أصول الفقه - ج ١٠

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١٠

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-83-6
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٩٤

قوله : وما قيل من أنّ العلم بالتاريخ إنّما يمنع عن حصول الشكّ في بقاء المستصحب بالاضافة إلى أجزاء الزمان ، ولا يمنع عن حصول الشكّ في البقاء بالاضافة إلى زمان وجود الحادث الآخر ... الخ (١).

لعلّ القائل بذلك هو المرحوم الحاج الشيخ عبد الكريم اليزدي قدس‌سره في غرره فإنّه بعد أن منع من جريان استصحاب العدم في معلوم التاريخ لأنّه ليس له زمان شكّ في بقاء عدمه ، قال : نعم وجوده الخاصّ ـ أعني وجوده المقارن لوجود ذاك ـ مشكوك فيه ، فيمكن استصحاب عدمه بنحو ليس التامّة لأنّه مسبوق بالعدم الأزلي ، فيترتّب عليه الأثر إن كان له أثر بهذا النحو من الوجود ، وأمّا إن كان الأثر لعدمه في مورد الوجود المفروض للآخر بنحو ليس الناقصة ، فليس له حالة سابقة ، لأنّ أصل وجوده معلوم في زمان معلوم ، وأمّا كون هذا الوجود في زمان وجود الآخر فلا يعلم نفياً وإثباتاً (٢). ثمّ فصّل ذلك وأوضحه بمثال طروّ الملاقاة والكرّية وعلم بتاريخ الملاقاة ، فراجع.

والذي يتلخّص : هو أنّه عند لحاظ ما هو معلوم التاريخ الذي هو موت المورّث بالاضافة إلى ما هو مجهول التاريخ الذي هو إسلام الوارث ، فتارةً : تكون نتيجة هذه الملاحظة هو أخذ الموت مقترناً بإسلام الوارث ، وهذا هو الظاهر من عبارة الغرر ، إمّا بأن يؤخذ الاقتران بمفاد كان التامّة وإمّا بأن يؤخذ بمفاد كان الناقصة (٣) ، وأُخرى تكون نتيجة هذه الملاحظة هي أخذ زمان الإسلام قيداً في

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٨.

(٢) درر الفوائد ١ ـ ٢ : ٥٦٣.

(٣) ولا يخفى أنّه لو أخذنا الاجتماع أو المقارنة بمفاد كان التامّة ، وقلنا إنّه يجري فيه

١٦١

موت المورّث ، بأن يكون المراد هو الموت المقيّد بالوقوع في زمان إسلام الوارث ، وهذا هو الظاهر من عبارة هذا التحرير في تقريب الإشكال.

وثالثة : يلاحظ موت المورّث مظروفاً لزمان إسلام الوارث ، بمعنى أنّ اليوم الواقعي المشار إليه بإسلام الوارث لا يعلم بوجود موت المورّث فيه ، بأن نقول : لو نظرنا إلى اليوم الواقعي الذي أسلم فيه الوارث نقول إنّ ذلك اليوم لا يقين بموت المورّث فيه وفيما قبله إلى يوم ولادة ذلك الوارث ، فلنا أن نقول باستصحاب عدم موت المورّث إلى ذلك اليوم الواقعي الذي أسلم فيه الوارث ، وهذا الاحتمال الثالث هو الذي شرحناه (١) بقولنا : وقد يجاب عن أصل الإشكال الخ ، ولعلّه هو المراد بما أفاده في هذا التحرير بقوله : وإن أُريد من لحاظه الخ (٢) ، فلاحظ وتدبّر.

ثمّ إنّه في تحرير السيّد سلّمه الله (٣) أشكل بجريان الأصل في المركّب من الإسلام والحياة ، وأجاب عنه بأنّ استصحاب عدم الموت إلى حين الإسلام حاكم عليه. ولا يخفى ما فيه من التأمّل ، إذ لا أصل يجري في الموضوع المركّب إلاّما عرفت من مثل أصالة عدم الاقتران ، وهذا الأصل لا يحكم عليه استصحاب عدم الموت إلى حين الإسلام إلاّبلازمه ، وهو انتفاء مقارنة الإسلام للحياة ، فتأمّل وراجع جميع ما حرّره فإنّه لا يخلو عن تأمّل بل تأمّلات.

__________________

أصالة العدم ، فليس ذلك من قبيل جريان أصالة العدم في نفس ما هو معلوم التاريخ كي تكون معارضة بها فيما هو مجهول التاريخ [ منه قدس‌سره ].

(١) في صفحة : ١٦٦.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٩.

(٣) أجود التقريرات ٤ : ١٤٦ ـ ١٤٧.

١٦٢

قوله : فهو واضح الفساد ، فإنّه إن أُريد من لحاظ معلوم التاريخ بالاضافة إلى زمان حدوث الآخر ، لحاظه مقيّداً بزمان حدوث الآخر ، فهو وإن كان مشكوكاً للشكّ في وجوده في زمان وجود الآخر ، إلاّ أنّه لا تجري أصالة عدم وجوده في ذلك الزمان ، لأنّ عدم الوجود في زمان حدوث الآخر بقيد كونه في ذلك الزمان لم يكن متيقّناً سابقاً ، فلا يجري فيه الأصل ... الخ (١).

محصّل كون زمان إسلام الوارث قيداً في موت المورّث هو جعله قيداً في المنفي ، ومحصّل أخذه ظرفاً هو جعله ظرفاً للنفي ، وبعبارة أوضح أنّ زمان الإسلام إمّا أن يكون متعلّقاً بالمنفي ، وإمّا أن يكون متعلّقاً بالنفي ، ويصطلح على الأوّل بالتقييد وعلى الثاني بالظرفية.

