أصول الفقه - ج ١٠

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١٠

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-83-6
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٩٤

نعم ما ذكرناه أوّلاً من الجواب نافع فيما لو كان أحد الاناءين معلوم الطهارة تفصيلاً وكان الآخر معلوم النجاسة ، ثمّ علم إجمالاً بأنّه إمّا قد طهر النجس منهما أو قد نجس الطاهر ، فإنّه بعد تعارض استصحاب النجاسة فيما كان نجساً باستصحاب الطهارة فيما كان طاهراً ، يكون المرجع هو قاعدة الطهارة في كلّ منهما ، ولا تكون قاعدة الطهارة في الثاني ساقطة بسقوط استصحاب الطهارة فيه ، لما ذكرناه من الجواب الأوّل ، وهكذا الحال في من توضّأ بمائع مردّد بين البول والماء ، لكن شيخنا قدس‌سره يوافق المشهور في أمثال هذه الفروع في جريان الأصلين ولو كانا إحرازيين ، فراجع ما أفاده قدس‌سره في آخر الاستصحاب (١).

ولو دار الأمر بين الحدث وتنجّس الثوب مثلاً ، سقط استصحاب الطهارة في كلّ من الطرفين للمخالفة القطعية ، وبسقوط الاستصحاب في الثوب تسقط قاعدة الطهارة فيه ، لما عرفت من أنّ الموجب للسقوط هو المخالفة القطعية ، فلا يتأتّى في ذلك الوجه الأوّل ولا الوجه الثاني ، وحينئذ يكون المرجع هو لزوم إحراز الشرط وعدم جواز استعمال الثوب ، لعدم المسوّغ.

ولكن لا يخفى أنّ في قبال قاعدة الطهارة في الثوب أصالة البراءة من حرمة مسّ المصحف ، فلا يظهر فيه أثر لما أفاده شيخنا قدس‌سره ، حيث إنّ كلاً من الطرفين يبقى بلا أصل. أمّا على مسلكه قدس‌سره فلأنّ قاعدة الطهارة تسقط بسقوط الاستصحاب فيه ، كما أنّ أصالة البراءة من حرمة المس تسقط أيضاً بسقوط استصحاب الوضوء. وأمّا على مسلك الجماعة فلأنّه بعد سقوط الاستصحابين يسقط كلّ من قاعدة الطهارة والبراءة أيضاً ، وحينئذ يبقى العلم الاجمالي بارتفاع أحد الأمرين ، أعني طهارته من الحدث وطهارة ثوبه من الخبث ، فيلزمه الوضوء

__________________

(١) راجع المجلّد الحادي عشر من هذا الكتاب الصفحة : ٥٤٣ وما بعدها.

٢٤١

وتطهير ثوبه على كلّ حال ، وينبغي مراجعة ما علّقناه على ص ١٦ (١).

قوله : الفرض الثالث : عدم جريان الأصل في مجهول التاريخ ومعلومه كما إذا علم بكرّية الماء ... الخ (٢).

الذي استقرّ عليه رأيه قدس‌سره أخيراً في حواشي العروة وغيرها (٣) ، هو أنّ الحكم في جميع صور الكرّية والملاقاة هو النجاسة إلاّفي مسألة واحدة ، وهي ما لو كان مسبوقاً بالكرّية وكان تاريخ الملاقاة معلوماً ، فحكم فيها بالطهارة لاستصحاب الكرّية إلى ما بعد الملاقاة ، ولا يجري فيها استصحاب عدم الملاقاة إلى ما بعد الكرّية ، لكون الملاقاة معلومة التاريخ.

أمّا في صور المسبوق بالقلّة ، ففي صورة الجهل بتاريخ كلّ من الكرّية والملاقاة ، يكون استصحاب القلّة أو عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة مقتضياً للنجاسة ، ولا يعارضه استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرّية ، إذ لا أثر لعدم الملاقاة قبل الكرّية إلاّباعتبار لازمها ، وهو كون الملاقاة بعد الكرّية.

ومنه يظهر الحال في صورة العلم بتاريخ الملاقاة ، فإنّ استصحاب القلّة إلى ما بعد الملاقاة قاضٍ بكون الملاقاة في حال القلّة ، وهو موجب للحكم بالنجاسة ، ولا يجري الاستصحاب في طرف الملاقاة لكونها معلومة التاريخ ، فلا يجري فيها الأصل فضلاً عمّا عرفت من عدم ترتّب الأثر على استصحاب عدم الملاقاة فيما قبل الكرّية.

__________________

(١) راجع الحاشيتين المتقدّمتين في المجلّد السابع من هذا الكتاب ، الصفحة : ٥١٨ و ٥٢٢.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥٢٨.

(٣) كما سيذكر في الصفحة : ٢٤٤.

٢٤٢

وأمّا في صورة العلم بتاريخ الكرّية ، فلأنّ استصحاب العدم في طرف الكرّية وإن لم يكن جارياً لكونها معلومة التاريخ ، إلاّ [ أنّ ] استصحاب عدم الملاقاة إلى ما بعد الكرّية لا يجري أيضاً ، لما عرفت من أنّه لا أثر له ، وحينئذ فتدخل المسألة فيما أُحرزت الملاقاة فيه ولم يحرز فيه الكرّية حال الملاقاة ، والمختار له قدس‌سره هو الحكم بالنجاسة في مثل ذلك ، لعدم إحراز ما علّق عليه الحكم بالطهارة وعدم الانفعال ، وهو عنوان الكرّية الذي هو عنوان وجودي.

