السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات تاسوعاء
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-90423-5-0
الصفحات: ٦٤٠
استقبالهم ، فمن أخّرهم فقد استدبر.
وفي التحصين (٦٠٩) بسند إلى أبي ذرّ ، قال في أهل البيت عليهمالسلام : فهم فينا كالسماء المرفوعة ، والجبال المنصوبة ، والكعبة المستورة ، والشجرة الزيتونة. ومثله في تفسير فرات ( ٨١ ، ٨٢ ) بسنده إلى أبي ذرّ.
وإنّما أنت علم الهدى ونور الدين
انظر ما مرّ في الطّرفة الحادية عشر من قوله صلىاللهعليهوآله : « إنّ عليّ بن أبي طالب هو العلم ».
وكلّ أجاب وسلّم إليك الأمر
كان أوضح مصاديق دعوة النبي صلىاللهعليهوآله إلى عليّ عليهالسلام وإجابة المسلمين ، هو ما أخذه صلىاللهعليهوآله عليهم في بيعة غدير خمّ ، الّتي فاق نقلها حدّ التواتر ، وكان الشيخان وعثمان وطلحة والزبير من أوائل المبايعين له.
أمّا تواتر خبر الغدير أو تجاوزه حدّ التواتر ، فقد قال الشيخ الحسين بن عبد الصمد الحارثي ـ والد الشيخ البهائي ـ ما ملخّصه : رواه أحمد بن حنبل بست عشر طريقا ، والثعلبي بأربعة طرق ... ورواه ابن المغازلي بثلاث طرق ، ورواه في الجمع بين الصحاح الستّة ، قال ابن المغازلي : وقد روى حديث غدير خمّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآله نحو من مائة نفس ، وذكر محمّد بن جرير الطبريّ ـ المؤرخ لحديث الغدير ـ خمسا وسبعين طريقا ، وأفرد له كتابا سماه « كتاب الولاية » ، وذكر الحافظ أبو العبّاس أحمد بن عقدة له خمسا ومائة طريقا ، وأفرد له كتابا ، فهذا قد تجاوز حدّ التواتر. انظر الغدير ( ج ١١ ؛ ٢١٧ ـ ٢١٨ ).
وقد أقرّ الصحابة وبايعوا لعليّ عليهالسلام بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وفي طليعتهم الشيخان وعثمان وطلحة والزبير ؛ وبعضهم قال له : بخ بخ لك يا عليّ ، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
ففي كتاب الولاية لمحمّد بن جرير الطبريّ ، بإسناده عن زيد بن أرقم في حديث طويل ،
قال فيه زيد : فعند ذلك بادر الناس بقولهم : نعم سمعنا وأطعنا على أمر الله ورسوله بقلوبنا ، وكان أوّل من صافق النبي صلىاللهعليهوآله وعليّا عليهالسلام : أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ، وباقي المهاجرين والأنصار ، وباقي الناس إلى أن صلّى الظهرين في وقت واحد ، وامتدّ ذلك إلى أن صلّى العشاءين في وقت واحد ، وواصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا. نقله العلاّمة الأميني في الغدير ( ج ١ ؛ ٢٧٠ ).
وفي بشارة المصطفى (٩٨) بسنده عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال : من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة ، كتب الله له صيام ستّين شهرا ، وذلك يوم غدير خمّ ، لمّا أخذ رسول الله بيد عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فقال : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، فقال له عمر ابن الخطّاب : بخ بخ ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
وانظر في بيعتهم لعليّ وبخبختهم ، مناقب ابن المغازلي (١٩) وتذكرة الخواص ( ١٨ ، ٢٩ ، ٦٢ ) وينابيع المودّة ( ج ٢ ؛ ٦٣ ، ٧٤ ) وروضة الصفا ( ج ١ ؛ ١٧٣ ) وحبيب السّير ( ج ١ ؛ ١٤٤ ) والمصنف لابن أبي شيبة ( ج ٦ ؛ ٣٧٥ ) ومسند أحمد ( ج ٤ ؛ ٢٨١ ) وتفسير الطبريّ ( ج ٣ ؛ ٤٢٨ ) والصواعق المحرقة (٤٤) والتمهيد للباقلاني (١٧١) والفصول المهمة (٢٥) ونظم درر السمطين (١٠٩) وسرّ العالمين (٩) والملل والنحل ( ج ١ ؛ ١٤٥ ) ومناقب الخوارزمي (٩٤) وتفسير الفخر الرازيّ ( ج ٣ ؛ ٦٣٦ ) والنهاية لابن الأثير ( ج ٤ ؛ ٢٤٦ ) وكفاية الطالب (١٦) والرياض النضرة ( ج ٢ ؛ ١٢٦ ـ ١٢٧ ) وذخائر العقبى (٦٧) وفرائد السمطين ( ج ١ ؛ ٧٧ ) والبداية والنهاية ( ج ٥ ؛ ٢٢٩ ) وخطط المقريزيّ ( ج ٢ ؛ ٢٢٣ ) وبديع المعاني (٧٥) ووفاء الوفا ( ج ٢ ؛ ١٧٣ ) والمواهب اللّدنيّة ( ج ٢ ؛ ١٣ ) وفيض القدير ( ج ٦ ؛ ٢١٨ ) وشرح المواهب ( ج ٧ ؛ ١٣ ). وانظر تخريجات بيعة الشيخين وعثمان ، وباقي المسلمين لعليّ في الغدير ( ج ١ ؛ ٢٧٠ ـ ٢٨٢ ).
