جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣

أما المستعير المفرط أو المشروط عليه الضمان ، أو القابض بالسوم ، أو الشراء الفاسد فالأقرب زوال الضمان عنهم بالارتهان ، لأن ضمانهم أخف من ضمان الغاصب.

ولا يجبر الراهن على الإقباض ، فلو رهن ولم يسلّم لم يجبر عليه. نعم لو كان شرطا في بيع فللبائع الخيار ،

______________________________________________________

قوله : ( أما المستعير المفرط ، أو المشروط عليه الضمان ، أو القابض بالسوم أو الشراء الفاسد فالأقرب زوال الضمان عنهم بالارتهان ؛ لأن ضمانهم أخف من ضمان الغاصب ).

وقد سبق أن ضمان الغاصب يزول بالارتهان ، فهذا أولى. وإنما كان ضمانهم أخف ، لأن لوازمه أقل ، فإن الغاصب آثم ، ولا إثم في غير المفرط ، وإثمه أخف.

والمشهور تضمين الغاصب أعلى القيم لو تلفت العين ، مؤاخذة له بأشق الأحوال ، بخلافهم ، ولا يضمنون المنافع ، وهو ضامن لها ، وحيث عرفت منع الحكم في الأصل انتفى ثبوته عن الفرع.

قوله : ( ولا يجبر الراهن على الإقباض ).

هذا جزم بعد التردد ، لأن الإشكال السابق في أن له المطالبة بالقبض ، يقتضي التوقف في عدم الإجبار ، فإنه متى استحق المطالبة به ، اتجه أن يجبر الراهن عليه ، لأنه حينئذ حق واجب عليه.

قوله : ( فلو رهن ، ولم يسلم لم يجبر عليه ).

سواء قلنا : الإقباض شرط لصحة الرهن ، أم لا. وفي العبارة مناقشة ، لأنه لا فرق بين هذا وبين ما فرع عليه ، وإنما هو عينه فلا يستقيم التفريع.

قوله : ( نعم لو كان شرطا في بيع فللبائع الخيار ).

لأن التراضي بالعقد إنما وقع على هذا الشرط ، وهل له المطالبة به حينئذ فيجبر عليه أم لا؟ عبارته تحتمل كلا من الأمرين ، وما ذكره سابقا في شرط‌

١٠١

وكيفيته كما تقدم.

______________________________________________________

العتق ، من أنه لا يجبر عليه ، يؤذن بأن الحكم هنا كذلك لأنهما من قبيل واحد ، وقد صرح شيخنا الشهيد بذلك (١).

والأصح أن له الإجبار حينئذ ، لأن مقتضى العقد اللازم وجوب الوفاء به ، ولأن الإخلال بالشرط يقتضي المعصية ، لقوله عليه‌السلام : « إلا من عصى الله » ، وما كان الإخلال به معصية ففعله واجب ، والحق الواجب للادمي يجبر عليه. نعم ينبغي أن يكون له الخيار بمجرد الامتناع ، للاتفاق على ثبوت الخيار بالامتناع ، وفقد الدليل الدال على اعتبار تعذر الإجبار.

قوله : ( وكيفيته كما تقدم ).

أي : وكيفية القبض هنا كما تقدم في البيع ، من اعتبار الأخذ باليد لما يؤخذ باليد ، والنقل فيما ينقل ، والتخلية فيما لا ينقل ، لأن المراد : الاكتفاء فيه بالتخلية مطلقا على قول ، فيكون الخلاف هناك آتيا هنا ، لما حكي عن القاضي من عدم الاكتفاء بالتخلية هنا (٢) ، وإن قلنا بالاكتفاء بها في البيع.

والفرق على ما ذكروه : أن البيع يوجب استحقاق القبض ، فتكفي فيه التخلية ، بخلاف الرهن ، فان القبض سبب في استحقاق الأمر المترتب عليه ، وفي هذا الفرق نظر ، لعدم ظهور الملازمة.

ويمكن أن يفرّق بوجه آخر ، وهو : أن القبض لما كان جزء السبب هنا ـ على القول باعتباره ـ وجب فيه الأخذ والنقل ، لانتفاء المسمى بدونه. وفي البيع : لما كان المقصود به زوال الضمان عن البائع ، وانقطاع سلطته حبسه إياه اكتفى بما تزول معه السلطنة ، وهو رفع اليد والتخلية. وان كان لا يتم هذا ، لأن انقطاع سلطنة البائع ، والدخول في ضمان المشتري يحتاج الى تحقق مسمى القبض.

__________________

(١) الدروس : ٣٩٦.

(٢) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ١٥١ : قد حكى الشهيد في حواشيه عن القاضي.

١٠٢

وإنما يصح القبض من كامل التصرف ، وتجري فيه النيابة كالعقد ، لكن لا يجوز للمرتهن استنابة الراهن. وهل له استنابة عبد الراهن ومستولدته؟ إشكال ينشأ : من أن أيديهم يده ، ويستنيب مكاتبه.

______________________________________________________

قوله : ( وإنما يصح من كامل التصرف ).

لأن فعل غيره لا يعتد به شرعا ، فلا يكون مكملا للسبب الشرعي.

قوله : ( وتجزئ فيه النيابة ).

الأولى قراءته بالراء المهملة ، إذ الإجزاء في مثل هذا الموضع إنما يستعمل بطريق المجاز ، لأن متعلقة العبادات.

قوله : ( لكن لا يجوز للمرتهن استنابة الراهن ).

لأن القبض المعتبر على القول به ، وهو ما به يتحقق معنى الاستيثاق ، وذلك قبض المرتهن ، ووكيله دون الراهن ، إذ لا يظهر بقبضه معنى الاستيثاق.

