الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣
والأقرب أنه أمارة ولا اعتبار بالزغب ، ولا الشعر الضعيف ، ولا شعر الإبط.
ب : خروج المني الذي يكون منه الولد من الموضع المعتاد ، سواء الذكر والأنثى.
______________________________________________________
قوله : ( والأقرب أنه أمارة ).
وجه القرب : أن الحجر مستمر في حق الصبي إلى أن يحتلم ، كما دل عليه الحديث (١) ، فلو كان الإنبات بلوغا بنفسه لم يكن الحجر مستمرا إلى الاحتلام ، فتعين أن يكون أمارة. ويحتمل كونه بلوغا ، لترتب أحكام البلوغ عليه ، وضعفه ظاهر.
قوله : ( ولا اعتبار بالزغب ).
في الجمهرة : الزغب : هو الريش الذي ينبت على الفرخ قبل ريشه ، والشعر الضعيف الذي ينبت قبل الشعر الخشن.
قوله : ( خروج المني الذي يكون منه الولد ).
المراد : الذي من شأنه أن يتولد منه الولد غالبا وإن تخلف في بعض الأحوال لعارض ، والمراد به : الماء الدافق الذي تقارنه الشهوة.
قوله : ( من الموضع المعتاد ).
فلو خرج من جرح أو نحوه ـ ومنه أحد فرجي المشكل ـ لم يكن بلوغا ، لوجوب حمل إطلاق الشارع على المعهود.
قوله : ( سواء الذكر والأنثى ).
خلافا للشافعي ، حيث أنكر في أحد قوليه كونه بلوغا في حق النساء (٢).
__________________
(١) الكافي ٧ : ١٩٧ حديث ١.
(٢) الأم ٣ : ٢١٥ ، شرح الكبير ( مع المغني لابن قدامة ) ٤ : ٥٥٨.
ج : السن ، وهو بلوغ خمس عشرة سنة في الذكر هلالية ، وتسع في الأنثى. وفي رواية إذا بلغ الصبي عشرا بصيرا جازت وصيته وصدقته وأقيمت عليه الحدود التامة ، وفي أخرى خمسة أشبار.
د : الحيض والحمل دليلان على سبقه ، ولا يعرف الحمل إلا
______________________________________________________
قوله : ( السن ).
وهو : دليل البلوغ عندنا ، وبه قال جماهير العامة ، حكاه في التذكرة (١).
قوله : ( وهو : بلوغ خمس عشرة سنة في الذّكر ـ هلالية ـ وتسع في الأنثى ).
لا بدّ من استكمال السنة الأخيرة ، فلا يكفي الطعن فيها ، عملا بالاستصحاب وفتوى الأصحاب ، ولأنه لا يقال له : ابن خمس عشرة سنة إلاّ بالاستكمال.
قوله : ( وفي رواية : إذا بلغ الصبي عشرا جازت وصيته وصدقته وأقيمت عليه الحدود التامة ، وفي أخرى : خمسة أشبار ).
الأولى : إشارة إلى صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليهالسلام (٢) ، ورواية زرارة عن الباقر عليهالسلام (٣) ، وفي معناهما غيرهما (٤).
والثانية : إشارة إلى رواية السكوني عن الصادق عليهالسلام ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام (٥).
والمراد من قوله : ( أقيمت عليه الحدود التامة ) أنه بعد بلوغ العشر يستوفى منه الحد بكماله ، وبدونه إنما يضرب للتأديب ، وذلك بعض الحدّ.
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٧٤.
(٢) الكافي ٧ : ٢٨ حديث ٣ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ حديث ٥٠١.
(٣) الفقيه ٤ : ١٤٥ ، ١٦٤ حديث ٥٠٢ ، ٥٧٣.
(٤) الفقيه ٤ : ١٤٥ حديث ٥٠٣.
(٥) الكافي ٧ : ٣٠٢ حديث ١ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٣ حديث ٩٢٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٨٧ حديث ١٠٨٥.
بالوضع ، فيحكم حينئذ بالبلوغ قبل الوضع بستة أشهر وشيء. والخنثى المشكل إن أمنى من الفرجين ، أو حاض من فرج النساء وأمنى من الآخر حكم ببلوغه ، وإلا فلا.
وأما الرشد : فهو كيفية نفسانية تمنع من إفساد المال ، وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء.
ولا تعتبر العدالة ، ويعلم باختباره بما يناسبه من التصرفات ، فإذا
______________________________________________________
قوله : ( والخنثى المشكل إن أمنى من الفرجين ، أو حاض من فرج النساء وأمنى من الآخر حكم ببلوغه ، وإلاّ فلا ).
لو أمنى من فرج الرجال بعد تسع حيث يكون احتلام الذكر ممكنا ، وجب أن يحكم بالبلوغ ، لأنه إن كان امرأة فقد استكمل التسع ، وإن كان رجلا فقد أمنى ، فيرد على قوله : ( وإلاّ فلا ).
قوله : ( وأما الرشد ، فهو : كيفية نفسانية تمنع من إفساد المال وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء ).
لا بدّ في الكيفية من أن تكون ملكة ثابتة يعسر زوالها ، ولا بدّ في الإفساد من اعتباره في نظر العقلاء ، فالافراط في المعروف لا ينافي الرشد وإن تجاوز القدر الممدوح ، وربما عد إفسادا ، ولعل قوله : ( وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء ) كالتفسير لإفساد المال.
