الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣
يد : لو أسقط المديون أجل الدين الذي عليه لم يسقط ، وليس لصاحبه المطالبة في الحال.
يه : لو اقترض دراهم ثم أسقطها السلطان وجاء بدراهم غيرها لم يكن عليه إلا الدراهم الأولى ، فإن تعذرت فقيمتها وقت التعذر.
______________________________________________________
ومثله ما لو تسلط الظالم بنفسه ، وأخذ قدر نصيب الشريك ، لم أجد للأصحاب فيه تصريحا بنفي ولا إثبات ، مع أن الضرر قائم هنا أيضا ، والمتجه عدم الانسحاب.
بقي شيء ، وهو أن المالك إذا امتنع من قبض حقه في موضع وجوب القبض وتعذر الحاكم ، قد بينا زوال الضمان عنه بتعيينه ، فهل انتفاء ضمانه مشروط بالحفظ بمجرى العادة ، فيكون أمينا ، أم لا ، فلا يكون الحفظ واجبا عليه؟
لم أجد به تصريحا ، لكن قوة كلام الأصحاب تشهد للثاني ، حيث أطلقوا نفي الضمان عنه ، دفعا للضرر ولو وجب الحفظ الدائم لبقي الضرر المحذور ، ويلزم الضمان بالتقصير فيه. ويتجه الفرق بين ما إذا عرضه على البائع بعد تعيينه ، ولم يأت به لكنه أعلمه بالحال ، وبين ما إذا أتاه به وطرحه عنده ، فينتفي وجوب الحفظ في الثاني دون الأول وإن اشتركا في عدم الضمان.
قوله : ( لو أسقط المديون أجل الدين الذي عليه لم يسقط ، وليس لصاحبه المطالبة في الحال ).
لأن ذلك قد ثبت بالعقد اللازم ، لأنه المفروض ، فلا يسقط بمجرد الاسقاط ، ولأن في الأجل حقا لصاحب الدين ، ولهذا لا يجب عليه قبوله قبل الأجل.
أما لو تقايلا في الأجل فإنه يصح ، ولو نذر التأجيل فإنه يلزم ، وينبغي أن لا يسقط بتقايلهما ، إذ الإقالة في العقود ، لا في النذور.
قوله : ( فان تعذر فقيمتها وقت التعذر ).
ويحتمل وقت القرض
______________________________________________________
هذا مختار الشيخ (١) وابن البراج (٢) ، لأنه وقت الانتقال الى البدل الذي هو القيمة. ويشكل ، بأن التعذر بمجرده لا يوجب الانتقال إلى القيمة ، لعدم وجوب الدفع حينئذ ، فلا مقتضي له ، والأصل بقاء ما كان على ما كان ، ولا محذور في كون الشيء ثابتا في الذمة وإن تعذر تسليمه ما لم يجب دفعه.
ولا وجوب إلا بالمطالبة ، وهو المفهوم من فتوى الدروس ، فإنه صرح فيه بوجوب قيمتها وقت الدفع ، لا وقت التعذر ، ولا وقت القرض (٣) ، ولا يريد بها إلا قيمة وقت المطالبة ، وإن كان في عبارته تساهل ، وما اختاره هو الأصح.
قوله : ( ويحتمل وقت القرض ).
أي : ويحتمل وجوب القيمة يوم القرض ، لسبق علم الله بتعذر المثل وقت الأداء ، فيكون الواجب حينئذ هو القيمة ، وبه رواية صحيحة (٤). وليس بشيء ، إذ لا ملازمة بينهما ، ولا محذور في أن الثابت في الذمة وقت القرض المثل ، وينتقل بالتعذر عند المطالبة إلى القيمة ، فلا دليل على إخراج هذا من عموم وجوب المثل في المثلي ، وما قدمناه هو الأصح.
وفي رواية عن الرضا عليهالسلام : أن عليه دراهم تجوز بين الناس كما أخذ ما ينفق بين الناس (٥) ، ونزّلها الشيخ على أنه يؤخذ منه ما ينفق بين الناس بقيمة الدراهم الاولى بما ينفق بين الناس ، لأنه قد تسقط الدراهم الاولى حتى لا تكاد توجد أصلا ، فلا يلزمه أخذهما ، وهو لا ينتفع بها (٦) ، وبمضمون الرواية أفتى ابن بابويه (٧) ، والمتجه ما قدمناه.
__________________
(١) النهاية : ٣٨٤.
(٢) نقله عنه في المختلف : ٤١٥.
(٣) الدروس : ٣٧٧.
(٤) الكافي ٥ : ٢٤٨ حديث ١٦ ، الفقيه ٣ : ١٨٤ حديث ٨٢٩.
(٥) الكافي ٥ : ٢٥٢ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١١٨ حديث ٥٠٣ ، التهذيب ٧ : ١١٦ حديث ٥٠٥ ، الاستبصار ٣ : ١٠٠ حديث ٣٤٥.
(٦) قاله الشيخ في الاستبصار ٣ : ١٠٠ ذيل حديث ٣٤٥.
(٧) الفقيه ٣ : ١١٨ ذيل حديث ٥٠٣.
من غير الجنس لا من الدراهم الثانية ، حذرا من التفاضل في الجنس المتحد ، وكذا لو جعل قيمتها أقل.
ولو ضارب فالأقرب أن رأس المال الدراهم الساقطة ، مع احتمال جبر النقص بالربح.
ولو سقطت أو نقصت بعد البيع لم يكن للبائع إلا النقد الأول.
______________________________________________________
قوله : ( من غير الجنس ... ).
الجار متعلق بمحذوف ، على أنه مع المجرور حال من قيمتها أو صفة لها ، وإنما يلزم الربا لأن الظاهر أنه إذا بطل رواجها دراهم لم تبق إلا باعتبار النقد ، وهو انقص باعتبار أن للسكة اعتبارا ، فتزيد بها القيمة.
