السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات تاسوعاء
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-90423-5-0
الصفحات: ٦٤٠
الطّرفة الثالثة والعشرون
روى هذه الطّرفة ـ عن كتاب الطّرف ـ العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢ ؛ ٤٨٨ ) والعلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٣ ؛ ١٦٩ ) باختصار.
وتخرج فلانة عليك في عساكر الحديد
في إرشاد القلوب (٣٣٧) في خبر حذيفة بن اليمان ، قال : ثمّ أمر صلىاللهعليهوآله خادمة لأم سلمة ، فقال لها : اجمعي لي هؤلاء ـ يعني نساءه ـ فجمعتهنّ له في منزل أم سلمة ، فقال لهنّ : اسمعن ما أقول لكنّ ـ وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب ـ فقال لهن : هذا أخي ، ووصيّي ، ووارثي ، والقائم فيكنّ وفي الأمّة من بعدي ، فأطعنه فيما يأمركنّ به ، ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته.
ثمّ قال : يا عليّ أوصيك بهنّ ، فأمسكهنّ ما أطعن الله وأطعنك ، وأنفق عليهنّ من مالك ، وأمرهنّ بأمرك ، وانههنّ عمّا يريبك ، وخلّ سبيلهن إن عصينك.
فقال عليّ عليهالسلام : يا رسول الله ، إنّهنّ نساء ، وفيهنّ الوهن وضعف الرأي ، فقال : أرفق بهنّ ما كان الرفق أمثل ، فمن عصاك منهنّ فطلّقها طلاقا يبرأ الله ورسوله منها.
قال : كلّ نساء النبي صلىاللهعليهوآله قد صمتن فما يقلن شيئا ، فتكلّمت عائشة ، فقالت : يا رسول الله ما كنّا لتأمرنا بشيء فنخالفه إلى ما سواه.
فقال صلىاللهعليهوآله لها : بلى ، قد خالفت أمري أشدّ الخلاف [ في إفشائها ما أسرّه النبي إليها ] ، وأيم الله لتخالفين قولي هذا ، ولتعصينه بعدي ، ولتخرجين من البيت الّذي أخلّفك فيه ،
متبرّجة ، قد حفّ بك فئات من الناس ، فتخالفينه ظالمة له ، عاصية لربّك ، ولتنبحنّك في طريقك كلاب الحوأب ، ألا إنّ ذلك كائن ، ثمّ قال : قمن فانصرفن إلى منازلكنّ ، فقمن فانصرفن.
وفي كمال الدين ( ج ١ ؛ ٢٧ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود ، قال : قلت للنبي صلىاللهعليهوآله : يا رسول الله من يغسّلك إذا متّ؟ قال : يغسّل كلّ نبي وصيّه ، قلت : فمن وصيّك يا رسول الله؟ قال : عليّ بن أبي طالب ، قلت : كم يعيش بعدك يا رسول الله؟ قال : ثلاثين سنة ؛ فإنّ يوشع بن نون ـ وصي موسى ـ عاش بعد موسى ثلاثين سنة ، وخرجت عليه صفراء بنت شعيب ؛ زوجة موسى ، فقالت : أنا أحقّ منك بالأمر ، فقاتلها فقتل مقاتلتها ، وأسرها فأحسن أسرها ، وإنّ ابنة أبي بكر ستخرج على عليّ في كذا وكذا ألفا من أمّتي ، فيقاتلها فيقتل مقاتليها ، ويأسرها فيحسن أسرها ، وفيها أنزل الله عزّ وجلّ ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ) (١) يعني صفراء بنت شعيب. وروى هذا الخبر الطبريّ الإمامي في بشارة المصطفى ( ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود أيضا.
وقال العلاّمة البياضي في خبر رواه في الصراط المستقيم ( ج ٢ ؛ ٤٥ ) : فلمّا ماتا [ هارون وموسى ] كان وصي موسى يوشع بن نون ، فخرجت عليه صافورا ، وهي غير صفراء بنت شعيب امرأة موسى ....
وفي كتاب اليقين ( ١٩٩ ـ ٢٠٠ ) نقلا من كتاب المعرفة لإبراهيم الثقفيّ ، بإسناده عن نافع مولى عائشة ، قال : كنت خادما لعائشة وأنا غلام ... ثمّ جاء جاء فدقّ الباب ، فخرجت إليه ، فإذا عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فرجعت إلى النبي وأخبرته ، فقال : أدخله ، فدخل عليّ عليهالسلام ، فقال صلىاللهعليهوآله : مرحبا وأهلا ، لقد تمنّيتك حتّى لو أبطأت عليّ لسألت الله أن يجيء بك ، اجلس فكل ، فجلس فأكل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : قاتل الله من يقاتلك ومن يعاديك ، قالت عائشة : ومن يعاديه؟ ، قال صلىاللهعليهوآله : أنت ومن معك ، أنت ومن معك. وروى نحوه في ( ٢٤٦ ـ ٢٤٧ )
__________________
(١) الأحزاب ؛ ٣٣
عن كتاب « المائة حديث » بطرق العامة ، ورواه الطبريّ الإمامي في المسترشد (٦٠٣).
وقال ابن حجر في تطهير الجنان (٥٠) : وبسند رجاله ثقات أنّه صلىاللهعليهوآله قال : يا عليّ ، إنّه سيكون بينك وبين عائشة أمر ... إذا كان كذلك فارددها إلى مأمنها.
وفي ينابيع المودّة ( ج ٢ ؛ ١٠٥ ) عن أم سلمة ، قالت : ذكر رسول الله صلىاللهعليهوآله خروج واحدة من أمّهات المؤمنين ، فضحكت عائشة ، فقال : يا حميراء ، إيّاك أن تكوني أنت ، ثمّ التفت إلى عليّ عليهالسلام ، فقال : إن وليت من أمرها شيئا فأرفق بها. وهو في مناقب الخوارزمي (١١٠).
وحديث كلاب الحوأب من الأحاديث الصحيحة المتواترة معنى ؛ فقد قال ابن حجر في تطهير الجنان (٥٠) : وبسند رجاله رجال الصحيح : أن عائشة لمّا نزلت على الحوأب سمعت نباح الكلاب ، فقالت : ما أظنني إلاّ راجعة ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول لنا : أيّتكنّ تنبح عليها كلاب الحوأب؟! فقال لها الزبير : لا ترجعين ، عسى الله أن يصلح بك الناس.
وقال : وبسند رجاله ثقات ، أنّه صلىاللهعليهوآله قال لنسائه : أيّتكنّ صاحبة الجمل الأزيب ـ أي بزاي فتحتية فموحّدة ، الطويل أو الضامر ـ تخرج فتنبحها كلاب الحوأب ، تقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثيرة ، ثمّ تنجو بعد ما كادت تهلك.
وفي شرح النهج ( ج ٩ ؛ ٣١١ ) قول النبي صلىاللهعليهوآله لنسائه ، وهنّ جميعا عنده : أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب ، تنبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلّهم في النار ، وتنجو بعد ما كادت.