ثمّ لا يخفى أنّه لو كان موت المورّث واقعاً في أوّل شهر رمضان ، وكان تاريخ إسلام الوارث مجهولاً ، وأردنا أن ننسب موت المورّث إلى الزمان الواقعي الذي وقع فيه إسلام الوارث وأخذناه قيداً فيه ، لم يكن محصّل ذلك إلاّكون موت المورّث مقترناً بزمان إسلام الوارث ، فلا يجري فيه حينئذ أصالة عدم كون موت المورّث مقترناً بزمان إسلام الوارث بما هو مفاد ليس الناقصة ، إذ لا أصل لهذا الأصل. نعم يجري فيه أصالة عدم تحقّق المقارنة بينهما بما هو مفاد ليس التامّة ، حيث إنّ صفة المقارنة بينهما حادث من الحوادث وهو مسبوق بالعدم ، فيجري فيه استصحاب العدم ، فلو كان الأثر مترتّباً على صفة التقارن بمفاد كان التامّة بحيث كان الأثر مترتّباً على تقارن موت المورّث وإسلام الوارث ، كان الأصل المذكور نافعاً فيه ، لكن لو كان الأثر مترتّباً على صفة التقارن بمفاد كان الناقصة

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٨ ـ ٥٠٩.

١٦٣

بحيث كان الأثر مترتّباً على كون موت المورّث مقارناً لإسلام الوارث ، لم يكن أصالة عدم تحقّق المقارنة بمفاد ليس التامّة نافعاً ، فإنّ أصالة عدم التقارن بمفاد ليس التامّة إنّما تكون نافعة إذا كان الأثر مترتّباً على وجود التقارن بما هو مفاد كان التامّة ، ولا يتوقّف جريان هذا الأصل حينئذ على كونه من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع ، ولا يعارضه الأصل من الجانب الآخر كما أُفيد في الحاشية.

أمّا الأوّل فواضح ، لأنّه لو كان الأثر مترتّباً على وجود التقارن الذي هو حادث من الحوادث المفروض أنّه مسبوق بالعدم كسائر العوارض ، لم يكن أصالة عدمه مبنياً على السالبة بانتفاء الموضوع ، نعم لو كان الأثر مترتّباً على كون الموت مقارناً لإسلام الوارث ، كان استصحاب عدم التقارن بالنسبة إليه من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ التقارن لمّا كان عرضاً لاحقاً للحادثين وكان منتزعاً من نحو وجودهما في الزمان ، لم يكن عدمه قبل وجودهما إلاّمن قبيل السالبة بانتفاء الموضوع ، نظير فوقية الجسم على جسم آخر ، فإنّ الفوقية وإن كانت معدومة قبل وجود الجسمين ، إلاّ أنّ انعدامها لا يكون إلاّبنحو السالبة بانتفاء الموضوع ، ولكن هذا إنّما يكون فيما لو أُخذت الصفة المعدومة مضافة إلى الموضوع ، بأن يكون المنعدم هو صفة تقارن موت المورّث لإسلام الوارث ، وأمّا لو أُخذت نفس الصفة بما أنّها عارض من العوارض وإن كان معروضها هو الحادثين المذكورين ، لم يكن انعدامها قبل وجودهما من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع ، فتأمّل.

وأمّا الثاني فلأنّ الأثر لمّا كان مترتّباً على مقارنة موت المورّث لإسلام الوارث وجرى الأصل في عدمه ـ يعني أصالة عدم مقارنة موت المورّث لإسلام الوارث ـ لم يكن معنى محصّل للأصل من الناحية الأُخرى إلاّ أصالة عدم مقارنة

١٦٤

إسلام الوارث لموت المورّث ، وهذا هو عين الأصل المذكور.

ولا يخفى أنّ هذا الإشكال لا ينحصر بما إذا أرجعنا التقييد إلى التقارن ، بل هو متأتّ لو قلنا إنّه لا يرجع إلى التقارن ، بل يكون عبارة عن كون مجرى الأصل هو عدم الموت المقيّد بزمان إسلام الوارث ، فإنّ مرجع الأصل حينئذ إلى أصالة عدم وجود الموت المقيّد بزمان إسلام الوارث ، ، ولا تعارضه أصالة عدم وجود إسلام الوارث المقيّد بزمان موت المورّث ، لأنّ الأصل الثاني أيضاً عبارة أُخرى عن الأصل الأوّل ، فتأمّل.

قوله : وإن أُريد من لحاظه بالاضافة إلى زمان الآخر لحاظه على وجه يكون زمان الآخر ظرفاً لوجوده ، فهو عبارة أُخرى عن لحاظه بالاضافة إلى نفس أجزاء الزمان ، وقد عرفت أنّه مع العلم بالتاريخ لا يحصل الشكّ في وجوده في الزمان ... الخ (١).

لو كان المراد هو الثاني فليس المراد به نسبة موت المورّث إلى زمان نفسه ، بل المراد به هو نسبة موت المورّث إلى الزمان الواقعي لإسلام الوارث المفروض كونه ـ أعني موت المورّث ـ مشكوك الوجود في ذلك الزمان الواقعي لإسلام الوارث ، وإن كان منشأ الشكّ في وجوده في ذلك الزمان الواقعي هو الشكّ في ذلك الزمان الواقعي لإسلام الوارث هل هو قبل رمضان في المثال السابق أو أنّه بعده ، وحينئذ فلا مانع من أن يقال : إنّ الأصل هو عدم تحقّق موت المورّث في ذلك الزمان الواقعي وإن كان موت المورّث في حدّ نفسه معلوم التاريخ.

