الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣
ويمنع من قبض بعض حقه ، ولا يمنع من وطء مستولدته ، وفي وطء غيرها من إمائه نظر ، فإن أحبل فهي أم ولد.
ولا يبطل حق الغرماء منها مع القصور دونها.
ولو أقر بمال وأطلق لم يشارك المقر له ، لا حتمال كون السبب لا يقتضي الضرب.
______________________________________________________
قوله : ( ويمنع من قبض بعض حقه ).
وذلك حيث لا يلزم قبض البعض إذا بذله من عليه ، فلو كان الحق عن إتلاف مال كان له قبض البعض ، ولو كان عوضا في بيع لم يكن له ذلك ، لأن فيه إسقاطا لحق يتعلق بالمال ، فيمنع منه ، لأنه تصرف مبتدأ.
قوله : ( ولا يمنع من وطء مستولدته ).
لأن الحجر لا يتعلق بها ، لما سيأتي من أنها لاتباع ، والقول بوجوب مؤاجرتها لا يستلزم تعلق الحجر بها ، إذ ذلك متعلق ببعض المنافع ، ولو قلنا بوجوب بيعها جاء في المنع وجهان.
قوله : ( وفي وطء غيرها من إمائه نظر ).
ينشأ من أن منعه من التصرف في أمواله بالحجر ، وأنه معرض للإتلاف بالإحبال ، كذا قيل ، ولا يتم إلاّ إذا أبطلنا حق الغرماء بالإحبال ، وسيأتي أنه لا يبطل به.
ومن أنه لا يقتضي إخراج ملك ، وأنّ الإحبال لا يمنع حق الغرماء ، والأصح الأول لثبوت الحجر.
قوله : ( ولا يبطل حق الغرماء منها مع القصور دونها ).
تقييده بالقصور دونها يدل على أن بيعها في الديون يجب أن يكون آخرا ، لئلا يقدم على إبطال حق الاستيلاد بغير موجب.
قوله : ( ولو أقر بمال وأطلق لم يشارك المقر له ، لاحتمال كون السبب لا يقتضي الضرب ).
ولو أقام شاهدا بدين وحلف معه جعل في سائر أمواله ، فإن نكل ففي إحلاف الغرماء اشكال ، وكذا لو كان الدين لميت ونكل الوارث.
______________________________________________________
هذا بناء على أن الإقرار بمال مستند إلى سبب قبل الحجر ، أو إتلاف مطلق ماض على الغرماء ، لكن في إطلاق المصنف عدم المشاركة بذلك مناقشة ، لأنه إذا أمكن الاستفصال ينبغي أن يقال : يجب ، ليعلم أيستحق الضرب أم لا؟ ويمكن أن يقال : نفي المشاركة بالإقرار المطلق لا ينافي وجوب الاستفصال.
قوله : ( ولو أقام شاهدا بدين حلف معه ).
لا شبهة أن الدعوى بالدين منه ، لأنه مالكه ، لكن إذا أعرض عن الدعوى فللغرماء الدعوى به ، وكذا لأحدهم ، لأنه يستحق قسطا لو ثبت.
قوله : ( فإن نكل ففي إحلاف الغرماء إشكال ).
ينشأ : من أنه تعلق حقهم به فهو مال لهم بالقوة القريبة من الفعل ، ومن أنه لا يمين لإثبات مال الغير ، فان قلنا بحلفهم فامتنع البعض ، استحق الحالفون بالقسط ، كما لو حلف بعض الورثة لدين الميت.
والظاهر أن كل واحد منهم يحلف على ثبوت جميع الدين في ذمة المديون ، لأن استحقاقه الحصة المعينة فرع على ذلك ، إذ لو حلف على ثبوت الحصة لم يستحق إلاّ بعضها.
ولا يقال : ان ذلك يستلزم إثبات باقي الدين لباقي الغرماء ، لأنا نقول : إنما يثبت بذلك استحقاقه.
قوله : ( وكذا لو كان الدين لميت ونكل الوارث ).
أي : وكذا يجيء الإشكال لو كان الدين لميت له غرماء ونكل الوارث ، والأصح في الموضعين عدم يمين الغرماء ، لما قلناه من امتناع اليمين لإثبات مال الغير بالإجماع.
ويمنعه صاحب الدين الحال من السفر قبل الإيفاء لا المؤجل ، ولا يطالبه بتكفيل ولا إشهاد وإن كان الدين يحل قبل الرجوع ،
______________________________________________________
قوله : ( ويمنعه صاحب الدين الحال من السفر قبل الإيفاء لا المؤجل ).
هذه مسألة من أحكام الدين استطرد إليها فأدخلها في جملة أحكام الفلس للمشاركة ، ومرجع الضمير في قوله : ( ويمنعه ) اما المديون بدلالة صاحب الدين عليه أو بدلالة المفلس عليه ، لأنه مثله على حدّ قوله سبحانه ( وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ) (١) ، أي : من عمر آخر ، لامتناع النقص من عمر من زيد في عمره بالتعمير ، والحكم ظاهر ، فإن أداء الدين الحال مع المطالبة والتمكن من الأداء واجب على الفور ، فله المنع من كلّ ما ينافيه ، بخلاف المؤجل ، لانتفاء الاستحقاق.
قوله : ( ولا يطالبه بكفيل ولا إشهاد وإن كان الدين يحلّ قبل الرجوع ).
أما عدم المطالبة بالكفيل ، فلأنه ليس له المطالبة بالحق ، فكيف يطالب بالكفيل لأجله وذلك فرعه ، والتفريط من قبله ، حيث رضي بالتأجيل من غير رهن ولا كفيل؟ ومثله المطالبة بالرهن والضامن.