وفيه أيضا ( ج ٦ ؛ ٢١٧ ـ ٢١٨ ) قوله صلىاللهعليهوآله : أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب ، تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط.
وفي الصراط المستقيم ( ج ٣ ؛ ١٦٣ ) قالت أم سلمة لعائشة : ألا تذكرين قول النبي صلىاللهعليهوآله : لا تذهب الأيّام واللّيالي حتّى تنابح كلاب الحوأب على امرأة من نسائي في فئة طاغية؟!
وفي ينابيع المودّة ( ج ٢ ؛ ٧١ ) عائشة ، رفعته : أنّ الله قد عهد إليّ أنّ من خرج على عليّ عليهالسلام فهو كافر في النار ، قيل : لم خرجت عليه؟ قالت : أنا نسيت هذا الحديث يوم الجمل حتّى ذكرته بالبصرة ، وأنا أستغفر الله.
وانظر حديث كلاب الحوأب في الفائق ( ج ١ ؛ ١٩٠ ) والنهاية في غريب الحديث والأثر ( ج ١ ؛ ٤٥٦ « حوب » ) و ( ج ٢ ؛ ٩٦ « دبب » ) وكفاية الطالب (١٧١) والمواهب اللّدنيّة ( ج ٢ ؛ ١٩٥ ) ومجمع الزوائد ( ج ٧ ؛ ٢٣٤ ) وكنز العمال ( ج ٦ ؛ ٨٣ ) والسيرة الحلبية ( ج ٣ ؛ ٣١٢ ) وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار (٦٧) والمحاسن والمساوئ (٤٩) وحياة الحيوان ( ج ١ ؛ ٢٨٢ ) والإمامة والسياسة ( ج ١ ؛ ٨٢ ) والفتوح ( ج ١ ؛ ٤٥٦ ـ ٤٥٧ ) ومروج الذهب ( ج ٢ ؛ ٣٦٦ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٣ ؛ ٢١٠ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٥ ؛ ١٧١ ) والأعلام للماورديّ (٨٢) وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢ ؛ ١٨١ ) وتاريخ ابن خلدون ( ج ٢ ؛ ٦٠٨ ) ومسند أحمد ( ج ٦ ؛ ٩٧ ) والمستدرك للحاكم ( ج ٣ ؛ ١١٩ ) والفخريّ (٨٦) ومناقب الخوارزمي (١١٤).
وفي دلائل الإمامة ( ١٢٠ ـ ١٢١ ) بسنده عن سليمان بن خالد ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام جالسا ... قالوا : فإن طلحة والزبير صنعا ما صنعا ، فما حال المرأة؟ قال عليهالسلام : المرأة عظيم إثمها ، ما أهرقت محجمة من دم إلاّ وإثم ذلك في عنقها وعنق صاحبيها.
وتتخلّف الأخرى تجمع إليها الجموع ، هما في الأمر سواء
قال الطبريّ في تاريخه ( ج ٥ ؛ ١٦٧ ) : وانطلق القوم بعدها [ أي بعد عائشة ] إلى حفصة ، فقالت : رأيي تبع لرأي عائشة ... وتجهزوا بالمال ونادوا بالرحيل ، واستقلّوا ذاهبين ، وأرادت حفصة الخروج ، فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد ، فقعدت ، وبعثت إلى عائشة « أن عبد الله حال بيني وبين الخروج » ، فقالت : يغفر الله لعبد الله.
وفي شرح النهج ( ج ١٦ ؛ ٢٢٥ ) قال أبو مخنف : وأرسلت إلى حفصة تسألها الخروج والمسير معها ، فبلغ ذلك عبد الله بن عمر ، فأتى أخته فعزم عليها ، فأقامت وحطّت الرحال بعد ما همّت.
وفي الفتوح ( ج ١ ؛ ٤٥٧ ) قال : فخرجت عائشة من عند أم سلمة وهي حنقة عليها ، ثمّ إنّها بعثت إلى حفصة ، فسألتها أن تخرج معها إلى البصرة ، فأجابتها حفصة إلى ذلك.
وفي الفتوح ( ج ١ ؛ ٤٦٧ ) : وبلغ ذلك [ خروج عائشة والحشود ] حفصة بنت عمر بن الخطّاب ، فأرسلت إلى أم كلثوم بنت عليّ عليهالسلام ، فدعتها ، ثمّ أخبرتها باجتماع الناس إلى عائشة ، كلّ ذلك لتغمّها بكثرة الجموع إلى عائشة ، فقالت لها أم كلثوم : على رسلك يا حفصة ، فإنّكم إن تظاهرتم على أبي فقد تظاهرتم على رسول الله ، فكان الله مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير.
وفي تاريخ ابن الأثير ( ج ٣ ؛ ٢٠٨ ) : وأجابتهم حفصة إلى المسير معهم ، فمنعها أخوها عبد الله بن عمر.
وفي كتاب الجمل ( ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ) قال : ولمّا بلغ عائشة نزول أمير المؤمنين عليهالسلام بذي قار كتبت إلى حفصة بنت عمر : « أمّا بعد ، فإنا نزلنا البصرة ، ونزل عليّ بذي قار ، والله داقّ عنقه كدقّ البيضة على الصفا ، إنّه بذي قار بمنزلة الأشقر ، إن تقدّم نحر وإن تأخر عقر » ، فلمّا وصل الكتاب إلى حفصة استبشرت بذلك ، ودعت صبيان بني تيم وعدي ، وأعطت جواريها دفوفا وأمرتهنّ أن يضربن بالدفوف ، ويقلن : « ما الخبر ما الخبر * عليّ كالاشقر * إن تقدّم نحر * وإن تأخّر عقر » ، فبلغ أمّ سلمة رضياللهعنها اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سبّ أمير المؤمنين والمسرّة بالكتاب الوارد عليهن من عائشة ، فبكت وقالت : أعطوني ثيابي حتّى أخرج إليهن وأقع بهن.
فقالت أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين عليهالسلام : أنا أنوب عنك ، فإنّني أعرف منك ، فلبست ثيابها وتنكّرت وتخفّرت ، واستصحبت جواريها متخفّرات ، وجاءت حتّى دخلت عليهن كأنّها من النظّارة ، فلمّا رأت ما هنّ فيه من العبث والسفه كشفت نقابها ، وأبرزت لهنّ وجهها ، ثمّ قالت لحفصة : « إن تظاهرت أنت وأختك على أمير المؤمنين ، فقد تظاهرتما على أخيه رسول الله صلىاللهعليهوآله من قبل ، فأنزل الله عزّ وجلّ فيكما ما أنزل ، والله من وراء حربكما » ، فانكسرت حفصة وأظهرت خجلا ، وقالت : إنّهنّ فعلن هذا بجهل ، وفرّقتهن في الحال ، فانصرفن من المكان.
