السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات تاسوعاء
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-90423-5-0
الصفحات: ٦٤٠
يا عليّ أمسك هذه الصحيفة الّتي كتبها القوم ، وشرطوا فيها الشروط على قطيعتك وذهاب حقّك ، وما قد أزمعوا عليه من الظلم ، تكون عندك لتوافيني بها غدا وتحاجّهم بها
كان رسول الله صلىاللهعليهوآله قد بلّغ ولاية أمير المؤمنين وإمامته ، وأذاع ذلك في مناسبات شتّى ، حتّى إذا قربت وفاته ، أمره جبرئيل عن الله أن يبلّغ ذلك تبليغا عامّا يوم الغدير ، وأخذ صلىاللهعليهوآله البيعة له بذلك ، فاستاء المنافقون من ذلك ، لأنّهم كانوا يرجون أن يموت رسول الله صلىاللهعليهوآله فيرجع الأمر بأيديهم ، فلمّا نصب رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّا عليهالسلام خليفة من بعده ، تآمروا على قتل النبي في ثنيّة العقبة ، فتواردوا في الثنيّة ، وحملوا معهم دبابا طرحوا فيها الحصى ودحرجوها بين قوائم ناقة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكان عمّار يسوقها ، وحذيفة يقودها ، فأوقف الله الناقة وافتضح القوم.
قال الديلمي في إرشاد القلوب ( ٣٣٢ ـ ٣٣٦ ) قال حذيفة : فعرفتهم رجلا رجلا وإذا هم كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وعدد القوم ، أربعة عشر رجلا ، تسعة من قريش ، وخمسة من سائر الناس ... هم والله : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد ابن أبي وقاص ، وأبو عبيدة بن الجراح ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، هؤلاء من قريش ، وأمّا الخمسة : فأبو موسى الأشعريّ ، والمغيرة بن شعبة الثقفي ، وأوس ابن الحدثان النصريّ ، وأبو هريرة ، وأبو طلحة الأنصاريّ ... وارتحل رسول الله صلىاللهعليهوآله من منزل العقبة ، فلمّا نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى أبي حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يسارّ بعضهم بعضا ، فوقف عليهم وقال : أليس قد أمر رسول صلىاللهعليهوآله أن لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس على سرّ؟! والله لتخبروني عمّا أنتم عليه وإلاّ أتيت رسول الله حتّى أخبره بذلك منكم ، فقال أبو بكر : يا سالم ، عليك عهد الله وميثاقه ، لئن نحن خبرناك بالّذي نحن فيه وما اجتمعنا له ، فإن أحببت أن تدخل معنا فيه دخلت وكنت رجلا منّا ، وإن كرهته كتمته علينا؟
فقال سالم : ذلك لكم منّي ، وأعطاهم بذلك عهده وميثاقه ، وكان سالم شديد البغض والعداوة لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وعرفوا ذلك منه ، فقالوا له : إنّا قد اجتمعنا على أن نتحالف
ونتعاقد أن لا نطيع محمّدا فيما فرض علينا من ولاية عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، بعده.
فقال لهم سالم : عليكم عهد الله وميثاقه ، إنّ في هذا الأمر كنتم تخوضون وتتناجون؟!
قالوا : أجل ، علينا عهد الله وميثاقه ، إنّما كنّا في هذا الأمر بعينه لا في شيء سواه.
قال سالم : وأنا والله أوّل من يعاقدكم على هذا الأمر ، ولا يخالفكم عليه ، إنّه ـ والله ـ ما طلعت الشمس على أهل بيت أبغض إليّ من بني هاشم ، ولا في بني هاشم أبغض إليّ ولا أمقت من عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم ، فإنّي واحد منكم ، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر ، ثمّ تفرّقوا.
فلمّا أراد رسول الله صلىاللهعليهوآله المسيرة أتوه ، فقال لهم : فيم كنتم تتناجون في يومكم هذا ، وقد نهيتكم عن النجوى؟! فقالوا : يا رسول الله ، ما التقينا غير وقتنا هذا ، فنظر إليهم النبي صلىاللهعليهوآله مليّا ، ثمّ قال لهم : أنتم أعلم أم الله؟! ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (١).
ثمّ سار صلىاللهعليهوآله حتّى دخل المدينة ، واجتمع القوم جميعا ، وكتبوا بينهم صحيفة على ذكر ما تعاقدوا عليه في هذا الأمر ، وكان أوّل ما في الصحيفة النكث لولاية عليّ بن أبي طالب ، وأنّ الأمر لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم ، ليس بخارج عنهم ، وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا ؛ هؤلاء أصحاب العقبة ، وعشرون رجلا آخرون ، واستودعوا الصحيفة أبا عبيدة بن الجراح ، وجعلوه أمينهم ....
قال الفتى : فأخبرني يرحمك الله عمّا كتب جميعهم في الصحيفة لأعرفه ، فقال حذيفة : حدّثتني بذلك أسماء بنت عميس الخثعمية ـ امرأة أبي بكر ـ : أنّ القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر ، فتآمروا في ذلك ـ وأسماء تسمعهم وتسمع جميع ما يدبرونه في ذلك ـ حتّى اجتمع رأيهم على ذلك ، فأمروا سعيد بن العاص الأمويّ ، فكتب لهم الصحيفة باتّفاق منهم ، وكانت نسخة الصحيفة هذا :
__________________
(١) البقرة ؛ ١٤٠
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما اتّفق عليه الملأ من أصحاب محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله من المهاجرين والأنصار ، الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيّه ، اتّفقوا جميعا بعد ان اجتهدوا في رأيهم وتشاوروا في أمورهم ، وكتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم إلى الإسلام وأهله على غابر الأيّام وباقي الدهور ، ليقتدي بهم من يأتي من بعدهم من المسلمين :
أمّا بعد ، فإنّ الله بمنّه وكرمه بعث محمّدا رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده ، فأدّى ذلك وبلّغ ما أمره الله به ، وأوجب علينا القيام بجمعه ، حتّى إذا أكمل الدين وفرض الفرائض وأحكم السّنن ، واختار ما عنده فقبضه إليه مكرما محبورا ، من غير أن يستخلف أحدا من بعده ، وجعل الاختيار إلى المسلمين ، يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه ونصحه لهم ، وأنّ للمسلمين برسول الله صلىاللهعليهوآله أسوة حسنة ؛ قال الله تعالى : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) (١) ، وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يستخلف أحدا ؛ لئلاّ يجري من أهل بيت واحد ، فيكون إرثا دون سائر المسلمين ، ولئلاّ يكون دولة بين الأغنياء منهم ، ولئلاّ يقول المستخلف : إنّ هذا الأمر باق في عقبه من ولد إلى ولد إلى يوم القيامة.
