طرف من الأنباء والمناقب

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

طرف من الأنباء والمناقب

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: الشيخ قيس العطّار
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات تاسوعاء
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-90423-5-0
الصفحات: ٦٤٠

وعلى كلّ حال ، فإنّ ما وصلنا من كتاب « الوصيّة » للشيخ عيسى بن المستفاد مقدار جيّد ، يكشف عن ملازمة هذا الرجل للإمام الكاظم عليه‌السلام وسؤاله عن أصول العلم والاعتقادات ، وأنّه شيعيّ إماميّ اثنا عشريّ ، ألّف في عقيدته ما تلقّاه عن أئمته عليهما‌السلام ، وقد اقترن كتاب « الوصيّة » باسم ابن المستفاد ، بحيث يدلّ على أنّ كتابه هذا من أجلّ ما صنّفه الرجل في مباحث الإمامة ، إن كان له مؤلّفات أو مصنّفات أخرى لم ينصّ عليها من ترجم لهذا الشيخ الإماميّ.

مؤلّف الكتاب ٥٨٩ ـ ٦٦٤ هـ

نسبه

هو السيّد رضيّ الدين أبو القاسم عليّ بن سعد الدين أبي إبراهيم موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن أبي عبد الله محمّد الطاوس ، بن إسحاق ابن الحسن بن محمّد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنّى بن الحسن السبط بن عليّ ابن أبي طالب عليهما‌السلام (١).

وقد عرف سيّدنا المؤلّف ب « ابن طاوس » لأنّ جدّه السيّد محمّد بن إسحاق كان حسن المنظر جميل الوجه ، ولم تكن رجلاه مناسبتين لجمال وجهه وحسن منظره ، فلقّب بالطاوس (٢).

وقد لقّب السيّد عليّ بن طاوس ب « ذي الحسبين » ، لأنّه علويّ الطرفين ، فنسبه من جهة أبيه ينتهي إلى الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام ، ونسبه من جهة أمّه ينتهي إلى الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام ؛ فإنّ أمّ داود بن الحسن المثنّى

__________________

(١) عمدة الطالب (١٩٠) ، خاتمة المستدرك ( ج ٢ ؛ ٤٣٩ ) ، البحار ( ج ١٠٧ ؛ ٤٤ )

(٢) انظر بحار الأنوار ( ج ١٠٧ ؛ ٤٤ )

٤١

هي أمّ كلثوم بنت زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام (١).

وقد اشتهر سيدنا المؤلّف ب « صاحب الكرامات » و « ذي الكرامات » في لسان من عاصره ومن جاء من بعده (٢) ، وقد نقل أنّه كان من المتشرّفين بالاتّصال بالإمام الحجة بن الحسن عليهما‌السلام (٣) ، حتّى أنّه لقّب على لسان صاحب الأمر ب « الولد » (٤).

والده وبعض أجداده

والده هو السيّد الجليل سعد الدين أبو إبراهيم موسى بن جعفر بن محمّد بن طاوس. كان من الرواة المحدّثين ، ومن العلماء الفاضلين ، وقد تتلمذ ولده عليّ ـ المترجم له ـ على يد والده في بدايات نشأته ، وروى عنه في كتبه ، وروى والده عن جماعة ، منهم عليّ بن محمّد المدائنيّ ، والحسين بن رطبة.

وقد كان جدّه إسحاق بن الحسن يصلّي في اليوم واللّيلة ألف ركعة ، خمسمائة عن نفسه وخمسمائة عن والده ، كما عن مجموعة الشهيد.

وكان جدّه داود بن الحسن المثنّى رضيع الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، حبسه المنصور العبّاسيّ وأراد قتله ، فعلّم الإمام الصادق عليه‌السلام أمّه أمّ داود الدعاء الذي يعرف ب « دعاء أمّ داود » الذي يدعى به في النصف من رجب ، ففرّج الله عن ولدها داود ببركة هذا الدعاء (٥).

وكان جدّه جعفر بن محمّد صهر الشيخ الطوسيّ على بنته ، فيكون الشيخ

__________________

(١) انظر عمدة الطالب (١٨٩) ، أمل الآمل ( ج ٢ ؛ ٢٠٥ ) ، روضات الجنات ( ج ٤ ؛ ٣٢٥ ) ، كشف المحجة ( ١٠٢ ، ١٧٤ )

(٢) انظر خاتمة المستدرك ( ج ٢ ؛ ٤٣٩ ) وعمدة الطالب (١٩٠). وعبّر عنه العلاّمة في إجازته الكبيرة ب « صاحب الكرامات ». انظر بحار الأنوار ( ج ١٠٧ ؛ ٦٣ ) وانظر منتهى المقال (٣٥٧)

(٣) انظر خاتمة المستدرك ( ج ٢ ؛ ٤٤١ ) وجنة المأوى ، المطبوع في البحار ( ج ٥٣ ؛ ٣٠٢ )

(٤) انظر آخر النسختين « أ » « ب ».

(٥) انظر عمدة الطالب (١٨٩)

٤٢

أبو عليّ ابن الشيخ خال والده ، فيكون السيّد ابن طاوس منتسبا إلى الشيخ الطوسيّ من جهه أبيه ، قال السيّد ابن طاوس في الإقبال : « ضمن ذلك ما رويته عن والدي قدس الله روحه ونوّر ضريحه ، فيما قرأته عليه من كتاب « المقنعة » ، بروايته عن شيخه الفقيه حسين بن رطبة ، عن خال والدي أبي عليّ الحسن بن محمّد ، عن والده محمّد بن الحسن الطوسيّ جدّ والدي من قبل أمّه (١) ... ».

