طرف من الأنباء والمناقب

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

طرف من الأنباء والمناقب

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: الشيخ قيس العطّار
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات تاسوعاء
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-90423-5-0
الصفحات: ٦٤٠

وتفسير الطبريّ ( ج ١٠ ؛ ٦ ) وفتح القدير ( ج ٢ ؛ ٢٩٥ ) والدّرّ المنثور ( ج ٣ ؛ ١٨٧ ) وسنن النسائي ( ج ٧ ؛ ١٢١ ) وصحيح البخاري ( ج ٣ ؛ ٣٦ ) وصحيح مسلم ( ج ٢ ؛ ٧٢ ) ومسند أحمد ( ج ١ ؛ ٢٩٤ ) وشرح النهج ( ج ١٦ ؛ ٢٣٠ ـ ٢٣١ ) و ( ج ١٢ ؛ ٨٣ ) والمصنف لابن أبي شيبة ( ج ١٢ ؛ ٤٧١ / الحديث ١٥٢٩٧ ) و ( ج ٥ ؛ ٢٣٨ / الحديث ٩٤٠٨ ) و ( ج ١٢ ؛ ٤٧٢ / الحديث ١٥٣٠١ ) والسنن الكبرى ( ج ٦ ؛ ٣٤٤ ) ومشكل الآثار ( ج ٢ ؛ ٣٦ ) والأموال (٣٣٢). وانظر النصّ والاجتهاد (١١١).

رضيت وإن انتهكت الحرم

إنّ انتهاك القوم حرمة عليّ عليه‌السلام ، وحرمة الزهراء عليها‌السلام ، وحرمة الدين ، ثابت بالأدلّة القطعيّة ، حتّى أنّ عليّا عليه‌السلام صرّح بظلامته في كثير من الموارد ، وصرّح بلفظ استحلال حرمته أيضا في خطبه وكلماته ، ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢ ؛ ٢٠٢ ) في خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام قال فيها : اللهم إنّي استعديك على قريش ، فخذ لي بحقّي ؛ ولا تدع مظلمتي لها ، وطالبهم يا ربّ بحقّي فإنّك الحكم العدل ، فإنّ قريشا صغّرت قدري ، واستحلّت المحارم منّي ، واستخفّت بعرضي وعشيرتي ... إلى آخر الخطبة. والخطبة في كتاب العدد القويّة ( ١٨٩ ـ ١٩٠ / الحديث ١٩ ).

ونقلها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٨ ؛ ١٦٩ ) نقلا عن كتاب العدد نقلا عن كتاب « الإرشاد لكيفيّة الطلب في أئمّة العباد » للصفار.

وانظر كلامه القريب من ذلك في نهج البلاغة ( ج ٢ ؛ ٨٥ / الخطبة ١٧٢ ) و ( ج ٢ ؛ ٢٠٢ ) والإمامة والسياسة ( ج ١ ؛ ١٧٦ ).

وسيأتي انتهاكهم حرمة عليّ عليه‌السلام في الطّرفة الثامنة والعشرين عند قوله : « وبعثوا إليك طاغيتهم يدعوك إلى البيعة ، ثمّ لبّبت بثوبك ، وتقاد كما يقاد الشارد من الإبل » ، وفي الطّرفة التاسعة عشر انتهاكهم حرمة الزهراء والحسنين عليهم‌السلام ، عند قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « وويل لمن انتهك حرمتها » ، وما بعده من حرق الباب وضربها وإسقاط جنينها وشجّ جنبيها.

٣٤١

وعطّلت السنن

إنّ تلاعب الثلاثة ـ ومن بعدهم معاوية ـ بالأحكام ممّا لا ينكره ذو عقل ، ولا يجحده إلاّ مكابر ، وقد ألّفت الكتب في ذلك ، ومخالفاتهم لسنّة رسول الله مبثوثة في كتب المسلمين ، وفي أغلب أبواب الفقه ، بل في أمّهات أبوابه وأساسيّات مسائله ، وذلك جهلا منهم بالأحكام وعداوة لله ولرسوله ، ولذلك كان أئمّة أهل البيت يؤكّدون هذه الحقيقة ويصدعون بها ويبيّنونها للمسلمين.

ففي الكافي ( ج ٨ ؛ ٣٢ ) قول عليّ عليه‌السلام في الخطبة الطالوتيّة : ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها ، وسدّت عليكم أبواب العلم ، فقلتم بأهوائكم ، واختلفتم في دينكم ، فأفتيتم في دين الله بغير علم ، واتّبعتم الغواة فأغوتكم ، وتركتم الأئمّة فتركوكم ، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم ...

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١ ؛ ١٦ ) عن الصادق عليه‌السلام ، قال : لا يرفع الأمر والخلافة إلى آل أبي بكر أبدا ، ولا إلى آل عمر ، ولا إلى آل بني أميّة ، ولا في ولد طلحة والزبير أبدا ، وذلك أنّهم بتروا القرآن وأبطلوا السنن ، وعطّلوا الأحكام.

وفي الكافي ( ج ٨ ؛ ٥٨ ) بسنده عن سليم بن قيس الهلالي ، قال : خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ صلّى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال : ... إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، يجري الناس عليها ويتّخذونها سنّة ، فإذا غيّر منها شيء قيل : قد غيّرت السنّة ... ثمّ أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصّته وشيعته ، فقال :

قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنته ، ولو حملت الناس على تركها ـ وحوّلتها إلى مواضعها ، وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي ، أو قليل من شيعتي ، الّذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه‌السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

٣٤٢

ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها‌السلام ، ورددت صاع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما كان ، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ... ورددت ما قسم من أرض خيبر ، ومحوت دواوين العطايا ، وأعطيت كما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعطي بالسويّة ولم أجعلها دولة بين الأغنياء ، وألقيت المساحة ، وسوّيت بين المناكح ، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عزّ وجلّ وفرضه ، ورددت مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما كان عليه ، وسددت ما فتح فيه من الأبواب ، وفتحت ما سدّ منه ، وحرّمت المسح على الخفّين ، وحددت على النبيذ ، وأمرت بإحلال المتعتين ، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات ، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم ، وأخرجت من أدخل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ممّن كان رسول الله أخرجه ، وأدخلت من أخرج بعد رسول الله ممّن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أدخله ، وحملت الناس على حكم القرآن ، وعلى الطلاق على السنّة ، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها ... إذا لتفرّقوا عنّي ... ما لقيت من هذه الأمّة ، من الفرقة وطاعة أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار ....