قوله : ( وكذا لو جعل قيمتها أقل ).
أي : ومثل ما لو أسقطها ما إذا جعل قيمتها أقل مما كانت ، فإنّ أخذ القيمة من غير الجنس ـ حذرا من الربا ـ متعين.
قوله : ( ولو ضارب ، فالأقرب أن رأس المال الدراهم الساقطة ).
وجه القرب : أنها رأس المال ، فكيف تتصور المطالبة بغيرها؟ ولأن المضاربة إنما انعقدت بالنسبة إليها ، والأصل بقاء ما كان.
قوله : ( مع احتمال جبر النقص بالربح ).
ووجهه : أنه نقص حصل بعد الدوران في التجارة. ويضعّف ، بأن رأس المال بحاله ، والنقص الذي يجب جبرانه هو النقص عن رأس المال ، ولم يحصل ، فان نقصان قيمة رأس المال لا يعد نقصانا في رأس المال ، وهو ظاهر ، والأول أصح.
قوله : ( ولو سقطت أو نقصت بعد البيع ، لم يكن للبائع إلا النقد الأول ).
أي : ولو سقطت الدراهم ، أو جعلت قيمتها ناقصة بعد صدور بيع بثمن من الدراهم لم يستحق البائع إلا النقد الذي كان وقت البيع ، لوجوب حمل إطلاق
ولو تعاملا بعد النقص والعلم فلا خيار ، وإن كان قبل العلم فالوجه ثبوت الخيار للبائع ، سواء تبايعا في بلد السلطان أو غيره.
المقصد الثاني : في الرهن : وهو وثيقة لدين المرتهن ، وأركانه أربعة : الصيغة ، والمحل ، والعاقد ، والحق. فهنا فصول :
______________________________________________________
العقد على المتعارف حينئذ أو الغالب.
قوله : ( ولو تبايعا بعد النقص والعلم ... ).
أي : علم البائع ، لأنه لا ضرر على المشتري لو لم يعلم.
قوله : ( وإن كان قبل العلم فالوجه ثبوت الخيار للبائع ... ).
لأنه نقص سابق على العقد ، ولم يعلم به فيكون عيبا أو كالعيب ، لثبوت نقص المالية به. ويحتمل العدم ، لعدم الزيادة والنقيصة عن المجرى الطبيعي.
ويضعف ، بأن المراد بالنقيصة والزيادة باعتبار الغالب ، ولهذا يعد كون الضيعة منزلة الجيوش عيبا مع عدم نقصان قيمتها ولا زيادة ، وهذا المعنى ثابت هنا ، لأن الساقط أو الذي نقصت قيمته قد صار ناقصا باعتبار العرف الغالب.
ولا يتفاوت هذا الحكم بكون البلد بلد السلطان وغيره ، للاستواء فيما قلناه ، وتفاوت البلدان بكون الأمر في ذلك متفاوتا بالظهور والخفاء لا أثر له.
قوله : ( وهو وثيقة لدين المرتهن ).
لما كانت التاء في ( وثيقة ) لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية المحضة ـ كالتاء في لفظ الحقيقة ـ لم يرد عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث ، ولا يرد عليه لزوم الدور ، باعتبار أخذ المرتهن في التعريف ، لإمكان كشفه بصاحب الدين ، أو بمن له الوثيقة ، فلا يلزم توقفه على معرفة مفهوم الرهن.
وعرفه في الدروس : بأنه وثيقة للمدين ، يستوفي منه المال (١) ويرد عليه الرهن على الدرك وعلى الصنجة ، إذ لا دين هناك إلا أن يقال : هو رهن لاستيفاء الدين على تقدير ظهور الخلل في الصنجة ، والاستحقاق في المبيع ، لثبوت الدين حينئذ. وفيه تكلف ، مع أن الثمن قد يبقى بحاله ، فلا يكون دينا.
__________________
(١) الدروس : ٣٩٥.
الأول : الصيغة : ولا بد فيه من إيجاب كقوله : رهنتك ، أو هذا وثيقة عندك على كذا ، أو ما أدى معناه من الألفاظ ، وتكفي الإشارة مع العجز كالكتابة وشبهها. وقبول كقوله : قبلت ، أو ما يدل على الرضى.
______________________________________________________
قوله : ( ولا بد فيه من إيجاب ، كقوله : رهنتك ، أو هذا وثيقة ).
قال في التذكرة : الخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة ، والاستيجاب والإيجاب عليه المذكورة في البيع بجملته آت هنا (١). ويشكل ، بان باب البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالإجماع بخلاف ما هنا ، أما الاستيجاب والإيجاب فنعم.
قوله : ( وتكفي الإشارة مع العجز ، كالكتابة وشبهها ).
ليست الكتابة من أفراد الإشارة ، فيكون ذكرها بالكاف للتشبيه في الحكم لا للتمثيل ، واعتبر في التذكرة مع الكتابة الإشارة الدالة على الرضى ، فلا تكفي الكتابة من دونها (٢) ، وهو حق ، لعدم العلم بثبوت القصد الى الرهن ، لإمكان العبث ، أو إرادة أمر آخر.
قوله : ( وقبول ، كقوله : قبلت ، أو ما يدل على الرضى ).
مثل : رضيت ونحوه ، ولا بد في الإيجاب والقبول من كونهما بلفظ الماضي ، لأنه صريح في الإنشاء. ولعدم الدليل الدال على ثبوت الرهن من دونه ، صرح به في التذكرة (٣).
وكذا لا بد فيهما من التطابق ، ووقوع القبول مع الإيجاب ، بحيث يعد معه جزءا ، فلو تراخى أحدهما عن الآخر كثيرا لم يعتد به ، قال في التذكرة : وهل يشترط في الصيغة اللفظ العربي؟ الأقرب العدم (٤).