أمّه

هي بنت المحدّث الشيخ ورّام بن أبي فراس النخعيّ الأشتريّ ، المتوفّى سنة ٦٠٥ ه‍ ، وما قاله الشيخ يوسف البحرانيّ في لؤلؤة البحرين ـ وتابعه السيّد الخونساري في روضات الجنّات ـ من أنّ أمّ السيّد ابن طاوس هي بنت الشيخ الطوسيّ ، فهو وهم وخطأ ، نبّه عليه المحدّث النوريّ في خاتمة المستدرك (٢).

أولاده

١ ـ النقيب جلال الدين محمّد بن عليّ بن طاوس ، المولود سنة ٦٤٣ ه‍ في مدينة الحلّة ، وقد كتب والده « كشف المحجّة » وصيّته إليه وهو صغير في سنة ٦٤٩ ه‍ لينتفع بها في حياته العلميّة والعمليّة ، وقد تولّى ولده هذا نقابة الطالبيين بعد وفاة والده سنة ٦٦٤ ه‍ ، وبقي نقيبا للطالبيين إلى أن وافاه الأجل في سنة ٦٨٠ ه‍.

٢ ـ النقيب رضيّ الدين عليّ بن طاوس ، المولود سنة ٦٤٧ ه‍ في مدينة النجف الأشرف ، يروي عن والده ، وله كتاب « زوائد الفوائد » ، ولي

__________________

(١) الإقبال (٨٧) وانظر خاتمة المستدرك ( ج ٢ ؛ ٤٥٧ ) نقلا عن الإقبال

(٢) أجمعت المصادر على أنّ أمّه بنت الشيخ ورام. وقد نبّه على خطأ الشيخ يوسف والخونساريّ المحدّث النوريّ ، واستدل على ذلك بأربعة وجوه. انظر خاتمة المستدرك ( ج ٢ ؛ ٤٥٧ ، ٤٥٨ )

٤٣

نقابة الطالبيين بعد وفاة أخيه السالف الذكر في سنة ٦٨٠ ه‍ ، وبقي نقيبا إلى أن توفّي سنة ٧٠٤ ه‍.

٣ ـ شرف الأشراف بنت عليّ بن طاوس ، وصفها والدها ب « الحافظة الكاتبة » ، وقال عنها : « ابنتي الحافظة لكتاب الله المجيد ، شرف الأشراف ، حفظته وعمرها اثنا عشرة سنة ».

٤ ـ فاطمة بنت عليّ بن طاوس ، ذكرها والدها ، فقال : « فيما نذكره من مصحف معظّم تامّ أربعة أجزاء ، وقفته على ابنتي الحافظة للقرآن الكريم فاطمة ، حفظته وعمرها دون تسع سنين.

ويبدو أنّ هناك بنات أخريات للسيّد ابن طاوس ، لم يذكر أسماء هن بالتفصيل ، وذلك أنّه ذكر في آخر رسالة « المواسعة والمضايقة » أنّه كانت لديه في عام ٦٦١ ه‍ ـ أي قبل ثلاث سنين من وفاته ـ أربع بنات ، حيث قال : « انتهى قراءة هذا الكتاب ليلة الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر ، سنة إحدى وستّين وستمائة ، والقارئ له ولدي محمّد حفظه الله ، وعلى قراءة ولدي أخوه عليّ ، وأربع أخواته ، وبنت خالي » (١).

والذي علم من حياة ابن طاوس أنّه كانت له زوجة هي زهراء خاتون بنت الوزير ناصر بن مهدي ، تزوّجها بعد استخارة الله في مدينة بغداد عند توجهه إلى زيارة الإمامين الكاظمين عليهما‌السلام ، ممّا أوجب طول استيطانه ببغداد (٢) ، ولا ندري هل أنّ البنتين غير المذكورتين هما من زوجته هذه أم لا؟ لأنّ أولاده الأربعة المذكورين كلّهم من أمّهات أولاد (٣).

__________________

(١) انظر رسالة المواسعة والمضايقة ، المطبوعة في مجلة تراثنا ، العدد ( ٨٠٧ ص ٣٥٤ )

(٢) انظر كشف المحجة ( ١٦٦ / الفصل ١٢٦ )

(٣) انظر مقدمة كتاب التشريف بالمنن (١٣)

٤٤

إخوته

١ ـ السيّد عزّ الدين الحسن بن موسى بن طاوس ، المتوفّى سنة ٦٥٤ ه‍.

٢ ـ السيّد شرف الدين أبو الفضائل محمّد بن موسى بن طاوس ، المستشهد عام ٦٥٦ ه‍ عند احتلال التتر لمدينة بغداد.

٣ ـ السيّد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن موسى بن طاوس ، كان عالما فاضلا ، صاحب تصانيف في علوم مختلفة ، وهو من مشايخ العلاّمة الحلّي ، وابن داود صاحب الرجال ، توفّي عام ٦٧٣ ه‍.

موجز حياته وتلمذته

ولد السيّد عليّ بن طاوس ظهر يوم الخميس منتصف محرّم الحرام سنة ٥٨٩ ه‍ ، في مدينة الحلّة الفيحاء (١) ، وقد كانت آنذاك مزدهرة ثقافيّا وعلميّا ، وكانت مركزا مهمّا من مراكز الإشعاع الفكريّ ، فأنجبت الكثير من الفقهاء والعلماء والأدباء ، فكان لهذا الجوّ العلميّ والتحرّك الثقافي الواسع أكبر الأثر في حياة ابن طاوس ، مضافا إلى أسرته العلميّة الكريمة الّتي كانت وما زالت من مفاخر الأسر الشيعيّة الّتي رفدت الدنيا بالعلوم والمصنّفات والمؤلّفات.

في هذا الجوّ الخيّر نشأ ابن طاوس ، بين جدّه ورّام ووالده موسى ، فتعلّم الخطّ والعربيّة ، وقرأ علوم الشريعة المحمديّة ، فقرأ كتبا في أصول الدين ، واشتغل بعلم الفقه.