والّذي يجب على المسلمين عند مضي خليفة من الخلفاء ، أن يجتمع ذوو الرأي والصلاح منهم فيتشاوروا في أمورهم ، فمن رأوه مستحقّا لها ولّوه أمورهم ، وجعلوه القيّم عليهم ؛ فإنّه لا يخفى على أهل كلّ زمان من يصلح منهم للخلافة.
فإنّ ادّعى مدّع من الناس جميعا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله استخلف رجلا بعينه ، نصبه للناس ونصّ عليه باسمه ونسبه ، فقد أبطل في قوله ، وأتي بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وخالف جماعة المسلمين.
وإن ادّعى مدّع أنّ خلافة رسول الله صلىاللهعليهوآله إرث ، وأنّ رسول الله يورّث ، فقد أحال في
__________________
(١) الأحزاب ؛ ٢١
قوله ؛ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة.
وإن ادّعى مدّع أنّ الخلافة لا تصلح إلاّ لرجل واحد من بين الناس جميعا ، وأنّها مقصورة فيه ، ولا تنبغي لغيره ـ لأنّها تتلو النبوّة ـ فقد كذب ؛ لأنّ النبي قال : أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.
وإن ادّعى مدّع أنّه مستحقّ الإمامة والخلافة بقربه من رسول الله ، ثمّ هي مقصورة عليه وعلى عقبه ، يرثها الولد منهم والده ، ثمّ هي كذلك في كلّ عصر وكلّ زمان ، لا تصلح لغيرهم ، ولا ينبغي أن تكون لأحد سواهم ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فليس له ولا لولده ـ وإن دنا من النبي نسبه ـ لأنّ الله يقول ـ وقوله القاضي على كلّ أحد ـ ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١) ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّ ذمّة المسلمين واحدة ، يسعى بها أدناهم وأقربهم ، كلّهم يد على سواهم ، فمن آمن بكتاب الله ، وأقرّ بسنة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقد استقام وأناب وأخذ بالصواب ، ومن كره ذلك من فعالهم ، وخالف الحقّ والكتاب ، وفارق جماعة المسلمين ، فاقتلوه ؛ فإنّ في قتله صلاحا للأمّة ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من جاء إلى أمّتي وهم جمع ففرّق بينهم فاقتلوه كائنا من كان من الناس ، فإنّ الاجتماع رحمة والفرقة عذاب » ، وقال : « لا تجتمع أمّتي على الضلال أبدا ، وأنّ المسلمين يد واحدة على من سواهم » ، فإنّه لا يخرج عن جماعة المسلمين إلاّ مفارق معابدهم ، ومظاهر عليهم أعداءهم ، فقد أباح الله ورسوله دمه وأحلّ قتله.
وكتب سعيد بن العاص ، باتّفاق لمن أثبت اسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة ، في المحرم سنة عشر من الهجرة.
ثمّ دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ، فوجّه بها إلى مكّة ، فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة ، إلى أن ولي الأمر عمر بن الخطّاب فاستخرجها من موضعها.
وهي الصحيفة الّتي تمنّى أمير المؤمنين عليهالسلام لما توفي عمر ، فوقف عليه وهو مسجّى بثوبه ،
__________________
(١) الحجرات ؛ ١٣
فقال : ، ما أحبّ إليّ أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجّى.
ثمّ انصرفوا ، وصلّى رسول الله صلىاللهعليهوآله بالناس صلاة الفجر ، ثمّ قعد في مجلسه يذكر الله عزّ وجلّ حتّى طلعت الشمس ، فالتفت إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ، فقال : بخ بخ ، من مثلك ، لقد أصبحت أمين هذه الأمّة!! ثمّ تلا قوله تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) (١) ، لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الأمّة ليستخفوا له من الناس ( وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) (٢) ، ثمّ قال صلىاللهعليهوآله : لقد أصبح في هذه الأمّة ـ في يومي هذا ـ قوم شابهوهم في صحيفتهم ، الّتي كتبوها علينا في الجاهليّة وعلّقوها في الكعبة ، وإن شاء الله يعذبهم عذابا ليبتليهم ويبتلي من يأتي بعدهم ، تفرقة بين الخبيث والطيّب ، ولو لا أنّه سبحانه أمرني بالإعراض عنهم ـ للأمر الّذي هو بالغه ـ لقدّمتهم فضربت أعناقهم.
وفي التهاب نيران الأحزان ( ٣٠ ـ ٣١ ) : اجتمع القوم فكتبوا صحيفة على ما تعاقدوا عليه من النكث ـ على ما بايعوا عليه رسول صلىاللهعليهوآله بالخلافة لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام ـ وأنّ الأمر للأوّل ، ثمّ للثاني من بعده ، ثمّ من بعده لأحد الرجلين : إمّا أبو عبيدة أو سالم مولى حذيفة ، وأشهدوا على ذلك أربعة وثلاثين رجلا ، أربعة عشر من أهل العقبة ، وعشرين من غيرهم ، وهم : سعد بن زيد ، وأبو سفيان بن حرب ، وسعيد بن العاص الأموي ، وأسامة بن زيد ، والوليد ، وصفوان بن أميّة ، وأبو حذيفة بن عتبة ، ومعاذ بن جبل ، وبشر بن سعد ، وسهل ، وحكيم بن خزامة ، وصهيب الرومي ، وعبّاس بن مرداس السلمي ، وأبو مطيع بن سنة العبسي ، وقنفذ مولى عمر ، وسالم مولى حذيفة ، وسعد بن مالك [ وهو سعد بن أبي وقاص ] ، وخالد بن عرفطة ، ومروان بن الحكم ، والأشعث بن قيس.
__________________
(١) البقرة ؛ ٧٩
(٢) النساء ؛ ١٠٨
وانظر مؤامرة الصحيفة الملعونة ، وما نزل بها من الآيات ، وما روي بشأنها عن أئمّة آل محمّد صلىاللهعليهوآله ، وسائر الرواة والمحدّثين في المصادر التالية : الكافي ( ج ١ ؛ ٣٩١ ، ٤٢٠ ، ٤٢١ ) و ( ج ٨ ؛ ١٧٩ ـ ١٨٠ ) وسليم بن قيس ( ٨٦ ـ ٨٧ ، ١٦٤ ـ ١٦٦ ، ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ) والصراط المستقيم ( ج ٣ ؛ ١٥٣ ـ ١٥٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣ ؛ ٢١٢ ـ ٢١٣ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١ ؛ ٣٠١ ) والخصال (١٧١) وبشارة المصطفى ( ١٩٦ ـ ١٩٧ ) وتفسير القمّي ( ج ١ ؛ ١٥٦ ، ١٧٣ ، ٣٠١ ) و ( ج ٢ ؛ ٢٨٩ ، ٣٠٨ ، ٣٥٦ ). وهو في بحار الأنوار ( ج ٢٨ ؛ ١٢٢ ).