قلت : يشكل ، بأن الإطلاق محمول على المتعارف من العربي ، ولأن هذا من العقود اللازمة ، فيتوقف لزومه على العربية ، لأصالة العدم بدونه.
__________________
(١) التذكرة ٢ : ١٢.
(٢) المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق.
(٤) التذكرة ٢ : ١٢.
وهل يقوم شرط الرهن في عقد البيع مقام القبول؟ نظر ، وشرط ما هو من قضايا الرهن كعدمه ، كقوله : على أن يباع في الدين ، أو يتقدم به على الغرماء.
ولو شرط ما ينافي العقد بطل كالمنع من بيعه في حقه.
أما لو شرط في البيع اذن فلأن ، أو بكذا فالوجه الصحة. وكذا يصح لو شرط أن ينتفع به المرتهن ، أو يكون النماء المتجدد رهنا.
______________________________________________________
لا يقال : عموم ( ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ) (١) ينافي الاشتراط.
لأنا نقول : نمنع صدق العقد بالعجمية مع إمكان العربية.
قوله : ( وهل يقوم شرط الرهن في عقد البيع مقام القبول؟ نظر ).
لا يخفى أنه لا بد من تصوير المسألة ، بما إذا كان إيجاب الرهن عقيب إيقاع البيع ، بحيث لا يقع بينهما تراخ ، يمنع كون أحدهما مع الآخر جزءا للعقد ، لاشتراط وقوع أحدهما عقيب الآخر على الفور عادة.
ومحصل ما هنا : أن الواقع في عقد البيع من الرضى بالرهن الذي دل عليه الاشتراط ، هل يكون قبولا معتبرا أم لا ، باعتبار تقدمه على الإيجاب؟
ومنشأ النظر من : أصالة عدم اشتراط التأخر عن الإيجاب ، ومن أن صحة الرهن موقوفة على حصول الصيغة المعتبرة شرعا ، والأصل عدم اعتبار ما تقدم فيه القبول على الإيجاب ، ولأن القبول عبارة عن الرضي بالإيجاب ، فقبل حصول الإيجاب لا يتحقق الرضى به ، إذ ليس ثمة شيء يرضى به ، فالأصح عدم الاكتفاء به.
قوله : ( أما لو شرط في البيع إذن فلأن ، أو بيعه بكذا فالوجه الصحة ).
أي : لو شرط في عقد الرهن أن لا يباع إلا بإذن فلأن مثلا ، أو شرط أن لا يباع إلا بكذا ، فان الوجه عند المصنف الصحة ، لعدم المنافاة لمقصود الرهن ،
__________________
(١) المائدة : ١.
ولو شرط عليه رهن في بيع فاسد ، فظن اللزوم فرهن ، فله الرجوع.
ويصح الرهن سفرا وحضرا ، وهو عقد لازم من جهة الراهن خاصة ، فإن أدى ، أو أبرئ ، أو أسقط المرتهن حقه من الرهن كان له أخذه ، ولا يجب على المرتهن دفعه مع خروجه عن الرهانة ، إلا بعد المطالبة به ، ويبقى أمانة في يده.
______________________________________________________
لأن الأول توكيل ، وقد يتعلق بالثمن المقصود غرض الراهن ، وبدونه يحصل عليه ضرر. ويحتمل العدم ، لأن فلانا قد لا يأذن ، والثمن المعين قد لا يبلغه الرهن ، فيتعذر أخذ الدين من قيمته ، فينتفي مقصوده ، فيكون الشرط منافيا ، والمسألة موضع تردد ، والبطلان لا يخلو من قوة.
قوله : ( ولو شرط عليه رهن في بيع فاسد ، فظن اللزوم فرهن ، فله الرجوع ).
وجه ذلك : أنه مساو لما لو باع مال أبيه على ظن أنه حي ، فبان ميتا. وفيه نظر ، لأن هذا غير قاصد الى البيع ، وفي مسألة الرهن قاصد الى الرهن. غاية ما في الباب أنه أوقعه على اعتقاد وجوبه عليه ، لكون سببه صحيحا.
ويجيء في نظائره مثله ، كما لو ابرئت ذمة الزوج بظن صحة الطلاق ، فتبين الفساد ، أو وهب من واهبه بظن صحة الهبة الاولى ، وإن قارن الثانية ما يقتضي اللزوم ، وأمثال ذلك.
قوله : ( فإن أدى أو أبرئ ... ).
أي : فان أدى الراهن الدين ، أو أبرأه المرتهن ، أو أسقط المرتهن حقه من الرهن ، فيكون ( أبرئ ) و ( أسقط ) قد تنازعا المرتهن.
قوله : ( ولا يجب على المرتهن دفعه مع خروجه عن الرهانة ، إلا بعد المطالبة ).
وكذا كل حق كان ثبوته في اليد بإذن شرعي كالمستأجر.
الثاني : المحل : وشروطه أربعة : أن يكون عينا ، مملوكة ، يصح قبضه للمرتهن ، ويمكن بيعه ، فلا يصح رهن المنافع ، ورهن المدبر إبطال للتدبير على رأي ، فلو شرط رهن الخدمة فيه بطل على رأي.
______________________________________________________
قوله : ( مملوكة ... ).
المتبادر من قوله : ( مملوكة ) مع قوله فيما بعد : ( ولا ما لا يملك ) كونها مملوكة للراهن ، ويرد عليه المستعار ، ولو أراد بذلك كونها مما يملك لم يكن لقوله : ( ولا ما لا يملك ، فيقف على الإجازة ) وجه.
