الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣
أما لو قال المستحق : وكلتني ، فقال : لا بل أحلتك صدّق منكر الحوالة باليمين ، وليس للمستحق القبض ، لأن إنكار الوكالة يتضمن العزل ، وإن كان قبض فالأقرب أنه يتملكه ، لأنه جنس حقه وصاحبه يزعم أنه ملكه ،
______________________________________________________
ويحتمل عدم استحقاق المطالبة ، لأن الحوالة تتضمن براءة ذمة المحيل ، فبدعواه إياها معترف ببراءة ذمة المحيل فكيف يطالبه؟ وبما بيناه أولا يعلم أنه لم يبرأ مطلقا ، لأنه ظالم له بتملك ما يستحقه بزعمه هذا الحكم في الظاهر ، وفيما بينه وبين الله يعتمد ما يعلم إنه الحق.
قوله : ( أما لو قال المستحق : وكلتني ، فقال : بل أحلتك ، صدّق منكر الحوالة باليمين ، وليس للمستحق القبض ، لأن إنكار الوكالة يتضمن العزل ).
أي : لو قال المستحق للدّين : وكلتني ، فقال المديون : لا بل أحلتك عكس الأول ، صدّق منكر الحوالة لمثل ما سبق ، فإن الأصل العدم ، والأصل بقاء الحقوق كما كانت.
وفي العبارة مناقشة ، لأن سوقها يشعر بمخالفة حكم هذا لما قبله ، مع اتفاقهما في تصديق منكر الحوالة.
ولو قال : فإن المصدق المديون ليكون الاختلاف بينهما وبين ما سبق في تصديق المديون وعدمه ، وحينئذ فليس للمستحق القبض ظاهرا ، لاندفاع الحوالة بإنكاره ويمينه ، فالوكالة بإنكار المديون ، لأن الإنكار يتضمن العزل لو كان وكيلا.
قوله : ( وإن كان قبض فالأقرب أنه يتملكه ، لأنه جنس حقه وصاحبه يزعم انه ملكه ).
فلا أقل من أن يكون ذلك إذنا في التملك ، ويحتمل العدم لانتفاء المقتضي ، وهذا الحكم ظاهرا وباطنا على تقدير صدقه في دعوى الوكالة ، فأما على تقدير كون الواقع الحوالة فظاهر أنه ملكه.
وان تلف احتمل عدم الضمان ، لأن الوكيل أمين ، وثبوته ، لأن الأصل ضمان مال الغير في يد آخر.
ولا يلزم من تصديقه في نفي الحوالة تصديقه في إثبات الوكالة ليسقط عنه الضمان.
______________________________________________________
واعلم أن شيخنا الشهيد في بعض حواشيه جوّز لقوله : ( يتملكه ) معنيين :
أحدهما : إرادة الملك القهري ، لأن المديون يزعم ذلك وهو من جنس الحق ، فهو في قوة التعيين لجهة مخصوصة من جهات القضاء ، فلا يحتاج إلى أمر آخر.
الثاني : إرادة جواز التملك ، فيتوقف حصول الملك على أحد أمرين : إما تصريح المديون بالتعيين ، كأن يقول : خذ ما في يدك ، أو مماطلته بدفع غيره فيأخذه قصاصا.
وعندي أن الثاني بعيد ، إذ المتبادر من كلام المصنف تملكه من غير توقف على شيء آخر ، فإما أن يجعل زعم المديون بمنزلة التعيين ، إن لم يكن أقوى فيملكه بالقبض على طريق القهر ، أو يجعل ادعاء الحوالة ـ المتضمنة لبراءة ذمته بحيث لا يستحق عليه المطالبة ـ بعد مماطلته ، حيث أنه أقوى من المماطلة ، إذ منكر الدين مماطل وزيادة ، فيسوغ له الأخذ مقاصة. وعلى كل حال ، فما قربه المصنف هو المختار ، وكل من الأمرين الأخيرين محتمل.
قوله : ( وإن تلف احتمل عدم الضمان لأن الوكيل أمين ، وثبوته لأن الأصل ضمان مال الغير في يد آخر. ولا يلزم من تصديقه في نفي الحوالة تصديقه في إثبات الوكالة ، ليسقط عنه الضمان ).
أي : وإن تلف المال المقبوض في يد المستحق ، ففي ضمانه وجهان. ولا يخفى أن في توجيه الاحتمال الأول ضعفا ، لأن صغرى القياس المضمرة يجب أن تكون هكذا : القابض وكيل ، ومعلوم ردها ، إذ الوكالة لم تثبت فيكون الاحتمال الثاني أقوى.
ج : لو شرط في الحوالة القبض بعد شهر مثلا فالأقرب الصحة وإن كان حالا.
د : لو أحال البريء على مشغول الذمة فهي وكالة يثبت فيها أحكامها ، وجازت بلفظ الحوالة لاشتراكهما في المقصود وهو استحقاق المطالبة.
______________________________________________________
وهذه المسألة مما تتخرج على قاعدة معروفة بين الفقهاء وهي : ان اليمين لنفي شيء لا يكون لإثبات شيء آخر.
( إن قيل : لا حاجة الى تخريجها على هذه القاعدة.
قلنا : بل نحتاج ، إذ يمكن أن يقال : إن الحال دائر باعترافهما بين الحوالة والوكالة ، فإذا بطل أحدهما باليمين تعين الآخر ، لأن اليمين حجة شرعية ) (١).