ثمّ بعد إتمامه لهذه المقدّمات العلميّة آنذاك ، ابتدأ بحفظ كتاب « الجمل والعقود » ، وأخذ ينظر ويقرأ ما في كتب عدّة في الفقه ممّا انتقل إليه من جدّه ورّام عن طريق والدته.

ولمّا فرغ من كتاب « الجمل والعقود » قرأ كتاب « النهاية » للشيخ الطوسيّ ، ثمّ استظهر على علم الفقه ، وعرف وجوه الخلاف ، وقرأ كتبا عدّة لجماعة ، كما

__________________

(١) انظر كشف المحجة (٤٤)

٤٥

سمع الرواية وحاز على إجازات فيها ، وصار من المجيزين فيها ، إضافة إلى علوم أخرى وكتب كثيرة اطّلع عليها ، وعبّر عنها بقوله : « وسمعت ما يطول ذكر تفصيله (١) ». فصنعت منه عالما نحريرا وعلما من أعلام الأمّة.

ثمّ ترك ابن طاوس الحلّة متوجّها إلى بغداد ، وذلك في حدود سنة ٦٢٥ ه‍ (٢) ، وفيها تزوّج زوجته زهراء خاتون ، قال رحمه‌الله : « ثمّ اتّفق لوالديّ ـ قدس الله روحيهما ونوّر ضريحيهما ـ تزويجي ... وكنت كارها لذلك ... فأدّى ذلك إلى التوجه إلى مشهد مولانا الكاظم عليه‌السلام ، وأقمت به حتّى اقتضت الاستخارة التزويج بصاحبتي « زهرا خاتون بنت الوزير ، ناصر بن المهدي » رضوان الله عليها وعليه ، وأوجب ذلك طول الاستيطان ببغداد (٣) ».

وفي بغداد كان المستنصر العبّاسيّ قد أسكنه دارا في الجانب الشرقيّ منها (٤) ، وكان المستنصر محبّا محسنا للعلويين ، يسير فيهم بسيرة أبيه ، كما كان محسنا للعلم والعلماء.

ولقد لقي ابن طاوس غاية الاحترام والإكرام عند رجال الدولة ، وكانت له صلات وثيقة بفقهاء النظاميّة والمستنصريّة ، ومناقشات ومحادثات ، كما كانت له صلات متينة مع الوزير القمّيّ وولده ، والوزير مؤيد الدين ابن العلقمي وأخيه ، وولده عزّ الدين أبي الفضل محمّد صاحب المخزن.

وقد برز ابن طاوس عالما فطحلا فذّا ، فرض نفسه على الساحة العلميّة ، فطلب منه الخليفة المستنصر التصدّي للفتوى ، فرفض طلبه ، ثمّ طلب منه تولّي

__________________

(١) كشف المحجّة (١٨٨) وانظر الفصل ١٤٣ منه فإنّ فيه الشيء الكثير عن حياته الدراسيّة

(٢) لأنّ ابن طاوس بقي في بغداد ١٥ سنة ، ثمّ رجع إلى الحلّة في أواخر عهد المستنصر العبّاسيّ المتوفّى سنة ٦٤٠ ه‍ ، فيستنتج من ذلك أنّه هاجر إلى بغداد سنة ٦٢٥ هـ

(٣) كشف المحجّة (١٦٦)

(٤) البحار ( ج ١٠٧ ؛ ٤٥ ) ، اليقين ( الباب ٩٨ )

٤٦

نقابة الطالبيين ، فامتنع من ذلك أيضا ، وطلب منه الكثير من أجلاّء عصره وعلمائهم وفضلائهم التصدّي للفتيا والقضاء الشرعي ، فرفض ذلك ولم يقبله.

بل إنّ ابن طاوس نفسه يحدّثنا أنّ المستنصر طلب منه أن يقبل الوزارة ، فرفض هذا العرض رفضا قاطعا ، قائلا للمستنصر :

إذا كان المراد بوزارتي على عادة الوزراء ؛ يمشّون أمورهم بكلّ مذهب وكلّ سبب ، سواء كان ذلك موافقا لرضى الله ورضى سيّد الأنبياء والمرسلين ، أو مخالفا لهما في الآراء ، فإنّك من أدخلته في الوزارة بهذه القاعدة قام بما جرت عليه العوائد الفاسدة.

وإن أردت العمل في ذلك بكتاب الله جلّ جلاله وسنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهذا أمر لا يحتمله من في دارك ولا مماليكك ولا خدمك ولا حشمك ولا ملوك الأطراف ، ويقال لك إذا سلكت سبيل العدل والانصاف والزهد : « أنّ هذا عليّ بن طاوس علويّ حسنيّ ، ما أراد بهذه الأمور إلاّ أن يعرّف أهل الدهور أنّ الخلافة لو كانت إليهم كانوا على هذه القاعدة من السّيرة ، وأنّ في ذلك ردّا على الخلفاء من سلفك وطعنا عليهم » ، فيكون مراد همّتك أنّ تقتلني في الحال ببعض أسباب الأعذار والأحوال ، فإذا كان الأمر يفضي إلى هلاكي بذنب في الظاهر ، فها أنا ذا بين يديك ، اصنع بي ما شئت قبل الذنب فأنت سلطان قادر (١).

عودته إلى الحلّة

ثمّ رجع مؤلّفنا رحمه‌الله إلى الحلّة حدود سنة ٦٤٠ ه‍ ، في أواخر عهد المستنصر العبّاسيّ ، وبقي في الحلّة ، فرزقه الله ولده محمّدا سنة ٦٤٣ ه‍.

__________________

(١) كشف المحجّة (١٧٠)

٤٧

إقامته عند المراقد المقدّسة

ثمّ انتقل منها إلى مدينة النجف الأشرف ، فبقي فيها ثلاث سنين ، وولد له فيها ولده عليّ سنة ٦٤٧ ه‍.