فلا يصح رهن المنافع ، لأن المطلوب بالرهن لا يحصل بها ، اعني : التوثق ، لأنها تستوفي شيئا فشيئا ، وكلما حصل منها شيء عدم ما قبله والمطلوب الرهن ، بحيث متى تعذر استيفاء الدين استوفي من قيمته.
قوله : ( ورهن المدبر إبطال للتدبير على رأي ).
هذه المسألة لا ارتباط لها برهن المنافع ، إلا باعتبار ما بعدها. واعلم أن المخالف في ذلك الشيخ (١) وجماعة (٢). ومبنى القولين على أن التدبير عتق بصفة ، فلا يبطل بالرجوع ، أو وصية فيبطل به ، والأصح الثاني. وإنما كان الرهن رجوعا ، لأن مقصوده استيفاء الدين من قيمته ، فهو مناف للوصية باعتبار مقصوده.
قوله : ( فلو شرط رهن الخدمة فيه ، بطل على رأي ).
أي : بناء على بطلان التدبير بالرهن لو شرط رهن الخدمة في المدبر ، سواء رهنه مع ذلك أم لا ، بطل الشرط والرهن ، إلا أن ابتناءه على بطلان التدبير غير واضح ، وإن كان الشيخ (٣) وجماعة قد حكموا بانصراف الرهن إلى خدمة المدبر إذا رهنه نفسه ، بناء على عدم بطلان تدبيره والحكم بصحة الرهن.
__________________
(١) المبسوط ٢ : ٢١٣.
(٢) منهم : ابن إدريس في السرائر : ٢٦١.
(٣) المبسوط ٢ : ٢١٣.
ولا رهن الدين ، ولا ما لا يملك فيقف على الإجازة. ولو ضمه مع المملوك مضى فيه ، ووقف الآخر على اجازة المالك.
ولا رهن ما لا يصح تملكه كالحشرات ، ولا ما لا يملكه المسلم إن كان أحد هما مسلما كالخمر وإن كان المرتهن ذميا أو الراهن عبدا لمسلم ، وإن وضعها على يد ذمي على رأي.
______________________________________________________
ولا يقال : إن هذا متفرع على قوله : ( فلا يصح رهن المنافع ) ، لأن اختصاص هذا الفرد بالذكر لا وجه له ، ولأن توسيط قوله : ( ورهن المدبر ... )
يكون لغوا محضا.
قوله : ( ولا رهن الدين ).
لأن مقصود الرهن لا يحصل به ، لأن المراد : الاستيثاق بما يرجع الى قيمته عند الاحتياج اليه ، وذلك إنما يكون في الأعيان ، ولظاهر قوله تعالى ( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (١) وليس شأن الدين أن يكون مقبوضا ، إذ هو أمر كلي لا وجود له في الخارج.
وتعجب شيخنا الشهيد في الدروس (٢) من المصنف ، حيث حكم بعدم صحة رهن الدين مع قوله : بان القبض ليس شرطا في الرهن ، وتعجبه في غير موضعه ، لأن قوله : بان القبض غير شرط في تحقق عقد الرهن ، والحكم بصحته لا ينافي اشتراط كون الرهن مما لا يقبض مثله ، نظرا الى أن مقصوده لا يحصل إلا بكونه مما يقبض ، كما أرشدت اليه الآية الكريمة (٣) ، وأحدهما غير الآخر ، إذ الأول ناظر الى الحكم بصحة الرهن من دونه ، إذا كان المرهون مما يقبض ، والثاني ناظر الى أن ما لا يقبض مثله عادة لا يصح رهنه ، وأين هذا من ذاك؟
قوله : ( وإن كان المرتهن ذميا ، أو الراهن عبدا لمسلم ، وإن وضعها
__________________
(١) البقرة : ٢٨٣.
(٢) الدروس : ٣٩٧.
(٣) البقرة : ٢٨٣.
ولا الأرض المفتوحة عنوة ، ويصح رهن الأبنية والأشجار فيها.
ولا رهن الطير في الهواء ، ولا السمك في الماء ،
______________________________________________________
على يد ذمي على رأي ).
عطف بـ ( إن ) الوصلية للتنبيه على اندراج هذه المسائل التي هي في محل الخفاء في إطلاق قوله : ( ولا ما لا يملكه المسلم إن كان أحدهما مسلما ) فان كون المرتهن ذميا قد تتخيل بسببه صحة الرهن ، لأن مقصوده عائد عليه. وليس كذلك ، لأن الرهن إنما يصح إذا كان للراهن سلطنة ملك على الرهن ، أو ما في حكم ذلك كالمستعار من غير المالك ، وقد عرفت انتفاء الأمرين. وكذا لو كان الراهن عبدا لمسلم ، وهو ذمي ، فإن يده يد مولاه ، وكذا لو وضع المسلم الخمر على يد ذمي ، لأن الذمي حينئذ وكيل المسلم ، فيده يده.
وفي بعض النسخ : ( أو الرهن عند المسلم ) بحذف الف الراهن وقراءة عند بالنون ، لكن في هذه العبارة حينئذ قبح ، إذ ليس هذا فردا خفيا ، فان جعل الخمر مرهونة عند المسلم ليس أخفى ليعطف على المعطوف بـ ( إن ).
ولو ضم إليه ( وضعها على يد ذمي ) لوجب إسقاط ( إن ) الأخرى ، ولو أنه قال : وإن كان المرتهن ذميا ، أو الرهن عبد المسلم على يد ذمي ، الى آخره لكان أولى ، والقائل بصحة الرهن للخمر عند المسلم إذا وضعت على يد ذمي هو الشيخ في الخلاف (١) والأصح خلافه.
وعبارة المصنف تحتمل ارادة عود الرأي الى جميع ما تقدم ، والى الأخير خاصة.
قوله : ( ولا رهن الطير في الهواء ).
ينبغي أن يقال : إذا كان مملوكا ، ووثق بعوده عادة يصح رهنه.