ويضعّف : بان القبض إن أريد به الدوام ، فهو غير معتبر أصلا ، أو مسماه ، وهذا مع أنه لا يحصل به كمال معنى الاستيثاق ، يصدق في قبض الراهن عن المرتهن ، لأنه بالوكالة عنه تصير يده يده ، فيكون مقبضا لكونه راهنا ، وقابضا لكونه وكيل المرتهن. والأصح جواز استنابته فيه ، واختاره في التحرير (١).

قوله : ( وهل له استنابة عبد الراهن ، ومستولدته؟ إشكال ، ينشأ : من أن يدهم يده ).

ومن مغايرتهما للراهن ، والأصح الاكتفاء باستنابتهما. وكأنه حاول إدراج القن والقنة والمدبر بقوله : ( عبد الراهن ) ، حتى تكون عبارته شاملة لأقسام المملوك.

قوله : ( ويستنيب مكاتبه ).

سواء كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة ، لانقطاع سلطنة المولى عنه.

__________________

(١) تحرير الأحكام : ٢٠٢.

١٠٣

وكل تصرف يزيل الملك قبل القبض فهو رجوع كالبيع ، والعتق ، والإصداق ، والرهن من آخر مع القبض ، والكتابة ، ويلحق به الإحبال ، وإن لم يزول فلا كالوطء من دون الإحبال أو التزويج ، والإجارة ، والتدبير.

ولو انقلب خمرا قبل القبض فالأقرب الخروج ، ولو عاد افتقر الى‌

______________________________________________________

قوله : ( وكل تصرف يزيل الملك قبل القبض فهو رجوع كالبيع ، والعتق ، والإصداق ، والرهن من آخر مع القبض ).

إذ لا حكم له بدونه لكونه شرطا. وفي عد هذا من التصرفات المزيلة للملك مناقشة ظاهرة ، لكن لما كان الرهن إذا تم أفاد منع الراهن من التصرف ، أشبه المزيل للملك في منع التصرف بالإقباض عن الراهن السابق ، فيبطل العقد السابق.

ولا تحسن قراءته بالرفع ، على أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره : والرهن كذلك ، لأنه يصير أجنبيا بين قوله : ( وكل تصرف يزيل الملك ... ) ، وبين معادله وهو قوله : ( وإن لم يزل فلا ).

قوله : ( والكتابة ، ويلحق به الإحبال ).

لأن كلا منهما يمنع المولى من التصرف ، وما أحسن قوله : ( ويلحق به الإحبال ) ، فإنه لا يزيل الملك ، وإنما يمنع التصرف المخرج عن الملك.

قوله : ( ولو انقلب خمرا قبل القبض فالأقرب الخروج ).

أي : لو انقلب الرهن خمرا ، وقد كان خلا أو عصيرا قبل القبض ، بناء على اشتراطه ، والمعين للمحذوفات السياق.

وفي قوله : ( فالأقرب الخروج ) مناقشة ، لأن المتبادر الخروج عن كونه رهنا.

ويرد عليه : أنه لم يصر رهنا بعد ، فكيف يتصور خروجه عن ذلك وعدمه ، والمطلوب إنما هو بطلان عقد الرهن ، الواقع قبل الانقلاب من دون القبض ، بحيث إذا عاد خلا يحتاج في كونه رهنا الى استئناف عقد آخر.

١٠٤

تجديد عقد ، بخلاف ما لو انقلب خمرا بعد القبض فإنه يخرج عن الرهن ثم يعود اليه عند العود خلا.

______________________________________________________

ووجه القرب : أن ما بقي ـ وهو القبض ـ جزء من أجزاء السبب ، فيشترط فيه شروط ابتداء السبب ، فكما لا يصح ابتداؤه على الخمر ، لا يصح القبض وهو خمر. وفيه نظر ، لأنه لا يلزم من ذلك البطلان بالانقلاب ، وإنما اللازم عدم جواز القبض في حال كونه خمرا ، وهو خلاف المتنازع ، ولأن الانقلاب خمرا موجب للخروج عن الملك.

ومتى تخلل بين أجزاء السبب مبطل للملك بطل ، لخروج الجزء الحاصل عن الصلاحية بذلك. وفيه أيضا نظر ، لتطرق المنع اليه ، ولم لا يجوز أن يبقى العقد الواقع قبل الخمرية على الصلاحية ، الى أن ينضم القبض اليه بعدها؟ وما قربه المصنف هو مذهب معظم القائلين باشتراط القبض في الرهن ، بل لا نجد الآن من يقول بعدم البطلان ممن اشترط القبض في الرهن.

والمصنف في التحرير أسند البطلان ، وعدم العود بزوال الخمرية إلى القائلين باشتراط القبض (١) ، وصرح في الدروس بعدم العود (٢) ، وحكى ذلك ولد المصنف في الشرح عن الشيخ ، وأبي الصلاح (٣). وهذا الفرع ساقط عندنا ، إذ لا نشترط القبض.

واعلم أن قوله : ( ولو عاد افتقر الى تجديد عقد ) بيان لحكم المسألة ، الذي هو المراد من قوله : ( فالأقرب الخروج ) ، إذ الخروج عن الرهانة في حال الخمرية لا شبهة فيه ، إنما المطلوب أنه هل يعود بعوده خلا أو عصيرا ، أم لا؟

قوله : ( أما لو انقلب خمرا بعد القبض ، فإنه يخرج عن الرهن ، ثم يعود اليه عند العود خلا ).

