الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣
يا : لو خرج الرهن مستحقا فالعهدة على الراهن لا العدل ان علم المشتري بوكالته فان علم بعد تلفه الثمن في يده رجع على الراهن.
______________________________________________________
لأنه بدون إقراره بالقبض لا يتوجه عليه طلب الثمن ، ليدفعه عن نفسه بدعوى التلف واليمين عليه ، فلا وجه حينئذ للتردد في قبول قوله في ذلك بيمينه ، والإتيان بالحكم احتمالا. وبالجملة فالعبارة لا تخلو من شيء.
قوله : ( لو خرج الرهن مستحقا فالعهدة على الراهن لا العدل إن علم المشتري بوكالته ).
حال العقد ، لأنه لم يبايعه إلا على أنه نائب عن الغير ، فكان العقد في الحقيقة من الراهن ، واقباض الثمن له ، والعدل وسيط ليس له في الإقباض اعتبار ، حيث أن يده للغير يد نيابة عنه.
ولا يرد : أن تضمينه فيما لو ظهر البيع فاسدا ، وتلف المبيع في يد المشتري يقتضي التضمين هنا ، لأنه هناك متعد بالتسليم ، إذ ليس مأذونا فيه ، وليس يده يد نيابة عن الغير ، وهنا لا عدوان منه ، لأن يده يد نيابة للغير ، وتسلمه بإذن المشتري لمالك المبيع ، وإن كان المشتري إنما سلّم الثمن ظنا منه أن البيع صحيح ، لأن هذا الظن لا يخل بكون التسليم بالإذن في الجملة ، ولا بكون التسليم إنما هو للراهن في الحقيقة.
والوكيل وسيط ، فهو بمنزلة الناقد لو نقد الثمن وسلمه الى البائع ، والدلال سلّم إليه أيضا بالإذن فلا يتوجه عليه ضمان.
قوله : ( فان علم بعد تلف الثمن في يده ، رجع على الراهن ).
ينبغي أن يقرأ ( علم ) مبنيا للمجهول ، لئلا يتوهم عود الضمير إلى المشتري فيفسد المعنى ، لأن العلم المؤثر من المشتري بكون العدل وكيلا إنما هو حالة البيع ـ كما سيأتي ـ لا بعده. والمعنى : فان علم الاستحقاق بعد تلف الثمن في يد العدل فالرجوع على الراهن ، لأن القبض له كما بيناه ، لا على العدل.
ولو علم بعد دفع الثمن الى المرتهن رجع المشتري عليه لا على العدل ، ولو رده بعيب رجع على الراهن خاصة لأن العدل وكيل والمرتهن قبض بحق.
ولو لم يعلم المشتري بوكالة العدل حالة البيع فله الرجوع على العدل ،
______________________________________________________
قوله : ( ولو علم بعد دفع الثمن الى المرتهن رجع المشتري عليه لا العدل ).
ينبغي أن يقرأ ( علم ) مبنيا للمجهول أيضا لمثل ما سبق ، وإنما استحق المشتري الرجوع على المرتهن ، لأنه قبض ما لا يستحقه ، لكونه باقيا على ملك المشتري ، لفساد البيع.
وأما عدم الرجوع على العدل فقد سبق تقريبه ، وفي عبارة المصنف مسامحة ، للعطف على الضمير المجرور بدون شرطه.
قوله : ( ولو رده بعيب رجع على الراهن خاصة ، لأن العدل وكيل ، والمرتهن قبض بحق ).
الفرق بين الرد بالعيب ، وظهور الاستحقاق : أن الرد بالعيب يقتضي فسخ العقد الواقع من حينه على تقدير صحته ، فلا ينافي وقوعه صحيحا ، ومتى وقع العقد صحيحا كان قبض المرتهن للثمن بحق ، لكونه ملك الراهن ، وتعلق حكم الاستيثاق به ، بخلاف ظهور الاستحقاق ، فان العقد المترتب عليه باطل ، فلا يدخل الثمن في ملك الراهن ، فلا يصح قبض المرتهن له.
قوله : ( ولو لم يعلم المشتري بوكالة العدل حالة البيع فله الرجوع على العدل ).
يمكن أن يكون هذا من أقسام مسألة العيب ، كما يقتضيه باقي الكلام ، لاختصاص باقيه بالعيب. ويمكن عوده إلى الأولى ، لأنه معادل لقوله : ( إن علم المشتري ) وهو المتبادر الى الفهم ، لو لا ما يقتضيه آخر الكلام.
ويرجع العدل على الراهن ان اعترف بالعيب أو قامت به بينة ،
______________________________________________________
ولا يبعد عوده الى كل من المسألتين ، فالى الأولى بقرينة المعادلة ، والى الثانية بمقتضى باقي الكلام.
إذا تقرر هذا ، فعدم علم المشتري بوكالة العدل يقتضي كون المعاوضة باعتقاده جارية بينهما ، وأن الثمن المدفوع اليه مملوك له ، فيكون مضمونا عليه بمقتضى ذلك الاعتقاد.
وكذا كل وكيل باع مال غيره ولم يعلم المشتري ، ويجيء في شرائه لغيره مثل ذلك ، لكن قول المصنف : ( حالة البيع ) يقتضي أنه لو لم يعلم حالة البيع ، لكن علم حال الإقباض للثمن بكونه وكيلا يستحق الرجوع عليه. وفيه نظر ، لأن الإقباض له لم يكن لنفسه فيكون مضمونا ، بل للموكل ، وهو الراهن ، فيكون اعتبار يده بالنسبة إليه ساقطا ، إذ يده في الحقيقة إنما هي للراهن.
