جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣

١
٢

٣
٤

٥
٦

كتاب الدين وتوابعه

وفيه مقاصد :

الأول : في الدين ، وفيه مطلبان :

الأول : تكره الاستدانة اختيارا ، وتخف الكراهة لو كان له ما يرجع إليه لقضائه ،

______________________________________________________

قوله : ( تكره الاستدانة اختيارا ).

أي : مع الغناء عنها ، وتتفاوت الكراهة بالشدة وضدها باعتبار كونه قادرا على الوفاء ، أو له من يقضي عنه بعد الموت وعدمه ، ففي الأخير تشتد ولا تحرم خلافا لأبي الصلاح ، حيث حرمها على غير القادر على القضاء (١) ، والأخبار الواردة في تغليظ أمر الاستدانة لا تبلغ التحريم (٢).

قوله : ( وتخف الكراهة لو كان له ما يرجع إليه لقضائه ).

ظاهر إطلاق العبارة يقتضي كراهة الاستدانة كراهة مخففة إذا كان له ما يقضي منه ، سواء كان غنيا أو محتاجا ، ونحوه إطلاق عبارة الدروس (٣) ، وفي التذكرة : نفي الكراهة مع الحاجة إذا كان له وفاء ، أو كان له من يقوم مقامه في الأداء (٤).

ويمكن أن يكون قيد الاختيار في الأولى مرادا هنا ، فلا تكون العبارة‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٣٣٠.

(٢) الكافي ٥ : ٩٥ حديث ١١ ، الفقيه ٣ : ١١١ حديث ٤٦٨ ، التهذيب ٦ : ١٨٣ حديث ٣٧٦.

(٣) الدروس : ٣٧٢.

(٤) التذكرة ٢ : ٢.

٧

وتزول مع الاضطرار اليه ، فيقتصر على كفايته ومؤنة عائلته على الاقتصاد ،

______________________________________________________

مطلقة ، والرواية عن الرضا عليه‌السلام تدل على جواز الاستدانة مع الحاجة (١) ، ورواية سلمة تدل على تقييد ذلك بوجود ما يوفي به ، أو الولي الذي يقضي عنه (٢) ، فحينئذ المعتمد ما في التذكرة.

قوله : ( وتزول مع الاضطرار إليه ).

أي : وتزول الكراهية مع الاضطرار الى الدين ، فلا مرجع في اللفظ لهذا الضمير ، ولو خاف على نفسه وعياله وجبت الاستدانة ، يدل على الأول أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسنين عليهما‌السلام ماتوا وعليهم دين (٣). والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون له وفاء أو ولي وعدمه. نعم ، لو تمكن من الصدقة حيث لا وفاء ولا ولي كرهت.

قوله : ( فيقتصر على كفايته ومؤنة عائلته على الاقتصاد ).

قد يستفاد من العبارة : الاقتصار في الاستدانة حينئذ على ما تندفع به حاجته ، وإن لم يبلغ مرتبة الاقتصاد في النفقة ، أما بالنسبة إلى عياله فيستدين ما يبلغ مرتبة الاقتصاد ، ولا يتجاوز إلى التوسعة بناء على أن قوله : ( على الاقتصاد ) مقصور على مؤنة عائلته. ولو جعل قيدا فيهما أمكن أن تتخيل منافاة قيد الكفاية له ، من حيث أن قيد الكفاية دون مرتبة الاقتصاد ، إلا أن تنزل الكفاية على الكفاية عادة ، فيكون لقيد الاقتصاد حينئذ موضع.

والذي ينبغي أن يقال : إن سقوط كراهية الاستدانة منوط بالحاجة ، فالمقدار المحتاج إليه بالنسبة إلى نفسه وعياله لا كراهية فيه ، مع رعاية وجود أحد‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٩٣ حديث ٣ ، التهذيب ٦ : ١٨٤ حديث ٣٨١.