قوله : ( ولا تعتبر العدالة ).
خلافا للشيخ (١) رحمهالله ، تعويلا على دلائل ضعيفة ، مثل ظاهر قوله تعالى ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً ) (٢) فان الفسق غيّ لا رشد.
قوله : ( ويعلم باختباره بما يناسبه من التصرفات ).
أي : ويعلم الرشد باختبار الصغير ، ذكرا كان أو أنثى ، بدليل ما سيأتي
__________________
(١) المبسوط ٢ : ٢٨٤.
(٢) النساء : ٦.
عرف منه جودة المعاملة وعدم المغابنة إن كان تاجرا ، والمحافظة على ما يتكسب به ، والملازمة إن كان صانعا وأشباه ذلك في الذكر ، والاستغزال والاستنساج في الأنثى إن كانت من أهلهما ، وأشباهه ، حكم
______________________________________________________
من قوله : ( وأشباه ذلك في الذكر ، والاستغزال والاستنساج في الأنثى ) إذ هو المحدث عنه بما يناسبه من التصرفات ، فان الغالب أن يكون للشخص استعداد ما يناسبه ويلائم حاله دون ما عداه.
ولا تكفي المرة ، بل لا بدّ من التكرار مرارا تحصل بها غلبة الظن ، كما نص عليه في التذكرة (١) ، إذ الملكة لا يعرف حصولها بمرة.
واعلم : أن الذي صرّح به المصنف في التذكرة (٢) والإرشاد (٣) والتحرير (٤) : أنّ محل الاختبار قبل البلوغ ، لقوله تعالى ( وَابْتَلُوا الْيَتامى ) (٥) والبالغ لا يعد يتيما ، وقوله تعالى ( حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ) (٦) معناه ـ والله أعلم ـ : مدة الابتلاء تمتد إلى بلوغ النكاح ، ولأنه لو كان الاختبار بعد البلوغ لم يؤمن معه الحجر على البالغ الرشيد ، وهو ظلم محرم ، فيجب التحفظ عنه ، ولا يكون إلا بالاختبار قبل البلوغ ، وعبارة الكتاب يلوح منها ذلك ، لأن الضمير في قوله : ( باختباره ) يعود إلى الصغير ، كما يقتضيه السياق ، فيكون ما هنا مطابقا للباقي ، وهو الذي يتعين القول به.
قوله : ( وأشباه ذلك في الذكر ).
فلو كان من أولاد الدهاقين والوزراء والأكابر الذين يصانون عن الأسواق ، فإن اختباره بأن تسلّم إليه نفقة مدة كشهر ، لينفقها في مصالحه ، فان وجد قيما بذلك يصرفها في مواضعها ، ويستوفي الحساب على وكيله ويستقصي
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٧٨.
(٢) المصدر السابق.
(٣) الإرشاد : ١٣١ ( مخطوط ).
(٤) التحرير ١ : ٢١٨.
(٥) النساء : ٦.
(٦) النساء : ٦.
بالرشد ، وفي صحة العقد حينئذ إشكال.
______________________________________________________
عليه ، فهو رشيد.
قوله : ( وفي صحة العقد حينئذ إشكال ).
أي : الواقع حين الاختبار والأمر بإيقاعه [ و ] (١) حمل كل من الشارحين عبارة المصنف على كون العقد الواقع للاختبار بعد بلوغه (٢) ، واستثنى منه ولد المصنف ما إذا علم رشده حال العقود ، فإنّها صحيحة قطعا ، وخصّ الاشكال بما إذا ظهر عدم رشده ، أو لم يظهر شيء منهما (٣). ويظهر من عبارة الشارح الآخر عموم الإشكال للمسائل الثلاث (٤) ، وهذا غريب عجيب ، فان العلم بكون العاقد رشيدا ليس شرطا لصحة العقد قطعا ، إنما الشرط كونه رشيدا في الواقع.
ثم إنّ عقد السفيه صحيح إذا أجازه الولي وكان بالغا ـ كما سيأتي عن قريب ان شاء الله تعالى ـ فأي وجه للإشكال فيما إذا أذن له الولي ابتداء؟
والذي يقتضيه صحيح النظر وسوق العبارة : أن الاشكال في العقد الواقع للاختبار قبل البلوغ ، وهو المطابق لما في الشرائع ، حيث قال : يختبر الصبي قبل بلوغه ، وهل يصح بيعه؟ الأشبه أنه لا يصح (٥). وفي التحرير : وقت الاختبار قبل البلوغ مع التمييز ، ومع إذن الولي يصح تصرفه وبيعه (٦).
وعلى هذا فمنشأ الإشكال : من أنّ الأمر بالابتلاء يقتضي كون الفعل الصادر من الصبي معتبرا ، خصوصا على القول بأن أفعال الصبي شرعية ( ومن أن الصغر مانع من الصحة ، وأفعال الصبي وأقواله غير شرعية ) (٧) كما هو مبين
__________________
(١) لم يرد في الخطبتين ، وأثبتناه لضرورة السياق.
(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٢ ، ونقل السيد العاملي قول الشارح الثاني ـ وهو السيد عميد الدين ـ في مفتاح الكرامة ٥ : ٢٥٠.
(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٢.
(٤) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ٢٥١.
(٥) شرائع الإسلام ٢ : ١٠٣.