وإنّي لأعلم خلاف قولهم
في التهاب نيران الأحزان ( ١٤ ـ ١٨ ) في خطبة طويلة للنبي صلىاللهعليهوآله في يوم الغدير ، قال
فيها : وقد أنزل الله إليّ في الكتاب العزيز ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (١) ، وعليّ بن أبي طالب أقام الصلاة ، وآتى الزكاة وهو راكع ، يريد بذلك رضى الله على كلّ حال ، وسألت جبرئيل أن يستعفيني عن تبليغ ذلك إليكم ، لعلمي فيكم بقلّة المؤمنين ، وحيل المستهزئين بالإسلام ... وكثر أذاهم فيّ وفي عترتي ، حتّى سمّوني أذنا ، وزعموا أنّي كنت كذلك لكثرة ملازمته إيّاي وإقبالي عليه ، حتّى أنزل الله في ذلك ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (٢)
ولو شئت أن أسمّي بأسمائهم لسمّيت ، وأن أومئ بأعيانهم لأوميت ، ولكنّي والله في أمورهم قد تكرّمت ، وكان الله لا يرضى منّي إلاّ أن أبلّغ ما أنزل في عليّ ... معاشر الناس ، سيكون من بعدي ( أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) (٣) ، معاشر الناس ، إنّ الله وأنا منهم بريئان ، معاشر الناس ، إنّهم وأشياعهم وأتباعهم وأنصارهم لفي الدرك الأسفل من النار ، ولبئس مثوى المتكبّرين ، ألا إنّهم أصحاب الصحيفة ، فلينظر أحدكم في صحيفته .... وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢ ؛ ١٠٤ ) عن زيد بن أرقم ـ بعد ذكره لبيعة الغدير ـ قال : وكان إلى جانب خبائي خباء نفر من قريش وهم ثلاثة ، ومعي حذيفة بن اليمان ، فسمعنا أحد الثلاثة وهو يقول : والله إنّ محمّدا لأحمق إن كان يرى أنّ الأمر يستقيم لعليّ من بعده ، وقال آخر : أتجعله أحمقا ، ألم تعلم أنّه مجنون ، قد كان يصرع عند امرأة ابن أبي كبشة؟! وقال الثالث : دعوه ، إن شاء أن يكون أحمقا ، وإن شاء أن يكون مجنونا ، والله ما يكون أبدا.
وفي الكافي ( ج ١ ؛ ٢٩٥ ) عن الصادق في حديث طويل : فقال صلىاللهعليهوآله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ـ ثلاث مرّات ـ فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم ....
__________________
(١) المائدة ؛ ٥٥.
(٢) التوبة ؛ ٦١.
(٣) القصص ؛ ٤١.
وقد أبوا ما أنزل الله ، وما بلّغه النبي بمثل قولهم : « أيرى محمّد أنّه قد أحكم الأمر في أهل بيته » وقولهم : « ما أنزل الله هذا على محمّد قطّ ، وما يريد إلاّ أن يرفع بضبع ابن عمّه » وقولهم : « والله لا نسلّم له ما قال ابدا » وقولهم : « والله لصاع من تمر في شنّ ، بال أحبّ إلينا ممّا سأل محمّد ربّه » وأمثال هذه الكلمات في عدم وفائهم بالبيعة ، وفي بعضها ذكر أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم صراحة.
انظر أمالي المفيد (١١٣) وكتاب سليم بن قيس (١٤٤) واليقين ( ٢١٤ ، ٣٠٧ ، ٣١١ ، ٣١٧ ) والمسترشد (٥٨٥) والتهاب نيران الأحزان ( ٢٨ ، ٣٠ ) وأمالي الطوسي (٢٠٤) في كلام للزهراء عليهاالسلام ، والكافي ( ج ١ ؛ ٤٢٧ ، ٤٣١ ) و ( ج ٨ ؛ ٣٣٤ ، ٣٧٩ ) والخصال ( ٣٧١ ـ ٣٨٢ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١ ؛ ٣٠٧ ، ٣٦١ ) و ( ج ٢ ؛ ١٠٦ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ٢٩٠ ).
فالزم بيتك واجمع القرآن على تأليفه ، والفرائض والأحكام على تنزيله
ومثله قوله صلىاللهعليهوآله في الطّرفة الثامنة والعشرين : « يا عليّ ، ما أنت صانع بالقرآن والعزائم والفرائض؟ قال : أجمعه ثمّ آتينّهم به ، فإن قبلوه وإلاّ أشهدت الله وأشهدتك عليهم ».
أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّا عليهالسلام بجمع القرآن بعد وفاته ، فامتثل عليّ لأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وآلى ألاّ يضع رداءه على ظهره حتّى يجمعه ، فجمعه عليهالسلام وأتى به القوم ، فقالوا له : لا حاجة لنا به.
روى الطبرسي في الاحتجاج ( ج ١ ؛ ١٥٥ ، ١٥٦ ) عن أبي ذرّ الغفاريّ ، أنّه قال : لمّا توفّي رسول الله صلىاللهعليهوآله ، جمع عليّ القرآن ، وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم ، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلمّا فتحه أبو بكر خرج في أوّل صفحة فتحها فضائح القوم ، فوثب عمر وقال : يا عليّ ، اردده فلا حاجة لنا فيه ، فأخذه عليهالسلام وانصرف.
وفي إثبات الوصيّة (١٢٣) قال : ثمّ ألّف عليهالسلام القرآن وخرج إلى الناس ، وقد حمله في إزار معه وهو يئطّ من تحته ، فقال لهم : هذا كتاب الله ، قد ألّفته كما أمرني وأوصاني رسول الله صلىاللهعليهوآله كما أنزل ، فقال له بعضهم : اتركه وامض ، فقال لهم عليهالسلام : إنّ رسول الله قال لكم : إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فإن قبلتموه
فاقبلوني معه أحكم بينكم بما فيه من أحكام الله ، فقالوا : لا حاجة لنا فيه ولا فيك ، فانصرف به معك لا تفارقه ولا يفارقك ، فانصرف عليهالسلام عنهم.