وروى الخبر ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٤ ؛ ١٣ ) ثمّ قال : قال أبو مخنف :
« روى هذا الخبر جرير بن يزيد ، عن الحاكم ، ورواه الحسن بن دينار ، عن الحسن البصريّ » ، وذكر الواقديّ مثل ذلك ، وذكر المدائني أيضا مثله.
وانظر الصراط المستقيم ( ج ٣ ؛ ١٦٩ ) ومثالب النواصب ( ج ٣ ؛ ٣٧ ـ ٣٨ ) والدر النظيم ( ج ١ ؛ ١٢٣ ) وبحار الأنوار ( ج ٣٢ ؛ ٩٠ ـ ٩١ ).
وفي هذه النصوص وغيرها أكبر دلالة على أنّ حفصة كانت تحارب عليّا إعلاميّا ، وتحشّد الناس فكريّا ضد عليّ عليهالسلام ، ليخفّوا إلى عائشة ، ويقعدوا عن نصرة عليّ عليهالسلام.
قال عليّ عليهالسلام : يا رسول الله إن فعلتا ذلك تلوت عليهما كتاب الله ، وهو الحجّة فيما بيني وبينهما
في مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣ ؛ ١٥٥ ) قال عليّ عليهالسلام : اللهمّ إنّي أعذرت وأنذرت ، فكن لي عليهم من الشاهدين ، ثمّ أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) (١) ، فقال مسلم المجاشعيّ : ها أنا ذا ، فخوّفه بقطع يمينه وشماله وقتله ، فقال : يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله ، فأخذه ودعاهم إلى الله ، فقطعت يده اليمنى ، فأخذه بيده اليسرى ، فقطعت ، فأخذه بأسنانه ، فقال عليهالسلام : الآن طاب الضراب.
وفي إرشاد القلوب ( ٣٤١ ـ ٣٤٢ ) : لمّا صافّ القوم واجتمعوا على الحرب ، أحبّ أمير المؤمنين عليهالسلام أن يستظهر عليهم بدعائهم إلى القرآن وحكمه ، فدعا بمصحف ، وقال : من يأخذ هذا المصحف ؛ يعرضه عليهم ، ويدعوهم إلى ما فيه ، فيحيي ما أحياه ، ويميت ما أماته؟ ... قال : فقام الفتى وقال : يا أمير المؤمنين ، أنا آخذه وأعرضه عليهم وأدعوهم إلى ما فيه ، قال : فأعرض عنه أمير المؤمنين عليهالسلام ، ثمّ نادى الثانية ... ثمّ نادى الثالثة ، فلم يقم إليه أحد من الناس إلاّ الفتى ، فقال : أنا آخذه وأعرضه عليهم ، وأدعوهم إلى ما فيه ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : إنّك إن فعلت ذلك فأنت مقتول ، فقال : والله يا أمير المؤمنين ما شيء أحبّ
__________________
(١) الحجرات ؛ ٩
إليّ من أن أرزق الشهادة بين يديك ، وأن أقتل في طاعتك.
فأعطاه أمير المؤمنين عليهالسلام المصحف ، فتوجّه به نحو عسكرهم ، فنظر إليه أمير المؤمنين ، فقال : إنّ الفتى ممّن حشا الله قلبه نورا وإيمانا ، وهو مقتول ، ولقد أشفقت عليه من ذلك ، ولن يفلح القوم بعد قتلهم إيّاه.
فمضى الفتى بالمصحف حتّى وقف بإزاء عسكر عائشة ، وطلحة والزبير حينئذ عن يمين الهودج وشماله ، وكان له صوت فنادى بأعلى صوته : معاشر الناس ، هذا كتاب الله ، وإنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام يدعوكم إلى كتاب الله والحكم بما أنزل الله فيه ، فأنيبوا إلى طاعة الله والعمل بكتابه.
قال : وكانت عائشة وطلحة والزبير يسمعون قوله ، فأمسكوا ، فلمّا رأى ذلك أهل عسكرهم بادروا إلى الفتى ـ والمصحف في يمينه ـ فقطعوا يده اليمنى ، فتناول المصحف بيده اليسرى ، وناداهم بأعلى صوته مثل ندائه أوّل مرّة ، فبادروا إليه وقطعوا يده اليسرى ، فتناول المصحف واحتضنه ودماؤه تجري عليه ، وناداهم مثل ذلك ، فشدّوا عليه فقتلوه ، ووقع ميّتا فقطّعوه إربا إربا ، ولقد رأينا شحم بطنه أصفر.
قال : وأمير المؤمنين عليهالسلام واقف يراهم ، فأقبل على أصحابه ، وقال : إنّي والله ما كنت في شكّ ولا لبس من ضلالة القوم وباطلهم ، ولكن أحببت أن يتبين لكم جميعا ذلك من بعد قتلهم الرجل الصالح حكيم بن جبلة العبدي في رجال صالحين معه ، ووثوبهم بهذا الفتى وهو يدعوهم إلى كتاب الله والحكم به والعمل بموجبه ، فثاروا إليه فقتلوه ، لا يرتاب بقتلهم إيّاه مسلم ، ووقدت الحرب ....
قال عبد الله بن سلمة : كنت ممّن شهد حرب الجمل ، فلمّا وضعت الحرب أوزارها ، رأيت أم ذلك الفتى واقفة عليه ، فجعلت تبكي عليه ، ثمّ أنشأت تقول :
يا ربّ إنّ مسلما أتاهم |
|
يتلو كتاب الله لا يخشاهم |
يأمرهم بأمر من ولاهم |
|
فخضّبوا من دمه قناهم |
وأمّه قائمة تراهم |
|
تأمرهم بالغي لا تنهاهم |
وانظر بعث عليّ عليهالسلام الغلام بكتاب الله ليدعوهم إليه ، وقتلهم الفتى ، في تاريخ الطبريّ ( ج ٥ ؛ ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٣ ؛ ٢٦١ ـ ٢٦٢ ) والفتوح ( ج ١ ؛ ٤٧٧ ) ومروج الذهب ( ج ٢ ؛ ٣٧٠ ) وشرح النهج ( ج ٩ ؛ ١١٢ ) ومناقب الخوارزمي ( ١١٢ ـ ١١٣ ) وفيه « أنّ المقتولين الذين بعثهم عليّ بالقرآن ثلاثة ، كلّ يوم واحد » ، و (١١٩) والجمل ( ٣٣٦ ـ ٣٤٠ ) وفيه « أنّ عليّا عليهالسلام بعث ابن عبّاس بكتاب الله ليحاججهم ، ثمّ بعث الفتى فقتلوه بأمر عائشة ؛ حيث قالت : اشجروه بالرماح قبّحه الله » ، وتذكرة الخواص ( ٧١ ـ ٧٢ ). وانظر تاريخ اليعقوبي ( ج ٢ ؛ ١٨٢ ).