وفي التذكرة أطلق العبارة ولم يقيد بحالة البيع ، فإنه قال : فان كان العدل قد أعلم المشتري أنه وكيل الراهن ، فإن العهدة على الراهن (١) ، وفي هذا الإطلاق أيضا شيء ، وكأنه هنا بنى على ما هو الغالب ، من أن الإقباض للثمن متصل بالعقد ـ خصوصا في البيع ـ بالوكالة ، فالعلم بكونه وكيلا في حال العقد والقبض واحد عرفا.
قوله : ( ويرجع العدل على الراهن إن اعترف بالعيب ، أو قامت به بينة ).
لا يخفى أن الضمير المستكن في ( اعترف ) للعدل لا للراهن ، ليكون قوله : ( فإن أنكر ) معادلا له. ويمتنع عود ضمير ( أنكر ) ، الى غير العدل ، كما سيأتي ، وإن كان مع ذلك اعتراف الراهن ، أو قيام البينة ، أو حلف العدل اليمين المردودة شرطا لرجوعه بحسب الواقع.
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٣٦.
فإن أنكر فالقول قول العدل مع يمينه فان نكل فحلف المشتري رجع على العدل ولا يرجع العدل على الراهن لاعترافه بالظلم.
يب : لو تلف العبد في يد المشتري ، ثم بان مستحقا قبل أداء الثمن رجع المالك على من شاء من الغاصب ، والعدل ، والمرتهن القابض ، والمشتري ،
______________________________________________________
قوله : ( فإن أنكر فالقول قول العدل مع يمينه ).
أي : فان أنكر العدل العيب الذي ادعاه المشتري ، والحال أنه لم يعلم بوكالته ، ولم يقم به بينة فالقول قوله بيمينه كما هو ظاهر. ولا يجوز عود الضمير الى الراهن ، لأنه لا معنى لكون القول قول العدل بيمينه حينئذ ، وليس صحيحا.
قوله : ( فان نكل ، فحلف المشتري رجع على العدل ).
أي : فان نكل العدل عن اليمين ، وقد أنكر العيب ، فحلف المشتري بالرد رجع على العدل ، وهو ظاهر.
قوله : ( ولا يرجع العدل على الراهن ، لاعترافه بالظلم ).
لأنه أنكر العيب ، وذلك يقتضي بطلان دعوى المشتري ، وكونه ظالما ، فلا تسوغ له المطالبة بما أقر بكون المطالبة به ظلما ، ومن ثم لا تسمع دعواه ولا بينته.
ولو أظهر تأويلا ، كأن قال : إن إنكار العيب كان جريا على الظاهر من أن الأصل الصحة لم يبعد استحقاق المطالبة على تقدير الإثبات ، وقد سبق مثله في بيع المغصوب في أول كتاب التجارة.
قوله : ( لو تلف العبد في يد المشتري ، ثم بان مستحقا قبل أداء الثمن رجع المالك على من شاء من الغاصب ، والعدل ، والمرتهن القابض ، والمشتري ).
لا خصوصية للعبد في فرض المسألة فيه ، وإنما ذلك على طريق التمثيل. وإنما اعتبر في المرتهن كونه قابضا ، لأنه إذا لم يقبض لم يكن له يد على المغصوب.
ويستقر الضمان على المشتري للتلف في يده ، ولو لم يعلم بالغصب استقر الضمان على الغاصب.
يج : لو ادعى العدل دفع الثمن الى المرتهن قبل قوله في حق الراهن ، لأنه وكيله على اشكال ،
______________________________________________________
وليس من لوازم الرهن قبضه ، إما بناء على كون القبض ليس شرطا فظاهر ، وإما على الآخر فلإمكان التوكيل فيه.
قوله : ( ويستقر الضمان على المشتري ، للتلف في يده ).
هذا إذا كان المشتري عالما بالغصب ، لمساواته للغاصب في العلم بالعدوان ، وانفراده بالتلف في يده الموجب لانحصار الغرم في جانبه. ويعلم هذا القيد من قوله بعد : ( ولو لم يعلم ... ).
قوله : ( ولو لم يعلم بالغصب استقر الضمان على الغاصب ).
هذا إذا لم يكن العدل ، والمرتهن القابض عالمين بالغصب أيضا ، لأن المشتري مغرور حينئذ ، فإن علموا جميعا كان له الرجوع على من غره منهم ، وعليه يستقر الضمان على الظاهر ، لاستوائهم في يد العدوان ، والعلم بالحال ، وانفراده بالتغرير. ولو اشتركوا فيه كان له الرجوع على من شاء ، ولا يرجع على غيره لما قلناه. ومنه ما لو باعه واحد وسلمه آخر على الظاهر.
قوله : ( لو ادعى العدل دفع الثمن الى المرتهن قبل قوله في حق الراهن ، لأنه وكيله على اشكال ).
قال الشارح : إن الاشكال هنا في مسألتين : إحداهما : أن الوكيل في الدفع إذا دفع من غير إشهاد ، هل يكون ضامنا ، أم لا؟ (١) وفي دلالة العبارة على ما ذكره نظر.
نعم يستفاد من كلام المصنف الآتي ثبوت إشكال في المسألة ، وإن لم تفده هذه العبارة ، على أنه لا دخل لذلك في أن القول قوله أو قول الراهن ، لأن
__________________
(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٤.