وفي كتاب سليم بن قيس ( ٨١ ـ ٨٢ ) قال : فلمّا رأى عليهالسلام غدرهم وقلّة وفائهم له ، لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلّفه ويجمعه ، فلم يخرج من بيته حتّى جمعه ، وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع ، فلمّا جمعه كلّه وكتبه بيده ؛ تنزيله وتأويله ، والناسخ منه والمنسوخ ... خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فنادى عليّ عليهالسلام بأعلى صوته : أيّها الناس ، إنّي لم أزل منذ قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله ، مشغولا بغسله ، ثمّ بالقرآن حتّى جمعته كلّه في هذا الثوب الواحد ، فلم ينزل الله على رسول الله صلىاللهعليهوآله آية إلاّ وقد جمعتها ، وليست منه آية إلاّ وقد أقرأنيها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وعلّمني تأويلها ... فقال له عمر : ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه ، ثمّ دخل عليّ عليهالسلام بيته.
وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢ ؛ ٤١ ) قال : وفي أخبار أهل البيت عليهمالسلام ، أنّه عليهالسلام آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلاّ للصلاة ، حتّى يؤلّف القرآن ويجمعه ، فانقطع عنهم مدّة إلى أن جمعه ، ثمّ خرج إليهم به في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد ، فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع إلبته ، فقالوا : لأمر ما جاء به أبو الحسن ، فلمّا توسّطهم وضع الكتاب بينهم ، ثمّ قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وهذا الكتاب وأنا العترة ، فقام إليه الثاني ، فقال له : إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله ، فلا حاجة لنا فيكما ، فحمل عليهالسلام الكتاب وعاد به بعد أن ألزمهم الحجّة.
وفي خبر طويل عن الصادق عليهالسلام : أنّه حمله وولّى راجعا نحو حجرته وهو يقول : ( فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ) (١).
وقال ابن شهرآشوب في مناقبه أيضا ( ج ٢ ؛ ٤٠ ـ ٤١ ) ذكر الشيرازيّ في نزول القرآن ،
__________________
(١) آل عمران ؛ ١٨٧.
وأبو يوسف يعقوب في تفسيره ، عن ابن عبّاس ، في قوله : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ ) (١) ، يعني بالقرآن ( لِتَعْجَلَ بِهِ ) (٢) من قبل أن يفرغ من قراءته عليك ( إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) (٣) قال : ضمّن الله محمّدا أن يجمع القرآن بعد رسول الله عليّ بن أبي طالب ، قال ابن عباس : فجمع الله القرآن في قلب عليّ ، وجمعه بعد موت رسول الله صلىاللهعليهوآله بستّة أشهر.
وفي أخبار أبي رافع : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال في مرضه الّذي توفّي فيه لعليّ عليهالسلام : يا عليّ ، هذا كتاب الله خذه إليك ، فجمعه عليّ في ثوب ، فمضى إلى منزله ، فلمّا قبض النّبي صلىاللهعليهوآله جلس عليّ فألّفه كما أنزله الله ، وكان به عالما.
وحدّثني أبو العلاء العطّار ، والموفّق خطيب خوارزم في كتابيهما ، بالإسناد عن عليّ بن رباح : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر عليّا بتأليف القرآن ، فألّفه وكتبه.
وفي تاريخ اليعقوبي ( ج ٢ ؛ ١٣٥ ) قال : وروى بعضهم ، أنّ عليّ بن أبي طالب كان جمعه لمّا قبض رسول الله ، وأتى به يحمله على جمل ، فقال : هذا القرآن قد جمعته ، وكان قد جزّأه سبعة أجزاء ...
وفي الرياض النضرة ( ج ١ ؛ ٢٤٢ ) قال : قال ابن سيرين : فبلغني أنّه كتبه عليّ على تنزيله ، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير.
وفي بصائر الدرجات (٢١٣) بسنده عن الصادق عليهالسلام ، قال في حديث : أخرجه عليّ عليهالسلام إلى الناس حيث فرغ منه وكتبه ، فقال لهم : هذا كتاب الله كما أنزل الله على محمّد ، وقد جمعته بين اللّوحين ، قالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن ، لا حاجة لنا فيه ، قال : أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبدا ، إنّما كان عليّ أن أخبركم به حين جمعته لتقرءوه.
وأسند الكليني في الكافي ( ج ١ ؛ ٢٢٨ ) إلى الإمام الباقر عليهالسلام قوله : ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أنزل إلاّ كذب ، وما جمعه وحفظه كما أنزل الله تعالى إلاّ
__________________
(١) القيامة ؛ ١٦ ، ١٧.
(٢) القيامة ؛ ١٦ ، ١٧.
(٣) القيامة ؛ ١٦ ، ١٧.
عليّ بن أبي طالب والأئمّة عليهمالسلام من بعده.