قوله : ( ولا السمك في الماء ).
إذا كان غير مملوك ، أو مملوكا لا يقدر عليه ، وإلاّ صح.
__________________
(١) الخلاف ٢ : ٦٤ مسألة ٥٢ كتاب الرهن.
ولا العبد المسلم ، أو المصحف عند الكافر ، فإن وضعا على يد مسلم فالأقرب الجواز. وكذا يجوز رهن الحسناء عند الفاسق لكنه يكره.
ولا رهن الوقف ، ولا المكاتب وإن كان مشروطا ،
______________________________________________________
قوله : ( ولا العبد المسلم ، أو المصحف عند الكافر ، فان وضعا على يد مسلم فالأقرب الجواز ).
هذا هو الأصح ، وأطلق في البيع المنع ، نظرا إلى أنه سبيل للكافر على المسلم. وفيه نظر ، لأنه إذا لم يكن تحت يده فإنما يستحق الاستيفاء من قيمته ببيع المالك أو وكيله أو الحاكم ، وذلك لا يعد سبيلا بوجه من الوجوه ، فان هذا المقدار مستحق له وإن لم يكن هناك رهن ، وثمرة الرهن الاختصاص بالاستيفاء من قيمته ببيع من له ذلك من دون سائر الغرماء.
قوله : ( وكذا يجوز رهن الحسناء عند الفاسق ، لكنه يكره ).
رد بذلك على بعض العامة ، المانع من الصحة إلاّ مع المحرمية (١) ، ومثل الجارية الحسناء الغلام.
قوله : ( ولا رهن الوقف ).
وإن بلغ مرتبة يجوز بيعه ، إما لخلف بين أربابه ، أو لغير ذلك ، لأن ما يباع للخلف يشترى بثمنه ما يوقف ، وما يباع للحاجة قد يتطرق إليه في وقت الاحتياج الى بيعه للرهن عدمها ، فلا يكون مقصود الرهن حاصلا.
قوله : ( ولا المكاتب ، وإن كان مشروطا ).
لأن الكتابة عقد لازم لا يمكن استيفاء الدين معها ، فلو كانت مشروطة ، وعجز فهل يصح رهنه حينئذ ، لأن للمالك الفسخ ، ويكون الرهن فسخا؟ قال في التذكرة : الأقرب ذلك (٢) وما أشبه هذا بتصرف ذي الخيار ، وقد سبق صحته.
__________________
(١) قاله القاضي أبو الطيب ، انظر : المجموع ١٣ : ٢٢١.
(٢) التذكرة ٢ : ٢٢.
وفي رهن أم الولد في ثمن رقبتها مع إعسار المولى اشكال ، ومع يساره أشكل ،
______________________________________________________
وتكون ارادة العقد المستلزم كونها معتبرة للفسخ فسخا ، إذا قارنها التصرف ، وتكون مقارنة التصرف كاشفة عن تأثيرها الفسخ ، ولا استبعاد في ذلك ، صيانة للعقد الصادر ممن له أهلية عن اللغو.
قوله : ( وفي رهن أم الولد في ثمن رقبتها مع إعسار المولى إشكال ).
ينشأ : من جواز بيعها فالرهن أولى ، ومن أن الرهن يقتضي جواز البيع عند العجز ، أو امتناع الراهن من الأداء بشروط البيع ، والاستيلاد سبب مانع من البيع موجود حال الرهن.
والإعسار عن ثمنها مانعيته حال الرهن لا تقتضي بطلانها مطلقا ، بل الأصل عدم بطلان مانعيته في وقت الاحتياج الى بيعه ، للشك في السبب ، فلا يتحقق مقصود الرهن المطلوب منه ، فيكون باطلا.
فان قلت : فلا يجوز رهن المرتد عن فطرة والجاني ، لوجود السبب المانع من البيع في الجملة ، فيكون كالاستيلاد ، وسيأتي
ما يقتضي جوازه.
قلت : بينهما فرق ، فان الاستيلاد مانع من البيع ، غاية ما في الباب أن مانعيته قد بطلت بالإعسار في ثمن أم الولد ، فتبقى متحققة فيما عدا ذلك بخلاف الردة والجناية ، فإنهما غير مانعين من البيع لبقاء المالية.
غاية ما في الباب أن ذلك سبب لاستحقاق القتل والاسترقاق المانع من مقصود الرهن ، وهذا غير موجود ، ولا معلوم الوجود ، فلا مانع حينئذ ، بل المانع متوقع الوجود ، فهو كرهن المريض ، فاتضح الفرق. وفي عدم جواز رهن أم الولد مطلقا قوة.
قوله : ( ومع يساره أشكل ).
لامتناع البيع حينئذ ، فيكون جواز الرهن مع اليسار أبعد ، ووجه الصحة : أن الرهن ليس بيعا ، وقد لا يفضي الى البيع ، فلا يجب الحكم ببطلانه فيما لا يصح بيعه ، لإمكان حصول الفائدة منه ، وهي معنى التوثق بوجه آخر ، فان
وغير الثمن أشد إشكالا.
ويصح رهن ذي الخيار لأيهما كان ،
______________________________________________________
المالك إذا صار محجورا عليه في ماله ، بحيث يمنع من نحو العتق مثلا ، كان ذلك سببا باعثا له على أداء الدين وزوال الحجر. ويضعف ، بأن المقصود الأصلي من الرهن استيفاء الدين من قيمته ، فلا بد في الرهن من صلاحيته لذلك ، لأنه معرض لذلك ، وإن كان قد يحصل الأداء بوجه آخر.
وقد بنى الشارح ولد المصنف هذه المسألة على أن صحة الرهن مشروطة بإمكان البيع بالفعل دائما ، أو إمكانه في الجملة (١) ، وفي هذا البناء للنظر مجال.