(٢) التهذيب ٦ : ١٨٥ حديث ٣٨٣.

(٣) المحاسن : ٣١٩ حديث ٤٦ ، الكافي ٥ : ٩٣ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١١١ حديث ٤٦٩ ، علل الشرائع : ٥٩٠ حديث ٣٧ ، التهذيب ٦ : ١٨٣ حديث ٣٧٨.

٨

ويجب العزم على القضاء.

ويكره لصاحب الدين النزول عليه ، فإن فعل فلا يقيم أكثر من ثلاثة أيام.

وينبغي له احتساب ما يهديه اليه مما لم تجر له به عادة من الدين ، والأفضل للمحتاج قبول الصدقة ولا يتعرض للدين.

______________________________________________________

الأمرين : الوفاء ، والولي ، وما عداه يكره بغير تفاوت.

قوله : ( ويجب العزم على القضاء ).

بالنص والإجماع ، فقد روي : أنه يعان عليه ، وأنه ينقص من المئونة بقدر نقصان النية (١).

قوله : ( ويكره لصاحب الدين النزول عليه ).

أي : على المديون ، وإن لم يجر له ذكر بخصوصه ، لدلالة ما سبق عليه.

قوله : ( فان فعل فلا يقيم أكثر من ثلاثة أيام ).

وحرم الحلبي ما زاد عليها (٢) ، والصحيح أنه مكروه كراهية شديدة ، وفي رواية سماعة (٣) ، وغيرها : النهي عن أكل طعامه بعد الثلاثة (٤) ، وهي الكراهية الشديدة.

قوله : ( وينبغي له احتساب ما يهديه اليه ، مما لم تجر له به عادة من الدين ).

هذا الحكم للاستحباب ، لأمر علي عليه‌السلام بذلك (٥) ، وهو للاستحباب قطعا ، لأن الهدية يجوز (٦) قبولها مطلقا.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٩٥ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١١٢ حديث ٤٧٣ ، التهذيب ٦ : ١٨٥ حديث ٣٨٤.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٣١‌

(٣) الكافي ٥ : ١٠٢ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١١٥ حديث ٤٩١ ، التهذيب ٦ : ١٨٨ حديث ٣٩٤.

(٤) الكافي ٥ : ١٠٢ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ١٨٨ حديث ٣٩٣.

(٥) الكافي ٥ : ١٠٣ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ١٩٠ حديث ٤٠٤ ، الاستبصار ٣ : ٩ حديث ٢٣.

(٦) في « م » : يجب ، وما أثبتناه من النسخة الحجرية ، وهو الصحيح.

٩

ولو التجأ المديون الى الحرم لم تجز مطالبته ، أما لو استدان فيه فالوجه الجواز.

______________________________________________________

قوله : ( ولو التجأ المديون الى الحرم لم تجز مطالبته ).

ظاهر هذه العبارة : أنه التجأ إلى الحرم متحصنا به من المطالبة بالدين ، إذ لا يقال لمن دخل حصنا اتفاقا ، أو لحاجة أخرى ، ولا لمن جاء شخصا مهابا لا لغرض التحصن به ملتجئا اليه.

فعلى هذا لو دخل الحرم لنسك ونحوه ، لا على قصد الالتجاء تجوز مطالبته إذا كان موسرا ، واختاره في التحرير (١) وهو فتوى ابن إدريس (٢).

وذهب المصنف في المختلف : إلى كراهية المطالبة وإن أدانه خارج الحرم (٣). وألحق بعض الأصحاب مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمشاهد المشرفة بالحرم (٤).

وإطلاق قوله تعالى ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٥) ، وصريح قول الصادق عليه‌السلام في الغريم يطوف : « لا تسلم عليه ولا ترغمه حتى يخرج من الحرم » (٦) يقتضي التحريم مطلقا ، وهو المتجه ، لكن يضيق على الممتنع بالحرم في المأكل والمشرب ، بان يمنع منه ومن أسباب النقل كما دلت عليه والرواية (٧) ، وقد سبق التنبيه عليها في كتاب الحج.

