طرف من الأنباء والمناقب

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

طرف من الأنباء والمناقب

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: الشيخ قيس العطّار
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات تاسوعاء
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-90423-5-0
الصفحات: ٦٤٠

وفي تفسير فرات (٣٠٦) بسنده عن ابن عبّاس ، قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فينا خطيبا ، فقال : الحمد لله على آلائه وبلائه عندنا أهل البيت ... أيّها ، الناس إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وأهل بيتي من طينة لم يخلق أحدا غيرنا ومن موالينا ... ثمّ قال : هؤلاء خيار خلقي ، وحملة عرشي ، وخزّان علمي ، وسادة أهل السماء والأرض ، هؤلاء البررة المهتدون المهتدى بهم ، من جاءني بطاعتهم وولايتهم أولجته جنّتي وأبحته كرامتي ، ومن جاءني بعداوتهم والبراءة منهم أولجته ناري وضاعفت عليه عذابي ، وذلك جزاء الظالمين.

ويدلّ على المطلب ما مرّ من روايات التولّي والتبري ، وجميع الأدلّة الدالّة على وجوب حبّهم ومتابعتهم وأنها تدخل الجنّة ، وحرمة بغضهم وعصيانهم وأنها توجب النار.

وقد روى الثعلبي في تفسير قوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) بإسناده إلى جرير بن عبد الله ، قال : سمعت رسول الله يقول : من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائبا ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد زفّ إلى الجنّة زفّا كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره الملائكة بالرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السّنّة ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه « آيس من رحمة الله » ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة. انظره في كشف الاشتباه (١٦٤) وتفسير الكشاف ( ج ٤ ؛ ٢٢٠ ـ ٢٢١ ) وتفسير الفخر الرازيّ ( ج ٧ ؛ ٤٠٥ ) والعمدة (٥٤) وينابيع المودّة ( ج ١ ؛ ٢٦ ) وجواهر العقدين للسمهوديّ / العقد الثاني ـ الذكر العاشر (٢٥٣) من المخطوطة ، وفرائد السمطين ( ج ٢ ؛ ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ).

وفي مناقب الخوارزمي (٣٢) بسنده عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ... ألا ومن

__________________

(١) الشورى ؛ ٢٣.

٤٠١

مات على حبّ آل محمّد فأنا كفيله بالجنّة مع الأنبياء ، ألا ومن أبغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه « آيس من رحمة الله ».

والروايات في هذا المعنى في أهل البيت من طرق الفريقين كثيرة ، يتعذر إحصاؤها وتعداد المصادر الّتي أوردتها ، وفيما ذكرناه وألمحنا إليه كفاية وغنى في المقام.

٤٠٢

الطّرفة العشرون

روى هذه الطّرفة بسنده عن عيسى ، الشريف الرضي في خصائص الأئمّة ( ٧٣ ـ ٧٥ ) بعد الطّرفة السادسة عشر مباشرة ، ورواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢ ؛ ٤٨٥ ـ ٤٨٧ ) عن كتاب الطّرف.

إنّ إرجاع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر عن الصلاة الّتي كانت بأمر عائشة ممّا روي في كتب السنّة فضلا عن الشيعة ، ورووا خروجه صلى‌الله‌عليه‌وآله معتمدا على عليّ عليه‌السلام والفضل بن العبّاس ، فأخّر أبا بكر عن الصلاة ، وكانت آخر صلاة صلاّها صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمسلمين ، ثمّ صعد المنبر فخطب ، وكانت آخر خطبة له صلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر.

ففي إرشاد القلوب ( ٣٣٨ ـ ٣٤١ ) عن حذيفة في خبر طويل ، قال : واشتدت علّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدفعت عائشة صهيبا ، فقالت : امض إلى أبي بكر وأعلمه أن محمّدا في حال لا ترجى ، فهلموا إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتهم أن يدخل معكم ، وليكن دخولكم المدينة باللّيل سرّا ... فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة ، ورسول الله قد ثقل ...

قال : وكان بلال مؤذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤذن بالصلاة في كلّ وقت صلاة ، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلّى بالناس ، وإن هو لم يقدر على الخروج أمر عليّ بن أبي طالب فصلّى بالناس ، وكان عليّ والفضل بن العبّاس لا يزايلانه في مرضه ذلك ، فلمّا أصبح رسول الله من ليلته تلك الّتي قدم فيها القوم الّذين كانوا تحت يدي أسامة أذّن بلال ، ثمّ

٤٠٣

أتاه يخبره كعادته ، فوجده قد ثقل ، فمنع من الدخول إليه ، فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه أنّ رسول الله قد ثقل وليس يطيق النهوض إلى المسجد ، وعليّ بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس ، فاخرج أنت إلى المسجد وصلّ بالناس ، فإنّها حالة تهيّئك وحجّة لك بعد اليوم.

قال : ولم يشعر الناس ـ وهم في المسجد ينتظرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو عليّا عليه‌السلام يصلّي بهم كعادته الّتي عرفوها في مرضه ـ إذ دخل أبو بكر المسجد ، وقال : إنّ رسول الله قد ثقل ، وقد أمرني أن أصلّي بالناس ... ثمّ نادى الناس بلالا ، فقال : على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك ، ثمّ أسرع حتّى أتى الباب ... فقال : إنّ أبا بكر دخل المسجد وتقدّم حتّى وقف في مقام رسول الله ، وزعم أنّ رسول الله أمره بذلك ... وأخبر رسول الله الخبر ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أقيموني ، أخرجوني إلى المسجد ، والّذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن ، ثمّ خرج معصوب الرأس يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس ورجلاه تجرّان في الأرض ، حتّى دخل المسجد ، وأبو بكر قائم في مقام رسول الله وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الّذين دخلوا ... وتقدّم رسول الله فجذب أبا بكر من ردائه فنحّاه عن المحراب ، وأقبل أبو بكر والنفر الّذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله ، وأقبل الناس فصلّوا خلف رسول الله وهو جالس ، وبلال يسمع الناس التكبير ، حتّى قضى صلاته ، ثمّ التفت صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم ير أبا بكر ، فقال : أيها الناس ، ألا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة ، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الّذي وجّهوا إليه ، فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة ، ألا وإنّ الله قد أركسهم فيها ، اعرجوا بي إلى المنبر.

فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مسنّد حتّى قعد على أدنى مرقاة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّه قد جاءني من أمر ربّي ما الناس صائرون إليه ، وإني قد تركتكم على الحجّة الواضحة ، ليلها كنهارها ، فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل ، أيّها الناس إنّي لا أحلّ لكم إلاّ ما أحلّه القرآن ، ولا أحرّم عليكم إلاّ ما حرّمه القرآن ، وإنّي مخلّف

٤٠٤

فيكم الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، هما الخليفتان فيكم ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فأسالكم بما ذا خلّفتموني فيهما ، وليذادنّ يومئذ رجال عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل ، فيقول رجال : أنا فلان وأنا فلان ، فأقول : أمّا الأسماء فقد عرفت ، ولكنّكم ارتددتم من بعدي ، فسحقا لكم سحقا. ثمّ نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته ، ولم يظهر أبو بكر ولا أصحابه حتّى قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وانظر حرص عائشة وحفصة ، كلّ منهما على تقديم أبيها للصلاة ، وقول النبي لهما : « اكففن فإنّكنّ كصويحبات يوسف » وخروجه للصلاة وتأخيره أبا بكر في الإرشاد ( ٩٧ ـ ٩٨ ) وإعلام الورى ( ٨٢ ـ ٨٤ ) والمسترشد في الإمامة ( ١٢٤ ـ ١٢٦ ، ١٣٢ ، ١٤٢ ـ ١٤٣ ) والشافي في الإمامة ( ج ٢ ؛ ١٥٨ ـ ١٥٩ ).

وقال الكوفي في الاستغاثة (١١٧) بعد ذكره لروايات أبناء العامة في صلاة أبي بكر وإرجاع النبي إيّاه ، قال : وأمّا رواية أهل البيت عليهم‌السلام في تقديمه للصلاة ، فإنّهم رووا أنّ بلالا صار إلى باب رسول الله فنادى : الصلاة ، وكان قد أغمي على رسول الله ورأسه في حجر عليّ عليه‌السلام ، فقالت عائشة لبلال : مر الناس أن يقدّموا أبا بكر ليصلّي بهم ، فإنّ رسول الله مشغول بنفسه ، فظنّ بلال أنّ ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال للناس : قدّموا أبا بكر فيصلّي بكم ، فتقدّم أبو بكر ، فلمّا كبّر أفاق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من غشوته ، فسمع صوته ، فقال عليّ عليه‌السلام : ما هذا؟ قالت عائشة : أمرت بلالا يأمر الناس بتقديم أبي بكر يصلّي بهم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أسندوني ، أما إنّكنّ كصويحبات يوسف ... فجاء صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المحراب بين الفضل وعليّ وأقام أبا بكر خلفه ...

وأمّا ما روته كتب العامّة ، فإنّه مرتبك من حيث التفاصيل ، ففي بعضها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر بالصلاة ، وفي بعضها أنّ عائشة أمرته بذلك ، وفي بعضها أنّ النبي أمر أن يصلّي أحدهم ولم يعيّن ، فتنازعت عائشة وحفصة كلّ تريد تقديم والدها ، إلى أن تقدّم أبو بكر ، ثمّ نقلوا أنّ النبي خرج يهادي بين رجلين ـ لم يذكرهما البخاريّ ، وذكرتهما المسانيد الأخرى ، وهما عليّ والفضل ـ حتّى وقف يصلّي ، قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٤ ؛ ٢٣ ) : فمنهم

٤٠٥

من قال : نحّاه وصلّى هو بالناس ، ومنهم من قال : بل ائتم بأبي بكر كسائر الناس ، ومنهم من قال : كان الناس يصلّون بصلاة أبي بكر ، وأبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله.

ولا يخفى عليك أنّه لا يجوز أن يتقدّم أحد على النبي في الصلاة وفي غيرها ، خصوصا وأنّه لا بدّ من تقديم الأعلم والأفقه والهاشمي وغيرها من شروط تقدّم الإمام ، وكلّها لا تصحّح تقدّم أحد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، خصوصا وأنّ في كثير من الروايات قولهم « لم يكن أبو بكر كبّر ، فلمّا سمع حسّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تأخّر ، فأخذ النبي بيده وأقامه إلى جنبه ، فكبّر وكبّر أبو بكر بتكبيره ، وكبّر الناس بتكبير أبي بكر » ، فما كان أبو بكر سوى مسمع لصلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما هو دأب المنادي في الصلاة.

ونقل ابن أبي الحديد في شرحه للنهج ( ج ٩ ؛ ١٩٧ ) كلام الشيخ أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني ؛ حيث قال في جملة كلامه : فكان ـ من عود أبي بكر من جيش أسامة بإرسالها [ أي عائشة ] إليه ، وإعلامه بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يموت ـ ما كان ، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف ، فنسب عليّ عليه‌السلام عائشة أنّها أمرت بلالا مولى أبيها أن يأمره فليصلّ بالناس ؛ لأنّ رسول الله ـ كما روي ـ قال : « ليصلّ بهم أحدهم » ولم يعيّن ، وكانت صلاة الصبح ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في آخر رمق يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس ، حتّى قام في المحراب كما ورد في الخبر ... وكان عليّ عليه‌السلام يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيرا ، ويقول : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقل « إنّكنّ لصويحبات يوسف » إلاّ إنكارا لهذه الحال ، وغضبا منها ؛ لأنّها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما ، وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب ....

وقد حقّق ابن الجوزيّ المسألة في كتابه « آفة أصحاب الحديث : ٥٥ » ثمّ قال : في هذه الأحاديث الصحاح المشروحة أظهر دليل على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان الإمام لأبي بكر ؛ لأنّه جلس عن يساره ، وقولهم : يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله ، دليل على أنّ رسول الله كان الإمام.