واعلم أن في بعض حواشي شيخنا الشهيد : أن في قوله : ( أشكل ) نظرا ، لأن أفعل التفضيل لا يبنى من رباعي ، إلا ما شذ نحو : ما أعطاه ، قال : ولو قرئ بالفتح على أنه فعل ماضي لجاز ، لكنه يفوت المعنى. قلت : فيه مع فوات المعنى سماجة العبارة ، وخلوها عن حسن النظم.
قوله : ( وغير الثمن أشد إشكالا ).
إنما كان الجواز أشد إشكالا حينئذ للبعد عن الجواز باعتبار انتفاء كل من جزئي السبب ، فإنه مع بقاء أحدهما يكون أقرب إليه ، لتوقفه على حصول الجزء الآخر فقط.
بخلاف ما إذا لم يكن واحد منهما موجودا ، فإنه يتوقف على وجودهما معا ، والأصح عدم الجواز مطلقا ، وقول ابن الجنيد بجواز رهن أم الولد مطلقا ضعيف (٢).
قوله : ( ويصح رهن ذي الخيار لأيهما كان ).
يمكن أن يكون المصدر مضافا الى مفعوله ، والمعنى : يصح رهن ما فيه الخيار لأيّ المتعاقدين كان الخيار له ، فيكون الخيار متعلقا بـ ( يصح ) ، أي : يصح ذلك لكل من ثبت له الخيار منهما ، فيكون المجرور في خبر ( كان ) هو العائد. وفيه
__________________
(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٢.
(٢) نقله عنه في المختلف : ٤٢٢.
ورهن الام دون ولدها الصغير وإن حرمنا التفرقة ، وحينئذ إما أن يبيع الأم خاصة ويقال : تفرقة ضرورية ،
______________________________________________________
تكلف ، لأن ذا الخيار هو صاحبه ، فيكون المصدر مضافا الى فاعله ، أي : يصح رهن صاحب الخيار ما فيه الخيار ، ومتعلق الجار في ( لأيهما ) محذوف ، والجار والمجرور في موضع الوصل ، و ( كان ) فيه ناقصة ، وهي صلة الموصول. والتقدير : وإن كان الخيار لأي المتعاقدين كان له.
ويمكن أن يكون متعلق الجار محذوفا ، على أنه حال من الخيار ، والتقدير : ويصح رهن ذي الخيار ثابتا لأيهما كان الخيار له ، والعائد في الموضعين هو الضمير المجرور في الخبر.
ولا يجوز أن تكون ( كان ) تامة ، لئلا يبقى الموصول بغير عائد ، سواء كان للبائع أم للمشتري ، فإن كان صاحب الخيار البائع فرهنه يعد فسخا على المتجه ، وإن كان المشتري كان اجازة.
وفي الدروس أسند الحكم في ذلك الى الفاضلين ، ولم يفت بشيء (١). أما رهن المشتري في مدة خيار البائع فينبغي أن يكون كبيعه ، وقد سبق عدم صحته من دون الإجازة.
قوله : ( ورهن الام من دون ولدها الصغير وإن حرمنا التفرقة ).
لأن الرهن لا يعد تفرقة ، نعم لو قلنا بجواز بيعها منفردة بعد الرهن احتمل عدم جواز إفرادها بالرهن ، لأن ذلك يفضي الى التفرقة المحرمة.
قوله : ( وحينئذ إما أن يبيع الأم خاصة ، ويقال : تفرقة ضرورية ).
أي : وحين رهنها منفردة لجوازه إما أن يبيع المرتهن بإذن الراهن ، أو تكون قراءته بالنون ، على معنى : نحن نبيع ـ أي : نأمر بالبيع على حد : ( أو نقول : يباعان ) ـ الأم خاصة.
ولا مانع من التفرقة حينئذ ، لأنها ليست مستندة الى اختيار الراهن ، بل
__________________
(١) الدروس : ٤٠٢.
أو نقول : يباعان ثم يختص المرتهن بقيمة الأم فتقوّم منفردة ، فإذا قيل : مائة ، ومنضمة يقال : مائة وعشرون ، فقيمة الولد السدس. ويحتمل تقدير قيمة الولد منفردا حتى تقل قيمته ، فإذا قيل : عشرة فهو جزء من أحد عشر.
______________________________________________________
هي ضرورية بسبب الرهن. وفيه نظر ، لأن الرهن اقتضى بيعها ، لا بيعها منفردة ، والتفرقة محرّمة بالنص ، فيجب بيع الولد معها ، إذ لا ضرورة حينئذ إلى التفرقة ، فيكون استحقاق بيعها مستندا الى الرهن ، ووجوب بيع الولد مستندا الى تحريم التفرقة.
قوله : ( أو نقول : يباعان ، ثم يختص المرتهن بقيمة الأم ).
وجهه يظهر مما سبق ، وهو أقوى.
قوله : ( فتقوّم منفردة ، فإذا قيل : مائة ، ومنضمة يقال : مائة وعشرون ، فقيمة الولد السدس ).
أي : بناء على بيعهما معا ، واختصاص المرتهن بقيمة الأم إنما يختص بقيمتها منفردة ، لأن استحقاقه المتعلق بها مستند الى رهنها ، وليس له تعلق بولدها ، فيجب أن تقوّم منفردة عن ولدها ليوفي الحق الثابت له بالرهانة ، فتنظر قيمتها منفردة ، وقيمتها مع الولد ، فما زاد على قيمتها حال الانفراد يكون للراهن ، والقيمة للمرتهن.
واعلم أن تقدير عبارة الكتاب : فإذا قيل : قيمتها منفردة مائة ، وقيمتها منضمة مائة وعشرون إلى آخره ، فحذف منفردة لدلالة منضمة عليه ، ولأن قوله : ( فتقوّم منفردة ) يرشد إليه أيضا.