قوله : ( أما لو استدان فيه فالوجه الجواز ).

لأنّ سبب المطالبة ـ وهو الاستدانة ـ قد تحقق في الحرم.

فان قيل : قد بطلت سببيته بكونه في الحرم.

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٩٩.

(٢) السرائر : ١٦٢.

(٣) المختلف : ٤١٠.

(٤) منهم : أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ٣٣١.

(٥) آل عمران : ٩٧.

(٦) الكافي ٤ : ٢٤١ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ١٩٤ حديث ٤٢٣ ، وفيهما : ولا تروعه.

(٧) الكافي ٤ : ٢٢٨ حديث ٤ ، التهذيب ٥ : ٤١٩ حديث ١٤٥٦.

١٠

ويجب على المديون السعي في قضاء الدين ، وترك الإسراف في النفقة ، بل يقنع بالقليل.

______________________________________________________

قلنا : فتمتنع المطالبة مطلقا ، وهو باطل بالإجماع.

فإن قيل : بطلان سببيته ما دام في الحرم.

قلنا : إذا لم يستحق المطالبة حين القرض لم يستحقها أصلا ، لانتفاء سبب آخر يقتضيها.

فان قيل : اقتضى استحقاق المطالبة بعد الخروج.

قلنا : لا دليل على ذلك إلا عموم ( ومن دخله كان آمنا ) (١). وليس التمسك به في هذا الفرد بأولى من التمسك بعموم النصوص الدالة على استحقاق المطالبة بالدين ، والإجماع الواقع على ذلك ، مع أن ذلك مفض الى منع المداينة في الحرم ، لأن المدين إذا علم منعه من المطالبة امتنع من الإدانة ، وفي ذلك ضرر وتضييق على الناس ، ولأن الجناية الواقعة في الحرم تجوز المطالبة بها ، فالدين أولى ، لأنه أخف.

واعلم أن ظاهر عبارة المصنف : أن غير الملتجئ الى الحرم لا تحرم مطالبته ، فقوله بعد ذلك : ( اما لو استدان ... ) ليس بذلك الفصيح ، فان المستدين في الحرم أحد قسمي غير الملتجئ.

قوله : ( ويجب على المديون السعي في قضاء الدين ).

ظاهر هذا الإطلاق وجوب السعي مطلقا حتى بالتكسب ، وسيأتي في أحكام الفلس عدم وجوب التكسب عند المصنف ، واختار في الدروس وجوب ما يليق بحاله (٢) ، وفيه قوة ، وسيأتي بيان ما فيه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وترك الإسراف في النفقة ، بل يقنع بالقليل ).

بين مفهومي هذين الكلامين تخالف ، فان تحريم الإسراف يفهم منه حل‌

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) الدروس : ٣٧٢.

١١

ولا يجب أن يضيّق على نفسه ، ولو طولب وجب دفع ما يملكه أجمع عدا دار السكنى ، وعبد الخدمة ، وفرس الركوب ، وقوت يوم وليلة له ولعياله إن كان حالا ، وعند حلول الأجل مع المطالبة إن كان مؤجلا.

ولا تصح صلاته في أول وقتها ، ولا شي‌ء من الواجبات الموسعة‌

______________________________________________________

ما عداه ، ووجوب القناعة بالقليل يقتضي المنع مما سواه وإن لم يكن سرفا. والذي يقتضيه النظر وجوب الكف عما عدا المستثنى له من قوته وقوت عياله بالمعروف ، ولا يجب عليه أن يقنع بما دون ذلك.

وعبارة التحرير (١) والدروس : يجب الاقتصاد في النفقة (٢) ، ولعله المراد من قوله : ( يقنع بالقليل ) وإن لم يكن متبادرا منه ، فيكون الممنوع منه هو التوسعة التي هي فوق الاقتصاد وإن لم يعد سرفا.