أما الحكم الأول ، فلأن الخمر ليس مالا ، فيمتنع كونه رهنا ووثيقة ،

__________________

(١) تحرير الأحكام : ٢٠٣.

(٢) الدروس : ٣٩٦.

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ٢٩ ، والشيخ في المبسوط ٢ : ٢١٣ ـ ٢١٤ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ٣٣٦.

١٠٥

ولا يجوز إقباضه وهو خمر ، ولا يحرم الإمساك ، ولا العلاج ، ولا النقل الى الشمس.

ولو رهن الغائب لم يصر رهنا حتى يقبضه هو أو وكيله ، ويحكم على الراهن لو أقر بالإقباض ما لم يعلم كذبه ، فإن ادعى المواطاة فله الإحلاف.

______________________________________________________

فيخرج لا محالة.

وأما الحكم الثاني ، فلأن الملك وإن زال إلاّ أن توابعه باقية ، وهي الأولوية ، ولهذا لا يجوز غصبه ، ولا إراقته بدون رضى من هي بيده. فكما أن الأولوية باعتبار الملك باقية ، وإن خرجت عن الملك فيعود اليه بالعود ، فكذا الأولوية باعتبار التوثق باقية ، لثبات الرهن واستكماله وأصالة عدم الزوال أصلا ، فيعود بالعود.

قوله : ( ولا يجوز إقباضه وهو خمر ).

لما بيّنا من أن جزء السبب يعتبر فيه ما يعتبر في ابتدائه.

قوله : ( ولو رهن الغائب لم يصر رهنا حتى يقبضه هو أو وكيله ).

هذا الحكم مبني على اشتراط القبض في الرهن ، وحينئذ فلا بد في حصول الرهن من عود الغائب إلى موضع الرهن ، ليتصور قبضه إياه عادة ، أو توكيله في القبض لمن كان قريبا ، بحيث يتمكن منه ، سواء في ذلك ما ينقل وغيره ، نص على ذلك الأصحاب (١) وغيرهم (٢) (٣).

قال المصنف في التذكرة : يقبل إقرار الراهن بالقبض ويلزمه حكمه بشرط‌

__________________

(١) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٧٥ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٨٩.

(٢) منهم : الشافعي وأبو حنيفة كما في المغني لابن قدامة ٤ : ٣٩٩ مسألة ٣٢٧٥.

(٣) ( فرع : لو كان المرهون في بلاد بعيدة عن موضع المتعاقدين ، فهل يكفي في الإقباض هنا مجرد لفظ التخلية ، أم لا بد من القرب الذي يتمكن معه من التصرف؟ صريح كلام التذكرة عدم تصور القبض مع البعد ، فإنه قال : يقبل إقرار الراهن بالقبض ويلزمه حكمه بشرط الإمكان ).

هكذا ورد في النسخة الحجرية على أنه نسخة بدل.

١٠٦

ولا يجوز تسليم المشاع إلا بإذن الشريك ، فلو سلّم بدونه ففي الاكتفاء به في الانعقاد نظر ، أقربه ذلك ، للقبض وإن تعدى في غير الرهن.

ولو رضي الراهن والمرتهن بكونها في يد الشريك‌ جاز ،

______________________________________________________

الإمكان ، ولا يقبل لو ادعى المحال ، كما لو قال : رهنته داري اليوم بالحجاز ، وهما بالعراق ، واقبضتها إياه ، لم يلتفت اليه (١).

وقال شيخنا في الدروس : لو أقر الراهن بالقبض حكم عليه به ، إلا أن يعلم عدمه ، مثل أن يقول بمكة : رهنته اليوم داري بمصر وأقبضته ، لأن خرق العادة يلحق بالمحال (٢) ، ونحو ذلك مذكور في كلام غيرهما. ووجهه : أن قبض الشي‌ء الذي لا ينقل يكون بالتسلط عليه بحيث يدخل تحت اليد ، ومع البعد عادة يمتنع ذلك فيشترط لصحته شرعا القرب عادة ، ولو قلنا بعدم اشتراط القبض في الرهن سقط ذلك.

قوله : ( ولا يجوز تسليم المشاع ، إلا بإذن الشريك ، فلو سلم بدونه ، ففي الاكتفاء به في الانعقاد نظر ، أقربه ذلك ، للقبض وإن تعدى في غير الرهن ).

منشأ النظر : أن ذلك قبض منهي عنه شرعا ، فلا يكون معتبرا ، ومن أن النهي إنما هو لحق الشريك فقط ، للإذن في قبض حق الراهن.

وربما بني الحكم في ذلك ، على أن النهي في غير العبادة هل يدل على الفساد أم لا؟ ووجه البناء أنه إن لم يدل كان القبض صحيحا ، فيقع عليه اسمه حقيقة ، والأصح الاكتفاء به.

والمراد بقول المصنف : ( للقبض ) ، حصول القبض المعتبر شرعا.

قوله : ( ولو رضي الراهن والمرتهن بكونها في يد الشريك جاز ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٣.

(٢) الدروس : ٣٩٧.

١٠٧

وناب عنه في القبض.

ولو تنازع الشريك والمرتهن نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما ، فيكون قبضا عن المرتهن.

ولو تنازع الشريك والمرتهن في إمساكه انتزعه الحاكم ، وآجره إن كان له اجرة ثم قسمها ،

______________________________________________________

الضمير في ( بكونها ) يعود الى المشاع بتأويل العين ، ومثله جائز وواقع.

قوله : ( وناب عنه في القبض ).