وأمّا في صور المسبوق بالكرّية الذي طرأه الملاقاة والقلّة ، فقد عرفت أنّه في صورة العلم بتاريخ الملاقاة والجهل بتاريخ القلّة أنّ الحكم عنده قدس‌سره هو الطهارة ، لاستصحاب الكرّية إلى ما بعد الملاقاة.

وأمّا عكسها وهي صورة العلم بتاريخ القلّة والجهل بتاريخ الملاقاة ، فالاستصحاب لا يجري في طرف القلّة لكونها معلومة التاريخ ، كما أنّه لا يجري في طرف الملاقاة بأن يقال : الأصل هو عدم الملاقاة إلى ما بعد القلّة ، لعدم ترتّب الأثر على عدم الملاقاة قبل القلّة إلاّباعتبار لازمه ، وهو وقوعها في زمان القلّة ، وحينئذ فتدخل هذه المسألة في العنوان المشار إليه ، ويكون الحكم عنده قدس‌سره هو النجاسة لعدم إحراز عنوان الكرّية عند الملاقاة.

أمّا لو كان كلّ من القلّة والملاقاة مجهول التاريخ ، فإنّ الظاهر هو الحكم بالطهارة ، لما عرفت من استصحاب بقاء الكرّية إلى ما بعد الملاقاة ، القاضي بكون الملاقاة في حال الكرّية ، وأنّ استصحاب عدم الملاقاة إلى ما بعد القلّة لا يجري لعدم ترتّب الأثر عليه ، لكنّه قدس‌سره قد حكم في هذه الصورة بالنجاسة كما

٢٤٣

يظهر من حواشيه على العروة (١) ورسالته الوسيلة (٢) بعد التغيير المشار إليه في الكتاب (٣) في صور المسبوق بالقلّة.

ولا يخفى أنّه قدس‌سره أشار إلى صور المسبوق بالكرّية إشارة إجمالية ، وكنت أتخيّل أنّ الحكم عنده قدس‌سره في صورة الجهل بتاريخ كلّ من القلّة والملاقاة هو الطهارة ، لما عرفته من جريان أصالة بقاء الكرّية إلى حين الملاقاة ، وعدم جريان أصالة عدم الملاقاة إلى حين النقصان لكونه مثبتاً ، ولكن حينما عرضت ذلك بخدمته قدس‌سره ، أفاد أنّ الحكم في هذه الصورة هو النجاسة لتعارض الأصلين فيها وهما أصالة بقاء الكرّية إلى حين الملاقاة وهو مقتض للطهارة ، وأصالة عدم هذه الملاقاة إلى حين النقصان وهو مقتض للنجاسة ، وبعد التعارض والتساقط يرجع إلى قاعدة المقتضي والمانع ، أعني ما عرفت من لزوم إحراز الكرّية عند الملاقاة في الحكم بالطهارة ، وليس هذا الأصل ـ أعني أصالة عدم حدوث هذه الملاقاة في حال الكرّية ـ مثبتاً ، لعدم توقّف الحكم بالنجاسة على لازمه الذي هو وقوع الملاقاة بعد النقصان ، وذلك لأنّ هذه الملاقاة معلومة بالوجدان ، ويكفي في الحكم بالنجاسة أصالة عدم وقوع هذه الملاقاة في حال الكرّية ، لأنّ العاصم هو وقوع الملاقاة في حال الكرّية ، فإذا جرى أصالة عدم هذه الملاقاة في حال الكرّية ، لم يتحقّق كون هذه الملاقاة مع العاصم الذي هو الكرّية ، فيترتّب الحكم بالنجاسة.

ومن ذلك يظهر لك أنّ الحكم بالنجاسة في الصورة الأخيرة ـ أعني ما لو

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ١ : ٨٤ م ٨ / الماء الراكد.

(٢) وسيلة النجاة : يز [ لا يخفى أنّه قد رمز للصفحات الأُولى منها بالحروف ].

(٣) فوائد الأُصول ٤ : ٥٣٠.

٢٤٤

علم تاريخ النقصان وكان تاريخ الملاقاة مجهولاً ـ لأصالة عدم هذه الملاقاة في زمان الكرّية ، لا لقاعدة المقتضي والمانع المشار إليها.

والحاصل : أنّه بعد العلم بحدوث كلّ من النقصان والملاقاة تكون الملاقاة معلومة ، فإن كانت قبل الحادث الآخر الذي هو النقصان كان الماء طاهراً ، لوقوع ملاقاته للنجاسة في حال كرّيته ، وإن لم تكن الملاقاة المذكورة واقعة في حال الكرّية كان الماء نجساً ، لعدم كون ملاقاته للنجاسة في حال كونه واجداً للعاصم ، ولا حاجة في الحكم بنجاسته إلى إثبات كون هذه الملاقاة واقعة في حال نقصانه عن الكرّية ، ليكون أصالة عدم وقوع هذه الملاقاة في حال الكرّية مثبتاً ، هذا ما كنت حرّرته عنه قدس‌سره ولعلّ الاشتباه منّي في النقل.