ومن صورها : ما لو أقرّ الوكيل بالبيع وقبض الثمن بهما ، وأنكر الموكل القبض حلف الوكيل لاستيمانه. فلو خرج المبيع مستحقا ، ورجع المشتري على الوكيل بالثمن لعدم ثبوت الوكالة لم يرجع الوكيل على الموكل ، لأن اليمين كانت لدفع الغرم لا لإثبات المال على الموكل ، فالقول الآن قول الموكل بيمينه.
قوله : ( ولو شرط في الحوالة القبض بعد شهر مثلا فالأقرب الصحة وإن كان حالا ).
أي : وإن كان الحق المشروط قبضه وإن لم يكن مذكورا لدلالة القبض عليه. ووجه القرب أنه شرط لا ينافي مقتضى العقد ، فيكون اشتراطه سائغا. ويحتمل العدم ، لأن الحوالة على حق حال. وضعفه ظاهر ، لأن حلوله لا ينافي اشتراط الأجل ، والأصح الصحة.
وتوجيه الشارح الصحة بكون الشرط سائغا في معنى المصادرة (٢).
قوله : ( وجازت بلفظ الحوالة لاشتراكهما في المقصود ، وهو
__________________
(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».
(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٩٧.
ولو انعكس الفرض ، فإن شرطنا الشغل فهو اقتراض ، فإن قبض المحتال رجع على المحيل ، وإن أبرأه لم يصح ، لأنه إبراء لمن لا دين عليه ، وإن قبض منه ثم وهبه إياه رجع المحال عليه على المحيل ، لأنه غرم عنه.
ولو أحال من لا دين عليه على من لا دين عليه فهي وكالة في اقتراض.
الفصل الثالث : في الكفالة :
وهي عقد شرع للتعهد بالنفس ،
______________________________________________________
استحقاق المطالبة ).
أي : في المقصود من الوكالة ، إذ المقصود من الحوالة لا يشتركان فيه ، فيكون حينئذ العقد بالمجاز ، ولا يمتنع ذلك خصوصا في العقد الجائز ، لأنه يسامح فيه ما لا يسامح في اللازم.
قوله : ( ولو انعكس الفرض ، فإن شرطنا الشغل فهو اقتراض ).
انعكاس الفرض أن يحيل بلفظ الوكالة ، فإن شرطنا شغل ذمة المحال عليه في الحوالة ، ولم يكن المحال عليه مشغول الذمة ، كان ذلك اقتراضا بلفظ الحوالة مجازا ، فتجري عليه أحكامه. وإنما قلنا : إنه اقتراض ، لأنه ليس معنى من المعاني أقرب الى الوكالة والحوالة منه.
قوله : ( فان قبض المحتال رجع على المحيل ، وإن أبرأه لم يصح ، لأنه إبراء لمن لا دين عليه ).
أي : فان قبض المحتال من المحال عليه ، رجع المحال عليه ـ وهو المقرض ـ على المحيل وهو المقترض ، وإن أبرأه المحتال وقع لغوا ، لأنه لا دين له عليه ، إذ المطلوب منه الإقراض.
قوله : ( وهي عقد شرّع للتعهد بالنفس ).
سيأتي أنه يصح التكفل بالأعيان المضمونة ، فلا يتناولها هذا التعريف.
ويعتبر فيها رضى الكفيل والمكفول له دون المكفول ، وتعين المكفول ، فلو قال : كفلت أحدهما أو زيدا فإن لم آت به فبعمرو أو بزيد أو عمرو بطلت.
______________________________________________________
قوله : ( ويعتبر فيها رضى الكفيل ، والمكفول له ، دون المكفول ).
لأن إثبات حق على شخص لا على وجه يثبت كونه قهريا يتوقف على رضاه ، وكذا المكفول له لأن إثبات حق له على شخص من دون رضاه باطل ، دون المكفول عند علمائنا ، قاله في التذكرة (١) وحكى في التحرير (٢) عن الشيخ في المبسوط (٣) اعتبار رضاه.
وكذا عن ابن إدريس قال : وفيه قوة (٤) ، وهو مذهب الشافعي (٥) ، ووجهه إمكان إحضاره ، فإنه متى لم يرض لم يلزمه الحضور معه. ويرد عليه أنه إن طلبه منه المكفول له وجب عليه الحضور ، إذ لا أقل من أن يعد توكيلا. وإن لم يطلبه ، فيمكن أن يقال بذلك ، لأن التكفيل يقتضي التسليط على الإحضار.
وسيأتي في كلام المصنف : أنه لا يجب عليه الحضور مع التبرع ، وعدم طلب المكفول له. ويشترط أيضا الإيجاب ككفلت لك بدن فلان ، ونحوه. والقبول على الفور ، وكونهما بالعربية من كاملين.
قوله : ( وتعيين المكفول ، فلو قال : كفلت أحدهما ، أو زيدا فان لم آت به فبعمرو أو بزيد أو عمرو بطلت ).
يشترط أيضا تعيين المكفول على وجه يرتفع الإبهام ، فلو قال : كفلت لك أحد هذين لم يصح ، لأنه لا يعلم المكفول بعينه.
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٠٠.
(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٢٤.
(٣) المبسوط ٢ : ٣٣٧.
(٤) السرائر : ١٧٣.
(٥) المغني لابن قدامة ٥ : ٩٦.
وتنجيز الكفالة ، فلو قال : إن جئت فأنا كفيل به لم يصح على اشكال ، ولو قال : أنا أحضره أو أؤدي ما عليه لم تكن كفالة.