أي : وناب الشريك في هذه الحالة عن المرتهن في القبض ، لكن لا بد من اذن الراهن. وهل يكفي إذنه للشريك في القبض ، وللمرتهن فيه أيضا من دون أن يأذن للمرتهن في توكيل الشريك فيه ، أم لا بد من ذلك؟ فيه احتمال ، وفي الاكتفاء قوة ، لاستلزام الإذن لكل منهما في القبض الاذن للمرتهن في توكيل الشريك ، نعم لو شرط عليه القبض بنفسه لم يكف.

قوله : ( ولو تنازع الشريك والمرتهن نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما ، فيكون قبضا عن المرتهن ).

بل مقتضى السياق أن التنازع هاهنا في القبض ، بأن أراد المرتهن القبض ، ونازع في ذلك فنازعه الشريك ، وبهذا يفرّق بينهما وبين المسألة التي تليها ، وإن كان إطلاق العبارة وإخلاؤها عن قيد صالحا للتقييد بما يشتمل القبض والإمساك.

ولا ريب في طول العبارة بغير فائدة ، وإنما كان قبض العدل قبضا عن المرتهن ، لأنه نائب عنه بنصب الحاكم. ولا بد من تقييد المسألة بكون الراهن قد اذن للمرتهن في القبض ، وإلا لم يعتد بمنازعته.

قوله : ( ولو تنازع الشريك والمرتهن في إمساكه انتزعه الحاكم ، وآجره إن كان له اجرة ، ثم قسمها ).

التنازع هنا في الإمساك بعد القبض ، وهو استدامة اليد ، وكأنه إنما أفرد‌

١٠٨

وإلا استأمن من شاء.

ولو حجر عليه لفلس لم يكن له الإقباض ، لاشتماله على تخصيص بعض الغرماء.

ولو كانا ساكنين في الرهن فخلى بينه وبينها صح القبض مع خروج الراهن.

ولو اختلفا في القبض قدّم قول من هو في يده.

______________________________________________________

هذا بخصوصه ، لبعد تصور ثبوت الأجرة لزمان القبض لقصره ، بخلاف زمان الإمساك ، ولا محصل لذلك ، لأن اشتراط ثبوت الأجرة عنه يدفع ذلك.

فلو قال : ولو تنازع الشريك والمرتهن ، وآجره إن كان له اجرة ، وإلا نصب عدلا ليكون في يده لهما ، لكان أخصر وتأدى به المراد.

قوله : ( وإلاّ استأمن من شاء ).

أي : وإن لم يكن له اجرة إلى أخره.

قوله : ( ولو حجر عليه لفلس لم يكن له الإقباض ).

أي : لو حجر على الراهن لفلس ، قبل اقباض المرتهن وبعد العقد لم يكن له الإقباض إلى أخره ، ولو اقبض لم يعتد به ، ولم يتم به الرهن ، لما فيه من تضييع حق الغرماء الباقين.

قوله : ( ولو كانا ساكنين في الرهن ، فخلى بينه وبينها صح القبض مع خروج الراهن ).

فلو لم يخرج لم يصح ، لثبوت يده على الرهن حينئذ ، وهو مناف للتخلية. والضمير في ( بينها ) يعود الى الرهن ، بتأويل الدار.

قوله : ( ولو اختلفا في القبض قدّم قول من هو في يده ).

سواء كان في يد الراهن أم المرتهن. ويحتمل تقييد التقديم في العبارة بما إذا كان في يد المرتهن فاسد ، ويرشد اليه قوله بعد : ( احتمل ذلك ) إذ لا مقتضي للتخصيص هاهنا عملا بالأصل لو كان في يد الراهن ، وبظاهر حال‌

١٠٩

ولو اختلفا في الاذن احتمل ذلك ، وتصديق الراهن مع اليمين.

ولو تلف بعض الرهن قبل القبض ، وكان الرهن شرطا في البيع تخيّر البائع بين الفسخ والقبول للباقي ، وليس له المطالبة ببدل التالف ، ويكون الباقي رهنا بجميع الثمن ، ولا خيار لو تلف بعد القبض ، وكذا يتخيّر البائع لو تعيبت العين قبل القبض كانهدام الدار. وهذه الفروع‌

______________________________________________________

اليد ـ لو كان في يد المرتهن ـ ، من أنها يد شرعية واقعة بالاذن. وليس بشي‌ء ، إذ الأصل بعد تحقق كون العين ملكا للراهن ، كون اليد الطارئة يد عدوان ، إذ الأصل عدم اذن المالك قطعا.

هذا إن كان المراد تقديم قول من هو في يده ، حيث لا يعلم سبق الإذن. فإن قيدت المسألة ، بما إذا علم سبق الاذن فسد الكلام ، إذ لا معنى للتقديم ولا للنزاع بعد تحقق اليد وسبق الاذن ، ولأن المراد التقديم باليمين ، وهو غلط على هذا التقدير.

قوله : ( ولو اختلفا في الاذن احتمل ذلك ).

أي : تقديم قول من هو في يده ، ووجهه : أن الأصل في اليد كونها شرعية بالاذن. وليس بشي‌ء ، لأن ذلك في اليد التي لم يعلم ما ينافيها.

وأما إذا علم سبق استحقاق شخص آخر ، فالأصل عدم الإذن ، والأصل عدم كونها شرعية كما هو ظاهر.

قوله : ( وتصديق الراهن مع اليمين ).

أي : واحتمل تصديق الراهن الى آخره ، وهو الأصح ، لأن الأصل في طرفه.

قوله : ( وليس له المطالبة ببدل التالف ).

لأن الرهن لم يتم ، والاشتراط إنما تعلق بالعين ، وقد تعذر بعضها بتلفه.