وكان قد استقر رأي ابن طاوس أن يمكث في العتبات المشرّفة ، النجف الأشرف وكربلاء والكاظمين وسامرّاء ، في كلّ واحدة ثلاث سنين ، فلمّا تمّت السنين الثلاث في النجف الأشرف انتقل إلى كربلاء ، وكان عازما على الإقامة فيها ثلاث سنين ، ويبدو أنّه بقي بها ثلاث سنين ؛ إذ صرّح في آخر كتابه « فرج المهموم » أنّه فرغ منه في كربلاء المقدّسة في مشهد الإمام الحسين عليه‌السلام سنة ٦٥٠ ه‍ ، كما كان عازما على مجاورة الإمامين العسكريّين عليهما‌السلام في سامراء ، وقد كانت يومئذ كصومعة في بريّة ، لكن يظهر أنّه لم تسعفه الظروف بذلك.

عودته إلى بغداد

ومهما كان ، فإنّ السيّد ابن طاوس انتقل من كربلاء قاصدا مرّة أخرى مدينة بغداد ، وذلك سنة ٦٥٢ ه‍ ، وبقي فيها مدّة أربع سنوات ، وذلك بعد وفاة المستنصر وتولّي ابنه المستعصم بالله أزمّة الأمور ، وقد كان المستنصر ضعيفا ليّنا منقادا لحاشيته ، فلم يستطع مقاومة جيوش التتار بقيادة هولاكو ، كما قاومهم أبوه من قبل ، حيث كان التتار قد استولوا على بلاد خراسان وطمعوا في بلاد العراق ، فأرسلوا بعض جيوشهم لاحتلال العراق ، فلقيتهم جيوش المستنصر فهزموا التتار هزيمة عظيمة (١).

وفي هذه المدّة كان السيّد ابن طاوس قد اقترح على المستنصر أن يخرج هو ويدبّر الأمر ـ لما عرف بثاقب بصيرته وصواب نظره من وحشيّة التتار وزحفهم على بغداد ، وأنّه لا طاقة للخلافة الضعيفة بهم ـ فأشار عليهم أن يدبّر الأمر ويكفّ

__________________

(١) انظر تاريخ الخلفاء (٤٦١)

٤٨

شرّ التتار ، فاعتذروا بأنّ ذلك ممّا يزيد في طمع التتار في احتلال بغداد ، ويزيد إيمانهم بضعف الخلافة فيها ، فأشار السيّد ابن طاوس عليهم بأنّه يخرج مع علماء آخرين من السادة ، ليلقوا التتار ويحدّثوهم ، باعتبارهم أولاد الدعوة النبويّة والمملكة المحمديّة لا باعتبارهم وفودا مرسلة من قبل الخليفة ، إلاّ أنّ السيّد قوبل بقولهم « إذا دعت الحاجة إلى مثل هذا أذنّا لكم ، لأنّ القوم الّذين قد أغاروا مالهم متقدّم تقصدونه وتخاطبونه ، وهؤلاء سرايا متفرّقة وغارات غير متّفقة » (١).

وكأنّ السيّد رحمه‌الله كان قد أدرك قوّة التتار منذ بدايات سراياهم وطلائع جيوشهم ، فأراد أن يكفّ غائلتهم قبل البدء بالزحف الشامل على بغداد ، خصوصا وأنّ بغداد ما زالت في عهد المستنصر ، ربّما تمتلك شيئا من القوّة تساعد كثيرا في طمع التتار وقبوله بالمهادنة آنذاك ، إلاّ أنّ ما يبدو هو أنّ انتصار الخليفة المستنصر عليهم في الجولة الأولى ـ والّتي كانت تضمّ السرايا المتفرّقة والغارات غير المتّفقة ـ كان قد أطمعه في الانتصار عليهم إلى الأبد ، دون دراسة كاملة وشاملة لما كان يمتلك أولئك الغزاة من قدرات وقوى ، ولما ستؤول إليه الخلافة.

وفي هذه الظروف الحرجة شاءت الأقدار أن تشمل مآسي احتلال بغداد ومخاوفها السيّد ابن طاوس وعائلته ، تلك المآسي الّتي راح ضحيّتها ألف ألف نسمة ، ولم يسلم إلاّ من اختفى في بئر أو قناة (٢) ، وكان من جملة الضحايا السيّد شرف الدين أبو الفضائل محمّد بن موسى بن طاوس ، وقد نقل لنا السيّد ابن طاوس ما شمله وأهل بغداد من الرعب ، فقال : « تمّ احتلال بغداد من قبل التتر في يوم الاثنين ١٨ محرم سنة ٦٥٦ ه‍ ، وبتنا بليلة هائلة من المخاوف الدنيويّة ، فسلّمنا الله جلّ جلاله من تلك الأهوال (٣) ».

__________________

(١) كشف المحجّة (٢٠٤)

(٢) انظر تاريخ الخلفاء (٤٧٢) وقال ابن خلدون في تاريخه ( ج ٣ ؛ ٦٦٣ ) « ويقال أنّ الّذي أحصي ذلك اليوم من القتلى ألف الف وستمائة ألف »

(٣) الإقبال (٥٨٦) ، فرج المهموم (١٤٧)

٤٩

ولما تمّ احتلال بغداد أمر هولاكو باستفتاء العلماء « أيّما أفضل ، السلطان الكافر العادل ، أم السلطان المسلم الجائر؟ » ، ثمّ جمع العلماء بالمستنصريّة لذلك ، فلمّا وقفوا على الفتيا أحجموا عن الجواب ، وكان رضي الدين عليّ بن طاوس حاضرا هذا المجلس ، وكان مقدّما محترما ، فلمّا رأى إحجامهم تناول الفتيا ووضع خطّه فيها ، بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر ، فوضع الناس خطوطهم بعده (١).