وفي كتاب اليقين ( ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ) في حديث طويل فيه خطبة النبي صلىاللهعليهوآله يوم الغدير ، نقله عن أحمد بن محمّد الطبريّ المعروف بالخليلي ، بهذا السند : حدّثنا أحمد بن محمّد الطبري ، قال : أخبرني محمّد بن أبي بكر بن عبد الرحمن ، قال : حدّثني الحسن بن عليّ أبو محمّد الدينوريّ ، قال : حدّثنا محمّد بن موسى الهمدانيّ ، قال : حدّثنا محمّد بن خالد الطيالسي ، قال : حدّثنا سيف بن عميرة ، عن عقبة بن قيس بن سمعان ، عن علقمة بن محمّد الحضرمي ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام ، قال : ... فقام رسول الله صلىاللهعليهوآله فوق الأحجار ، فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الّذي علا بتوحيده ... معاشر الناس ، سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ، معاشر الناس ، إنّ الله وأنا بريئان منهم ومن أشياعهم وأنصارهم ، وجميعهم في الدرك الأسفل من النار ، وبئس مثوى المتكبرين ، ألا إنّهم أصحاب الصحيفة ، معاشر الناس ، فلينظر أحدكم في صحيفته ، قال عليهالسلام : فذهب على الناس ـ إلاّ شرذمة منهم ـ أمر الصحيفة ... انظر هذا الخبر في الاحتجاج (٦٢) والتهاب نيران الأحزان (١٨).
وفي معاني الأخبار (٤١٢) : حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرنّي ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن مفضّل بن عمر ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن معنى قول أمير المؤمنين عليهالسلام لمّا نظر إلى الثاني وهو مسجّى بثوبه : « ما أحد أحبّ إليّ أن القى الله بصحيفته من هذا المسجّى؟ » فقال عليهالسلام : عنى بها الصحيفة الّتي كتبت في الكعبة. وانظر هذا المعنى في الفصول المختارة (٩٠) عن هشام ابن الحكم ، وسليم بن
قيس ( ١١٧ ـ ١١٨ ) والاحتجاج (١٥٠) وبحار الأنوار ( ج ٨ ؛ ٢٢ ، ٢٧ ). وانظر قول الإمام عليّ عليهالسلام عند عمر وهو مسجّى ، في ربيع الأبرار (٤١٢).
وقد ورد حديث الصحيفة في مصادر أبناء العامة على لسان أبي بن كعب ، فحرّف القوم معنى الحديث ليبعدوه عن المجرمين الذين ظلموا محمّدا وآل محمّد ـ صلوات الله عليهم ـ حقّهم.
ففي الفصول المختارة من العيون والمحاسن (٩٠) : سئل هشام بن الحكم عمّا ترويه العامّة من قول أمير المؤمنين عليهالسلام لما قبض عمر ـ وقد دخل عليه وهو مسجّى ـ : « لوددت أن القى الله بصحيفة هذا المسجّى » ، وفي حديث آخر لهم : « إنّي لأرجو أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجّى »؟ فقال هشام ... وذلك أنّ عمر واطأ أبا بكر والمغيرة وسالما مولى أبي حذيفة وأبا عبيدة ، على كتب صحيفة بينهم ، يتعاقدون فيها على أنّه إذا مات رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يورثوا أحدا من أهل بيته ، ولم يولّوهم مقامه من بعده ، فكانت الصحيفة لعمر ؛ إذ كان عماد القوم ، والصحيفة الّتي ودّ أمير المؤمنين عليهالسلام ورجا أن يلقى الله بها هي هذه الصحيفة ، فيخاصمه بها ، ويحتج عليه بمتضمّنها ، والدليل على ذلك ما روته العامّة عن أبي بن كعب ، أنّه كان يقول في المسجد : « ألا هلك أهل العقدة ، والله ما آسى عليهم ، إنّما آسى على من يضلّون من الناس » ، فقيل له : يا صاحب رسول الله ، هؤلاء أهل العقد ، وما عقدتهم؟ فقال : قوم تعاقدوا بينهم إن مات رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يورثوا أحدا من أهل بيته ، ولا يولّوهم مقامه ، أما والله لئن عشت إلى يوم الجمعة لأقومنّ فيهم مقاما أبيّن به للناس أمرهم ، قال : فما أتت عليه الجمعة.
انظر قول أبي بن كعب هذا وتكراره مرارا في حلية الأولياء ( ج ١ ؛ ٢٥٢ ) بعدة أسانيد ، وشرح النهج ( ج ٢٠ ؛ ٢٤ ) ومسند أحمد ( ج ٥ ؛ ١٤٠ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٢ ؛ ٢٢٦ ) و ( ج ٣ ؛ ٣٠٤ ) وسنن النسائي ( ج ٢ ؛ ٨٨ / كتاب الإمامة ـ الحديث ٢٣ ). وانظر المسترشد ( ٢٨ ـ ٢٩ ) والايضاح لابن شاذان (٣٧٣) والصراط المستقيم ( ج ٣ ؛ ١٥٤ ).
الطّرفة الثلاثون
روى هذه الطّرفة ـ عن كتاب الطّرف ـ العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢ ؛ ٤٩٣ ـ ٤٩٤ ).
كان فيما أوصى به رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يدفن في بيته الّذي قبض فيه
ومثل هذا المطلب ما في الطّرفة الحادية والثلاثين « قال عليّ عليهالسلام : يا رسول الله أمرتني أن أصيّرك في بيتك إن حدث بك حدث؟ قال : نعم ، يا عليّ بيتي قبري ... ستخبر بالموضع وتراه. ».
اتّفق المسلمون على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله دفن في بيته ، في البقعة الّتي قبض فيها ، وكان بعض المسلمين أراد أن يدفنه بالبقيع ، فبيّن لهم عليّ عليهالسلام أنّه يدفن في بيته ، لأنّ الله لم يقبضه إلاّ في أطهر البقاع ، وقد حاول أعداء آل محمّد صلىاللهعليهوآله صرف هذه الفضيلة عن عليّ عليهالسلام ، فنسبوا هذا الكلام لأبي بكر ، مع أنّ النصوص قد تقدّمت عليك في أنّ أهله هم الذين تولّوا غسله وإجنانه ، وأغلقوا الباب دونه ، وأنّ الأوّل والثاني كانا مشغولين بغصب الخلافة في سقيفة بني ساعدة.
ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١ ؛ ٢٣٩ ) عن الباقر عليهالسلام : قال الناس : كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّ عليهالسلام : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله إمام حيّا وميّتا ، فدخل عليه عشرة عشرة ، فصلوا عليه يوم الاثنين ، وليلة الثلاثاء حتّى الصباح ، ويوم الثلاثاء ، حتّى صلّى عليه الأقرباء والخواص ، ولم يحضر أهل السقيفة.
فتبقى الروايات الدالّة على أنّ عليّا عليهالسلام هو دافنه وغاسله ، والروايات المصرّحة
بأنّ النّبي صلىاللهعليهوآله أوصى عليّا عليهالسلام بدفنه في مكانه الّذي يقبض فيه ، هي العمدة في الباب ، وما لفّقوه من فضيلة لأبي بكر فليس لها دافع سوى البغض لعليّ عليهالسلام.
ففي الكافي ( ج ١ ؛ ٤٥١ ) بسنده عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام ، قال : أتى العبّاس أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : يا عليّ ، إنّ الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول الله صلىاللهعليهوآله في بقيع المصلّى ، وأنّ يؤمّهم رجل منهم ، فخرج أمير المؤمنين عليهالسلام إلى الناس ، فقال : أيّها الناس ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله إمام حيّا وميّتا ، وقال : إنّي أدفن في البقعة الّتي أقبض فيها ....
وفي كفاية الأثر ( ١٢٥ ـ ١٢٦ ) بسنده عن عمّار بن ياسر ... قال : فلمّا مات رسول الله صلىاللهعليهوآله كان الفضل يناوله الماء ، وجبرئيل يعاونه ، فلمّا أن غسّله وكفّنه أتاه العبّاس ، فقال : يا عليّ إنّ الناس قد أجمعوا أن يدفنوا النبي صلىاللهعليهوآله بالبقيع ، وأن يؤمّهم رجل واحد ، فخرج عليّ عليهالسلام إلى الناس ، فقال : أيّها الناس ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان إمامنا حيّا وميتا ، ... قال : فقالوا : الأمر إليك فاصنع ما رأيت ، قال : فإنّي أدفن رسول الله صلىاللهعليهوآله في البقعة الّتي قبض فيها ...
وفي الإرشاد (١٠٠) : وكان المسلمون في المسجد يخوضون في من يؤمّهم في الصلاة عليه ، وأين يدفن ، فخرج إليهم أمير المؤمنين عليهالسلام ، وقال لهم : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله إمامنا حيّا وميتا ، فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم ، فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون ، وإنّ الله لم يقبض نبيا في مكان إلاّ وقد ارتضاه لرمسه فيه ، وإنّي لدافنه في حجرته الّتي قبض فيها ، فسلّم القوم لذلك ورضوا به.
وانظر مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١ ؛ ٢٤٠ ) وكشف الغمّة ( ج ١ ؛ ١٩ ) وفقه الرضا عليهالسلام (٢١) وشرح الأخبار ( ج ١ ؛ ١٤٠ ـ ١٤١ ) وإعلام الورى (٨٣) وإثبات الوصيّة (١٠٥) وينابيع المودّة ( ج ٢ ؛ ٩٠ ).
ويكفّن بثلاثة أثواب ، أحدها يمان
اختلفت روايات أبناء العامّة في صفة كفن رسول الله صلىاللهعليهوآله اختلافا بيّنا ، تبعا لاختلاف مرويّاتهم عن الصحابة ، الّذين اختلفوا لعدم علمهم التامّ بصفة الكفن ، بخلاف روايات أئمّة
أهل البيت عليهمالسلام ـ فهم أدرى بما فيه ـ فإنّها اتّفقت على صفة الكفن كما هو مذكور هنا ، وإذا نظرت إلى طبقات ابن سعد ( ج ٢ ؛ ٢٨١ ـ ٢٨٧ ) وجدت الاختلاف في ذلك ، فذكر من قال أنّه صلىاللهعليهوآله كفّن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ، ثمّ ذكر من قال أنّه صلىاللهعليهوآله كفّن في ثلاثة أثواب أحدها حبرة [ وهو برد يمان ] ، ثمّ ذكر من قال أنّه كفّن في ثلاثة أثواب برود ، ومن قال كفّن في قميص وحلّة ، ثمّ روى في آخر ذلك حديثا ، فقال : أخبرنا عارم بن الفضل ، أخبرنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال أبو قلابة : ألا تعجب من اختلافهم علينا في كفن رسول الله صلىاللهعليهوآله؟!
وإذا لحظت القسم الثاني ، وهو الّذي يوافق مرويات الإماميّة عن أئمتهم ، وجدت أنّ أغلب مروياته عن الزهريّ ، وسعيد بن المسيب ، عن السجاد ، وعن الصادق عليهماالسلام ، وعن ابن عبّاس ، وهم أدرى بما في البيت كما تقدّم. وعلى كلّ حال فنحن نذكر بعض المرويّات والمصادر الّتي مضمونها هو ما في هذه الطّرفة.
ففي الكافي ( ج ٢ ؛ ٤٠ ) بسنده ، قال : سئل أبو عبد الله عليهالسلام ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، بم كفّن؟ قال : في ثلاثة أثواب ، ثوبين صحاريين ، وبرد حبرة.
وفي فقه الرضا عليهالسلام (٢٠) : وروي أنّ عليّا عليهالسلام كفّنه في ثلاثة أثواب ، ثوبين صحاريّين ، وثوب حبرة يمانيّة.
وفي أمالي الصدوق : ٥٠٦ بسنده عن ابن عبّاس ، قال : لمّا مرض رسول الله صلىاللهعليهوآله ... قال لعليّ عليهالسلام : يا بن أبي طالب ، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني ، وأنق غسلي ، وكفّنّي في طمريّ هذين ، أو في بياض مصر وبرد يمان ، ولا تغال في كفني. ورواه الفتال النيسابوريّ في روضة الواعظين (٧٢).
وفي الوفا بأحوال المصطفى (٨١١) عن ابن عبّاس ، قال : لمّا غسّلوا رسول الله صلىاللهعليهوآله جففوه ، ثمّ صنع به كما يصنع بالميّت ، ثمّ أدرج في ثلاثة : ثوبين أبيضين ، وبرد حبرة.