قوله : ( ولا خيار لو تلف بعد القبض ).

الفرق : تحقق حصول الشرط في الثاني دون الأول ، بناء على أن القبض شرط لانعقاد الرهن.

١١٠

كلها ساقطة عندنا ، لعدم اشتراط القبض ، نعم لو شرطه وجب.

فروع :

أ : لو شرطا وضعه على يد غيرهما لزم ، ويشترط فيه كونه ممن يجوز توكيله ، وهو الجائز التصرف وإن كان كافرا أو فاسقا أو مكاتبا لكن بجعل ، لا صبيا ولا عبدا إلا بإذن مولاه.

ب : لو جعلاه على يد عدلين جاز ، وليس لأحدهما التفرد به ولا ببعضه.

ولو سلّمه أحد هما الى الآخر ضمن النصف.

______________________________________________________

قوله : ( نعم لو شرطه وجب ).

هذا ينافي ما ذكروه ، من أن الشرط في العقد اللازم لا يجب ، وإنما يسلط المشترط على الفسخ بالإخلال به.

لكن قد ذكرنا فيما سبق ، أن وجوبه من مقتضيات العقد ، الذي يجب الوفاء به ، فيثبت قوله : ( أو مكاتبا ، لكن بجعل ) ، لأنه محجور عليه في منافعه ، إذ لا يجوز له صرفها في غير الاكتساب.

ويجب في الجعل أن يكون بقدر اجرة المثل ، لمثل ما قلناه. ولو اذن له المولى زال الحجر ، لأن الحق دائر بينهما.

قوله : ( لو جعلاه على يد عدلين جاز ، وليس لأحدهما التفرد به ولا ببعضه ).

هذا إذا اشترطا عليهما الاجتماع ، أو أطلقا عملا بظاهر الحال من اختيار الاثنين ، لعدم الاكتفاء بحفظ الواحد ، فإن أذنا لهما في الانفراد فعلى حسب الاذن.

قوله : ( ولو سلّمه أحدهما إلى الآخر ضمن النصف ).

لأنهما بمنزلة أمين واحد ، ولأن الواجب عوض واحد ، وهما متساويان في ثبوت سبب الضمان ، لأن أحدهما متعد والآخر مفرط. وليس بشي‌ء ، لأن‌

١١١

ويحتمل أن يضمن كل منهما في الجميع ، ففي استقراره على أيهما كان اشكال.

______________________________________________________

تساويهما في ثبوت سبب الضمان لا يقتضي التقسيط. ونمنع كونهما بمنزلة أمين واحد ، بل كل واحد أمين مستقل على الجميع ، غاية ما في الباب ، أنه قد شرط عليه انضمام يد أحدهما إلى يد الآخر ، وحفظه الى حفظه.

قوله : ( ويحتمل أن يضمن كل منهما الجميع ).

وهو الأصح ، لأن كل واحد منهما أمين على الجميع ، وقد حصل منه سبب الضمان ، فيتخير المالك في تضمين من شاء منهما.

قوله : ( ففي استقراره على أيهما إشكال ).

أي : فعلى هذا الاحتمال ، وهو ضمان كل منهما الجميع على طريق البدل ، فعلى اى العدلين يستقر الضمان؟ فيه إشكال ينشأ : من أن المسلّم مضيع بتسليمه ، والمتسلم حافظ فقد عمل بمقتضى الاستئمان ، فيكون قرار الضمان على المسلّم.

ويضعّف بأنه لو تم لم يجز الرجوع عليه بشي‌ء أصلا ، وليس كذلك ، بل يده يد عدوان ، لأن الإذن لأحدهما في وضع اليد إنما هو مع يد الآخر.

ومن أن المسلّم مفرط ، والمتسلم عاد ، والعدوان أقوى ، لأن العادي مباشر للتلف ، والآخر سبب ومعد. وليس بشي‌ء ، لأن كلا من التفريط والتعدي سبب مستقل في الضمان ، ولكل منهما يد على العين ، فإذا تلفت كان التلف مضمونا على كل منهما.

ويحتمل وجها ثالثا ، وهو أن كل من ضمنه المالك قرار الضمان عليه فلا يرجع على أحد ، لما قلناه من اشتراكهما في حصول سبب الضمان. ويظهر من كلام الشارحين : أن وجهي الإشكال هو الأول والثالث (١) ، والعبارة تأباه ، كما يظهر مما قدمناه.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٠ ـ ٣١.

١١٢

ج : ليس لأحدهما ، ولا للحاكم نقله عن العدل الذي اتفقا عليه ما دام على العدالة ، ولم يحدث له عداوة.

ولو اتفقا على النقل جاز ، فإن تغيرت حاله أجيب طالب النقل ، فإن اتفقا على غيره ، وإلا وضعه الحاكم عند ثقة.

ولو اختلفا في التغير عمل الحاكم على ما يظهر بعد البحث.

ولو كان في يد المرتهن فتغيرت حاله في الثقة ، أو الحفظ نقله الحاكم إلى ثقة.

ولو مات العدل نقلاه الى من يتفقان عليه ، فإن اختلفا نقله الحاكم.

______________________________________________________

وهكذا بخط شيخنا الشهيد ، فإنه قال في بعض حواشيه : إن منشأ الاشكال من احتمال الوجهين الأولين ، قال : وذكر بعض ثالثا الى آخره.

واعلم أن لي في أصل هذا الاشكال نظرا ، لأن المعروف في المذهب في أبواب الغصب وغيرها : أنه إذا استوى شخصان في إثبات اليد عدوانا وفي العلم بذلك وانفرد أحدهما بوقوع التلف في يده ، أن قرار الضمان عليه.

