الخ (١).

وفيه : أنّ هذه الحكومة ليست إلاّحكومة ظاهرية منشؤها استصحاب البقاء إلى إكمال الثلاثين ، فلو كان ترتّب « الأوّل » على هذا الأصل من قبيل اللوازم لكان ذلك من قبيل الأصل المثبت لا محالة.

فقد تلخّص لك : أنّ طريقة شيخنا قدس‌سره في إثبات الأوّلية من هذه الأخبار إن فسّرت كما هو ظاهر التقارير بالأوّلية الواقعية ، وأنّ « الأوّل » الواقعي هو أحد الأمرين ليلة الهلال أو ليلة الواحد والثلاثين ، توجّه عليها أنّها حينئذ غير قابلة لظهور الخطأ ، وأنّه لو أفطر اليوم الثلاثين من شعبان ثمّ تبيّن بعد ذلك أنّه أوّل رمضان لم يجب عليه القضاء ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

وإن فسّرناها بأنّ الشارع تصرّف هنا في معنى « الأوّل » وأخذه بمعنى عدمي وإن كان هو في غير هذا المورد وجودياً لا يثبت بالأصل ، أو أنّ الشارع هنا لم يتصرّف في معنى « الأوّل » ، بل حكم حكماً تعبّدياً ظاهرياً على يوم الشكّ

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ١٣٩.

١٤٢

الذي هو اليوم الثلاثون بأنّه من الشهر السابق ، وعلى اليوم الواحد والثلاثين بأنّه أوّل اللاحق ، لم يرد عليه شيء سوى ما أشرنا إليه من عدم دلالة الروايات إلاّعلى الجزء الأوّل وهو الحكم على اليوم الثلاثين بأنّه من السابق ، ولم تتعرّض لإثبات أوّلية اليوم الواحد والثلاثين بشيء من الوجوه سوى أنّه لم يجب صومه ، كما في قوله عليه‌السلام : « فعدّوا ثلاثين يوماً ثمّ أفطروا » أو أنّه يجب صومه كما في قوله : « فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين وصوموا الواحد والثلاثين » ، إنّ ذلك بمجرّده لا يثبت الأوّلية لليوم المذكور.

ثمّ إنّ الفرق بين الطريقة التي سلكناها وبين طريقة شيخنا قدس‌سره هي اختصاص طريقته قدس‌سره في خصوص أوائل الشهور ، ولا تجري في كلّ أوّلٍ لكلّ شيء بخلاف طريقتنا ، كما أنّ طريقته قدس‌سره لا تجري في الشهور إلاّفي خصوص ما لو كان يوم الشكّ هو اليوم الثلاثون كما هو الغالب ، لأنّ المكلّف حينئذ يمكنه سلوك طريقة إكمال العدّة ، أمّا لو فرض أنّه قد رأى هلال أوّل رمضان لكنّه ضاع عليه الحساب ، بحيث لا يتمكّن من سلوك طريق إكمال العدّة ، فإنّه لا ريب في هذه الصورة في أنّه يلزمه البقاء على الصوم حتّى يعلم بانقضاء رمضان ، لكن هل يحكم على اليوم الأخير الذي هو أوّل يوم ممّا علمه من شوال أنّه يوم العيد ، وأنّه أوّل يوم من شوال كما هو مقتضى ما ذكرناه من جريان استصحاب العدم فيما قبل ذلك اليوم؟ أمّا بناءً على ما أفاده قدس‌سره من سلوك طريق إكمال العدّة فمشكل ، لأنّ الفرض أنّ هذا المكلّف لم يتمكّن من سلوك هذا الطريق ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه يمكنه ذلك ، بأن يحصل له القطع بمضي ثلاثين وإن كان يحتمل قد مضى ما هو أكثر من ذلك.

لا يقال : إنّه يلزم هذا المكلّف الأخذ باكمال عدّة شعبان ، وبه يتعيّن عنده أوّل رمضان ، وعنه يكمل عدّة رمضان.

١٤٣

لأنّا نقول : إنّ ذلك غير نافع أيضاً ، لأنّ المفروض أنّ آخر شعبان معلوم لديه برؤية هلال رمضان ، وإنّما كان شكّه في أنّه من أوّل رمضان إلى الآن هل صار له ثلاثون يوماً أو أقل أو أكثر ، فتأمّل.

ثمّ إنّ الطريقة التي سلكناها كما تثبت عنوان « الأوّل » ، فكذلك تثبت عنوان الثاني والثالث والرابع وهكذا ، لا لأنّه إذا ثبت عنوان « الأوّل » لهذا اليوم يثبت عنوان « الثاني » لما بعده ، لأنّ ذلك من الأصل المثبت ، بل لأنّ استصحاب عدم شوال إلى ذلك اليوم يثبت به عنوان « الأوّل » للأوّل و « الثاني » للثاني وهكذا ، لأنّ « الأوّل » بعد ما فرضنا كونه مركّباً من أمر وجودي وجداني وهو كونه من شوال وعدمي ، فكذلك « الثاني » يكون مركّباً من أمر وجودي وهو كونه من شوال ، وعدمي وهو عدم تحقّق شوال قبل اليوم الذي قبله ، فتأمّل.