والمحقّق من الروايات أنّ أبا بكر استغلّ مرض النبي ، فتقدّم بأمر من ابنته عائشة ، وإسناد من معه ، إلى الصلاة ، فلمّا أحسّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج يتهادى بين عليّ عليه‌السلام والفضل ، فأرجع أبا بكر ولم يكن ابتدأ بالصلاة ، فكبّر صلى‌الله‌عليه‌وآله هو وصلّى قاعدا وصلّى خلفه المسلمون.

٤٠٦

قال المظفر في دلائل الصدق ( ج ٢ ؛ ٦٣٣ ) : والحقّ أنّه لم يصلّ بالناس إلاّ في صلاة واحدة وهي صلاة الصبح ؛ تلبّس بها بأمر ابنته ، فعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج يتهادى بين عليّ عليه‌السلام والعبّاس أو ابنه الفضل ، ورجلاه تخطّان في الأرض من المرض ، وممّا لحقه من تقدّم أبي بكر ومخالفة أمره بالخروج في جيش أسامة ، فنحّاه النبي وصلّى ثمّ خطب ، وحذّر الفتنة ، ثمّ توفي من يومه وهو يوم الإثنين ، وقد صرّحت بذلك أخبارنا ، ودلّت عليه أخبارهم ؛ لإفادتها أنّ الصلاة الّتي تقدّم فيها هي الّتي عزله النبي عنها ، وإنّها صبح الاثنين وهو الّذي توفي فيه.

وقد وردت هذه الروايات في أمّهات المصادر والصحاح ، كصحيح البخاريّ ( ج ١ ؛ ٥٩ ) وفتح الباري ( ج ١ ؛ ٢٤٢ ) وشرح الكرمانيّ ( ج ٣ ؛ ٤٥ ) والموطّأ ( ج ١ ؛ ١٥٦ ) وصحيح مسلم بشرح النووي ( ج ٣ ؛ ٦١ ) ومسند أحمد بن حنبل ( ج ٥ ؛ ٣٢٢ ) والمصنّف لعبد الرزاق ( ج ٥ ؛ ٤٢٩ ) ودلائل النبوّة للبيهقي ( ج ٧ ؛ ١٩١ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٣ ؛ ١٩٥ ـ ١٩٦ / أحداث سنة ١١ ).

وانظر تحقيق الحال في الاستغاثة ( ١١١ ـ ١١٧ ) وبحار الأنوار ( ج ٢٨ ؛ ١٣٠ ـ ١٧٤ ) ففيه بحث قيّم للمجلسي رحمه‌الله ، ودلائل الصدق ( ج ٢ ؛ ٦٣٣ ـ ٦٤٢ ) وكتاب الإمامة للسيّد عليّ الميلاني ( ٢٨٥ ـ ٣٥٦ ) « رسالة في صلاة أبي بكر » ، وهذه الكتب بحثت المسألة من خلال كتب العامّة فقط ، فلاحظها ولاحظ مصادرها.

وفي كثير من المصادر ـ الإماميّة والعاميّة الذاكرة لهذا الحادث ـ خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الّتي أوصاهم فيها بالكتاب والعترة ، وحذّرهم فيها من الفتن والفرقة ، ففي أمالي المفيد (١٣٥) عن معروف بن خربوذ ، قال : سمعت أبا عبد الله مولى العبّاس يحدّث أبا جعفر محمّد بن علي عليهما‌السلام ، قال : سمعت أبا سعيد الخدريّ يقول : إنّ آخر خطبة خطبنا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لخطبة خطبنا في مرضه الّذي توفّي فيه ، خرج متوكئا على عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وميمونة مولاته ، فجلس على المنبر ، ثمّ قال : يا أيّها الناس ...

وفي جواهر العقدين المخطوط (١٦٨) قال : ثمّ إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قام معتمدا على عليّ عليه‌السلام والفضل

٤٠٧

حتّى جلس على المنبر وعليه عصابة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وأوصاهم بالكتاب وعترته أهل بيته ، ونهاهم عن التنافس والتباغض وودّعهم. وانظر الخطبة وخروجه إليها في الاحتجاج ( ٤٣ ـ ٤٧ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢ ؛ ٤٢ ) عن أبي سعيد الخدريّ ، وصحيح البخاريّ / باب مناقب الأنصار رقم ١١ ، وصحيح مسلم ( ج ٧ ؛ ٧٤ / فضائل الصحابة ) ومسند أحمد بن حنبل ( ج ٣ ؛ ١٥٦ ، ١٧٦ ، ١٨٨ ، ٢٠١ ).

ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله ... وخلّفت فيكم العلم الأكبر ... وصيّي عليّ بن أبي طالب

تقدّم الكلام عن حديث الثقلين في الطّرفة العاشرة ، عند قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كتاب الله وأهل بيتي ... فإنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، وذكرنا هناك أنّ عليا عليه‌السلام هو رأس أهل البيت الثقل الثاني ، ووردت روايات صريحة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : « كتاب الله وعليّ بن أبي طالب » كما تقدّم نقله عن كتاب مائة منقبة لابن شاذان ( ١٤٠ المنقبة ٨٦ ). ونزيد هنا أنّ الخوارزمي أخرجه أيضا في كتاب مقتل الحسين عليه‌السلام ( ج ١ ؛ ٣٢ ) والديلمي في إرشاد القلوب (٣٧٨) عن زيد بن ثابت أيضا.

كما تقدّم الكلام عن حديث « أنّ عليّا هو العلم » في الطّرفة الحادية عشر ، عند قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ عليّ بن أبي طالب هو العلم ، فمن قصر دون العلم فقد ضلّ ، ومن تقدّمه تقدّم إلى النار ، ومن تأخّر عن العلم يمينا هلك ، ومن أخذ يسارا غوى » فراجع.

ألا وهو حبل الله فاعتصموا به جميعا ولا تفرّقوا عنه

لقد روت المصادر الإماميّة والعاميّة هذا المضمون بأسانيد مختلفة ، ويمكن تقسيم الروايات الواردة في هذا المعنى إلى ثلاثة أقسام : أوّلها : ما ورد فيه أنّ عليّا هو حبل الله ، وثانيها : ما ورد فيه أنّ آل محمّد حبل الله ، وثالثها : ما ورد فيه أنّ عليّا والأئمّة من ولده حبل الله.