وانظر ما يتعلّق بأمر النبي صلىاللهعليهوآله عليّا عليهالسلام بجمع القرآن ، وأنّه جمعه ، وأنّه أتاهم به فلم يقبلوه ، في بصائر الدرجات ( ١٣ ، ٢١٣ ـ ٢١٤ / الباب السادس من الجزء الرابع ) « باب أنّ الأئمّة عندهم جميع القرآن الّذي أنزل على رسول الله » ، وفيه سبعة أحاديث ، والتهاب نيران الأحزان ( ٦٨ ـ ٦٩ ) والخصال (٣٧١) والكافي ( ج ١ ؛ ٢٢٨ ـ ٢٢٩ / باب « إنّه لم يجمع القرآن كلّه إلاّ الأئمّة عليهمالسلام وأنّهم يعلمون علمه كلّه » ) وفيه منها حديثان فيما يخصّ ما نحن فيه ، و ( ج ٢ ؛ ١٧٨ ، ٤٦٢ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣ ؛ ٣٣٧ ) ودلائل الإمامة (١٠٦) وكتاب سليم بن قيس (١٢٢) وتفسير فرات ( ٣٩٨ ـ ٣٩٩ ) وتفسير العيّاشي ( ج ٢ ؛ ٧٠ ، ٣٣٠ ) وكشف اليقين (٦٥) وإرشاد القلوب (٣٤٨).
وانظر حلية الأولياء ( ج ١ ؛ ٦٧ ) والسقيفة وفدك (٦٤) وشرح النهج ( ج ١ ؛ ٢٧ ) و ( ج ٦ ؛ ٤٠ ) ومناقب الخوارزمي ( ٤٨ ـ ٤٩ ) والفهرست لابن النديم (٣٠) وتوضيح الدلائل (٤١٨) والصواعق المحرقة (٧٢).
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١ ؛ ٢٧ ) : ثمّ هو أوّل من جمعه ، نقلوا كلّهم أنّه تأخّر عن بيعة أبي بكر ، فأهل الحديث يقولون : تشاغل بجمع القرآن. وهو حقّ ، فقد نصّ جلّ مؤرخي العامّة على أنّ عليّا اعتذر عن بيعة الأوّل بجمعه للقرآن ، فانظر من أرّخ لبيعة السقيفة وتأخّر عليّ عن بيعة الأوّل.
وعليك بالصبر على ما ينزل بك وبها حتّى تقدموا عليّ
مرّ بعض ما يتعلّق بهذا المطلب في الطّرفة الرابعة عشر ، عند قوله صلىاللهعليهوآله : « يا عليّ توفي ... على الصبر منك والكظم لغيظك على ذهاب حقّك » ، وسيأتي أيضا في الطّرفة الرابعة والعشرين ، عند قوله صلىاللهعليهوآله : « يا عليّ أصبر على ظلم الظالمين ما لم تجد أعوانا ».
الطّرفة السابعة عشر
روى هذه الطّرفة ـ عن كتاب الطّرف ـ العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢ ؛ ٤٧٩ ) ونقلها العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢ ؛ ٩٢ ) باختصار.
وانفرد هذا المصدر بذكر إدخال الكفّين مضمومتين بين كفيه صلىاللهعليهوآله ، وإفراغ الحكمة في يديه عليهالسلام ، وقضاء ما يرد وما هو وارد ، وأمّا باقي مطالب الطّرفة الفرعيّة ، فهي ممّا خرّجناه آنفا وما سنخرّجه لا حقا من إنفاذ عليّ عليهالسلام لوصيّة النبي صلىاللهعليهوآله ، وصبره عليهالسلام على منهاجه وطريقه ، ونبذه لطريق فلان وفلان.
الطّرفة الثامنة عشر
روى هذه الطّرفة الكليني في الكافي ( ج ١ ؛ ٢٨٣ ) بسنده عن عيسى بن المستفاد ، عن الكاظم عليهالسلام ، وهذه الطّرفة هي ذيل وتتمّة الطّرفة الرابعة عشر ، ورواها المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢ ؛ ٤٨١ ) عن الكافي ، ثمّ قال : « أقول : روى السيّد عليّ بن طاوس في الطّرف هذا الخبر مجملا من كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد » ، مشيرا إلى ما مرّ من عدم ذكر السيّد ابن طاوس صدر الرواية ، ونقلها العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢ ؛ ٩٢ ) باختصار ، ورواها المسعوديّ في إثبات الوصيّة (١٠٥) باختصار تتمّة لما نقله من الطّرفة الرابعة عشر.
أكان في الوصيّة ذكر القوم وخلافهم على عليّ أمير المؤمنين؟ قال : نعم ... أما سمعت قول الله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) (١)
مرّ في الطّرفة الرابعة عشر حديث الصحيفة المختومة ، وأنّ الأئمّة عليهمالسلام لم يفعلوا ولا يفعلون شيئا إلاّ بأمر من الله ، وأنّ الصحيفة فيها ما يجب على كلّ إمام من الله ، وما كان وما يكون بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وفي الخرائج والجرائح (٣١٥) عن الرضا عليهالسلام ، قال : فلمّا نفدت مدّته [ أي الكاظم عليهالسلام ]
__________________
(١) يس ؛ ١٢.
وكان وقت وفاته ، أتاني مولى برسالته يقول : يا بني ، إنّ الأجل قد نفد ، والمدّة قد انقضت ، وأنت وصي أبيك ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا كان وقت وفاته ، دعا عليّا وأوصاه ، ودفع إليه الصحيفة الّتي كان فيها الأسماء الّتي خصّ الله تعالى بها الأنبياء والأوصياء ... فلمّا قضى موسى عليهالسلام علمت كلّ لسان ، وكلّ كتاب ، وما كان وما سيكون بغير تعلّم ، وهذا سرّ الأنبياء أودعه الله فيهم ، والأنبياء أو دعوه إلى أوصيائهم ، ومن لم يعرف ذلك ويحقّقه فليس هو على شيء ، ولا قوة إلاّ بالله.