ويبعد أن يراد قناعته بالقليل : الذي يسد رمقه بالنسبة إلى نفسه ، وإن كان بالنسبة إلى عياله يراعى الاقتصاد ، إذ لا دليل يدل على ذلك.

قوله : ( وقوت يوم وليلة له ولعياله ).

الاقتصاد من غير تفاوت بينه وبينهم ، وكذا تستثنى له ثياب بدنه ، ولو كانت هذه نفيسة ، فهل يجب استبدال أدون منها ، وصرف تفاوت القيمتين في الدين؟ فيه خلاف ، ولا شبهة انها لو كانت مع نفاستها لائقة بحاله لم يجب البيع.

قوله : ( وعند حلول الأجل مع المطالبة ... ).

قيل : لا حاجة الى قوله : ( مع المطالبة ) ، لأن ذلك في حيز قوله : ( ولو طولب ).

قلنا : تجوز إعادته ، لبعد العهد به.

قوله : ( ولا تصح صلاته في أول وقتها ... ).

لأنّ الأمر بالأداء على الفور يقتضي النهي عن ضده ، والنهي في العبادة‌

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٩٩.

(٢) الدروس : ٣٧٢.

١٢

المنافية في أول أوقاتها قبل القضاء مع المطالبة ، وكذا غير الدين من الحقوق كالزكاة والخمس.

______________________________________________________

يقتضي الفساد ، وكل من المقدمتين تبين في الأصول. وفي الأولى كلام ، فإن الذي يقتضي الأمر بالأداء النهي عنه هو ترك الأداء ، وهو الضد العام الذي يسميه أهل النظر النقيض ، أما الضد الخاص كالصلاة مثلا فلا.

فان قيل : الضد العام إنما يتقوم بالأضداد الخاصة ، فيكون الضد الخاص أيضا منهيا عنه.

قلنا : المطلوب في النهي هو الكف عن الشي‌ء ، والكف عن الأمر العام غير متوقف على شي‌ء من الأمور الخاصة ، حتى يكون شي‌ء منها متعلق النهي ، لإمكان الكف عن الأمر الكلي من حيث هو هو ، وليس ذلك كالأمر بالكلي ، لأن إيجاد الكلي بدون أحد جزئياته ممتنع ، على أن المحقق بين حذاق الأصوليين : أن الأمر بالكلي ليس أمرا بشي‌ء من جزئياته وإن توقف عليها من باب المقدمة ، لأن وجوبه حينئذ من باب المقدمة ، لا من نفس الأمر.

فإن قيل : يمكن الاحتجاج بأنّ أداء الدين مأمور به على الفور ، ولا يتم إلا بترك العبادة الموسعة ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وما وجب تركه ففعله منهي عنه ، فتثبت الصغرى.

قلنا : في قوله : وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بحث ، فإنه إن أريد بذلك العموم منع ، لأنّ الواجب الموسع لم يقم دليل على أن تركه يكون مقدمة لواجب آخر مضيق. وظاهر الأوامر الواردة به : الإطلاق في جميع وقته ، إلا ما أخرجه دليل.

وإن أريد به ما سوى ترك الواجب فهو حق ، إلا أنّ المتنازع فيه من قبيل ما كان ترك الواجب فيه هو المقدمة.

فإن قيل : وجوب القضاء على الفور ينافي وجوب الصلاة في الوقت الموسع ، لأنه حين وجوب الصلاة إذا تحقق وجوب القضاء على الفور يلزم تكليف ما لا يطاق ، وهو باطل ، وإن لم يبق خرج الواجب عما ثبت له من صفة الوجوب‌

١٣

______________________________________________________

الفوري.