٤٠٨

فأمّا القسم الأول : ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣ ؛ ٧٦ ) قال : محمّد بن عليّ العنبريّ ، بإسناده ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سأل أعرابي عن هذه الآية ، فأخذ رسول الله يده فوضعها على كتف عليّ ، فقال : يا أعرابي ، هذا حبل الله فاعتصم به ، فدار الأعرابي من خلف عليّ والتزمه ، ثمّ قال : اللهمّ إنّي أشهدك أنّي اعتصمت بحبلك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا. وروى نحوا من ذلك الباقر والصادق عليهما‌السلام ، وهو في ينابيع المودّة ( ج ١ ؛ ١١٨ ) عن المناقب ، وانظر تفسير فرات ( ٩٠ / الحديث ٧٠ ) بسنده عن الباقر ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام ، وفيه أيضا ( ٩٠ / الحديث ٧١ ) بسنده عن ابن عبّاس ، وفيه أيضا ( ٩١ / الحديث ٧٤ ) بسنده عن الصادق عليه‌السلام ، والفضائل لابن شاذان (١٢٥) عن السجاد عليه‌السلام.

وفي تفسير فرات ( ٩٠ ، ٩١ / الحديث ٧٢ ) بسنده عن الباقر عليه‌السلام ، قال : ولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام الحبل الّذي قال الله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) ، فمن تمسّك به كان مؤمنا ، ومن تركه خرج من الإيمان.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١ ؛ ٢١٧ ) عن ابن يزيد ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) قال : عليّ بن أبي طالب حبل الله المتين. وهو في تفسير الصافي ( ج ١ ؛ ٢٨٥ ) والبرهان ( ج ١ ؛ ٣٠٥ ).

وفي أمالي الصدوق (١٦٥) بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا حذيفة ... إنّه أخو رسول الله ، ووصيّه وإمام أمّته ، ومولاهم ، وهو حبل الله المتين ...

وأمّا القسم الثاني : ففي تفسير العيّاشي ( ج ١ ؛ ٢١٧ ) عن الباقر عليه‌السلام ، قال : آل محمّد هم حبل الله الّذي أمرنا بالاعتصام به ، فقال : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٣).

__________________

(١) آل عمران ؛ ١٠٣.

(٢) آل عمران ؛ ١٠٣.

(٣) آل عمران ؛ ١٠٣.

٤٠٩

وفي شواهد التنزيل ( ج ١ ؛ ١٦٩ / الحديث ١٨٠ ) بسنده عن الصادق عليه‌السلام ـ في قوله : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) ـ قال : نحن حبل الله.

وانظر رواية هذا الخبر عن الصادق عليه‌السلام في ينابيع المودّة ( ج ١ ؛ ١١٨ ) ومجمع البيان ( ج ١ ؛ ٤٨٢ ) وأمالي الطوسي (٢٧٢) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣ ؛ ٧٥ ) وخصائص الوحي المبين (١٨٣) ونقله أيضا في خصائصه (١٨٤) من طريق أبي نعيم إلى الصادق عليه‌السلام ، وانظر الصواعق المحرقة (٩٠) ونور الأبصار (١٠١).

وأمّا القسم الثالث : ففي أمالي الصدوق (٢٦) بسنده عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ، ويستمسك بالعروة الوثقى ، ويعتصم بحبل الله المتين ، فليوال عليّا بعدي ، وليعاد عدوّه ، وليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده ، فإنّهم خلفائي ، وأوصيائي ، وحجج الله على الخلق بعدي ، وسادة أمّتي ، وقادة الأتقياء إلى الجنّة ، حزبهم حزبي ، وحزبي حزب الله ، وحزب أعدائهم حزب الشيطان. وهو في شواهد التنزيل ( ج ١ ؛ ١٦٨ / الحديث ١٧٧ ) بسنده عن الرضا عليه‌السلام ، ورواه البحراني في غاية المرام ( ٢٤٢ / الباب ٣٦ ) بأربعه طرق ، وهو في روضة الواعظين (١٥٧).

وفي تفسير فرات ( ٩١ / الحديث ٧٣ ) بسنده عن الصادق ٧ ، قال : نحن حبل الله الّذي قال : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) ، وولاية عليّ البرّ ، فمن استمسك به كان مؤمنا ، ومن تركه خرج من الإيمان. وهو في شواهد التنزيل ( ج ١ ؛ ١٦٩ / الحديثان ١٧٨ ، ١٧٩ ).

ويدلّ على هذا المطلب ما مرّ في حديث الثقلين ، بلفظ « حبل ممدود ما بين السماء والأرض » أو « سبب طرفه بيد الله » ، ولذلك أورد الثعلبي والسيوطي حديث الثقلين بهذه الألفاظ في تفسير قول تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٣) ، وفي أمالي الطوسي (١٥٧) بسنده عن الصادق عليه‌السلام ، قال : نحن السبب بينكم وبين الله. كما يدلّ

__________________

(١) آل عمران ؛ ١٠٣.

(٢) آل عمران ؛ ١٠٣.

(٣) آل عمران ؛ ١٠٣.

٤١٠

عليه ما جاء في تفسير قوله تعالى : ( إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) (١) وأنّ الحبل من الله هو الكتاب العزيز ، والحبل من الناس هو عليّ بن أبي طالب. انظر في ذلك تفسير فرات ( ٩٢ الحديث ٧٦ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١ ؛ ٢١٩ ) وتفسير الصافي ( ج ١ ؛ ٢٨٩ ) وتفسير البرهان ( ج ١ ؛ ٣٠٩ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣ ؛ ٧٥ ).