وأما عدم المطالبة بالإشهاد ، فلأصالة العدم ، ولمثل ما قلناه سابقا ، حيث رضي بالإدانة من دون إشهاد ، والظاهر أن له ذلك ، لأن في ترك الاشهاد ضررا بيّنا ، وهو منفي بالآية (٢) والحديث (٣) ، ولعموم( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) (٤) فيشمل ابتداء الإدانة ، واستدامتها.
__________________
(١) فاطر : ١١.
(٢) الحج : ٢٢.
(٣) الكافي ٤ : ٢٩٢ ، ٢٩٤ حديث ٢ ، ٨ و ٥ : ٢٨٠ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ ، ١٦٤ حديث ٦٥١ ، ٧٢٧ ، الفقيه ٣ : ٤٥ ، ١٤٧ حديث ١٥٤ ، ٦٤٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٤ حديث ٢٣٤٠ ، مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٣٢٧.
(٤) البقرة : ٢٨٢.
ولا يمنع المالك من السفر معه ليطالبه عند الأجل ، لكن لا يلازمه ملازمة الرقيب.
______________________________________________________
ومتى توجه الأمر بالإشهاد إلى صاحب الدين ، فلا بد من إيجاب ذلك على المديون ، وإلاّ لم تكمل فائدة الأمر ، ولأن حقيّة الدين ثابتة ، إنما المنتفي استحقاق المطالبة قبل الأجل ، فكلّ ما يفرع على استحقاق الأخذ من الرهن والضمين والكفيل لا يجب ، بخلاف ما كان مرتبا على أصل الدين ، وهو الإشهاد.
والحاصل : أن في منع ثبوت المطالبة بالإشهاد ضررا عظيما ، وليس فيه تكليف بأداء الدين ولا ما يجري مجراه ، فلا أقل من القول بثبوت المطالبة به ، وهو مقرّب المصنف في التذكرة (١).
ولا فرق في هذه الأحكام بين كون الدين حلّ قبل الرجوع أم لا ، بل لو بقي من الأجل نصف نهار فأنشأ سفرا طويلا لم يكن له المنع ، لانتفاء الاستحقاق حينئذ ، خلافا لمالك (٢) ولبعض الشافعية (٣).
قوله : ( ولا يمنع المالك من السفر معه ليطالبه عند الأجل ، لكن لا يلازمه ملازمة الرقيب ).
أما الجواز مع عدم الملازمة فظاهر ، وأما المنع من الملازمة فلما فيه من الإضرار بالملازمة من غير استحقاق.
إذا ثبت هذا ، فإذا حلّ الأجل وهو في السفر وتمكن من الأداء ، وجب عليه : إما برجوعه ، أو بإنفاذ وكيله ، أو بإنفاذ رسالته ، أو بغير ذلك من الوجوه التي تكون طريقا إلى الأداء ، كذا قال في التذكرة (٤) ، وهذا ناظر إلى عدم وجوب الأداء في غير بلد الدين ، وقد حققنا ما فيه في كتاب البيع وكتاب الدين.
__________________
(١) التذكرة : ٢ : ٥٥.
(٢) فتح العزيز مع المجموع ١٠ : ٢١٥ ، وبلغة السالك ٢ : ١٢٥.
(٣) ذهب إليه الروياني من الشافعية كما في فتح العزيز ١٠ : ٢١٦.
(٤) التذكرة ٢ : ٥٥.
المطلب الثالث : في بيع ماله وقسمته :
ينبغي للحاكم المبادرة إلى بيع ماله لئلا تطول مدة الحجر ، وإحضار كل متاع الى سوقه ، وإحضار الغرماء ،
______________________________________________________
قوله : ( ينبغي للحاكم المبادرة إلى بيع ما له لئلا تطول مدة الحجر ).
صرح المصنف في التحرير بوجوب ذلك (١) ، وفي التذكرة بالاستحباب (٢) ، والوجوب أظهر ، وعبارته هنا تحتمل الأمرين ، وإن كانت أظهر في الاستحباب ، إلاّ أن التعليل يرشد إلى الوجوب ، فان المنع من التصرفات بالحجر على خلاف الأصل ، فيجب الاقتصار فيه على قدر الحاجة ، قال في التذكرة : ولا يفرط في الاستعجال لئلا يطمع فيه المشترون بثمن بخس ، (٣) وهو حسن.
قوله : ( وإحضار كلّ متاع إلى سوقه ).
هذا أيضا يحتمل الأمرين ، وقد صرح في التذكرة بجواز بيع المتاع في غير سوقه بثمن مثله (٤) ، ولا يبعد الوجوب ، إلاّ أن يقطع بانتفاء الزيادة بإحضاره في سوقه ، فلو شقّ نقله إلى سوقه نودي عليه فيه.
قوله : ( وإحضار الغرماء ).
هذا أيضا محتمل ، وقد صرح في التذكرة (٥) باستحباب إحضارهم وإحضار المفلس أو وكيله ، ولا ريب لو رجي بحضورهم زيادة نفع وجب ، مع ما فيه من الفوائد ، فإن المفلس أخبر بمتاعه ، وأعرف بجيده من رديّه وثمنه ، ويعرف
__________________
(١) التحرير ١ : ٢١٦.
(٢) التذكرة ٢ : ٥٥.
(٣) التذكرة ٢ : ٥٥.