وتصح حالة ومؤجلة على كل من يجب عليه الحضور مجلس الحكم
______________________________________________________
وكذا لو قال : كفلت لك زيدا فان لم آت به فانا كفيل بعمرو ، إذ مع عدم التزام إحضار أحدهما بعينه تعليق الكفالة في عمرو بشرط ، والكفالة لا تعلق كما سيأتي. وكذا لا يصح لو قال : كفلت لك بزيد أو عمرو بمثل ما سبق.
قوله : ( وتنجيز الكفالة ، فلو قال : إن جئت فأنا كفيل به لم يصح على اشكال ).
ينشأ : من رواية أبي العباس ، عن الصادق عليهالسلام فيمن قال في الكفالة : إن جئت وإلا فعلي خمسمائة درهم فقال : « لزمته الدراهم » (١). ومن أن الأسباب الشرعية إنما هي بوضع الشارع ، ولا يثبت الوضع بمثل هذه الرواية ، خصوصا ما علم عدم جواز مثله.
ولأن التعليق يقتضي عدم الجزم بالكفالة ، ولأن أثر السبب يجب أن يترتب على وقوعه ، وإلا لم يكن صحيحا كما هو مقرر في الأصول ، ومع التعليق يمتنع ذلك ، ولأن المعلق عليه يمتنع كونه جزء السبب ، وإلا لوجب كونه معه ، فإن تراخي القبول ممنوع فكيف باقي الأجزاء؟
وإذا امتنع ذلك امتنع اعتباره في العقد ، ( فيجب تأثيره بدون المعلق عليه ، والتعليق ينافيه لكونه مقصودا ، فلم يبق إلا بطلان العقد ) (٢) وهو الأصح.
قوله : ( وتصح حالة ومؤجلة على كل من يجب عليه الحضور مجلس الحكم ).
لأن الحضور حق شرعي ، ولا مانع من اشتراط الأجل أو الحلول ، واشترط
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٠٤ حديث ٣ ، التهذيب ٦ : ٢١٠ حديث ٤٩٣.
(٢) ما بين القوسين لم يرد في « م ».
من زوجة يدّعي الغريم زوجيتها ، أو كفيل يدّعي عليه الكفالة ، أو صبي أو مجنون ، إذ قد يجب إحضارهما للشهادة عليهما بالإتلاف ، وبدن المحبوس لإمكان تسليمه بأمر من حبسه ، ثم يعيده الى الحبس ، أو عبد أبق ، أو من عليه حق لآدمي من مال أو عقوبة قصاص.
______________________________________________________
الشيخ لصحتها تأجيلها فيها (١).
قوله : ( من زوجة يدعي الغريم زوجيتها ).
وحينئذ فيجب بالكفالة السعي في إحضارها ، وللشافعية قول بالمنع (٢) ، بناء على أن الكفيل يغرم ما على المكفول لو لم يرد لتعذره هنا.
قوله : ( أو صبي أو مجنون ، إذ قد يجب إحضارهما للشهادة عليهما بالإتلاف ).
فإنه ربما لم يكن الشاهدان ، بحيث يمكنهما تمييزهما في الشهادة بدون الإحضار.
قوله : ( وبدن المحبوس لإمكان تسليمه بأمر من حبسه ، ثم يعيده الى الحبس ).
أي : تجوز الكفالة به ، لأن تسليمه ممكن بأمر من حبسه ، ثم يعيده الى الحبس إن أراد. ومثله الكفالة بالغائب ، ومنع من كفالتهما أبو حنيفة لتعذر التسليم في الحال (٣) ، ولا فرق في ذلك بين كون الحبس ظلما أو بحق.
قوله : ( أو عبد آبق ).
أي : حين إباقه ، ويلزمه حينئذ السعي في رده ، وفي حاشية الشهيد كفالته من مولاه إذا كان معتادا للاباق ، وهو معنى صحيح أيضا.
__________________
(١) النهاية : ٣١٥.
(٢) المغني لابن قدامة ٥ : ٩٦.
(٣) المغني لابن قدامة ٥ : ٩٧.
ولا يشترط العلم بقدر المال ، فإنّ الكفالة بالبدن لا به ، ولا تصح على حد الله تعالى.
والأقرب صحة كفالة المكاتب ، ومن في يده مال مضمون كالغصب ، والمستام ، وضمان عين المغصوب ، والمستام ليردها على
______________________________________________________
قوله : ( ولا يشترط العلم بقدر المال ، فإن الكفالة بالبدن لا به ).
ولو قلنا بلزوم الغرم لو لم يحضر المكفول به ، فوجوبه بذلك لا بالكفالة.
قوله : ( ولا تصح على حد لله تعالى ).
لأنه مبني على التخفيف ، ولأنه لا تأخير في حد ، ولقضاء أمير المؤمنين عليهالسلام إذ لا كفالة في حد.
قوله : ( والأقرب صحة كفالة المكاتب ).
وجه القرب : أنه إما عبد أو مديون ، وكلاهما موجب للإحضار ، ولأنه يصح ضمانه فكفالته أولى ، ومنع الشيخ (١) وابن البراج بناء على أن له تعجيز نفسه ، والأقرب أقرب.
قوله : ( ومن في يده مال مضمون كالغصب والمستام ).
