السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات تاسوعاء
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-90423-5-0
الصفحات: ٦٤٠
أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ ) (١). وفي شواهد التنزيل عدّة أحاديث بعدّة أسانيد ، فراجعه ( ج ١ ؛ ٥٢٦ ـ ٥٢٩ ) في تفسير الآيات ( ٩٣ ـ ٩٥ ) من سورة « المؤمنون » ، وفيه أيضا ( ج ٢ ؛ ٢١٦ ) في تفسير الآيتين ( ٤٢ ، ٤٣ ) من سورة « الزخرف ».
وانظر تفسير فرات ( ٢٧٨ ـ ٢٨٠ ) ففيه عدّة أحاديث بعدّة أسانيد ، وتفسير مجمع البيان ( ج ٩ ؛ ٤٩ ) في تفسير قوله تعالى : ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ) (٢) ، وإعلام الورى (٨٢) وخصائص الوحي المبين (١٥٢) ومناقب ابن المغازلي ( ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣ ؛ ٢١٩ ) وأمالي الطوسي ( ٥٠٢ ، ٥٠٣ / الحديثان ١١٠١ ، ١١٠٢ ) والمسترشد في الإمامة (٢٢٩) والعمدة ( ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ).
وقد صرّح رسول الله صلىاللهعليهوآله بأنّ الشيخين هما اللّذان يتركان الناس يضرب بعضهم رقاب بعض ، ففي الاحتجاج ( ج ١ ؛ ٤٢٥ ) عن عبادة بن الصامت في رواية ـ قدّمنا ذكرها ـ قال : أنّ النبي قال للشيخين فيها : وكأنّي بكما قد سلبتماه [ يعني عليّا عليهالسلام ] ملكه ، وتحاربتما عليه ، وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء رسوله ، وكأنّي بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار بعضهم يضرب وجوه بعض بالسيف على الدنيا ....
__________________
(١) المؤمنون ؛ ٩٣ ـ ٩٥.
(٢) الزخرف ؛ ٤٢ ـ ٤٣.
الطّرفة الثانية والعشرون
روى هذه الطّرفة ـ عن كتاب الطّرف ـ العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢ ؛ ٤٨٨ ).
يا عليّ من شاقّك من نسائي وأصحابي فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، وأنا منهم بريء ، فابرأ منهم
يدلّ على هذا المعنى الكثير ممّا مرّ ، كقوله صلىاللهعليهوآله في الطّرفة السادسة « وطاعته طاعة الله ورسوله » ، وكقوله صلىاللهعليهوآله لأصحاب الكساء وفيهم عليّ عليهالسلام : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم » ، وغيرها من النصوص السالفة ، والنصوص كلّها عامّة شاملة لنساء النبي وأصحابه ، ويدلّ عليه ما سيأتي من حديث كلاب الحوأب ونهي النبي عائشة عن الخروج وتحذيرها من ذلك.
ونذكر هنا بعض الروايات في ذلك ترسيخا للمطلب ، وتثبيتا لما نقلناه ؛ فقد روى الصدوق في معاني الأخبار ( ٣٧٢ ـ ٣٧٣ ) بسنده عن ابن عبّاس في كلام كثير للرسول صلىاللهعليهوآله ، قال فيه : أيّها الناس ، من عصى عليّا فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله عزّ وجلّ ، ومن أطاع عليّا فقد أطاعني ، ومن أطاعني فقد أطاع الله ، أيّها الناس من ردّ على عليّ في قول أو فعل فقد ردّ عليّ ، ومن ردّ عليّ فقد ردّ على الله فوق عرشه ....
وفي أمالي الصدوق (٢٤٧) بسنده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام : يا عليّ أنت إمام المسلمين ، وأمير المؤمنين ، ... يا عليّ إنّه لمّا عرج بي
إلى السماء السابعة ، ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومنها إلى حجب النور ، وأكرمني ربّي جلّ جلاله بمناجاته ، قال لي : يا محمّد ، قلت : لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت ، قال : إنّ عليّا إمام أوليائي ، ونور لمن أطاعني ، وهو الكلمة الّتي الزمتها المتقين ، من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني ....
وفي الاحتجاج (٥٧) بسنده عن الإمام الباقر عليهالسلام أنّه قال : حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله من المدينة ... [ ثمّ روى خبر الغدير ، وفيه قول جبرئيل عن الله للنبي صلىاللهعليهوآله : ] فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا ، بولاية وليّي ، ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، عليّ ، عبدي ، ووصي نبيّي ، والخليفة من بعده ، وحجّتي البالغة ، من أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه عصاني ، جعلته علما بيني وبين خلقي ....
وفي بشارة المصطفى (٢٧٤) بسنده عن يعلى بن مرّة ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : يا عليّ ، أنت خير الناس بعدي ، وأنت أوّل الناس تصدّرا ، من أطاعك فقد أطاعني ، ومن أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاك فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله ....
وفي تفسير فرات ( ٤٩٩ ـ ٥٠٠ ) بسنده عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله : ( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (١) قال : الأذن الواعية عليّ عليهالسلام ، وهو حجّة الله على خلقه ، من أطاعه أطاع الله ، ومن عصاه فقد عصى الله ....
ونضيف هنا ما رواه الديلمي في إرشاد القلوب (٣٣٧) من خبر حذيفة ، حيث قال : ثمّ أمر صلىاللهعليهوآله خادمة لأم سلمة ، فقال اجمعي لي هؤلاء ـ يعني نساءه ـ فجمعتهن له في منزل أم سلمة ، فقال لهنّ : اسمعن ما أقول لكنّ ـ وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب ـ فقال لهنّ : هذا أخي ، ووصيّي ، ووارثي ، والقائم فيكنّ وفي الأمّة من بعدي ، فأطعنه فيما يأمركنّ به ، ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته ....