وفي تاريخ الطبريّ ( ج ٣ ؛ ٢٠٤ ) عن الزهريّ ، عن السجاد عليهالسلام ، قال : فلمّا فرغ من غسل رسول الله صلىاللهعليهوآله كفّن في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريّين وبرد حبرة ، أدرج فيها إدراجا.
وانظر في صفة كفن النبي صلىاللهعليهوآله التهذيب ( ج ١ ؛ ١٣٢ ) وكشف الغمّة ( ج ١ ؛ ١٧ ) ومروج الذهب ( ج ٢ ؛ ٢٩١ ).
وشرح النهج ( ج ١٣ ؛ ٣٨ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢ ؛ ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ) وحلية الأولياء ( ج ٤ ؛ ٧٨ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤ ؛ ٣١٣ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢ ؛ ٣٣٣ ) ومسند أحمد ( ج ١ ؛ ٢٦٠ ) وسنن البيهقي ( ج ٣ ؛ ٣٨٨ ).
ولا يدخل قبره غير عليّ عليهالسلام
صحّت الروايات من طرق الفريقين ، أنّ عليّا عليهالسلام كان الأصل والقائم بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله من غسله وتكفينه ودفنه ، ونزل معه في القبر الفضل بن عبّاس وقثم وشقران مولاهم ، وطلب منه أوس بن خوليّ أحد الأنصار من الخزرج أن لا ينسى حظهم من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأدخله عليّ عليهالسلام ، فالمراد بهذه الرواية إذن ما مرّ من أنّ عليّا آخر الناس عهدا برسول الله ، وأنّه كان هو المتولّي لأمور التغسيل والتكفين والدفن لرسول الله ، والباقون كانوا تبعا له ، داخلين بأمر منه عليهالسلام ، فلا ينافي دخول بعض بأمره عليهالسلام أنّه لم يدخل القبر غيره عليهالسلام بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، حيث روى العامّة أيضا أنّه صلىاللهعليهوآله قال قبل موته ـ كما في شرح النهج ( ج ١٣ ؛ ٣٧ ) وغيره ـ : « يغسّلني أهلي الأدنى منهم فالأدنى ، وأكفّن في ثيابي أو في بياض مصر أو في حلّة يمانيّة » ، ومعلوم أنّ عليّا عليهالسلام كان أدناهم لرسول الله صلىاللهعليهوآله كما تقدّم.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٣ ؛ ٤٠ ) بعد إيراده لروايات الغسل والكفن والدفن ومناقشتها : قلت : من تأمّل هذه الأخبار علم أنّ عليّا عليهالسلام كان الأصل والجملة والتفصيل في أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ألا ترى أنّ أوس بن خوليّ لا يخاطب أحدا من الجماعة غيره ، ولا يسأل غيره في حضور الغسل والنزول في القبر.
وقد صرّح الإمام عليّ عليهالسلام بأنّه هو والملائكة معه دفنوا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال في نهج البلاغة ( ج ٢ ؛ ١٧٢ ) : ولقد وليت غسله صلىاللهعليهوآله والملائكة أعواني ، فضجت الدار والأفنية ، ملأ يهبط وملأ يعرج ، وما فارقت سمعي هينمة منهم ، يصلّون عليه ، حتّى واريناه في
ضريحه ، فمن ذا أحقّ به منّي حيّا وميّتا؟!
وقال ابن شهرآشوب ( ج ١ ؛ ٢٤٠ ) : تاريخ الطبريّ في حديث ابن مسعود ، قلنا : فمن يدخلك قبرك يا نبي الله؟ قال : أهلي ، وقال الطبريّ وابن ماجة : الّذي نزل في قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّ بن أبي طالب عليهالسلام والفضل وقثم وشقران ، ولهذا قال أمير المؤمنين عليهالسلام : أنا الأوّل أنا الآخر.
وفي أمالي الطوسي (٥٥٥) بسنده عن أبي ذرّ في مناشدة عليّ عليهالسلام يوم الشورى ، قال : فأنشدكم بالله ، هل فيكم من نزل في حفيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله غيري؟ قالوا : اللهمّ لا. وانظر قوله هذا في مناشدة الشورى في كنز العمال ( ج ٥ ؛ ٤٢٩ / الحديث ٢٤٦١ ط. حيدرآباد ) ومعارج العلى (١١٦) ومناقب الخوارزمي (٢٢٥) وتاريخ دمشق ( ج ٣ ؛ ٨٧ / الحديث ١١٣١ ، ٩١ / الحديث ١١٣٢ ).
وفي اليقين (٣٩٠) عن كتاب « نهج النجاة في فضائل أمير المؤمنين والأئمّة من ذريته » ، بسنده عن أنس بن مالك ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لعليّ عليهالسلام : يا عليّ ، أنت منّي وأنا منك ، تغسل جسدي ، وتواريني لحدي ....
وفي بشارة المصطفى (٥٨) بسنده ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال لعليّ عليهالسلام : يا عليّ ... أنت غاسل جثّتي ، وأنت الّذي تواريني في حفرتي.
وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١ ؛ ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ) ومن طريقة أهل البيت عليهمالسلام ... فلمّا حضره صلىاللهعليهوآله الموت ، قال له : ضع رأسي يا عليّ في حجرك ... ولا تفارقني حتّى تواريني في رمسي ، واستعن بالله ... ثمّ وجهه عليهالسلام ، ومدّ عليه إزاره ، واستقبل بالنّظر في أمره. وانظر رواية الخبر في الإرشاد (١٠٠).
وفي كنز العمال ( ج ٦ ؛ ٣٩٣ ) بسنده عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال لعليّ عليهالسلام : وأنت عاضدي وغاسلي ودافني. وهو في معارج العلى (١٢٢).
وفي تاريخ دمشق ( ج ٢ ؛ ٤٨٧ / الحديث ١٠٠٦ ) بإسناده عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام : أنت تغسّلني ، وتواريني في لحدي ، وتبيّن لهم بعدي.
وروى الوصابي في أسنى المطالب ( ٧٢ / الحديث ٩ ) في الباب الحادي عشر ، بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا عليّ ، إنّك مخاصم لهم ، أنت أوّل المؤمنين إيمانا ، وأعلمهم بأيّام الله ، وأوفاهم بعهده ، وأقسمهم بالسويّة ، وأرأفهم بالرعيّة ، وأعظمهم عند الله مزيّة ، وأنت عاضدي وغاسلي ودافني ....