قوله : ( ما دام على العدالة ، ولم يحدث له عداوة ).

أي : عداوة دنيوية على الظاهر ، إذ لا يؤمن أن يرتكب بعض الحيل المترتب عليها ضرر أحدهما ، ويكفي في العداوة عداوته لأحدهما.

وبمجرد حصول العداوة لا يخرج عن العدالة ، ما لم يفعل فعلا من مقتضيات العداوة يوجب الفسق. ومن هذا يعلم أنه من أول الأمر لا ينعقد الشرط مع العداوة ، ولا يسوغ للحاكم استئمان من كان عدوا لصاحب الأمانة.

قوله : ( ولو كان في يد المرتهن ، فتغيرت حاله في الثقة أو الحفظ نقله الحاكم إلى ثقة ).

لا يخفى أن الحاكم إنما ينقله مع اختلافهما ، أما مع تراضيهما فلا.

١١٣

ولو كان المرتهن اثنين ، فمات أحدهما ضم الحاكم الى الآخر عدلا للحفظ.

د : للعدل رده عليهما لا على أحدهما إلا باتفاق الآخر ، أو الى من يتفقان عليه ، ويجب عليهما قبوله.

ولو سلّمه الى الحاكم ، أو الى أمين مع وجودهما وقبولهما للقبض من غير اذن ضمن ، فإن اختفيا عنه سلّمه الى الحاكم.

ولو كانا غائبين ، أو أحدهما لم يجز له تسليمه الى الحاكم ولا غيره ، من غيره ضرورة فيضمن.

ومع الحاجة سلّمه الى الحاكم ، أو الى من يأذن له ، فإن سلّمه الى الثقة من غير إذن الحاكم ضمن.

ولو تعذر الحاكم ، وافتقر إلى الإيداع أودع من ثقة ولا ضمان.

ه : لو لم يمتنعا من القبض ، فدفعه الى عدل بغير إذنهما ضمن.

ولو اذن له الحاكم ضمن أيضا ، لانتفاء ولايته عن غير الممتنع ، ويضمن القابض أيضا.

______________________________________________________

قوله : ( وإن كان المرتهن اثنين ، فمات أحدهما ضم الحاكم عدلا للحفظ ).

لا يخفى أن هذا حيث لا يكون كل منهما مأذونا له في الانفراد.

قوله : ( ولو أذن له الحاكم ضمن أيضا ... ).

أي : ضمن الدافع ، لأن تسليمه حينئذ عدوان وإن اغتر باذن الحاكم ، لكن في هذه الحالة يرجع على الحاكم إن تعمد ، وإلا فهو من خطأ الحاكم.

قوله : ( ويضمن القابض أيضا ).

لأن يده عادية ، ولا أثر لعدم علمه بالحال ، لكنه مع الجهل يرجع على من غره.

١١٤

ولو امتنعا لم يضمن بالدفع الى العدل مع الحاجة وتعذر الحاكم ، فإن امتنع أحدهما فدفعه الى الآخر ضمن. والفرق : ان العدل يقبض لهما ، والآخر يقبض لنفسه.

و : لو أمر العدل بالبيع عند الحلول فله ذلك ، وللراهن فسخ الوكالة ، إلا أن يكون شرطا في عقد الرهن. وليس للمرتهن عزله ، لأن العدل وكيل الراهن لكن ليس له البيع إلا بإذنه.

______________________________________________________

قوله : ( والفرق : أن العدل يقبض لهما ، والآخر يقبض لنفسه ).

قيل عليه : لو قبض الآخر لنفسه وللآخر وجب أن يجوّز التسليم اليه.

قلنا : قبضه لنفسه أو لهما مرجعه الى قصده ، وهو أمر خفي وليس هو المراد ، وإنما المراد : أن العدل الأجنبي لما لم يكن له في العين حق فهو لا يقبض إلا لهما ، لعدم ظهور ما يقتضي خلاف ذلك. وأما أحدهما فإن شأنه أن يقبض لنفسه ، وهذا ظاهر حاله باعتبار أن له في العين حقا ، فلا يجوز تمكينه حينئذ منها ، نظرا الى هذا الظاهر.

قوله : ( السادس : لو أمر العدل بالبيع عند الحلول فله ذلك ).

صرح الأصحاب : بأنه لا بد لجواز البيع من اذن المرتهن ، لتعلق حقه بالعين من حيث كونها وثيقة ، فلا يسوغ التصرف بها على وجه يفضي الى إبطال التوثق ، ولأن البيع لحقه فيتوقف على اذنه (١).

قوله : ( وليس للمرتهن عزله ، لأن العدل وكيل الراهن ).

وذلك لأن المالك هو الراهن دون المرتهن ، وإن كان له حق التوثق ، فلا يكون له عزل الوكيل ، لأنه نائب عن المالك ، بل له منعه لحقه وتبقى وكالته بحالها.

وتظهر الفائدة لو وكله في البيع ـ ولم يقيد بكونه لأداء دين الرهن ـ ثم حصل الافتكاك فإن الوكالة تبقى.

__________________

(١) منهم : الشيخ في المبسوط ٢ : ٢١٧ ، والعلامة في التذكرة ٢ : ٣٤ ، والشهيد في الدروس : ٤٠٥.

١١٥

ولو لم يعزلاه لم يبع عند الحلول إلا بتجديد اذن المرتهن ، لأن البيع لحقه فلم يجز حتى يأذن فيه ، ولا يفتقر الى تجديد إذن الراهن.