والأولى أن يقال : إنّ هذا من باب التلازم بين التنزيلين ، فإنّ الحكم التعبّدي بكون هذا اليوم أوّل شوال يلازم الحكم التعبّدي بكون ما بعده ثانياً لشوال. أو يقال إنّ الشكّ في جميع هذه الأيّام ناش عن الشكّ في حدوث الشهر فيما قبل ذلك اليوم ، فإذا جرى الأصل في عدم ذلك أخذ كل واحد من تلك الأيّام عنوانه الخاص به من الثاني والثالث وهكذا ، وهذا الأخير راجع إلى التقريب الأوّل ، إذ لا عبرة بهذه السببية لأنّها تكوينية غير شرعية ، فلابدّ من القول بأنّ كلّ واحد من هذه العناوين مركّب من أمر وجودي وآخر عدمي ، وهو في الأوّل عدم وجود شوال قبله وفي الثاني هو عدم وجوده قبل ما قبله ، وهكذا في الثالث والرابع إلى آخر الشهر ، فتأمّل.

قال الشيخ قدس‌سره : ومنها أصالة عدم دخول هلال شوال في يوم الشكّ ، المثبت لكون غده يوم العيد ، فيترتّب عليه أحكام العيد من الصلاة والغسل وغيرهما ، فإنّ

١٤٤

مجرّد عدم الهلال في يوم لا يثبت آخريته ولا أوّلية غده للشهر اللاحق ، لكن العرف لا يفهمون من وجوب ترتيب آثار عدم انقضاء رمضان وعدم دخول شوال إلاّ ترتيب أحكام آخرية ذلك اليوم لشهر وأوّلية غده لشهر آخر ، فالأوّل عندهم ما لم يُسبق بمثله ، والآخر ما اتّصل بزمان حكم بكونه أوّل الشهر الآخر. وكيف كان فالمعيار خفاء توسّط الأمر العادي والعقلي بحيث يعدّ آثاره آثاراً لنفس المستصحب (١).

والأولى أن يقال : إنّ « الآخر » هو اليوم من الشهر مع عدم مثله أو مع وجود ضدّه بعده ، فهو عكس « الأوّل » ، وحينئذ يكون الجزء الثاني منه ـ الذي هو عدم مثله أو وجود ضدّه بعده ـ ثابتاً بالوجدان ، ويكون الجزء الأوّل ـ وهو كونه من الشهر السابق ـ ثابتاً بالأصل وهو استصحاب بقاء الشهر السابق.

لكن لا يخفى أنّ استصحاب بقاء الشهر السابق لا يثبت به كون يوم الشكّ من الشهر السابق إلاّبالأصل المثبت ، اللهمّ إلاّ أن يدّعى أنّ آخر رمضان مثلاً عبارة عن اليوم المقارن لوجود رمضان ، وليس بعده رمضان ، وحينئذ يكون الجزء الأوّل منه وهو كونه مقارناً مع رمضان قابلاً للاحراز باستصحاب بقاء رمضان ، ولكنّه في غاية البعد ، وكأنّه لأجل ذلك التجأ الشيخ قدس‌سره إلى جعل « الآخر » عبارة عمّا اتّصل بزمان حكم بكونه أوّل الشهر الآخر (٢).

ويمكن التأمّل فيه أوّلاً : أنّ مجرّد الاتّصال بما حكم بكونه أوّلاً لا يترتّب عليه ما هو المعتبر في الآخر من كونه من الشهر السابق ، والمفروض أنّ ذلك ـ أعني كون يوم الشكّ من الشهر السابق ـ لم يحرز لا وجداناً ولا بالأصل.

__________________

(١) فرائد الأُصول : ٣ : ٢٤٥.

(٢) فرائد الأُصول ٣ : ٥٩٧.

١٤٥

وثانياً : أنّ آخر الأوّل إنّما هو ما اتّصل بالأوّل الواقعي للثاني ، وأقصى ما عندنا هو إثبات كون ما بعد يوم الشكّ أوّلاً للثاني بأصالة عدم مثله قبله أو باستصحاب بقاء ضدّه ، وهذا الأصل وإن كان مقتضاه كون ما بعد يوم الشكّ أوّلاً للثاني ، إلاّ أنّه لا يترتّب عليه كون يوم الشكّ آخراً للسابق إلاّبالأصل المثبت.

والحاصل : أنّ الآخرية من لوازم الأوّلية الواقعية ، وليست الآخرية عبارة عن المتّصل بالأوّل التعبّدي ، أو هي المتّصل بالأعم من الأوّل الواقعي والأوّل التعبّدي ، فلاحظ.