وكيف كان ، فإنّا لو كنّا محتاجين إلى إحراز حال هذه الملاقاة وأنّها هل كانت موجودة في حال الكرّية أو لم تكن موجودة في ذلك الحال ، لم يكن أصالة عدم وجودها في ذلك الحال نافعاً في إحراز كون هذه الملاقاة متّصفة بأنّها لم تكن موجودة في حال الكرّية ، لأنّ اتّصافها بعدم كونها موجودة في حال الكرّية إنّما هو على نحو مفاد ليس الناقصة ، والأصل المذكور إن أُخذ بمفاد ليس الناقصة فهو لا أصل له ، لأنّ هذه الملاقاة الشخصية لم يسبق لها حالة سابقة في الاتّصاف بعدم كونها موجودة في ذلك الحال ، وإن أُخذ بمفاد ليس التامّة بمعنى أنّ كلّي الملاقاة لم يكن موجوداً في حال الكرّية ، بحيث يكون حال الكرّية ظرفاً للنفي لا قيداً في النفي ، فهذا لا ينفع في إحراز حال هذه الملاقاة إلاّعلى الأصل المثبت.

وهكذا الحال فيما لو أُريد من أصالة عدم الملاقاة في حال الكرّية أصالة عدم المجموع المركّب من الملاقاة الموجودة في حال الكرّية ، بحيث يكون حال الكرّية قيداً في المنفي وهو الملاقاة ، فإنّ أصالة عدم ذلك المجموع المركّب من

٢٤٥

الملاقاة المقيّدة بحال الكرّية ، لا ينفع في إحراز حال هذه الملاقاة الشخصية المعلومة في البين.

ثمّ إنّ ما أُفيد من لزوم إحراز حال هذه الملاقاة قابل للتأمّل ، لأنّا إن قلنا بالقاعدة المشار إليها ، أعني لزوم إحراز العنوان الوجودي المعبّر عنها بقاعدة المقتضي والمانع ، بناءً على أنّ الكرّية مانعة من الانفعال ، فلا حاجة إلى إحراز حالها ، بل يكفي في الحكم بالنجاسة مجرّد عدم إحراز الكرّية حال الملاقاة ، هذا.

مضافاً إلى أنّا قد أحرزنا حال هذه الملاقاة بأصالة بقاء الكرّية إلى حين الملاقاة ، فإنّ ذلك كافٍ في إحراز حال هذه الملاقاة وأنّها كانت في حال الكرّية فيكون هذا الأصل حاكماً على القاعدة المزبورة ، بعد البناء على ما عرفت من عدم جريان أصالة عدم الملاقاة في حال الكرّية وقبل النقص ، نعم لو كان تاريخ النقص معلوماً لم تكن أصالة بقاء الكرّية إلى حين الملاقاة [ جارية ] ، لكون النقص معلوم التاريخ ، فلم يبق إلاّ أصالة عدم الملاقاة قبل النقص ، وقد عرفت أنّه لا أثر له ، فلا محيص حينئذ عن الرجوع إلى القاعدة المزبورة.

فقد تلخّص لك : أنّ الحكم في صور المسبوق بالقلّة هو النجاسة ، وفي صور المسبوق بالكرّية يكون الحكم بالنجاسة منحصراً في صورة كون النقصان معلوم التاريخ ، وأمّا في صورة كون الملاقاة معلومة التاريخ أو كونهما مجهولي التاريخ فيكون الحكم هو الطهارة ، ولعلّ هذا هو الذي بنى عليه أخيراً ، ويكون ما أُفيد في حواشي العروة والوسيلة من الحكم بالنجاسة في صورة الجهل بتاريخهما محتاجاً إلى التغيير.

ثمّ إنّ الذي يظهر من هذا التقرير هو الحكم بالطهارة في الصور الثلاث ،

٢٤٦

وأنّ عدوله قدس‌سره إنّما هو في بعض صور المسبوق بالقلّة ، لكن الذي يظهر من التقريرات المطبوعة في صيدا (١) هو ما ذكرناه من انحصار الحكم بالنجاسة في صورة العلم بتاريخ النقص ، وأنّ الحكم في صورة الجهل بتاريخهما وفي صورة العلم بتاريخ الملاقاة هو الطهارة ، فلاحظ وتأمّل.