ولا يقبل قوله في حق المرتهن ، لأنه وكيله في الحفظ خاصة فلا يقبل قوله في غيره ، كما لو وكّل رجلا في قضاء دين فادعى تسليمه الى صاحب الدين.
______________________________________________________
هذا هل يعد تفريطا أم لا؟ سواء كان القول قوله أم قول الراهن.
نعم قد يتصور له اعتبار ، وهو أنه على تقدير عده تفريطا لا تكون دعواه الأداء تامة ، إلا إذا قال : وأشهدت في وقت الأداء ، لأنه ما دام لا يقول ذلك لم يدع دعوى على تقدير صحتها تكون مسقطة للمطالبة والرجوع ، فلا تكون مسموعة ولا يترتب عليه جواب.
ويكفي قوله : وأشهدت ، وما ادى معناه كأديب على الوجه الشرعي ، ومع هذا فلا ربط للعبارة بهذا ، ولا إشعارها به بوجه من الوجوه.
ومنشأ الاشكال : من حيث أنه أمين ، فظاهر حاله أداء الأمانة ، ولأنه لو لا ذلك لأدى الى عدم قبول الوكالة ، فيفضي إلى الضرر ، ومن أن الأصل العدم.
وسيأتي في الوكالة ان شاء الله ، أن الوكيل إذا ادعى الرد كان القول قوله بيمينه ، إذا لم تكن الوكالة بجعل ، فعلى هذا تكون الفتوى هنا كذلك ، ومتى لم يشهد ، وقلنا بان ذلك تفريط كان موجبا لضمانه.
قوله : ( ولا يقبل في حق المرتهن ، لأنه وكيله في الحفظ خاصة ، فلا يقبل في غيره ).
هذا أقوى ، لانتفاء الوكالة في الأداء من طرفه.
قوله : ( كما لو وكل رجلا في قضاء دين ، فادعى تسليمه الى صاحب الدين ).
فان القول قول صاحب الدين بيمينه قطعا ، وحال المرتهن لا ينقص عن ذلك.
ويحتمل قبول قوله على المرتهن في إسقاط الضمان عن نفسه لا عن غيره ، فعلى هذا إن حلف العدل سقط الضمان عنه ، ولم يثبت على المرتهن انه قبضه. وعلى الأول يحلف المرتهن فيرجع على من شاء ، فإن رجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن ، لاعترافه بالظلم ، وإن رجع على الراهن لم يرجع على العدل إن كان دفعه بحضرته ، أو ببينة ماتت ، أو غابت لعدم التفريط في القضاء ،
______________________________________________________
قوله : ( ويحتمل قبول قوله على المرتهن في إسقاط الضمان عن نفسه لا عن غيره ).
لأنه أمين فيقبل قوله في إسقاط الضمان عن نفسه. ولا دلالة فيه ، لأن مقتضاه قبول قوله في حق من هو أمين عنه ، وليس أمينا عن المرتهن فيما عدا حفظ الوثيقة ، لا في الأداء ولا في القبض ، فلا وجه لقبول قوله في حق المرتهن.
قوله : ( فعلى هذا إن حلف العدل سقط الضمان عنه ، ولم يثبت على المرتهن أنه قبضه ).
أي : فعلى الاحتمال الثاني ينتفي الضمان عنه بالنسبة إلى الراهن والمرتهن معا ، لقبول قوله في حقهما ، ولا يثبت على المرتهن أنه قبضه ، لأن اليمين لشيء لا يقتضي ثبوت شيء آخر ، والأصل بقاء حقه فيرجع على الراهن ، وللراهن إحلاف المرتهن حينئذ على عدم القبض.
قوله : ( وعلى الأول يحلف المرتهن فيرجع على من شاء ).
من العدل والراهن ، لأصالة عدم الأداء بالنسبة اليه ، وله حق متعلق بعين ثمن الرهن فلا يسقط. ولا بد في هذه اليمين من طلب العدل أو الراهن ، لأن الدعوى لهما ، لكن لو أحلفه أحدهما ، هل يغني عن يمين الآخر؟ فيه تردد ، ينشأ : من أن الدعوى واحدة ، ومن أن لكل منهما حقا. والظاهر أنه لو أحلفه أحدهما قبل إنشاء الدعوى من الآخر بقي حق الآخر ، فله الدعوى والإحلاف.
قوله : ( وإن رجع على الراهن لم يرجع على العدل إن كان دفع بحضرته ، أو ببينة ، ماتت أو غابت ، لعدم التفريط في القضاء ).
وإلاّ رجع على اشكال منشؤه التفريط ، وكونه أمينا له اليمين عليه إن كذّبه.
يد : لو غصبه المرتهن من العدل ، ثم أعاده إليه زال الضمان عنه.
______________________________________________________
أما مع الدفع بالبينة ، فلأنه قد حافظ على طريق الاحتياط ، وأما مع الدفع بحضرة الراهن ، فان التقصير بترك الإشهاد حينئذ مستند الى الراهن ، لعلمه بالحال ، وسكوته عليه ، فلا يعد العدل مفرطا حينئذ. وانما فرض البينة غائبة أو ميتة ليتم له إنكار المرتهن ، وعدم إمكان إثباته عليه.
قوله : ( وإلا رجع على اشكال ، منشؤه التفريط ).
وإن انتفى الأمران : إشهاد ببينة ماتت ، أو غابت ، ودفعه بحضرة الراهن ، رجع الراهن على العدل على اشكال ، ينشأ : من ان التردد في كونه مفرطا بترك الاشهاد ، وعدمه.