(٦) التحرير ١ : ٢١٨.
(٧) ما بين القوسين لم يرد في « ق ».
ولا يزول الحجر بفقد أحد الوصفين وإن طعن في السن ، ويثبت الرشد في الرجال بشهادتهم ، وفي النساء بها وبشهادتين. وصرف المال الى وجوه الخيرات ليس بتبذير ، وصرفه إلى الأغذية النفيسة التي لا تليق
______________________________________________________
في موضعه ، والأمر بالابتلاء لا يستلزم أزيد من كون ما به الابتلاء معتبرا في إفادة الرشد وعدمه ، فلا يقتضي ترتب أثر آخر عليه ، وليس هذا الاشكال ببعيد مما سيأتي في كلام المصنف من التردد في صحة بيع المميز.
والأصح بطلان العقد الواقع قبل البلوغ ، ولو اعتبرنا ما ذكره الشارحان في حل العبارة ، فالبيع الواقع بعد البلوغ صحيح على كل حال.
فائدة : يظهر رشد المختبر بجريان التصرف على قانون تصرفات العقلاء ، فيتبين وقوع ذلك التصرف في حال الرشد ، لأن الرشد ملكة ، وهي لا تحدث في الزمان القصير ، للقطع بأنها إنما تكون بالتمرن المستفاد من تكرار الفعل في الأوقات المتطاولة.
قوله : ( ولا يزول الحجر بفقد أحد الوصفين ).
أي : بفقد الصغر وعدم الرشد ، إذ لا بدّ منهما في زوال الحجر ، ولا بدّ في حمل الوصفين على الصغر وعدم الرشد من العناية ، لأن عدم الرشد لم يجر له ذكر ، ومعنى قوله : ( وإن طعن في السن ) ذهابه فيه على نحو قولهم : طعن في المفازة ، أي : ذهب فيها ، والمراد : أنه لو صار شيخا ، وهذه حالته فحجره باق.
قوله : ( وصرف المال إلى وجوه الخيرات ليس بتبذير ).
ظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين الإفراط في ذلك وعدمه ، ولا بين كون ذلك لائقا بحاله أولا ، وظاهر كلامه في التذكرة (١) أن الثاني تبذير ، لقوله تعالى ( وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ) (٢) ، ولا دلالة في النهي على كون ذلك تبذيرا ، وربّما فرّق فارق بين كون هذا الفعل قبل زوال الحجر وبعده.
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٧٦.
(٢) الإسراء : ٢٩.
بحاله تبذير. وولي الصبي أبوه ، أو جده لأبيه وإن علا ، ويشتركان في الولاية فإن فقدا فالوصي ، فإن فقد فالحاكم. ولا ولاية للأم ، ولا لغيرها من الاخوة ، والأعمام ، وغيرهم عدا من ذكرنا.
وإنما يتصرف الولي بالغبطة ، فلو اشترى لا معها لم يصح ، ويكون الملك باقيا للبائع.
والوجه ان له استيفاء القصاص ، والعفو على مال لا مطلقا ، ولا
______________________________________________________
قوله : ( وولي الصبي أبوه وجدّه لأبيه وإن علا ، ويشتركان في الولاية ).
الظاهر أن لكلّ منهما أن يتصرف بالاستقلال ، لثبوت الولاية ، والأصل عدم اشتراط الانضمام ، وهل يكون للجد الأعلى مع وجود الأدنى ولاية؟ فيه نظر ، قال في التذكرة : حكم الجد أولى لو عارضه الأب (١).
قوله : ( والوجه أنّ له استيفاء القصاص ).
لأن له أهلية التصرف ، والفرض وجود الغبطة ، وقال الشيخ : ليس له ، لأنه للتشفي وهو منتف (٢). والأصح الأول ، لأنه ربما ظهرت علامات موته ، وليس بظاهر انتفاء التشفي في الجملة إذا بلغ الطفل إدراك ذلك وعلم بفعل الولي.
قوله : ( والعفو على مال لا مطلقا ).
أي : ليس له العفو مطلقا غير مقيد بالمال ، لانتفاء الغبطة في ذلك ، وقال في التذكرة ، وإن عفا مطلقا فالأقرب اعتبار المصلحة أيضا ، فإن كانت المصلحة في العفو مجانا اعتمدها ، كما ان له الصلح ببعض ماله مع المصلحة (٣) ، وما قرّبه قوي متين.
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٨٠.
(٢) المبسوط ٧ : ٥٥ ، الخلاف ٣ : ١٠٤ مسألة ٤٣ كتاب الجنايات.
(٣) التذكرة ٢ : ٨٢.
يعتق عنه إلا مع الضرورة ، كالخلاص من نفقة الكبير العاجز ، ولا يطلق عنه بعوض ولا غيره ، ولا يعفو عن الشفعة إلا لمصلحة ، ولا يسقط مالا في ذمة الغير ، وله أن يأكل بالمعروف مع فقره ، وأن يستعفف مع الغنى.
والوجه انه لا يتجاوز اجرة المثل ، ويجب حفظ مال الطفل واستنماؤه قدرا لا تأكله النفقة على اشكال ، فإن تبرّم الولي به فله أن يستأجر من يعمل.
______________________________________________________
قوله : ( ولا يطلق عنه ).
إجماعا ، إذ لا مصلحة في ذلك.