(٤) التذكرة ٢ : ٥٦
(٥) التذكرة ٢ : ٥٥.
والبدأة بالمخوف تلفه ، ثم بالرهن والجاني ،
______________________________________________________
المعيب من غيره ، ولأنه تكثر الرغبة بحضوره ، فان شراء المال من مالكه أحبّ إلى المشترين ، ولأنه أبعد من التهمة ، وأطيب لقلب المفلس ، وليطلع على العيب إن كان ، فيباع على وجه لا يرد ، ومثل هذا في الرهون ، وفي إحضار الغرماء طيب قلوبهم ، والبعد من التهمة ، ورجاء الزيادة منهم.
قوله : ( والبدأة بالمخوف تلفه ).
لا ريب في وجوب هذا ، لوجوب الاحتياط على الأمناء والوكلاء في أموال مستأمنيهم ، فالحاكم أولى ، فإن تصرفه قهري ، فلا يجوز له تعريض مال من حجر عليه للتلف ، فيبيع الفاكهة والطعام ونحوهما أولا.
ويمكن أن يقال : كون الشيء مخوفا تلفه في نفسه لا يقتضي حصول خوف التلف في الوقت ، فلا يلزم وجوب المبادرة إليه ، لأن ذلك إنما هو عند خوف التلف ، ولا يلزم من كون الشيء مخوف التلف باعتبار شأنه ( وجنسه ) ، أن يكون مخوف التلف في وقته.
قوله : ( ثم بالرهن والجاني ).
قال في التذكرة : ثم الحيوان لحاجته إلى النفقة وكونه عرضة للهلاك (١) ، ويظهر من التحرير (٢) موافقة التذكرة ، وليس ببعيد ما قاله في التذكرة.
ثم يبيع الرهن والجاني ، فربما بقي بقية عن الدين وعوض الجناية ، فتصرف إلى الغرماء ، أو يقصر الرهن عن الدين ، فيضرب المدين بالزائد ، وهذا الحكم كالذي قبله ينبغي أن يكون على الوجوب
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٥٥.
(٢) التحرير ١ : ٢١٦.
والتعويل على مناد مرضي عند الغرماء والمفلس ، فإن تعاسروا عيّن الحاكم ، وأجرته على المفلس.
______________________________________________________
قوله : ( والتعويل على مناد مرضي عند الغرماء والمفلس ، فان تعاسروا عين الحاكم ).
هذا الحكم أيضا ينبغي أن يكون على طريق الوجوب ، لأن الحق في ذلك للمفلس فإنه ماله ، والغرماء لأنهم استحقوا صرفه إليهم بدينهم ، وإن كانت العبارة محتملة ، وفي التذكرة عبر بـ ( ينبغي ) (١).
وجملة القول فيه : أن الحاكم يردّ إليهم التعيين ، فان اتفقوا على مناد وكان مرضيا ـ أي : ثقة ـ أمضاه الحاكم ، وإلا ردّه وعيّن مرضيا ، وليس ذلك كالراهن والمرتهن إذا اتفقا على غير ثقة لبيع الرهن ، إذ لا نظر للحاكم معهما ، بخلاف ما هنا ، فان للحاكم نظرا في مال المفلس ، إذ الحجر بحكمه ، وربما ظهر غريم فيتعلق حقه.
ولو اختار المفلس شخصا واختار الغرماء غيره ، فان كان أحدهما متطوعا دون الآخر ، قدّم المتطوع إذا كان مرضيا ، وإن كانا متطوعين مرضيين ، ضمّ أحدهما إلى الآخر أخذا بمجامع الاحتياط ، وإن كانا غير متطوعين اختار أوثقهما وأعرفهما وأقلهما اجرة ومن هذا يعلم أن عبارة الكتاب تحتاج إلى تنقيح.
ثم إن كان المبيع رهنا أو جانيا ، أمر بدفع الثمن إلى المرتهن ، أو ولي المجني عليه إن لم يزد على الحق ، فإن زاد دفع ما عدا الزيادة ، وإن لم يتعلق به إلاّ حق الغرماء ، أمرهم باختيار ثقة يكون المال عنده مجموعا إلى زمان القسمة.
قوله : ( وأجرته على المفلس ).
قد تقدم كلام التذكرة في أن اجرة الدّلال ونحوه من بيت المال ، ومع التعذر فمن مال المفلس (٢) ، وإطلاق هذه العبارة ينافيه.
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٥٦.
(٢) التذكرة ٢ : ٥٦.
ولا يسلّم المبيع قبل قبض الثمن ، بل متأخرا أو معا ، وإنما يبيع بثمن المثل بنقد البلد حالا ، فإن خالف جنس الحق صرف اليه ، ثم يقسّم الثمن على نسبة الديون الحالة خاصة.
______________________________________________________
قوله : ( ولا يسلم المبيع قبل قبض الثمن ، بل متأخرا أو معا ).
هذا الحكم أيضا على طريق الوجوب ، عملا بالاحتياط التام في حفظ المال ، والظاهر أن رضى المفلس والغرماء لا أثر له في جواز التسليم قبل القبض ، لإمكان غريم آخر ، فدينه متعلق بالمال.
قوله : ( وإنما يبيع بثمن المثل بنقد البلد حالا ).
لا يجوز البيع بدون ثمن المثل في ذلك الزمان والمكان ، لما فيه من الضرر ، بل يبيع بثمن المثل فصاعدا إن أمكن ، حتى لو كان بقرب بلد المفلس بلد فيه قوم يشترون العقار في بلد المفلس ـ كذا قال في التذكرة (١) ، ولا وجه لتخصيص العقار ، بل وكذا غيره ـ أنفذ الحاكم إليهم وأعلمهم ليحضروا للشراء ، فيتوفر الثمن على المفلس.