قلنا : لا نسلم لزوم تكليف ما لا يطاق ، إذ لا يمتنع أن يقول الشارع : أوجبت عليك كلا من الأمرين ، لكن أحدهما مضيق ، والآخر موسع ، فان قدمت المضيق فقد امتثلت [ وسلمت من الإثم ، وإن قدمت الموسع فقد امتثلت ] (١) وأثمت بالمخالفة في التقديم.

والحاصل : أن الأمر يرجع الى وجوب التقديم ، وكونه غير شرط في الصحة ، والامتثال مع انتقاضه بتضيق الوقت ، فإنه إن بقي الوجوب لزم ما سبق ، وإن خرج لزم خروج الواجب عن صفة الوجوب ، مع أنه لا دليل على الترجيح ، إذ هما واجبان مضيقان قد تعارضا.

فلا بد من خروج أحدهما عن صفة الوجوب ، لئلا يلزم المحذور ، والدلائل تدل على خلافه ، ومع تسليمه فلا دليل يقتضي خروج واحد بعينه من الصلاة في آخر الوقت وقضاء الحق المضيق ، فالحكم بصحة الصلاة في آخر الوقت أيضا باطل ، لأنه يستلزم الترجيح بلا مرجح ، ولانتقاضه بمناسك يوم النحر ، فان الترتيب فيها واجب ، ولو خالف أجزأت عن الواجب الذي في الذمة.

وإنما تجزئ ان لو كانت واجبة مع عدم الترتيب ، لامتناع اجزاء غير الواجب عن الواجب ، وإنما يعقل الوجوب على التقديرين ، والتأثيم على تقدير واحد بخصوصه بناء على ما قدمناه.

فلو كان وجوب شي‌ء يقتضي إيجاب ما يتوقف عليه وإن كان مقابله واجبا ، لامتنع الإجزاء هنا وفي كل موضع أشبهه ، وهذا من غوامض التحقيقات ، وهذا أصل تبتني عليه كثير من المسائل ، فيجب التنبيه له.

ولا شك أن الحكم بعدم الصحة أحوط ، وأزجر للنفوس عن التهاون في أداء الحقوق الفورية ، وإن كان الفقه هو القول بالصحة.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « م » ، وأثبتناه من الحجري لتوضيح المطلب.

١٤

وتباع دار الغلة ، وفاضل دار السكنى ، ودار السكنى إن كانت رهنا.

ولو غاب المدين وجب على المديون نية القضاء ، والعزل عند وفاته ، والوصية به ليوصل الى مالكه أو وارثه. ولو جهله اجتهد في طلبه ، فإن أيس منه قيل : يتصدق به عنه.

______________________________________________________

قوله : ( وتباع دار الغلة ).

المراد بها : الدار المرصدة للنماء ، كالبيت المعد للإجارة ونحو ذلك.

قوله : ( ولو غاب المدين وجب على المديون نية القضاء ).

قد يقال : سبق وجوب العزم على القضاء مطلقا ، فلا معنى لذكره هنا ، إلا أن يقال : الحكم هنا آكد ، أو يحمل على ارادة وجوب تجديده ، وفيه شي‌ء.

قوله : ( والعزل عند وفاته ).

فلا يجب قبل ذلك عند الغيبة ، خلافا لظاهر عبارة الشيخ (١) ، وظاهرهم أن وجوب العزل عند الوفاء إجماعي ، ووجهه ظاهر ، فإنه أبعد عن تصرف الورثة فيه ، وأبقى للتعليل في أدائه.

قوله : ( ليوصل الى مالكه أو وارثه ).

المراد : عند فقد المالك ، وهو ظاهر.

قوله : ( فإن أيس قيل : يتصدق به ).

ظاهره التوقف في ذلك ، وكذا فعل في التذكرة (٢) ، وذهب في المختلف الى الجواز (٣) تبعا للشيخ (٤) وجماعة ، وظاهر الرواية الصحيحة مشعر بالمنع ، للأمر بطلب المدين عند قول السائل : فأصدّق به (٥). ولا دلالة فيها ، لأنّ وجوب الطلب‌

__________________

(١) النهاية : ٣٠٧‌

(٢) التذكرة ٢ : ٣.