وسيأتي ما يتعلق بلعن المضلّين ، وأنّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان
__________________
(١) الحاقة ؛ ١٢.
رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولا يدخلون الجنّة حتّى يدخل الجمل في سمّ الخياط ، وسيأتي لعن الإمام عليّ عليهالسلام ـ بوصيّة من رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ معاوية وأصحابه ، وأنّه كان يقنت بذلك ويلعنهم في صلاته ، وهذه هي البراءة منهم.
يا عليّ ، إنّ القوم يأتمرون بعدي على قتلك ، يظلمون ويبيتون على ذلك
أخبر النبي صلىاللهعليهوآله عليّا عليهالسلام بأنّ الأمّة ستغدر به من بعده ، وذكر له ما سيكون من أمر أبي بكر وعمر وعثمان ، وما سيكون من قتاله للناكثين والقاسطين والمارقين ، وأسرّ له أسراره ، وأعلمه بما كان وما هو كائن ، وأنّه ستخضب لحيته من رأسه بدم عبيط. وقد أخرجنا كلّ ذلك فيما مضى وما سيأتي ، وكان من جملة ما أخبره بأنّ القوم يأتمرون على قتله ، وقد حصل ذلك بالفعل ، فقد كانت هناك ـ رغم إعمال عليّ عليهالسلام للتقيّة ـ محاولات لقتله ، وبشتى الأساليب ، والمحاولات الأساسيّة منها هي ثلاث محاولات : الأولى في بيعة السقيفة واقتحام الدار ، والثانية محاولة اغتياله في المسجد بعد صلاة الفجر ، والثالثة في يوم الشورى ، وسنذكر هذه المحاولات الثلاث من خلال عرض النصوص والوقائع التاريخية في ذلك.
أمّا المحاولة الأولى :
فقد روى الصدوق في الخصال (٤٦٢) بسنده عن زيد بن وهب [ في قضية الاثني عشر الّذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدّمه على عليّ عليهالسلام ، حيث إنّ أولئك الاثني عشر ذهبوا إلى عليّ عليهالسلام يستشيرونه في ذلك ] ، فقال لهم عليّ عليهالسلام : لو فعلتم ذلك ما كنتم إلاّ حربا لهم ... ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلاّ السكوت ؛ لما تعلمون من وغر صدور القوم وبغضهم لله ولأهل بيت نبيّه ، وأنّهم يطالبون بثارات الجاهليّة ، والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال ؛ كما فعلوا ذلك حتّى قهروني وغلبوني على نفسي ، ولبّبوني وقالوا لي : بايع وإلاّ قتلناك ، فلم أجد حيلة إلاّ أن أدفع القوم عن نفسي ، وذاك أنّي ذكرت قول رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا عليّ ، إنّ القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك ،
وعصوني فيك ، فعليك بالصبر حتّى ينزل الأمر ، وإنّهم سيغدرون بك لا محالة ، فلا تجعل لهم سبيلا إلى إذلالك وسفك دمك ، فإنّ الأمّة ستغدر بك بعدي ، كذلك أخبرني جبرئيل.
وروى السيّد ابن طاوس في كتاب اليقين (٣٣٧) عن أحمد بن محمّد الطبريّ الخليلي ، بسنده إلى زيد بن وهب ، ورواه الطبريّ في كتاب مناقب أهل البيت ، مثله.
وفي كتاب سليم بن قيس ( ٨٤ ـ ٨٦ ) قال : ثمّ انطلق بعلي يعتل عتلا ، حتّى انتهي به إلى أبي بكر ، وعمر قائم بالسيف على رأسه ، وخالد بن الوليد ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسالم مولى أبي حذيفة ، ومعاذ بن جبل ، والمغيرة بن شعبة ، وأسيد بن حضير ، وبشير بن سعد ، وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح ... ولمّا انتهي بعليّ عليهالسلام إلى أبي بكر انتهره عمر ، وقال له : بايع ودع عنك هذه الأباطيل ، فقال له عليّ عليهالسلام : فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا : نقتلك ذلاّ وصغارا ، فقال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، قال أبو بكر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسول الله فما نقرّ بهذا ...
وفي الشافي ( ج ٣ ؛ ٢٤٤ ) قال : وروى إبراهيم ، عن يحيى بن الحسن ، عن عاصم بن عامر ، عن نوح بن درّاج ، عن داود بن يزيد الأودي ، عن أبيه ، عن عدي بن حاتم ، قال : ما رحمت أحدا رحمتي عليّا حين أتي به ملبّبا ، فقيل له : بايع ، قال : فإن لم أفعل؟ قالوا : إذا نقتلك ، قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، ثمّ بايع كذا ، وضمّ يده اليمنى.
وروى إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة ، عن خالد بن مخلّد البجلّي ، عن داود بن يزيد الأودي ، عن أبيه ، عن عدي بن حاتم ، قال : إنّي لجالس عند أبي بكر إذ جيء بعلي عليهالسلام ، فقال له أبو بكر : بايع ، فقال له عليّ عليهالسلام : فإن لم أفعل؟ فقال : أضرب الذي فيه عيناك ، فرفع رأسه إلى السماء ثمّ قال : اللهمّ اشهد ، ثمّ مدّ يده.