ولو أتلف الرهن أجنبي فعليه القيمة ، تكون رهنا في يد العدل ، وله المطالبة بها. وهل له بيعها بالإذن في بيع الأصل؟ الأقرب المنع.

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم يعزلاه لم يبع عند الحلول ، إلا بتجديد اذن المرتهن ، لأن البيع لحقه ، فلم يجز حتى يأذن فيه ).

في اسناد نفي العزل إليهما توسع بيّن ، فان المرتهن ليس له عزله كما علم عن قريب ، وإنما المراد بعدم العزل بالإضافة إلى المرتهن ، عدم المنع من البيع.

ولا يخفى ضعف ما ذكره من التعليل ، فان كون البيع لحقه لا يستلزم وجوب تجديد الاذن ، استصحابا لما كان كما في الراهن ، والفرق غير ظاهر ، لكن الشيخ ذكر ذلك (١) وتبعه الجماعة (٢).

قوله : ( ولو أتلف الرهن أجنبي فعليه القيمة ، تكون رهنا في يد العدل ).

هذا الحكم في الرهن المشروط وضعه على يد عدل في العقد ، وإنما ثبت كونه في يد العدل ، لأن القيمة بدل من العين المرهونة ، وقائمة مقامها في الرهن.

قوله : ( وله المطالبة بها ).

لأنه أمين في حفظها ، وذلك حق له وسلطنة.

قوله : ( وهل له بيعها بالإذن في بيع الأصل؟ الأقرب المنع ).

وجه القرب : أن الوكالة بالبيع إنما كانت في العين ، وقد ذهبت ولم تتعلق بالقيمة ، ولا دل دليل على تعلقها بها. ويحتمل أن له ذلك ، لمثل ما قلناه في ثبوت الاستئمان في القيمة ، كما كان في الأصل.

والفرق : أن الاستئمان محض نفع ، إذ هو حفظ للعين وصيانة لها ، فلا‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٢١٧.

(٢) منهم : الشهيد في الدروس : ٤٠٥.

١١٦

ز : لو عيّنا له ثمنا لم يجز له التعدي ، فإن اختلفا لم يلتفت إليهما ، إذ للراهن حق ملكيّة الثمن ، وللمرتهن حق الوثيقة ، فيبيعه بأمر الحاكم بنقد البلد ، وافق الحق أو قول أحدهما أو لا ، فإن تعدد فبالأغلب ، فإن تساويا فبمساوي الحق ، وإن باينهما عيّن له الحاكم. ولو باعه نسيئة لم يصح إلا بإذن.

ح : كل موضع يحكم فيه ببطلان البيع يجب رد المبيع ، فإن تلف تخيّر المرتهن في الرجوع على من شاء من العدل والمشتري

______________________________________________________

يحتاج الى مزيد احتياط ، بخلاف البيع ، لأنه بمعرض حصول الضرر ، وحاله ليس كحال الحفظ ، فلا يكتفى في جوازه بالسبب الضعيف ، بل لا بد من رعاية الاحتياط بتجدد الاذن ، وهو الأصح.

قوله : ( لو عينا له ثمنا لم يجز له التعدي ).

هذا في جانب النقيصة ، أما الزيادة فسيأتي في الوكالة : أنه يجوز البيع بزيادة عما قال الموكل ، لكن هذا حيث لا يمنع من الزيادة.

قوله : ( فان تعدد فبالأغلب ).

أي : فان تعدد النقد ، كما لو صدر الأمر بالبيع بمائة درهم ، والدراهم متعددة ، وهذا صالح لما إذا عينا الثمن ، وما إذا اختلفا فعيّن الحاكم ، وإن كان قوله بعد : ( وإن باينهما عيّن له الحاكم ) يشعر بعوده الى ما إذا عين له الحاكم إذ مع التعدد وكون تعيين القدر منها يرجع إليهما في تعيين النقد.

والضمير المثنى في قوله : ( وإن باينهما ) يعود الى النقدين ، والأول يعود إلى الحق.

قوله : ( فان تلف تخيّر المرتهن في الرجوع على من شاء ، من العدل والمشتري ).

إن قيل : إن يد العدل يد أمانة ، فكيف يضمن؟

قلنا : دفعه بالبيع الفاسد غير مأذون فيه ، إذ لا يتناوله العقد الصحيح‌

١١٧

بالأقل من الدين والقيمة ، لأنه يقبض قيمة الرهن مستوفيا لحقه لا رهنا ، فإن فضل من القيمة عن الدين فللراهن الرجوع به على من شاء من العدل والمشتري.

ولو استوفى المرتهن من الراهن دينه رجع الراهن بالقيمة على من شاء ، ومتى ضمن العدل رجع به على المشتري ، ولا يرجع المشتري عليه لو ضمن.

ط : لو عيّنا له قدرا لم يجز بيعه بأقل ، ولو أطلقا باع بثمن المثل ، أو زيادة خاصة.

ولو باع بأقل مما لا يتغابن الناس به بطل البيع وضمن ، ولو كان مما يتغابن به صح ولا ضمان.

______________________________________________________

والتسليم به ، فيكون مضمونا حينئذ.

قوله : ( بالأقل من الدين والقيمة ، لأنه يقبض قيمة الرهن مستوفيا لحقه لا رهنا ).

لأن الفرض : أن البيع لوفاء دينه ، وذلك لا يكون غالبا إلا بعد الحلول ، والجار متعلق بالرجوع.

قوله : ( ومتى ضمّن العدل رجع به على المشتري ، ولا يرجع المشتري عليه لو ضمّن ).