إن قلنا بصحة ضمانه فلا بحث في صحة الكفالة ، وإن قلنا : لا يصح الضمان فالأقرب صحة الكفالة ، لأن عليه حقا فيكون هذا في حيز الأقرب. ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن ما عليه ليس هو الأعيان ، لتؤخذ منه عند عدم الإحضار لو قلنا : يغرم.
قوله : ( وضمان عين المغصوب والمستام ليردها على مالكها ).
أي : الأقرب صحة ضمان عين المغصوب والمستام ، وغيرهما من الأعيان المضمونة ليردها على مالكها ، ووجه القرب : أن ردها واجب ، فيصح ضمانها لذلك (٢).
__________________
(١) المبسوط ٢ : ٣٤٠.
(٢) في « ق » : كذلك.
مالكها ، فإن رد بريء من الضمان ، وإن تلفت ففي إلزامه بالقيمة وجهان ، الأقرب العدم ، كموت المكفول دون الوديعة والأمانة.
وتصح كفالة من ادعى عليه وإن لم تقم البينة عليه بالدين وإن جحد لاستحقاق الحضور عليه والكفالة ببدن الميت ، إذ قد يستحق إحضاره لأداء الشهادة على صورته ، والإطلاق يقتضي التعجيل ، فإن شرطا أجلا وجب ضبطه ، والتسليم الكامل في بلد العقد ، ولو عيّن غيره لزم. وللمكفول له مطالبة الكفيل بالمكفول في الحال مع التعجيل والإطلاق ، وعند الأجل في المؤجلة.
______________________________________________________
ويشكل بأنه إن كان ضمانا ، فشرطه كون المضمون به حقا ثابتا في الذمة. وإن كان كفالة ، فشرطها التعهد بنفس ، وكلاهما منتف.
قوله : ( فان رد بريء من الضمان ، وإن تلفت ففي إلزامه بالقيمة وجهان : الأقرب العدم كموت المكفول ).
وجه الإلزام : أن معنى ضمانها ردها مع البقاء ، والقيمة مع التلف.
ووجه العدم : أن الواجب الرد ، لأن الضمان إنما كان له فإذا تعذر بالتلف لم يجب شيء آخر ، كما لو مات المكفول. ولو قلنا بالصحة كفالة اتجه الثاني ، لكن القول به بعيد.
قوله : ( والكفالة ببدن الميت ، إذ قد يستحق إحضاره لأداء الشهادة على صورته ).
حيث يكون الشاهد قد تحمل الشهادة على الصورة ، ولم يعرف النسب.
قوله : ( والتسليم الكامل في بلد العقد ... ).
أي : والتسليم الكامل إنما يكون في بلد العقد ، ويمكن أن يكون معطوفا على الفاعل ، أعني ضبطه ، أي : وجب التسليم الكامل في بلد العقد الى آخره. وسيأتي ما يعلم منه التسليم الكامل ان شاء الله تعالى ، فمتى أطلق مكان التسليم
ويخرج الكفيل عن العهدة بتسليمه تاما في المكان الذي شرطه ، أو في بلدة الكفالة لو أطلق ، إرادة المستحق أو كرهه ، وبموت المكفول في غير الشهادة على عينه أو فيها بعد الدفن إن حرّمنا النبش لأخذ المال ،
______________________________________________________
انصرف الى بلد العقد ، ولو شرطه كان آكد ، ولو عين غيره لزم وفاء بالشرط.
قوله : ( ويخرج الكفيل عن العهدة بتسليمه تاما في المكان الذي شرطه ، أو في بلد الكفالة لو أطلق ، إرادة المستحق أو كرهه ).
يخرج التسليم عن كونه تاما ، بأن يكون في يد ظالم ، أو دونه من يحميه ، ويحول دونه ، ونحو ذلك. فإذا سلمه كذلك فلم يتسلمه ، قال في التذكرة : الأقوى أنه يكفي الإشهاد على الامتناع وانه سلمه إليه فلم يتسلمه (١).
ولا يجب دفعه الى الحاكم ، لأن مع وجود صاحب الحق لا يلزمه دفعه الى من ينوب عنه من حاكم أو غيره ، وهو متجه.
قوله : ( وبموت المكفول في غير الشهادة على عينه ، أو فيها بعد الدفن إن حرمنا النبش لأخذ المال ).
أي : ويخرج الكفيل عن العهدة بذلك ، لأنه لم يتعهد بالمال بل بالنفس وقد فاتت بالموت ، ولأن المتبادر من الكفالة إنما هو الإحضار في حال الحياة ، وهو المتعارف بين الناس فيحمل الإطلاق عليه.
وهذا في غير الشهادة على عينه وصورته ، لدلالة ذلك على عدم الاختصاص بحال الحياة. هذا إذا لم يدفن ، فان دفن وحرّمنا النبش لأخذ المال لم ينبش هنا أيضا ، فيخرج عن العهدة بدفنه.
ويشكل : بأن نبش الميت للشهادة على عينه من الأمور المستثناة بالاستقلال ، غير متفرعة على جواز النبش لأخذ المال ، فلا يلزم من تحريم النبش ، ثم تحريمه هنا. وقد سبق في أحكام الجنائز جواز النبش لكل منهما ، فلا يبرأ بدونه.
نعم : لو علم تغير صورة الميت بحيث لا يعرف ، بريء الكفيل حينئذ.
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٠١.