ثمّ لا يخفى أنّ صدر ما قرّر به الإشكال وهو قوله : « فإنّ مجرّد عدم الهلال في يوم لا يثبت آخريته ولا أوّلية غده للشهر اللاحق » يدلّ على أنّ عنوان « الآخر » وكذلك عنوان « الأوّل » لا يتحقّق بمجرّد أصالة عدم الهلال في يوم الشكّ ، وليس ذلك إلاّمن جهة أنّ عنوان « الآخر » وكذلك عنوان « الأوّل » من العناوين الوجودية الملازمة لذلك العدم ، فلا ينفع في إثباتها أصالة العدم المذكور.

وقوله : لكن العرف لا يفهمون من وجوب ترتيب آثار عدم انقضاء رمضان الخ ، أنّه اعتراف بالواسطة المذكورة ، ولكن المصحّح لترتيب الآثار هو خفاء الواسطة ، وكذلك قوله : وكيف كان ، فالمعيار خفاء توسّط الأمر العادي الخ.

لكن قوله : فالأوّل عندهم ما لم يسبق بمثله الخ ، يدلّ على نفي الواسطة ، وأنّ العرف يفهمون من عنوان « الأوّل » أنّه مركّب من أمر وجودي وهو كون الغد من شوال ، وأمر عدمي وهو عدم سبقه بمثله ، وهذا ـ أعني التركّب المزبور ـ يخرج المورد عن كونه من باب الواسطة الخفية ، فإنّه راجع إلى أنّ العرف يفهم أنّ المراد من ـ الأوّل ـ الذي هو موضوع الأثر في لسان الدليل هو ما يكون من

١٤٦

شوال ولم يسبق بمثله ، ومن الواضح أنّ فهم العرف من ـ الأوّل ـ في لسان الدليل هو المتّبع ، فلاحظ.

قوله قدس‌سره : نعم ، ربما يدّعى قيام السيرة على عدم الاعتناء بالشكّ في الحاجب ، ومن هنا لم يعهد من أحد الفحص عن وجود دم القمل أو البق في بدنه عند الغسل ، مع أنّ البدن مظان لوجود ذلك فيه ـ إلى قوله ـ ولكن للمنع عن قيام سيرة المتدينين ... الخ (١).

الأولى أن يجاب عن هذه الدعوى كما في تحريراتي وتحريرات غيري (٢) عنه قدس‌سره أوّلاً : بالمنع من جريان السيرة على عدم الاعتناء باحتمال الحاجب إلاّفيما كان عدمه مظنوناً بالظنّ القوي اللاحق بالعلم العادي ، ولو علم أنّها جرت في الأعمّ من العلم العادي ، بحيث ثبت عدم الاعتناء في مورد الظنّ بالعدم وإن لم يكن بمرتبة العلم العادي ، لكان ذلك كاشفاً عن حجّية تلك المرتبة من الظنّ في خصوص هذه المسألة.

وثانياً : بالمنع من اتّصال تلك السيرة بزمان المعصوم.

وثالثاً : بأنّ أقصى ما في البين هو كون السيرة بمنزلة دليل بالخصوص يدلّ على حجّية الأصل المثبت في خصوص هذه المسألة ، ونحن لا نمنع منه كما مرّ ذكره في أوّل هذا التنبيه.

قلت : ولكن قد عرفت (٣) أنّ ذلك ممنوع حتّى في القضية الخاصّة ، فلابدّ حينئذ من الالتزام بأنّ الشارع بواسطة هذه السيرة قد جعل الظنّ بالعدم الناشئ من

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٠.

(٢) راجع أجود التقريرات ٤ : ١٤٠.

(٣) في الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٩٧ وما بعدها.

١٤٧

اليقين السابق حجّة كالأمارات ، ولم تكن حجّيته مقصورة على خصوص الجري العملي على ما مرّ عليك تفصيله ، فراجع (١).

قوله : ولكن للمنع عن اعتبار الاضافة وحكاية الحال مجال ، فإنّه يمكن أن يقال : إنّ الموضوع للتوارث نفس اجتماع حياة المورّث وإسلام الوارث في الزمان ، فيندرج المثال في الموضوعات المركّبة المحرز أحد جزأيها بالوجدان ... الخ (٢).

لعلّ هذا مأخوذ من قوله عليه‌السلام في بعض روايات الباب : « لو أنّ رجلاً ذمّياً أسلم وأبوه حي ولأبيه ولد غيره ثمّ مات الأب ، ورثه المسلم جميع ماله ، ولم يرثه ولده ولا امرأته مع المسلم شيئاً » (٣) فيكون المدار على إسلام الوارث في حياة المورّث ، لكن يمكن المناقشة بأنّ هذا وحده لا يكفي في الارث ، بل لابدّ من ضمّ الموت إليه كما يستفاد من قوله عليه‌السلام : « ثمّ مات الأب » يعني مات في حال إسلام الوارث.