قوله : ( ولا يسقط ما لا في ذمة الغير ).
الاّ مع المصلحة.
قوله : ( وله أن يأكل مع فقره ، وأن يستعفف مع الغنى ).
ظاهر العبارة أن الاستعفاف موكول إليه ، والأصح أنه واجب ، لظاهر الآية (١).
قوله : ( والوجه أنه لا يتجاوز اجرة المثل ).
لأنه أجرة عمل غير متبرع به ، ويحتمل جواز الأكل وإن زاد عن الأجرة ، لظاهر الآية (٢) ، وهو قول الشيخ (٣). والأصح جواز أقل الأمرين من الأجرة وقدر الحاجة ، لوجوب الاستعفاف مع الغنى لو اكتفى بأقل من الأجرة ، وعدم جواز ما زاد على مقابل العمل ، لأن الاستحقاق إنما هو في مقابله.
قوله : ( واستنماؤه قدرا لا تأكله النفقة على إشكال ).
ينشأ : من أن ذلك اكتساب مال الطفل ولا يجب ، ومن أن ذهاب ما له في النفقة ضرر عظيم ، وفائدة نصب الولي دفع الضرر. وربما بني الحكم على أن الواجب الأصلح ، أم تكفي المصلحة ، والأصح عدم الوجوب.
قوله : ( فإن تبرم الولي به فله أن يستأجر من يعمل ).
__________________
(١) النساء : ٦.
(٢) النساء : ٦.
(٣) قاله في المبسوط ٢ : ٢٨٧ ، والنهاية : ٣٦١.
ويستحب له البيع إذا طلب متاعه بزيادة مع الغبطة ، وكذا يستحب شراء الرخيص ،
______________________________________________________
في الصحاح : برم به إذا سئمه ، وتبرّم به مثله ، وأبرمه أي : أملّه وأضجره (١).
قوله : ( ويستحب له البيع إذا طلب متاعه بزيادة مع الغبطة ، وكذا يستحب شراء الرخيص ).
في بعض النسخ عوض ( يستحب ) يجب في الموضعين ، وفي حواشي شيخنا الشهيد أنهما متوجهان ، لتردده في الاستنماء بين الوجوب والاستحباب ، فجاز كلّ من الأمرين هنا ، لأن ذلك استنماء.
قلت : هذا العذر لا يجدي ، لأن ما سبق تردد ، وما هنا فتوى وجزم ، فالمخالفة ثابتة.
نعم قد يقال : هو رجوع عن التردد إلى الجزم وإن قرب ما بينهما. وقد يقال ـ في الاعتذار لنسخة الاستحباب مع التردد السابق ـ : أن الاستنماء على تقدير وجوبه لا يستدعي أزيد من مراعاة حصول زيادة لا تذهب مال الطفل معها بالنفقة ، أما البيع في وقت مخصوص والشراء على وجه معين فلا.
وعلى تقدير الوجوب ، إنّ التردد في الاستنماء الذي يحتاج إلى توجه وسعي لتحصيل النماء ، أما ما حصل بغير تكلف وسعي فإنه واجب لا محالة.
وكيف كان فنسخة الاستحباب أوجه ، إلاّ في شراء الرخيص على بعض الوجوه ، فانّ العدول عنه إلى شراء الغالي لا يجوز قطعا ، لكن هذا كالمستغنى عنه باشتراطه المصلحة في تصرفات الولي ، وهي منتفية عن مثل هذا ، فلعل المراد بـ ( شراء ) حيث لا يكون حتما ، أو لا يلزم العدول إلى الغالي ، أو تحمل العبارة على استحباب السعي في شراء الرخيص.
__________________
(١) الصحاح ( برم ) ٥ : ١٨٦٩.
وإذا تبرع أجنبي بحفظ مال الطفل لم يكن للأب أخذ الأجرة على اشكال.
وله أن يرهن ماله عند ثقة لحاجة الطفل ، والمضاربة بما له ، وللعامل ما شرط له.
وهل للوصي أن يتجر بنفسه مضاربة؟ فيه إشكال ، ينشأ : من أن له الدفع الى غيره فجاز لنفسه ، ومن أن الربح نماء مال اليتيم فلا يستحق عليه إلا بعقد.
ولا يجوز أن يعقد الولي المضاربة مع نفسه ،
______________________________________________________
قوله : ( وإذا تبرع أجنبي بحفظ مال الطفل ، لم يكن للأب أخذ الأجرة على إشكال ).
ينشأ : من وجود المتبرع ، فالعدول عنه إلى من يطلب الأجرة ضرر مناف للغبطة والمصلحة ، ومن إطلاق الآية بالأكل مع الحاجة ، فيتناول صورة النزاع ، ولأن للأب مزيد شفقة وحنو ليس للأجنبي ، والعدول إلى ما فيه زيادة الشفقة وإن كان معه اجرة لا يعدّ ضررا ، ولثبوت ولايته بالأصالة ، وهو الأصحّ.
قوله : ( وهل للوصي أن يتجر بنفسه مضاربة؟ فيه إشكال ، ينشأ : من أن له الدفع إلى غيره فجاز لنفسه ، ومن أن الربح نماء مال اليتيم فلا يستحق عليه إلا بعقد ، ولا يجوز أن يعقد الولي المضاربة مع نفسه ).