وبتسليمه نفسه ، وبإبراء المستحق لأحدهما. ولا يبرأ بالتسليم ودونه يد غالبة مانعة ، ولا بتسليمه قبل الأجل ، أو في غير المكان المشترط وإن انتفى فيها الضرر على رأي ،
______________________________________________________
قوله : ( وبتسليمه نفسه ).
أي : ويبرأ بتسليم المكفول به نفسه تسليما تاما الى المكفول له ، ( لأن القصد رده الى المكفول له ، فلا فرق بين حصوله في يده بالكفيل وبنفسه نائبا عنه ) (١). لكن لا بد أن يسلم نفسه عن جهة الكفيل ، فلا يبرأ بدونه ، لأنه لم يسلمه اليه ولا الى أحد من جهته.
ولو سلمه أجنبي بريء الكفيل أيضا ، إذا كان عن جهة الكفيل ، ويجب على المكفول له التسلم لو كان التسليم باذن الكفيل ، لأنه وكيله حينئذ. وإلا لم يجب ، لعدم وجوب قبض الحق من غير من عليه ، لكن لو قبل بريء الكفيل ، وهل يجب عليه القبول لو سلم المكفول (٢) نفسه ، أو يكون كالأجنبي؟ ظاهر إطلاقهم نعم ، ولعله لوجوب التسليم على كل منهما ، فاشتركا في ذلك. فمتى أداه أحدهما بريء الآخر ، ولا يضر كون الوجوب على المكفول في الكفالة تبعا للوجوب على الكفيل.
قوله : ( وبإبراء المستحق لأحدهما ).
أما للكفيل فظاهر ، وأما للمكفول فلسقوط الحق المقتضي لبطلان الكفالة.
قوله : ( ولا بتسليمه قبل الأجل ، أو في غير المكان المشترط وإن انتفى الضرر فيهما على رأي ).
لأنه غير التسليم الواجب ، إذ لم يجب بعد ، فلا يعتد به ولا يجب قبوله.
__________________
(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».
(٢) في النسخ الخطية والحجرية : الكفيل ، والصحيح ما أثبتناه.
ولا بتسليمه في حبس الظالم بخلاف حبس الحاكم.
ويلزم الكفيل اتباعه في غيبته إن عرف مكانه ، وينظر في إحضاره بمقدار ما يمكنه الذهاب اليه والعود به ، ولو كانت مؤجلة أخّر بعد الحلول بقدر ذلك.
ولو امتنع الكفيل من إحضاره حبس حتى يحضره ، أو يؤدي ما عليه.
______________________________________________________
وقال الشيخ (١) وابن البراج : يبرأ مع انتفاء الضرر فيهما ، والأصح الأول.
قوله : ( ولا بتسليمه في حبس الظالم ، بخلاف حبس الحاكم ).
لأن ذلك الحبس يمنعه من استيفاء حقه ، ولأن التسليم لا يعد تاما حينئذ فلا يجب قبوله. بخلاف حبس الحاكم ، فإنه لما كان بحق لم يمنعه من استيفاء حقه ، إذ يمكن إحضاره ومطالبته بالحقين ثم حبسه بهما.
قوله : ( ولو كانت مؤجلة أخّر بعد الحلول بقدر ذلك ).
لأن الوجوب إنما يتحقق بعد الحلول ، فحينئذ يعتبر ما لا بد منه في التسليم.
قوله : ( ولو امتنع الكفيل من إحضاره ، حبس حتى يحضره ، أو يؤدي ما عليه ).
هذا إذا كان ما عليه يمكن أخذه من الكفيل ، ولو لم يكن ـ كالقصاص وكزوجية المرأة والدعوى بعقوبة كتعزير ـ أمكن أن يقال بالحبس الى الإحضار فيما لا بدل له. أما ما له بدل ـ كالدية في القتل ـ فسيأتي أنها تؤخذ منها إذا خلي القاتل من يد غريمه.
ويمكن أن يقال : بعد ثبوت الزوجية يؤخذ منه مهر مثل الزوجة.
واعلم أن ظاهر العبارة أنه إذا أدى ما عليه وجب على المكفول له القبول ، ويبرأ الكفيل بذلك. وفي التذكرة (٢) أسنده إلى ظاهر كلام الشيخ (٣) ، واختار
__________________
(١) المبسوط ٢ : ٣٣٨.
(٢) التذكرة ٢ : ١٠٢.
(٣) النهاية : ٣١٥.
ولو قال : إن لم أحضره كان عليّ كذا لزمه الإحضار خاصة.
ولو قال : عليّ كذا الى كذا إن لم أحضره وجب عليه ما شرط من المال.
______________________________________________________
هو ان طلب المكفول له الإحضار لا غير ألزمه به ، نظرا الى أن ذلك مقتضى الكفالة ، ولأنه قد يكون له غرض لا يتعلق بالأداء ، وقد يرغب المكفول له في القبض من عين الغريم ، وما اختاره هو المعتمد.
قوله : ( ولو قال : إن لم أحضره كان علي كذا لزمه الإحضار خاصة ، ولو قال : علي كذا الى كذا إن لم أحضره وجب عليه ما شرط من المال ).
هذا مروي من طرق الأصحاب (١) ، وقد أطبقوا على العمل به ، ولا يكاد يظهر الفرق بين الصيغتين باعتبار اللفظ. ومثل هذا مما يصار اليه من غير نظر الى حال اللفظ مصيرا الى النص والإجماع.