وتحرير هذا المبحث بنحو أوضح هو أن يقال : إنّ القول في هذا المقام يستدعي تقديم مقدّمات :

الأُولى : أنّ الفرق بين هذه المسألة والمسألة الأُولى هو ما قدّمناه من كون المسألة الأُولى هي عبارة عن كون عدم أحد الحادثين بضمّ الحادث الآخر موضوعاً لحكم شرعي ، وهذه المسألة يكون أحد الحادثين فيها وهو الكرّية رافعاً لأثر الآخر وهو الملاقاة.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ تلك المسألة أيضاً يكون عدم إسلام الوارث رافعاً لأثر الحادث الآخر وهو موت المورّث ، كما أنّه يمكن أن يقال : إنّ موضوع الأثر الشرعي هنا وهو النجاسة مؤلّف من أحد الحادثين وهو الملاقاة وعدم الآخر وهو الكرّية ، هذا في صورة الكرّ المسبوق بالقلّة. وفي صورة القلّة المسبوقة بالكرّية يكون موضوع الطهارة هو الملاقاة وبقاء الكرّية ، كما أنّه لا يتمّ ما أُفيد من الفرق بينهما بعدم جريان الأصل هنا لا في معلوم التاريخ ولا في مجهوله ، لفرض جريان أصالة عدم الكرّية إلى حين الملاقاة ، وكذلك استصحاب الكرّية إلى حين الملاقاة ، ويترتّب على الأوّل النجاسة وعلى الثاني الطهارة ، كما أنّ الفرق بينهما بعدم التعارض بين الأصلين هنا ، إذ ليس الجاري في هذه المسألة إلاّ أصلاً واحداً في ناحية الكرّية دون الملاقاة ، لا يكون فارقاً ، لأنّ الأصل الجاري في تلك

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ١٦٣ ـ ١٦٤.

٢٤٧

المسألة أيضاً واحد ، وهو استصحاب عدم الإسلام إلى ما بعد موت المورّث ، ولا يجري استصحاب عدم الموت إلى ما بعد الإسلام ، لما تقدّم في تلك المسألة من كون هذا الأصل مثبتاً. فالذي تلخّص أنّه لا فرق بين المسألتين ، وإنّما خصّص الكلام على هذه المسألة لأجل أهميّتها وكثرة الابتلاء بها.

المقدّمة الثانية : أنّه قد اتّضح لك أنّ الأصل الوحيد الجاري في هذه المسألة إنّما هو في ناحية الكرّية ، فيكون المستصحب هو القلّة وعدم الكرّية في صورة المسبوق بالقلّة ، ويترتّب عليه الحكم بالنجاسة ، وفي صورة القلّة المسبوقة بالكرّية يكون الأصل الجاري هو استصحاب الكرّية ، ويترتّب عليه الحكم بالطهارة ، أمّا استصحاب عدم الملاقاة إلى ما بعد الكرّية أو إلى ما بعد القلّة فلا يجري ، لعدم ترتّب الطهارة على الأوّل والنجاسة على الثاني إلاّبالأصل المثبت.

المقدّمة الثالثة : أنّ صورة جريان الأصل في هذه المسألة لا يظهر أثر فيه للقول بمانعية الكرّية أو شرطية القلّة ، لأنّ النتيجة في صورة جريان الأصل واحدة على كلّ من هذين القولين. نعم في الصورة التي لا يجري فيها الأصل ، وهي ما لو كان تاريخ الكرّية معلوماً وتاريخ الملاقاة مجهولاً ، أو كان تاريخ القلّة معلوماً وتاريخ الملاقاة مجهولاً ، يظهر الفرق بين القولين ، فإنّه بعد فرض عدم جريان استصحاب عدم الملاقاة إلى ما بعد الكرّية في الأوّل أو إلى ما بعد القلّة في الثاني يكون المورد من قبيل ما أُحرزت فيه الملاقاة ولم يحرز فيه الكرّية ولا القلّة ، فعلى القول بمانعية الكرّية يكون الحكم هو النجاسة ، وعلى القول بشرطية القلّة يكون الحكم هو الطهارة لقاعدة الطهارة.

أمّا في صورة الجهل بتاريخ الكرّية أو الجهل بتاريخ القلّة ، فإنّ الأصل

٢٤٨

يجري ويكون مقتضاه في الأوّل هو النجاسة وفي الثاني هو الطهارة ، سواء كان تاريخ الملاقاة مجهولاً أيضاً ، أو كان تاريخها معلوماً ، من دون فرق في ذلك بين القول بمانعية الكرّية أو القول بشرطية الملاقاة ، وإن شئت التفصيل فلاحظ الجدول المرسوم.

٢٤٩

__________________

(١) ولا يخفى أنّ ما حرّرناه في هذا الجدول مبنيٌّ على غضّ النظر عن شبهة عدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ، وأمّا بناءً على الشبهة المذكورة وأنّها جارية في كلّ ما هو مجهول التاريخ ، سواء كان مقابله معلوم التاريخ أو كان مجهول التاريخ ، فالذي ينبغي هو الحكم بالنجاسة في جميع هذه الصور الست بناءً على المانعية ، والحكم بالطهارة في الجميع أيضاً بناءً على كون القلّة شرطاً ، فلاحظ [ منه قدس‌سره ].