فحفظ السيّد بمبادرته إلى هذه الفتوى ما استطاع أن يحفظ من دماء المسلمين وأعراضهم ، وقد صرّح السيّد بذلك قائلا : « ظفرت بالأمان والإحسان ، وحقنت فيه دماءنا ، وحفظت فيه حرمنا وأطفالنا ونساءنا ، وسلم على أيدينا خلق كثير (٢) ».

بعد ذلك استطاع السيّد ابن طاوس أن يأخذ الأمان من المغول لباقي مدن العراق ، فسلمت من نهب وسلب ووحشيّة التتار ، ولم يصبها ما أصاب بغداد من الدمار وسفك الدماء وهتك الأعراض واستباحة الحرمات.

ثمّ تولّى السيّد رحمه‌الله نقابة الطالبيين في سنة ٦٦١ ه‍ ، وبقي نقيبا لهم حتّى وافاه الأجل في سنة ٦٦٤ ه‍ ، وقد وصف المحدّث القميّ تولّيه للنقابة ، قائلا : « لمّا تولّى السيّد رضي الدين النقابة ، وجلس على مرتبة خضراء ، وكان الناس عقيب واقعة بغداد قد رفعوا السواد ـ [ وهو شعار العباسيين ] ـ ولبسوا الخضرة [ وهو شعار العلويين ] ، قال عليّ بن حمزة العلويّ الشاعر :

فهذا عليّ نجل موسى بن جعفر

شبيه عليّ نجل موسى بن جعفر

فذاك بدست للإمامة أخضر

وهذا بدست للنّقابة أخضر (٣)

وهذه التفاتة رائعة من ابن حمزة العلويّ ، حيث ذكّره جلوس عليّ بن موسى ابن طاوس للنقابة ، ولبس الخضرة ، بجلوس الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام

__________________

(١) انظر تاريخ الفخري (١٧)

(٢) الإقبال (٥١٨)

(٣) الكنى والالقاب ( ج ١ ؛ ٣٢٧ ) ، البابليات ( ج ١ ؛ ٦٥ )

٥٠

لولاية العهد ، وقد لبس لباسا أخضر ، جالسا على وسادتين خضراوين ، بديلا عن السواد الذي كان شعار العباسيين.

مشايخه في العلم والرواية

أخذ ابن طاوس علومه ومرويّاته عن علماء أعلام ، وجهابذة حفّاظ ، سنّة وشيعة ، فمن أساتذته ومشايخه :

١ ـ الشيخ أبو السعادات أسعد بن عبد القاهر بن أسعد بن سفرويه الأصفهانيّ ، صاحب كتاب « رشح الولاء في شرح دعاء صنمي قريش » ، سمع السيد منه في بغداد سنة ٦٣٥ ه‍.

٢ ـ بدر بن يعقوب المقرئ الأعجمي.

٣ ـ تاج الدين الحسن بن عليّ الدربي ، وقد أجاز السيّد ابن طاوس أن يروي عنه كلّ ما رواه أو سمعه أو أنشأه أو قرأه.

٤ ـ الحسين بن أحمد السوراوي ، أجاز السيّد ابن طاوس في جمادي الآخرة سنة ٦٠٩ هـ

٥ ـ كمال الدين حيدر بن محمّد بن زيد بن محمّد بن عبد الله الحسينيّ.

٦ ـ سديد الدين سالم بن محفوظ بن عزيزة بن وشاح السوراوي الحلّي ، فقيه عالم فاضل ، صاحب كتاب « المنهاج في الكلام » ، قرأ عليه السيّد ابن طاوس « التبصرة » وبعض « المنهاج ».

٧ ـ أبو الحسن عليّ بن يحيى بن عليّ ، الحافظ الفقيه الجليل ، الخيّاط ـ أو الحناط ـ أجاز السيّد سنة ٦٠٩ ه‍.

٨ ـ شمس الدين أبو عليّ فخار بن معد ، مؤلّف كتاب « الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ».

٩ ـ نجيب الدين محمّد السوراوي يحيى بن محمّد بن يحيى بن الفرج السوراويّ.

٥١

١٠ ـ أبو حامد محيي الدين محمّد بن عبد الله بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي ، ابن أخي ابن زهرة الحلبي.

١١ ـ أبو عبد الله محبّ الدين محمّد بن محمود ، المعروف بابن النجّار البغدادي ، صاحب كتاب « ذيل تاريخ بغداد ».

١٢ ـ الشيخ صفي الدين أبو جعفر محمّد بن معد بن عليّ بن رافع الموسوي.

١٣ ـ الشيخ نجيب الدين محمّد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما الحلّي الربعي.

أجاز السيّد لمّا كان يقرأ عليه الفقه.

١٤ ـ والده السيّد الشريف أبو إبراهيم موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد ابن طاوس.

١٥ ـ جدّه المحدّث الشيخ ورّام بن أبي فراس النخعي ، صاحب كتاب « تنبيه الخواطر ونزهة النواظر » المعروف بمجموعة ورّام.

تلامذته ومن روى عنه

لقد تتلمّذ على يد السيّد عليّ بن طاوس علما ورواية جماعة من العلماء والفضلاء ، نذكر بعضا منهم :

١ ـ إبراهيم بن محمّد بن أحمد بن صالح القسيني.

٢ ـ أحمد بن محمّد العلويّ.

٣ ـ جعفر بن محمّد بن أحمد بن صالح القسيني.

٤ ـ جعفر بن نما الحلي.

٥ ـ الشيخ تقي الدين الحسن بن داود الحلي.

٦ ـ العلاّمة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلي ، المعروف بالعلاّمة الحلي.

٧ ـ السيد غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن طاوس ، ابن أخي السيّد المؤلّف.

٨ ـ السيد عليّ بن عليّ بن طاوس ، صاحب كتاب « زوائد الفوائد » ، وهو ابن السيّد المؤلّف.