وبالجملة : أنّ الارث إنّما يترتّب على الموت لا على الحياة كي يقال إنّه يكفي في التوارث اجتماع حياة المورّث وإسلام الوارث في الزمان ، بل لابدّ من أخذ الموت ، فإن كان إسلام الوارث شرطاً فليس محصّله إلاّ أنّ موضوع الارث هو موت المورّث مع إسلام الوارث ، أو موت المورّث في حال إسلام الوارث ، واستصحاب الحياة وعدم الموت إلى ما بعد إسلام الوارث لا يمكن أن يثبت به

__________________

(١) راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٨٧ ـ ٨٨ وما بعدها.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠١.

(٣) وسائل الشيعة ٢٦ : ٢٤ / أبواب موانع الارث ب ٥ ح ١.

١٤٨

كون موت المورّث في حال إسلام الوارث فلا يحكم بإرثه ، لكن كما أنّه لا يحكم بإرثه كذلك لا يمكن الحكم بعدم إرثه ، وحينئذ يمكن القول بتنصيف النصف بينه وبين أخيه المعلوم إسلامه سابقاً لتردّد ذلك النصف بينهما ، أو يقرع على النصف بينهما أو على أحد المحتملين من كون إسلامه قبل أو بعد ، فتأمّل.

والذي يظهر من الجواهر اختيار المانعية ، فإنّه قدس‌سره قال ـ في هذه المسألة بعد نقل عبارة المتن المتضمّنة لقوله : كان الأصل بقاء الحياة والتركة بينهما نصفين ـ :

بلا خلاف ولا إشكال ، وإن كان المدرك عندنا عدم ثبوت المانع فالمقتضي حينئذ بحاله لا استصحاب الحياة ، فتأمّل (١).

ولو بنينا على ما أفاده قدس‌سره من أنّ المستفاد من الأدلّة هو كون الكفر مانعاً من الارث بعد فرض كون البنوّة مقتضية له ، لكنّا في غنىً عن التمسّك بعدم ثبوت المانع ، بل يكون استصحاب الحياة وعدم الموت إلى حين إسلام الوارث محرزاً لعدم المانع ، وهو موت المورّث في حال كفر الوارث ، ولكن مجرّد إحراز عدم المانع لا يوجب الحكم بالارث الذي هو أثر المقتضي ، إلاّ أن يقال : إنّ أدلّة إرث الولد من أبيه عامّة لم يخرج منها إلاّمن مات أبوه في حال كفره ، واستصحاب حياة الأب في حال كفر الولد إلى ما بعد إسلامه مخرج للمسألة عن هذا المخصّص ، وموجب لبقائه تحت العموم المذكور ، هذا بناءً على أن يكون المخصّص لذلك العموم هو موت المورّث في حال كفر الوارث ، لا كون الوارث كافراً في حال موت المورّث ، فإنّ ذلك وإن كان ممكناً إلاّ أنّ الإجماع الذي ادّعاه في الجواهر يلجئنا إلى الالتزام بأنّ المخصّص هو على النحو الأوّل دون الثاني ، فتأمّل.

__________________

(١) جواهر الكلام ٤٠ : ٥٠٦.

١٤٩

قوله : ولو انعكس الفرض وكان الاختلاف في زمان إسلام الوارث مع الاتّفاق على تاريخ موت المورّث ، فيجري استصحاب عدم إسلام الوارث إلى زمان موت المورّث ويلزمه عدم التوارث ... الخ (١).

قال في الجواهر ما ملخّصه : أنّ ذلك الأصل يقتضي عدم الحكم بإسلامه قبل موت الأب ، وذلك لا يكفي في نفي الإرث المقتضي له نفس الولدية ، والكفر مانع لا الإسلام شرط حتّى يكفي فيه عدم تحقّق الشرط ، راجع ما ذكره في المسألتين في كتاب القضاء في المقصد الثالث في دعوى المواريث (٢).

ويمكن الجواب عنه بناءً على المانعية بالطريقة السابقة ، بأن يقال : إنّ عمومات الإرث وإن كانت حاكمة بإرث الولد ، إلاّ أنّه خرج منها من مات أبوه في حال كفره ، ولمّا لم يكن لنا في البين ما يحرز لنا حال هذا الولد من كونه باقياً تحت العموم أو أنّه داخل في الخاص ، لا يكون التمسّك بعموم هذا العام إلاّمن قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية ، ولأجل ذلك نقول بعدم الإرث في هذه المسألة حتّى بناءً على المانعية التي أفادها.

بل يمكن أن يقال : إنّه داخل في الخاص وهو من مات أبوه في حال كفره لأنّ استصحاب بقائه على الكفر إلى زمان موت أبيه يحقّق ذلك الموضوع ، وهو موت الأب وكفر الابن. نعم لو أُخذ موت الأب مقيّداً بكونه واقعاً في حال كفر الابن على نحو الاقتران ، لم يكن الاستصحاب المذكور محرزاً له ، فنحتاج حينئذ إلى ما ذكرناه من الحكم بعدم إرثه استناداً إلى المنع عن التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية ، هذا كلّه بناءً على مانعية الكفر ، وأمّا بناءً على الشرطية فالأمر

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠١.