قال الشريف المرتضى في الشافي ( ج ٣ ؛ ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ) : وقد روي هذا المعنى من طرق مختلفة ، وبألفاظ متقاربة المعنى وإن اختلفت ألفاظها ، وأنّه عليهالسلام كان يقول في ذلك اليوم ـ لمّا أكره على البيعة وحذّر من التقاعد عنها ـ : يا ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا
يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) ، ويردد ذلك ويكرّره ، وذكر أكثر ما روي في هذا المعنى يطول فضلا عن ذكر جميعه.
وفي الإمامة والسياسة ( ج ١ ؛ ٣٠ ) قال : وبقي عمر ومعه قوم ، فأخرجوا عليّا فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا : إذا ـ والله الّذي لا إله إلاّ هو ـ نضرب عنقك ، فقال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، قال عمر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا ، وأبو بكر ساكت لا يتكلم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك؟! فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه ، فلحق بقبر رسول الله صلىاللهعليهوآله يصيح ويبكي وينادي : يا ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (٢).
فلا حظ استفهام عمر ، فإنّه يشير إلى المؤامرة السابقة بأن يضربوا عنق عليّ عليهالسلام إن لم يبايع ، وذلك بعينه ما تقدّم نقله عن الخصال ؛ حيث أمر النبي صلىاللهعليهوآله عليّا عليهالسلام بأن لا يجعل لهم سبيلا إلى قتله وسفك دمه ، وذلك ما فعله عليّ عليهالسلام.
وانظر ـ تصريحهم بالتهديد لعليّ بضرب عنقه ، وقراءته عليهالسلام الآية المباركة ـ المسترشد في الإمامة (٣٧٨) واليقين (٣٣٧) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢ ؛ ١١٥ ) وتفسير العياشي ( ج ٢ ؛ ٧٠ ) والاحتجاج (٨٣) وإثبات الوصيّة (١٢٤) وتقريب المعارف (٢٣٧) والتهاب نيران الأحزان ( ٧١ ـ ٧٢ ) وغيرها من المصادر المصرّحة بذلك من الفريقين من المسلمين.
وقد مرّ خبر الخصال واليقين ، وأن عليّا عليهالسلام كان يعلم بتفاصيل ما يفعلونه ، ولكنّه سكت التزاما بوصيّة رسول الله ، فلم يكن منه إلاّ الصبر.
وقد صرّح في كثير من المصادر أنّه كان يعلم بذلك ، وصبر عليه بوصيّته من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، بل إنّ تلاوة عليّ عليهالسلام للآية المباركة يشير إلى أنّ النبي كان قد أخبره بذلك ، كما أنّ هارون كان على وصيّة من موسى ، فعصوه ؛ ولم يقاتلهم خشية التفريق بين
__________________
(١) الأعراف ؛ ١٥٠.
(٢) الأعراف ؛ ١٥٠.
بني إسرائيل ، وكذلك فعل عليّ عليهالسلام ؛ التزاما بما قاله له رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وأمّا المحاولة الثانية :
فهي المؤامرة الدنيئة الّتي خطط لها أبو بكر وعمر ، على أن ينفّذها خالد بن الوليد عند صلاة الفجر في غلس اللّيل ـ لأنّهم كانوا يغلّسون بالصلاة لأجل أن لا تعرف النساء ـ وأرادوا أن يضيع دمه عليهالسلام ، وكان لأسماء بنت عميس الدور المشرّف في الدفاع عن وصي رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ففي كتاب سليم بن قيس (٢٥٦) قال ابن عبّاس : ثمّ إنّهم تآمروا وتذاكروا فقالوا : لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل حيّا ، فقال أبو بكر : من لنا بقتله؟ فقال عمر : خالد ابن الوليد ، فأرسلا إليه ، فقالا : يا خالد ما رأيك في أمر نحملك عليه؟ قال : احملاني على ما شئتما ، فو الله إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت ، فقالا : والله ما نريد غيره ، قال : فإنّي لها ، فقال أبو بكر : إذا قمنا في الصلاة ـ صلاة الفجر ـ فقم إلى جانبه ومعك السيف ، فإذا سلّمت فاضرب عنقه ، قال : نعم ، فافترقوا على ذلك ، ثمّ إنّ أبا بكر تفكّر فيما أمر به من قتل عليّ عليهالسلام ، وعرف أنّه إن فعل ذلك وقعت حرب شديدة وبلاء طويل ، فندم على أمره ، فلم ينم ليلته تلك ، حتّى أتى المسجد وقد أقيمت الصلاة ، فتقدّم فصلى بالناس مفكّرا لا يدري ما يقول ، وأقبل خالد بن الوليد متقلّدا بالسيف ، حتّى قام إلى جانب عليّ عليهالسلام ، وقد فطن عليّ ببعض ذلك ، فلمّا فرغ أبو بكر من تشهّده صاح قبل أن يسلّم : « يا خالد لا تفعل ما أمرتك ، فإن فعلت قتلتك » ، ثمّ سلّم عن يمينه وشماله ، فوثب عليّ عليهالسلام فأخذ بتلابيب خالد وانتزع السيف من يده ، ثمّ صرعه وجلس على صدره ، وأخذ سيفه ليقتله ، واجتمع عليه أهل المسجد ليخلّصوا خالدا فما قدروا عليه ، فقال العبّاس : حلّفوه بحقّ القبر لما كففت ، فحلّفوه بالقبر ، فتركه ، وقام فانطلق إلى منزله.
وفي إثبات الوصيّة (١٢٤) قال المسعوديّ : وهمّوا بقتل أمير المؤمنين ، وتواصوا وتواعدوا بذلك ، وأن يتولى قتله خالد بن الوليد ، فبعثت أسماء بنت عميس إلى
أمير المؤمنين بجارية لها ، فأخذت بعضادتي الباب ونادت ( إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (١) ، فخرج مشتملا سيفه ، وكان الوعد في قتله أن ينتهي إمامهم من صلاته بالتسليم ، فيقوم خالد إليه بسيفه ، فأحسّوا بأسه عليهالسلام ، فقال الإمام قبل أن يسلّم : لا يفعلنّ خالد ما أمرته به.