٥٢

٩ ـ عليّ بن عيسى الأربلّي ، صاحب كتاب « كشف الغمّة ».

١٠ ـ عليّ بن محمّد بن أحمد بن صالح القسيني.

١١ ـ محمّد بن أحمد بن صالح القسيني.

١٢ ـ محمّد بن بشير.

١٣ ـ الشيخ محمّد بن صالح.

١٤ ـ السيّد محمّد بن عليّ بن طاوس ، وهو ابن السيّد المؤلّف.

١٥ ـ السيّد نجم الدين محمّد بن الموسوي.

١٦ ـ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي.

١٧ ـ الشيخ سديد الدين يوسف بن عليّ بن مطهر الحلي ، والد العلاّمة الحلّي.

مؤلفاته

أتحف سيّدنا المؤلّف المكتبة الإسلامية بمؤلّفات قيّمة ، وفي مجالات مختلفة ، حتّى صار من بعده عيالا عليه في بعضها ، كالأدعية والزيارات مثلا ، وقد عدّ من مصنّفاته ومؤلّفاته أكثر من خمسين تأليفا وتصنيفا ، ممّا وصلنا الكثير منها بحمد الله ، ومنها ما لم يصلنا ، ممّا نرجو أن يمن الله علينا ـ بجهود الفضلاء والعلماء الدؤوبة ـ بالعثور عليها وإخراجها إلى عالم النور.

ومن هنا ، وبقاعدة « الميسور لا يسقط بالمعسور » ، رأينا أن نعدّ بعض مؤلّفاته ممّا اطّلعنا عليه ، لنكوّن صورة واضحة عن هذا المؤلّف العظيم ، وهي :

١ ـ الإبانة في معرفة أسماء كتب الخزانة.

٢ ـ الإجازات لكشف طرق المفازات فيما يخصّني من الإجازات الإجازات لما يخصّني من الإجازات.

٣ ـ الاختيارات من كتاب أبي عمرو الزاهد المختار من أخبار أبي عمرو الزاهد أنوار أخبار أبي عمرو الزاهد.

٥٣

٤ ـ أسرار الدعوات لقضاء الحاجات وما لا يستغنى عنه.

٥ ـ الأسرار المودعة في ساعات الليل والنهار.

٦ ـ أسرار الصلاة.

٧ ـ الاصطفاء في تاريخ الملوك والخلفاء الاصطفاء والبشارات.

٨ ـ إغاثة الداعي وإعانة الساعي.

٩ ـ الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة الإقبال بصالح الأعمال.

١٠ ـ الأمان من أخطار الأسفار والأزمان.

١١ ـ الأنوار الباهرة في انتصار العترة الطاهرة التصريح بالنصّ الصريح من ربّ العالمين وسيّد المرسلين على عليّ بن أبي طالب بأمير المؤمنين.

١٢ ـ البهجة لثمرة المهجة

١٣ ـ التحصيل على التذييل. والتذييل هذا لشيخه ابن النجار ، الّذي كتبه ذيلا على تاريخ بغداد.

١٤ ـ التحصين لأسرار ما زاد من أخبار كتاب اليقين.

١٥ ـ التراجم فيما نذكره عن الحاكم.

١٦ ـ التشريف بتعريف وقت التكليف.

١٧ ـ التشريف بالمنن في التعريف بالفتن التشريف بالمنن في الملاحم والفتن الملاحم والفتن.

١٨ ـ التعريف للمولد الشريف.

١٩ ـ التمام لمهام شهر الصيام.

٢٠ ـ التوفيق للوفاء بعد التفريق في دار الفناء.

٢١ ـ جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع.

٢٢ ـ الدروع الواقية من الأخطار فيما يعمل مثله في أيام كلّ شهر على التكرار.

٢٣ ـ ربيع الألباب.

٥٤

٢٤ ـ روح الأسرار وروح الأسمار.

٢٥ ـ ريّ الظمآن من مرويّ محمّد بن عبد الله بن سليمان

٢٦ ـ زهرة الربيع في أدعية الأسابيع.

٢٧ ـ السالك إلى خدمة الممالك.

٢٨ ـ السعادات بالعبادات السعادة.

٢٩ ـ سعد السعود.

٣٠ ـ شفاء العقول من داء الفضول.

٣١ ـ شرح نهج البلاغة.

٣٢ ـ صلوات ومهمّات للأسبوع.

٣٣ ـ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف الطرائف في مذاهب الطوائف الطرائف.

٣٤ ـ طرف من الأنباء والمناقب ، في شرف سيد الأنبياء والأطائب ، وطرف من تصريحه بالوصية بالخلافة لعليّ بن ابي طالب طرف الأنباء والمناقب في شرف سيد الأنبياء وعترته الأطائب.

٣٥ ـ عمل ليلة الجمعة ويومها.

٣٦ ـ غياث سلطان الورى لسكّان الثرى.

٣٧ ـ فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين ربّ الأرباب في الاستخارات.

٣٨ ـ فتح الجواب الباهر في خلق الكافر فتح محجوب الجواب الباهر في شرح وجوب خلق الكافر.

٣٩ ـ فرج المهموم في معرفة الحلال والحرام من النّجوم.

٤٠ ـ فرحة الناظر وبهجة الخواطر.

٤١ ـ فلاح السائل ونجاح المسائل.

٤٢ ـ القبس الواضح من كتاب الجليس الصالح.

٤٣ ـ الكرامات.

٥٥

٤٤ ـ كشف المحجّة لثمرة المهجة كشف المحجّة بأكف الحجة إسعاد ثمرة الفؤاد على سعادة الدنيا والمعاد.

٤٥ ـ لباب المسرّة من كتاب مزار ابن أبي قرّة.

٤٦ ـ المجتنى من الدعاء المجتبى.

٤٧ ـ محاسبة الملائكة الكرام آخر كلّ يوم من الذنوب والآثام.