فإن قبلتاه وإلاّ أخبرتهما بالسنة وما يجب عليهما من طاعتي وحقّي المفروض عليهما
الثابت تاريخيّا أن عليّا عليهالسلام احتجّ على عائشة وطلحة والزبير بأبلغ الاحتجاج ، فلم يرعووا ولم يرتدعوا ؛ إذ احتجّ عليهم بالكتاب كما تقدّم ، وبالسنّة كما سنذكره هنا ؛ حيث احتجّ على عائشة ـ وهو مرادنا هنا ـ كما احتجّ على طلحة والزبير ، ولم يحتجّ على حفصة مباشرة ، وإنّما لزمتها الحجّة الّتي أقامها عليّ عليهالسلام على أصحاب الجمل وأتباعهم ، وقد تقدّم أنّ أم كلثوم بنت عليّ وأم سلمة أقامتا الحجّة على حفصة ، فتكون الحجّة لازمة لها وإن أقامها عليّ عليهالسلام على عائشة مباشرة.
ففي بصائر الدرجات (٢٦٤) بسنده عن محمّد بن سنان ، يرفعه ، قال : إنّ عائشة قالت : التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل حتّى أبعثه إليه ، قال : فأتيت به ... قال عليهالسلام : أرجع إليها كتابي هذا ، وقل لها : ما أطعت الله ولا رسوله حيث أمرك الله بلزوم بيتك ، فخرجت تردّدين في العساكر.
وفي الخصال (٣٧٧) بسنده عن الباقر عليهالسلام ، في رواية طويلة في بيان عليّ عليهالسلام للمواطن الّتي امتحن الله بها الأوصياء ، قال عليّ عليهالسلام فيها : فقدّمت الحجّة بالإعذار والإنذار ، ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها ، والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي ....
وفي الفتوح ( ج ١ ؛ ٤٧١ ) : فلمّا كان الغد دعا عليّ عليهالسلام بزيد بن صوحان وعبد الله بن عبّاس ، فقال لهما : امضيا إلى عائشة ، فقولا لها : ألم يأمرك الله أن تقرّي في بيتك؟ فخدعت وانخدعت ، واستنفرت فنفرت ، فاتّقي الله الّذي إليه مرجعك ومعادك ، وتوبي إليه فإنّه يقبل التوبة عن عباده ، ولا يحملنّك قرابة طلحة وحبّ عبد الله بن الزبير على الأعمال الّتي تسعى بك إلى النار ، قال : فانطلقا إليها وبلّغاها رسالة عليّ عليهالسلام ، فقالت : ما أنا برادّة عليكم شيئا ، فإنّي أعلم أنّي لا طاقة لي بحجج عليّ بن أبي طالب.
وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣ ؛ ١٥٢ ) عن ابن أعثم في الفتوح ( ج ١ ؛ ٤٦٨ ) قال : ثمّ كتب عليهالسلام إلى عائشة : أمّا بعد ، فإنّك قد خرجت من بيتك عاصية لله تعالى ولرسول محمّد صلىاللهعليهوآله ، تطلبين أمرا كان عنك موضوعا ، ثمّ تزعمين أنّك تريدين الإصلاح بين المسلمين ، فأخبريني ما للنساء وقود العساكر والإصلاح بين الناس؟! فطلبت كما زعمت بدم عثمان ، وعثمان رجل من بني أميّة ، وأنت امرأة من بني تيم بن مرّة ، ولعمري إنّ الذي عرّضك للبلاء ، وحملك على المعصية لأعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان ، وما غضبت حتّى أغضبت ، ولا هجت حتّى هيّجت ، فاتقي الله يا عائشة وارجعي إلى منزلك ، وأسبلي عليك سترك ، والسلام.
قال ابن شهرآشوب : قالت عائشة : قد جلّ الأمر عن الخطاب.
وروى الأربلي في كشف الغمّة ( ج ١ ؛ ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ) كتاب عليّ هذا ، ثمّ قال :
فجاء الجواب إليه : يا بن أبي طالب جلّ الأمر عن العتاب ، ولن ندخل في طاعتك أبدا فاقض ما أنت قاض ، والسلام. وهو في الإمامة والسياسة ( ج ١ ؛ ٩٠ ـ ٩١ ) ثمّ قال : وكتبت عائشة : جلّ الأمر عن العتاب ، والسلام.
وروى كتاب عليّ هذا الخوارزمي في مناقبه (١١٧) وسبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (٦٩).
وقال أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف ( ٣٠٠ ـ ٣٠١ ) : فلمّا انتهى عليهالسلام إليهم دعاهم إلى الله ، وإلى كتابه ، وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله ، والدخول في الجماعة ، وخوّفهم الفتنة والفرقة ، فأبوا إلاّ القتال أو خلع نفسه من الأمر ليولّوه من شاءوا ، أو يسلّم إليهم قتلة عثمان ليروا رأيهم
فيهم ، فسألهم ذكر حدث يوجب خلعه ، أو تقصير يمنع من إمامته ، فلم يجيبوه ، فكرّر الإعذار ، وبالغ في النصيحة والدعوة إلى كتاب الله والسنّة ، والتخويف من الفتنة والفرقة ، على الانفراد بكلّ منهم بنفسه وبرسله ، والاجتماع ... فكرر التذكار والوعظ ، فلم يزدهم ذلك إلاّ طغيانا وإصرارا ، فأمسك عن قتالهم واقتصر على الدعاء ، حتّى بدءوه بالحرب ، وقتلوا داعيه بالمصحف إلى ما فيه ، وهو مسلم ، ورشقوا أصحابه عليهالسلام بالسهام ، فجرحوا قوما وقتلوا آخرين ، وحملوا على أصحابه من كلّ جانب ، وعائشة على جملها مجفّفا ، وعلى هودجها الدروع ، بارزة بين الصفّين تحرّض على القتال ، فحينئذ أذن عليهالسلام لأنصاره بالقتال ...
وقال الدينوريّ في الأخبار الطوال (١٤٧) قالوا : وأقام عليّ عليهالسلام ثلاثة أيّام يبعث رسله إلى أهل البصرة ، فيدعوهم إلى الرجوع إلى الطاعة والدخول في الجماعة ، فلم يجد عند القوم إجابة.
وفي تاريخ اليعقوبي ( ج ٢ ؛ ١٨٢ ) : واصطفّ أصحاب عليّ عليهالسلام ، فقال لهم : لا ترموا بسهم ، ولا تطعنوا برمح ، ولا تضربوا بسيف ... أعذروا ، فرمى رجل من عسكر القوم بسهم فقتل رجلا من أصحاب أمير المؤمنين ، فأتي به إليه ، فقال : اللهمّ اشهد ، ثمّ رمى آخر فقتل رجلا من أصحاب عليّ ، فقال : اللهمّ اشهد ، ثمّ رمى رجل آخر ، فأصاب عبد الله بن بديل ابن ورقاء الخزاعي ....