وفي شرح النهج ( ج ١٣ ؛ ٣٠١ ـ ٣٠٢ ) قال ابن أبي الحديد : سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد ... فقلت له : أحقّ ما يقال في حديث خالد؟
فقال : إنّ قوما من العلويّة يذكرون ذلك ، ثمّ قال : وقد روي أن رجلا جاء إلى زفر ابن الهذيل صاحب أبي حنيفة ، فسأله عما يقول أبو حنيفة في جواز الخروج من الصلاة بأمر غير التسليم ؛ نحو الكلام والفعل الكثير أو الحدث؟ فقال : إنّه جائز ؛ قد قال أبو بكر في تشهّده ما قال ، فقال الرجل : وما الّذي قاله أبو بكر؟ قال : لا عليك ، فأعاد عليه السؤال ثانية وثالثة ، فقال : أخرجوه ، قد كنت أحدّث أنّه من أصحاب أبي خطّاب.
وقد روى السمعاني في الأنساب ٣ : ٩٥ في ترجمة الرواجنيّ ـ عباد بن يعقوب ، المتوفى سنة ٢٥٠ ه ، وهو من شيوخ البخاريّ ـ أنّه روى حديث أبي بكر ، وأنّه قال : لا يفعل خالد ما أمر به. وروى الحادثة العلاّمة العلياريّ في ترجمة سفيان الثوريّ في بهجة الآمال ( ج ٤ ؛ ٣٨٠ ) ورواها الكشي في اختيار معرفة الرجال ( ج ٢ ؛ ٦٩٥ ) عن كتاب أبي محمّد جبرئيل بن أحمد الفاريابي بخطه بسنده عن ميمون بن عبد الله ، وذلك عن سفيان الثوريّ في ترجمته. وانظر محاولة الاغتيال في المسترشد في الإمامة ( ٤٥٠ ـ ٤٥٤ ) وتفسير القمّي ( ج ٢ ؛ ١٥٨ ) والتهاب نيران الأحزان (٩٣) والاحتجاج ( ج ١ ؛ ٨٩ ـ ٩٠ ) والخرائج والجرائح ( ج ٢ ؛ ٧٥٧ / الحديث ٧٥ من الطبعة الجديدة ) وعلل الشرائع ( ١٩٠ ـ ١٩٢ ).
وقد سكت عليّ عليهالسلام ، عن خالد لوصيّة رسول الله صلىاللهعليهوآله بذلك ، وإخباره صلىاللهعليهوآله عليّا عليهالسلام بأنّ ابن ملجم قاتله لا غير ، وقد صرّح بذلك في كثير من المصادر ، فمن ذلك ما في الاحتجاج
__________________
(١) القصص ؛ ٢٠.
( ج ١ ؛ ٩٠ ) حيث قال : فالتفت عليّ عليهالسلام فإذا خالد مشتمل على السيف إلى جانبه ، فقال : يا خالد ، ما الّذي أمرك به؟ قال : بقتلك يا أمير المؤمنين ، قال : أو كنت فاعلا؟ فقال : إي والله لو لا أنّه نهاني لو ضعته في أكثرك شعرا ، فقال له عليّ عليهالسلام : كذبت لا أمّ لك ، من يفعله أضيق حلقة است منك ، أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو لا ما سبق به القضاء لعلمت ، أيّ الفريقين شرّ مكانا وأضعف جندا.
وأمّا المحاولة الثالثة :
وهي محاولة قتله فيما يسمّى ب « الشورى » ، مع أنّها ليست بشورى ، لأنّها كانت ذات قوانين مبتنية على العسف والجور والقوّة ، لأن عمر بن الخطّاب جعل الشورى طبق ما دبّره هو لكي تؤول الخلافة إلى عثمان.
قال العلاّمة في نهج الحقّ ( ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ) : وجعل الأمر إلى ستّة ، ثمّ إلى أربعة ، ثمّ إلى واحد وصفه بالضعف والقصور ، وقال : إن اجتمع عليّ وعثمان فالقول ما قالاه ، وإن صاروا ثلاثة وثلاثة ، فالقول للذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، وذلك لعلمه بأنّ عليّا وعثمان لا يجتمعان ، وأنّ عبد الرحمن بن عوف لا يكاد يعدل بالأمر عن ختنه وابن عمّه ، وأنّه أمر بضرب أعناقهم إن تأخّروا عن البيعة فوق ثلاثة أيّام ، وأنّه أمر بقتل من يخالف الأربعة منهم ، والّذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف.
وفي الإمامة والسياسة ( ج ١ ؛ ٤٢ ـ ٤٣ ) قال ابن قتيبة : ثمّ قال [ أي عمر ] : إن استقام أمر خمسة منكم وخالف واحد فاضربوا عنقه ، وإن استقام أربعة واختلف اثنان فاضربوا أعناقهما ، وإن استقرّ ثلاثة واختلف ثلاثة فاحتكموا إلى ابني عبد الله ، فلأيّ الثلاثة قضى فالخليفة منهم وفيهم ، فإن أبى الثلاثة الآخرون ذلك فاضربوا أعناقهم.
وفي رواية الطبريّ ( ج ٥ ؛ ٣٥ ) وابن الأثير ( ج ٣ ؛ ٦٧ ) قال : فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الّذين فيهم عبد الرحمن بن عوف.