لا تأتوني غدا بالدنيا تزفّونها زفّا ، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا ، مقهورين مظلومين ، تسيل دماؤهم

إنّ المظلوميّة الّتي حلّت بأهل البيت والأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام ، وأتباعهم وشيعتهم ، ممّا لا يحتاج إلى بيان ، فقد أطبق التاريخ والمؤرخون على هذه الحقيقة ، وأن الشيعة عموما ، والفرقة الإماميّة خصوصا ، لا قوا من الويلات والاضطهاد والتنكيل ما لم يلقه أيّ مذهب آخر ، وكان بدء الظلم قد حلّ بهم بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ نزل الظلم بعليّ وفاطمة والحسن والحسين ومن بعدهم التسعة من ولد الحسين عليهم‌السلام ، هذا الظلم كلّه أنزل بهم مع كثرة وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم بمثل قوله : « الله الله في أهل بيتي » وغيره من توصياته صلى‌الله‌عليه‌وآله بهم ، وتحذيره الأمّة من ظلمهم وأذاهم ، وقد مرّ عليك في تخريجات كثير من المطالب الماضية ما فيه غنى وكفاية ، ومن أوضحها وأصرحها ما جاء في حديث الثقلين من الأمر باتّباعهم وأنّه سبيل النجاة ، والنهي عن التخلّف عنهم وإيذائهم وظلمهم ، وأنّه يؤدي إلى الهلاك والنار.

ففي مناقب ابن المغازلي ( ١٦ ـ ١٨ ) بسنده عن امرأة زيد بن أرقم ، قالت : أقبل نبي الله من مكّة في حجّة الوداع ، حتّى نزل بغدير الجحفة بين مكّة والمدينة ، فأمر بالدوحات فقمّ ما تحتهنّ من شوك ، ثمّ نادى : الصلاة جامعة ... فصلّى بنا الظهر ، ثمّ انصرف إلينا فقال : الحمد لله ... ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله لا شريك له؟ وأنّ محمّدا عبده ورسوله؟ وأنّ الجنّة حقّ وأنّ النار حقّ؟ وتؤمنون بالكتاب كلّه؟ قالوا : بلى ، قال : فإني أشهد أن قد صدقتكم

__________________

(١) آل عمران ؛ ١١٢.

٤١١

وصدّقتموني ، ألا وإنّي فرطكم ، وإنّكم تبعي ، توشكون أن تردوا عليّ الحوض ، فأسألكم حين تلقونني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما ... الأكبر منهما كتاب الله تعالى ؛ سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم ، فتمسّكوا به ولا تضلّوا ، والأصغر منهما عترتي ... فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصّروا عنهم ؛ فإنّي قد سألت لهم اللّطيف الخبير فأعطاني ، ناصرهما لي ناصر ، وخاذلهما لي خاذل ، ووليّهما لي ولي ، وعدوّهما لي عدوّ ، ألا وإنّها لم تهلك أمّة قبلكم حتّى تتديّن بأهوائها ، وتظاهر على نبوّتها ، وتقتل من قام بالقسط ، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فرفعها ، ثمّ قال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، ومن كنت وليّه فهذا وليّه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، قالها ثلاثا. وهو في العمدة ( ١٠٤ ـ ١٠٦ ) عن ابن المغازلي ، وفيه « عن ابن امرأة زيد بن أرقم ».

وفي نظم درر السمطين ( ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ) قال : وروى زيد بن أرقم ، قال : أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم حجّة الوداع ، فقال : إنّي فرطكم على الحوض ، وإنّكم تبعي ، وإنّكم توشكون أن تردوا عليّ الحوض فأسألكم عن ثقلي ؛ كيف خلفتموني فيهما ... الأكبر منهما كتاب الله ... والأصغر عترتي ، فمن استقبل قبلتي ، وأجاب دعوتي ، فليستوص لهم خيرا ـ أو كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم ... وهو في ذخائر العقبى (١٦) حيث قال : أخرجه أبو سعيد في شرف النبوّة ، ونقله عن نظم درر السمطين القندوزيّ في ينابيع المودّة ( ج ١ ؛ ٣٥ ) والسمهوديّ في جواهر العقدين المخطوط ، في الذكر الرابع ، ورواه عن زيد بن أرقم العلاّمة حميد المحلي في محاسن الأزهار كما في نفحات الأزهار ( ج ١ ؛ ٤٢٠ ). ولزيادة التوضيح ننقل هنا بعض ما يرتبط بهذا المطلب.

ففي المختار من مسند فاطمة (١٦٠) نقل عن البخاريّ في تاريخه ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ، عن شريح ، قال : أخبرني أبو أمامة والحارث بن الحارث ، وعمرو بن الأسود في نفر من الفقهاء : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نادى في قريش فجمعهم ، ثمّ قام فيهم ... ثمّ قال : يا معشر قريش ، لا ألفين أناسا يأتوني يجرّون الجنّة ، وتأتوني تجرون الدنيا ، اللهمّ لا أجعل لقريش أن يفسدوا ما أصلحت أمّتي ...

٤١٢

ومن ذلك حديث المصحف والمسجد والعترة ؛ ففي الخصال ( ١٧٤ ـ ١٧٥ ) بسنده عن جابر ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجلّ : المصحف والمسجد والعترة ، يقول المصحف : يا ربّ حرقوني ومزّقوني ، ويقول المسجد : يا ربّ عطّلوني وضيّعوني ، وتقول العترة : يا ربّ قتلونا وطردونا وشرّدونا ، فأجثو للركبتين للخصومة ، فيقول الله جلّ جلاله لي : أنا أولى بذلك. وانظر هذا الحديث في بحار الأنوار ( ج ٢ ؛ ٨٦ ) عن كتاب المستدرك المخطوط لابن البطريق ، وبصائر الدرجات ( ٤٣٣ ـ ٤٣٤ ) ومقتل الحسين للخوارزمي ( ج ٢ ؛ ٨٥ ) عن جابر ، ونقله الإمام المظفر في دلائل الصدق ( ج ٣ ؛ ٤٠٥ ) عن كنز العمال ( ج ٦ ؛ ٤٦ ) عن الديلمي ، عن جابر ، ونقله عن أحمد والطبراني وسعيد بن منصور ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومن ذلك حديث مظلوميّة أهل البيت الّذي قاله النبي لأصحابه ؛ ففي أمالي الصدوق ( ٩٩ ـ ١٠١ ) بسنده عن ابن عبّاس ، قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالسا ذات يوم ، إذ أقبل الحسن عليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى ، ثمّ قال : إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى ، ثمّ أقبل الحسين عليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى ، ثمّ قال : إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليسرى ، ثمّ أقبلت فاطمة عليها‌السلام ، فلمّا رآها بكى ، ثمّ قال : إليّ إليّ يا بنيّة ، فأجلسها بين يديه ، ثمّ أقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى ، ثمّ قال : إليّ يا أخي ، فما زال يدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما ترى واحدا من هؤلاء إلاّ بكيت؟ أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : والّذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة ، إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجلّ ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم :

أمّا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي ... وإنّي بكيت حين أقبل لأنّي ذكرت غدر الأمّة به بعدي ، حتّى أنّه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي ، ثمّ لا يزال الأمر به حتّى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور ( شَهْرُ

٤١٣

رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) (١).