والمصنف في المختلف قال : عندي في هذه المسألة نظر ، ثم حكى عن ابن الجنيد فيما إذا بدأ بالضمان للمال ، ثم عقبه الكفالة أنه يصح ضمانا وكفالة ، وإذا بدأ بالكفالة ثم علّق الضمان ان الكفالة تصح ويبطل الضمان ، وقال : ان كلامه انسب (٢).
ويرد على الأول أنه إذا صح الضمان بريء المضمون عنه ، فأي معنى للكفالة حينئذ؟
ويمكن أن يقال : إن السر في لزوم المال إذا قدمه براءة ذمة المضمون عنه فتمتنع الكفالة ، وإذا قدم الكفالة كان الضمان المتعقب لها ـ لكونه معلقا على شرط ـ باطلا ، ولمنافاة الضمان صحة الكفالة ، وكيف كان فالمذهب ما عليه الأصحاب.
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٠٤ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٥٤ حديث ١٨٧ ، التهذيب ٦ : ٢٠٩ ، ٢١٠ حديث ٤٨٨ ، ٤٩٣.
(٢) المختلف : ٤٣٥.
ولو مات المكفول له فالأقرب انتقال الحق إلى ورثته.
ولو أطلق غريما من يد صاحب الحق قهرا ضمن إحضاره ، أو أداء ما عليه.
ولو كان قاتلا لزمه إحضاره أو الدية ، فإن دفعها ثم حضر الغريم تسلط الوارث على قتله ، فيدفع ما أخذه وجوبا وإن لم يقتل ، ولا يتسلط الكفيل لو رضي هو والوارث بالمدفوع على المكفول بدية ولا قصاص.
______________________________________________________
قوله : ( ولو مات المكفول له فالأقرب انتقال الحق إلى ورثته ).
أي : حق الكفالة ، ووجه القرب أنها حق للميت فيورث ، لعموم آية الإرث ، ولأنه في معنى الحق المالي. ويحتمل العدم ، لضعفها ، ولاقتضائها الإحضار اليه وتعذره. وليس بشيء إذ لا يسقط الحق بتعذر إيصاله إلى مستحقه الأول.
قوله : ( ولو أطلق غريما من يد صاحب الحق قهرا ضمن إحضاره ، أو أداء ما عليه ).
لأنه غصب اليد المستولية المستحقة من صاحبها فكان عليه إعادتها ، أو أداء الحق الذي بسببه تثبت اليد عليه.
قوله : ( ولو كان قاتلا لزمه إحضاره أو الدية ).
وإن كان القتل عمدا ، ولا يوجب عليه غير القصاص إذ لا يجب إلا على المباشر ، فلما تعذر استيفاؤه وجبت الدية كما لو هرب القاتل عمدا أو مات.
قوله : ( فان دفعها ثم حضر الغريم تسلط الوارث على قتله فيدفع ما أخذه وجوبا وإن لم يقتله ).
لأن الدية إنما أخذها لمكان الحيلولة وقد زالت ، وعدم القتل الآن مستند الى اختياره.
قوله : ( ولا يتسلط الكفيل لو رضي هو والوارث بالمدفوع على المكفول بدية ولا قصاص ).
فروع :
أ : لو قال الكفيل : لا حق لك على المكفول قدّم قول المكفول له ، لاستدعاء الكفالة ثبوت حق ، فإن أخذ منه المال لتعذر المكفول لم يكن له الرجوع لاعترافه بالظلم.
______________________________________________________
أي : لو رضي الكفيل وولي الدم بالمدفوع للحيلولة ، وترك القصاص لم يتسلط الكفيل على المكفول ـ وهو المطلق قهرا ، سماه مكفولا مجازا ـ بدية ولا قصاص ، وذلك لأنه لم يكفله بقوله ، ولم يدفع برضاه ، ولم يكن المدفوع واجبا بالأصالة ، وإنما وجب بعارض وهو الحيلولة وقد زالت.
قال في التذكرة : ولو تعذر عليه استيفاء الحق من قصاص أو مال ، وأخذنا المال أو الدية من الكفيل ، كان للكفيل الرجوع على الغريم الذي خلصه قصاصا (١).
قوله : ( لو قال الكفيل : لا حق لك على المكفول قدّم قول المكفول له ، لاستدعاء الكفالة ثبوت حق ، فإن أخذ منه المال لتعذر المكفول لم يكن له الرجوع ، لاعترافه بالظلم ).
أي : لو تنازع الكفيل والمكفول له بعد صدور الكفالة ، فقال الكفيل للمكفول له : لا حق لك على المكفول فالكفالة فاسدة ، وادعى المكفول له الحق المصحح للكفالة قدّم قول المكفول له بيمينه ، لأن الكفالة لا تصح إلا مع ثبوت حق ، والأصل في العقد الصحة.
فإن تعذر إحضار المكفول ، فهل يجب عليه أداء المال من غير بينة؟ ذكر في التذكرة إشكالا أقربه عدم الوجوب (٢) ، وذلك صحيح ، لأن الكفالة
__________________
(١) التذكرة ٢ : ١٠٣.
(٢) المصدر السابق.
ب : لو تكفل اثنان برجل فسلّمه أحدهما فالأقرب براءة الآخر ، ولو تكفل لا ثنين فسلّمه إلى أحدهما لم يبرأ من الآخر.
ج : لو ادعى إبراء المكفول فرد المكفول له اليمين حلف وبريء من الكفالة دون المكفول من المال.
______________________________________________________
لا تستدعي ثبوت المال ، إنما تستدعي ثبوت حق في الجملة.