وفي رواية الطبريّ وابن الأثير أيضا : فخرجوا ، فقال عليّ لقوم كانوا معه من
بني هاشم : إن أطيع فيكم قومكم لم تؤمّروا أبدا ، وتلقّاه العبّاس ، فقال : عدلت عنا ، فقال : وما علمك؟ قال : قرن بي عثمان وقال : كونوا مع الأكثر ، فإن رضي رجلان رجلا ورجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فسعد لا يخالف ابن عمّه عبد الرحمن ، وعبد الرحمن صهر عثمان ، لا يختلفون ، فيولّيها عبد الرحمن عثمان ، أو يولّيها عثمان عبد الرحمن ، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني ....
وقد مرّ بيان الشورى قبل قليل عند قوله صلىاللهعليهوآله « إيّاكم وبيعات الضلالة والشورى للجهالة » ، لكنّ المهم هو تهديدهم ، بالقتل لمن يخالف الأربعة من أصحاب الشورى ، أو الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فإنّ عمر بن الخطّاب كان يعرف ـ طبق ما أسلفنا بيانه ـ أنّ عليّا عليهالسلام والزبير أو عليّا لوحده هو المخالف قطعا ، وكان غرضه أن يعارض عليّ عليهالسلام فيقتل لذلك.
وانظر ـ أمره بقتل من يخالف الأربعة ، أو الثلاثة الذين ليس فيهم ابن عوف ـ شرح النهج ( ج ١٢ ؛ ٢٥٦ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٣ ؛ ٦١ ـ ٦٢ ) وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢ ؛ ١٦٠ ) والفتوح ( ج ١ ؛ ٣٢٧ ، ٣٢٨ ) والفخريّ (٩٧).
وإضافة إلى هذه المعادلة الظالمة الّتي جعلها عمر في الشورى ، والّتي تؤدي إلى قتل عليّ عليهالسلام إن عارضهم ، نرى تصريحات عليّ عليهالسلام بأنّه كان هو المراد من هذه المؤامرة ، وأنّها كانت محاولة لقتله.
ففي أمالي المفيد ( ١٥٣ ـ ١٥٤ ) بسنده عن زيد بن عليّ بن الحسين ، يقول : حدّثني أبي ، عن أبيه عليهماالسلام ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام يخطب الناس ، فقال في خطبته : والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا ، فكظمت غيظي ، وانتظرت أمر ربّي ، وألصقت كلكلي بالأرض ، ثمّ إن أبا بكر هلك واستخلف عمر ، وقد علم والله أنّي أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا ، فكظمت غيظي ، وانتظرت أمر ربّي ، ثمّ إنّ عمر هلك وقد جعلها شورى ، فجعلني سادس ستّة كسهم الجدّة ، وقال : اقتلوا الأقلّ ، وما أراد غيري .... وروى هذا الخبر أبو الصلاح في تقريب المعارف : ٢٤١ قائلا
« وقوله عليهالسلام المستفيض : بايع والله ... ».
وفي تاريخ الطبريّ ( ج ٥ ؛ ٤١ ) قال : فقعد عبد الرحمن مقعد النبي صلىاللهعليهوآله من المنبر ، وأقعد عثمان على الدرجة الثانية ، فجعل الناس يبايعونه ، وتلكّأ عليّ عليهالسلام ، فقال عبد الرحمن : ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (١) ، فرجع عليّ يشق الناس حتّى بايع وهو يقول : خدعة وأيّما خدعة.
وفي تقريب المعارف (٣٥١) قال : وامتنع عليّ عليهالسلام ، فقال له عبد الرحمن : بايع وإلاّ ضربت عنقك ، في تاريخ البلاذريّ وغيره.
ومن طريق آخر : إنّ عليّا عليهالسلام ، خرج مغضبا ، فلحقه أصحاب الشورى ، فقالوا له : بايع وإلاّ جاهدناك ، فقال له : يا عبد الرحمن خئونة خنت دهرا. ومن طرق أخر عن الطبريّ وغيره : نصعت الخئونة يا بن عوف ، ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم علينا فيه ، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ، والله ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك ، والله كلّ يوم في شأن ، فقال له عبد الرحمن : لا تجعل على نفسك سبيلا ، إنّي نظرت وشاورت الناس ، فإذا هم لا يعدلون بعثمان.
وقال أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف (٣٥٣) بعد شرحه لمؤامرة الشورى : ولم يخف ذلك عليه عليهالسلام ؛ لأنّه قال لابن عبّاس : إنّ القوم قد عادوكم بعد نبيّكم لعداوتهم له في حياته ، ألا ترى إلى قول عمر : إن يبايع اثنان لواحد واثنان لواحد فالحقّ حقّ عبد الرحمن واقتلوا الثلاثة الأخر ، أما والله ما أراد غيري ؛ لأنّه علم أنّ الزبير لا يكون إلاّ في حيّزي ، وطلحة لا يفارق الزبير ، فلم يبال إذا قتلني والزبير أن يقتل طلحة ، أما والله لئن عاش عمره لأعرّفنه سوء رأيه فينا قديما وحديثا ، ولئن مات ليجمعني وإيّاه يوم يكون فصل الخطاب.
فهذه هي المحاولات الرئيسية لقتل واغتيال الإمام عليّ عليهالسلام ، أخبر النبي بها عليّا عليهالسلام
__________________
(١) الفتح ؛ ١٠.
بخصوصها تارة ، ومن جملة ما أخبره به من الحوادث تارة أخرى ، وقد نجّاه الله منها ، إلى أن استشهد عليهالسلام على يد أشقى الأولين والآخرين.