وربما بني الإشكال على كونه وكيلا في إبراء ذمته في نفس الأمر فقط ، أو في الإبراء باطنا وظاهرا ، وفي استعلام ذلك من التوكيل تأمل.
وليس ببعيد أن يقال : إن الوكيل يجب عليه رعاية الغبطة والمصلحة ، بالنسبة إلى الموكل ، والأخذ بما يكون سليما عن التضييع ، ولهذا لا يجوز له البيع نسيئة ، ولا التسليم قبل التسلم.
ولا ريب أن الدفع بغير إشهاد معرض للإنكار ، وموت القابض ، وعدم علم الوارث بالقبض ، فعد ذلك تفريطا موجبا للضمان لا يخلو من قوة.
واعلم أن قوله : ( وكونه أمينا له اليمين عليه إن كذّبه ) ، ظاهر العبارة أنه من جملة منشأ الإشكال ، فيكون وجه الشق الآخر ، وهو عدم استحقاق الرجوع. ولا يكاد يستقيم ، لأن كونه أمينا ـ وكون الأمين إنما عليه اليمين إذا كذّبه مستأمنة في الأداء ـ إنما يكون مع عدم تقصيره وتفريطه ، فإذا قصر وفرّط يضمن ، وإن حصل القطع بصحة قوله فلا يثبت به المدعى.
قوله : ( لو غصبه المرتهن من العدل ثم اعاده إليه زال الضمان ).
لأن الغاصب يبرأ بالتسليم الى المالك ، أو الى وكيله في القبض ، والعدل
الفصل السادس : في اللواحق :
لو مات المرتهن ولم يعلم الرهن كان كسبيل ماله ، ويجوز للمرتهن
______________________________________________________
وكيل فيه فيبرأ بالتسليم اليه ، ويخرج عن الغصب والضمان به.
قوله : ( لو مات المرتهن ولم يعلم الرهن كان كسبيل ماله ).
المراد من العبارة : أنه إذا كان الرهن في جملة تركة المرتهن بحسب الواقع ، ومات المرتهن ، ولم يكن ذلك معلوما ، فما تركه من الأعيان بحسب الظاهر ماله ، وإن كان في نفس الأمر بعضها مال الراهن ، لأن المكلف به هو العمل بالظاهر.
وقول المصنف : ( كان كسبيل ماله ) حاول به افادة هذا المعنى ، لأنه ليس مالا له في الواقع ، وإنما هو ماله ظاهرا ، هذا هو المراد من العبارة ، وإن كانت دلالتها عليه لا تخلو من خفاء ، لأنه ربما أوهمت أن الرهن إذا لم تعلم عينه في التركة ، ولكن علم حصوله في الجملة يكون كسبيل ماله ، والمتصور هنا ثلاث صور :
أ : ما ذكرناه أو لا.
ب : أن يعلم رهن في التركة ، ولا تعلم عينه ، فلا طريق إلا الصلح إن لم يعلم القدر والقيمة.
ج : أن يعلم في يد الميت قبل موته رهن ، ولم يوجد في التركة ، واحتمل الحال تلفه بغير تفريط وبقاؤه عنده. وإن لم تعلم عينه ، أو تصرفه فيه على وجه يكون مضمونا فيعارض أصلان : أصل البراءة ، وأصل بقاء ملك الراهن وعدم طروء ما يقتضي خروجه عنه.
وعند التحقيق : أصل بقاء الملك لا يعارض أصل البراءة ، لأن أصالة بقاء الملك لا تقتضي شغل ذمة المرتهن به ، وسيأتي نظير هذه المسألة في القراض ان شاء الله تعالى.
إذا تقرر هذا ، فالذي يمكن حمل عبارة الكتاب عليه ، هو المسألة الأولى ، لامتناع انطباقها على واحدة من الأخريين.
ابتياع الرهن ، فإن كان وكيلا فالأقرب جواز بيعه من نفسه بثمن المثل ، وحق المرتهن أقدم من حق الحي والميت ، فإن قصر الثمن ضرب بفاضل دينه مع الغرماء ، والرهن أمانة في يده لا يضمن إلا بالتفريط ، ولا يسقط من دينه شيء.
فإن تصرّف بركوب ، أو سكنى ، أو لبن وشبهه فعليه الأجرة والمثل ، ويقاص في المئونة ،
______________________________________________________
قوله : ( فان كان وكيلا فالأقرب جواز بيعه من نفسه بثمن المثل ).
وجه القرب : أن الغرض ـ وهو البيع بالثمن المطلوب ـ حاصل ، وخصوص المشتري غير منظور اليه. ويحتمل العدم ، لأن ظاهر الوكالة لا يتناوله ، والأصح أنه إنما يجوز بالإذن ، أو وجود قرينة تدل عليه.
قوله : ( وحق المرتهن أقدم من حق الحي والميت ).
أي : استحقاق المرتهن بالرهن في الاستيفاء من قيمته مقدم على استحقاق باقي الغرماء ، من جهة الحي وإن حجر عليه والميت.
قوله : ( ولا يسقط من دينه شيء ).
أي : لو تلف بغير تعد ، ولا تفريط.
قوله : ( فان تصرف بركوب ، أو سكنى ، أو لبن وشبهه فعليه الأجرة والمثل ).
الأجرة في مثل الركوب ، والمثل في مثل أخذ اللبن ، فاللف والنشر مرتب.
قوله : ( ويقاص في المئونة ).