(٣) المختلف : ٤١١.

(٤) النهاية : ٣٠٧.

(٥) التهذيب ١ : ١٨٨ حديث ٣٩٦.

١٥

والمعسر لا تحل مطالبته ولا حبسه ، ويجوز له الإنكار والحلف إن خشي الحبس مع الاعتراف ، ويورّي وينوي القضاء مع المكنة.

ولو استدانت الزوجة النفقة الواجبة وجب على الزوج دفع‌ عوضه.

______________________________________________________

كما يحتمل وجوبه دائما يحتمل وجوبه الى زمان اليأس منه.

وذهب ابن إدريس إلى وجوب الدفع الى الحاكم (١) ، ولا شبهة في جوازه ، أما الوجوب فلا دليل عليه ، مع أن أكثر الأصحاب على خلافه ، والقول بالصدقة لا محيد عن جوازه عند فقد الحاكم.

ومع وجوده فيمكن أولوية الصدقة على الدفع الى الحاكم ، لأنها إحسان محض بالنسبة إلى المالك ، لأنه مع وجوده يجب ضمان العوض ، ومع عدم الظفر به هو عبادة وبر بالنسبة اليه ، و ( ما على المحسنين من سبيل ) (٢).

فإذا دفع الى الحاكم لم يؤمن تلفه بغير تفريط فيفوت الأمران ، هذا مع اعتضاده بالشهرة ، والاذن بالصدقة في عدة نظائر لهذا ، فالعمل به هو الأصح.

نعم ، الأولى مراجعة الحاكم في الصدقة ، لأنه أبصر بمواقعها ، وهذه الصدقة من قبيل المندوبات ، فتصرف الى مستحقيها ، ووجوبها على المديون بالعارض لا يصيّرها واجبة ، إذ هو بمنزلة الوكيل والوصي.

قوله : ( ويوري ).

أي : يقصد بإنكاره وحلفه على نفي الاستحقاق ما يخرجه عن الكذب ، وهذا الحكم على سبيل الوجوب ، لأن الكاذب ملعون. والتورية : أن يقصد باللفظ خلاف ظاهره ، كأن يقصد بقوله : لا دين لك علي : لا دين يجب أداؤه الآن.

قوله : ( ولو استدانت الزوجة النفقة الواجبة وجب على الزوج دفع عوضه ).

__________________

(١) السرائر : ١٦٣.

(٢) التوبة : ٩١.

١٦

ولا تصح المضاربة بالدين قبل قبضه ، لان تعينه بقبضه ، فإن فعل فالربح بأجمعه للمديون إن كان هو العامل ، وإلا فللمالك وعليه الأجرة.

______________________________________________________

المتبادر من دفع العوض : دفعه الى المدين ، وهو قول الشيخ (١) ، وظاهر رواية السكوني دال عليه (٢) ، وأنكره ابن إدريس ، وقصر الوجوب على الدفع إلى الزوجة والقضاء عليها ، لأنها الغريم دونه (٣).

ووجّه في المختلف كلام الشيخ : بأنّ الزوجة كالوكيل عن الزوج ، فيجب عليه القضاء (٤). وفيه منع ، لأنّ استحقاقها النفقة لا يصيّرها كالوكيل ، وكلام ابن إدريس هو المتجه ، وإن كان العدول عن ظاهر الرواية لا يخلو من شي‌ء.

ولو حمل الأمر بقضاء الزوج عنها على دفع ذلك إليها ـ لأنه حينئذ بتمكينه إياها من القضاء كأنّه قضى عنها ـ لكان عدولا عن الظاهر وارتكابا للمجاز‌

قوله : ( وإلاّ فللمالك ).

أي : ان اشترى بالعين وأجاز المالك ، لبطلان الإذن السابق بفساد المضاربة ، وإن اشترى في الذمة فالربح للعامل ، وإنما تثبت له الأجرة على تقدير ثبوت الربح للمالك.