لكن يرد عليه حينئذ أنّه لا معنى لاستصحاب عدم موت المورّث إلاّجرّ ذلك العدم من زمان اليقين به إلى زمان الشكّ فيه ، ومحصّله هو الحكم ببقاء ذلك

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٩.

١٦٥

العدم مستمرّاً في عمود الزمان ، ومن الواضح أنّ الحكم ببقاء عدم موت المورّث المفروض كونه معلوم التاريخ في عمود الزمان غير معقول.

وبعبارة أُخرى لا يمكن جرّ هذا العدم من زمان اليقين به إلى زمان الشكّ فيه إذ لا شكّ فيه في شيء من أجزاء الزمان ، وإنّما كان الشكّ في الزمان الواقعي لإسلام الوارث.

والحاصل : أنّ القول بأنّ وجود موت المورّث في الزمان الواقعي لإسلام الوارث مشكوك محض تعبير لا واقعية له ، لأنّ وجود موت المورّث لم يكن مشكوكاً في شيء من أجزاء الزمان ، وإنّما كان المشكوك فيه هو الزمان الواقعي لإسلام الوارث.

وقد يجاب عن أصل الإشكال بما حاصله : أنّا إذا أضفنا موت المورّث المفروض كونه واقعاً في أوّل رمضان إلى الزمان الواقعي لإسلام الوارث وإن حصل لنا الشكّ في وجود الموت في ذلك الزمان الواقعي ، لأنّك لو نظرت إلى اليوم الذي وقع فيه الإسلام الذي لا نعرفه بأزيد من أنّه وقع فيه الإسلام ، وأخذت نظرك من ذلك اليوم إلى ما قبله إلى حين ولادة ذلك الولد ، لا تجد أنّك عالم بوجود موت أبيه في ذلك الزمان المستمرّ من حين الولادة إلى اليوم الواقعي الذي وقع فيه إسلام الولد ، وحينئذ يكون موت الوالد في ذلك اليوم الذي أسلم فيه ابنه المذكور مشكوكاً ، فنستصحب عدم موت الأب إلى يوم الإسلام.

لكن هذا الزمان الواقعي المفروض فيه الشكّ المذكور لا يمكن فيه أن يجرّ عدم الموت إليه الذي كان متعلّقاً لليقين ، وهنا تنفع مسألة عدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ، لأنّ يقيننا بعدم موت المورّث كان متّصلاً إلى أوّل رمضان ، وذلك الزمان الواقعي لإسلام الوارث الذي فرضنا صورة أنّ وجود الموت فيه كان

١٦٦

مشكوكاً لم يكن متّصلاً بزمان اليقين المذكور.

وهذا الوجه ـ أعني عدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ـ لا يتأتّى فيما لو كان موت المورّث مجهول التاريخ ، لأنّ زمان اليقين بعدم كلّ من الحادثين كان قبل حدوث أحدهما ، وبعد حدوث أحدهما يكون الشكّ حاصلاً ، فيمكن أن نوصل زمان هذا الشكّ بزمان اليقين ، بخلاف ما نحن فيه فإنّ ذلك غير ممكن فيه ، فتأمّل.

وفيه : أنّ اليوم الواقعي الذي وقع فيه إسلام الوارث إنّما يكون الموت مشكوكاً فيه لتردّد ذلك اليوم الواقعي بين كونه من رمضان وكونه من شعبان ، وحينئذ ننقل الكلام إلى ما قبل ذلك اليوم ، فإن كان متردّداً أيضاً بين كونه من شعبان وكونه من رمضان كان تحقّق الموت فيه أيضاً مشكوكاً ، وهكذا الذي قبله إلى أن نصل إلى يوم مردّد بين يومين من أيّام شعبان ، وحينئذ يكون عدم الموت في ذلك اليوم متيقّناً ، فنجرّ ذلك اليقين إلى ما بعده إلى أن نوصله إلى يوم الإسلام الذي هو يوم الشكّ في تحقّق الموت فيه ، وبذلك يتّصل اليقين بالشكّ ونحكم ببقاء المتيقّن في عمود الزمان بالنسبة إلى الأيّام ، يعني من اليوم الواقعي المفروض كونه مردّداً بين يومين من أيّام شعبان إلى اليوم الواقعي الذي هو اليوم الواقعي للإسلام ، المفروض كونه مردّداً بين كونه من شعبان وكونه من رمضان ، ولكنّه مع ذلك لا مجال فيه لاستصحاب العدم في معلوم التاريخ ، إذ لابدّ في جريان الاستصحاب من كون استمرار المستصحب الذي هو عدم الموت مشكوكاً ، والمفروض هو عدم تعلّق الشكّ باستمرار ذلك المستصحب ، وإنّما كان الشكّ في انطباق الزمان الذي وقع فيه الإسلام على الزمان المعلوم الذي وقع فيه الموت واستمرّ عدمه إليه ، ولعلّ ذلك هو المراد ممّا أفاده قدس‌سره فيما حرّرته

١٦٧

عنه قدس‌سره في هذا المقام وهذا نصّه :

وهو أنّ زمان ما هو مجهول التاريخ في نسبة ما هو معلوم التاريخ إليه إن أُخذ موضوعياً ، بحيث كان الملحوظ في النسبة المذكورة هو نسبة ما هو معلوم التاريخ إلى نفس زمان ما هو مجهول التاريخ من التقدّم والتأخّر والمقارنة ، ونحو ذلك من العناوين الانتزاعية ، ولو مثل كون ما هو معلوم التاريخ في حال ما هو مجهول التاريخ ، فذلك خروج عن الفرض ، حيث إنّ فرض الكلام إنّما هو إذا لم يكن الأثر مترتّباً على ذلك الأمر الانتزاعي ، بل كان الأثر مترتّباً على نفس الاجتماع في الزمان.