أي : إذا أنفق المرتهن على الرهن ما يحتاج اليه من المؤن ، وتصرف في منافعه يقاص الراهن في ذلك. وإنما يقع التقاص إذا أنفق بإذن المالك ، ومع تعذره فبإذن الحاكم ، ومع التعذر فلا بد من الاشهاد ، ليثبت له استحقاق الرجوع. وإنما يجوز له استيفاء المنافع إذا اذن المالك ، أو من يقوم مقامه.
فإن تلف ضمن قيمته إن لم يكن مثليا قيل : يوم قبضه ، وقيل : يوم هلاكه ، وقيل : الأرفع.
ولو علم جحود الوارث استقل بالاستيفاء. ولو اعترف بالرهن لم يصدق في الدين إلا بالبينة ، وله إحلاف الوارث على عدم العلم.
ويجب على المرتهن بالوطء العشر أو نصفه ، ولو طاوعت فلا شيء.
______________________________________________________
قوله : ( فإن تلف ضمن قيمته إن لم يكن مثليا ، قيل : يوم قبضه ، وقيل : يوم هلاكه ، وقيل : الأرفع ).
هذه الأقوال الثلاثة في هذه المسألة وفي نظائرها ، والأصح هو القول الثاني. ويجب أن تعتبر قيمته وقت التلف. ومتى تعذر المثل في المثلي انتقل إلى القيمة فتعتبر قيمته حين المطالبة على الظاهر.
قوله : ( ولو علم جحود الوارث استقل بالاستيفاء ).
المراد بالعلم : هو الظن الغالب ، والظاهر أنه غير شرط ، بل يكفي خوف جحوده دفعا للضرر المخوف ، كما صرح في الدروس ، قال : ومن عنده رهن ، وخاف جحود الوارث أو وارثه فله المقاصة (١).
قوله : ( ويجب على المرتهن بالوطء العشر ، أو نصفه ).
العشر في البكر ، ونصفه في الثيب.
قوله : ( ولو طاوعت فلا شيء ).
لقوله عليهالسلام : « لا مهر لبغي » (٢) لكن لو كانت بكرا وجب أرش البكارة ، لأنها جناية على مال الغير.
__________________
(١) الدروس : ٤٠٥.
(٢) صحيح البخاري ٧ : ٧٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٠٠ حديث ١١٤٣ ، وفيهما : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي. ».
ولو شرط كون الرهن مبيعا عند تعذر الأداء بعد الحلول بطلا ، فإن تلف قبل مدة الحلول لم يضمن ، ولو تلف بعدها ضمن.
وفوائد الرهن للراهن ، ولا تدخل فيه إن كانت موجودة. والأقرب عدم دخول المتجددة إلا مع الشرط ، أو كانت متصلة.
ولو أدى ما يخص أحد الرهنين لم يجز إمساكه بالآخر ، ولا بالخالي ، ويقدّم قول الدافع.
______________________________________________________
قوله : ( ولو شرط كون الرهن مبيعا عند تعذر الأداء ، بعد الحلول بطلا. فإن تلف قبل مدة الحلول لم يضمن ، ولو تلف بعدها ضمن ).
أما بطلانهما : فلأن البيع مشروط بمضي زمان ، وأما الرهن فلأنه مؤقت ، وأما الضمان بالتلف بعد الحلول لا قبله ، فللفرق بأنه بعد الحلول مبيع فاسد ، فيكون مضمونا ، لأن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، ولأن الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولى ، ولأنهما تراضيا على ذلك لتراضيهما على البيع الصحيح ، ولعموم : « على اليد ما أخذت » (١) ، وقبله رهن فاسد ، وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، لان التسليم إنما وقع على اعتقاد صحة العقد ، فلم يقصد المسلّم ضمانا ، بل سلم على قصد العدم ، ولم يلتزم المتسلم ضمانا ، فانتفى المقتضي له.
قوله : ( والأقرب عدم دخول المتجددة ، إلا مع الشرط ، أو كانت متصلة ).
وجه القرب : عدم دلالة اللفظ على دخولها بشيء من الدلالات ، والأصل العدم ، والأكثر على دخولها ، والأصح الأول. ولو شرط دخولها ، أو عدمه فلا إشكال في ثبوت الشرط.
قوله : ( ويقدّم قول الدافع ).
أي : في أن المدفوع عن أي الدينين ، لأن المعتبر نيته ، وهو أعرف بها.
__________________
(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، المستدرك للحاكم ٢ : ٤٧.
ولا تدخل الثمرة غير المؤبرة في رهن النخلة ، ولا الشجر في رهن الأرض وإن قال : بحقوقها ، إلا مع الشرط. وكذا ما ينبت بعد رهنها ، سواء أنبته الله تعالى ، أو الراهن ، أو أجنبي ، إلا أن يكون الغرس من الشجر المرهون.
وفي دخول الأس تحت الجدار ، والمغرس تحت الشجرة ، واللبن في الضرع ، والصوف المستجز على ظهر الحيوان ، وأغصان الشجر نظر.
______________________________________________________
قوله : ( ولا تدخل الثمرة غير المؤبرة في رهن النخلة ).
لأنها غير داخلة في مسماها ، ودخولها في المبيع قبل التأبير للنص (١) ، على خلاف الأصل.
قوله : ( ولا الشجر في رهن الأرض ، وإن قال بحقوقها ، إلا مع الشرط ).
لأنه ليس من حقوق الأرض ، ومع الشرط فلا إشكال في الدخول. ولو قال : وما اشتملت عليه ، لم يبعد الدخول كالبيع.
قوله : ( وكذا ما نبت بعد رهنها ... ).