وكذا لا يبيع إلا بنقد البلد وإن كان من غير جنس حق الغرماء ، لأنه أوفر ، ولأن التصرف على الغير يراعى فيه المتعارف في المعاملة ، ولا يبيع إلا حالا ، لما سبق من وجوب قبض الثمن أولا ، ولما في إدامة الحجر من الضرر.
قوله : ( فان خالف جنس الحق صرف إليه ).
أي : إن خالف نقد البلد الذي وجب البيع به جنس حق الغرماء ، صرف ما يبيع به إلى الجنس وجوبا ، لكن إذا لم يرض به الغرماء ، فان رضوا جاز صرفه إليهم برضى المفلس ، وإلاّ وجب الصرف ، لأن ذلك معاوضة لا تجوز إلاّ بتراضيهما.
__________________
(١) المصدر السابق.
ولا يكلف الغرماء حجة على انتفاء غيرهم ، بل يكتفى بإشاعة حاله بحيث لو كان لظهر ، فإن اقتضت المصلحة تأخير القسمة جعل في ذمة مليء احتياطا ، فإن تعذر أودع ، ولا تباع دار السكنى ، ولا خادمه ، ويباع فاضلهما.
______________________________________________________
قوله : ( ولا يكلف الغرماء حجة على انتفاء غيرهم ، بل يكتفى بإشاعة حاله ، بحيث لو كان لظهر ).
بخلاف الورثة ، فإنهم يكلّفون إقامة البينة على أنه لا وارث غيرهم ، والفرق أن الورثة أضبط من الغرماء ، والاطلاع على انتفاء غيرهم أسهل من الاطلاع على انتفاء غريم آخر ، وهذه شهادة على النفي يعسر تحصيلها ومدركها ، فلا يلزم من اعتبارها حيث كان الضبط أسهل اعتبارها حيث كان أعسر.
قوله : ( فإن اقتضت المصلحة تأخير القسمة جعل في ذمة مليء احتياطا ، فان تعذر أودع ).
اعتبر في التذكرة (١) في المقترض مع الملاءة الأمانة ، وصرح بأن ذلك على طريق الأولى ، فلو أودع مع وجود المقترض الأمين المليء جاز ، ولا يجوز تأجيل القرض بسبب يقتضيه من اشتراط في بيع ونحوه.
قال أيضا : وينبغي أن يودع ممن يرتضيه الغرماء ، فان اختلفوا أو عينوا من ليس بعدل ، لم يلتفت الحاكم وعين هو من أراد من الثقات ، ولا يودع من ليس بعدل (٢) ، ولم يعتبر رضى المفلس ، وينبغي اعتباره.
قوله : ( ولا تباع دار السكنى ولا خادمه ، ويباع فاضلهما ).
هذا إذا كان من أهل الإخدام ، ومثله فرس ركوبه ، وينبغي أن يراد بالفاضل : ما يعمّ الفاضل باعتبار العين وباعتبار القيمة ، فإذا كانت الدار واسعة يكتفي ببعضها ، أو نفيسة يكفيه دار بقيمة بعضها ، أو الخادم متعددا أو نفيسا
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٥٦.
(٢) المصدر السابق.
ويجري عليه نفقته مدة الحجر ، ونفقة من تجب عليه نفقته بالمعروف ، وكسوته جاري عادة أمثاله إلى يوم القسمة ، فيعطى نفقتهم ذلك اليوم خاصة.
ولو اتفقت في طريق سفره فالأقرب الإجزاء الى يوم وصوله ،
______________________________________________________
كذلك ، وجب البيع والاقتصار على ما يكتفي ، وكذا فرسه.
ويجب أن يترك له دست ثوب يليق بحاله صيفا وشتاء ، قال في التذكرة : والأولى الاعتبار بما يليق بحاله في إفلاسه لا في حال ثروته ، ولو كان يلبس في حال الثروة دون ما يليق بحاله تقتيرا ، لم يزد عليه في الإفلاس (١). وينبغي أن يقيد بعدم زيادته على ما يليق بحال الإفلاس ، ويترك لعياله من الثياب ما يترك له ، ويسامح باللبد والحصير القليل القيمة ، لا بالبسط ونحوها.
فرع : لو كان شيء من هذه مرهونا ، بيع في الدين بمقتضى الرهانة.
قوله : ( ويجري عليه نفقته مدة الحجر ، ونفقة من تجب عليه نفقته بالمعروف وكسوته ، جاري عادة أمثاله إلى يوم القسمة ، فيعطي نفقتهم ذلك اليوم خاصة ).
( جاري عادة أمثاله ) قيد في ( نفقته ونفقة من تجب عليه نفقته ) وقوله : ( بالمعروف ) كالمستغنى عنه ، لأن اعتبار ( جاري عادة أمثاله ) يغني عنه ، لأن الإسراف والتقتير خارج عن جاري العادة ، ولو مات بعض من ينفق عليه في أثناء النهار قيل : يرجع بنفقة الباقي.
قوله : ( ولو اتفقت في طريق سفره ، فالأقرب الاجزاء إلى يوم وصوله ).
ظاهر العبارة الإنفاق إلى يوم وصوله إلى منزله ، وهو مستقيم إن لم يكن دونه موضع آخر ، فان كان دونه بلد آخر أو نحوه ، ففي وجوب الاجزاء إلى وطنه المألوف إشكال ، ووجه القرب الإضرار المؤدي إلى الهلاك ، أو المشقة العظيمة
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٥٧.