لكن في العبارة مناقشة ، لأن مائة وعشرون ليست قيمتها منضمة ، أي : حال الانضمام ، بل قيمتها وقيمة الولد معا ، وإنما قيمتها منضمة من ذلك مائة وتسعة وجزء من أحد عشر جزءا من درهم ، فتسامح في العبارة.
قوله : ( ويحتمل تقدير قيمة الولد منفردا حتى تقل قيمته ، فإذا قيل : عشرة ، فهو جزء من أحد عشر ).
فروع :
أ : يصح رهن المشاع أو بعضه على الشريك وغيره ،
______________________________________________________
وجه هذا الاحتمال : أن الزيادة الحاصلة بالضميمة مستندة الى كل من الام والولد ، فيجب تقسيطهما على قيمتهما. وفيه نظر ، لأن الزيادة وإن استندت الى كل منهما ، لكن لا حق للمرتهن فيها ، لأنه إنما يستحق قيمة الرهن ، وهو الأم في حال انفرادها.
فان قيل : هو يستحق قيمة الأم باعتبار كونها مرهونة ، فإذا زادت بالضميمة لم تخرج الزيادة عن كونها قيمة لها.
قلنا : هو لا يستحق قيمة الأم مطلقا ، بل قيمتها على حال تعلق الرهن بها ، وإنما تعلق بها منفردة ، فالزيادة الحاصلة بالضميمة لمالكها ، لأنها زيادة لم يتعلق الرهن بها.
فان قيل : وصف الانفراد هو حالها في وقت تعلق الرهن بها ، وليس معتبرا في تعلقه بها ، فلا يكون معتبرا في تحقق قيمتها حال الانضمام.
قلنا : بل يجب اعتباره ، لأن الزيادة حاصلة بسبب الانضمام الذي لا حقّ للمرتهن فيه ، وإنما هو مختص بالراهن.
فان قيل : هو كما لو ضم كل من الشخصين ما له الى مال الآخر ، فحصل بسبب الضميمة زيادة في القيمة كما في مصراعي باب ، فإن الزيادة لهما.
قلنا : والفرق أن المالين لشخصين ، وفي محل النزاع الأمة والولد لشخص واحد ، واستحقاق المرتهن في الأمة إنما هو في حال الوصف الذي لا يقتضي زيادة القيمة ، فتكون الزيادة في مال المالك ـ أعني : الراهن ـ خالصة له إذا لم يتعلق بها حق المرتهن ، وهذا هو الأصح.
فرع :
لو نقصت قيمة الأم مع الضميمة عن حال الانفراد لم يدخل النقص على المرتهن ، لاستحقاقه قيمتها منفردة ، والضميمة حق وجب على الراهن.
قوله : ( يصح رهن المشاع أو بعضه على الشريك وغيره ).
ويكون على المهاياة كالشركاء.
ب : يصح رهن المرتد وإن كان عن فطرة على اشكال ، والجاني عمدا وخطأ ، ولا تبطل الحقوق بل تقدم على الرهن ،
______________________________________________________
أي : يصح رهن الجزء المشاع الى آخره ، ويكون قبضه بقبض المجموع ، وخالف أبو حنيفة في الصحة (١).
قوله : ( ويكون على المهاياة كالشركاء ).
أي : ويكون ذلك الجزء ، أو يكون رهن ذلك الجزء واقعا على المهاياة بين المرتهن والشركاء بالنسبة إلى القبض ، وكونه تحت اليد وذلك كالشركاء ، أي : كمهاياة الشركاء ، فكما يكون لمالك الربع ربع الزمان الذي جعل للمهاياة ، كيوم من أربعة ينتفع بالمشترك فيه ، يكون للمرتهن إثبات اليد عليه كذلك ، فتكون المهاياة فيه بالنسبة إلى المرتهن مع الشركاء لإثبات اليد ، ولا امتناع في ذلك.
قوله : ( يصح رهن المرتد وإن كان عن فطرة على اشكال ).
الظاهر أن الاشكال في المرتد عن فطرة مع احتمال تعلقه بهما ، ومنشؤه من جواز بيعه فيجوز رهنه بطريق أولى ، ومن أن مقصود البيع حاصل ، وأما مقصود الرهن فقد لا يحصل لقتل الفطري حتما ، والآخر قد لا يتوب.
ومما ذكرناه في حكم أم الولد من التوجيه يظهر أن الأقوى هنا الجواز ، ومثله الجاني ، وعبارة المصنف فيه تحتمل إرادة جيء الإشكال فيهما.
فائدة : الردة الفطرية من المرأة كغيرها ، فلا بد من استثنائها من إطلاق المرتد عن فطرة إن خصصنا الاشكال فيه.
قوله : ( ولا تبطل الحقوق ، بل تقدم على المرتهن ).
في بعض النسخ : بل تقدم على الرهن ، ووجه حسن ما هنا ، أن ضمير ( كان ، وعلم ، وتخير ) في الكلام الذي بعده لا مرجع له إلا المرتهن ، نعم لا بد من
__________________
(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٣٨ ، الكتاب في شرح الكتاب ٢ : ٥٦.
فإن كان عالما بالعيب ، أو تاب ، أو فداه مولاه ثم علم فلا خيار ، لزوال العيب ، وإلا تخيّر في فسخ البيع المشروط به ، لأن الشرط اقتضاه سليما ، فإن اختار إمساكه فليس له أرش ، وكذا لا أرش لو قتل قبل علمه.
______________________________________________________
تقدير شيء هنا ، وهو : بل تقدم على حق المرتهن.
قوله : ( فإن كان عالما بالعيب أو تاب ، أو فداه مولاه ، ثم علم فلا خيار لزوال العيب ).