ويدلّ عليه أيضا ما مرّ من أنّه آخر الناس عهدا برسول الله صلىاللهعليهوآله ؛ لأنّه هو الّذي واراه في حفرته ، حتّى قال أحد الشعراء من الصحابة : (١)
ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف |
|
عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن |
أليس أوّل من صلّى لقبلتكم |
|
وأعلم الناس بالأحكام والسنن |
وآخر الناس عهدا بالنبي ومن |
|
جبريل عون له في الغسل والكفن |
وفي الإرشاد (١٠١) : ودخل أمير المؤمنين عليهالسلام ، والعبّاس بن عبد المطلب ، والفضل ابن العبّاس ، وأسامة بن زيد ، ليتولّوا دفن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فنادت الأنصار من وراء البيت : يا عليّ ، إنّا نذكرك الله وحقّنا اليوم من رسول الله أن يذهب ، أدخل منّا رجلا يكون لنا به حظّ من مواراة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال عليهالسلام : ليدخل أوس بن خوليّ ـ وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج ـ فلمّا دخل قال له عليّ عليهالسلام : انزل القبر ، فنزل ، ووضع أمير المؤمنين عليهالسلام رسول الله صلىاللهعليهوآله على يديه ودلاّه في حفرته ، فلمّا حصل في الأرض ، قال له : اخرج ، فخرج ، ونزل عليّ عليهالسلام القبر ، فكشف عن وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ووضع خدّه على الأرض موجّها إلى القبلة عن يمينه ، ثمّ وضع عليه اللبن ، وأهال عليه التراب. وروى مثله الطبرسي في إعلام الورى (٨٤).
وانظر دفن رسول الله صلىاللهعليهوآله وتولّي عليّ عليهالسلام لذلك ، وأنّ الباقين كانوا تبعا له يأتمرون
__________________
(١) نسبه سليم في كتابه : ٧٨ ، والأربلي في كشف الغمّة ( ج ١ ؛ ٦٧ إلى العباس ، ونسبه اليعقوبي في تاريخه ( ج ٢ ؛ ١٢٤ ) إلى عتبة بن أبي لهب ، ونسبه المفيد في الجمل : (١١٨) إلى عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وفي الإرشاد : (٢٢) إلى خزيمة بن ثابت ، ونسبه الشريف المرتضى في الفصول المختارة : (٢١٦) إلى ربيعة بن الحارث ، ونسبه الكراجكي في كنز الفوائد ( ج ١ ؛ ٢٦٧ ) إلى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
بأمره وينتهون لنهيه ، في طبقات ابن سعد ( ج ٢ ؛ ٣٠٠ ـ ٣٠٢ ) والطبريّ ( ج ٣ ؛ ٢٠٥ ) ومروج الذهب ( ج ٢ ؛ ٢٩١ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢ ؛ ٣٣٣ ) والبداية والنهاية ( ج ٥ ؛ ٢٩٠ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤ ؛ ٣١٤ ـ ٣١٥ ) وينابيع المودّة ( ج ٢ ؛ ٩٠ ) وكشف الغمّة ( ج ١ ؛ ١٩ ) والعقد الفريد ( ج ٥ ؛ ٨ ، ٩ ).
يا عليّ كن أنت وابنتي فاطمة والحسن والحسين ، وكبّروا خمسا وسبعين تكبيرة ، وكبّر خمسا وانصرف ... جبرئيل مؤذنك ... ثمّ من جاءك من أهل بيتي ؛ يصلّون عليّ فوجا فوجا ، ثمّ نساؤهم ، ثمّ الناس بعد ذلك
في كتاب سليم بن قيس (٧٩) عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم بن قيس ، قال : سمعت سلمان الفارسي ، قال : ... فأتيت عليّا عليهالسلام وهو يغسّل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد كان رسول الله أوصى عليّا عليهالسلام أن لا يلي غسله غيره ... فلمّا غسّله وحنّطه وكفّنه أدخلني ، وأدخل أبا ذرّ والمقداد وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، فتقدّم عليّ عليهالسلام وصفّنا خلفه ، وصلّى عليه ـ وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ الله ببصرها ـ ثمّ أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار ، فكانوا يدخلون ويدعون ويخرجون ، حتّى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلاّ صلّى عليه. وانظر رواية هذه الصلاة في الاحتجاج (٨٠).
وفي كشف الغمّة ( ج ١ ؛ ١٧ ) : من كتاب أبي إسحاق الثعلبي ، قال : فقال النبي صلىاللهعليهوآله : مهلا عفا الله عنكم ، إذا غسّلت وكفّنت فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ، ثمّ اخرجوا عنّي ساعة ، فإنّ الله تبارك وتعالى أوّل من يصلّي عليّ ، ثمّ يأذن للملائكة في الصلاة عليّ ، فأوّل من ينزل جبرئيل ، ثمّ إسرافيل ، ثمّ ميكائيل ، ثمّ ملك الموت في جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها ، ثمّ ادخلوا عليّ زمرة زمرة ، فصلّوا عليّ وسلّموا تسليما ... وليبدأ بالصلاة عليّ الأدنى فالأدنى من أهل بيتي ، ثمّ النساء ، ثمّ الصبيان زمرا.
وفي أمالي الصدوق (٥٠٦) بسنده عن ابن عبّاس : ... ثمّ قال صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام : يا بن أبي طالب ، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني ، وأنق غسلي ، وكفّنّي في طمريّ
هذين ، أو في بياض مصر وبرد يمان ، ولا تغال في كفني ، واحملوني حتّى تضعوني على شفير قبري ، فأوّل من يصلّى عليّ الجبّار جلّ جلاله من فوق عرشه ، ثمّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلاّ الله عزّ وجلّ ، ثمّ الحافّون بالعرش ، ثمّ سكّان أهل سماء فسماء ، ثمّ جلّ أهل بيتي ونسائي ؛ الأقربون فالأقربون ، يومئون إيماء ويسلّمون تسليما ... ورواه الفتّال النيسابوريّ في روضة الواعظين (٧٢).
وفي أمالي المفيد ( ٣١ ـ ٣٢ ) بسنده عن الباقر عليهالسلام ، قال : لمّا فرغ أمير المؤمنين عليهالسلام من تغسيل رسول الله صلىاللهعليهوآله وتكفينه وتحنيطه ، أذن للناس ، وقال : ليدخل منكم عشرة عشرة ليصلّوا عليه ، فدخلوا ، وقام أمير المؤمنين بينه وبينهم ، وقال : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) ، وكان الناس يقولون كما يقول ، قال أبو جعفر عليهالسلام : وهكذا كانت الصلاة عليه.
وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١ ؛ ٢٣٩ ) : قال أبو جعفر عليهالسلام : قال الناس : كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّ عليهالسلام : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله إمام حيّا وميّتا ، فدخل عليه عشرة عشرة ، فصلّوا عليه يوم الإثنين ، وليلة الثلاثاء حتّى الصباح ، ويوم الثلاثاء ، حتّى صلّى عليه الأقرباء والخواص ، ولم يحضر أهل السقيفة ، وكان عليّ عليهالسلام أنفذ إليهم بريدة ، وإنّما تمت بيعتهم بعد دفنه ، وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إنّما نزلت هذه الآية في الصلاة عليّ بعد قبض الله لي ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٢).
وسئل الباقر عليهالسلام : كيف كانت الصلاة على النبي صلىاللهعليهوآله؟ فقال : لمّا غسّله أمير المؤمنين عليهالسلام وكفّنه سجّاه ، وأدخل عليه عشرة عشرة ، فداروا حوله ، ثمّ وقف أمير المؤمنين في وسطهم ، فقال : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ... ) (٣) فيقول القوم مثل ما يقول ، حتّى
__________________
(١) الأحزاب ؛ ٥٦
(٢) الأحزاب ؛ ٥٦
(٣) الأحزاب ؛ ٥٦
صلّى عليه أهل المدينة وأهل العوالي.
وفيه أيضا ( ج ١ ؛ ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ) : ومن طريقة أهل البيت عليهمالسلام ... ثمّ جذب صلىاللهعليهوآله عليّا عليهالسلام تحت ثوبه ، ووضع فاه على فيه ، وجعل يناجيه ، فلمّا حضره الموت قال له : ضع رأسي يا عليّ في حجرك ؛ فقد جاء أمر الله ، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيديك وامسح بها وجهك ، ثمّ وجّهني إلى القبلة ، وتولّ أمري ، وصلّ عليّ أوّل الناس ... وانظر هذا الخبر برواية أتم في الإرشاد (١٠٠).
وفي إعلام الورى (٨٣) : ... فلمّا فرغ عليهالسلام من غسله صلىاللهعليهوآله وتجهيزه ، تقدّم فصلّى عليه ، قال أبان : وحدّثني أبو مريم ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : قال الناس : كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّ عليهالسلام : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله إمامنا حيّا وميّتا ، فدخل عليه عشرة عشرة ، فصلّوا عليه يوم الإثنين ، وليلة الثلاثاء حتّى الصباح ، ويوم الثلاثاء ، حتّى صلّى عليه صغيرهم وكبيرهم ، وذكرهم وأنثاهم ، وضواحي المدينة ، بغير إمام.
وفي الإرشاد (١٠٠) : فلمّا فرغ عليهالسلام من غسله وتجهيزه صلىاللهعليهوآله تقدّم فصلّى عليه وحده ، ولم يشركه معه أحد في الصلاة عليه ، وكان المسلمون في المسجد يخوضون في من يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن ، فخرج إليهم أمير المؤمنين عليهالسلام ، وقال لهم : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله إمامنا حيّا وميّتا ، فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم ، فيصلّون عليه بغير إمام وينصرفون.
وفي كفاية الأثر ( ١٢٥ ـ ١٢٦ ) بسنده عن عمّار بن ياسر ، قال : لمّا حضرت رسول الله صلىاللهعليهوآله الوفاة دعا بعلي ... قال : فلمّا مات رسول الله صلىاللهعليهوآله كان الفضل يناوله الماء ، وجبرئيل يعاونه ، فلمّا أن غسّله وكفّنه أتاه العبّاس ، فقال : يا عليّ ، إنّ الناس قد أجممعوا أن يدفنوا النبي صلىاللهعليهوآله بالبقيع ، وأن يؤمّهم رجل واحد ، فخرج عليّ عليهالسلام إلى الناس ، فقال : أيّها الناس ، إنّ رسول الله كان إمامنا حيّا وميّتا ... فقالوا : الأمر إليك فاصنع ما رأيت ، قال : فإنّي أدفن رسول الله صلىاللهعليهوآله في البقعة الّتي قبض فيها ، قال : ثمّ قام عليهالسلام على الباب فصلّى عليه ، وأمر الناس عشرا عشرا ؛ يصلّون عليه ثمّ يخرجون. وروى قريبا منه الكليني في الكافي ( ج ١ ؛ ٤٥١ ) بسنده عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام.
وفي الكافي ( ج ١ ؛ ٤٥١ ) بسنده عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام ، قال : لمّا قبض النبي صلىاللهعليهوآله صلّت عليه الملائكة ، والمهاجرون والأنصار فوجا فوجا ، قال : وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول في صحّته وسلامته : إنّما أنزلت هذه الآية عليّ في الصلاة عليّ بعد قبض الله لي ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١).
وقال العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢ ؛ ٥٤١ ) بعد نقله لروايات متعدّدة في كيفية الصلاة على رسول الله صلىاللهعليهوآله :
بيان : يظهر من مجموع ما مرّ في الأخبار في الصلاة عليه صلىاللهعليهوآله أنّ الصلاة الحقيقيّة هي الّتي كان أمير المؤمنين عليهالسلام صلاّها أوّلا مع الستّة المذكورين في خبر سليم ، ولم يدخل في ذلك سوى الخواص من أهل بيته وأصحابه ـ لئلاّ يتقدّم أحد من لصوص الخلافة في الصلاة ، أو يحضر أحد من هؤلاء المنافقين فيها ـ ثمّ كان عليهالسلام يدخل عشرة عشرة من الصحابة ، فيقرأ الآية ، ويدعون ويخرجون من غير صلاة.
وسيأتيك في الطّرفة القادمة المزيد ، عند ذكر أنّ عليّا عليهالسلام أخبر بمكان دفن النبي صلىاللهعليهوآله ، وأنّ الملائكة كانت معه في الغسل والصلاة والدفن.