يضاف إلى ما ذكرنا ما أطبقت عليه المصادر التاريخية من تذكير عليّ الزبير بحقّه بنص رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ورجوع الزبير ، كما أطبقت المصادر على احتجاج عليّ على طلحة ومحاججته بالسنّة ، وكذلك عائشة ، وهذا كلّه تعلّما من رسول الله ، وأخذا عنه صلىاللهعليهوآله ، وقد اعترفت عائشة وكانت تعرف ذلك جيدا ، وأنّ عليّا ابن عمّ الرسول والمترسّم لخطاه ، قال ابن أعثم في الفتوح ( ج ١ ؛ ٤٧٦ ـ ٤٧٧ ) : ونظرت إليه [ إلى عليّ عليهالسلام ] عائشة وهو يجول بين الصفوف ، فقالت : انظروا إليه ، كأنّ فعله فعل رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم بدر ، أما والله ما ينتظر
بكم إلاّ زوال الشمس ، فقال عليّ عليهالسلام : يا عائشة ( عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ ) (١).
قال : وعقر الجمل ... وإن وقع في النار
في الفتوح ( ج ١ ؛ ٤٨٩ ) قال ابن أعثم : واحمرت الأرض بالدماء ، وعقر من ورائه ، فعجّ ورغا ، فقال عليّ عليهالسلام : عرقبوه فإنّه شيطان.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١ ؛ ٢٥٧ ) : وزحف عليّ عليهالسلام نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار ، وحوله بنوه حسن وحسين عليهماالسلام ومحمّد ، ودفع الراية إلى محمّد ، وقال : اقدم بها حتّى تركزها في عين الجمل.
وفيه أيضا ( ج ١ ؛ ٢٥٣ ) : صرخ عليّ بأعلى صوته : ويلكم اعقروا الجمل فإنّه شيطان ، ثمّ قال : اعقروه وإلاّ فنيت العرب ... فصمدوا له حتّى عقروه ، فسقط وله رغاء شديد ، فلمّا برك كانت الهزيمة.
وفيه أيضا ( ج ١ ؛ ٢٦٦ ) : وخلص عليّ عليهالسلام في جماعة من النّخع وهمدان إلى الجمل ... فما هو إلاّ أن صرع الجمل حتّى فرّت الرجال كما يطير الجراد في الريح الشديدة.
وفيه أيضا ( ج ١ ؛ ٢٦٢ ) : فنادى عليّ عليهالسلام : ويحكم ارشقوا الجمل بالنبل ، اعقروه لعنه الله.
وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣ ؛ ١٦١ ) : وشكّت السهام الهودج حتّى كأنّه جناح نسر أو شوك قنفذ ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : ما أراه يقاتلكم غير هذا الهودج ، اعقروا الجمل. وفي رواية : عرقبوه فإنّه شيطان.
وفي أمالي المفيد (٥٩) : ثمّ نادى منادي أمير المؤمنين عليهالسلام : عليكم بالبعير فإنّه شيطان ، قال : فعقره برمحه ، وقطع إحدى يديه رجل آخر ، فبرك ورغا.
وانظر تاريخ الطبريّ ( ج ٥ ؛ ٢١٠ ) والجمل ( ٣٥٠ ، ٣٦٠ ، ٣٦٩ ، ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٣ ؛ ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ) ومناقب الخوارزمي (١٢١) ومروج الذهب
__________________
(١) المؤمنون ؛ ٤٠
( ج ٢ ؛ ٣٧٥ ـ ٣٧٦ ) والأخبار الطوال ( ١٥٠ ـ ١٥١ ) والبداية والنهاية ( ج ٧ ؛ ٢٧٠ ).
وقال الشريف المرتضى في شرح القصيدة المذهّبة (٩٠) عند شرحه لقول السيّد الحميريّ :
أإلى أميّة أم إلى شيع الّتي |
|
جاءت على الجمل الخدبّ الشوقب |
قال : وقيل : أنّ اسم هذا الجمل « عسكر » ، وشوهد من هذا الجمل في ذلك اليوم كلّ عجب ، كلّما أثبتت منه قائمة من قوائمه ثبت على الأخرى ، حتّى روي أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام نادى : اقتلوا الجمل فإنّه شيطان ، وأنّ محمّد بن أبي بكر وعمّارا ـ رحمة الله عليهما ـ توليا عقره بعد طول زمانه ، وروي أنّ هذا الجمل بقي باركا ، ضاربا بجرانه سنة لا يأكل منه سبع ولا طائر.
وفي اختيار معرفة الرجال ( ج ١ ؛ ٥٧ ـ ٥٨ ) قال : كان سلمان إذا رأى الجمل ـ الّذي يقال له : عسكر ـ يضربه ، فيقال له : يا أبا عبد الله ، ما تريد من هذه البهيمة؟ فيقول : ما هذا بهيمة ، ولكنّ هذا عسكر بن كنعان الجنّي ، يا أعرابي لا ينفق جملك هاهنا ، ولكن اذهب به إلى الحوأب ؛ فإنّك تعطى ما تريد.
وفيه ( ج ١ ؛ ٥٨ ) عن الباقر عليهالسلام ، قال : اشتروا عسكرا بسبعمائة درهم ، وكان شيطانا.
وفي الاحتجاج (١٦٤) وقيل : أنّ اسم الجمل الّذي ركبته يوم الجمل عائشة « عسكر » ، من ولد إبليس اللّعين ، ورئي منه ذلك اليوم كلّ عجيب ؛ لأنّه كلّما بتر منه قائمة من قوائمة ثبت على أخرى ، حتّى نادى أمير المؤمنين عليهالسلام : اقتلوا الجمل فإنّه شيطان.
وفي شرح النهج ( ج ١ ؛ ٢٦٦ ) عن أبي مخنف ، قال : وحدّثنا مسلم الأعور ، عن حبّة العرني ، قال : فلمّا رأى عليّ عليهالسلام أنّ الموت عند الجمل ، وأنّه ما دام قائما فالحرب لا تطفأ ، وضع سيفه على عاتقه ، وعطف نحوه ، وأمر أصحابه بذلك ، ومشى نحوه ، والخطام مع بني ضبّة ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، واستحرّ القتل في بني ضبّة ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وخلص عليّ عليهالسلام في جماعة من النّخع وهمدان إلى الجمل ، فقال لرجل من النخع « اسمه بجير » : دونك الجمل يا بجير ، فضرب عجز الجمل بسيفه ، فوقع لجنبه ، وضرب بجرانه الأرض ، وعجّ عجيجا لم يسمع بأشدّ منه ، فما هو إلاّ أن صرع الجمل حتّى فرّت الرجال كما
يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب ... وأمر عليّ عليهالسلام بالجمل أن يحرق ثمّ يذرّى في الريح ، وقال عليهالسلام : لعنه الله من دابّة ، فما أشبهه بعجل بني إسرائيل ، ثمّ قرأ ( وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ) (١).