توضيح الوجه الأول : أن جواز الدفع إلى غيره جائز مع المصلحة ، وإنما جاز لكونه منوطا بنظره ، فإذا كان بيده كان أدخل في الحفظ وأقرب إلى مقتضى الوصية ، فيكون جوازه بطريق أولى.
ويرد عليه : أنه لا بدّ في الجواز من تناول الاذن له ، والمتبادر من الاذن في عقد المضاربة الدفع إلى آخر.
ويجاب : بأن الوصية إليه إسناد التصرف إلى رأيه ، وهو يعمّ ذلك.
ويجوز إبضاع ماله ، وهو أن يدفع الى غيره والربح كله لليتيم ، وأن يبني له عقارا أو يشتريه.
ولا يجوز له بيع عقاره إلا للحاجة ، ويجوز كتابة رقيقه وعقه على مال مع الغبطة ، وخلطه مع عياله في النفقة ، وينبغي أن يحسب عليه أقل ،
______________________________________________________
وتوضيح الوجه الثاني : أن الأصل في نماء المال أن يكون لمالكه ، فلا يخرج عنه ويستحق عليه الآخر إلا بعقد يقتضيه ، ولا يعقد الولي لنفسه ، إما لأن العقد يقتضي متعاقدين ، أو لأنه لا بدّ من الاذن في ذلك.
ويجاب عن الأول : بأن المتعاقدين يكفي حصولهما بالقوة وتغايرهما بالاعتبار. وعن الثاني : بما قدمناه ، من أنّ إسناد التصرف بالوصية يتناول كلّ تصرف بالمصلحة.
قوله : ( ويجوز إبضاع ماله ، وهو : أن يدفع إلى غيره والربح كلّه لليتيم ).
البضاعة : طائفة من مالك تبعثها للتجارة ، ذكره في الصحاح (١) ، وجواز ذلك منوط بالمصلحة ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المتجر بمال الطفل متبرعا ، أو بالأجرة مع المصلحة.
قوله : ( وأن يبني له عقارا ويشتريه ).
أي : وأن يشتريه ، مبنيا كلّ ذلك مع المصلحة.
قوله : ( وخلطه مع عياله في النفقة ، وينبغي أن يحسب عليه أقل ).
أي : أقل ما يحتاج اليه ، وهذا الحكم على الاستحباب ، لأن الواجب هو أن لا يزيد عليه.
__________________
(١) الصحاح ( بضع ) ٣ : ١١٨٦.
وجعله في المكتب بأجرة ، أو في صنعة ، وقرض ماله إذا خشي تلفه من غرق ، أو نهب ، وشبهه فيأخذ عليه رهنا بحفظ قيمته فإن تعذر أقرضه من الثقة.
ولا يجوز قرضه مع الأمن ، ولو احتاج الى نقله جاز إقراضه خوفا من الطريق ، وكذا لو خاف تلفه بتطاول مدته ولم يتمكن من بيعه ، أو تعيبه كتسويس التمر ، وعفن الحنطة.
______________________________________________________
قوله : ( وقرض ماله إذا خشي تلفه من غرق أو نهب وشبهه ، فيأخذ عليه رهنا لحفظ قيمته ، فان تعذر أقرض من الثقة ).
ولا يبعد وجوب الإقراض إذا ظهرت أمارات حصول التلف ، وإذا قلنا : انّ أداء الدين من الوكيل به بغير إشهاد تفريط ، يلزم القول بوجوب الاشهاد هنا حذرا من التفريط ، وكما يجوز ذلك للوصي يجوز للحاكم مع عدمه ، بل أولى ، وكذا يجوز لعدول المؤمنين مع عدمهما ، ولا ضمان في مواضع الجواز.
قوله : ( ولو احتاج الى نقله جاز إقراضه خوفا من الطريق ).
فيقرضه من الثقة الملي ، وليكن إقراضه في هذه الحالة على قصد حفظه ، والفرق بين هذه والتي قبلها : أنّ الإقراض هناك من غير سفر مع ظهور علامات الخوف ، والإقراض هنا لأن الطريق مظنة السارق وقاطع الطريق ونحوهما ، وإن كانت أمارات الأمن موجودة ، إذ لا يجوز السفر مع أمارات الخوف.
قوله : ( وكذا إن خاف تلفه بتطاول مدته ولم يتمكن من بيعه ).
أي : وكذا يقرضه من الثقة الملي لو خاف تلفه بتطاول مدته ونحو ذلك إذا لم يتمكن من بيعه.
قوله : ( أو تعيّبه كتسويس التمر وعفن الحنطة ).
معطوف على ( تلفه ) ، أي : وكذا إن خاف تعيّبه وإن لم يخف التلف يقرض من الثقة.
ولو أراد الولي السفر كان له إقراضه ، فإن تمكن من أخذ الرهن وجب وإلا فلا. وللأب الاستنابة فيما يتولى مثله فعله ، والأقرب في الوصي ذلك.
ويقبل قول الولي في الإنفاق بالمعروف على الصبي ، أو ماله ،
______________________________________________________
قوله : ( ولو أراد الولي السفر كان له إقراضه ).
ولا يجوز له في هذه الحالة نقله ، لأن الطريق مظنّة العطب ، إلا مع الحاجة ، وجواز القرض هنا غير مشروط بالخوف ، إذ سفر الولي معرض المال للضياع ، فيجوز إقراضه.
قوله : ( فإن تمكن من أخذ الرهن وجب وإلاّ فلا ).