(٢) جواهر الكلام ٤٠ : ٥٠٤.

١٥٠

في الحكم بعدم الإرث واضح ، خصوصاً على ما أفاده قدس‌سره من أنّ الشرط هو اجتماع حياة المورّث وإسلام الوارث ، فإنّ ذلك حينئذ يكون من باب إحراز عدم الشرط ، لا من باب عدم إحراز الشرط ، كما هو الحال بناءً على ما ذكرناه من كون الشرط هو موت المورّث في حال إسلام الوارث ، فتأمّل.

قال في الشرائع : المقصد الثالث في دعوى المواريث ، وفيه مسائل : الأُولى : لو مات المسلم عن ابنين فتصادقا على تقدّم إسلام أحدهما على موت الأب وادّعى الآخر مثله فأنكر أخوه ( ولم يعلم تاريخ أحدهما أو علم تاريخ موت الأب دون الآخر ) فالقول قول المتّفق على تقدّم إسلامه مع يمينه أنّه لا يعلم أنّ أخاه أسلم قبل موت أبيه ، وكذا لو كانا مملوكين فاعتقا واتّفقا على تقدّم حرّية أحدهما واختلفا في الآخر (١).

قال في الجواهر : إذ المناط في الجميع ـ وهو استصحاب البقاء على دينه وعلى رقّيته ـ واحد ، كذا ذكره من تعرّض لذلك. لكن يشكل الأوّل بل الثاني بناءً على أنّ أصالة تأخّر الحادث لا تفيد تأخّر نفس المدّعى به عن نفس الآخر المعلوم تاريخه ، بأنّ ذلك يقتضي عدم الحكم بإسلامه قبل موت الأب ، وذلك لا يكفي في نفي الإرث المقتضي له نفس الولدية ، والكفر والرق مانعان لا الإسلام والحرّية شرطان حتّى يكفي فيه عدم تحقّق الشرط (٢).

ثمّ قال في الشرائع : الثانية لو اتّفقا أنّ أحدهما أسلم في شعبان والآخر في غرّة رمضان ، ثمّ قال المتقدّم مات الأب قبل ( دخول ) شهر رمضان ، وقال المتأخّر : مات بعد دخول رمضان ، كان الأصل بقاء الحياة ، والتركة بينهما

__________________

(١) شرائع الإسلام ٤ : ١٢٤.

(٢) جواهر الكلام ٤٠ : ٥٠٤.

١٥١

نصفين (١).

قال في الجواهر : بلا خلاف ( أجده ) ولا إشكال ، وإن كان المدرك عندنا عدم ثبوت المانع ، فالمقتضي حينئذ بحاله لا استصحاب الحياة (٢).

ولا يخفى أنّا لو استندنا في الصورة الثانية إلى استصحاب حياة الأب إلى حين إسلام الابن القاضي بإرثه ، لزمنا القول بالتعارض حتّى فيما لو كانا مجهولي التاريخ ، فإنّ استصحاب عدم إسلام الابن إلى موت الأب قاضٍ بعدم إرثه ، واستصحاب عدم موت الأب إلى حين إسلام الابن قاضٍ بإرثه ، فيتعارض الاستصحابان ، وحينئذ نقول لابدّ من إخراج صورة الجهل بالتاريخين عن الصورة الأُولى ، إذ أنّ صاحب الشرائع قدس‌سره بانٍ على عدم جريان الاستصحابين في صورة الجهل بتاريخهما ، لأجل شبهة عدم اتّصال اليقين بالشكّ ، وهو بعيد.

وعلى كلّ حال ، فحيث لم يكن لنا من الأُصول ما هو قاضٍ بالارث ولا ما هو قاضٍ بعدم الإرث ، يتعيّن القرعة أو التنصيف في النصف ، وليس ذلك من قبيل ما لو علم بوجود هذا الابن وشكّ في وجود ابن آخر في الحكم بكون المال بتمامه للابن الموجود ، لإمكان الرجوع في ذلك إلى أصالة العدم في الابن المحتمل ، وإن أشكل عليه في الجواهر في مسائل دعوى المواريث من كتاب القضاء بأنّه مثبت ، لكن الظاهر عدم كونه مثبتاً ، لكفاية الولدية في هذا وعدم غيره ، وقد دلّت بعض الروايات على ذلك ، وقد تقدّم ذكرها في أوائل القطع في جواز الشهادة استناداً إلى الأصل (٣).

__________________

(١) شرائع الإسلام ٤ : ١٢٤.

(٢) جواهر الكلام ٤٠ : ٥٠٦.

(٣) راجع المجلّد السادس من هذا الكتاب ، صفحة : ٩٣ وما بعدها.