وتقدير قوله : ( وإلاّ فللمالك ) : وإن لم يكن المديون هو العامل بل كان ثالثا ، والفرق : أنه إذا كان هو المديون لم يتعين المال للمالك ، لكونه الى الآن في يد المديون ، بخلاف ما إذا كان قبضه الثالث ، فإنه وكيل للمالك.

فان قلت : اذنه في القبض له إنما يثبت بالمضاربة الفاسدة ، فلا يعتد به ، كما لا يعتد به بسائر الأشياء التي تضمنتها العقود الفاسدة.

قلنا : هذا مخصوص بما إذا كانت تلك الأمور المتضمنة من توابع العقود‌

__________________

(١) النهاية : ٣٠٧.

(٢) التهذيب ٦ : ١٩٤ حديث ٤٢٦.

(٣) السرائر : ١٦٣.

(٤) المختلف : ٤١٢.

١٧

ويصح بيع الدين على من هو عليه وعلى غيره ، فيجب على المديون دفع الجميع إلى المشتري وإن كان الثمن أقل على رأي.

ولو باع الذمي على مثله خمرا ، أو خنزيرا جاز أخذ الثمن في الجزية والدين ، ولو كان البائع مسلما لم يحل.

ولا تصح قسمة الدين ، فلو اقتسما ما في الذمم كان الحاصل لهما والتالف منهما ، نعم لو أحال كل منهما صاحبه بحصته وقبل المدينان‌ صح.

______________________________________________________

الفاسدة ، أما إذا اقتضى اللفظ مضاربة ووكالة ، لاشتماله على الاستنابة في التصرف ، فان فساد المضاربة لا يقتضي فساد الوكالة ، كما لو باعه وآخره في عقد واحد ، واختل بعض شروط البيع ، فإن الإجارة صحيحة وإن فسد البيع.

قوله : ( ويصح بيع الدين على من هو عليه وعلى غيره ، فيجب على المديون دفع الجميع إلى المشتري ... ).

هذا هو الأصح خلافا للشيخ ، حيث أوجب قيمة ما دفعه المشتري الى صاحب الدين (١) تعويلا على رواية ضعيفة (٢) ، والأكثر على خلافه ، ودلائل الكتاب (٣) والسنة تدل على استحقاق الجميع (٤).

ولا يخفى أنه لا بد من رعاية السلامة من الربا لو كانا ربويين ، وقد نبه عليه المصنف في كلامه بعد ، وكذا يشترط رعاية شروط الصرف لو كانا من الأثمان ، ومنع ابن إدريس من بيع الدين على غير من هو عليه (٥) ، وهو ضعيف.

قوله : ( ولا تصح قسمة الدين ، فلو اقتسما ما في الذمم كان الحاصل لهما ، والتالف منهما ، نعم ، لو أحال كل منهما صاحبه بحصته ، وقبل المدينان صح ).

__________________

(١) النهاية : ٣١١.

(٢) الكافي ٥ : ١٠٠ حديث ٣ ، التهذيب ٦ : ١٩١ حديث ٤١٠.

(٣) البقرة : ٢٨٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٠٠ حديث ٢ و ٣ ، التهذيب ٦ : ١٨٩ حديث ٤٠١.

(٥) السرائر : ١٦٣.

١٨

ولا يصح بيع الدين بدين آخر ، ولا بيعه نسيئة ، ولو كان الثمن والمثمن من الربويات اشترط في بيعه بجنسه التساوي قدرا ، والحلول.

وأرزاق السلطان لا يصح بيعها إلا بعد قبضها ، وكذا السهم من الزكاة والخمس.

المطلب الثاني : في القرض :

وفيه فضل كثير ، وهو أفضل من الصدقة بمثله في الثواب.