وإن أُخذ زمان مجهول التاريخ في نسبة ما هو معلوم التاريخ إليه طريقاً إلى زمان معلوم التاريخ ، ففيه أنّ زمان مجهول التاريخ وإن كان مجهولاً ، إلاّ أنّه لمّا أُخذ طريقاً إلى زمان معلوم التاريخ ، وكان زمان ما هو معلوم التاريخ معلوماً لا شكّ فيه ، لم يكن حينئذ مجرى للأصل ، لعدم تعلّق الشكّ به وإن كان طريقه والمرآة إليه مجملاً ، حيث إنّ المرئي إذا كان معلوماً لا محلّ للأصل فيه وإن كانت مرآته مجملة مجهولة ، وهذا بخلاف مجهولي التاريخ فإنّه لمّا كان الزمان في كلّ منهما مجهولاً فقد صار المرآة والمرئي مجهولاً ، وإذا كان المرئي الذي هو زمان كلّ منهما مجهولاً صحّ إجراء الأصل فيه. والحاصل : أنّ زمان كلّ من مجهولي التاريخ لمّا كان مجهولاً ، صحّ إجراء أصالة العدم في كلّ واحد في كلّ زمان شكّ في حدوثه فيه ، انتهى.

وحاصله : أنّه بعد أن فرضنا أنّ الموت لا شكّ في زمان حدوثه وهو أوّل رمضان ، فلحاظنا الموت منسوباً إلى زمان الإسلام ليتفرّع على ذلك اللحاظ جريان أصل العدم فيما يتحصّل من تلك النسبة ، إن كان الغرض منه هو تعرّف

١٦٨

حال الموت بنسبته إلى الإسلام من حيث التقدّم والتأخّر والتقارن ، فذلك خروج عن الفرض ، إذ الفرض أنّه لم يترتّب أثرنا على شيء من هذه العناوين الانتزاعية ، وإن كان الغرض من لحاظنا الموت منسوباً إلى زمان الإسلام هو تعرّف زمان الموت بجعل زمان الإسلام طريقاً لمعرفة زمان الموت ، بحيث يكون حكمنا بأصالة عدم وجوده في زمان الإسلام حكماً على عدم وجود الموت في الزمان المشكوك وجوده فيه ، فذلك ممتنع في الفرض ، لأنّ الفرض هو أنّ زمان الموت معلوم فكيف يمكن أن يجعل زمان الإسلام طريقاً إليه ، ونحكم عليه بواسطة ذلك الطريق بأصالة العدم ، وهذا بخلاف لحاظ ما هو مجهول التاريخ إلى معلومه كالإسلام ، فإنّ لحاظه منسوباً إلى زمان الموت إنّما هو لتعرف زمان الإسلام والحكم عليه بالعدم في ذلك الزمان ، وهكذا يكون الحال في لحاظ مجهول التاريخ إلى آخر مثله مجهول التاريخ.

وإن شئت قلت : إنّ الموت بعد أن كان زمان حدوثه معلوماً ، فلا معنى للحكم التعبّدي عليه بعدم الوجود في زمان من الأزمنة ، وإن كان ذلك الزمان الذي حكمنا تعبّداً بعدم وجوده فيه مردّداً بين كونه قبل حدوثه أو بعد حدوثه ، إذ أنّ هذا الشكّ والترديد إنّما هو في نفس ذلك الزمان المردّد لا في زمان الموت ، وهو ما ذكرناه من أنّ قولنا إنّ الموت مشكوك الوجود في ذلك الزمان المردّد صورة عبارة لا واقعية لها ، إذ لا شكّ في زمان الموت وإنّما كان الشكّ في نفس ذلك الزمان المفروض تردّده.

قوله : ففي المثال المتقدّم يستصحب عدم إسلام الوارث إلى غرّة رمضان الذي هو زمان موت المورّث ... الخ (١).

لا يخفى أنّه بناءً على كون كفر الوارث مانعاً من الارث في قبال عمومات

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٩.

١٦٩

الارث مثل قوله تعالى : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ )(١) الخ ، ينبغي أن ينظر الدليل المخصّص الذي جعل الكفر مانعاً ، فإن كان المستفاد منه أنّ المانع هو محض موت المورّث وكفر الوارث ، بمعنى أنّ اجتماعهما في الزمان كان هو المانع ، وهو الذي خرج من ذلك الدليل العام ، فلا ريب حينئذ في أنّ استصحاب كفر الوارث إلى ما بعد موت المورّث محقّق لهذا المانع ، وموجب لدخول هذا الوارث في حيّز الدليل المخصّص للعام ، ويكون من قبيل إحراز أحد الجزأين وهو الكفر بالأصل والآخر وهو موت المورّث بالوجدان.

وإن كان المستفاد من ذلك الدليل المخصّص هو أنّ الخارج من ذلك العموم هو تقيّد موت المورّث بكون الوارث كافراً ، أو قل إنّه يستفاد منه خروج صورة كون موت المورّث مقارناً لكفر الوارث ، فهذا العنوان الانتزاعي وإن لم يمكن إحرازه بالأصل ، إلاّ أنّه مع ذلك لا يمكن التمسّك بالعموم المذكور ، لكونه من قبيل التمسّك به في الشبهات المصداقية.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الخارج ليس هو كون موت المورّث مقارناً لإسلام الوارث بما هو مفاد كان الناقصة ، بل الخارج هو صورة تحقّق المقارنة بينهما بما هو مفاد كان التامّة ، فإنّه حينئذ يجري أصالة عدم تحقّق المقارنة ، وبذلك الأصل يخرج المورد عن الدليل المخصّص ، ويتحكّم فيه الدليل العام ، هذا كلّه بناءً على المانعية.