١٥٢

ثمّ لا يخفى أنّ هذا التفصيل إنّما هو في صورة وجود وارث مسلم واحد ، وأمّا لو كان المسلم متعدّداً فالمدار فيه على كون الإسلام قبل القسمة أو بعدها وفيما لم يكن وارث إلاّهذا المشكوك يكون المدار على كون إسلامه قبل إدخال الإمام عليه‌السلام التركة في بيت المال ، كما سيأتي في الحاشية الآتية (١).

قوله : ومنها ما ذكره جماعة تبعاً للمحقّق في كرّ وجد فيه نجاسة ... الخ (٢).

لم أتوفّق للعثور على هذا الفرع في الشرائع ولا في المعتبر (٣) ، نعم قال العلاّمة قدس‌سره في القواعد : الثالث لو وجد نجاسة في الكر ، وشكّ في وقوعها قبل بلوغ الكرّية أو بعدها فهو طاهر ، ولو شكّ في بلوغ الكرّية فهو نجس (٤). وقال الشيخ قدس‌سره في الرسائل : ومنها ما ذكره جماعة تبعاً للمحقّق في كرّ وجد فيه نجاسة لا يعلم سبقها على الكرّية وتأخّرها ، فإنّهم حكموا بأنّ استصحاب عدم الكرّية قبل الملاقاة الراجع إلى استصحاب عدم المانع عن الانفعال حين وجود المقتضي له معارض باستصحاب عدم الملاقاة قبل الكرّية. ولا يخفى أنّ الملاقاة معلومة ، فإن كان اللازم في الحكم بالنجاسة إحراز وقوعها في زمان القلّة وإلاّ فالأصل عدم التأثير ، لم يكن وجه لمعارضة الاستصحاب الثاني بالاستصحاب الأوّل ، لأنّ أصالة عدم الكرّية قبل الملاقاة لا تثبت كون الملاقاة قبل الكرّية وفي زمان القلّة حتّى تثبت النجاسة ، إلاّمن باب عدم انفكاك عدم الكرّية حين الملاقاة عن وقوع

__________________

(١) راجع الحاشية الآتية في الصفحة : ١٦٠.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠١.

(٣) لاحظ المعتبر ١ : ٥١ ـ ٥٢.

(٤) قواعد الأحكام ١ : ١٨٤.

١٥٣

الملاقاة حين القلّة ، نظير عدم انفكاك عدم الموت حين الإسلام لوقوع الموت بعد الإسلام ، فافهم (١).

قلت : لا يخفى أنّه لو كانا مجهولي التاريخ كان استصحاب القلّة وعدم الكرّية إلى حين الملاقاة حاكماً بالنجاسة ، لتحقّق الملاقاة وجداناً والقلّة بالاستصحاب ، وليس ذلك من الأصل المثبت. نعم إنّ استصحاب عدم الملاقاة إلى حين الكرّية لا يوجب الحكم بالطهارة إلاّبإثبات وقوع الملاقاة بعد الكرّية ، وحينئذ يكون المثبت هو الاستصحاب الثاني دون الاستصحاب الأوّل ، وعلى ذلك يكون الحكم في مجهولي التاريخ هو النجاسة. وكذلك فيما لو كانت الملاقاة معلومة التاريخ والكرّية مجهولة التاريخ. نعم لو كان الأمر بالعكس بأن كانت الكرّية معلومة التاريخ والملاقاة مجهولة التاريخ ، كان الحكم مبنياً على كون القلّة شرطاً في الانفعال أو كون الكرّية مانعة منه ، فعلى الأوّل يحكم بالطهارة ركوناً إلى قاعدة الطهارة ، لعدم إحراز شرط الانفعال ، وعلى الثاني يحكم بالنجاسة أخذاً بقاعدة المقتضي وعدم إحراز المانع.

ولا يخفى أنّ الظاهر من قول العلاّمة في القواعد : ولو شكّ في بلوغ الكرّية فهو نجس ، هو البناء على الثاني أعني قاعدة المقتضي ، وحينئذ يشكل الأمر في حكمه بالطهارة في الصورة الأُولى أعني مجهولي التاريخ ، لأنّا لو أغضينا النظر عمّا تقدّم من انفراد استصحاب القلّة إلى حين الملاقاة القاضي بالنجاسة ، وسلّمنا المعارضة بين الأصلين ، يتعيّن الحكم بالنجاسة بناءً على ما هو ظاهره أخيراً من الأخذ بقاعدة المقتضي.

__________________

(١) فرائد الأُصول ٣ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

١٥٤

نعم ، لو تمّ ما أفاده الشيخ قدس‌سره من أنّ استصحاب القلّة إلى حين الملاقاة لا يعارض استصحاب عدم الملاقاة إلى حين الكرّية ، وقلنا إنّ استصحاب عدم الملاقاة إلى حين الكرّية قاضٍ بالطهارة ، صحّ الحكم فيه بالطهارة استناداً إلى الاستصحاب المذكور مع القول بقاعدة المقتضي ، حيث إنّ الرجوع إلى قاعدة المقتضي للنجاسة كالرجوع إلى قاعدة الطهارة إنّما يكون بعد سقوط الاستصحاب القاضي بالنجاسة ، أو الاستصحاب القاضي بالطهارة ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح وتنقيح إن شاء الله تعالى (١).