وفي الخرائج والجرائح أيضا (٢١٠) عن قنواء بنت رشيد الهجريّ ، قالت : فقال لهم رشيد ـ [ وهو مقطوع اليدين والرجلين ] ـ : اكتبوا عنّي علم البلايا والمنايا ، فكتبوا : هذا ما عهد النبي صلىاللهعليهوآله الأمّي إلى عليّ عليهالسلام في بني أميّة وما ينزل بهم ...
وفي بصائر الدرجات ( ١٣٨ ـ ١٣٩ ) بسنده عن السجاد عليهالسلام ، قال : إنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله كان أمين الله في أرضه ، فلمّا قبض محمّد كنّا أهل البيت ورثته ... وإنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق ، وإنّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم. وفي نفس المصدر ( ١٣٩ ـ ١٤٠ ) بسنده عن الرضا عليهالسلام ... مثله ، ومثله في الكافي ( ج ١ ؛ ٢٢٣ ) بسنده إلى الرضا عليهالسلام.
وفي كتاب سليم بن قيس ( ٢١٤ ـ ٢١٥ ) قال أبان : قال سليم : قلت لابن عبّاس :
أخبرني بأعظم ما سمعتم من عليّ عليهالسلام ، ما هو؟ قال سليم : فأتاني بشيء قد كنت سمعته أنا من عليّ عليهالسلام ، قال : دعاني رسول الله صلىاللهعليهوآله وفي يده كتاب ، فقال : يا عليّ ، دونك هذا الكتاب ، قلت : يا نبي الله ما هذا الكتاب؟ قال : كتاب كتبه الله ، فيه تسمية أهل السعادة والشقاء من أمّتي ، أمرني ربّي أن أدفعه إليك.
وفي الخصال (٥٢٨) بسنده عن الرضا عليهالسلام في بيانه لعلامات الإمام : ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة ، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة.
وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢ ؛ ١٦٠ ) قال : قال عمرو بن شمر : اجتمع الكلبي والأعمش ، فقال الكلبي : أيّ شيء أشدّ ما سمعت من مناقب عليّ؟ فحدّث بحديث عباية أنّه قسيم النار ، فقال الكلبي : وعندي أعظم ممّا عندك ، أعطى رسول الله عليّا كتابا فيه أسماء
أهل الجنّة وأسماء أهل النار.
وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢ ؛ ١٧٨ ـ ١٧٩ ) في معراج النبي صلىاللهعليهوآله عند وصوله إلى السماء السابعة ، قال : فدفع إليه كتابين ، كتاب أصحاب اليمين بيمينه ، وكتاب أصحاب الشمال بشماله ، فأخذ كتاب أصحاب اليمين بيمينه وفتحه فنظر فيه ، فإذا فيه أسماء أهل الجنّة وأسماء آبائهم وقبائلهم ... وفتح الأخرى ؛ صحيفة أصحاب الشمال ، فإذا فيها أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ... ثمّ نزل صلىاللهعليهوآله ومعه صحيفتان ، فدفعهما إلى أمير المؤمنين عليهالسلام.
فترى في هذه الصحيفة المختومة الّتي نزل بها جبرئيل ، وفي صحيفة المعراج ، وفي الكتاب الّذي عند الأئمّة ، أسماء الذين يخالفون الأئمّة ، وأنّهم من أهل النار ، بل إنّ النبي صلىاللهعليهوآله أخبر عليّا بذلك كما تقدّم ، وكتبه عليّ عليهالسلام في صحيفة ؛ ففي فضائل ابن شاذان (١٤١) بالإسناد يرفعه إلى سليم بن قيس ، أنّه قال : لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهاالسلام بكى ابن عبّاس بكاء شديدا ، ثمّ قال : ما لقيت هذه الأمّة بعد نبيها ... ولقد دخلت على عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآله بذي قار ، فأخرج لي صحيفة ، وقال : يا بن عبّاس ، هذه الصحيفة إملاء رسول الله صلىاللهعليهوآله وخطّي بيدي ، قال : فقلت : يا أمير المؤمنين اقرأها عليّ ، فقرأها ، وإذا فيها كلّ شيء منذ قبض رسول الله إلى يوم قتل الحسين عليهالسلام ، وكيف يقتل ، ومن يقتله ، ومن ينصره ، ومن يستشهد معه فيها ، ثمّ بكى بكاء شديدا وأبكاني ، وكان فيما قرأه كيف يصنع به ، وكيف تستشهد فاطمة وكيف يستشهد الحسين عليهالسلام ، وكيف تغدر به الأمّة ... وكان فيها لمّا قرأها أمر أبي بكر وعمر وعثمان ، وكم يملك كلّ إنسان منهم ... ورواه المجلسي رحمهالله في بحار الأنوار ( ج ٢٨ ؛ ٧٣ / الحديث ٣٢ ) عن كتاب الروضة لأحد علماء القرن السابع بسنده إلى سليم بن قيس.
وفي تفسير القمّي ( ج ٢ ؛ ٢١٢ ) قال عليّ بن إبراهيم في قوله : ( وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) ـ إلى قوله ـ ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) (١) أي في كتاب مبين ، وهو محكم. وذكر ابن عبّاس ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : أنا والله الإمام المبين ، أبيّن الحق من الباطل ، وورثته من رسول الله ، وهو محكم.
__________________
(١) يس ؛ ١٠ ـ ١٢.
الطّرفة التاسعة عشر
روى هذه الطّرفة ـ عن كتاب الطّرف ـ العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢ ؛ ٤٨٤ ـ ٤٨٥ ) ونقلها العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢ ؛ ٩٢ ـ ٩٣ ) باختصار.