______________________________________________________

لكن الحوالة الأولى حوالة ممن ليس في ذمته دين ، فيبني على صحتها ، وسيأتي تحقيقها ، إلا أن يفرض سبق دين له عليه ، والعبارة خالية من هذا القيد ، وذهب في الدروس الى جواز الصلح على ما في الذمم بعضا ببعض (١) ، وهو محتمل.

قوله : ( ولا يصح بيع الدين بدين آخر ، ولا بيعه نسيئة ).

أما الأول : فلأنه بيع الكالئ بالكالئ ، كأن يبيع ما في ذمة زيد بما في ذمة عمرو. وأما الثاني ، فقد قال الشيخ فيه بالكراهية (٢) ، ومنعه ابن إدريس (٣) ، وهو الأصح ، لكونه بيع دين بدين.

قوله : ( وأرزاق السلطان ... ).

لأن ذلك كله غير مملوك ، وإنما يملك بالقبض.

قوله : ( وهو أفضل من الصدقة بمثله في الثواب ).

الجار في ( بمثله ) يحتمل أن يتعلق بـ ( الصدقة ) ، فيكون المعنى : القرض بشي‌ء أفضل من الصدقة بمثل ذلك ، وأفضليته في الثواب ، فيكون الجار في‌

قوله : ( في الثواب ) متعلقا بـ ( أفضل ).

وقد يقال : إن الأفضلية هنا لا تكون إلا باعتبار الثواب ، فقد يقال : إن في الثواب مستدرك. ويحتمل أن يكون الجار الأول متعلقا بـ ( أفضل ) أيضا ،

__________________

(١) الدروس : ٣٨٠.

(٢) قاله في النهاية : ٣١٠.

(٣) السرائر : ١٦٨.

١٩

ولا بد فيه من إيجاب صادر عن أهله ، كقولك : أقرضتك ، أو تصرف فيه ، أو انتفع به ، أو ملّكتك وعليك رد عوضه ، وشبهه. وقبول ، وهو ما يدل على الرضى قولا أو فعلا.

______________________________________________________

ويكون المعنى المراد : أن القدر المقرض أفضل من المتصدق به بمقدار مثله في الثواب.

ويرد عليه : أن المتفاضل به هو مقدار ثواب المتصدّق به لا مقدار مثله ، فيكون فاسدا ، وهذا اللفظ المذكور في العبارة نقله الشيخ رحمه‌الله رواية (١).

قوله : ( ولا بد فيه من إيجاب صادر عن أهله ـ إلى قوله : ـ وقبول ، وهو : ما يدل على الرضى قولا أو فعلا ).

ظاهر عباراتهم : أنه لا بد من الإيجاب القولي ، وعبارة التذكرة أدل على ذلك (٢).

ويرد عليه : أنه قد سبق في البيع الاكتفاء بالمعاطاة ، التي هي عبارة عن الأخذ والإعطاء ، فإن اكتفى في العقد اللازم بالإيجاب والقبول الفعليين ، فحقه أن يكتفي بهما هنا بطريق أولى.

وليس ببعيد أن يقال : إن انتقال الملك الى المقترض بمجرد القبض موقوف على هذا ، لا إباحة التصرف إذا دلت القرائن على ارادتها.

قوله : ( وعليك رد عوضه ).

هذا معتبر فيما عدا ( أقرضتك ) ، لأن الإذن في التصرف والانتفاع والتمليك أعم من استحقاق رد العوض ، الذي هو جزء مفهوم القرض ، فلا بد من لفظ يدل عليه ليكون قرضا ، فيكون التقدير : أو تصرف فيه وعليك رد عوضه ، أو انتفع به وعليك رد عوضه ، وكذا الباقي.

قوله : ( وشبهه ).

يمكن عود الضمير الى قوله ، أي : لا بد من إيجاب كقوله كذا وشبه هذا‌

__________________

(١) النهاية : ٣١٢.

(٢) التذكرة ٢ : ٥.

٢٠