فإن أوجبناه على الاحتمال المرجوح ، أو قامت بينة به فدفعه لم يرجع به على المكفول ، لاعترافه ببراءة ذمته وأنه مظلوم.
قوله : ( لو تكفل اثنان برجل فسلمه أحدهما فالأقرب براءة الآخر ).
وجه القرب أنه تسليم ممن عليه الحق في زمانه ومكانه فيجب قبوله ، فإذا قصد أحد الكفيلين بالتسليم مع نفسه الكفيل الآخر برّا أيضا ، للإتيان بالواجب على وجهه ، ولأن المكفول لو سلم نفسه عن الكفيل بريء فهنا أولى ، لأن وجوب التسليم عليه باعتبار الكفالة إنما هو باعتبار التبعية ، وفي الكفيلين الوجوب على كل منهما بالأصالة.
وقال الشيخ (١) وجماعة (٢) : لا يبرأ ، لأنه لا دليل عليه ، وهو ضعيف ، والمعتمد الأول.
قوله : ( لو ادعى إبراء المكفول ، فرد المكفول له اليمين حلف وبريء من الكفالة ، دون المكفول من المال ).
أي : لو ادعى الكفيل أن المكفول له أبرأ المكفول ، وأنكر المكفول له ذلك فالقول قوله إذا لم يكن للكفيل بينة ، فإذا حلف بريء من دعوى الكفيل ، فان جاء المكفول وادعى الإبراء لم يكتف باليمين التي حلفها المكفول له للكفيل ، بل لا بد من يمين أخرى ، لأن هذه دعوى أخرى مستقلة إذ دعوى الكفيل إنما
__________________
(١) المبسوط ٢ : ٣٣٩.
(٢) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٩ ، وابن البراج في جواهر الفقه ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٤٢٤.
د : لو ترامت الكفالات صح ، فإن أبرئ الأصيل برئوا أجمع.
هـ : لو قال : أنا كفيل بفلان ، أو بنفسه ، أو ببدنه ، أو بوجهه ، أو برأسه صح ، إذ قد يعبّر به عن الجملة.
أما لو قال : كفلت كبده ، أو غيره مما لا يمكن الحياة بدونه ، أو
______________________________________________________
كانت لبراءة نفسه.
ولو رد المكفول له اليمين على الكفيل فحلف بريء من الكفالة ، ولا يبرأ المكفول من المال بهذه اليمين ، إذ لا يجوز أن يبرأ بيمين غيره ، بخلاف ما لو حلف المردودة المكفول فإنهما يبرآن.
ولو نكل المكفول له عن يمين المكفول حلف المكفول ، وبريء هو والكفيل وإن كان قد حلف على عدم الإبراء له ، كذا ذكره في التذكرة (١).
قوله : ( لو ترامت الكفالات صح ، فإن أبرئ الأصيل برئوا أجمع ).
أي : لو كفل الكفيل كفيل ، ثم كفل هذا الكفيل كفيل ، وهكذا صح ، لأن صحة الكفالة بثبوت حق وهو ثابت بالكفالة ، فإن أبرأ المكفول له الأصيل برئوا أجمع ، لامتناع بقاء الكفالة مع سقوط الحق.
فإذا أحضر الكفيل الأول من عليه الحق بريء ، وبريء (٢) الآخران. وإن أحضر الثاني الكفيل الأول بريء ، وبريء الثالث دون الأول ، ودون من عليه الحق.
ومتى مات واحد بريء من كان فرعا له ، فبموت من عليه الحق يبرؤون جميعا ، وكذا القول في البراءة.
قوله : ( لو قال : أنا كفيل بفلان ، أو بنفسه ، أو ببدنه ، أو بوجهه ، أو برأسه صح ، إذ قد يعبر به عن الجملة. أما لو قال : كفلت كبده ، أو غيره مما لا يمكن الحياة بدونه ، أو ثلثه وما شابهه من المشاعة ففي الصحة
__________________
(١) التذكرة ٢ : ١٠٣.
(٢) في « م » : ويبرأ.
ثلثه وما شابهه من المشاعة ففي الصحة نظر ، ينشأ : من عدم السريان كالبيع ، ومن عدم إمكان إحضار الجزء إلا بالجملة فيسري ،
______________________________________________________
نظر ، ينشأ : من عدم السريان كالبيع ، ومن عدم إمكان إحضار الجزء إلا بالجملة فيسري ).
في التحرير جعل الرأس من القسم الثاني (١) ، وهنا وفي الإرشاد والتذكرة (٢) جعله مما يعبر به عن الجملة ، وليس ببعيد ، فان التعبير بالوجه عن الجملة معروف والرأس ليس أبعد منه.
أما ما لا يعبر به عن الجملة ، ولا يمكن الحياة بدونه كالكبد ، والثلث ، والربع ونحوهما في صحة الكفالة بكفالته نظر ، ينشأ : من أن العقد الجاري على أحد هذه لا يسري الى المجموع ، كما في البيع فإنه إذا وقع على جزء معلوم بالإشاعة صح فيه ، وعلى جزء معين يكون باطلا ولا يسري.
ومن أن كفالة الجزء الذي لا يمكن الحياة بدونه يفضي الى كفالة المجموع ، لأن إحضاره لا يمكن إلا بإحضار المجموع ، واستقرب في التحرير الصحة (٣).