وفي مصباح الكفعمي ( ٥٥٢ ، ٥٥٣ ) المروي عن ابن عبّاس أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقنت به ، فيه قوله عليه‌السلام : اللهم العن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وأفّاكيها وابنتيهما ، الّذين خالفا أمرك ... وحرّفا كتابك ... وعطّلا أحكامك ، وأبطلا فرائضك ... اللهم العنهم بعدد كلّ منكر أتوه ، وحقّ أخفوه ... وفرض غيّروه ، وأثر أنكروه ... وخبر بدّلوه ، وكفر نصبوه ، وإرث غصبوه ، وفيء اقتطعوه ، وسحت أكلوه ، وخمس استحلّوه ... وحلال حرّموه وحرام أحلّوه ... اللهم العنهم بكلّ آية حرّفوها ، وفريضة تركوها ، وسنّة غيّروها ، ورسوم منعوها ، وأحكام عطّلوها ...

وانظر الأحكام الّتي بدّلوها والسنن الّتي عطّلوها في بحار الأنوار ( ج ٨ ؛ الباب ٢٢ / ٢٣ ـ ٢٥ ) في تفصيل مطاعن الأوّل والثاني والثالث على التوالي ، ودلائل الصدق ( ج ٣ ؛ ٥ ـ ١٠٥ ) في مطاعن الأوّل ، ( ١٠٧ ـ ٢٣٧ ) في مطاعن الثاني ، ( ٢٤١ ـ ٣٤١ ) في مطاعن الثالث ،

٣٤٣

والغدير ( ج ٧ ؛ ٩٥ ـ ١٨١ ) فيما يتعلّق بالأوّل ، ( ج ٦ ؛ ٨٣ ـ ٣٣٣ ) في مطاعن الثاني بعنوان « نوادر الأثر في علم عمر » ، ( ج ٨ ؛ ٩٧ ـ ٣٢٣ ) فيما يتعلّق بعثمان ، النصّ والاجتهاد في ابتداعاتهم جميعا ، والطرائف ( ٣٩٩ ـ ٤٩٨ ) في مطاعنهم جميعا.

ومزّق الكتاب

روى الشيخ الصدوق في الخصال (١٧٥) بسنده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله : المصحف والمسجد والعترة ، يقول المصحف : يا ربّ حرّقوني ومزّقوني ... وانظر بحار الأنوار ( ج ٢ ؛ ٨٦ ) عن المستدرك المخطوط لابن البطريق ، وفي بصائر الدرجات ( ٤٣٣ ، ٤٣٤ ) بلفظ ( حرّفوا ) بدلا عن ( حرّقوا ).

وفي مقتل الحسين للخوارزمي ( ج ٢ ؛ ٨٥ ) بسنده عن جابر الأنصاريّ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يجيء يوم القيامة ثلاثة : المصحف والمسجد والعترة ، فيقول المصحف : حرقوني ومزّقوني ... ونقله الإمام المظفر في دلائل الصدق ( ج ٣ ؛ ٤٠٥ ) عن كنز العمال ( ج ٦ ؛ ٤٦ ) عن الديلمي عن جابر أيضا ، وعن أحمد والطبراني وسعيد بن منصور ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي حديث أصحاب الرايات الخمس التي ترد يوم القيامة ، أنّهم يسألون عن الكتاب والعترة ، فيقول أصحاب أربع رايات منها : أمّا الأكبر فكذّبناه ومزّقناه ... كما في اليقين ( ٢٧٥ ، ٢٧٦ ) والخصال (٤٥٩) وتفسير القمّي ( ج ١ ؛ ١٠٩ ). وستأتي تخريجات هذا الخبر ومتنه في الطّرفة الثانية والثلاثين عند قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ابيضّت وجوه واسودّت وجوه ، وسعد أقوام وشقي آخرون » ، وفيها التصريح بأنّ الثلاثة هم أصحاب الرايات الثلاثة الأول ، وهم القائلون هذا القول ، فلاحظه.

وقد ثبت أنّ عثمان بن عفان هو الّذي أحرق المصاحف واستهان بها ، وكان ذلك ممّا نقمه عليه المسلمون ، حتّى كسر عثمان أضلاع ابن مسعود لمعارضته حرق المصاحف.

ففي تقريب المعارف (٢٩٦) عن زيد بن أرقم أنّه سئل : بأي شيء كفّرتم عثمان؟ فقال :

٣٤٤

كفّرناه بثلاث : مزّق كتاب الله ونبذه في الحشوش ... الخ.

وفي إرشاد القلوب (٣٤١) قول حذيفة بن اليمان : وأمّا كتاب الله فمزّقوه كلّ ممزّق ....

وفي المسترشد (٤٢٦) في كتاب عليّ الّذي أخرجه للناس ، قال في شأن عثمان : وأنحى على كتاب الله يحرّقه ويحرّفه ...

وفي كتاب سليم بن قيس (١٢٢) وفي الاحتجاج ( ج ١ ؛ ١٥٣ ) قول طلحة : وقد عهد عثمان حين أخذ ما ألّف عمر ، فجمع له الكتّاب ، وحمل الناس على قراءة واحدة ، فمزّق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار ....