وأمّا ابنتي فاطمة ، فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ... وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ؛ كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغصبت حقّها ، ومنعت إرثها ، وكسر جنبها ، وأسقطت جنينها ، وهي تنادي « يا محمّداه » فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ... فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم عليّ محزونة ، مكروبة ، مغمومة ، مغصوبة ، مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللهمّ العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها ، وذلّل من أذلّها ، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين.

وأمّا الحسن ، فإنّه ابني وولدي وبضعة منّي ، وقرّة عيني ... وإنّي لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي ، فلا يزال الأمر به حتّى يقتل بالسمّ ظلما وعدوانا ، فعند ذلك تبكي ملائكة السبع الشداد لموته ، ويبكيه كلّ شيء ، حتّى الطير في جوّ السماء ، والحيتان في جوف الماء ، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون ، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام.

وأمّا الحسين ، فإنّه منّي ، وهو ابني وولدي ، وخير الخلق بعد أخيه ... وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يصنع به بعدي ، كأنّي به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ، فأضمّه في منامه إلى صدري ، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي ، وأبشّره بالشهادة ، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله ، وموضع مصرعه ، أرض كرب وبلاء ، وقتل وفناء ، تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك من سادة شهداء أمّتي يوم القيامة ، كأنّي أنظر إليه وقد رمي بسهم ، فخرّ عن فرسه صريعا ، ثمّ يذبح كما يذبح الكبش ، مظلوما.

ثمّ بكى رسول الله وبكى من حوله ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج ، ثمّ قام وهو يقول : اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي ، ثمّ دخل منزله.

__________________

(١) البقرة ؛ ١٨٥.

٤١٤

وقد مرّ طرفا من هذا الحديث ، وانظره في إرشاد القلوب (٢٩٥) وبشارة المصطفى ( ١٩٨ ـ ١٩٩ ) وفرائد السمطين ( ج ٢ ؛ ٣٤ ـ ٣٥ ) وبيت الأحزان ( ٧٣ ـ ٧٤ ).

وفي دلائل الصدق ( ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود ، قال : كنّا جلوسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم ، فأقبل فتية من بني عبد المطّلب ، فلمّا نظر إليهم رسول الله اغرورقت عيناه بالدموع ، فقلنا : يا رسول الله أرأيت شيئا تكرهه؟ قال : إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريدا وتشريدا ، حتّى يجيء قوم من هاهنا ـ وأشار بيده إلى المشرق ـ أصحاب رايات سود ... وروى مثله في (٢٣٥) روايتين أخريين عن ابن مسعود أيضا ، وروى مثله عن ابن مسعود أيضا في (٢٣٦) بلفظ « حتّى مرّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين عليهما‌السلام ».

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢ ؛ ٢٠٩ ) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ التفت إليّ فبكى ، فقلت : ما يبكيك يا رسول الله؟ قال : أبكي من ضربتك على القرن ، ولطم فاطمة خدّها ، وطعن الحسن في فخذه ، والسمّ الّذي يسقاه ، وقتل الحسين عليه‌السلام.

وفي بصائر الدرجات (٦٨) بسنده عن الباقر عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ، ويدخل جنّة ربّي جنّة عدن ـ قضيب من قضبانه غرسه ربّي بيده ، فقال له : كن ، فكان ـ فليتولّ عليّا والأوصياء من بعده ، وليسلّم لفضلهم ؛ فإنّهم الهداة المرضيّون ، أعطاهم فهمي وعلمي ، وهم عترتي من دمي ولحمي ، أشكو إلى الله عدوّهم من أمّتي ، المنكرين لفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي ، والله ليقتلن ابني ، لا أنالهم شفاعتي.

وانظر بصائر الدرجات ( ٦٨ ـ ٧٢ / الباب ٢٢ من الجزء الأوّل ) ، فإنّ فيه ثمانية عشر حديثا ، تسعة منها في المعنى المراد ، والإمامة والتبصرة ( ٤١ ـ ٤٥ ) ففيه أربعة أحاديث. وهذا الحديث مذكور في المصادر الّتي ذكرت الأحاديث المبشّرة بظهور المهدي من آل محمّد عجّل الله فرجه.

وفي تفسير فرات (٤٢٥) بسنده عن أنس بن مالك : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتى ذات يوم

٤١٥

ويده في يد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ولقيه رجل ، إذ قال له : يا فلان ، لا تسبّوا عليّا ، فانّه من سبّه فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، والله ـ يا فلان ـ إنّه لا يؤمن بما يكون من عليّ وولد عليّ في آخر الزمان إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد قد امتحن الله قلبه للإيمان ، يا فلان ، إنّه سيصيب ولد عبد المطّلب بلاء شديد ، وأثرة ، وقتل ، وتشريد ، فالله الله يا فلان في أصحابي وذرّيتي وذمّتي ، فإنّ لله يوما ينتصف فيه للمظلوم من الظالم.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢ ؛ ٩١ ) عن عطيّة العوفي ، عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اشتدّ غضب الله على اليهود حين قالوا : « عزير ابن الله » ، واشتدّ غضب الله على النصارى حين قالوا : « المسيح ابن الله » ، واشتدّ غضب الله ممّن أراق دمي وآذاني في عترتي.