لعدم دخوله فيها ، فلا يعد ذلك نماء الأرض ، ليجيء فيه خلاف النماء المتجدد وإن نبت فيها. ولو كان الغرس من الشجر المرهون فهو رهن.
قوله : ( وفي دخول الأس تحت الجدار ، والمغرس تحت الشجر ، واللبن في الضرع ، والصوف المستجز على ظهر الحيوان ، وأغصان الشجر نظر ).
في بعض حواشي شيخنا الشهيد : أن للاس تعبيرين ، أحدهما : ما هو مستور من الحائط ، والثاني : أنه موضع الأساس. والذي في القاموس (٢) ،
__________________
(١) الكافي ٥ : ٢٩٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٩٠ حديث ٣٨٢.
(٢) القاموس المحيط ( أس ) ٢ : ١٩٧.
والأقرب جواز إجبار الراهن على الإزالة.
ولو رهن ما يمتزج بغيره ، كلقطة من الباذنجان صح إن كان الحق
______________________________________________________
والصحاح (١) هو الأول.
ووجه الدخول على الأول : أنه جزء الحائط ، فهو مدلول عليه تضمنا ، ووجه العدم : أن الإشارة الحسية إنما تتعلق بما ظهر.
وعلى الثاني : فوجه الدخول كونه تابعا ، إذ لا بد منه للجدار. ووجه العدم انتفاء دخوله في مسمى اللفظ ، والأصح على الأول الأول ، وعلى الثاني الثاني.
وتردد المصنف في المغرس يشعر بأن المراد بالأس موضع الأساس ، إذ يبعد تردده في دخول بعض الجدار ، ولأن الموضع شبيه بالمغرس.
وأما اللبن في الضرع ، فمنشأ النظر فيه : التردد في أنه جزء ، نظرا إلى أنه من جملة رطوبات البدن ، وأن العادة قاضية بأخذه ، وكونه منظورا اليه بخصوصه ، فلا يكون داخلا في مسمى اللفظ عرفا.
ومثل هذا يأتي فيما لو باع شاة في ضرعها لبن ، وقريب منه الصوف المستجز ، وهو الذي بلغ مبلغا يجز عند بلوغه عرفا ، إلا أن الظاهر دخول الصوف ، لكونه جزءا حقيقة ، وإنما يخرج عن الجزئية بعد الانفصال ، ومثله أغصان الشجر.
ولا يخفى أن المراد به : ما كان من الأغصان يابسا ، وما جرت العادة بقطعه ، من سعف النخل وغيره ، ودخول هذين قوي.
قوله : ( والأقرب جواز إجبار الراهن على الإزالة ).
هذا فيما لا يدخل في الرهن من المتجدد وغيره ، ووجه القرب : أن إبقاءه تصرف في الرهن ، وكل من الراهن والمرتهن ممنوع من التصرف ، ولأنه لا ينفك من الإضرار بالرهن غالبا. ويحتمل ضعيفا العدم للأصل ، والأصح الأول.
قوله : ( ولو رهن ما يمزج بغيره ، كلقطة من الباذنجان صح إن كان
__________________
(١) الصحاح ( أس ) ٣ : ٩٠٣.
يحل قبل تجدد الثانية ، أو بعدها وإن لم يتميز على رأي.
ويقدّم حق المجني عليه وإن تأخر على حق المرتهن ، فيقتص في العمد ، أو يسترق الجميع ، أو مساوي حقه فالباقي رهن وفي الخطأ إن فكه مولاه فالرهن بحاله ، وإن سلّمه فللمجني عليه استرقاقه ، وبيعه ، أو بيع مساوي حقه فالباقي رهن.
______________________________________________________
الحق يحل قبل تجدد الثانية ، أو بعدها وإن لم يتميز على رأي ).
أما إذا كان الحق يحل قبل تجدد الثانية ، أو بعده مع التمييز فلا بحث في الجواز ، إذ لا مانع. وأما مع عدم التمييز ، وكون الحلول متأخرا فان في الصحة قولين : أحدهما : العدم ، وهو اختيار الشيخ (١) ، لتعذر الاستيفاء. وليس بشيء ، لأن المانع منتف في وقت إنشاء الرهن ، وتجدده لا يقتضي منع الصحة من الأصل. على أن حصوله غير مقطوع به ، لإمكان التخلف. مع أن عدم التمييز لا يقتضي تعذر الاستيفاء ، لتحقق ثبوت الحق ، وإن كان الطريق الى تعيينه هو الصلح ، والأصح الصحة.
قوله : ( ويقدم حق المجني عليه وإن تأخر على حق المرتهن ).
الجار الثاني يتعلق بـ ( يقدم ).
قوله : ( فيقتص في العمد ، أو يسترق الجميع ، أو مساوي حقه ... ).
وإن كانت الجناية قتلا أو جرحا وطلب الدية ، وأحاطت بقيمته فله استرقاقه ، وإلا استرق منه مساوي الجناية ، وحينئذ فيكون الباقي منه بعد موجب الجناية رهنا.
وهذا كله إذا لم يأمره السيد بالجناية ، فإن أمره ولم يكن مميزا ، أو كان ولكن كان أعجميا ، يعتقد وجوب طاعة السيد في جميع أوامره ، فالجاني هو السيد ، وعليه القصاص أو الضمان ، صرح به في التذكرة (٢).
__________________
(١) المبسوط ٢ : ٢٤٢.
(٢) التذكرة ٢ : ٣٩.