قوله : ومنها ما ذكره في التحرير (٢) من أنّه لو اختلف الولي والجاني في سراية الجناية ... الخ (٣).

هنا مسألتان : الأُولى مسألة دعوى الولي السراية ودعوى الجاني أنّ المجني عليه شرب سمّاً فمات به ، والأصل وإن كان هو استصحاب عدم شرب السمّ ، إلاّ أنّه لا يترتّب عليه الحكم بالسراية إلاّبالأصل المثبت ، وحينئذ فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة من الضمان ليكون القول قول الجاني.

الثاني : مسألة دعوى الجاني أنّ المجني عليه كان حين الجناية ميتاً ، ودعوى الولي أنّه كان حيّاً ، واستصحاب الحياة إلى حين الجناية لا يثبت ضمان القتل ، إذ لا يتحقّق القتل بهذا الاستصحاب إلاّعلى الأصل المثبت ، فيكون المرجع حينئذ هو أصالة براءة ذمّة الجاني من جناية القتل ، وقد أدخل في الكتاب إحدى المسألتين في الأُخرى.

__________________

(١) راجع الحاشية الآتية في الصفحة : ٢٤٢ وما بعدها.

(٢) تحرير الأحكام ٥ : ٥٢٤.

(٣) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٢.

١٥٥

قوله : وهما عرضان لمحلّين : أحدهما صاحب اليد وثانيهما صاحب المال ... الخ (١).

قد يقال : إنّ كون اليد يد أمانة من عوارضها ، فاستصحاب عدم إذن المالك لا يترتّب عليه نفي عنوان كون اليد يد أمانة الذي هو العنوان الخارج من عموم « على اليد » (٢) ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المستفاد من مجموع الأدلّة هو أنّ الخارج من عموم « على اليد » صورة إذن المالك لا اليد المتّصفة بكونها يد أمانة ، بخلاف اليد التي أخذت أمارة على الملكية ، فإنّ الخارج منها هو اليد الموصوفة بكونها يد أمانة أو يد عادية ونحو ذلك من أحوال اليد ، فتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ خروج يد الأمانة والعارية ونحوها عن عموم « على اليد ما أخذت » تارةً نقول إنّه بالتخصيص ، وأُخرى بالتخصّص ، بدعوى أنّ يد الأمانة يد المالك فتكون خارجة عن عموم « على اليد » ، فعلى الأوّل يكون أصالة عدم الإذن نافية لعنوان الخاصّ وهو يد الأمانة ويد العارية ، فإنّ الجامع في ذلك هو ما يكون بإذن المالك ، أمّا على الثاني فالظاهر أنّه كذلك ، حيث إنّ مفاد « على اليد » يكون عبارة أُخرى [ عن ] أنّ ما أخذته اليد من المالك يكون على عهدتها ، وأصالة عدم الإذن من المالك في هذه اليد المشكوك كونها أمانة أو عادية ينقّح أنّها يد أخذت من المالك.

والحاصل : أنّ يد المالك لا إشكال في أنّها لا محصّل لكونها مضمّنة ، وكذلك اليد التي تكون بإذن المالك فإنّها يد المالك لكونها فرعاً عنها ، ولأجل

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٣.

(٢) مستدرك الوسائل ١٤ : ٧ / كتاب الوديعة ب ١ ح ١٢.

١٥٦

ذلك نقول إنّها لا تكون أمارة على الملكية ، فهذه اليد المشكوكة إنّما تكون يد المالك وخارجة بالتخصّص عن عموم « على اليد » بواسطة كونها بإذن المالك ، وأصالة عدم الإذن من المالك ينقّح عدم كونها يد المالك ، فتكون محكومة بالضمان ، فتأمّل.

١٥٧

[ الشكّ في تقدّم الحادث وتأخّره ]

قوله : فتارةً يكون الشكّ في التقدّم والتأخّر بالاضافة إلى أجزاء الزمان ... الخ (١).

لا يخفى أنّ الزمان حادث من الحوادث ، فلو نسبنا إليه حادثاً آخر كما في مثل خروج الشخص من بلده وسفره عنه في أيّام رمضان قبل الزوال ، يتأتّى فيه ما سيأتي من التفصيل في الموضوع المركّب من الحادثين اللذين ليس أحدهما بالنسبة إلى الآخر من قبيل العرض ومحلّه ، في أنّه إذا لم يؤخذ فيه العنوان الانتزاعي من التقدّم والتأخّر يجري فيه أصالة عدم الخروج إلى ما بعد الزوال ، بخلاف ما لو كان الأثر مترتّباً على تقدّم الخروج على الزوال أو على تأخّره عنه ، فإنّه لاينفع فيه استصحاب الحضر أوعدم الخروج إلى مابعد الزوال ، فضلاً عمّا إذا كان الموضوع هوالخروج المتّصف بكونه قبل الزوال أوبعد الزوال ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : وأمّا فيما عدا العرض ومحلّه ، فلا يمكن لحاظ التوصيف فيه ، فإنّه لا يمكن أن يكون أحد الشيئين وصفاً للآخر مع أنّه لا رابط بينهما ... الخ (٢).