وأمّا بناءً على شرطية الإسلام ، بأن كان المستفاد من ذلك الدليل المخصّص أنّ إسلام الوارث شرط في الحكم بالارث ، فتارةً نقول : إنّ الشرط هو اجتماع إسلام الوارث وحياة المورّث كما أفاده شيخنا قدس‌سره ، وأُخرى نقول : إنّ الشرط هو

__________________

(١) النساء ٤ : ١١.

١٧٠

موت المورّث عن إسلام الوارث أو مقارنته به أو غير ذلك من العناوين الانتزاعية ، والمقارنة إمّا بمفاد كان التامّة أو بمفاد كان الناقصة ، ففي جميع هذه الوجوه والاحتمالات لا يمكن إحراز الشرط ، بل في بعضها [ يمكن ] إحراز عدمه ، وهو ما لو أُخذت المقارنة بمفاد كان التامّة. وعلى كلّ حال ، يكون الحكم هو عدم الارث ، هذا كلّه في صورة العلم بتاريخ الموت والشكّ في تاريخ الإسلام.

ولو انعكس الأمر بأن كان تاريخ الإسلام معلوماً في أوّل شهر رمضان مثلاً وكان تاريخ موت المورّث مجهولاً ، فعلى الأوّل من وجوه المانعية وهو كون الخارج من العمومات اجتماع موت المورّث وكفر الوارث ، ينبغي أن يحكم بالارث ، لأنّ استصحاب عدم الموت إلى ما بعد إسلام الوارث محرز لعدم المانع ، وكذلك الحال على الوجه الثاني وهو كون المانع هو كون الموت متّصفاً أو مقترناً بكفر الوارث.

وفيه تأمّل ، لإمكان القول بعدم إحراز عدم المانع ، ومع الشكّ في تحقّق المانع يكون التمسّك بالعموم ساقطاً لكونه من قبيل التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية ، خلافاً لما قدّمناه (١) في المناقشة مع صاحب الجواهر قدس‌سره. نعم على الوجه الثالث من الوجوه المانعة ، وهو كون المانع هو نفس المقارنة بمفاد كان التامّة ، التي يكون أصالة عدمها بمفاد ليس التامّة محرزاً لعدم المانع ، فتجري عمومات الارث ، هذا كلّه على تقدير المانعية.

وأمّا على تقدير شرطية الإسلام ، فإن كان الشرط هو مجرّد اجتماع الإسلام وحياة المورّث كما أفاده شيخنا قدس‌سره ، كان استصحاب الحياة إلى ما بعد إسلام

__________________

(١) في الصفحة : ١٤٩.

١٧١

الوارث محقّقاً لهذا الشرط ، فيحكم حينئذ بالإرث ، وإن كان الشرط هو التقارن بين الموت وإسلام الوارث ، كان محكوماً بعدمه بأصالة عدم هذه المقارنة ، فيحكم بعدم الارث. وإن كان الشرط هو كون موت المورّث مقارناً لإسلام الوارث ، لم يكن استصحاب عدم الموت إلى ما بعد الإسلام نافعاً فيه ، فيسقط العموم حينئذ ، لكونه تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقية ، ولا أقل من الشكّ في تحقّق الشرط ، فلا يمكن الحكم حينئذ بالارث ، وأنت بعد أن عرفت هذه الوجوه تقدر على استخراجها من صورة الجهل بالتاريخين.

قوله : ففي المثال المتقدّم يستصحب عدم إسلام الوارث إلى غرّة رمضان الذي هو زمان موت المورّث ، ويثبت به بضمّ الوجدان اجتماع عدم إسلام الوارث وموت المورّث في الزمان (١).

لا يخفى أنّه قدس‌سره بنى على كون الإسلام شرطاً ، وأنّ الشرط هو مجرّد اجتماع موت المورّث وإسلام الوارث في الزمان ، لكن تقدّم منه قدس‌سره (٢) ، وسيأتي منه قدس‌سره (٣) في صورة العكس أنّ الشرط هو اجتماع إسلام الوارث وحياة المورّث لا موته. وكيف كان ، فلو كان الشرط هو اجتماع الإسلام مع موت المورّث في الزمان ، نقول إنّ جريان أصالة عدم الإسلام إلى زمان موت المورّث يحرز لنا عدم الشرط ، لأنّ الشرط هو كما عرفت اجتماع موت المورّث وإسلام الوارث ، والموت وإن أحرزناه بالوجدان ، إلاّ أنّا قد أحرزنا بالأصل عدم الجزء الثاني وهو عدم الإسلام ، وكما أنّا لو أحرزنا الجزء الثاني بالأصل ، نقول إنّا قد أحرزنا أحد الجزأين

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٩.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠١.

(٣) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٩.

١٧٢

بالوجدان والآخر بالأصل ، فنكون قد أحرزنا الموضوع المركّب منهما ، فكذلك لو أحرزنا عدم الجزء الثاني بالأصل نقول إنّا قد أحرزنا عدم الشرط أو عدم الموضوع المركّب منهما.

قوله : ولا يثبت به عنوان آخر متولّد من اجتماعهما في الزمان ـ حتّى عنوان التقارن أو عنوان الحال ونحو ذلك ـ فلا يصحّ أن يقال : إنّه مات المورّث في حال عدم إسلام الوارث (١).