أي : إن تمكن من أخذ الرهن في جميع ما سلف وجب ، وبدونه يكون مفرّطا ، وإلاّ سقط.
قوله : ( وللأب الاستنابة فيما يتولّى مثله فعله ).
لأن ذلك مما جرت العادة بمثله ، ولا يعدّ بذلك مقصرا.
قوله : ( والأقرب في الوصي ذلك ).
وجه القرب : أنه قائم مقام الأب ، فيجوز له ما يجوز له ، ولما قلناه من جريان العادة بالاستنابة في مثله ، وهو الأصح. أما ما لا يقدر مثله على فعله ، أو لم تجر العادة بتولي مثله له ، فإنه تجوز الاستنابة له قطعا.
قوله : ( ويقبل قول الولي في الإنفاق بالمعروف على الصبي أو ماله ).
أي : أو في الإنفاق على ماله ، وإنما يقبل قوله باليمين ، نص عليه في التذكرة (١) ، ولانه مدّع ، فلا أقل من اليمين في جانبه.
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٨٢.
والبيع للمصلحة ، والقرض لها ، والتلف من غير تفريط ، سواء كان أبا أو غيره على اشكال.
وهل يصح بيع المميز وشراؤه مع اذن الولي؟ نظر.
الفصل الثاني : في المجنون والسفيه :
أما المجنون فهو ممنوع من التصرفات جمع ، المالية وغيرها ، وأمره الى الأب والجد له وإن علا ، فإن فقدا فالوصي ، فإن فقد فالحاكم ، وللولي التصرف في ماله بالغبطة.
______________________________________________________
قوله : ( سواء كان أبا أو غيره على إشكال ).
الإشكال في غير الأب ، ومنشؤه : من أصالة الصحة في تصرف المسلم ، ولأنه منصوب لفعل ما يعتقده مصلحة ، فليرجع إليه فيه إذا تعسر إقامة البينة على ذلك ، ولأنه أمين ، ومن أصالة بقاء الملك على مالكه إلى أن يثبت الناقل ، والأول أقوى.
قوله : ( وهل يصحّ بيع المميز وشراؤه مع إذن الولي؟ نظر ).
ينشأ : من أن البلوغ شرط ، لاعتبار الصيغة ، ومن أنّ إذن الولي مصيّر لها بمنزلة الصيغة من البالغ ـ وليس ببعيد البناء على أن أفعال الصبي وأقواله شرعية أم لا ـ والأصح أنه لا يصح.
قوله : ( وأمره إلى الأب والجد وإن علا ، فان فقدا فالوصي ، فإن فقد فالحاكم ).
إن بلغ فاسد العقل فلا بحث في أن الولاية عليه ( كما ذكره المصنف ، أما إذا كمل بالغا ثم تجدد جنونه ، فالذي يقتضيه صحيح النظر أن الولاية عليه ) (١) للحاكم ، لزوال ولاية الأب والجد بالكمال ، فثبوتها يحتاج إلى دليل.
__________________
(١) لم ترد في « ق ».
وحكمه حكم الصبي فيما تقدم ، إلا الطلاق فإن للولي أن يطلّق عنه ، وإلا البيع فإنه لا ينفذ وإن أذن له الولي ، وله أن يزوجه مع الحاجة لا بدونها.
وأما السفيه فهو الذي يصرف أمواله على غير الوجه الملائم لأفعال العقلاء ، ويمنع من التصرفات المالية ، وإن ناسبت أفعال العقلاء
______________________________________________________
قوله : ( وحكمه حكم الصبي فيما تقدم ، إلاّ الطلاق ، فإنّ للولي أن يطلق عنه ، وإلاّ البيع فإنه لا ينفذ وإن أذن له الولي ).
لما لم يكن الصبي في محل الاحتياج إلى الطلاق لم يتصور أن يتولاه الولي عنه ، بخلاف المجنون ، ولأن للصبا مدة ينتظر زواله بعدها ، بخلاف الجنون فإنه لا أمد له يرتقب زواله فيه.
ولا يخفى أن الطلاق عن المجنون إنما يسوغ مع المصلحة ، وكما يستثني الطلاق من مشابهة المجنون للصبي في الأحكام ، فكذا البيع ، فإنه لا ينفذ من المجنون وإذن له الولي ، بخلاف الصبي ، فقد سبق التردد فيه ، والفرق أن المجنون كغير المميز ، فلا أثر لعبارته ولا قصد له.
قوله : ( وأما السفيه فهو : الذي يصرف أمواله على غير الوجه الملائم لأفعال العقلاء ).
المراد : أن شأنه ذلك ، فلا يعتد بوقوع ذلك مرة ونحوها ، إذ الغلط والانخداع سار في أكثر الناس.
قوله : ( ويمنع من التصرفات المالية وإن ناسبت أفعال العقلاء ).
لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى ، بل الأنثى أشد ، إذ هي إلى نقصان العقل والانخداع أقرب ، ومن ثم ذهب بعض العامة إلى بقاء الحجر عليها وإن بلغت رشيدة (١).
__________________
(١) انظر : المغني لابن قدامة ٤ : ٥٦٠ مسألة ٣٤٧٣ ، وشرح الكبير مع المغني ٤ : ٥٦٠.
كالبيع والشراء بالعين ، أو الذمة ، والوقف والهبة ، والإقرار بالدين والعين والنكاح ، فإن عقد لم يمض.