ودّع النبي صلىاللهعليهوآله أهل بيته ، وأوصاهم بوصاياه ، وأوصى بهم المسلمين ، وقد انفرد تارة بعلي يناجيه ويحدّثه بما سيكون ، وتارة بالزهراء ويخبرها بما يجري عليها ، وتارة يخبرهما معا ، وتارة أخرى يودّعهم جميعا الزهراء وعليّا والحسنين عليهمالسلام ، وكان ذلك في أخريات حياته الشريفة ، وسيأتي وداعه لهم عند اللحظات الأخيرة قبل الممات في الطّرفة السادسة والعشرين ، وسنذكر هنا بعض ما يتعلّق بإخباره صلىاللهعليهوآله لهم بما يجري ، واستيداعه الله أهل بيته.
ففي المختار من مسند فاطمة ( ١٤٤ / الحديث ١٣٠ ) قال : عن فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، عن أمّ سلمة ، قالت : والّذي أحلف به إن كان عليّ لأقرب الناس عهدا برسول الله صلىاللهعليهوآله ، عدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم قبض في بيت عائشة ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوآله غداة بعد غداة يقول : جاء عليّ؟ ـ مرارا ـ وأظنّه كان بعثه في حاجة ، فجاء بعد ، فظنّنا أنّه له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت فقعدنا بالباب ، وأكب عليه عليّ عليهالسلام ، فجعل يسارّه ويناجيه ، ثمّ قبض من يومه ذلك فكان أقرب الناس به عهدا. ( ش ). وهذا رمز إلى أنّه ينقله عن المصنف لابن أبي شيبة.
وفي ينابيع المودة ( ج ٢ ؛ ٣٣ ) قال : وعن أم سلمة ، قالت : والله به أحلف ، إنّ عليّا كان لأقرب الناس عهدا بالنبي صلىاللهعليهوآله ، فكنّا عند الباب ، فجعل يناجي عليّا ويسارّه حتّى قبض.
أخرجه أحمد.
ونقله ابن شهرآشوب في المناقب ( ج ١ ؛ ٢٣٦ ) عن مسند أبي يعلى وفضائل أحمد ، عن أم سلمة رضياللهعنها.
وفي بشارة المصطفى ( ١٢٦ ـ ١٢٧ ) بسنده عن أنس ، قال : جاءت فاطمة ومعها الحسن والحسين عليهمالسلام إلى النبي صلىاللهعليهوآله في المرض الذي قبض فيه ، فانكبّت عليه فاطمة وألصقت صدرها بصدره ، وجعلت تبكي ، فقال لها النبي صلىاللهعليهوآله : يا فاطمة ، ونهاها عن البكاء ، فانطلقت إلى البيت ، فقال النبي ويستعبر الدموع : اللهم أهل بيتي وأنا مستودعهم كلّ مؤمن ومؤمنة ، ثلاث مرّات.
وفي كتاب اليقين ( ٤٨٧ ـ ٤٨٨ ) بسنده عن سلمان الفارسي ، قال : قلنا يوما : يا رسول الله ، من الخليفة بعدك حتّى نعلمه؟ قال لي : يا سلمان أدخل عليّ أبا ذرّ المقداد وأبا أيوب الأنصاريّ ، وأمّ سلمة زوجة النبي من وراء الباب ، ثمّ قال : اشهدوا وافهموا عنّي ، إنّ عليّ بن أبي طالب وصيّي ، ووارثي ، وقاضي ديني وعدتي ، وهو الفاروق بين الحقّ والباطل ، وهو يعسوب المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، والحامل غدا لواء ربّ العالمين ، وهو وولده من بعده ، ثمّ من الحسين ابني ، أئمّة تسعة ، هداة مهديّون إلى يوم القيامة ، أشكو إلى الله جحود أمّتي لأخي ، وتظاهرهم عليه ، وظلمهم له ، وأخذهم حقّه.
قال : فقلنا له : يا رسول الله ، ويكون ذلك؟ قال : نعم ، يقتل مظلوما من بعد أن يملأ غيظا ، ويوجد عند ذلك صابرا.
قال : فلمّا سمعت ذلك فاطمة عليهاالسلام أقبلت حتّى دخلت من وراء الحجاب وهي باكية ، فقال لها رسول الله : ما يبكيك يا بنيّة؟ قالت : سمعتك تقول في ابن عمّك وولدي ما تقول!! قال : وأنت تظلمين ، وعن حقّك تدفعين ، وأنت أوّل أهل بيتي لحوقا بي بعد أربعين ، يا فاطمة ، أنا سلم لمن سالمك ، وحرب لمن حاربك ، أستودعك الله تعالى وجبرئيل وصالح المؤمنين ، قال : قلت : يا رسول الله من صالح المؤمنين؟ قال : عليّ بن أبي طالب.
وفي أمالي الصدوق ( ٥٠٥ ـ ٥٠٩ ) بسنده عن ابن عبّاس ، قال : لمّا مرض رسول الله صلىاللهعليهوآله ... ثمّ قام رسول الله فدخل بيت أمّ سلمة ... فقالت أمّ سلمة : يا رسول الله مالي
أراك مغموما متغيّر اللّون؟ فقال : نعيت إليّ نفسي هذه الساعة ... ثمّ قال : ادع لي حبيبة قلبي وقرّة عيني فاطمة تجيء ، فجاءت فاطمة وهي تقول : نفسي لنفسك الفداء ، ووجهي لوجهك الوقاء ، يا ابتاه ألا تكلّمني كلمة!! فإني أنظر إليك وأراك مفارق الدنيا ، وأرى عساكر الموت تغشاك شديدا ... ثمّ قال : ادعوا إليّ عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد ، فجاء فوضع يده على عاتق عليّ والأخرى على أسامة ، ثمّ انطلقا بي إلى فاطمة ، فجاءا به حتّى وضع رأسه في حجرها ...