لا يخفى أنّه لو كان الشرط في الارث هو العنوان المنتزع أعني التقارن ، فإن أُخذ التقارن بمفاد كان الناقصة ، بمعنى أنّ الشرط هو كون موت المورّث مقترناً بإسلام الوارث ، لم يكن أصالة عدم الإسلام إلى موت المورّث محرزاً لهذا الشرط فنحكم حينئذ بعدم الارث من باب عدم إحراز الشرط ، لا من باب إحراز عدم الشرط ، ويكون الفرق بين هذه الصورة وبين ما قبلها ـ وهو كون الشرط الاجتماع في الزمان ـ هو أنّ الحكم في الأُولى بعدم الارث لاحراز عدم الشرط ، وفي الثانية لعدم إحراز الشرط ، وحاصله : أنّ أصالة عدم الإسلام إلى موت المورّث تجري على الأُولى ويحرز بها عدم الشرط ، بخلافه على الثانية فإنّ الأصل المذكور لا يجري فيها.

ولو كان التقارن المفروض كونه شرطاً قد أُخذ بمفاد كان التامّة ، يعني أنّ الشرط في الارث هو وجود التقارن بين موت المورّث وإسلام الوارث ، كان الحكم أيضاً هو عدم الارث ، لاحراز عدم الشرط بأصالة عدم وجود التقارن بينهما بمفاد ليس التامّة ، هذا كلّه بناءً على كون الإسلام شرطاً.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٩.

١٧٣

ومنه يظهر الحال لو قلنا بأنّ الكفر مانع ، فإنّه إن كان المانع هو اجتماع كفر الوارث مع موت المورّث في الزمان ، كان استصحاب عدم إسلام الوارث إلى موت المورّث كافياً في إحراز المانع ، فنحكم حينئذ بعدم الارث ، لاحراز المانع الذي هو المخصّص لعمومات أدلّة الارث. وإن كان المانع هو كون الموت مقترناً بالكفر ، لم يكن الأصل المذكور جارياً ، وحكمنا بعدم الارث من باب عدم إحراز المانع ، لكون التمسّك بالعموم حينئذ تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقية. وإن كان المانع هو مجرّد التقارن بين موت المورّث وكفر الوارث بمفاد كان التامّة ، كان الحكم حينئذ هو الارث ، لأصالة العدم في هذه المقارنة بمفاد ليس التامّة ، ويترتّب عليه إحراز عدم المانع الذي هو المخصّص ، وتتحكّم فيه عمومات الارث ، فهذه صور ست في صورة كون الموت معلوم التاريخ.

قوله : ولو انعكس الأمر وكان إسلام الوارث معلوم التاريخ وموت المورّث مجهول التاريخ ، يجري استصحاب حياته إلى زمان إسلام الوارث ، ويثبت به اجتماع الإسلام والحياة في الزمان ... الخ (١).

لا يخفى أنّه لو كان الشرط هو اجتماع موت المورّث وإسلام الوارث في الزمان ، لم يكن استصحاب الحياة إلى زمان إسلام الوارث نافعاً في إحراز هذا الشرط ، إذ لا يحرز بهذا الأصل اجتماع الموت وإسلام الوارث في الزمان. نعم لو كان الشرط هو اجتماع الإسلام مع حياة المورّث في الزمان ، لكان استصحاب حياة المورّث إلى ما بعد الإسلام محقّقاً لكون الإسلام مجتمعاً في الزمان مع حياة المورّث.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٩.

١٧٤

قوله : وإن قلنا إنّه لا يكفي هذا المقدار في التوارث ، بل لابدّ من موت المورّث في حال إسلام الوارث ... الخ (١).

يعني أنّا لو أخذنا الشرط هو العنوان المنتزع ـ أعني المقارنة ـ بمفاد كان الناقصة أعني كون الموت مقترناً بالإسلام ، لم يكن استصحاب الحياة إلى زمان الإسلام نافعاً فيه وهذا واضح ، وحينئذ لا يكون هذا الأصل جارياً ، ويحكم بعدم الارث لعدم إحراز الشرط ، لكن لو كان الشرط هو وجود الاقتران بينهما ، حكم أيضاً بعدم الارث ، لإحراز عدم الشرط بأصالة عدم وجود الاقتران بمفاد ليس التامّة ، هذا كلّه على الشرطية.

وأمّا بناءً على مانعية الكفر ، فإن كان المانع هو اجتماع الكفر والموت في الزمان ، لم يكن استصحاب الحياة إلى ما بعد الإسلام جارياً ، لأنّ ذلك لا يثبت به المانع المذكور وهو اجتماع الموت والكفر في الزمان ، ويكون الحكم بعدم الارث لعدم إحراز المانع الموجب لكون التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية. وإن كان المانع هو كون الموت مقترناً بكفر الوارث ، كان الأمر كذلك من عدم إحراز المانع وعدم الارث. وإن كان المانع هو مجرّد وجود الاقتران بين الكفر والإسلام بمفاد كان التامّة ، كان أصالة عدم هذا الاقتران بمفاد ليس التامّة محرزة لعدم المانع ، ويحكم حينئذ بالارث ، فهذه صور ست أيضاً في صورة كون المعلوم التاريخ هو الإسلام.

قوله : وإن كان كلّ منهما مجهول التاريخ وشكّ في التقدّم والتأخّر ، فالأقوى جريان الاستصحاب في كلّ منهما ويسقطان بالمعارضة ... الخ (٢).

لا يخفى أنّه لو كان الاقتران بين هذين الحادثين هو موضوع الأثر بمفاد كان

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٠٩.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥١٠.

١٧٥

التامّة ، كان أصالة عدم الاقتران بمفاد ليس التامّة محكّماً ، ويترتّب عليه الحكم بعدم الارث إن قلنا إنّ شرط الارث هو الاقتران بين الموت والإسلام ، والحكم بالارث إن قلنا إنّ المانع هو الاقتران بين الموت والكفر ، من دون تعارض في البين.