هذا ، ولا بدّ من التنبيه إلى أن روايات العامّة ذكرت تغسيل عليّ عليهالسلام للنبي صلىاللهعليهوآله ودفنه له ، وذكرت كيفيّة الصلاة عليه ، لكنّها أغفلت أو تغافلت عن ذكر صلاة عليّ عليهالسلام بالخصوص عليه ، وأنّ صلاته كانت هي الصلاة الّتي أمر الله ورسوله بها ، وعلى كلّ حال فنحن نذكر هنا بعض النصوص منهم في ذلك ونشير إلى مواضع البعض الآخر منها ، وستتبيّن مواضع التحريف والتغيير في رواياتهم ؛
ففي حلية الأولياء ( ج ٤ ؛ ٧٨ ) بسنده عن جابر بن عبد الله وابن عبّاس ، في حديث طويل في وفاة النبي صلىاللهعليهوآله ، فيه قول رسول الله صلىاللهعليهوآله : فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني
__________________
(١) الأحزاب ؛ ٥٦
في المسجد ، واخرجوا عنّي ، فإنّ أوّل من يصلّي عليّ الربّ عزّ وجلّ من فوق عرشه ، ثمّ جبرئيل ، ثمّ ميكائيل ، ثمّ إسرافيل ، ثمّ الملائكة زمرا زمرا ، ثمّ ادخلوا فقوموا صفوفا صفوفا ، لا يتقدّم عليّ أحد ... فقبض رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فغسّله عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وابن عبّاس يصبّ عليه الماء ، وجبرئيل معهما ، وكفّن بثلاثة أثواب جدد ، وحمل على السرير ، ثمّ أدخلوه المسجد ، ووضعوه في المسجد ، وخرج الناس عنه ، فأوّل من صلّى عليه الربّ من فوق عرشه ، ثمّ جبرئيل ، ثمّ ميكائيل ، ثمّ إسرافيل ، ثمّ الملائكة زمرا زمرا ، قال عليّ عليهالسلام : ولقد سمعنا في المسجد همهمة ولم نر لهم شخصا ، فسمعنا هاتفا يهتف وهو يقول : ادخلوا رحمكم الله ، فصلّوا على نبيّكم ، فدخلنا ، فقمنا صفوفا كما أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فكبرنا بتكبير جبرئيل ، وصلينا على رسول الله صلىاللهعليهوآله بصلاة جبرئيل ، ما تقدّم منّا أحد على رسول الله.
وفي المستدرك على الصحيحين ( ج ٣ ؛ ٦٠ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود ، قال : لما ثقل رسول الله صلىاللهعليهوآله قلنا : من يصلّي عليك يا رسول الله؟ فبكى وبكينا ، وقال : مهلا ، غفر الله لكم وجزاكم عن نبيّكم خيرا ، إذا غسّلتموني وحنّطتموني وكفّنتموني فضعوني على شفير قبري ، ثمّ اخرجوا عنّي ساعة ، فإنّ أوّل من يصلّي عليّ خليلي وجليسي جبرئيل ، وميكائيل ، ثمّ إسرافيل ، ثمّ ملك الموت مع جنود من الملائكة ، ثمّ ليبدا بالصلاة عليّ رجال أهل بيتي ، ثمّ نساؤهم ، ثمّ ادخلوا أفواجا أفواجا وفرادى ...
وفي طبقات ابن سعد ( ج ٢ ؛ ٢٩١ ) بسنده عن محمّد بن عمر ، قال : أوّل من دخل على رسول الله صلىاللهعليهوآله بنو هاشم ، ثمّ المهاجرون ، ثمّ الأنصار ، ثمّ الناس حتّى فرغوا ، ثمّ النساء ، ثمّ الصبيان.
وفيه أيضا ( ج ٢ ؛ ٢٩١ ) : أخبرنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ ابن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جدّه عليّ عليهالسلام ، قال : لما وضع رسول الله صلىاللهعليهوآله على السرير ، قال عليّ عليهالسلام : لا يقوم عليه أحد لعلّه يؤمّ ، هو إمامكم حيّا وميّتا ، فكان يدخل الناس رسلا رسلا ، فيصلّون عليه صفا صفا ليس لهم إمام ، ويكبرون وعليّ قائم بحيال رسول الله صلىاللهعليهوآله ، يقول : سلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته ، اللهمّ إنّا نشهد أن قد بلّغ ما أنزل إليه ،
ونصح لأمّته ، وجاهد في سبيل الله ، حتّى أعزّ الله دينه وتمّت كلمته ، اللهمّ فاجعلنا ممّن يتّبع ما أنزل الله إليه ، وثبّتنا بعده ، واجمع بيننا وبينه ، فيقول الناس : آمين آمين ، حتّى صلّى عليه الرجال ، ثمّ النساء ، ثمّ الصبيان.
وانظر كيفيّة الصلاة عليه في طبقات ابن سعد ( ج ٢ ؛ ٢٨٨ ـ ٢٩٢ ) والوفا بأحوال المصطفى ( ٨١١ ـ ٨١٢ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٣ ؛ ٢٠٥ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢ ؛ ٣٣٣ ) والعقد الفريد ( ج ٥ ؛ ٨ ) وشرح النهج ( ج ١٣ ؛ ٣٩ ) والبداية والنهاية ( ج ٥ ؛ ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، ٢٩١ ).
ويبقى أن نشير إلى أنّ الواجب في الصلاة على الميّت هي التكبيرات الخمس ، وأنّ التكبيرات الأربع إنّما كانت للصلاة على المنافقين فقط ، إذ كان صلىاللهعليهوآله إذا صلّى على أحدهم نقص من الصلاة التكبيرة الّتي فيها الدعاء للميّت ، فتبقي أربع تكبيرات ، انظر في ذلك ما في علل الشرائع (٣٠٣).
وقد انعقد إجماع الطائفة الإماميّة تبعا لأئمّة أهل البيت عليهمالسلام على التكبيرات الخمس.
قال الشيخ الطوسي في الخلاف ( ج ١ ؛ ٧٢٤ / المسألة رقم ٥٤٣ ) : دليلنا إجماع الفرقة.
وقال العلاّمة في تذكرة الفقهاء ( ج ٢ ؛ ٦٨ ) : إذا نوى المصلّي ، كبر خمسا ، بينها أربعة أدعية ، ذهب إليه علماؤنا أجمع.
وقال العاملي في مدارك الأحكام ( ج ٤ ؛ ١٦٤ ) : وهي خمس تكبيرات ، هذا قول علمائنا أجمع.
وانظر نقل الإجماع في الروضة البهيّة ( ج ١ ؛ ١٣٨ ) والانتصار (٥٩) والسرائر ( ج ١ ؛ ٣٥٧ ) والمعتبر ( ج ٢ ؛ ٣٤٩ ) والبيان (٧٦) وجامع المقاصد ( ج ١ ؛ ٤٢٢ ).
فالتكبيرات الخمس والسبعون الأخرى يظهر أنّها بعدد صفوف الملائكة المقرّبين ، ففي الصراط المستقيم ( ج ٢ ؛ ٤٣ ) قال : فلمّا قبض آدم أوحى الله إلى هبة الله أن « صلّ عليه وكبر خمسا » ، فصلّى وكبر ، فجرت السنّة ، وكبر سبعين أخرى سنّة بعدد صفوف الملائكة ، كلّهم لمن صلّى خلفه.