وفي أمالي الصدوق ( ٣١١ ، ٣١٢ ) بسنده عن الصادق ، عن أبيه ، عن جدّه عليهمالسلام ، قال : بلغ أمّ سلمة زوجة رسول الله أنّ مولى لها ينتقص عليّا ويتناوله ، فأرسلت إليه ... إنّا كنا عند رسول الله تسع نسوة ، وكانت ليلتي ويومي من رسول الله ، فدخل النبي وهو متهلّل ، أصابعه في أصابع عليّ ، واضعا يده عليه ، فقال : يا أمّ سلمة اخرجي من البيت وأخليه لنا ، فخرجت وأقبلا يتناجيان ، أسمع الكلام وما أدري ما يقولون ... فأتيت الباب ، فقلت : أدخل يا رسول الله؟ قال : لا ، قالت : فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردّني من سخطة ، وأنزل في شيء من السماء ... حتّى أتيت الباب الثالثة ، فقالت : أدخل يا رسول الله؟ فقال : ادخلي يا أمّ سلمة ، فدخلت وعليّ جاث بين يديه وهو يقول : فداك أبي وأمّي يا رسول الله إذا كان كذا وكذا فما تأمرني به؟ قال : آمرك بالصبر ، ثمّ أعاد عليه القول الثانية فأمره بالصبر ، فأعاد عليه القول الثالثة ، فقال له : يا عليّ ، يا أخي ، إذا كان ذلك منهم فسلّ سيفك ، وضعه على عاتقك ، واضرب به قدما قدما حتّى تلقاني وسيفك شاهر يقطر من دمائهم ، ثمّ التفت إليّ وقال : والله ما هذه الكآبة يا أم سلمه؟ قلت : للّذي كان من ردّك إيّاي يا رسول الله ، فقال لي : والله ما رددتك من موجدة ، وإنّك لعلى خير من الله ورسوله ، ولكن أتيتني وجبرئيل عن يميني وعليّ عن يساري ، وجبرئيل يخبرني بالأحداث الّتي تكون بعدي ، وأمرني أن أوصي بذلك عليّا ...
وانظر هذا الخبر في أمالي الطوسي ( ٤٢٤ ـ ٤٢٦ ) وبشارة المصطفى ( ٥٨ ـ ٥٩ ) وكشف الغمّة ( ج ١ ؛ ٤٠٠ ـ ٤٠١ ) ومناقب الخوارزمي ( ٨٨ ـ ٩٠ ).
وفي الخصال (٦٤٢) بسنده عن أم سلمة زوجة النبي ، قالت : قال رسول الله في مرضه الّذي توفي فيه : ادعوا لي خليلي ... وأرسلت فاطمة إلى عليّ ، فلمّا جاء قام رسول الله صلىاللهعليهوآله فدخل ، ثمّ جلّل عليّا بثوبه ، قال عليّ عليهالسلام : فحدّثني بألف حديث يفتح كلّ حديث ألف حديث ، حتّى عرقت وعرق رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فسال عليّ عرقه ، وسال عليه عرقي.
وفيه أيضا (٦٤٣) بسنده عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في مرضه الذي توفي فيه : ادعوا لي أخي ، فأرسلوا إلى عليّ ، فدخل ، فولّيا وجوههما إلى الحائط وردّ عليهما ثوبا ، فأسرّ إليه والناس محتوشون وراء الباب ، فخرج عليّ عليهالسلام فقال له رجل من الناس : أسرّ إليك نبي الله شيئا؟ قال : نعم أسرّ إليّ ألف باب في كلّ باب ألف باب ...
وفي كفاية الطالب (٢٦٣) قال : والذي يدلّ على أنّ عليّا كان أقرب الناس عهدا برسول الله صلىاللهعليهوآله عند وفاته ، ما ذكره أبو يعلى الموصلي في مسنده ، والإمام أحمد في مسنده ، وأخبرنا أبو الفتح نصر الله بن أبي بكر بد مشق .... عن أمّ موسى ، عن أمّ سلمة ، قالت : والذي أحلف به إن كان عليّ لأقرب الناس عهدا برسول الله صلىاللهعليهوآله ، قالت : غدا رسول الله صلىاللهعليهوآله غداة بعد غداة ، يقول : جاء عليّ؟ مرارا ـ قالت فاطمة : كان يبعثه في حاجة ـ فجاء بعد ، فظننت أنّ له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت ، فقعدنا عند الباب ، فكنت من أدناهم من الباب ، فأكبّ عليه عليّ عليهالسلام ، فجعل يسارّه ويناجيه ، ثمّ نهض من يومه ذلك ، فكان أقرب الناس عهدا.
وهذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك ( ج ٣ : ١٣٨ ) وأحمد في مسنده ( ج ٦ ؛ ٣٠٠ ) والنسائي في خصائصه ( ١٣٠ ـ ١٣١ ).
وهذه الأحاديث كما تراها تدلّ على أنّ أمّ المؤمنين أمّ سلمة كانت وراء الباب ، وأن النبي صلىاللهعليهوآله انفرد بعلي ، فحدّثه وأسرّ إليه بما سيكون بعده من أمور ، وأنّه أودع فاطمة عند عليّ عليهماالسلام ، وسيأتي المزيد من التفصيل في الطّرفة السادسة والعشرين.