ويقدّم كفنه الواجب ، فإن ظهر بعد القسمة غريم رجع على كل واحد بحصة يقتضيها الحساب.
ويحتمل النقض ،
______________________________________________________
لولاه ، واحتمال العدم في هذه الصورة ضعيف جدا.
قوله : ( ويقدم كفنه الواجب ).
إجماعا ، وكذا كفن زوجته ومملوكة لا قريبه ، إذ لا يجب تكفين القريب على الموسر كما سبق في أول الكتاب.
قوله : ( فان ظهر بعد القسمة غريم ، رجع على كل واحد بحصة يقتضيها الحساب ، ويحتمل النقض ).
وجه الأول : أنّ كلّ واحد من الغرماء ملك ما هو قدر نصيبه بالإقباض الصادر من أهله في محله ، فلا يجوز النقض ، لأنه يقتضي إبطال الملك الثابت ، أما الحصة الزائدة على قدر نصيبه باعتبار الغريم الآخر ، فإنها غير مملوكة له فتستعاد.
ووجه الثاني : أن القسمة الواقعة وأحد المستحقين غائب باطلة ، لتوقفها على رضى الجميع ، فيجب نقضها.
ويضعف بان ذلك في الشركاء ، وهنا لا شركة ، إذ المال للمفلس ، نعم يستحقون الإيفاء ، فلا يستحق الغريم الآخر سوى الحصة ، وما سواها لا حق له فيه ، فيكون صرفه إلى الديون معتبرا.
وبنى الشارح الاحتمالين على أن الدين هل يتعلق بالتركة تعلق الدين بالرهن ، أو الأرش برقبة الجاني؟ فعلى الأول يتخرج الاحتمال الأول ، وعلى الثاني الثاني (١).
وهذا البناء فاسد ، لأنه لا يلزم من كون تعلقه بها كتعلق الأرش برقبة الجاني ، ثبوت القسمة حقيقة ، التي هي فرع الشركة الحقيقة ، فإن المجني عليه لم
__________________
(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٧٠.
ففي الشركة في النماء المتجدد اشكال.
______________________________________________________
يملك الجاني ، ولا شيئا منه بمجرد الجناية ، وإن استحق ذلك.
ثم اعلم أن فائدة الاحتمالين تظهر في مواضع :
أ : إذا تصرف واحد في مقدار نصيبه ، فعلى الأول يمضي ، وعلى الثاني يجب بدله.
ب : وجوب الزكاة إذا بلغ النصيب النصاب واجتمعت الشروط على الأول ، دون الثاني.
ج : إذا أتلف واحد ما أخذه وكان معسرا ، فعلى الأول يرجع على الباقين بالحصة التي يقتضيها الحساب ، وعلى الثاني ما أتلفه المعسر بالنسبة إلى باقي الغرماء بمنزلة التالف ، فيجمعون ما سواه ويقتسمونه بينهم سوى المعسر.
د : لو زادت القيمة الآن ، فعلى الأول تعتبر قيمة الحصة خاصة ، فإن ما سواها مملوك للقابض ، فتستعاد الحصص وتعدّل بين الغرماء. ويمكن أن يقال : لما زادت قيمة الحصص وهي في يد الغرماء وقد قبضوها عن دينهم ، ملكوا منها الآن نصيبهم بعد الحساب ، فلا يستعاد منها إلا حق الغريم.
هـ : لو حصل نماء ، وهو في كلام المصنف.
قوله : ( ففي الشركة في النماء المتجدد إشكال ).
هذا متفرع على الاحتمالين السابقين ، أي : فبناء على الرجوع بالحصة أو النقض ، في حال انماء المتجدد في يد الغرماء إشكال ، يلتفت إلى الاحتمالين المذكورين.
فعلى الرجوع بالحصة ، النماء مشترك بين المفلس والغرماء على نسبة المملوك بالقبض ، فإذا كان دين الغريم الظاهر بقدر عشر مجموع الديون كلّها بعد اعتباره معها مثلا ، ملك كلّ واحد من القابضين تسعة أعشار المقبوض ، فيملك تسعة أعشار النماء ، ويبقى عشر المقبوض وعشر النماء على ملك المفلس ، فيجمع
ولو تلف المال بعد النقض ففي احتسابه على الغرماء اشكال.
______________________________________________________
الجميع ويدفع الحصة إلى الغريم الظاهر ، ويقسم نماؤها بين الجميع.
وعلى احتمال النقض لا شركة ، بل الأصل والنماء باق على ملك المفلس ، فيقسم الجميع بين الغرماء.
واعلم : أن المتبادر من العبارة تفريع الشركة في النماء وعدمه على احتمال النقض ، وليس مرادا ولا صحيحا في نفسه ، وهو ظاهر. وكذا المتبادر أن الشركة في النماء وعدمها بين الغريم الظاهر وباقي الغرماء ، لا بينهم وبين المفلس ، وهو الذي فهمه الشارح (١) ، ولا شبهة في أنه غلط لا محصل له ، يظهر ذلك بأدنى تأمل ، بل المراد : الشركة بين المفلس والغرماء وعدمها ، وإن صعب فهمه من العبارة ، باعتبار عدم ذكر المفلس هنا.
ثم في كلام المصنف مناقشة ، فإنه قد اختار الرجوع بالحصة وجعل النقض احتمالا ، فكيف يكون عنده في الشركة وعدمها إشكال؟ مع أن الاشكال يقتضي تكافؤ الطرفين عنده ، والأصح الرجوع بالحصة والاشتراك في النماء.