وانظر في حرق المصاحف وتمزيقها تاريخ اليعقوبي ( ج ٢ ؛ ١٥٧ ) وتاريخ المدينة المنوّرة ( ج ٣ ؛ ٩٩١ ) ، عن أنس وبكير ، وصحيح البخاريّ ( ج ٦ ؛ ٩٦ ) وكنز العمال ( ج ٢ ؛ ٥٨١ ) بسند عن الزهريّ ، عن أنس ، وفيه لفظ « وأمر بسوى ذلك في صحيفة أو مصحف أن يحرق » ، ثمّ كتب « ابن سعد خ ت ن ، وابن أبي داود وابن الأنباريّ معا « في المصاحف » حب ، ق » انتهى.

وفي تاريخ الطبريّ ( ج ٧ ؛ ١٦٠ ) ذكر تسمية الناس لعثمان من بعد « شقّاق المصاحف » ، وكان كلّ ذلك بسبب غصب الخلافة من آل محمّد ، وتسلّط من لا علم له بالدين على أمور المسلمين بالقهر والمؤامرات ، فصاروا يهتكون حرمات الله دون رادع ولا وازع ، حتّى آل الأمر إلى أن يستفتح الوليد بن يزيد ـ خليفة المسلمين!! ـ بكتاب الله ، فإذا هو بقوله تعالى : ( وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) (١) ، فنصب القرآن غرضا ومزّقه بالسهام ، وأنشد يقول :

تهدّد كلّ جبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربّك يوم حشر

فقل يا ربّ مزّقني الوليد

انظر تمزيق الوليد للمصحف في مروج الذهب ( ج ٣ ؛ ٢٢٨ ، ٢٢٩ ) والفتوح ( ج ٤ ؛ ٣٣٣ )

__________________

(١) إبراهيم ؛ ١٥

٣٤٥

والكامل في التاريخ ( ج ٥ ؛ ٢٩٠ ) والأغاني ( ج ٧ ؛ ٤٩ ) والبدء والتاريخ ( ج ٦ ؛ ٥٣ ).

وهدّمت الكعبة

في بصائر الدرجات ( ٤٣٣ ، ٤٣٤ ) بسنده عن جابر ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بمنى فقال : ... يا أيّها الناس ، إنّي تارك فيكم حرمات الله ، وعترتي ، والكعبة البيت الحرام ، ثمّ قال أبو جعفر : أمّا كتاب الله فحرّفوا ، وأمّا الكعبة فهدموا ...

ويدلّ عليه ما مرّ من حديث المصحف والمسجد والعترة ، لأنّ المراد من المسجد ، مسجد بيت الله الحرام ، حيث يقول المسجد : يا ربّ خرّبوني وعطّلوني وضيّعوني ، وهو أشرف المساجد وأوّلها.

وعلى كلّ حال ، فقد أحرقت الكعبة وهدمت مرتين ، الأولى على يد الحصين بن نمير ، والثانية على يد الحجّاج لعنهما الله ، وكانت المرّتان بسبب اعتصام عبد الله بن الزبير ومقاتلته في الكعبة :

أمّا الأولى : فقد أحرق الحصين بن نمير الكعبة المشرّفة وهدمها في أواخر أيّام يزيد لعنه الله ، وبأمر منه ، وذلك بعد وقعة الحرّة وانتهاك حرمة المدينة.

قال الطبريّ في تاريخه ( ج ٧ ؛ ١٤ ) في أحداث سنة ٦٤ : قذفوا البيت بالمجانيق وحرقوه بالنار ، وأخذوا يرتجزون ويقولون :

خطارة مثل الفنيق المزبد

نرمي بها أعواد هذا المسجد

وقال المسعوديّ في مروج الذهب ( ج ٣ ؛ ٨١ ) : ونصب الحصين فيمن معه من أهل الشام المجانيق والعرّادات على مكّة والمسجد ، من الجبال والفجاج ... فتواردت أحجار المجانيق والعرّادات على البيت ، ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتّان وغير ذلك من المحرقات ، وانهدمت الكعبة واحترقت البنيّة.

وقال ابن أعثم الكوفيّ في الفتوح ( ج ٣ ؛ ١٨٥ ـ ١٨٦ ) : والحصين بن نمير قد أمر بالمجانيق فنصبت ، فجعل يرمي أهل مكّة رميا متداركا ، لا يفتر من الرمي ، فجعل رجل من

٣٤٦

أهل مكة يقول في ذلك :

ابن نمير بئس ما تولّى

قد أحرق المقام والمصلّى

وبيت ذي العرش العليّ الأعلى

قبلة من حجّ له وصلّى

وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ( ج ٢ ؛ ١٦ ، ١٧ ) : ونصب [ الحصين ] عليها العرّادات والمجانيق ، وفرض على أصحابه عشرة آلاف صخرة في كلّ يوم ، يرمونها بها ... وكانت المجانيق قد أصابت ناحية من البيت الشريف فهدمته مع الحريق الّذي أصابه.

وانظر في ذلك الكامل في التاريخ ( ج ٤ ؛ ١٢٤ ) وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢ ؛ ٢٥١ ) والأخبار الطوال ( ٢٦٧ ، ٢٦٨ ) والبدء والتاريخ ( ج ٦ ؛ ١٥ ).