٤٨ ـ محاسبة النفس.

٤٩ ـ مسلك المحتاج إلى مناسك الحاج.

٥٠ ـ مصباح الزائر وجناح المسافر.

٥١ ـ مضمار السبق في ميدان الصدق المضمار.

٥٢ ـ الملهوف على قتلى الطفوف اللهوف.

٥٣ ـ المنتقى.

٥٤ ـ مهج الدعوات ومنهج العبادات.

٥٥ ـ مهمات في صلاح المتعبّد وتتمّات لمصباح المتهجّد المهمات والتتمّات.

٥٦ ـ المواسعة والمضايقة.

٥٧ ـ اليقين باختصاص مولانا عليّ بإمرة المؤمنين.

هذا ، وقد صرّح السيد ابن طاوس بأنّ له مؤلّفات أخرى ، حيث قال : « وجمعت وصنّفت مختصرات كثيرة ما هي الآن على خاطري ، وأنشأت من المكاتبات والرسائل والخطب ، ما لو جمعته ، أو جمعه غيري كان عدّة مجلدات ، ومذكّرات في المجالس في جواب المسائل بجوابات وإشارات وبمواعظ شافيات ، ما لو صنّفها سامعوها ، كانت ما يعلمه الله جلّ جلاله من مجلّدات (١) ».

__________________

(١) الاجازات ، المطبوع في البحار ( ج ١٠٧ ؛ ٤٢ )

٥٦

وفاته ومدفنه

لا خلاف في أنّ سيّدنا المؤلّف توفّي في دار السلام بغداد ، صباح الخامس من ذي القعدة ، سنة ٦٦٤ ه‍. ق ، عن خمس وسبعين عاما مباركة من عمره « قده » ، فإنّه ولد نصف محرم سنة ٥٨٩ ه‍ (١).

إلاّ أنّ الخلاف وقع في موضع دفنه ، فذهب الشيخ يوسف البحراني ، إلى أنّ قبره غير معروف الآن (٢).

وقال الشيخ اليعقوبي : « واختلف المترجمون في موضع قبره ، فإنّ في آخر بساتين « الجامعين » بالحلّة مشهدا يعرف بقبر السيد عليّ بن طاوس ، يزوره الناس ويعتقدون بأنّه قبر صاحب الترجمة ، وقال بعضهم : أنّه دفن بالكاظميّة (٣) ».

وقال المحدّث النوري : « في الحلّة في خارج البلد قبّة عالية في بستان تنسب إليه ، ويزار قبره ويتبرك فيها ، ولا يخفى بعده لو كانت الوفاة ببغداد ، والله العالم (٤) ».

وقال السيد محمّد صادق بحر العلوم ، محقّق لؤلؤة البحرين ـ معلّقا على قول الشيخ يوسف البحراني السالف الذكر ـ : « في الحلّة اليوم مزار معروف بمقربة من بناية سجن الحلّة المركزي الحالي ، يعرف عند أهالي الحلة بقبر رضي الدين عليّ بن موسى بن جعفر بن طاوس ، يزوره الناس ويتبرّكون به (٥) ».

ثمّ نقل السيّد بحر العلوم ، عن العلاّمة السيد حسن الصدر الكاظمي ، قوله : « وأعجب من ذلك خفاء قبر السيد جمال الدين عليّ بن طاوس « صاحب الإقبال » ، مات ببغداد لمّا كان نقيب الأشراف بها ، ولم يعلم قبره ، والّذي يعرف بالحلة

__________________

(١) انظر كشف المحجة (٤٤)

(٢) انظر لؤلؤة البحرين (٢٤١)

(٣) البابليات ( ج ١ ؛ ٦٦ )

(٤) خاتمة المستدرك ( ج ٢ ؛ ٤٦٠ )

(٥) هامش لؤلؤة البحرين (٢٤١)

٥٧

قبر السيد عليّ بن طاوس في البستان ، هو قبر ابنه السيد عليّ بن السيد عليّ المذكور ، فإنّه يشترك معه في الاسم واللقب (١) ».

وقد رجّح الشيخ اليعقوبي كون القبر الموجود في الحلّة لا بن السيد المؤلّف ، معلّقا ذلك على تحقّق قول ابن الفوطي ـ الآتي ـ محتملا نقل جثمان مؤلّفنا من الحلّة إلى النجف الأشرف (٢).

ولعلّ الأقرب إلى الصواب ، هو أنّ السيد ابن طاوس دفن في النجف الأشرف ، وذلك لأمرين :

أوّلهما : إنّ ابن الفوطي ـ وهو المؤرخ المدقّق الضابط ، الذي يعدّ بحق أفضل من أرّخ حوادث القرن السابع ـ نصّ على أنّ السيد رحمه‌الله دفن في النجف الأشرف ؛ فقال في حوادث سنة ٦٦٤ ه‍ « وفيها توفّي السيّد النقيب الطاهر رضي الدين عليّ ابن طاوس ، وحمل إلى مشهد جدّه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٣) ».

وثانيهما : إنّ السيد المؤلّف كان قد هيّأ قبره وموضعه قبل وفاته ، قائلا بهذا الصدد : « وقد كنت مضيت بنفسي وأشرت إلى من حفر لي قبرا ، كما اخترته في جوار جدّي ومولاي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، متضيّفا ومستجيرا ورافدا وسائلا وآملا ، ومتوسّلا بكلّ ما توسّل به أحد من الخلائق ، وجعلته تحت قدمي والديّ رضوان الله جلّ جلاله عليهما ، لأنّي وجدت الله جل جلاله يأمرني بخفض الجناح لهما ويوصيني بالإحسان إليهما ، فأردت أن يكون رأسي ـ مهما بقيت في القبور ـ تحت قدميهما (٤) ».