يا عليّ ، إذا فعلتا ما شهد عليهما القرآن ، فأبنهما منّي فإنّهما بائنتان.
في كمال الدين (٤٥٩) بسنده عن سعد بن عبد الله القمّي ، في قضية وروده إلى سامراء ليسأل الإمام العسكري عليهالسلام عن مسائل ، حتّى قال : نظر إليّ مولانا أبو محمّد ، فقال : ما جاء بك يا سعد؟ فقلت : شوّقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا قال : والمسائل الّتي أردت أن تسأل عنها؟ قلت : على حالها يا مولاي ، قال : فسل قرّة عيني ـ وأومأ إلى الغلام [ صاحب الأمر عجّل الله فرجه ] ـ فقال لي الغلام : سل عمّا بدا لك منها.
فقلت له : مولانا وابن مولانا ، إنّا روينا عنكم أن رسول الله صلىاللهعليهوآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليهالسلام ، حتّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة : إنّك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك ، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك ، فإن كففت عنّي غربك وإلاّ طلقتك ، ونساء رسول الله صلىاللهعليهوآله قد كان طلاقهنّ وفاته؟!
قال عليهالسلام : ما الطلاق؟
قلت : تخلية السبيل.
قال : فإذا كان طلاقهنّ وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد خلّيت لهنّ السبيل ، فلم لا يحلّ لهنّ الأزواج؟
قلت : لأنّ الله تبارك وتعالى حرّم الأزواج عليهنّ.
قال : كيف ، وقد خلّى الموت سبيلهنّ؟
قلت : فأخبرني يا بن مولاي عن معنى الطلاق الّذي فوّض رسول الله صلىاللهعليهوآله حكمه إلى أمير المؤمنين عليهالسلام.
__________________
(١) طه ؛ ٩٧
قال عليهالسلام : إنّ الله تقدّس اسمه عظّم شأن نساء النبي ، فخصهنّ بشرف الأمّهات ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أبا الحسن ، إنّ هذا الشرف باق لهنّ ما دمن لله على الطاعة ، فأيّتهن عصمت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج ، وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين.
وفي الفتوح ( ج ١ ؛ ٤٩٣ ـ ٤٩٤ ) بعد أن ذكر محاججة ابن عبّاس لعائشة ، قال : ثمّ أقبل عليّ عليهالسلام على عائشة ، فجعل يوبّخها ويقول : أمرك الله أن تقرّي في بيتك ، وتحتجبي بسترك ، ولا تبرّجي ، فعصيته وخضت الدماء ، تقاتلينني ظالمة ، وتحرّضين عليّ الناس ، وبنا شرّفك الله وشرّف آباءك من قبلك ، وسمّاك أم المؤمنين ، وضرب عليك الحجاب ، قومي الآن فارحلي ، واختفي في الموضع الّذي خلّفك فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى أن يأتيك فيه أجلك ، ثمّ قام عليّ عليهالسلام فخرج من عندها.
قال : فلمّا كان من الغد بعث إليها ابنه الحسن عليهالسلام ، فجاء الحسن عليهالسلام فقال لها : يقول لك أمير المؤمنين « أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لئن لم ترحلي الساعة لأبعثنّ إليك بما تعلمين » ، قال : وعائشة في وقتها ذلك قد ضفرت قرنها الأيمن وهي تريد أن تضفر الأيسر ، فلمّا قال لها الحسن ما قال ، وثبت من ساعتها وقالت : رحّلوني.
فقالت لها امرأة من المهالبة : يا أم المؤمنين ، جاءك عبد الله بن عبّاس فسمعناك وأنت تجاوبينه حتّى علا صوتك ، ثمّ خرج من عندك وهو مغضب ، ثمّ جاءك الآن هذا الغلام برسالة أبيه فأقلقك ، وقد كان أبوه جاءك فلم نر منك هذا القلق والجزع!!
فقالت عائشة : إنّما أقلقني لأنّه ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فمن أحبّ أن ينظر إلى رسول الله فلينظر إلى هذا الغلام ، وبعد فقد بعث إليّ أبوه ما قد علمت ، ولا بدّ من الرحيل.
فقالت لها المرأة : سألتك بالله وبمحمّد إلاّ أخبرتني بما ذا بعث إليك عليّ عليهالسلام؟
فقالت عائشة : ويحك ، إنّ رسول الله أصاب من مغازيه نفلا ، فجعل يقسم ذلك في أصحابه ، فسألناه أن يعطينا منه شيئا ، وألححنا عليه في ذلك ، فلا منا عليّ عليهالسلام ، وقال : حسبكنّ أضجرتن رسول الله ، فتجهّمناه وأغلظنا له في القول ، فقال : ( عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ
أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ ) (١) ، فأغلظنا له أيضا في القول وتجهّمناه ، فغضب النبي صلىاللهعليهوآله من ذلك وما استقبلنا به عليا ، فأقبل عليه ثمّ قال : يا عليّ ، إنّي قد جعلت طلاقهنّ إليك ، فمن طلّقها منهنّ فهي بائنة ، ولم يوقّت النبي صلىاللهعليهوآله في ذلك وقتا في حياة ولا موت ، فهي تلك الكلمة ، وأخاف أن أبين من رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وروى هذا الخبر ابن شهرآشوب في مناقبه ( ج ٢ ؛ ١٣٤ ) وفيه : قالت [ عائشة ] : إنّ رسول الله جعل طلاق نسائه بيد عليّ ، فمن طلّقها في الدنيا بانت منه في الآخرة ، وفي رواية : كان النبي يقسم نفلا في أصحابه ... وساق معنى ما تقدّم.
وفي إرشاد القلوب (٣٣٧) : ثمّ أمر صلىاللهعليهوآله خادمة لأم سلمة ، فقال : اجمعي لي هؤلاء ـ يعني نساءه ـ فجمعتهن له في منزل أم سلمة ، فقال لهنّ : اسمعن ما أقول لكنّ ـ وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ـ فقال لهنّ : هذا أخي ، ووصيّي ، ووارثي ، والقائم فيكن وفي الأمّة من بعدي ، فأطعنه فيما يأمركن به ، ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته.
ثمّ قال : يا عليّ ، أوصيك بهنّ ، فأمسكهنّ ما أطعن الله وأطعنك ، وأنفق عليهن من مالك ، وأمرهنّ بأمرك ، وانههنّ عمّا يريبك ، وخلّ سبيلهن إن عصينك.
فقال عليّ عليهالسلام : يا رسول الله ، إنّهنّ نساء وفيهنّ الوهن وضعف الرأي.
فقال صلىاللهعليهوآله : أرفق بهنّ ما كان الرفق أمثل ، فمن عصاك منهنّ فطلّقها طلاقا يبرأ الله ورسوله منها. وروى نحوه الدرازي في التهاب نيران الأحزان (٣٤).