وهل يتوقف الحجر عليه على حكم الحاكم ، أو يكفي ظهور السفه؟ الأقرب الأول ، ولا يزول إلا بحكمه ، فإن اشترى بعد الحجر فهو باطل.
______________________________________________________
قوله : ( والنكاح ).
الظاهر أنه لا فرق فيه بين الرجل والمرأة ، لأن النكاح يقتضي الصداق ، فهو تصرف مالي من طرفهما ، فالزوج يلتزمه والزوجة تجعل البضع في مقابله ، فهو ملحق بالأشياء المتقومة ، ولهذا لو أنكحت نفسها بدون مهر المثل لا يصح ، بل الولي لا يصح منه ذلك إلا بالمصلحة ، فالحاصل أنه تصرف مالي.
قوله : ( وهل يتوقف الحجر عليه على حكم الحاكم أو يكفي ظهور السفه؟ الأقرب الأول ، ولا يزول إلا بحكمه ).
هنا أقوال :
أ : ما ذكره المصنف هنا.
ب : توقفه على حكم الحاكم وزواله بزوال السفه ، ويظهر من كلام الشهيد في شرح الإرشاد وجوده قولا.
ج : ثبوته بمجرد السفه ، وتوقف الزوال على الحكم يوجد في بعض كلام الشهيد (١).
د : ثبوته بظهور السفه وانتفاؤه بانتفائه ، وذلك حيث يقطع بالأمرين ، وهو الأصح ، لظاهر قوله تعالى ( فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ) (٢) الآية ، أثبت عليه الولاية بمجرد السفه ، فتوقفها على أمر آخر يحتاج إلى دليل.
__________________
(١) اللمعة : ١٤٢.
(٢) النساء : ٦.
ويسترد البائع سلعته إن وجدها ، وإلا فهي ضائعة إن قبضها بإذنه ، عالما كان البائع أو جاهلا وإن فك حجره ،
______________________________________________________
إذا تقرر هذا ففي الذي يلي ما له قولان :
أ : أنه الحاكم ، سواء تجدّد السفه عليه بعد بلوغه أو بلغ سفيها ، لتوقف الحجر وزواله على حكم الحاكم ، فيكون النظر إليه.
ب : أنه إن بلغ سفيها فالولاية للأب والجد ، ( ثم وصي أحدهما ، ثم الحاكم ، وإن بلغ رشيدا ثم تجدّد سفهه فالأمر فيه الى الحاكم دون الأب والجد ) (١) ، وهذا هو الأصح.
نعم ، لو قلنا بتوقف الحجر عليه على حكم الحاكم ، اتّجه كون الولاية له مطلقا ، مع إمكان كونها للأب والجد فيمن بلغ سفيها ، إذ لا بد في اعتبار حكم الحاكم في ثبوت السفه وعدم زواله ، لأن الأمارات قد يقع الغلط فيها.
ويضعّف : بأن البحث على تقدير الجزم ، ثم إن من بلغ سفيها يكفي في حكمه استصحاب ما كان إذا لم يعلم الناقل.
وفيه نظر ، إذ لا بدّ من البحث عن زوال المقتضي للحجر وعدمه ، فإذا اشتبه الأمر على الأب رجع إلى الحاكم ، على أنّ التبذير وإصلاح المال من الأمور التي لا تكاد تخفى على ذي بصيرة.
قوله : ( والاّ فهي ضائعة إن قبضها باذنه ، عالما كان البائع أو جاهلا وإن فكّ حجره ).
أي : وإن لم يجدها فهي ضائعة إن قبضها بإذنه ، لأن قبضها بإذنه في البيع تسليط على التصرف والإتلاف ، غاية ما في الباب أنه لم يكن مجّانا ، بل بعوض ، ووجود السفه مانع من ثبوت العوض. ولا فرق في ذلك بين كون البائع عالما أو جاهلا ، لأن تسليطه غيره على إتلاف ماله قبل اختبار حاله ، وعلمه بأن العوض المبذول منه ثابت أولا تضييع لما له وتقصير في حفظه. وكذا لا فرق بين
__________________
(١) ما بين القوسين لم يرد في « م » وأثبتناه من « ق ».
وكذا لو اقترض وأتلف المال.
ولو أذن له الولي صح إن عيّن ، وإلا فلغو ، وكذا يجوز لو باع فأجاز الولي.
ولو أتلف ما أودع قبل الحجر ، أو غصب بعده ، أو أتلف مال غيره مطلقا ضمن.
______________________________________________________
بقاء حجره بعد ذلك وفكه ، لعدم اللزوم في وقت الإتلاف ، فلا يلزم بعد الفك ، فقول المصنف : ( وان فك حجره ) وصلي.
واعلم : أنه لو قبض بغير إذن المالك ، فهو ملحق بغيره من القبض عدوانا ، إذ التسليط بالإقباض على الوجه المعين لا لمجرد البيع.
قوله : ( وكذا لو اقترض وأتلف المال ).
لأن الإقراض تسليط على الإتلاف ، وكذا كل ما يضمن التسليط على الإتلاف من المالك ، ومثل السفيه في ذلك الصبي والمجنون بطريق اولى.
قوله : ( ولو أذن الولي صح إن عيّن ، وإلاّ فلغو ).