وفي الاحتجاج ( ج ١ ؛ ١٩٦ ـ ١٩٧ ) عن أحمد بن همام ، قال : أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر ، فقلت : يا عبادة أكان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف؟ فقال : يا أبا ثعلبة ، إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثوا ، فو الله لعليّ بن أبي طالب كان أحقّ بالخلافة من أبي بكر ، كما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحقّ بالنبوة من أبي جهل ، قال : وأزيدكم إنّا كنا ذات يوم عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء عليّ عليه‌السلام وأبو بكر وعمر إلى باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخل أبو بكر ، ثمّ دخل عمر ، ثمّ دخل عليّ عليه‌السلام على أثرهما ، فكأنّما سفي على وجه رسول الله عليه‌السلام الرماد ، ثمّ قال : يا عليّ أيتقدّمانك ، وقد أمّرك الله عليهما؟!

فقال أبو بكر : نسيت يا رسول الله.

وقال عمر : سهوت يا رسول الله.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما نسيتما ولا سهوتما ، وكأنّي بكما قد سلبتماه ملكه ، وتحاربتما عليه ، وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء رسوله ، وكأنّي بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا ، ولكأنّي بأهل بيتي وهم المقهورون المشتّتون في أقطارها ، وذلك لأمر قد قضي.

ثمّ بكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى سالت دموعه ، ثمّ قال : يا عليّ الصبر الصبر ، حتّى ينزل الأمر ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم ، فإنّ لك من الأجر في كلّ يوم ما لا

٤١٦

يحصيه كاتباك ، فإذا أمكنك الأمر فالسيف السيف ، القتل القتل ، حتى يفيئوا إلى أمر الله وأمر رسوله ، فإنّك على الحقّ ، ومن ناواك على الباطل ، وكذلك ذرّيّتك من بعدك إلى يوم القيامة.

وقد صرّح أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في كلماتهم وخطبهم بما حلّ بهم من الظلم ، وأنّ القوم لم يرعوا فيهم حقّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يطيعوه ، ولم يسمعوا وصاياه

ففي كتاب سليم بن قيس ( ١٠٨ ـ ١١١ ) قال أبان : قال لي أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيّانا ، وما لقيت شيعتنا ومحبّونا من الناس ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد قام بحقّنا ، وأمر بطاعتنا ، وفرض ولايتنا ومودّتنا ، وأخبرهم بأنّا أولى الناس بهم من أنفسهم ، وأمر أن يبلّغ الشاهد الغائب ، فتظاهروا على عليّ عليه‌السلام ... ثمّ بايعوا الحسن بن عليّ عليهما‌السلام بعد أبيه وعاهدوه ، ثمّ غدروا به وأسلموه ، ووثبوا به حتّى طعنوه بخنجر في فخذه ، وانتهبوا عسكره ... ثمّ بايع الحسين عليه‌السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا ، ثمّ غدروا به ، ثمّ خرجوا إليه فقاتلوه حتّى قتل ، ثمّ لم نزل أهل البيت منذ قبض رسول الله نذلّ ونقصى ونحرم ونقتل ونطرد ، ونخاف على دمائنا وكلّ من يحبنا ... فقتلت الشيعة في كلّ بلدة ، وقطعت أيديهم وأرجلهم ، وصلبوا على التهمة والظنّة ، وكان من ذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسين عليه‌السلام ، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم بكلّ قتلة وبكلّ ظنّة وبكلّ تهمة ، حتّى أنّ الرجل ليقال له : زنديق أو مجوسي ، كان ذلك أحبّ إليه من أن يشار إليه أنّه من شيعة الحسين عليه‌السلام ... ونقل هذه الرواية مبتورة ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١١ ؛ ٤٣ ـ ٤٤ ).

وفي بشارة المصطفى (٢٠٠) عن عمر بن عبد السلام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : ما بعث الله نبيّا قطّ من أولي الأمر ممّن أمر بالقتال إلاّ أعزّه الله ، حتّى يدخل الناس في دينه طوعا وكرها ، فإذا مات النبي وثب الّذين دخلوا في دينه كرها ، على الّذين دخلوا طوعا ، فقتلوهم واستذلّوهم ، حتّى أن كان النبي يبعث بعد النبي فلا يجد أحدا يصدّقه أو يؤمن له ، وكذلك فعلت هذه الأمّة ، غير أنّه لا نبي بعد محمّد ...

٤١٧

وفي تفسير فرات (١٤٩) بسنده عن منهال بن عمرو ، قال : دخلنا على عليّ ابن الحسين عليهما‌السلام بعد مقتل الحسين عليه‌السلام ، فقلت له : كيف أمسيت؟ قال عليه‌السلام : ويحك يا منهال ، أمسينا كهيئة آل موسى في آل فرعون ؛ يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّدا منها ، وأمست قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّدا منها ، وأمسى آل محمّد مخذولين مقهورين مقبورين ، فإلى الله نشكو غيبة نبيّنا ، وتظاهر الأعداء علينا.

وفي تفسير فرات (٣٨٢) بسنده عن زيد بن عليّ ـ وهو من خيار علماء الطالبيّين ـ أنّه قال في بعض رسائله : ... ألستم تعلمون أنّا أهل بيت نبيّكم المظلومون المقهورون من ولايتهم ، فلا سهم وفينا ، ولا ميراث أعطينا ، ما زال قائلنا يقهر ، ويولد مولودنا في الخوف ، وينشأ ناشئنا بالقهر ، ويموت ميّتنا بالذلّ ...

وكان أتباع أئمّة أهل البيت أيضا يصرّحون بمظلمة أئمتهم عليهم‌السلام من قبل الجبابرة والطواغيت ؛ ففي كفاية الأثر (٢٥٢) بسنده عن أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم ، قال : دخلت على مولاي الباقر عليه‌السلام ... وقلت : بأبي أنت وأمّي يا بن رسول الله ، فما نجد العلم الصحيح إلاّ عندكم ، وإنّي قد كبرت سنّي ودقّ عظمي ولا أرى فيكم ما أسرّ به ، أراكم مقتّلين مشرّدين خائفين ....