وفي بصائر الدرجات (٣١٤) بسنده عن يزيد بن شرحبيل : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام : هذا أفضلكم حلما ، وأعلمكم علما ، وأقدمكم سلما ، قال ابن مسعود : يا رسول الله فضلنا بالخير كلّه؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآله : ما علّمت شيئا إلاّ وقد علّمته ، وما أعطيت شيئا إلاّ وقد أعطيته ، ولا استودعت شيئا إلاّ وقد استودعته ، قالوا : فأمر نسائك إليه؟
__________________
(١) التحريم ؛ ٥
قال : نعم ، قالوا : في حياتك؟ قال : من عصاه فقد عصاني ، ومن أطاعه فقد أطاعني ، فإن دعاكم فاشهدوا.
وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢ ؛ ١٣٣ ـ ١٣٤ ) قال : وإنّه صلىاللهعليهوآله جعل طلاق نسائه إليه. أبو الدر عليّ المرادي ، وصالح مولى التؤمة ، عن عائشة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله جعل طلاق نسائه إلى عليّ عليهالسلام.
الأصبغ بن نباتة ، قال : بعث عليّ يوم الجمل إلى عائشة : ارجعي وإلاّ تكلّمت بكلام تبرين من الله ورسوله.
وفي المسترشد (٣٥٤) في مناشدة عليّ عليهالسلام : أفيكم أحد جعله رسول الله صلىاللهعليهوآله في طلاق نسائه مثل نفسه غيري؟
وفي أمالي الطوسي (٥٥٠) قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام : فهل فيكم أحد استخلفه رسول الله في أهله ، وجعل أمر أزواجه إليه من بعده غيري؟ وروى مثله الديلمي في إرشاد القلوب (٢٦١).
وفي الاحتجاج (١٣٨) قال عليهالسلام : نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد جعل رسول الله صلىاللهعليهوآله طلاق نسائه بيده غيري؟!
وفي الخصال (٣٧٧) قول عليّ عليهالسلام في وصف الناكثين : فلمّا لم يجدوه عندي وثبوا بالمرأة عليّ ، وأنا وليّ أمرها والوصي عليها. ومثله في شرح الأخبار ( ج ١ ؛ ٣٥٣ ).
وفي بصائر الدرجات (٢٩٩) بسنده عن معاوية الدهني ، قال : دخل أبو بكر على عليّ عليهالسلام فقال له : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ما تحدّث إلينا في أمرك حديثا بعد يوم الولاية ، وإنّي أشهد أنّك مولاي ، مقرّ لك بذلك ، وقد سلّمت عليك على عهد رسول الله بإمرة المؤمنين ، وأخبرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّك وصيّه ووارثه وخليفته في أهله ونسائه ....
ولم يختصّ هذا المطلب بعائشة فقط أو نساء النبي ، وإنّما روي مثل ذلك في تطليق الإمام الرضا عليهالسلام زوجة الإمام الكاظم عليهالسلام بعد موته.
ففي الكافي ( ج ١ ؛ ٣١٦ ) بسنده عن يزيد بن سليط ، في وصيّة الكاظم عليهالسلام ، حيث ذكر
فيها وصاياه عامّة ، ومنها : وإنّي قد أوصيت إلى عليّ وبني بعد معه ... وأوصيت إليه بصدقاتي ومواليّ وصبياني الّذين خلّفت ، وولدي إلى إبراهيم والعباس وقاسم وإسماعيل وأحمد وأمّ أحمد ، وإلى عليّ عليهالسلام أمر نسائي دونهم.
وفي الكافي أيضا ( ج ١ ؛ ٣٨١ ) بسنده عن الوشاء ، قال : قلت لأبي الحسن [ الرضا عليهالسلام ] : إنّهم رووا عنك في موت أبي الحسن [ الكاظم عليهالسلام ] : أنّ رجلا قال لك : علمت ذلك بقول سعيد؟ فقال عليهالسلام : جاء سعيد بعد ما علمت به قبل مجيئة ، قال : وسمعته يقول : طلّقت أم فروة بنت إسحاق [ إحدى نساء الكاظم عليهالسلام ] في رجب ، بعد موت أبي الحسن بيوم ، قلت : طلّقتها وقد علمت بموت أبي الحسن؟ قال : نعم ، قلت : قبل أن يقدم عليك سعيد؟ قال : نعم.
وفي بصائر الدرجات (٤٨٧) بسنده عن أحمد بن عمر ، قال : سمعته يقول ـ يعني أبا الحسن الرضا عليهالسلام ـ : إنّي طلّقت أمّ فروة بنت إسحاق في رجب ، بعد موت أبي بيوم ، قلت له : جعلت فداك طلّقتها وقد علمت موت أبي الحسن؟ قال : نعم.
وأبواهما شريكان لهما فيما فعلتا
مرّ قبل قليل أنّ الأوّل والثاني هما أساس الانحراف والظلم ، وأنّه ما أسست بليّة ولا أريق دم إلاّ وفي أعناقهما وزر ذلك ، مرّ هذا عند قوله صلىاللهعليهوآله : « هم شركاؤه فيما يفعل ».
ونزيد هنا ما نقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٨ ؛ ٢٥١ ) عن كتاب قديم فيه دعاء (١) عن الإمام الصادق عليهالسلام وقوله : اللهمّ العنهما وابنتيهما ، وكلّ من مال ميلهم ، وحذا حذوهم ، وسلك طريقهم ... وهو في مهج الدعوات ( ٣٣٣ ـ ٣٣٤ ).
__________________
(١) ذكر ناسخه وهو مصنّفه أن اسمه محمّد بن محمّد بن عبد الله بن فاطر ، رواه عن شيوخه ، فقال ما هذا لفظه « حدّثنا محمّد بن عليّ بن رقاق القمّي ، قال : حدّثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان القمّي ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ، عن أبيه ، قال : حدّثنا جعفر بن عبد الله الحميريّ ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، قال : حدّثنا عبد الرحمن بن أبي هاشم ، عن أبي يحيى المدنيّ ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، أنّه قال : من حقّنا على أوليائنا وأشياعنا أن لا ينصرف الرجل منهم من صلاته حتّى يدعو بهذا الدعاء ، وهو : ثمّ روى الدعاء وفيه ما نقلناه.
وفي مصباح الكفعمي (٥٥٢) روى دعاء صنمي قريش عن ابن عبّاس : أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان يقنت به في صلاته ، وهو : اللهمّ العن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وأفّاكيها وابنتيهما ....
وفي تأويل الآيات الظاهرة ( ج ٢ ؛ ٧١٤ / الحديث ١ ) بسنده عن حمران ، قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقرأ هذه الآية ( وَجاءَ فِرْعَوْنُ ) (١) يعني الثالث ( وَمَنْ قَبْلَهُ ) (٢) الأوّلين ( وَالْمُؤْتَفِكاتُ ) (٣) أهل البصرة ( بِالْخاطِئَةِ ) (٤) الحميراء.