وأمّا المرّة الثانية : فقد أحرق الحجّاج الكعبة المشرّفة في محاصرته لعبد الله بن الزبير في سنة ٧٣ ه‍ ، حيث طال الحصار ستّة أشهر وسبع عشرة ليلة كما نصّ عليه الطبريّ في تاريخه ( ج ٧ ؛ ٢٠٢ ) وكانت مكّة والبيت الحرام بيده من سنة ٦٤ ه‍ حتّى سنة ٧٣ ه‍ ، وكان هو يقيم الحجّ للناس ، وكان يأخذ البيعة لنفسه من الحجّاج ، فمنع عبد الملك بن مروان أهل الشام من الحجّ وبنى الصخرة في بيت المقدس ، فكان الناس يحضرونها يوم عرفة ويقفون عندها. انظر في ذلك وفيات الأعيان ( ج ٣ ؛ ٧١ ـ ٧٢ ) في ترجمة عبد الله بن الزبير ، وهل بعد هذا التلاعب في الدين من تلاعب؟!

وعلى أيّ حال ، فإنّ الكعبة المشرّفة أحرقت مرّة ثانية ، وكان الحجّاج يرمي الكعبة بنفسه ، قال ابن الأثير في الكامل ( ج ٤ ؛ ٣٥١ ) في أحداث سنة ٧٣ :

وأوّل ما رمي بالمنجنيق إلى الكعبة رعدت السماء وبرقت ، وعلا صوت الرعد على الحجارة ، فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا أيديهم ، فأخذ الحجّاج حجر المنجنيق بيده ، فوضعه فيه ورمى به معهم.

وقال اليعقوبي في تاريخه ( ج ٢ ؛ ٦٦ ) : وقدم الحجّاج فقاتلهم قتالا شديدا ، وتحصّن [ ابن الزبير ] بالبيت ، فوضع عليه المجانيق ، فلم يزل يرميه بالمنجنيق حتّى هدم البيت.

وقال ابن أعثم الكوفي في الفتوح ( ج ٣ ؛ ٣٨٦ ) : وجعلوا يرمون البيت الحرام بالحجارة ،

٣٤٧

وهم يرتجزون بالأشعار ... فلم يزل الحجّاج وأصحابه يرمون بيت الله الحرام بالحجارة حتّى انصدع الحائط الّذي على بئر زمزم عن آخره ، وانتقضت الكعبة من جوانبها ، قال : ثمّ أمرهم الحجّاج فرموا بكيزان النفط والنار ، حتّى احترقت الستارات كلّها فصارت رمادا ، والحجّاج واقف ينظر في ذلك كيف تحترق الستارات ، وهو يرتجز ويقول :

أما تراها صاعدا غبارها

والله فيما يزعمون جارها

فقد وهت وصدعت أحجارها

ونفرت منها معا أطيارها

وحان من كعبته دمارها

وحرقت منها معا أستارها

لمّا علاها نفطها ونارها

وانظر في ذلك الإمامة والسياسة ( ج ٢ ؛ ٣٨ ) والأخبار الطوال (٣١٤) وتاريخ الطبريّ ( ج ٧ ؛ ٢٠٢ ) ومروج الذهب ( ج ٣ ؛ ١٢٠ ) والخرائج والجرائح (٢٤١).

وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط

هذا الإخبار من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام بشهادته وقاتله ، يعدّ من دلائل وعلامات نبوّة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد اتّفق على نقل هذا الإخبار جميع المسلمين في كتبهم ومصادرهم الروائيّة ، واتّفقوا على أنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول : ما ينتظر أشقاها ، عهد إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لتخضبنّ هذه من هذا. رواه ابن المغازلي في مناقبه (٢٠٥).

وفي كتاب سليم بن قيس (٩٤) قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : تقتل شهيدا ، تخضب لحيتك من دم رأسك.

وفي أمالي الصدوق (٩٩) بسنده ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أمّا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فيضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته.

وفي كشف الغمّة ( ج ١ ؛ ٤٢٧ ) عن عليّ عليه‌السلام ، قال : إنّي سمعت رسول الله الصادق المصدّق صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّك ستضرب ضربة هاهنا ـ وأشار إلى صدغيه ـ فيسيل دمها حتّى تخضب

٣٤٨

لحيتك ، ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود.

وانظر في ذلك روضة الواعظين (٢٨٨) والخرائج والجرائح ( ١١٥ ، ١٧٦ ) وأمالي الطوسي (٦٦) والخصال ( ٣٠٠ ، ٣٧٧ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١ ؛ ٢٧٢ ) و ( ج ٢ ؛ ١١٨ ) وإرشاد المفيد (١٦٨) وإرشاد القلوب (٣٥٨) وبشارة المصطفى (١٩٨) ومقاتل الطالبيين (٣١) وشرح النهج ( ج ٤ ؛ ٣٦٩ ) وأسد الغابة ( ج ٤ ؛ ٣٤ ـ ٣٥ ) وتذكرة الخواص ( ١٧٢ ـ ١٧٥ ) ومناقب الخوارزمي (٢٧٥) ومسند أحمد ( ج ٤ ؛ ٢٦٣ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٣ ؛ ١١٣ ، ١٤٠ ) وخصائص النسائي ( ١٢٩ ـ ١٣٠ ) ونزل الأبرار ( ٦١ ـ ٦٢ ) وكفاية الطالب (٤٦٣) وكنز العمال ( ج ١١ ؛ ٦١٧ ) وتاريخ دمشق ( ج ٣ ؛ ٢٧٠ / الحديث ١٣٤٨ ) و ( ٢٧٩ الحديث ١٣٦٥ ) و ( ٢٨٥ / الحديث ١٣٧٥ ) و ( ٢٩٣ / الحديث ١٣٩١ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩ ؛ ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ) وأنساب الأشراف ( ج ٢ ؛ ٤٩٩ / الحديث ٥٤٤ ) ونظم درر السمطين (١٣٦) وجواهر المطالب ( ج ٢ ؛ ٨٧ ).