إذا أذن الولي للسفيه في التصرف ، فإن أطلق كان لغوا ـ لأنه لو صحّ فات الغرض من الحجر عليه ـ وإن عيّن نوعا من التصرف وقدر العوض ، كأن قال له : بع الشيء الفلاني بكذا وانكح فلانة بكذا صحّ ، لأن المانع ليس إلا خوف المحذور من إتلاف المال وهو مندفع بما قلناه ، وقرّبه المصنف في التذكرة (١). ومعلوم أن اعتبار إذن الولي مشروط بالمصلحة كتصرفه ، بل أولى.
قوله : ( وكذا يجوز لو باع فأجاز الولي ).
لما قلناه : من أنّه بالغ مكلّف ، غاية ما في الباب منعه لخوف إتلاف المال ، وهو منتف هنا.
قوله : ( ولو أتلف ما أودع قبل الحجر ، أو غصب بعده ، أو أتلف مال غيره مطلقا ضمن ).
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٧٨.
______________________________________________________
أي : لو أتلف السفيه بعد الحجر ما أودعه قبل الحجر ضمن ، إذ لا تسليط على الإتلاف هنا من المالك ، ولا تعريض للإتلاف ، لكونه حينئذ غير محجور فيضمن ، لأن إتلاف مال الغير سبب في الضمان.
ويفهم من قوله : ( ما أودع قبل الحجر ) أن ما أودعه بعد الحجر لا يضمنه بالإتلاف ، وهو فتوى الإرشاد (١) ، لتعريض مالكه إياه للإتلاف ، ولظاهر قوله تعالى ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) (٢) واحتمله في التحرير (٣) ولم يصرّح بفتوى. واختار في التذكرة (٤) الضمان بما حصل في يده من المال باختيار صاحبه ، من غير تسليط على الإتلاف ، كالوديعة والعارية إن أتلفه أو أتلف بتفريطه ، لعموم : « على اليد ما أخذت » (٥) ، ولأن الإتلاف سبب الضمان ، والمالك لم يسلط عليه ، ولا يلزم من تسليمه باختيار صاحبه أن يكون الإتلاف باختياره.
لكن في قول المصنف : ( أو أتلف مال غيره مطلقا ) ـ أي : قبل الحجر أو بعده ـ ( ضمن ) ما يقتضي أنه لو أتلف الوديعة أو العارية ونحوهما ، مما لم يسلط المالك على الإتلاف فيه يضمن ، فيبقى المفهوم في قوله : ( قبل الحجر ) مقصورا على ما إذا فرّط في الحفظ ، فتكون فتوى القواعد تضمينه بالإتلاف لا بالتفريط ، والأصح الضمان مطلقا.
ولا يكاد يفرق بين الإتلاف والتفريط ، فإنه إتلاف ، ومن الأمور المستبعدة تضمينه بالغصب وعدم تضمينه بالإتلاف للوديعة ، مع كونه أبلغ منه وأفحش ، على أنّ وضع اليد حال الإتلاف غصب.
__________________
(١) الإرشاد : ١٣١ ( مخطوط ).
(٢) النساء : ٥.
(٣) التحرير ١ : ٢١٩.
(٤) التذكرة ٢ : ٧٨.
(٥) سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، مسند أحمد ٥ : ٨ ، ١٢ ، ١٣ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧.
ولو أقرّ بدين لم ينفذ ، سواء أسنده الى ما قبل الحجر أو لا ، وكذا لو أقر بإتلاف مال أو بجناية توجب مالا.
ويصح طلاقه ، ولعانه ، وظهاره ، ورجعته ، وخلعه ، ولا يسلّم مال الخلع اليه ، وإقراره بالنسب ،
______________________________________________________
وحكم الصبي والمجنون ـ لو أتلفا مال غيرهما ، أو غصباه فتلف في يدهما ـ في وجوب الضمان في مالهما كحكم السفيه ، وكذا في انتفاء الضمان فيما حصل في أيديهما باختيار صاحبه مع التسليط على الإتلاف ، كالبيع والقرض.
أما الوديعة والعارية ونحوهما إذا أتلفاها ، أو تلفت بتفريطهما ، ففي الضمان تردد ، وقرّب المصنف في التذكرة (١) والتحرير (٢) عدم الضمان ، لكن ضمان الصبي المميز إذا باشر الإتلاف قويّ ، والتفريط لا يكاد يقصر عن الإتلاف ، أما غير المميز والمجنون فهما كسائر الحيوانات.
قوله : ( ويصح طلاقه ).
لأن التصرف فيه لا يصادف المال.
قوله : ( وإقراره بالنسب ).
إذ لا يستلزم التصرّف بالمال.
فرع : إقرار السفيه بالمال غير نافذ حال الحجر ، فإذا زال فظاهرهم أنه لا يؤاخذ به ، لكن فيما بينه وبين الله يجب عليه الأداء إن كان حقا ، صرح بذلك في التذكرة (٣).
ويمكن توجيهه بكون إقراره حينئذ لغوا ، فلا يعتد به حال الحجر ولا بعده ، ولو ادعى عليه بمال ، فمع الحجة الشرعية يجب ، وهل يجب باليمين المردودة؟يبنى على أنها كالبينة أو كالإقرار ، فيجب على الأول ، لا الثاني.
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٧٨.
(٢) التحرير ١ : ٢١٩.
(٣) التذكرة ٢ : ٧٩.