قوله : ( ولو تلف المال بعد النقض ، ففي احتسابه على الغرماء إشكال ).
هذا تفريع على احتمال النقض ، أي : لو تلف المال في يد الغرماء بغير تفريط وظهر غريم بناء على النقض ، ففي احتسابه عليهم بحيث يجب عليهم الغرم إشكال ، ينشأ : من عدم التفريط وأصالة البراءة ، ومن أنهم قبضوه للاستيفاء ، والقبض يضمن بفاسده كما يضمن بصحيحه ، مع تأيده بظاهر قوله عليهالسلام : « على اليد ما أخذت » (٢) وهو الأصح.
__________________
(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٧٠.
(٢) عوالي اللآلي ٣ : ٢٥١ حديث ٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، مسند أحمد ٥ : ٨ ، ١٢ ، ١٣.
ولو خرج المبيع مستحقا رجع على كل واحد بجزء من الثمن إن كان قد تلف ، ويحتمل الضرب ، لأنه دين لزم المفلس ، والأقرب التقديم ، لأنه من مصالح الحجر لئلا يرغب الناس عن الشراء.
______________________________________________________
واعلم أن في كلام المصنف مناقشتين :
إحداهما : أنه قد سلف في الرهن الجزم بالضمان بفاسد القبض للاستيفاء ، وكذا في نظائره ، فلا وجه للإشكال ها هنا.
الثانية : تقييده التلف بكونه ( بعد النقض ) لا محصّل له ، لأنه إن أراد بـ ( النقض ) تصريح الحاكم بقوله : نقضت القسمة ، فلا أثر لهذا القول ، والقسمة منقوضة مع هذا القول وعدمه ، وإن أراد أخذ المال منهم ثم أعادته إليهم على طريق الاستئمان ، فلا ضمان هنا قطعا ، أو يريد بـ ( النقض ) علمهم بوجود الغريم المقتضي له ، فلا يخرج بذلك عن حكم القبض للاستيفاء ، لأنه لم يدخل في أيديهم إلاّ على هذا الوجه.
قوله : ( ولو خرج المبيع مستحقا ، رجع على كل واحد بجزء من الثمن إن كان قد تلف ، ويحتمل الضرب ، لأنه دين لزم المفلس ، والأقرب التقديم ، لأنه من مصالح الحجر ، لئلا يرغب الناس عن الشراء ).
أي : لو خرج المبيع من مال المفلس ظاهرا مستحقا ، فأخذه مالكه ، رجع المشتري على كلّ واحد من الغرماء بجزء من الثمن ، يقتضيه الحساب بعد ضميمة الثمن إلى الديون إذا تلف الثمن ، فيقدم به على الغرماء.
ويحتمل الضرب به مع الغرماء ، لأنه دين لزم المفلس ، فهو من جملة الديون ، إذ المتلفات بعد الحجر يضرب مستحقها مع الغرماء.
والأقرب عند المصنف هو الاحتمال الأول ، أعني : التقديم بالثمن على الغرماء ، لما ذكره من أن ذلك من مصالح الحجر ، فإنه لو لا ذلك لكان الناس ـ لتجويزهم ظهور الاستحقاق ، وحصول التلف للثمن ـ يرغبون عن الشراء ، خوفا من فوات بعضه باستحقاق الضرب ، فتقل الرغبات في شراء أموال المفلسين ،
ولو بذل زيادة بعد الشراء استحب الفسخ ، فإن بقي من الدين شيء لم يستكسب.
______________________________________________________
فتنقص القيمة ، فيحصل الضرر للمفلس ، فينحصر الضمان فيه فيقدم به ، أو يضرب والغرماء ، بخلاف ما إذا أمنوا باعتقاد الرجوع إلى جميع الثمن ، وما قربه المصنف جيد.
إذا تقرر هذا ، فلا بد من تحرير المسألة ، فإن التلف للثمن إما أن يكون قبل قبض الغرماء إياه ، أو بعده.
فان كان الأول ، فتلفه في يد الحاكم أو الأمين كتلفه في يد المفلس ، لأنها كيده ، فينحصر الضمان فيه ، فيقدم به ، أو يضرب مع الغرماء على الاحتمالين ، ولكن هذا إذا لم يكن الغصب معلوما عند القابض ، وإلاّ استقر الضمان عليه ، لأنه غاصب.
وإن كان الثاني ، فإن تلفه في يد الغرماء مضمون ، لقبضهم إياه للاستيفاء ، فيتخير المشتري في الرجوع عليهم جميعا كلّ بقدر ما تلف في يده ، والرجوع على المفلس ، فيقدم به أو يضرب مع الغرماء.
فان رجع على الغرماء لم يرجعوا على المفلس ، سواء كانوا عالمين أو جاهلين ، لأن قبضهم كان مضمونا ، نعم له الرجوع بدينهم ، لأن القبض لم يحصل به إيفاء الدين ، لأن ذلك مال الغير.
وإن رجع على المفلس ، رجع هو على الغرماء ، لما قلناه.
قوله : ( ولو بذلت زيادة بعد الشراء استحب الفسخ ).
أي : استحب للحاكم أن يفسخ العقد اللازم إذا رضي المشتري ، ويستحب للمشتري الرضى ، أما لو كان هناك ما يقتضي الفسخ كخيار ، فلا إشكال في وجوب الفسخ.
قوله : ( فإن بقي من الدين شيء لم يستكسب ).