وقد علم من التاريخ ضرورة ، أنّ عليّا استشهد على يد أشقى البريّة عبد الرحمن بن ملجم الخارجي ، وذكرت كلّ التواريخ قول عليّ عليه‌السلام : « فزت وربّ الكعبة » ، فمضى صابرا محتسبا حتّى لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تمسّه النار ودفعت إلى عليّ عليه‌السلام

ذكر الكليني في الكافي ( ج ١ ؛ ٢٧٩ ـ ٢٨٤ ) أربعة أحاديث حول هذه الوصيّة المختومة الّتي نزل بها جبرئيل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في باب « أنّ الأئمّة لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله وأمر منه لا يتجاوزونه » ، الأولى : بسنده عن معاذ بن كثير ، عن الصادق عليه‌السلام ، والثانية : عن محمّد بن أحمد بن عبيد الله العمريّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الصادق عليه‌السلام ، والثالثة : عن ضريس الكناسي ، عن الباقر عليه‌السلام ، والرابعة : عن عيسى بن المستفاد ، عن الكاظم عليه‌السلام ، وهي الطّرفة المذكورة في متن الطّرف. وإليك نصّ الرواية الثانية :

أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن محمّد ، عن

٣٤٩

أبي الحسن الكناني ، عن جعفر بن نجيح الكنديّ ، عن محمّد بن أحمد بن عبيد الله العمريّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إنّ الله عزّ وجلّ أنزل على نبيّه كتابا قبل وفاته ، فقال : يا محمّد هذه وصيّتك إلى النّجبة من أهلك ، قال : وما النّجبة يا جبرئيل؟ فقال : عليّ بن أبي طالب وولده ، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب ، فدفعه النبي إلى أمير المؤمنين ، وأمره أن يفكّ خاتما منه ويعمل بما فيه ، ففكّ أمير المؤمنين عليه‌السلام خاتما وعمل بما فيه ، ثمّ دفعه إلى ابنه الحسن عليه‌السلام ، ففكّ خاتما وعمل بما فيه ، ثمّ دفعه إلى الحسين عليه‌السلام ، ففكّ خاتما فوجد فيه أن « أخرج بقوم إلى الشهادة ، فلا شهادة لهم إلاّ معك ، واشر نفسك لله عزّ وجلّ » ففعل ، ثمّ دفعه إلى عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ، ففكّ خاتما فوجد فيه أن « أطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين » ففعل ، ثمّ دفعه إلى ابنه محمّد بن عليّ عليهما‌السلام ، ففكّ خاتما فوجد فيه « حدّث الناس وأفتهم ولا تخافنّ إلاّ الله عزّ وجلّ ، فإنّه لا سبيل لأحد عليك » ففعل ، ثمّ دفعه إلى ابنه جعفر عليه‌السلام ، ففكّ خاتما فوجد فيه « حدّث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك ، وصدّق آباءك الصالحين ، ولا تخافنّ إلاّ الله عزّ وجلّ وأنت في حرز وأمان » ففعل ، ثمّ دفعه إلى ابنه موسى عليه‌السلام ، وكذلك يدفعه موسى إلى الّذي بعده ، ثمّ كذلك إلى قيام المهديّ صلّى الله عليه.

وفي الحديث الأوّل قال الصادق عليه‌السلام : إنّ الوصيّة نزلت من السماء على محمّد كتابا ، لم ينزل على محمّد كتاب مختوم إلاّ الوصيّة ، فقال جبرئيل : يا محمّد ، هذه وصيّتك في أمّتك عند أهل بيتك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّ أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال : نجيب الله منهم وذريّته ، ليرثك علم النبوّة كما ورثه إبراهيم ، وميراثه لعليّ وذريتك من صلبه ، قال : وكان عليها خواتيم ....

وانظر حديث هذه الصحيفة المختومة الّتي نزل بها جبرئيل في أمالي الصدوق (٣٢٨) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١ ؛ ٢٩٨ ، ٢٩٩ ) عن الصادق عليه‌السلام ، ثمّ قال : « وقد روى نحو هذا الخبر أبو بكر بن أبي شيبة ، عن محمّد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله » ، وبصائر الدرجات ( ١٦٦ / الحديث ٢٤ من الباب ١٢

٣٥٠

من الجزء الثالث ) و ( ١٧٠ / الحديث ١٧ من الباب ١٣ من الجزء الثالث ) وإكمال الدين ( ٢٣١ ، ٢٣٢ / الحديث ٣٥ من الباب ٢٢ ) و ( ٦٦٩ ـ ٦٧٠ / الحديث ١٥ من الباب ٥٨ ) والإمامة والتبصرة ( ٣٨ ـ ٣٩ ) وأشار إليه في الصفحة ١٢ أيضا ، وعلل الشرائع ( ١٧١ / الحديث الأوّل من الباب ١٣٥ ) والغيبة للنعماني (٢٤) وأمالي الطوسي ( ٤٤١ / الحديث ٩٩٠ ). وانظر روايات هذه الصحيفة السماويّة المباركة في بحار الأنوار ( ج ٢٦ ؛ ١٨ / الباب الأوّل « ما عندهم من الكتب » و ( ج ٣٦ ؛ ١٩٢ ـ ٢٢٦ / الباب ٤٠ ).

٣٥١
٣٥٢

الطّرفة الخامسة عشر

روى هذه الطّرفة الشريف الرضي في كتاب خصائص الأئمّة (٧٢) ورواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢ ؛ ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ) عن كتاب الطّرف ، عن خصائص الأئمّة ، وهي في الصراط المستقيم ( ج ٢ ؛ ٩١ ، ٩٢ ) ، حيث نقلها العلاّمة البياضي باختصار.