ولو كان الاقتران المذكور بمفاد كان الناقصة ـ أعني كون الموت مقترناً بإسلام الوارث بناءً على الشرطية ، أو كون الموت مقروناً بكفر الوارث بناءً على المانعية ـ لم يكن الأصل جارياً من كلّ من الطرفين على كلّ من القولين ، ويكون الحكم بعدم الارث لعدم إحراز الشرط أو لعدم إحراز المانع.

ولو كان موضوع الأثر هو مجرّد الاجتماع في الزمان ، فقد عرفت أنّه بناءً على المانعية تكون أصالة عدم إسلام الوارث إلى موت المورّث جارية ، ويترتّب عليها إحراز المانع والحكم بعدم الارث ، ولا يجري أصالة عدم الموت إلى حين إسلام الوارث ، لأنّها لا يترتّب عليها اجتماع الموت والكفر ، ولا اجتماع الموت وعدم الكفر ، فلا تعارض حينئذ بين الأصلين.

وبناءً على الشرطية لو كان الشرط هو اجتماع موت المورّث وإسلام الوارث في الزمان ، يجري استصحاب عدم الإسلام إلى موت المورّث ، ويكون محرزاً لعدم الشرط ، ويحكم بعدم الارث ، ولا يجري استصحاب عدم الموت إلى إسلام الوارث الموجب للارث ، لأنّه لا يترتّب على هذا الأصل ما هو المفروض كونه شرطاً وهو اجتماع موت المورّث وإسلام الوارث في الزمان ، وحينئذ لا تعارض بين الأصلين. نعم لو كان الشرط هو اجتماع حياة المورّث وإسلام الوارث في الزمان ، كان من تعارض الأصلين ، لأنّ استصحاب عدم الإسلام إلى ما بعد موت المورّث حاكم بعدم الارث ، لكونه رافعاً لإسلام الوارث

١٧٦

عند كون المورّث حيّاً ، واستصحاب عدم موت المورّث إلى ما بعد إسلام الوارث حاكم بالارث ، لأنّه محرز للشرط وهو اجتماع حياة المورّث مع إسلام الوارث في الزمان.

تنبيه : ينبغي التأمّل في اقتصارهم في هذا المقام على مثال إسلام الوارث وموت المورّث ، ولِمَ لم يمثّلوا بموت كلّ من الوارث والمورّث مع الشكّ في المقدّم منهما ، والظاهر أنّه يجري الأصل في كلّ منهما بلا معارضة ، فيستصحب عدم موت المورّث وبقاؤه على الحياة إلى موت ولده ، كما يستصحب حياة الولد إلى ما بعد موت أبيه ، فيرث كلّ منهما الآخر ، وينتقل ما ورثه إلى ورثته كالغرقى ، ولكنّهم في الغرقى اقتصروا على مورد النصّ ، وذكروا أنّه على خلاف الأصل ، وأنّ الأصل هو عدم التوارث في مجهولي التاريخ ، هذه جهات ينبغي مراجعة كلماتهم فيها وتنقيح المراد من هذه الكلمات ، وإلاّ فإنّ الظاهر أنّ التوارث هو على القاعدة.

نعم ، بناءً على ما أفاده الأُستاذ قدس‌سره من عدم جريان الأُصول الاحرازية في مورد العلم الاجمالي بالخلاف ، يتّجه التعارض والتساقط في استصحاب الحياة في كلّ منهما ، وقد تعرّضنا لتفصيل ذلك وتوضيحه في آخر خاتمة الاستصحاب ، فراجع (١).

فرع : لو طلّق زوجته رجعياً فسافر ومات في سفره ، وادّعت الزوجة موته في أثناء العدّة وأنكر الوارث ذلك ، فإن كان موته معلوم التاريخ بأن كان موته أوّل الشهر الفلاني ، وشكّ في بقاء عدّتها إلى ذلك التاريخ ، فاستصحاب بقاء العدّة يوجب الحكم بالارث ، لأنّ الموت بالوجدان وكونه في حال العدّة بالأصل

__________________

(١) المجلّد الحادي عشر من هذا الكتاب الصفحة : ٥٤٣ وما بعدها.

١٧٧

فيكون القول قولها.

ولو انعكس الأمر بأن كان خروجها من العدّة معلوم التاريخ وهو أوّل الشهر ، وقد شكّ في موته قبل ذلك ، فاستصحاب عدم موته إلى ما بعد الخروج لا أثر له ، لأنّه لا يثبت به أنّه مات بعد العدّة. نعم يمكن أن يقال : إنّ الحكم بعدم إرثها لا يتوقّف على إحراز كون موته بعد العدّة ، بل يكفي فيه مجرّد إحراز عدم الموت في العدّة ، لأنّ استصحاب بقائها في العدّة إلى ما بعد موته لمّا كان موجباً للحكم بارثها ، يكون نفي موته في أثناء عدّتها بالأصل كافياً في معارضة الأصل السابق عند الجهل بالتاريخين ، فتأمّل.

والظاهر أنّ انقلاب العدّة والانتقال إلى عدّة الوفاة حاله من جهة التعارض وعدمه كحال الحكم بالارث.

قوله : إلاّ أنّه لا يعقل اتّصال زمان الشكّ في كلّ منهما بزمان اليقين بنجاستهما ، لأنّ المفروض أنّه قد انقضى على أحد الاناءين زمان لم يكن زمان اليقين بالنجاسة ولا زمان الشكّ فيها ، فكيف يعقل اتّصال زمان الشكّ في كلّ منهما بزمان اليقين ... الخ (١).