ولو جرح مولاه عمدا اقتص ، ولا يخرج عن الرهن ، وإن قتله فللورثة قتله ، والعفو فيبقى رهنا. ولو جرح خطأ لم يثبت لمولاه عليه شيء ، فيبقى الرهن بحاله. ولو جنى على مورث المالك فللمالك القصاص ، أو الافتكاك من الرهن فيه ، وفي الخطأ مع الاستيعاب ، والمقابل مع عدمه فالباقي رهن.
______________________________________________________
قوله : ( ولو جنى على مورث المالك فللمالك القصاص ، أو الافتكاك فيه من الرهن ، وفي الخطأ مع الاستيعاب ).
الضمير في قوله : ( فيه ) يعود الى العمد ، أي : هذا الحكم المذكور في الجناية عمدا. ولو قدّم الجار والمجرور على القصاص ، أو أخره عن الرهن لكان أولى ، فالمالك مخيّر بين القصاص والافتكاك في العمد ، وفي الخطأ الافتكاك إذ لا قصاص.
وهذا إذا استوعبت الجناية قيمته ، وإنما كان للمالك الافتكاك من الرهن ، لأن الجناية إذا استوعبت قيمته استرق بها ، كما سبق.
والفرق بين الجناية على المولى ، وعلى مورثه ـ وإن كان الحق للمولى في الموضعين ـ أن الجناية على المولى الواجب فيها للمولى ابتداء ، ويمتنع أن يجب للمولى على عبده مال إذ هو مال له. وفي الجناية على مورثه ، الحق فيها ابتداء للمجني عليه ، لأن الوارث إنما تنتقل إليه الدية عن مورثه ، لأنها محسوبة تركة توفى منها ديونه وتنفذ وصاياه.
ومعلوم أنه لا يمتنع ثبوت مال لمورث مولى العبد على العبد ، فينتقل الى المولى عن مورثه ، فيفك من الرهن.
قوله : ( والمقابل مع عدمه ، فالباقي رهن ).
أي : وله افتكاك المقابل للجناية في العمد والخطأ ، على المورث مع عدم الاستيعاب ، فالباقي من العبد بعد مقابل الجناية رهن كما كان.
ولو جنى على عبد مولاه فكمولاه ، إلا أن يكون رهنا من غير المرتهن فله قتله ، ويبطل حق المرتهن والعفو على مال فيتعلق به حق المرتهن الآخر.
ولو عفا بغير مال فكعفو المحجور عليه ،
______________________________________________________
قوله : ( ولو جنى على عبد مولاه فلمولاه ).
أي : فيقتص منه في العمد خاصة ، لامتناع أن يجب للمولى على عبده مال.
قوله : ( إلا أن يكون رهنا من غير المرتهن فله قتله ، ويبطل حق المرتهن ).
تفريع ثبوت قتله للمولى على المستثنى غير جيد ، لأن هذا ثابت على كل حال ، فان للمولى القصاص مع الرهن ، وبدونه لمرتهن واحد وغيره.
قوله : ( والعفو على مال ، فيتعلق به حق المرتهن الآخر ).
أي : وله العفو على مال على العبد ، وكذا لو كانت الجناية خطأ ، فإن الدية تجب على العبد في رقبته ، لأن السيد لو جنى على عبده المرهون وجب عليه أرش الجناية ، لحق المرتهن ، فان ثبت على عبده أولى ، فيتعلق المال حينئذ برقبة العبد ، لحق المرتهن الآخر ، اعني : مرتهن المقتول.
قوله : ( ولو عفا بغير مال فكعفو المحجور ).
أي : المحجور بالفلس ، كما صرح به في التذكرة (١) : فكل موضع فيه يصح العفو من المحجور ، وهو حيث لا يكون المعفو مالا يصح ، ومالا فلا.
فان قلنا : إن الجناية عمدا موجبة لأحد الأمرين : من القصاص ، والدية لم يكن للمولى إلا أحدهما ، وليس له العفو مجانا. وإن قلنا : توجب القصاص فقط تخيّر في كل من الأمور الثلاثة.
وحيث قلنا : ليس له العفو مجانا ، فلا بد في صحته من وقوع العفو على
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٣٩.
ولو أوجبت أرشا فللثاني.
______________________________________________________
الدية.
قوله : ( ولو أوجبت أرشا فللثاني ).
أي : لو كانت الجناية خطأ ، بحيث توجب الأرش فحق الرهانة فيه للمرتهن الثاني ، حيث أن الجناية مضمونة لحقه ، فيتعلق الأرش المذكور برقبة القاتل ، ويتعلق به حقه.
فعلى هذا في الجناية خطأ ، وفي العمد إذا عفا المولى على مال يجب أن ينظر ، إن كان الواجب فيهما أكثر من قيمة القاتل ، أو بقدرها هل يباع؟ فيه وجهان :
أحدهما ـ وهو قول الشيخ رحمهالله ـ : نعم (١) ، لأنه ربما رغب فيه راغب بزيادة يتوثق بها مرتهن القاتل.
والثاني : لا ، بل ينقل الى يد مرتهن المجني عليه رهنا ، وينفك من رهن مرتهنه ، لأنه لا فائدة في بيعه. وقوى في التذكرة الأول ، محتجا بأن حق مرتهن المقتول بسبب الجناية في مالية العبد ، لا في العين (٢). وهو متجه ، إذ لم يجز الرهن عليها ، وإنما تعلق بها حق مرتهن المقتول بسبب الجناية.