وهذه الطّرفة موضوعها متعلّق بما سبقها من حديث الصحيفة المختومة ، وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاها لعليّ عليه‌السلام ، وأمره وولده أن يعملوا بما فيها ، فعملوا طبق ما في هذه الوصيّة ، ولم يجاوزوا ما فيها ، فوردوا على رسول الله لا مقصّرين ولا مفرّطين. والمطالب الفرعيّة الموجودة في الطّرفة كلّها مرّ بعضها ، وسيأتي بعضها الآخر.

٣٥٣
٣٥٤

الطّرفة السادسة عشر

روى هذه الطّرفة الشريف الرضي في كتاب خصائص الأئمّة ( ٧٢ ـ ٧٣ ) ورواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢ ؛ ٤٨٣ ـ ٤٨٤ ) عن كتاب الطّرف ، وعن خصائص الأئمّة ، ونقلها العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢ ؛ ٩٢ ) باختصار.

اتّفقت الكلمة على أنّ عليّا عليه‌السلام وأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا عند رسول الله قبل موته ، وأنّهم هم الّذين قاموا بأمره ، وتظافرت الروايات من طرق الفريقين أنّ النبي مات ورأسه في حجر عليّ ، أو أنّ عليّا كان مسنّده ، ولم يزعم أحد غير ذلك إلاّ عائشة ، فقد ادّعت لوحدها ذلك ، ولم يقرّها عليه المسلمون ، بل كان عليّ عليه‌السلام هو القائم بشأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد دعاه رسول الله في مرضه وأسرّ له جميع الأسرار ، وأخبره بكلّ ما يجري من بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ففي الخصال (٦٤٢) بسنده عن أمّ سلمة ، قالت : قال رسول الله في مرضه الّذي توفّي فيه : ادعوا لي خليلي ، فأرسلت عائشة إلى أبيها ، فلمّا جاء غطّى رسول الله وجهه ، وقال : ادعوا لي خليلي ، فرجع أبو بكر ، وبعثت حفصة إلى أبيها ، فلمّا جاء غطّى رسول الله وجهه ، وقال : ادعوا لي خليلي ، فرجع عمر ، وأرسلت فاطمة عليها‌السلام إلى عليّ عليه‌السلام ، فلمّا جاء قام رسول الله فدخل ، ثمّ جلّل عليّا بثوبه ، قال عليّ : فحدّثني بألف حديث ، يفتح كلّ حديث ألف حديث ، حتّى عرقت وعرق رسول الله ، فسال عليّ عرقه وسال عليه عرقي.

وفيه أيضا (٦٤٣) عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علّمني ألف باب من الحلال والحرام ، وممّا كان إلى يوم القيامة ، كلّ باب منها

٣٥٥

يفتح ألف باب ، فذلك ألف ألف باب ، حتّى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب.

وفي بصائر الدرجات (٣٢٤) بسنده عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة وحفصة في مرضه الّذي توفي فيه : ادعيا لي خليلي ، فأرسلتا إلى أبويهما ، فلمّا نظر إليهما أعرض عنهما ، ثم قال : ادعيا لي خليلي ، فأرسلتا إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فلمّا نظر إليه أكب عليه يحدّثه ، فلمّا خرج لقياه ، فقالا له : ما حدّثك خليلك؟ فقال : حدّثني خليلي ألف باب ، ففتح لي كلّ باب ألف باب.

وفيه أيضا (٣٢٥) بسنده عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : إنّ رسول الله علّمني ألف باب من الحلال والحرام ، وممّا كان وما هو كائن وممّا يكون إلى يوم القيامة ، كلّ يوم يفتح ألف باب ، فذلك ألف ألف باب ، حتّى علمت المنايا والوصايا وفصل الخطاب.

فدعوة المرأتين أبويهما ، وسؤال أبويهما عليّا عمّا حدّثه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقول عليّ : أنّه علّمه ما كان وما هو كائن وما سيكون ، يدلّ على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عليّا عليه‌السلام بما سيصنعه القوم ، وما سيكون من بعده ، وقد كان عليّ عليه‌السلام يصرّح بأنّه سكت لعهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يأمره فيه بالسكوت.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١ ؛ ٢٣٦ ) قال : الطبريّ في الولاية ، والدار قطني في الصحيح ، والسمعاني في الفضائل ، وجماعة من رجال الشيعة ، عن الحسين بن عليّ ابن الحسن ، وعبد الله بن عبّاس ، وأبي سعيد الخدريّ ، وعبد الله بن الحارث ، واللّفظ الصحيح أنّ عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في بيتها لمّا حضره الموت : ادعوا لي حبيبي ، فدعوت له أبا بكر ، فنظر إليه ثمّ وضع رأسه ، ثمّ قال : ادعوا لي حبيبي ، فدعوا له عمر ، فلمّا نظر إليه ، قال : ادعوا لي حبيبي ، فقلت : ويلكم ، ادعوا له عليّ بن أبي طالب ، فو الله ما يريد غيره ، فلمّا رآه أفرج الثوب الّذي كان عليه ، ثمّ أدخله فيه ولم يزل يحتضنه ، حتّى قبض ويده عليه.

وفي فضائل ابن شاذان ( ١٤١ ـ ١٤٢ ) بسنده يرفعه إلى سليم بن قيس ، أنّه قال : لمّا

٣٥٦

قتل الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، بكى ابن عبّاس بكاء شديدا ، ثمّ قال : ... ولقد دخلت على عليّ ابن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذي قار ، فأخرج لي صحيفة ، وقال : يا بن عبّاس ، هذه الصحيفة إملاء رسول الله وخطّي بيدي ، قال : فقلت يا أمير المؤمنين اقرأها عليّ ، فقرأها وإذا فيها كلّ شيء منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم قتل الحسين عليه‌السلام ... وكان فيها لمّا قرأها أمر أبي بكر وعمر وعثمان وكم يملك كلّ إنسان منهم ... فلمّا أدرج الصحيفة ، قلت : يا أمير المؤمنين ، لو كنت قرأت عليّ بقية الصحيفة ، قال : ... ولكنّي أحدّثك بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ عند موته بيدي ، ففتح لي ألف باب من العلم ، تنفتح من كلّ باب ألف باب ، وأبو بكر وعمر ينظرون إليّ ، وهو يشير لي بذلك ، فلمّا خرجت قالا : ما قال لك؟ قال : فحدّثتهم بما قال ، فحرّكا أيديهما ثمّ حكيا قولي ، ثمّ ولّيا يردّدان قولي ويخطران بأيديهما ... ورواه العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٨ ؛ ٧٣ / الحديث ٣٢ عن كتاب الروضة ) ـ لأحد علماء القرن السابع ـ بسنده إلى سليم بن قيس.