وفيه أيضا ( ج ٢ ؛ ٧١٤ / الحديث ٢ ) بسنده عن حمران ، عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله ، قال : ( وَجاءَ فِرْعَوْنُ ) (٥) يعني الثالث ( وَمَنْ قَبْلَهُ ) (٦) يعني الأوّلين ( بِالْخاطِئَةِ ) (٧) يعني عائشة.
قال المؤلف : فمعنى قوله ( وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ ) (٨) في أقوالها وأفعالها ، وفي كلّ خطأ وقع ، فإنّه منسوب إليها ، وكيف جاءوا بها ، بمعنى أنّهم وثّبوها وسنّوا لها الخلاف لمولاها ، ووزر ذلك عليهم ، وفعل من تابعها إلى يوم القيامة.
وقوله : « والمؤتفكات أهل البصرة » ، فقد جاء في كلام أمير المؤمنين عليهالسلام لأهل البصرة :
يا أهل المؤتفكة ، ائتفكت بأهلها ثلاث مرّات ، وعلى الله تمام الرابعة. ومعنى « ائتفكت بأهلها » أي خسفت بهم.
وفي الخصال (٥٥٦) بسنده عن عامر بن واثلة ، في احتجاج عليّ عليهالسلام يوم الشورى ، وفيه قوله : « نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا عليّ من أحبّك ووالاك
__________________
(١) الحاقة ؛ ٩
(٢) الحاقة ؛ ٩
(٣) الحاقة ؛ ٩
(٤) الحاقة ؛ ٩
(٥) الحاقة ؛ ٩ ، ولعلّ المؤتفكات سقطت من هذه الرواية.
(٦) الحاقة ؛ ٩
(٧) الحاقة ؛ ٩
(٨) الحاقة ؛ ٩
سبقت له الرحمة ، ومن أبغضك وعاداك سبقت له اللّعنة » فقالت عائشة : يا رسول الله ادع الله لي ولأبي لا نكون ممن يبغضه ويعاديه ، فقال صلىاللهعليهوآله : اسكتي ، إن كنت أنت وأبوك ممّن يتولاّه ويحبّه فقد سبقت لكما الرحمة ، وإن كنتما ممّن يبغضه ويعاديه فقد سبقت لكما اللّعنة ، ولقد جئت أنت وأبوك ، إن كان أبوك أوّل من يظلمه ، وأنت أوّل من يقاتله ....
وفي تفسير العيّاشي ( ج ١ ؛ ٢٢٤ ) عن الإمام الصادق عليهالسلام ، قال : أتدرون مات النبي أو قتل؟ إنّ الله تعالى يقول : ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) فسمّ قبل الموت ، إنّهما سقتاه قبل الموت ، فقلنا : إنّهما وأبواهما شرّ من خلق الله.
وانظر تفسير القمّي ( ج ٢ ؛ ٣٧٦ ) في اجتماعهما وأبويهما على أن يسمّوا رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وفيه أيضا ( ج ٢ ؛ ٢٩١ ) عن عبد الرحمن بن سالم الأشل ، عن الصادق عليهالسلام ، قال : ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً ) (٢) عائشة هي نكثت إيمانها.
وفي الكافي ( ج ١ ؛ ٣٠٠ ) بسنده عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : لمّا حضر الحسن بن عليّ عليهماالسلام الوفاة ... وحمل وأدخل إلى المسجد ، فلمّا أوقف على قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله ذهب ذو العوينتين [ أي الجاسوس ] إلى عائشة ، فقال لها : إنّهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوه مع النبي صلىاللهعليهوآله ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج ـ فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا ـ فقالت : نحّوا ابنكم عن بيتي ؛ فإنّه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول الله صلىاللهعليهوآله حجابه ، فقال لها الحسين عليهالسلام : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأدخلت عليه بيته من لا يحبّ قربة ، وإنّ الله سائلك عن ذلك يا عائشة.
وفيه أيضا ( ج ١ ؛ ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ) بسنده عن محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليهالسلام ، وفيه زيادة قول الحسين عليهالسلام : وإنّ الله سائلك عن ذلك يا عائشة ... وقد أدخلت أنت بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله الرجال بغير إذنه ، وقد قال الله عزّ وجلّ ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا
__________________
(١) آل عمران ؛ ١٤٤
(٢) النحل ؛ ٩٢
أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ ) (١) ولعمري لقد ضربت أنت ـ لأبيك وفاروقه ـ عند أذن رسول الله صلىاللهعليهوآله المعاول ، وقال الله عزّ وجلّ : ( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ) (٢) ، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله صلىاللهعليهوآله بقربهما منه الأذى ، وما رعيا من حقّه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله صلىاللهعليهوآله ، إنّ الله حرّم من المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم أحياء.
وفي تقريب المعارف (٢٥٠) : رووا عن العبّاس بن الوليد الأعذاريّ ، قال : سئل زيد بن عليّ ، عن أبي بكر وعمر ، فلم يجب فيهما ، فلمّا أصابته الرمية نزع الرمح من وجهه ، واستقبل الدم بيده حتّى صار كأنّه كبد ، فقال : أين السائل عن أبي بكر وعمر؟ هما والله شركاء في هذا الدم ، ثمّ رمى به وراء ظهره.
وعن نافع الثقفي ـ وكان قد أدرك زيد بن عليّ ـ قال : سأله رجل عن أبي بكر وعمر ، فسكت فلم يجبه ، فلمّا رمي ، قال : أين السائل عن أبي بكر وعمر؟ هما أوقفاني هذا الموقف.
وفي نهج الحقّ وكشف الصدق (٣٥٦) : وروى البلاذريّ ، قال : لمّا قتل الحسين عليهالسلام كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية : أمّا بعد ، فقد عظمت الرزيّة ، وجلّت المصيبة ، وحدث في الإسلام حدث عظيم ، ولا يوم كيوم قتل الحسين.
فكتب يزيد : أمّا بعد ، يا أحمق ، فإنا جئنا إلى بيوت مجدّدة ، وفرش ممهّدة ، ووسائد منضّدة ، فقاتلنا عنها ، فإن يكن الحقّ لنا فعن الحقّ قاتلنا ، وإن كان الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا ، واستأثر بالحقّ على أهله. وانظر ما قاله المظفر ردّا على الفضل في دلائل الصدق ( ج ٣ ؛ ٥٧٦ ـ ٥٧٨ ). وانظر الكتاب الخطير الّذي أودعه عمر عند معاوية ، وأراه يزيد لعبد الله بن عمر لمّا اعترض على قتل يزيد للحسين عليهالسلام ؛ انظره في بحار الأنوار ( ج ٨ ؛ ٢٣ ) نقلا عن الجزء الثاني من دلائل الإمامة ، بسنده عن جابر الجعفيّ ، عن سعيد بن المسيّب.
__________________
(١) الحجرات ؛ ٢
(٢) الحجرات ؛ ٣