أي : فان كان المرتهن عالما بالعيب في المرتد والجاني فلا خيار له ، وهو ظاهر ، وكذا إن تاب المرتد حيث تقبل توبته ، أو فدى الجاني مولاه ، ولم يكن عالما بعيبه ، ثم علم فلا خيار لزوال العيب.
ولا يخفى أن قوله : ( لزوال العيب ) لا يصلح تعليلا لسقوط الخيار في المسائل الثلاث ، لعدم صحته في الاولى ، وهو معلوم.
قوله : ( وإلاّ تخيّر في فسخ البيع المشروط به ، لأن الشرط اقتضاه سليما ).
أي : وإن لم يعلم بالعيب ، ولا حصلت التوبة ، ولا الفداء تخير المرتهن في فسخ المشروط به ، أي : بذلك الرهن ، لأن الشرط اقتضى ( رهنه ) سليما ؛ لتنزيل الإطلاق على السلامة.
قوله : ( فإن اختار إمساكه فليس له أرش ).
لأن الأرش لفائت المبيع بحصول العيب فيه.
فان قيل : لما اقتضى الشرط رهنه سليما وجب أن يبذل أرش الفائت ، ليجعله رهنا.
قلنا : إنما وجب بالشرط رهن العبد ، وقد حصل ، وكونه معيبا لا يقتضي اشتراط رهن شيء آخر.
قوله : ( وكذا لا أرش لو قتل قبل علمه ).
لنحو ما قلناه ، ولو قتل بعده فبطريق أولى.
ولا يجبر السيد على فداء الجاني وإن رهنه أو باعه ، بل يتسلط المجني عليه ، فإن استوعب الأرش القيمة بطل الرهن ، وإلا ففي المقابل.
ج : لو رهن ما يسرع اليه الفساد قبل الأجل ، فإن شرط بيعه وجعل الثمن رهنا صح ، وإن شرط منعه بطل ، وإن أطلق فالأقرب الجواز ، فيباع ويجعل الثمن رهنا ،
______________________________________________________
قوله : ( ولا يجبر السيد على فداء الجاني وإن رهنه أو باعه ).
هذه المسألة استطرادية ، وليست من توابع المسألة السابقة ، بدليل قوله : ( وإن رهنه ) وهي من أحكام الجنايات.
قوله : ( بل يتسلط المجني عليه ).
كان حقه : بل يتسلط المجني عليه عليه بتكرير عليه ، وكأنه كره التكرار ، فاكتفى بواحدة.
قوله : ( وإلا ففي المقابل ).
أي : وإن لم يستوعب الأرش القيمة ، فيبطل الرهن في مقابل الأرش.
قوله : ( لو رهن ما يسرع اليه الفساد قبل الأجل ، فإن شرط بيعه ، وجعل الثمن رهنا صح ، وإن شرط منعه بطل ).
وجه الأول : أنه شرط يحصل معه المقصود في رهن فيصح ، بخلاف الثاني فإنه لمنافاته مقصود رهن العين يبطل.
قوله : ( وإن أطلق فالأقرب الجواز ، فيباع ، ويجعل الثمن رهنا ).
وجه القرب : أن المقصود من رهن العين إنما يتحقق على هذا التقدير ، فيجب المصير إليه ، صيانة لتصرفات من له أهلية التصرف عن الفساد ، مع إمكان تنزيلها على وجه يصح معه من غير احتياج الى ارتكاب المجاز ، أو حمل على ما لا يدل عليه العقد ، فان عقد الرهن يتضمن الاذن في البيع ، لأن الغرض الأصلي من الرهن استيفاء الدين من ثمنه. ويحتمل العدم ، لاقتضائه البيع قبل المحل ،
ولو طرأ ما عرضه للفساد فكذلك.
د : لو نذر العتق عند شرط ففي صحة رهنه قبله نظر.
______________________________________________________
وليس هو من مقتضيات الرهن.
قوله : ( ولو طرأ ما عرضه للفساد فكذلك ).
وجهه : أن الرهن قد صح ولزم ، فلا يفسد بطريان ما عرضه للفساد ، والفرق بينه وبين ما سبق : أن المقتضي لطروء الفساد في الأول موجود وقت الرهن ، وفي الثاني طارئ بعده.
قوله : ( لو نذر العتق عند شرط ، ففي صحة رهنه قبله نظر ).
ينشأ : من بقاء الملك ، فإنه لم يخرج بالنذر عن كونه مملوكا ، ومن أن المقصود بالرهن غير حاصل ، لأن حصول الشرط لمقتضي لخروجه عن الملك مترقب ، فينتفي مقصود الرهانة فيكون باطلا.
ويضعّف : بأن توقع خروجه عن الملك بسبب يتجدد لا يمنع صحة الرهن ، كما لو رهن مريضا ، لأن المعتبر في صحة الرهن استجماع شروطه حال العقد ، ولا أثر لما لم يكن تجدده من المنافيات.
بل التحقيق : بناء المسألة على أن من نذر أن يفعل فعلا عند شرط أو غدا ، هل يحنث بفعل ما ينافي ذلك قبل الغد. كما لو نذر أو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا مثلا ، هل يحنث بإتلافه الآن فيكون ذلك محرما ، ويلزم به الكفارة أم لا؟
للأصحاب في ذلك قولان (١) ، ووجه ابتناء هذه المسألة على ذلك ، أنه على تقدير الحنث يكون بيع العبد ممنوعا منه ، فيمتنع الرهن لانتفاء مقصود الوثيقة حينئذ. وعلى العدم لا أثر للمنافي الذي تجدده ممكن ، ولا ريب أن الأحوط القول بعدم الصحة.
__________________
(١) قال بالحنث الشيخ في المبسوط ٦ : ٢٢٨ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع ، ٤٢١. وأما القول.
بعدم الحنث فقد نسبه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ٩٤ إلى بعض الأصحاب.