يجب أن يقرأ ( ضمن ) في الموضعين مشددا مبنيا للمجهول ، والفرق : أن تلف المبيع لما كان بيد المشتري كان قرار الضمان عليه.

قوله : ( ولو باع بأقل مما لا يتغابن الناس به بطل البيع وضمن ).

أي : مما لا يتسامح الناس به في غبن بعض بعضا ، كنقصان عشرين في المائة. والمرجع في ذلك العرف ، فيضمن العين لو ذهبت للتعدي.

١١٨

ي : لو تلف الثمن في يده من غير تفريط فلا ضمان ، والأقرب انه من ضمان الراهن ، لأنه وكيله. ويحتمل المرتهن ، لأن البيع لأجله. ويقبل قوله مع اليمين لو ادعى التلف ، ولو ادعى قبضه من المشتري وخالفاه احتمل المساواة ، لأنه أمين فيبرأ بيمينه دون المشتري ، وتقديم قولهما ، لأنهما منكران.

______________________________________________________

قوله : ( والأقرب أنه من ضمان الراهن ، لأنه وكيله ).

قد تقرر أنه وكيل الراهن في التصرف خاصة ، إذ ليس للمرتهن إلا حق الوثيقة كما سبق ، فيكون قبضه له ، فإذا تلف بغير تفريط كان من مال الراهن ، إذ لا ضمان على الأمين إذا لم يفرط ، وهذا هو الأصح.

قوله : ( ويحتمل المرتهن ، لأن البيع لأجله ).

أي : ويحتمل كونه من ضمان المرتهن ، لأن البيع لما كان لأجله كان وكيلا له في قبض الثمن. وليس بشي‌ء ، إذ لا يلزم من كونه وكيلا له في حفظ الرهن من جهة استحقاق الاستيثاق أن يكون له وكيلا في قبض الثمن ، وهو ظاهر.

قوله : ( ويقبل قوله مع اليمين لو ادعى التلف ).

حيث لا بينة ، ولم يصدقه المالك لأنه أمين ، فيقبل قوله باليمين ، بناء على ظاهر حال المسلم من أداء الأمانة ، ولأنه لو لا ذلك لأدى الحال الى تنفر الناس من قبول الوكالة ، فيلزم ضيق الأحوال على الناس.

قوله : ( ولو ادعى قبضه من المشتري ، وخالفاه احتمل المساواة ، لأنه أمين فيبرأ بيمينه دون المشتري ، وتقديم قولهما ، لأنهما منكران ).

أي : لو ادعى العدل قبض الثمن من المشتري ، وتلفه بغير تفريط ، وإن لم يذكر في العبارة ، لأن ما قيل يدل على إرادته.

( وخالفاه ) أي : الراهن والمرتهن ، احتمل المساواة للمسألة السابقة ، في قبول قوله بيمينه نظرا الى كونه أمينا ، فلا يختلف الحال في دعوى التلف بين كون‌

١١٩

______________________________________________________

القبض معلوما ، أو لا ، وإذا بري‌ء العدل بيمينه ـ نظرا لما قلناه ـ لم يلزم براءة المشتري من الدعوى ، لأن يمين العدل إنما هو لدفع الغرم عن نفسه بمقتضى إقراره بالقبض ، لا لدفع الدعوى عن المشتري.

ولا يلزم من إقراره بالقبض تحققه ، لإمكان كونه كاذبا ، فتبقى الدعوى على المشتري بحالها ، ولأن يمين شخص عن الدعوى المتعلقة به لا يسقط الدعوى عن غيره. ويحتمل تقديم قولهما ـ أي الراهن والمرتهن ـ لأنهما منكران. وفي هذا الاحتمال مناقشة ، لأن تقديم قولهما إن كان بالنسبة إلى تضمين العدل فليس بظاهر ، لأن العدل أمين ، وقوله في التلف مصدق. وأما إقراره بالقبض ، فان كان مصدقا فلا بحث في تصديقه في التلف بيمينه ، وإن لم يكن مصدقا فلا حاجة الى يمينه للتلف ، واليمين منحصر في جانبهما مع عدم البينة ، فيكون الغرم على المشتري. هذا بالنسبة إلى العدل.

وأما بالنسبة إلى المشتري ، فقد ذكر أنه على تقدير تصديق العدل في ذلك بيمينه لا يبرأ بذلك ولا يصدق باليمين ، فالحال بالنسبة إليه منحصر في عدم قبول قوله بيمينه ، وإنما المصدق باليمين قولهما ، فلا معنى لهذا الاحتمال.

ويحتمل أن يكون الاحتمال الأول منزلا على أن تصديق العدل في دعوى القبض والتلف بيمينه موجبا لبراءته وبراءة المشتري ، لاستلزامه ذلك. بخلاف المشتري لو ادعى ذلك ، فإنه لا يصدق باليمين. إلا أن هذا مستبعد من وجهين :

الأول : بعده عن العبارة ، فإنه لا يتبادر منها الى الفهم ، والمتبادر خلافه ، وفهمه منها يحتاج الى تقدير حذف كثير.

الثاني : ان الحكم بحسب الواقع لا يطابق ذلك ، لأن إقرار العدل بالقبض لا يوجب القطع بوقوعه ، لتندفع الدعوى عن المشتري.

وربما حصلت التهمة عند الراهن والمرتهن في صدق العدل والمشتري في وقوع القبض ، فلا تسقط الدعوى عنه. وأيضا فإن يمين العدل إنما هو لحصول التلف ، لأن القبض يكفي فيه إقراره ، فلا يحتاج الى يمين لأجله بالنسبة إليه ،

١٢٠