وهل تباع أم ولده من غير رهن؟ نظر ، فإن منعناه ففي مؤاجرتها ومؤاجرة الضيعة الموقوفة نظر ، ينشأ : من كون المنافع أموالا كالأعيان ، ومن كونها لا تعد مالا ظاهرا ، والأول أقوى.
______________________________________________________
لظاهر قوله تعالى ( فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١) وللرواية عن علي عليهالسلام (٢) ، فلا يجبر على أخذ الزكاة والصدقة ، ولا المرأة على التزويج لتأخذ المهر.
قوله : ( وهل تباع أم ولده من غير رهن؟ نظر ، فان منعناه ، ففي مؤاجرتها ومؤاجرة الضيعة الموقوفة نظر ، ينشأ : من كون المنافع أموالا كالأعيان ، ومن كونها لا تعدّ مالا ظاهرا ، والأول أقوى ).
أما منشأ النظر الأول : فمن تعارض عمومي بيع أمواله ـ فإن أم الولد مال ـ ومنع بيع أمهات الأولاد إلا فيما استثناه النصّ ، ولا نصّ هنا.
وهذا النظر ينافي ما سبق من جزم المصنف بجواز وطء المفلس أم ولده ، وتردده في وطء غيرها من الإماء ، فإنه على هذا التردد يجب التردد هناك أيضا ، إذ هي على أحد الاحتمالين من متعلقات الحجر.
ومنشأ النظر الثاني : من التردد في أن المنافع تعدّ أموالا أم لا؟ وإن كان ما ذكره المصنف كالمتدافع. وقوله : ( لا تعدّ مالا ظاهرا ) يريد به : أنها لا تعدّ في الظاهر بين الناس مالا ، أولا تعدّ من الأموال الظاهرة ، بل هي من الأموال الخفية.
وبالجملة فالعبارة لا تخلو من تعقيد ، والأولى توجيه النظر بما قلناه ، وما قوّاه من وجوب المؤاجرة قوي.
فإن قيل : لو كانت المنافع أموالا ، لوجب باعتبارها الحج.
قلنا : يحتمل ذلك ، ولو قلنا بالعدم أمكن التفصّي من اللزوم ، بأن الحج
__________________
(١) البقرة : ٢٨٠.
(٢) الفقيه ٣ : ١٩ حديث ٤٣ ، التهذيب ٦ : ١٩٦ حديث ٤٣٣ ، الاستبصار ٣ : ٤٧ حديث ١٥٦.
وإذا لم يبق له مال ، واعترف به الغرماء فك حجره ، ولا يحتاج إلى إذن الحاكم ، وكذا لو اتفقوا على رفع حجره.
______________________________________________________
إنما يجب بالمال الحاضر ، والمنفعة تتجدد شيئا فشيئا ، ولا يوثق ببقائها ، بحيث يستوفى الجميع ، فيستقر ملك الأجرة ، فلا يوجب عليه الإقدام على ارتكاب هذا الأمر الخطير.
نعم لو أجر الأعيان بمقدار المئونة ، وجب حينئذ ، لكونه مالكا.
قوله : ( وإذا لم يبق له مال واعترف به الغرماء فك حجره ، ولا يحتاج إلى إذن الحاكم ).
المراد : إذا لم يبق له مال بعد القسمة للمال الموجود ، وإنما فكّ حجره حينئذ لأن الحجر لحفظ المال على الغرماء ، وقد حصل الغرض ، فيزول الحجر ، خلافا للشافعي في أحد قوليه (١).
لكن يشكل على هذا الحجر على من لا مال له ، فلو رفع عنه الحجر لانتفاء المال ، وجب أن لا يصحّ الحجر على من لا مال له ، إلاّ أن يقال : الحجر في هذا القسم لا يرتفع إلاّ بفك الحاكم عندما يقتضيه نظره واجتهاده.
قوله : ( وكذا لو اتفقوا على رفع حجره ).
هذا أحد الوجهين ، وقد قوّاه المصنف في التذكرة ، لأن الحجر لهم ، وهو حقهم ، وهم في أموالهم كالمرتهن في المرهون (٢). ويحتمل التوقف على مراجعة الحاكم ، لأن الحجر على المفلس لا يقتصر على الغريم الملتمس ، بل يثبت على العموم ، ومن الجائز أن يكون له غريم آخر.
قال في التذكرة : والوجهان مفرعان على أن بيع المفلس من الأجنبي لا يصحّ ، فان صحّ فهذا أولى (٣) ، والذي يقتضيه النظر عدم التوقف ، لأن الأصل
__________________
(١) فتح العزيز مع المجموع ١٠ : ٢٢٥.
(٢) التذكرة ٢ : ٥٨.
(٣) المصدر السابق.
ولو باع من غير الغرماء بإذن فالأقرب الصحة ، ولو باع من الغريم بالدين ولا دين سواه صح على الأقوى ، لأن سقوط الدين يسقط الحجر.
______________________________________________________
عدم غريم آخر.
ولو بقي الحجر لأجله ، لزم استمراره بعد القسمة ما بقي الاحتمال ، وهو ضرر منفي ، على أنه لو بقي الحجر لأجله لم يكن للحاكم رفعه ، كما أنه ليس له رفع الحجر قبل القسمة من دون رضى الغرماء.
قوله : ( ولو باع من غير الغرماء بإذن فالأقرب الصحة ).
وجه القرب يعلم مما سبق ، فان الحجر لحقهم ، والأصل عدم غريم آخر.