وإن كان الواجب فيهما أقل من قيمته ، فعلى الوجه الثاني ينقل من القاتل بقدر الواجب الى مرتهن القتيل. وعلى الأول يباع منه قدر الواجب ، ويبقى الباقي رهنا. فان تعذر بيع البعض ، أو نقص بالتشقيص بيع الكل ، وجعل الزائد على الواجب عند مرتهن القاتل.
قال في التذكرة : وهذان الوجهان إنما يظهر ان فيما إذا طلب الراهن النقل ، وطلب مرتهن القتيل البيع ، ففي وجه يجاب بهذا ، وفي وجه يجاب ذاك. أما إذا طلب الراهن البيع ، ومرتهن المقتول النقل يجاب الراهن ، لأنه لا حقّ لصاحبه في عينه (٣).
__________________
(١) قاله في المبسوط ٢ : ٢٢٩.
(٢) التذكرة ٢ : ٣٩.
(٣) المصدر السابق.
ولو اتحد المرتهن وتغاير الدين فله بيعه ، وجعل ثمنه رهنا بالدين الآخر ،
______________________________________________________
ولقائل أن يقول : على الوجه الثاني يجاب مرتهن المقتول الى النقل ، لأنه إن تم دليله ، وهو : أن البيع لا فائدة فيه ، فيفك من رهن الأول ويتعلق به حقه ، تعينت اجابته.
وما علل به ، من أنه لا حق له في عينه ، هو دليل الوجه الأول ، فإن تم اقتضى ترجيح الوجه الأول على الثاني ، لأن الوجهين لا يظهران إذا طلب مرتهن القتيل النقل.
ولو اتفق الراهن والمرتهنان على أحد الفعلين تعيّن ، ولو اتفق الراهن ومرتهن القتيل على النقل فعند بعض العامة : ليس لمرتهن القاتل المناقشة فيه ، وطلب البيع (١). ومقتضى دليل الوجه الأول أن له ذلك.
قوله : ( ولو اتحد المرتهن وتغاير الدين فله بيعه ، وجعل ثمنه رهنا بالدين الآخر ).
أي : لو اتحد مرتهن العبد الجاني والمجني عليه ، وكان كل منهما مرهونا بدين ، فان اختلف الدينان بالحلول والتأجيل ، واختار المالك العفو على الدية ، وتعلقت برقبة الجاني ، أو كانت خطأ على ما سبق فللراهن أن يتوثق لدين القتيل بالقاتل ، لأنه إن كان الحالّ دين المقتول ، فقد يريد استيفاءه من ثمنه في الحال ، وإن كان الحالّ دين القاتل ، فقد يريد الوثيقة للمؤجل ، ويطالب الراهن بالحال في الحال. ومثله ما لو كانا مؤجلين ، وأحد الأجلين أطول.
وإن اتفقا حلولا وتأجيلا ، فاما أن يتفقا جنسا وقدرا ، أو يختلفا.
فان اتفقا ، واختلف العبدان في القيمة ، وكانت قيمة المقتول أكثر لم تنقل الوثيقة ، لانتفاء الفائدة ، لأنه بعد النقل إنما يتعلق به دين القتيل ، والفرض
__________________
(١) ذهب إليه الجويني ، انظر : فتح العزيز مع المجموع ١٠ : ١٥٦.
______________________________________________________
عدم الاختلاف بينه وبين دين القاتل. وكذا لو تساويا في القيمة.
وإن كانت قيمة القاتل أكثر نقل منه قدر قيمة القتيل الى دين القتيل ، وبقي الباقي رهنا بما كان.
وإن اختلف الدينان قدرا لا جنسا ، فان تساوت قيمة العبدين ، أو كان القتيل أكثر قيمة ، فإن كان المرهون بأكثر الدينين القتيل فله التوثق بالقاتل ، لأن التوثق لأكثر الدينين في نفسه فائدة مطلوبة ، بخلاف ما لو كان القتيل مرهونا بأقلهما ، فلا فائدة في النقل حينئذ.
وإن كان القتيل أقل قيمة ، وكان مرهونا بأقل الدينين فلا فائدة في النقل ايضا. وإن كان مرهونا بالأكثر نقل من القاتل قدر قيمة القتيل الى الدين الآخر ، ويبقى الباقي رهنا بما كان.
وإن اختلف الدينان في الجنس فهو كالاختلاف في القدر ، أو في الحلول والتأجيل.
وإن اختلفا في الاستقرار وعدمه ، كما لو كان أحدهما عوض ما يتوقع رده بعيب أو صداق قبل الدخول : فان كان القاتل مرهونا بالمستقر فلا فائدة في النقل ، وإن كان مرهونا بالآخر فالأصح ثبوته ، وهو مختاره في التذكرة (١).
إذا عرفت هذا ، فحيث قلنا بنقل التوثيق فيباع ويقام ثمنه مقام القتيل ، أو يقام عينه مقام القتيل؟ فيه الوجهان السابقان ، كذا ذكر في التذكرة (٢) ، وجزم هنا بأن له البيع ، وجعل الثمن رهنا.
ويمكن توجيهه : بأن تعلق الأرش برقبة الجاني يوجب تسلط مستحق الأرش على الجاني بالبيع ، والمرتهن مستحق الاستيثاق بالأرش ، فإن تعلقه برقبة الجاني هنا إنما كان لحقه ، لامتناعه لو لا ذلك ، فله حينئذ تحصيل الأرش ببيعه فيكون ، خصوصا إذا أمكن تصور فائدة أخرى بالنسبة إلى الدين الآخر بأن يطلبه
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٤٠.
(٢) المصدر السابق.