قول الزهراء عليهاالسلام : ولذلّ ينزل بي بعدك
أخبر النبي صلىاللهعليهوآله قبل وفاته عليّا وفاطمة عليهماالسلام بما يجري عليهم من بعده ، وقد تقدّم ذلك ، ولذلك صاحت الزهراء وبكت ؛ لأنّها عرفت من رسول الله أنّ القوم سيستذلّونهم ويستضعفونهم ، وهذا ممّا لا خلاف فيه ، فقد وقع الاستضعاف لآل محمّد والإيذاء لفاطمة ، وأنزلوا الذلّ بها ، وقد أخبر النبي صلىاللهعليهوآله بذلك.
ففي أمالي الصدوق ( ٩٩ ، ١٠٠ ) بسنده عن ابن عبّاس [ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله بكى لمّا رأى الزهراء عليهاالسلام فسئل عن علّة بكائه ] ، فقال صلىاللهعليهوآله : وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها ، وانتهكت حرمتها ... فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ... ثمّ ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيّام أبيها عزيزة ... فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم عليّ محزونة ، مكروبة ، مغمومة ، مغصوبة ، مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللهم العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها ، وأذلّ من أذلّها ، وخلّد في نارك من ضرب جنبيها حتّى ألقت ولدها. ومثله في فرائد السمطين ( ج ٢ ؛ ٣٤ ـ ٣٥ ) وبشارة المصطفى ( ١٩٨ ـ ١٩٩ ) وإرشاد القلوب (٢٩٥) وبيت الأحزان ( ٧٣ ـ ٧٤ ).
وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢ ؛ ٢٠٨ ) من كلام للزهراء مع عليّ عليهماالسلام ، قالت فيه : ليتني متّ قبل ذلّتي. وفي التهاب نيران الأحزان (٨٦) قالت : ليتني متّ قبل منيّتي ، ودون ذلّتي.
وسيأتي تفصيل استذلالهم لأمير المؤمنين والزهراء ، من حرق الدار ، وجرّ عليّ للبيعة قسرا ، وكسر ضلعها ، وإسقاط جنينها ، وغيرها من وجوه الظلم والاستذلال لآل محمّد عليهمالسلام.
يا أبا الحسن ، هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمّد عندك ، فاحفظ الله واحفظني فيها ، وإنّك لفاعل يا عليّ
قال ابن شهرآشوب في المناقب ( ج ٣ ؛ ٣٣٧ ) عن ابن عباس ، قال : فأوصى النبي صلىاللهعليهوآله إلى عليّ عليهالسلام بالصبر عن الدنيا ، وبحفظ فاطمة عليهاالسلام ....
وفي كتاب اليقين (٤٨٨) بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن سلمان الفارسي ، قال [ حديث طويل للنبي صلىاللهعليهوآله أنبأهم فيه بما يصيب أهل بيته ، ثمّ قال لفاطمة عليهاالسلام ] : يا فاطمة أنا سلم لمن سالمك ، وحرب لمن حاربك ، أستودعك الله تعالى وجبرئيل وصالح المؤمنين ، قال : قلت : يا رسول الله من صالح المؤمنين؟ قال صلىاللهعليهوآله : عليّ بن أبي طالب.
وكذلك أوصى النبي جميع المسلمين بأهل بيته ، وقد مرّ قوله صلىاللهعليهوآله : « الله الله في أهل بيتي ، أوصيكم خيرا بأهل بيتي » ، وما شابهها من وصايا النبي بأهل بيته ، ففي بشارة المصطفى (١٢٧) بسنده عن أنس ، قال : جاءت فاطمة ومعها الحسن والحسين عليهمالسلام إلى النبي صلىاللهعليهوآله في المرض الذي قبض فيه ، فانكبّت عليه فاطمة ، وألصقت صدرها بصدره ، وجعلت تبكي ، فقال لها النبي صلىاللهعليهوآله : يا فاطمة ، ونهاها عن البكاء ، فانطلقت إلى البيت ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله ويستعبر الدموع : اللهم أهل بيتي ، وأنا مستودعهم كلّ مؤمن ومؤمنه ، ثلاث مرّات.
وقد حفظ بعض المسلمين رسول الله في أهله ، وبعضهم لم يحفظه ، بل نقضوا العهد وفعلوا الأفاعيل المنكرة ، وكان عليّ عليهالسلام ـ مظلوم التاريخ الأكبر ـ أوّل من نفّذ وصيّة الرسول ، وحافظ على الزهراء والحسنين عليهمالسلام ـ وخصوصا الزهراء عليهاالسلام ـ أشدّ المحافظين ، فقد ثبت قول عليّ عليهالسلام في ندبته الرائعة للزهراء عليهاالسلام عند ما دفنها وتوجه إلى قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله قائلا : السلام عليك يا رسول الله عنّي ، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك ، والبائتة في الثرى ببقعتك ، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك ... قد استرجعت الوديعة ...
انظر هذه الندبة في الكافي ( ج ١ ؛ ٤٥٨ ـ ٤٥٩ ) وأمالي المفيد ( ٢٨١ ـ ٢٨٣ ) وأمالي الطوسي ( ١٠٩ ، ١١٠ ) ودلائل الإمامة ( ٤٧ ـ ٤٨ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣ ؛ ٣٦٤ ) وبشارة المصطفى (٢٥٩) وتذكرة الخواص (٣١٩). وسيأتي المزيد في إنفاذ عليّ عليهالسلام جميع وصاياها ودفنها سرّا ، ولم يحضر الشيخين دفنها ، عند قوله : « يا عليّ انفذ لما أمرتك به فاطمة » بعد قليل.