إن كان هذا هو المانع من جريان الاستصحاب في كلّ منهما فهو راجع إلى المانع في الصورة الأُولى ، وهو العلم بخلاف مؤدّى الأصل في أحد الطرفين ، وإن كان بينهما فرق في الجملة ، وهو أنّه في الصورة الأُولى يكون المانع هو العلم بأنّ أحد الطرفين في الواقع كان على خلاف مؤدّى الأصل ، وفي الصورة الثانية يكون المانع هو العلم بأنّه في أحد الطرفين لم يكن زمان اليقين متّصلاً بزمان الشكّ ، لكن المانع ليس هو ما يقتضيه ظاهر العبارة ، بل هو كما أشار إليه بقوله : ففي كلّ

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥١٤.

١٧٨

منهما يحتمل انفصال الشكّ عن اليقين الخ (١) ، وحاصله : أنّه لمّا كان اليقين بالنجاسة في أحدهما المعيّن قد انتقض باليقين بالطهارة ، وقد مضى على ذلك زمان يعلم فيه بطهارة ذلك المعيّن ثمّ حصل الاشتباه بينهما ، لم يمكن إجراء الأصل في هذا الاناء ولا في ذلك الاناء ، لأنّ أيّاً منهما نضع يدنا عليه لا نحرز أنّه من نقض اليقين بالشكّ ، بل نحتمل أنّه من نقض اليقين باليقين ، لاحتمال كونه هو الذي كنّا عالمين بطهارته ، فيكون التمسّك فيه بعموم « لا تنقض » من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية.

لكنّه أيضاً محل تأمّل ، لأنّ الشكّ في كون هذا الاناء مصداقاً لنقض اليقين بالشكّ لا يخرجه عن كونه مشكوكاً. وبعبارة أُخرى : أنّه لمّا كان كلّ من الاناءين معلوم النجاسة يوم السبت ، ثمّ طرأ العلم بطهارة هذا الاناء المعيّن يوم الأحد ، ثمّ في يوم الاثنين حصل الاشتباه بينهما ، فنحن في يوم الاثنين شاكّون في بقاء نجاسة كلّ منهما ، فإذا وضعنا يدنا على هذا الاناء نقول : إنّا شاكّون الآن في طهارته ، كما أنّنا الآن شاكّون في طهارته يوم الأحد ومتيقّنون بنجاسته يوم السبت ، فشكّنا الآن ـ يعني يوم الاثنين ـ في طهارته يوم الأحد متّصل بيقيننا الآن بنجاسته يوم السبت.

والحاصل : أنّ الاستصحاب إنّما نجريه في حال الشكّ وهو يوم الاثنين ، ونحن في هذا اليوم الذي هو يوم الاثنين شاكّون في بقاء نجاسته يوم الأحد ، كما أنّا متيقّنون الآن بنجاسته يوم السبت ، فنحن الآن نحكم ببقاء نجاسته فنجرّ النجاسة من يوم السبت إلى يوم الاثنين ، ونحكم ببقائها في عمود الزمان من يوم السبت إلى يوم الاثنين ، ولا يقف في قبال ذلك الحكم إلاّ احتمال أنّه في يوم

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥١٤.

١٧٩

الأحد قد انتقض اليقين بنجاسته باليقين بطهارته ، وهذا المقدار لا يوجب إلاّ الشكّ الفعلي ـ يعني يوم الاثنين ـ بطهارته يوم الأحد ، إذ لا يكون ذلك الاحتمال إلاّ عبارة عن احتمال كون هذا الاناء هو الذي كنّا نعلم يوم الأحد بطهارته ، وهذا الاحتمال هو الذي أوجب لنا الشكّ فعلاً في طهارته يوم الأحد الذي هو مدرك الاستصحاب ، وجرّ نجاسة يوم السبت التي هي متيقّنة فعلاً ، والحكم ببقائها في عمود الزمان من يوم السبت إلى يوم الاثنين.

ولا يخفى (١) أنّ نظير ما نحن فيه خاتم الفضة مثلاً الذي صاغه الذمّي وعلمنا بنجاسة سطحه الظاهر والباطن ، فلو طهّرنا سطحه الظاهر واحتملنا أنّه بالاستعمال قد ذهب ذلك السطح وخرج له سطح آخر ممّا هو نجس من الباطن ، فإنّ استصحاب بقاء ذلك السطح الذي طهّرناه لا يثبت طهارة هذا السطح الموجود فعلاً لاحتمال أنّه غيره ، إلاّبالأصل المثبت ، وهكذا الحال لو كان المستصحب هو كون هذا الخاتم طاهر السطح ، فإنّه لا معنى لاستصحاب كون هذا الخاتم طاهر السطح إلاّ استصحاب بقاء السطح الطاهر ، إذ لم يكن الشكّ في بقاء طهارة ذلك السطح ، وإنّما كان في بقاء ذات السطح الطاهر ، فيعود محذور المثبتية ، فإنّا لو أجرينا الاستصحاب في نفس الخاتم ولو باعتبار وصف متعلّقه ، وقلنا إنّ هذا الجسم كان متّصفاً بأنّه طاهر السطح ، لم يكن ذلك نافعاً لنا في إثبات طهارة هذا السطح إلاّبالأصل المثبت.

وحينئذ نقول : إنّ هذا السطح الموجود فعلاً قد كان نجساً ، ولا نعلم بأنّه قد

__________________

(١) وقد ذكر في العروة مسألة الاناءين ص ٦٣ مسألة ٢ ، وذكر مسألة الدمين في ص ٢٦ مسألة ٧ ، وراجع ص ٥٠ في دم البق. [ منه قدس‌سره. راجع العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ١ : ٢٩٩ مسألة ٢ ، ١٣٨ مسألة ٧ ، ٢٨٢ مسألة ١ ].

١٨٠