وفيهم نزلت ( بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ ) (١)
جاءت الرواية عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام في تفسير قوله تعالى : ( إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ ) (٢) أنّهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ، وهم الثلاثي المشؤوم الذي تحمّل العبء الأكبر من وزر غصب الخلافة ، وسحب عليّ إلى البيعة قسرا ، لكن المحدّث البحراني رحمهالله في كتابه البرهان ( ج ١ ؛ ٣٩٦ ) ذكر تفسير هذه الآية ( بَيَّتَ طائِفَةٌ ) (٣) في ضمن تفسيره الآية ( إِذْ يُبَيِّتُونَ ) (٤) ، ممّا يعني أنّ المراد في الآيتين نفس المبيّتين ؛ وهم الثلاثة المذكورون ، ويؤيد هذا أنّ المفسرين ذكروا في تفسير قوله ( إِذْ يُبَيِّتُونَ ) (٥) انّ المبيتين هم المنافقون ، ومن المسلّم المقطوع به في روايات الأئمّة عليهمالسلام أنّ المذكورين من المنافقين.
وفي الكافي ( ج ٨ ؛ ٣٣٤ ) بسنده عن سليمان الجعفريّ ، قال : سمعت أبا الحسن عليهالسلام يقول : في قوله الله تبارك وتعالى : ( إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ ) (٦) قال : يعني فلانا وفلانا وأبا عبيدة بن الجراح.
وفي تفسير العيّاشي ( ج ١ ؛ ٣٠١ ) بسنده عن أبي جعفر عليهالسلام ـ في قوله ( إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ ) (٧) ـ قال : فلان وفلان وأبو عبيدة بن الجراح.
وفي رواية عمر بن سعيد ، عن أبي الحسن عليهالسلام قال : هما وأبو عبيدة بن الجراح.
__________________
(١) النساء ؛ ٨١.
(٢) النساء ؛ ١٠٨.
(٣) النساء ؛ ٨١.
(٤) النساء ؛ ١٠٨.
(٥) النساء ؛ ١٠٨.
(٦) النساء ؛ ١٠٨.
(٧) النساء ؛ ١٠٨.
وفي رواية عمر بن صالح ، قال : الأوّل والثاني وأبو عبيدة بن الجراح. وانظر إرشاد القلوب (٣٣٦) حيث قرأ النبي صلىاللهعليهوآله هذه الآية في أصحاب الصحيفة الملعونة.
هذا ، وكان أبو عبيدة بن الجراح من أصحاب الصحيفة الملعونة كما سيأتي ، وهل بعد هذا النفاق من نفاق ، وبعد ذلك التبييت من تبييت؟!
ثمّ يميتك شقيّ هذه الأمّة
أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّا عليهالسلام أمام الملأ بأنّ قاتله أشقى البرية وأشقى الناس ، وأنّ أشقى الأولين عاقر الناقة ، وأشقى الآخرين قاتل عليّ عليهالسلام ، وقد وردت بذلك الروايات المتظافرة الصريحة الصحيحة من طرق الفريقين.
ففي عيون أخبار الرضا عليهالسلام ( ج ١ ؛ ٢٣٠ ـ ٢٣٢ ) بسنده عن الرضا ، عن الكاظم ، عن الصادق ، عن الباقر ، عن السجاد ، عن الحسين ، عن الإمام عليّ عليهمالسلام ، قال : إنّ رسول الله خطبنا ذات يوم ، فقال : أيّها الناس ، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ... فقمت فقلت : يا رسول الله ، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال : يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله ، ثمّ بكى صلىاللهعليهوآله ، فقلت : يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال : يا عليّ ، أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر ؛ كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك ، وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، فضربك ضربة على قرنك ، فخضب منها لحيتك ... ومثله في أمالي الصدوق ( ٨٤ ـ ٨٦ ).
وفي كامل الزيارات ( ٢٥٩ ـ ٢٦٦ ) في خبر طويل رواه السجاد عليهالسلام ، عن عمته زينب بنت عليّ عليهالسلام ، عن أم سلمة ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وفيه : ثمّ قال جبرئيل : يا محمّد ، إنّ أخاك مضطهد بعدك ، مغلوب على أمّتك ، متعوب من أعدائك ، ثمّ مقتول بعدك ، يقتله أشرّ الخلق والخليقة ، وأشقى البريّة ، نظير عاقر الناقة ، ببلد تكون إليه هجرته ، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده ...
وفي كتاب سليم بن قيس (٢١١) قال أبان : قال سليم : لمّا التقى أمير المؤمنين عليهالسلام
وأهل البصرة يوم الجمل ، نادى عليهالسلام الزبير : « يا أبا عبد الله اخرج إليّ » ، فقال له أصحابه : يا أمير المؤمنين ، تخرج إلى الزبير الناكث بيعته وهو على فرس شاك في السلاح ، وأنت على بغلة بلا سلاح؟! فقال عليّ عليهالسلام : إنّ عليّ جبّة واقية ، لن يستطيع أحد فرارا من أجله ، وإنّي لا أموت ، ولا أقتل إلاّ على يدي أشقاها ، كما عقر ناقة الله أشقى ثمود.
وفي مجمع البيان ( ج ٥ ؛ ٤٩٨ ـ ٤٩٩ ) في تفسير قوله : ( إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها ) (١) أي كان تكذيبها حين انبعث أشقى ثمود للعقر ... والأشقى عاقر الناقة ، وهو أشقى الأولين على لسان رسول الله صلىاللهعليهوآله ... وقد صحّت الرواية بالإسناد عن عثمان بن صهيب ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام : « من أشقى الأولين »؟ قال : عاقر الناقة ، قال صلىاللهعليهوآله : صدقت ، فمن أشقى الآخرين؟ قال : قلت : لا أعلم يا رسول الله ، قال : الّذي يضربك على هذه ـ وأشار إلى يافوخه ـ.