ولقائل أن يقول : إن إحضاره ، وإن كان غير ممكن بدون إحضار المجموع ، لا يقتضي الصحة ، لأن الإحضار فرع الكفالة ، والمطلوب إنما هو صحة الكفالة ، ( وإحضار ذلك العضو ) (٤) وحيث أن صحتها إنما تكون بكفالة المجموع لم تصح هاهنا ، إذ المتكفل به ليس هو المجموع ولا ما يستلزمه ، وإن كان حكم الكفالة ـ وهو إحضار ذلك العضو ـ غير ممكن إلا بإحضار المجموع ، والعقود أسباب متلقاة من الشرع ، فلا بد في صحتها من النص.
__________________
(١) تحرير الأحكام ١ : ٢٢٤.
(٢) التذكرة ٢ : ١٠٠.
(٣) تحرير الأحكام ١ : ٢٢٤.
(٤) ما بين القوسين لم يرد في « ق ».
وكذا لو كان جزءا يمكن الحياة مع انفصاله كيده ورجله.
و : لو هرب المكفول ، أو غاب غيبة منقطعة فالأقرب إلزام الكفيل بالمال ، أو إحضاره مع احتمال براءته ، ويحتمل الصبر.
______________________________________________________
فان قيل : يجوز التعبير بالجزء من الجملة مجازا.
قلنا : ما كان التعبير به عنها متعارفا لا بحث فيه ، وإنما البحث فيما ليس بمتعارف.
قوله : ( وكذا لو كان جزءا يمكن الحياة مع انفصاله كيده ورجله ).
أي : هذا كالأول فيه وجهان ناشئان : من عدم السريان وإمكان الانفصال مع بقاء الحياة ، ومن أن إحضار ذلك على صفته لا يكون إلا بإحضار البدن ، ولا شبهة في أن الصحة هنا أبعد ، والذي يقتضيه النظر المنع.
قوله : ( لو هرب المكفول ، أو غاب غيبة منقطعة فالأقرب إلزام الكفيل بالمال ، أو إحضاره مع احتمال براءته ، ويحتمل الصبر ).
وجه القرب : أن ذلك مقتضى الكفالة ، فإنها تقتضي إحضار الغريم ، أو أداء ما عليه من المال ، والأصل بقاء ذلك الى أن يحصل المبرئ وهو المسقط للحق ، أو موت المكفول وهو الأصح. ويحتمل البراءة لأن الإحضار واجب مع الإمكان.
وإذا غاب غيبة انقطع بها خبره ، كان إحضاره ممتنعا ، فكان بمنزلة ما لو مات. ولأن وجوب الإحضار إذا سقط لم يجب المال ، لأنه لم يتعهد به ، ووجوبه مع وجوب الإحضار إذا لم يأت به لا يقتضي وجوبه بدونه.
ويضعّف بمنع كون إحضاره مع الغيبة المنقطعة ممتنعا ، بل هو أمر ممكن ، فيجب على الكفيل تتبعه في البلاد ، أو أداء ما عليه.
ويحتمل وجوب الصبر توقعا للمكنة ، لأن الإحضار في هذا الحال لما امتنع وجب الصبر الى أن يعلم مكانه ، ولا تسقط الكفالة لعدم المسقط ، وضعفه يظهر مما
ز : يجب على المكفول الحضور مع الكفيل إن طلبه المكفول له منه ، وإلا فلا إن كان متبرعا ، وإلا فكالأول.
______________________________________________________
سبق ، ولو وقع في بلاد الكفر بحيث لا يقدر عليه ، أو في حبس ظالم بحيث لا يمكن تخليصه وجب الصبر الى زمان إمكان إحضاره ، ولو رجي تخليصه بوجه وجب عليه السعي فيه ، ولو احتاج الى بذل مال فإشكال ، وغيبته حال الكفالة كغيبته بعدها.
ولو ماطل في إحضاره حتى هرب ، أو غاب غيبة منقطعة ، أو هرّبه فإن أوجبنا المال فلا بحث ، وإلا ففي الوجوب وعدمه هنا اشكال ، ونحوه قال في التذكرة (١).
واعلم أن جمع المصنف بين هرب وغاب غيبة منقطعة ، يشعر بأن الهرب كالغيبة المنقطعة في احتمال البراءة ، وإن علم موضعه وهو ممكن إذا قطع بأنه متى توجه اليه الكفيل هرب عنه الى موضع أخر ، وهكذا.
قوله : ( يجب على المكفول الحضور مع الكفيل إن طلبه المكفول له منه ، وإلا فلا إن كان متبرعا ، وإلا فكالأول ).
حيث أنه لا يشترط رضى المكفول في صحة الكفالة إذا وقعت بدون الاذن ، فلا يخلو : إما أن يطلب المكفول ( له من الكفيل إحضار المكفول ، أو لا ، فان طلبه وجب على المكفول ) (٢) متابعة الكفيل إذا طلب حضوره ، لأن طلب المكفول له المكفول منه توكيل له في إحضاره ، فلا يجوز له الامتناع.
وإن لم يطلب إحضاره ، فإن قال : اخرج من حقي ففي وجوب المتابعة وجهان : من أن ذلك ليس توكيلا في الإحضار ، إذ هو طلب الحق فلا تجب المتابعة ، ومن أن المطالبة بمقتضى الكفالة وهو الإحضار ، أو دفع من ( أصل ) (٣)
__________________
(١) التذكرة ٢ : ١٠٢.
(٢) ما بين القوسين ساقط من نسخة « م ».
(٣) لم ترد في « م ».