٢٥٠

__________________

(١) من ذلك كلّه يظهر لك التأمّل فيما يظهر من المستمسك ج ١ ص ٨٠ [ مستمسك العروة الوثقى ١ : ١٦٦ ] من الاعتماد على أصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرّية ، في إثبات الطهارة في صورة الجهل بتاريخ كلّ من الكرّية والملاقاة ، وفي صورة العلم بتاريخ الكرّية والجهل بتاريخ الملاقاة ، كما تضمّنه ما في الهامش من التصحيح الخطّي بقوله : وأمّا في صورة العلم بتاريخ الكرّية والجهل بتاريخ ... الخ ، هذا. مضافاً إلى أنّه بعد البناء على أنّ استصحاب العدم لا يجري في مجهول التاريخ ، لشبهة عدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ، أو ما هو نحوها ، كما قرّره بقوله : أمّا بناءً على ما هو التحقيق من عدم جريانه ذاتاً ... الخ ، لا يبقى موقع لما أفاده في التصحيح المشار إليه من الاعتماد على أصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرّية ، كما أنّه لا يبقى موقع للاعتماد على أصالة عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة المعلومة التاريخ ، القاضي بالنجاسة ، وهكذا الحال في

٢٥١

__________________

صور المسبوق بالكرّية ، اللهمّ إلاّ أن تكون هذه الشبهة عنده مختصّة بخصوص مجهولي التاريخ ، دون ما يكون مجهول التاريخ في قبال ما هو معلوم التاريخ ، لكن الظاهر جريان هذه الشبهة في كلّ ما هو مجهول التاريخ ، وإن كان في قبال ما هو معلوم التاريخ. فراجع نفس الكتاب ص ٤٧٢ [ مستمسك العروة الوثقى ٢ : ٤٩٧ ـ ٥٠١ ] والحقائق ٢ : ٥٠٦.

لكنّه ( سلّمه الله تعالى ) أخيراً قدّم هذا الذي حرّره في الهامش ، وجعله بين قوله : « المقتضية للنجاسة » وقوله : « هذا على المشهور » ، ليكون الجميع شرحاً لما عليه المشهور (*) ، ويكون مبناه في جميع المسائل على عدم جريان الأصل كما تضمّنه قوله : أمّا بناءً على التحقيق ... الخ ، وكان ذلك بعد المذاكرة معه في وجه ما حرّره في الهامش في آخر الحاشية ليلة ٣ صفر ١٣٧٦.

لكن ذلك لا يلتئم مع ما ذكره في صورة القليل المسبوق بالكرّية ، من أنّه عند الجهل بتاريخ القلّة والملاقاة يكون المرجع هو أصالة الطهارة ، وعند العلم بتاريخ الملاقاة والجهل بتاريخ القلّة يجري استصحاب الكرّية إلى الملاقاة ، ولا يعارضه استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان القلّة ، لكون الملاقاة معلومة التاريخ ، ولو جرى لم ينفع لكونه مثبتاً.

ولا يخفى أنّ أصالة عدم الملاقاة إلى زمان القلّة لو كان مثبتاً ، كان الجاري في صورة الجهل بالتاريخين هو استصحاب الكرّية إلى الملاقاة فقط. فيكون المستند في الحكم بالطهارة هو استصحاب الكرّية لا قاعدة الطهارة ، وهذا ممّا يكشف عن أنّ هذه

__________________

(*) [ لا يخفى أنّه في الطبعة الحديثة من المستمسك لم تدرج هذه الاضافة التي أشار إليها قدس‌سره بين قوله : « المقتضية للنجاسة » وقوله : « هذا على المشهور » وإنّما ذكرت في آخر التعليقة ، فلاحظ ].

٢٥٢

__________________

الشبهة عنده غير جارية في صورة كون أحد الحادثين معلوم التاريخ ، وحينئذ يكون الموجب لسقوط الأصلين في الجهل بتاريخ القلّة والملاقاة هو شبهة عدم الاتّصال ، ويكون المرجع فيها هو أصالة الطهارة ، بخلاف ما لو كان أحدهما معلوم التاريخ ، فلاحظ [ منه قدس‌سره ].

٢٥٣

__________________

(١) محصّل قاعدة المقتضي الصغيرة التي أشرنا إليها في هذا الجدول هو أنّ السيّد قدس‌سره وإن لم يلتزم بأنّ مطلق الملاقاة مقتضية للتنجيس وأنّ الكرّية مانعة ، لكنّه في مورد إحراز كون الماء قليلاً يقول إنّ القلّة مع الملاقاة مقتضية للتنجيس إلاّ أن يحرز اتّصال ذلك القليل بالمادّة ، كما أفتى بذلك في مسألة ٢ من ص ١٤ [ العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ١ : ٧٦ / الماء الجاري ] ، ففيما نحن فيه من كون الماء فعلاً قليلاً وقد لاقته نجاسة ، وقد كان كثيراً ، ونحتمل أنّه حينما وقعت فيه كان معه ذلك المقدار الذي نقص منه ، يكون من هذا القبيل. أو أنّه قدس‌سره يقول في ذلك بالنجاسة استناداً إلى عموم متصيّد من الموارد الخاصّة ، وحاصل ذلك العموم أنّ القليل ينجس بالملاقاة ، وقد خرج منه ما كان متّصلاً بالمادّة أو كان مع غيره ممّا يجعل المجموع كرّاً ، وحينئذ ففيما نحن فيه وفي مسألة ٢ المشار إليها يكون المرجع هو ذلك العموم ، وإن كانت الشبهة مصداقية. وعلى كلّ حال ، يكون هذا المسلك شبيهاً بمسلك شيخنا قدس‌سره ، غير أنّ منطقة مسلك شيخنا قدس‌سره أوسع ، لأنّ المدار فيها على أنّ نفس الملاقاة مقتضية للتنجيس ، فيشمل ما لم يحرز فيه القلّة ، والمدار في هذا المسلك ، على ملاقاة خصوص القليل ، فيختصّ بما أُحرزت فيه القلّة وشكّ فيه من ناحية الاتّصال بالعاصم أو بما يكون معه عاصماً ، فلا يشمل ما لم تحرز فيه القلّة ، [ منه قدس‌سره ].