وفي كشف الغمّة ( ج ١ ؛ ٤٢٧ ) قال : قال أبو المؤيد الخوارزمي في كتاب المناقب ، يرفعه إلى أبي سنان الدؤلي ، أنّه عاد عليّا في شكوى اشتكاها ، قال : فقلت له : لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه ، فقال : لكنّي والله ما تخوفت على نفسي ، لأنّي سمعت رسول الله الصادق المصدّق يقول : إنّك ستضرب هاهنا ـ وأشار إلى صدغيه ـ فيسيل دمها حتّى تخضب لحيتك ، ويكون صاحبها أشقاها ، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود.
قال الأربلي : قلت : الضمير في « أشقاها » يعود إلى الأمّة وإن لم يجر لها ذكر ، كما قال تعالى : ( حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) (٢) وكما قال :
حتّى إذا ألقت يدا من كافر |
|
وأجنّ عورات الثغور ظلامها (٣) |
ويدلّ عليه « أشقى ثمود » ، انتهى.
وتوضيح ذلك أن الضمير في قوله « توارت » راجع إلى الشمس وإن لم تكن مذكورة ،
__________________
(١) الشمس ؛ ١٢.
(٢) ص ؛ ٣٢.
(٣) ديوان لبيد بن ربيعة العامريّ : ١٧٦.
لأنّه شيء قد عرف ، وكذلك الضمير في قول لبيد « ألقت » ؛ فإنّه راجع للشمس. وقال الطبرسي رحمهالله في مجمع البيان ( ج ٤ ؛ ٤٧٤ ) : « توارت بالحجاب » أي توارت الشمس ، ولم يجر لها ذكر ؛ لأنّه شيء قد عرف ، كقوله سبحانه ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ ) (١) يعني القرآن ، ولم يجر له ذكر ، وقوله ( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) (٢) يعني الأرض ، قال الزّجّاج : في الآية دليل على الشمس ؛ وهو قوله : ( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ ) (٣) ، فهو في معنى « عرض عليه بعد زوال الشمس حتّى توارت الشمس بالحجاب » ، قال : وليس يجوز الإضمار إلاّ أن يجرى ذكر أو دليل بمنزلة الذكر.
وفي مسند أحمد ( ج ٤ ؛ ٢٦٣ ) بسنده عن عمّار بن ياسر ، قال : كنت أنا وعليّ عليهالسلام رفيقين في غزوة ذات العشيرة ، فلمّا نزلها رسول الله وأقام بها ، رأينا ناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل ، فقال لي عليّ عليهالسلام : يا أبا اليقظان هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ، ثمّ غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعليّ عليهالسلام فاضطجعنا في صور من النخل في دقعاء من التراب ، فنمنا ، فو الله ما أهبّنا إلاّ رسول الله صلىاللهعليهوآله يحرّكنا برجله وقد تترّبنا من تلك الدقعاء ، فيومئذ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام : يا أبا تراب ـ لما يرى عليه من التراب ـ ألا أحدّثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : أحيمر ثمود الّذي عقر الناقة ، والّذي يضربك يا عليّ على هذه ـ يعني قرنه ـ حتّى تبلّ منه هذه ـ يعني لحيته ـ.
وفي شواهد التنزيل ( ج ٢ ؛ ٤٤٤ ) بسنده عن ابن عبّاس ، قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله : أشقى الخلق قدار بن قدير عاقر ناقة صالح ، وقاتل عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، ثمّ قال ابن عبّاس : ولقد أمطرت السماء يوم قتل عليّ دما يومين متتابعين.
وانظر مجمع البيان ( ج ٥ ؛ ٤٩٩ ) والتوحيد ( ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ) والعمدة (٢٥) والخرائج والجرائح (١١٥) وإعلام الورى ( ٨٣ ـ ٨٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١ ؛ ١٤٠ )
__________________
(١) القدر ؛ ١.
(٢) الرحمن ؛ ٢٦.
(٣) ص ؛ ٣١.
والإرشاد ( ١٣ ـ ١٤ ) وفرحة الغري ( ١٨ ـ ١٩ ) والبحار ( ج ٤٢ ؛ ١٩٥ ) عن كتاب العدد ، والدرّ المنثور ( ج ٦ ؛ ٣٥٧ ) وشواهد التنزيل ( ج ٢ ؛ ٤٣٤ ـ ٤٤٤ ) وفيه ثلاثة عشر حديثا في ذلك ، والمستدرك للحاكم ( ج ٣ ؛ ١١٣ ، ١٤٠ » وخصائص النسائي ( ١٢٩ ـ ١٣٠ ) وتاريخ دمشق ( ج ٣ ؛ ٢٧٦ / الحديث ١٣٦١ ) و ( ٢٧٩ / الحديث ١٣٦٥ ) ونزل الأبرار (٦٢) والاستيعاب ( ج ٣ ؛ ١١٢٥ ) وكنز العمال ( ج ٦ ؛ ٣٩٩ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩ ؛ ١٣٦ ـ ١٣٧ ) وأنساب الأشراف ( ج ٢ ؛ ٤٩٩ / الحديث ٥٤٤ ) ومشكل الآثار للطحاويّ ( ج ١ ؛ ٣٥١ ) وسنن البيهقي ( ج ٨ ؛ ٥٨ ) وأسد الغابة ( ج ٤ ؛ ٣٣ ) وتاريخ بغداد ( ج ١ ؛ ١٣٥ ) ونور الأبصار (٩٧) والصواعق المحرقة (٨٠) وطبقات ابن سعد ( ج ٣ ؛ ٣٣ ـ ٣٥ ) والرياض النضرة ( ج ٢ ؛ ٢٢٣ ، ٢٤٨ ) وفتح الباري ( ج ٨ ؛ ٧٦ ) وتفسير الثعلبي المخطوط في ذيل الآية ١٨٠ من سورة الأعراف ، وجواهر العقدين المخطوط / العقد الثاني ـ الذكر ١٤. وانظر تخريجاته في قادتنا ( ج ٤ ؛ ٩٨ ـ ١٠٤ ) وفضائل الخمسة ( ج ٣ ؛ ٨٢ ـ ٨٦ ).