ولقائل أن يقول : الحجر وإن كان لحقهم ظاهرا ، إلاّ أنه من الممكن كونه لحقهم وحق غيرهم ، بأن يكون للمفلس في الواقع غريم آخر ، فبعد ظهوره يتبين عدم نفوذ البيع ، فيكون عند إيقاعه غير معلوم الصحة ، وهو الاحتمال الآخر.
ويمكن أن يقال : عموم الحجر بالنسبة إلى غير الملتمس من الغرماء يقتضي المشاركة في الضرب ، أما توقف صحة البيع على إذنه مع كونه غير معلوم فباطل ، لامتناع الخطاب حينئذ ، ولا دليل يدلّ على تعلقه بعد الظهور ، ولامتناع إبطال تصرف ثبتت صحته ، وكذا توقف صحة العقد على إذن الحاكم لا دليل عليه ، مع كونه إنما حجر عليه لحقوق الغرماء ، والقول بالصحة قريب ، وإن كان التوقف على إذن الحاكم أولى.
قوله : ( ولو باع من الغريم بالدين ولا دين سواه صحّ على الأقوى ، لأن سقوط الدين يسقط الحجر ).
هذا فرع زوال الحجر بزوال الدين من غير توقف على حكم الحاكم ، ووجه القوة : أن صحة البيع موجبة لسقوط الدين ، فيسقط الحجر ، كذا علل المصنف.
وفيه نظر ، فإن ذلك مسلم ، ولا يلزم من كونه كذلك صحة البيع ، لأنها
______________________________________________________
فرع زوال الدين ، والدين لا يزول إلاّ إذا صحّ البيع ، فتكون صحة البيع موقوفة على زوال الدين المقتضي لزوال الحجر ، وزوال الدين موقوف على صحة البيع ، وذلك دور.
وإمكان اقتران صحة البيع وارتفاع الحجر لا يقتضي الصحة ، لوجوب تقدّم الشرط ، فان رفع الحجر شرط لصحة البيع.
ويمكن أن يقال : صحة البيع موقوفة على رضى الغريم به ، وشراؤه من المفلس يستلزم رضاه ، لوجوب حمل الشراء على المعتبر شرعا ، وهذا إذا اتحد الغريم ، أو كان المشترى الجميع ، ويحتمل العدم ، لا مكان غريم آخر.
وجوابه : أن صحة التصرف غير موقوفة على إذن غريم غير ظاهر وقت التصرف ، فعلى هذا لو ظهر غريم أخذ من المشتري حصة يقتضيها الحساب ، ويحتمل بطلان البيع في مقدار تلك الحصة.
هذا إن لم نقل بالنقض ، ولو قلنا به أمكن الحكم ببطلان البيع من رأس ، لأن الدين لا يجوز جعله حينئذ ثمنا ، إذ لا يستحق استيفاؤه والحالة هذه ، فلا يجوز أن يقابل به مال.
واعلم : أنه لو كان شراء الغريم بغير الدين ، فعلى ما سبق اختياره من صحة بيع الأجنبي ، يجب الحكم بالصحة في الجميع وإن ظهر غريم.
إذا تقرر هذا ، فما قوّاه المصنف لا يخلو من نظر ، إذ لو ظهر غريم والحالة هذه ، لتطرق احتمال بطلان البيع في مقدار الحصة وإن أذن الحاكم ، لتبين عدم صحة مقابلتها بمال.
واعلم : أن عبارة الشارح هنا مختلفة ، فإنه قال : سقوط الدين معلول صحة البيع ، وهو مشروط بصحة البيع فيدور (١) ، وهذا مختل ، لأن كونه معلولا لصحة البيع هو عبارة عن كونه مشروطا به ، وهذا لا يقتضي الدور.
__________________
(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٧١.
والمجني عليه أولى بعبده من الغريم ، فإن طلب فكه فللغريم منعه.
ولو تلف من المال المودع قبل القسمة فهو من مال المفلس ، سواء كان التالف الثمن أو العين.
المطلب الرابع : في الاختصاص :
من وجد من الغرماء عين ماله كان أحق بها من غيره وإن لم يكن سواها ،
______________________________________________________
قوله : ( والمجني عليه أولى بعبده من الغريم ، فان طلب فكّه فللغريم منعه ).
إنما كان المجني عليه أولى من الغريم ، لأن حقّه متعلق بعين الجاني ولا يستحق سواه ، فلذلك كان للغريم منعه لو طلب فكّه.
واعلم : أن في إضافة العبد إلى ضمير المجني عليه توسّعا ، بسبب علاقة جنايته عليه ، فان الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة.
قوله : ( ولو تلف من المال المودع قبل القسمة فهو من مال المفلس ، سواء كان التالف الثمن أو العين ).
أما إذا كان التالف العين فظاهر ، إذ هو مال المفلس تلف في يد أمينه المنصوب عنه شرعا ، وأما إذا كان التالف الثمن ، فلأنه قد دخل في ملكه بالبيع عنه ، ولم يملك الغرماء ، لأنهم إنما يملكون بالدفع إليهم بعد القسمة ، وقد تلف في يد أمينه ، لكن لا بدّ من التقييد بكون التلف بغير تفريط.
قوله : ( ومن وجد من الغرماء عين ماله كان أحق بها من غيره وإن لم يكن سواها ).
مستند ذلك النص والإجماع ، ولا فرق بين أن يكون للمفلس مال سوى العين أم لا ، تمسكا بعموم النص (١).
__________________
(١) التهذيب ٦ : ١٩٣ حديث ٤٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٨ حديث ١٩.