٢٥٤

والمتلخّص من جميع ذلك : هو أنّه في صورة الكرّية المسبوقة بالقلّة لو كانت الكرّية مجهولة التاريخ ، يكون المرجع هو استصحاب القلّة إلى ما بعد الملاقاة ، وهو قاضٍ بالتنجيس سواء كانت الملاقاة معلومة التاريخ أو كانت مجهولة التاريخ. وفي صورة القلّة المسبوقة بالكرّية ، لو كانت القلّة مجهولة التاريخ يكون المرجع هو استصحاب الكرّية إلى ما بعد الملاقاة ، وهو قاضٍ بالطهارة سواء كانت الملاقاة معلومة التاريخ أو كانت مجهولة التاريخ ، والذي لا يجري فيه الأصل ويكون المرجع فيه قاعدة المقتضي أو قاعدة الطهارة هو صورة واحدة من الأوّل وأُخرى من الثاني ، وهما صورة العلم بتاريخ الكرّية من الأوّل وصورة العلم بتاريخ النقص من الثاني ، وهذا هو الذي يظهر من تحريرات السيّد سلّمه الله تعالى ، فراجع (١).

فائدة : قال المرحوم السيّد أبو الحسن الأصفهاني قدس‌سره في الوسيلة : مسألة : إذا اتّفقا على الرجوع وانقضاء العدّة واختلفا في المتقدّم منهما ، فادّعى الزوج أنّ المتقدّم هو الرجوع ، وادّعت هي أنّ المتقدّم انقضاء العدّة ، فإن تعيّن زمان الانقضاء وادّعى الزوج أنّ رجوعه كان قبله فوقع في محلّه ، وادّعت هي وقوعه بعده فوقع في غير محلّه ، فالأقرب أنّ القول قوله بيمينه. وإن كان بالعكس ، بأن تعيّن زمان الرجوع وأنّه يوم الجمعة مثلاً ، وادّعى ( الزوج ) أنّ انقضاء العدّة كان في يوم السبت ، وادّعت هي أنّه كان في يوم الخميس ، فالقول قولها بيمينها (٢).

أمّا المسألة الأُولى : فحيث إنّ زمان انقضاء العدّة كان مفروض التعيين ، فلا مجال فيه لتصديقها في الانقضاء ، وحينئذ يكون المرجع هو استصحاب عدم

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ١٦١ ـ ١٦٤.

(٢) وسيلة النجاة ٢ : ٤٥٦ / م (٥) من : القول في الرجعة.

٢٥٥

الرجوع إلى ما بعد زمان الانقضاء ، ومقتضاه عدم الحكم بنفوذ الرجوع ، بل يحكم بالبينونة لخروج الزوجة عن العدّة بالوجدان ، وإحراز عدم الرجوع في زمان العدّة بالأصل ، إلاّ أنّ أصالة صحّة الرجوع قاضية بنفوذه ، وهي حاكمة على مقتضى الأصل المزبور ، لكن الإشكال في جريان أصالة الصحّة في الرجوع ، لكون الشكّ فيه من قبيل الشكّ في الركن الذي لا يجري فيه أصل الصحّة ، فتأمّل.

وأمّا المسألة الثانية : فإنّ المرجع الأوّلي فيها وإن كان هو استصحاب بقائها في العدّة إلى حين الرجوع الذي كان زمانه معلوماً ، وهو موافق لأصالة الصحّة في اقتضاء نفوذ ذلك الرجوع ، إلاّ أنّ تصديق قولها في انقضاء العدّة الذي يكون مقتضاه هو انقضاء العدّة قبل ذلك الزمان الذي وقع الرجوع فيه قاضٍ بعدم نفوذ الرجوع ، وذلك مقدّم على الاستصحاب وأصالة الصحّة لكونه من قبيل الأمارة ، لكن في شمول أدلّة تصديقها في انقضاء العدّة لمثل المورد تأمّل ، ولو شمله ففي لزوم اليمين عليها تأمّل أيضاً ، لأنّ قولها لو كان حجّة وأمارة لم يحتج إلى يمين ، فتأمّل فإنّه وإن قيل بسقوط اليمين في أمثال هذه المقامات ، إلاّ أنّه محل تأمّل وإشكال ، إذ لا تزيد هذه المقامات ونحوها من موارد ما لا يعلم إلاّمن قبله على موارد اليد ، فإنّها مع كونها أمارة يحتاج صاحبها إلى اليمين ، فلاحظ.

ولم يتعرّض لصورة الجهل بتاريخهما ، ولعلّ نظره هو إلحاقه بالصورة الثانية ، بمعنى أنّه بعد تعارض الاستصحابين يكون المرجع هو أصالة الصحّة في الرجوع ، لكن تصديق قولها يكون حاكماً على أصالة الصحّة ، فتأمّل.