هم شركاؤه فيما يفعل
هذا ثابت من أحاديث أهل البيت عليهمالسلام ، وثابت في الواقع الّذي حصل بعد النبي صلىاللهعليهوآله ؛ إذ لو لا الأوّل لما جاء الثاني ، ولو لا الثاني لما جاء الثالث ، ولو لا الثاني والثالث لما تأمّر معاوية ومن بعده يزيد ، ولما ابتلي الإمام عليّ عليهالسلام بانحرافات خطيرة عند المسلمين ، فكان الأوّلون هم السبب في شهادته عليهالسلام ، وفي جميع المصائب الّتي حلّت بآل محمّد صلوات الله عليهم والمسلمين.
ففي تفسير القمّي ( ج ١ ؛ ٣٨٣ ) قال عليّ بن إبراهيم في قوله : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (١) قال : يحملون آثامهم ، يعني الذين غصبوا أمير المؤمنين عليهالسلام ، وآثام كلّ من اقتدى بهم ، وهو قول الصادق عليهالسلام : والله ما أهريقت
__________________
(١) النحل ؛ ٢٥.
محجمة من دم ، ولا قرعت عصا بعصا ، ولا غصب فرج حرام ، ولا أخذ مال من غير حلّه ، إلاّ وزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العالمين شيء.
وفي رجال الكشي ( ج ٢ ؛ ٤٦١ ) بسنده عن الورد بن زيد ، قال : قلت لابي جعفر عليهالسلام : جعلني الله فداك ، قدم الكميت ، فقال : أدخله ، فسأله الكميت عن الشيخين؟ فقال له أبو جعفر عليهالسلام : ما أهرق دم ، ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله وحكم النبي صلىاللهعليهوآله وحكم عليّ عليهالسلام ، إلاّ وهو في أعناقهما ، فقال الكميت : الله أكبر ، الله أكبر ، حسبي ، حسبي.
وفي الكافي ( ج ٨ ؛ ١٠٢ ـ ١٠٣ ) بسنده عن الكميت بن زيد الأسديّ ، قال : دخلت على أبي جعفر عليهالسلام ، فقال : والله ـ يا كميت ـ لو كان عندنا مال لأعطيناك منه ، ولكن لك ما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لحسّان بن ثابت : « لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا » قال : قلت : خبّرني عن الرجلين؟ قال : فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ، ثمّ قال : والله ـ يا كميت ـ ما أهريق محجمة من دم ، ولا أخذ مال من غير حلّه ، ولا قلب حجر على حجر ، إلاّ ذاك في أعناقهما.
وفي الكافي أيضا ( ج ٨ ؛ ١٠٢ ) بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّ الله عزّ وجلّ منّ علينا بأن عرّفنا توحيده ، ثمّ منّ علينا بأنّ أقررنا بمحمّد ؛ بالرسالة ، ثمّ اختصّنا بحبّكم أهل البيت ، نتولاّكم ونتبرّأ من عدوكم ، وإنّما نريد بذلك خلاص أنفسنا من النار ، قال : ورققت فبكيت ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : سلني ، فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به ـ قال : فقال له عبد الملك بن أعين : ما سمعته قالها لمخلوق قبلك ـ قال : قلت : خبّرني عن الرجلين؟ قال : ظلمنا حقّنا في كتاب الله عزّ وجلّ ، ومنعا فاطمة ميراثها من أبيها ، وجرى ظلمهما إلى اليوم ، قال ـ وأشار إلى خلفه ـ : ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما.
وفي الكافي أيضا ( ج ٨ ؛ ٢٤٥ ) بسنده عن سدير الصيرفي ، قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عنهما ، فقال : يا أبا الفضل ما تسألني عنهما!! فو الله ، ما مات منّا ميّت قطّ إلاّ ساخطا عليهما ، وما منّا اليوم إلاّ ساخط عليهما ، يوصي بذلك الكبير منّا الصغير ، إنّهما ظلمنا حقّنا ، ومنعانا
فيئنا ، وكانا أوّل من ركب أعناقنا ، وبثقا علينا بثقا في الإسلام لا يسكّر أبدا حتّى يقوم قائمنا ، أو يتكلم متكلمنا ، ثمّ قال : ... والله ما أسّست من بلية ، ولا قضيّة تجري علينا أهل البيت ، إلاّ هما أسّسا أوّلها ، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وانظر تقريب المعارف ( ٢٣٧ ـ ٢٥٧ ) ففيه أحاديث كثيرة عن كثير من الأئمّة والصحابة ، مفادها أنّ الغاصبين الأوائل كانوا هم السبب فيما يجري على آل محمّد ـ صلوات الله عليهم ـ من القتل والاهتضام وسفك دمائهم وتشريدهم ، والروايات في ذلك كثيرة جدّا ، أورد جلّها العلاّمة المجلسي في المجلد الثامن من بحار الأنوار / باب « كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم وقبائح آثارهم وفضل التبري منهم ولعنهم ».