وانظر مناجاة النبي ومسارّته لعليّ عند موته ، وإخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا بكلّ ما كان وما يكون ، وتعلّمه ألف ألف باب من العلم ، ودعوة المرأتين أبويهما للنبي وإعراضه صلى‌الله‌عليه‌وآله عنهما ، في أمالي الصدوق (٥٠٩) وبصائر الدرجات ( ٣٢٢ ـ ٣٢٧ ) وفيه عدّة أحاديث / في الباب ١٦ من الجزء السادس « في ذكر الأبواب الّتي علّم رسول الله أمير المؤمنين » ، ( ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ) الباب ٣ من الجزء الثامن « باب في الأئمّة أن عندهم أسرار الله ، يؤدي بعضهم إلى بعض ، وهم أمناؤه » وفيه ستّة أحاديث في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أسرّ كلّ شيء إلى عليّ عليه‌السلام ، وكفاية الأثر ( ١٢٤ ـ ١٢٦ ) والخصال ( ٦٤٢ ـ ٦٥٢ ) وفيه أحاديث كثيرة ، وروضة الواعظين (٧٥) والتهاب نيران الأحزان ( ٤٣ ـ ٤٤ ) وأمالي الطوسي (٣٣٢) والاختصاص (٢٨٥) والإرشاد (٩٩) وفيه « أنّ عليّا قال لهم : علّمني ألف باب من العلم ، فتح لي كلّ باب ألف باب ، وأوصاني بما أنا قائم به إن شاء الله » ، وإعلام الورى (٨٣) والطرائف (١٥٤) والكافي ( ج ١ ؛ ٢٩٦ ).

وهو في تاريخ ابن عساكر ( ج ٢ ؛ ٤٨٥ / الحديث ١٠٠٣ ) وفيه « أنّهم دعوا له عثمان

٣٥٧

فأعرض عنه » ، ( ج ٣ ؛ ١٥ / الحديث ١٠٢٧ ) ومناقب الخوارزمي (٢٩) عن ابن مردويه ، وبحار الأنوار ( ج ٣٨ ؛ ٣٣١ ) عن كتاب الأربعين ، وقال المظفر في دلائل الصدق ( ج ٢ ؛ ٦٣٩ ) : « إنّ الحديث ذكره السيوطي في اللآلئ المصنوعة عن الدار قطني ، ثمّ حكم بضعفه ، وقال : أنّ له طريقا آخر إلى ابن عمر أيضا » ، وقد ناقش المظفر تضعيف السيوطي فراجعه. ومهما يكن من شيء فهو ثابت وطرقه كثيرة ، وهو دالّ على محتوى الطّرفة ، وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عليّا عليه‌السلام بما سيجري ، وأوصاه بوصايا ، فقام بها عليّ عليه‌السلام جميعا.

أنّ القوم سيشغلهم عنّي ما يريدون من عرض الدنيا وهم عليه قادرون ، فلا يشغلك عنّي ما يشغلهم

لهذا المطلب أكثر من دليل ودليل ، فقد علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بما كانوا ينوونه من غصب الخلافة ، والتهافت على الدنيا ، فبعثهم في جيش أسامة ، ولعن من تخلّف عنه ، وأبقى عليّا وأهل بيته عليهم‌السلام ليقودوا الأمّة ، ويستلموا الخلافة ، وصرّح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في رواياتنا أنّه إنّما بعثهم لذلك ، ولتتمّ عليهم الحجّة ، وأخبر صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا عليه‌السلام بأنّه المظلوم والمضطهد من بعده ، وأنّ الأمّة ستغدر به ، وأنّه المبتلى والمبتلى به ؛ كما مرّ كلّ ذلك ، وقد تحقّق ما أخبر به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتنازع القوم على الخلافة ، وغصبوها في سقيفة بني ساعدة ، وتركوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ملقى في بيته ، والحزن يغمر عليّا ، وأهل بيت النبي صلوات الله عليهم ، وقد احتجّت فاطمة عليها‌السلام على الأنصار والمهاجرين بأحقّيّة عليّ عليه‌السلام ، فاعتذروا بأنّ عليّا لو كان حاضرا في السقيفة لبايعوه ، فقال الإمام عليه‌السلام : أفأترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة وأنازع الأمر؟! فقالت الزهراء عليها‌السلام : ما فعل أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي ، وهذا كلّه ثابت في التواريخ والمناقب والتراجم ، وقد اتّفقت كلمة أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم على ذلك.

ففي تفسير العيّاشي ( ج ٢ ؛ ٣٣٠ ) عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : فلمّا قبض نبي الله ، كان الذي كان ؛ لما قد قضي من الاختلاف ، وعمد عمر فبايع أبا بكر ، ولم يدفن رسول الله بعد. وإليك بعض النصوص في ذلك من كتب العامّة.