وقد تعرّض السيّد قدس‌سره في كتاب القضاء من ملحقات العروة مسألة ٥ لهذه المسألة ، وحكم بأنّ القول فيها هو قول الزوجة في المسائل الثلاثة ، لكونها

٢٥٦

مصدّقة في العدّة بقاء وانقضاء. ونقل عن الشيخ قدس‌سره (١) وغيره (٢) التفصيل بين ما إذا سبقت دعواها بالانقضاء أو دعواه بالرجوع ، قال : فلو ادّعت الانقضاء ثمّ ادّعى هو الرجوع يقدّم قولها ، ولو ادّعى الرجوع ثمّ ادّعت الانقضاء يقدّم قوله حملاً لرجوعه على الصحّة. وأنت خبير بما فيه ، لعدم الفرق بين الصورتين بالنسبة إلى الحمل على الصحّة أو عدمه ، مع أنّه لا معنى لحمل فعل شخص على الصحّة وجعله حجّة على الطرف المقابل ، وفي المقامات التي يقدّم قول مدّعي الصحّة إنّما يكون حمل فعله على الصحّة حجّة عليه للطرف المقابل ، وهذا واضح (٣).

الإنصاف : أنّه لم يعلم ما هو مراد الشيخ قدس‌سره من هذا التفصيل ، فإن كان مورده هو ما لو علم بكلّ من الرجوع وانقضاء العدّة ، توجّه عليه ما أفاده من عدم الفرق بين الصورتين في إجراء أصالة الصحّة. نعم فيما لو كان تاريخ الرجوع معلوماً وتاريخ الانقضاء مجهولاً سقطت أصالة الصحّة ، لتقدّم حجّية قولها بالانقضاء. وعلى كلّ حال ، لا أثر لسبق دعواه أو دعواها. ولعلّ تفصيل الشيخ قدس‌سره ناظر إلى صور أُخر ، مثل أن يكون المراد من سبق دعواها أنّها قالت : انقضت عدّتي ، فادّعى الزوج الرجوع قبل ذلك ، فإنّه حينئذ لا مجال فيه لأصالة الصحّة ، لعدم ثبوت رجوعه.

ثمّ إنّ ما أفاده قدس‌سره من قوله : مع أنّه لا معنى لحمل فعل شخص على الصحّة وجعله حجّة على الطرف المقابل الخ ، لعلّه ناظر إلى أنّ المراد من أصالة الصحّة هو حمل فعل المسلم على الصحّة ، أمّا لو كان المراد كما هو الظاهر هو أصالة

__________________

(١) المبسوط ٥ : ١٠٧.

(٢) شرائع الإسلام ٣ : ٢٦ ، قواعد الأحكام ٣ : ١٣٤.

(٣) العروة الوثقى ٦ : ٦٩٥.

٢٥٧

الصحّة في المعاملة عقداً كانت أو إيقاعاً ، فالظاهر أنّه لا وجه للتوقّف فيه ، كما لو ادّعت الزوجة فساد الطلاق وأنكر الزوج ذلك وقال إنّه كان صحيحاً ، فإنّ حمل طلاقه على الصحّة يكون حجّة عليها ، بمعنى أنّه يجعلها مدّعية ويجعله منكراً.

ثمّ إنّه ممّا قدّمناه في شرح عبارة الوسيلة يظهر لك أنّه إنّما يكون القول قولها استناداً إلى تصديقها في دعوى الانقضاء فيما لو كان تاريخ الانقضاء مجهولاً وكان تاريخ الرجوع معلوماً أو كان مجهولاً ، أمّا لو كان تاريخ الانقضاء معلوماً وكان تاريخ الرجوع مجهولاً ، فلا محصّل لتصديقها في دعوى الانقضاء إلاّ أن يحمل على تصديقها في دعوى أنّها عند صدور الرجوع منه في الواقع كانت عدتها منقضية ، ولكن لا يخفى عليك ما فيه ، لأنّ محصّل هذه الدعوى لا يرجع إلى دعوى الانقضاء ، وإنّما يرجع إلى أنّ الرجوع في زمانه الواقعي لم يكن في أيّام عدّتها ، وهذا أمر آخر غير ما دلّت الأدلّة على تصديقها فيه وهو دعوى انقضاء العدّة ، فتأمّل.

نعم ، في هذه الصورة ـ أعني صورة العلم بتاريخ انقضاء العدّة والجهل بتاريخ الرجوع ـ يكون القول قولها استناداً إلى أصالة عدم وقوع الرجوع فيما قبل انقضاء العدّة ، إلاّ أن يستند إلى أصالة الصحّة في الرجوع ، فتكون حاكمة على أصالة عدم الرجوع فيما قبل انقضاء العدّة ، ويكون القول قول الزوج ، لكن قد عرفت التأمّل في أصالة الصحّة في أمثال المقام من مقامات الشكّ في الركنية. وينبغي مراجعة الجواهر في هذه المسألة ، وذلك قبل قوله : المقصد الرابع في جواز استعمال الحيل. وكأنّ ما أفاده في العروة عين ما أفاده في الجواهر.