فلا يتأتّى فيه الأخذ بمفاد كان الناقصة أو ليس الناقصة ، والكفاية (٣) وإن

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٣.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٥.

(٣) كفاية الأُصول : ٤١٩.

١٥٨

تضمّنت ذلك لكنّه ليس في هذا المقام ، بل هو في مقام آخر ، وهو أنّه لو أخذنا صفة التقدّم في أحد الحادثين على الآخر أو صفة التأخّر أو صفة التقارن ، فتلك الصفات الانتزاعية تارةً تكون مأخوذة في موضوعية الأثر الشرعي على نحو مفاد كان التامّة ، بأن يكون الأثر الشرعي مترتّباً على نفس تقدّم إسلام الوارث مثلاً على موت المورّث أو تأخّره عنه أو مقارنته له ، وأُخرى تكون مأخوذة على نحو مفاد كان الناقصة ، بأن يكون الأثر مترتّباً على كون الإسلام متقدّماً أو متأخّراً أو مقارناً لموت المورّث.

وهكذا الحال في عدم أحدهما في زمان الآخر ، فإنّه ليس المراد من كونه مأخوذاً على نحو ليس التامّة أو ليس الناقصة أنّ عدم أحدهما يكون منسوباً إلى الآخر بما هو مفاد ليس التامّة أو ليس الناقصة ، بل المراد أنّ نسبة العدم إلى أحدهما في زمان الآخر تارةً تكون مأخوذة على مفاد ليس التامّة ، بأن يكون الأثر مترتّباً على نفس عدم كفر الوارث في زمان موت المورّث ، وأُخرى يكون على مفاد ليس الناقصة ، بأن يكون الأثر مترتّباً على كون كفر الوارث منعدماً في زمان موت المورّث.

ومن الواضح أنّ صفة التقدّم أو التأخّر أو المقارنة بالنسبة إلى أحد الحادثين من قبيل العارض ومعروضه ، وكذلك صفة العدم لأحدهما ، فإنّها من قبيل العارض ومعروضه ، فلو أخذ ذلك بمفاد كان التامّة أو ليس التامّة جرى الأصل فيه ، بمعنى أنّه لو أُخذت صفة تقدّم إسلام الوارث على موت المورّث جرى فيه أصالة عدم تحقّق تلك الصفة ، كما أنّه لو أُخذت فيه صفة عدم الكفر من الوارث في حال موت المورّث ، لكان استصحاب الكفر نافعاً في ذلك ، بخلاف ما لو كان

١٥٩

ذلك من قبيل مفاد كان الناقصة أو ليس الناقصة فإنّها لا تنفع فيه. ولا يخفى أنّ هذا الذي شرحناه هو مفاد ما في الكفاية.

ولا يخفى أنّه لو أُخذت صفة التقدّم مثلاً بمفاد كان التامّة أو ليس التامّة فليس لنا أصل يحرزه ، لأنّ أصالة عدم التقدّم لا أصل لها ، فتأمّل.

قوله : كما إذا علم بموت المورّث في غرّة رمضان وشكّ في تقدّم إسلام الوارث ... الخ (١).

ينبغي أن يكون فرض المسألة فيما إذا كان في البين وارث واحد مسلم غير هذا الذي شكّ في تقدّم إسلامه ، فإنّه لو لم يكن في البين مسلم إلاّهذا الذي شكّ في تقدّم إسلامه ، لا يكون المدار على إسلامه حين الموت ، بل يكون المدار على كون إسلامه قبل إدخال الإمام عليه‌السلام للتركة في بيت المال أو مطلقاً ، على خلاف فيه ، وهذا يختصّ بما لو كان المورّث مسلماً ، وكذا لو تعدّد الوارث المسلم فإنّ المدار في إرث هذا الذي حصل الشكّ في تقدّم إسلامه على كون إسلامه قبل القسمة أو بعدها ، لا على كون إسلامه حين الموت أو بعده ، من دون فرق في ذلك بين كون المورّث كافراً أو كونه مسلماً.

وإنّما محل المثال هو ما لو كان الوارث الذي هو غير هذا المشكوك واحداً ، فإنّه لا يجري فيه ما عرفت من كون إسلامه قبل القسمة أو بعدها ، أو كون إسلامه قبل إدخال التركة في بيت المال ، بل المدار فيه على كون إسلامه متقدّماً على الموت أو متأخّراً عنه ، على التفصيل الآتي إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٨.

١٦٠