وهذا يكشف عن أنّه أوصى بدفنه في ذلك القبر في النجف الأشرف ،

__________________

(١) هامش لؤلؤة البحرين (٢٤٢)

(٢) انظر البابليات ( ج ١ ؛ ٦٦ )

(٣) الحوادث الجامعة (٣٥٦)

(٤) فلاح السائل (٧٢) ، خاتمة المستدرك ( ج ٢ ؛ ٤٦٠ )

٥٨

قال المحدّث النوري : « ومقتضى ما ذكره هنا ، أنّه أوصى بحمله إليه ودفنه فيه ، وإلاّ فلا بدّ أن يكون قبره في جوار الكاظمين (١) ».

فمن هذين الأمرين يرجح أنّ قبر السيد عليّ بن طاوس في النجف الأشرف ، لا في الحلّة ـ فإنّ القبر الموجود فيها هو قبر ابنه عليّ بن عليّ بن موسى ـ ولا في الكاظمين ؛ لأنّه على تقدير أنّه دفن أوّلا في مدينة الكاظمين ، لا يتنافى مع نقله بعد ذلك إلى النجف الأشرف ، بنصّ ابن الفوطي ووصيّته رحمه‌الله.

عيسى بن المستفاد ، أبو موسى البجلي الضرير ، الذي كان حيّا سنة ١٦٠ ه‍ ـ المتوفى سنة ٢٢٠ ه‍.

لا نعرف له تاريخ ولادة محدّد على وجه الدقّة ، ولا أين ولد ، وكيف نشأ ، لأنّ كتب الرجال تغفل في أغلب الأحيان ذكر هذه الأمور وتقتصر على بعض مرويّاته ، وما قيل فيه ، وعمّن روى ، ومن روى عنه ، وربّما لم يذكروا بعض هذه الأمور أيضا ويقتصرون على بيان حاله جرحا وتعديلا ، فإن سكتوا عن ذلك أيضا دخل الرجل المترجم له في حيّز مجهولي الحال.

لكنّنا بناء على ما سيتّضح من أنّ عيسى بن المستفاد روى كتاب « الوصيّة » عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام ، نستطيع الجزم بأنّه كان حيّا في سنة ١٦٠ ه‍.

وذلك أنّ الإمام الكاظم عليه‌السلام تولّى أعباء الإمامة وقام بها بعد وفاة أبيه الصادق عليه‌السلام في سنة ١٤٨ ه‍ ، ممّا يعني أنّ عيسى لم يستق علومه الّتي رواها عن الكاظم عليه‌السلام قبل هذه السنة ، لأنّ الشيعة دأبت على تلقّي علومها عن الإمام الناطق الّذي يتولى أمور الإمامة ، دون الإمام الصامت.

وإذا قسّمنا حياة الإمام الكاظم عليه‌السلام إجمالا بعد السنة الآنفة الذكر حتّى استشهاده مسموما في سجن السندي بن شاهك بأمر الرشيد سنة ١٨٣ ه‍ ، وجدنا

__________________

(١) خاتمة المستدرك ( ج ٢ ؛ ٤٦٠ )

٥٩

أنّ هذه الفترة تنقسم إلى قسمين :

القسم الأوّل : ينحصر بين تاريخي ١٤٨ ـ ١٧٠ ه‍ ، أي بقيّة حكم المنصور الدوانيقي المتوفّى سنة ١٥٨ ه‍ ، وتمام حكم المهدي العبّاسي المتوفّى سنة ١٦٩ ه‍ ، وتمام حكم موسى الهادي العباسي ، المتوفّى سنة ١٧٠ ه‍.

وقد كان الإمام في هذه الفترات تحت ضغط السلطة العباسيّة وعيونها ، وفي خضمّ المضايقات والتشديدات السلطويّة ، لكنّه في هذه الفترة لم يستجلب من المدينة المنوّرة إلى بغداد إلاّ في حكم المهدي العباسي ، الّذي جاء بالإمام إلى بغداد وحبسه ، ثمّ أطلقه لرؤيا رآها ، فرجع الإمام عليه‌السلام إلى مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وأمّا القسم الثاني من حياته : فهو ما بين تاريخي ١٧٠ ـ ١٨٣ ه‍ ، وهي الفترة القاسية المؤلمة الّتي عاناها الإمام في حكومة هارون الرشيد ، وقضى شطرا كبيرا منها بين المعتقلات والسجون.

فقد نصّ الخوارزمي في مناقبه (٢) والعلاّمة الطبرسي في تاج المواليد (٣) وغيرهما ، على أنّ الإمام قضى عشر سنين في سجون الرشيد ، فمن سجن عيسى بن جعفر ابن المنصور العباسي في البصرة ، إلى سجون بغداد ، الّتي أوّلها سجن الفضل بن الربيع ، ثمّ سجن الفضل بن يحيى الذي وسّع نوعا ما على الإمام ، ومن بعدها سجن السنديّ ابن شاهك الّذي سمّ الإمام عليه‌السلام بأمر من هارون الرشيد.

ونحن لا ندري بالضبط متى سمع عيسى من الإمام الكاظم عليه‌السلام أحاديث الوصيّة؟ أفي القسم الأوّل ، الذي يبتدئ بسنة ١٤٨ ه‍ وينتهي بسنة ١٧٠ ه‍ ، أم في القسم الثاني ، الذي يبتدئ بسنة ١٧٠ ه‍ وينتهي بسنة ١٨٣ ه‍؟ وهل أنّ عيسى تلقّى أحاديثه في المدينة المنورة ؛ ربّما عند ذهابه إلى الحج ، وربما استقرّ هناك فاستمع إليها ،

__________________

(١) انظر تاريخ بغداد ( ج ١٣ ؛ ٢٧ ) وتذكرة الخواص (٣٤٩)

(٢) انظر مناقب الخوارزمي (٣٥٠)

(٣) انظر تاج المواليد المطبوع ضمن مجموعة نفيسة (١٢٢)

٦٠