قال في الجواهر ـ في كتاب الطلاق قبيل قوله : المقصد الرابع في جواز استعمال الحيل ـ : ودعوى أنّ تقدّم انقضاء العدّة على الرجوع من أحوال العدّة

٢٥٨

التي لم تجعل إليها ، وإنّما الذي جعل إليها نفس العدّة انقضاء وبقاء لا تقدّمه على الرجوع ونحوه ، يدفعها إطلاق النصوص المتضمّنة لكون العدّة إليها (١) ، الذي منه قولها : قد انقضت العدّة قبل زمان رجوعك ، من غير فرق بين الاتّفاق على تعيين يوم انقضاء العدّة واختلافهما في يوم الرجوع ، بأن قالت : قد انقضت عدّتي يوم الجمعة ، وصدّقها على ذلك ، ولكن قال هو : رجوعي يوم الخميس ، وقالت هي مثلاً : يوم السبت ، فإنّ القول قولها ، وكذا لو اتّفقا على وقت الرجعة يوم الجمعة ، وقالت هي انقضت عدّتي يوم الخميس ، وقال الزوج : قد انقضت يوم السبت ، فإنّ القول قولها في العدّة المجعول أمرها إليها ، وبين عدم الاتّفاق على يوم الرجوع أو الانقضاء ، بل هي تقول : قد انقضت عدّتي قبل رجوعك ، وهو يقول : قد وقع رجوعي قبل انقضاء عدّتك ، ولو أنّ اعترافها بالرجعة يقتضي الحكم بها عليها لأصالة الصحّة ، لاقتضى فيما لو قال : رجعت ، منشئاً ، فقالت هي : قد انقضت عدّتي ، ضرورة كون الأصل الصحّة أيضاً ، والاعتراف هنا لا مدخلية له ، لكون الفعل من جانب واحد ، بل نظيره قول المطلّق : هي طالق ، والمرأة تقول : أنا حائض ، وليس هو كقول المشتري : بعتني وأنت غير بالغ ، لكون البيع مشترك الوقوع من الجانبين ، فقوله مناف لفعله ، نحو قول البائع : بعتك وأنا صبيّ ، وحينئذ فأصالة الصحّة بعد فرض كون الفعل من جانب واحد لا يقتضي الحكم به على آخر. مضافاً إلى ثبوت الفساد ، لقبول قولها في تقدّم الانقضاء المقتضي له ـ إلى أن قال قدس‌سره ـ وبذلك يظهر لك النظر في كثير من الكلمات المسطورة في المقام ، ضرورة أنّك قد عرفت عدم قبول قول الزوج في حال من الأحوال ، من غير فرق بين اعترافها بأصل الرجعة وعدمها ، واتّفاقهما على تعيين زمانها

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٢ : ٢٢٢ / أبواب العِدَد ب ٢٤.

٢٥٩

واختلافهما في زمن الانقضاء أو بالعكس ، وبين إطلاقهما الدعوى من كلّ منهما ، بل إن لم نقل بقبول قولها في الأخير كان كلّ منهما مدّعياً منكراً ، فيتحالفان ، فلا تتحقّق رجعة أيضاً إلاّمع فرض النكول ، وأصل الصحّة لا يحكم به على الآخر بعد فرض كون الفعل من جانب واحد ، مع أنّه معارض باطلاق ما دلّ على قبول قولها ( مطلقاً ) فتأمّل (١) انتهى ما أفاده قدس‌سره.

قلت : يمكن المنع من كون القول قولها في الصورة الأُولى ، وهي ما لو اتّفقا في تعيين يوم الانقضاء واختلفا في يوم الرجعة ، استناداً في ذلك إلى إطلاق كون العدّة إليها ، فإنّ هذا الاطلاق إنّما هو فيما لو كان النزاع في نفس العدّة ، وهذه الصورة لا نزاع فيها من ناحية العدّة ، وإنّما كان النزاع في الرجوع وهل كان مقارناً للعدّة ، بعد فرض معلومية تاريخ الانقضاء ، ومن الواضح أنّ كون العدّة إليها لا يوجب كون الرجوع إليها ، ولعلّ هذا هو المراد من الدعوى التي أشار إليها بقوله قدس‌سره : ودعوى الخ ، وحينئذ يكون المرجع في هذه الصورة هو أصالة عدم الرجوع إلى ما بعد انقضاء العدّة ، فيكون القول قولها من هذه الجهة ، لا من جهة كون العدّة إليها ، هذا إن لم نقل بجريان أصالة الصحّة في الرجوع ، وإلاّ كان القول قول الزوج.

ولا يخفى أنّا لو قلنا بأصالة الصحّة في هذه الصورة ، فلا يلزمه القول بها في صورة العكس ، فإنّها ـ أعني أصالة الصحّة ـ في صورة العكس وإن كانت في حدّ نفسها جارية ، إلاّ أنّها محكومة بكون أمر العدّة إليها ، المنطبق على الصورة المذكورة.

ومنه يظهر لك الوجه في عدم جريان أصالة الصحّة فيما لو أنشأ الرجوع

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٢ : ١٩٨ ـ ١٩٩.

٢٦٠