٣٥٨

فقد قام الشيخان يعرض كلّ منهما لصاحبه ، فيقول هذا لصاحبه : ابسط يدك لأبايعك ، ويقول الآخر : بل أنت ، وكلّ منهما يريد أن يفتح يد صاحبه ويبايعه ، ومعهما أبو عبيدة الجراح ـ حفّار القبور بالمدينة ـ يدعو الناس إليهما. تاريخ الطبريّ ( ج ٣ ؛ ١٩٩ ). وعليّ والعترة عليهم‌السلام وبنو هاشم ألهاهم النبي ، وهو مسجّى بين أيديهم ، وقد أغلق دونه الباب أهله. سيرة ابن هشام ( ج ٤ ؛ ٣٣٦ ).

وخلّى أصحابه بينه وبين أهله فولوا إجنانه. طبقات ابن سعد ( ج ٢ ؛ ٣٠١ ).

ومكث صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أيّام لا يدفن. تاريخ ابن كثير ( ج ٥ ؛ ٢٧١ ) وتاريخ أبي الفداء ( ج ١ ؛ ١٥٢ ).

أو مكث من يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء أو ليلته. طبقات ابن سعد ( ج ٢ ؛ ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، ٢٩٠ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤ ؛ ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ) ومسند أحمد ( ج ٦ ؛ ٢٧٤ ) وسنن ابن ماجة ( ج ١ ؛ ٤٩٩ ) وتاريخ أبي الفداء ( ج ١ ؛ ١٥٢ ) قال : « والأصحّ دفنه ليلة الأربعاء » ، وتاريخ ابن كثير ( ج ٥ ؛ ١٧١ ) قال : « وهو المشهور عن الجمهور ، والصحيح أنّه دفن ليلة الأربعاء » ، وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢ ؛ ١١٣ ـ ١١٤ ).

فدفنه أهله ، ولم يله إلاّ أقاربه. طبقات ابن سعد ( ج ٢ ؛ ٣٠٤ ).

دفنوه في اللّيل ، أو في آخره. سنن ابن ماجة ( ج ١ ؛ ٤٩٩ ) ومسند أحمد ( ج ٦ ؛ ٢٧٤ ).

ولم يعلم به القوم إلاّ بعد سماع صريف المساحي ، وهم في بيوتهم في جوف اللّيل.

طبقات ابن سعد ( ج ٢ ؛ ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ) ومسند أحمد ( ج ٦ ؛ ٢٧٤ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤ ؛ ٣٤٤ ) وتاريخ ابن كثير ( ج ٥ ؛ ٢٧٠ ).

ولم يشهد الشيخان دفنه. أخرجه ابن أبي شيبة ؛ كما في كنز العمال ( ج ٣ ؛ ١٤٠ ).

وقالت عائشة : ما علمنا بدفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى سمعنا صوت المساحي في جوف اللّيل ؛ ليلة الأربعاء. سيرة ابن هشام ( ج ٤ ؛ ٣١٤ ) ، تاريخ الطبري ( ج ٣ ؛ ٢٠٥ ) ، شرح النهج ( ج ١٣ ؛ ٣٩ ).

٣٥٩

إنّما مثلك في الأمّة مثل الكعبة ... وإنّما تؤتى ... ولا تأتي

في المسترشد (٣٩٤) بسنده عن عليّ عليه‌السلام ، قال : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (١) فلو ترك الناس الحجّ لم يكن البيت ليكفر بتركهم إيّاه ، ولكن كانوا يكفرون بتركه ؛ لأنّ الله تبارك وتعالى قد نصبه لهم علما ، وكذلك نصّبني علما ، حيث قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ ، أنت بمنزلة الكعبة ، يؤتى إليها ولا تأتي.

وفي أسد الغابة ( ج ٤ ؛ ٣١ ) بسنده عن عليّ عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت بمنزلة الكعبة ، تؤتى ولا تأتي ، فإن أتاك هؤلاء القوم فسلّموها إليك ـ يعني الخلافة ـ فاقبل منهم ، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتّى يأتوك.

وقد روت كتب الفريقين هذا الحديث بمعنى واحد ، وألفاظ مختلفة ، فورد في بعضها « أن مثل عليّ مثل الكعبة ، يحجّ إليها ولا تحجّ » و « إنّما أنا كالكعبة أقصد ولا أقصد » و « مثل عليّ كمثل بيت الله الحرام ، يزار ولا يزور » ، وما شاكلها وقاربها من الألفاظ. انظر في ذلك الصراط المستقيم ( ج ٢ ؛ ٧٥ ) وكشف اليقين (٢٩٨) وكفاية الأثر ( ١٩٩ ، ٢٤٨ ) وبشارة المصطفى (٢٧٧) وإرشاد القلوب (٣٨٣) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١ ؛ ٢٦٢ ) ( ج ٣ ؛ ٢٠٢ ، ٢٦٨ ) وأمالي الصدوق (١٧) والتحصين (٦٠٩) وتفسير فرات ( ٨١ ـ ٨٢ ) ودلائل الإمامة (١٢) والمسترشد (٣٨٧) وبحار الأنوار ( ج ٤٠ ؛ ٧٥ ـ ٧٨ ) نقلا عن الفردوس للديلمي.

وهو في مناقب ابن المغازلي (١٠٧) وتاريخ دمشق ( ج ٢ ؛ ٤٠٧ / الحديث ٩٠٥ ) وينابيع المودّة ( ج ٢ ؛ ٧ ) ونور الهداية للدواني المطبوع في الرسائل المختارة (١٢٦) وكنوز الحقائق (١٨٨).

وأئمّة آل البيت عليهم‌السلام كلّهم كالكعبة ، ففي الصراط المستقيم ( ج ٢ ؛ ٧٥ ) قال : أسند ابن جبر في نخبه إلى الصادق عليه‌السلام ، قوله : « نحن كعبة الله ، ونحن قبلة الله » وفي هذا وجوب

__________________

(١) آل عمران ؛ ٩٧.

٣٦٠