وفيه أيضا ( ٢٦٠ ـ ٢٦١ ) بسنده عن مسعدة ، قال : كنت عند الصادق عليه‌السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى ، متّكئا على عصاه ، فسلّم ، فردّ أبو عبد الله عليه‌السلام الجواب ، ثمّ قال : يا بن رسول ناولني يدك أقبّلها ، فأعطاه يده فقبّلها ، ثمّ بكى ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما يبكيك يا شيخ؟ قال : جعلت فداك ، أقمت على قائمكم منذ مائة سنة ، أقول : هذا الشهر وهذه السنة ، وقد كبرت سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي ، ولا أرى ما أحبّ ، أراكم مقتّلين مشرّدين ، وأرى عدوّكم يطيرون بالأجنحة ، فيكف لا أبكي؟! فدمعت عينا أبي عبد الله عليه‌السلام ، ثمّ قال : يا شيخ إن أبقاك الله حتّى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى ، وإن حلّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن ثقله ، فقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي مخلّف فيكم الثقلين ، فتمسكوا بهما لن تضلوا ؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ....

٤١٨

وسيأتي ما يتعلّق بالمطلب عند ما سنذكره من حديث الرايات الخمس ـ أو الأربع ـ في الطّرفة الثانية والثلاثين ، عند قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ابيضّت وجوه واسودّت وجوه ، وسعد أقوام وشقي آخرون ».

إيّاكم وبيعات الضلالة ، والشورى للجهالة

مرّ ما يتعلّق ببيعات الضلالة في الطّرفة السادسة ، عند قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « البيعة بعدي لغيره ضلالة وفلتة وزلة » ، وعند قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « بيعة الأوّل ضلالة ثمّ الثاني ثمّ الثالث » ، وبقي هنا أن نبيّن موقف عليّ عليه‌السلام وأهل البيت عليهم‌السلام من الشورى ، وكيف أنّها كانت مؤامرة ضد عليّ وأهل البيت عليهم‌السلام.

وأجلى نصّ في ذلك هو ما ثبت عن عليّ عليه‌السلام في خطبته الشقشقيّة الرائعة الّتي صحّت روايتها في كتب أعاظم الفريقين ، وإليك نصّها من نهج البلاغة ( ج ١ ؛ ٣٠ ) حيث يقول عليه‌السلام : أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ... فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا ، حتّى مضى الأوّل لسبيله ، فأدلى بها إلى عمر بعده ... فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ؛ لشدّ ما تشطّرا ضرعيها ... فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة ، حتّى إذا مضى لسبيله ، جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر ... فصغى رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن ، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ....

ورواها سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (١٢٤) بلفظ « حتّى إذا مضى لسبيله جعلها شورى بين ستّة زعم أنّي أحدهم ، فيا لله والشورى! فيم وبم ولم يعرض عنّي؟! » ... وللاطلاع على هذه الخطبة والوقوف على ألفاظها يراجع كتاب « نهج البلاغة مصادره وأسانيده » للسيّد المرحوم عبد الزهراء الحسيني الخطيب ، وهو مطبوع في أربع مجلدات.

والّذي صغى في الشورى لضغنه وحقده هو سعد بن أبي وقاص ؛ لأنّ عليّا عليه‌السلام

٤١٩

قتل الصناديد من أخواله في سبيل الله ، وقيل : أنّه طلحة بن عبيد الله ؛ لأنّه كان منحرفا عن عليّ عليه‌السلام ، وكان ابن عمّ أبي بكر ، فأراد صرف الخلافة عن عليّ ، وأمّا الّذي مال إلى صهره فهو عبد الرحمن بن عوف ؛ لأنّه كان زوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ؛ وهي أخت عثمان لأمّه أروى بنت كريز ، وأمّا الهن والهن فهي الأشياء الّتي كره عليه‌السلام ذكرها ، من حسدهم إيّاه ، واتّفاق عبد الرحمن مع عثمان أن يسلّمه الخلافة ليردّها عليه من بعده ، ولذلك قال عليّ عليه‌السلام لابن عوف بعد مبايعة عثمان : « والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه ، دقّ الله بينكما عطر منشم » ، فمات عبد الرحمن وعثمان متباغضين.

وكان شكل المؤامرة أنّ عمر جعلها في ستّة ، وجعل الخيار الأخير بيد عبد الرحمن بن عوف ؛ لمعرفته بميوله إلى عثمان ، والمؤامرة المحاكة ضدّ عليّ عليه‌السلام ، ليتسلّمها ابن عوف من بعد ، فوهب طلحة حقّه لعثمان ، ووهب الزبير حقّه لعليّ ، فتعادل الأمر ، ثمّ وهب سعد بن أبي وقاص حقّه لعبد الرحمن بن عوف ، ثمّ أخرج عبد الرحمن نفسه على أن يختار عليّا أو عثمان ، فاختار عثمان ، فيكون عمر المخطّط لإبعاد الخلافة عن عليّ عليه‌السلام ، والباقون ـ سوى الزبير ـ منفّذين لغصب الخلافة من عليّ عليه‌السلام. انظر في ذلك شرح النهج لابن أبي الحديد ( ج ١ ؛ ١٨٧ ـ ١٩٦ ) وشرح النهج لابن ميثم البحراني ( ج ١ ؛ ٢٦١ ـ ٢٦٢ ) وشرح محمّد عبده ( ج ١ ؛ ٣٥ ) ومنهاج البراعة للقطب الراونديّ ( ج ١ ؛ ١٢٧ ـ ١٢٨ ).

وفي كتاب سليم بن قيس ( ١٠٨ ـ ١٠٩ ) قال أبان بن عيّاش : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش ، وتظاهرهم علينا ، وقتلهم إيّانا ، وما لقيت شيعتنا ومحبّونا من الناس ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد قام بحقّنا وأمر بطاعتنا ، وفرض ولايتنا ومودّتنا ، وأخبرهم بأنّا أولى بهم من أنفسهم ، وأمر أن يبلّغ الشاهد الغائب ، فتظاهروا على عليّ عليه‌السلام ، فاحتجّ عليهم بما قال رسول الله عليه‌السلام فيه ، وما سمعت العامّة ... واحتجّوا على الأنصار بحقّنا ، فعقدوها لأبي بكر ، ثمّ ردّها أبو بكر إلى عمر يكافئه بها ، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة ، ثمّ جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردّها عليه ، فغدر به عثمان ، وأظهر ابن عوف كفره وجهله ... ونقل هذا الحديث مبتورا ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١١ ؛ ٤٣ ).

٤٢٠