الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣
______________________________________________________
بشيء (١).
واحتج المصنف على ما أفتى به بوجهين : الثاني منهما ذكره الشيخ (٢) والجماعة (٣) ، والأول لا يكاد يغايره.
الأول : ترجيح جانب الوثيقة عملا بالاستصحاب.
الثاني : أن كلا من دعوى الراهن والمرتهن قد استندت إلى أصل فيتكافئان ، وتبقى أصالة استمرار الرهن بغير معارض.
أما الأول : فلأن الراهن يدعي صدور البيع على وجه مخصوص ، وهو قبل رجوع المرتهن ، والأصل عدمه ، لأن الأصل في كل أمر ممكن العدم حتى يعلم وجوده ، والمرتهن يدعي صدور الرجوع منه ، على وجه مخصوص أيضا ، وهو قبل صدور البيع ، والأصل عدمه أيضا ، فوقع التعارض.
وأما الثاني : فلأن المرجح ما ذكر ، وفيه نظر من وجوه :
أ : إن الأصل وإن كان عدم صدور البيع على الوجه الذي يدعيه الراهن ، إلا أنه لا يتمسك به الآن ، لحصول الناقل عنه ، وهو صدور البيع مستجمعا لجميع ما يعتبر فيه شرعا ، وليس هناك ما يخل بصحته ، إلا كون الرجوع قبله.
ويكفي فيه عدم صدور العلم بوقوعه كذلك ، والاستناد الى أن الأصل بقاء الاذن السابق ، لأن المانع لا يشترط العلم بانتفائه لتأثير المقتضي ، وإلا لم يمكن التمسك بشيء من العلل الشرعية ، إذ لا يقطع بنفي موانع تأثيرها بحسب الواقع ، وهو معلوم البطلان ، فان من صلى مراعيا للأفعال والشروط ، يكفيه لصحة صلاته الاستناد إلى أصالة عدم طروء النجاسة المانعة من الصحة على ثوبه أو بدنه الطاهرين ، وإن لم يعلم انتفاءها بحسب الواقع قطعا ، هذا مع اعتضاده بأن الأصل في البيع الصحة واللزوم. وحيث تحقق الناقل عن الأصل امتنع
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٤٥.
(٢) المبسوط ٢ : ٢١٠.
(٣) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٨٥ ، والشهيد في الدروس : ٤٠٥.
______________________________________________________
التمسك به ، وخرج عن كونه حجة ، فان أصل الطهارة في الماء ـ بعد ثبوت المقتضي للتنجيس مثلا ـ لا يتمسك به ، وحينئذ فينتفي حكم كل من الأصلين اللذين ذكرهما.
ب : إن ما ذكره من الاستدلال ، إنما يتم على تقدير تسليم بقاء الأصلين المذكورين مع الانحصار فيهما ، وفي الأصل الثالث الذي ذكره. وليس كذلك ، فان لنا أصلا آخر من هذا الجانب أيضا ، وهو أن الأصل في البيع الصحة واللزوم ، ووجوب الوفاء بالعقد.
ج : إن ما ذكره من الاستدلال على إطلاقه يجري على ما إذا أطلقا الدعوى ولم يعينا وقتا للبيع أو الرجوع ، وما إذا عينا لأحدهما وقتا واختلفا في الآخر. وليس بجيد ، فإنهما إذا اتفقا على وقوع البيع يوم الجمعة ، واختلفا في تقدم الرجوع عليه وعدمه ، الأصل عدم التقدم.
وينعكس الحكم لو اتفقا على وقت الرجوع ، واختلفا في تقدم البيع عليه ، فيحصل على هذا التقدير أصل آخر ، وقد نبه على ذلك في الدروس (١).
واعلم أن المصنف في التذكرة حكى عن بعض العامة تفصيلا ، وهو : أنه لو قال الراهن أو لا : تصرفت بإذنك ، ثم قال المرتهن : كنت رجعت قبله فالقول قول الراهن بيمينه. وإن قال المرتهن أو لا : رجعت عما أذنت ، فقال الراهن : كنت تصرفت قبل رجوعك فالقول قول المرتهن بيمينه ، لأن الراهن حين ما أخبر لم يكن قادرا على الإنشاء (٢).
قلت : ويقرب منه ما لو تصادقا على صدور البيع ، ثم اختلفا في حال الرجوع ، أو تصادقا على صدور الرجوع ، ثم اختلفا في حال البيع أخذ بالإقرار السابق.
__________________
(١) الدروس : ٤٠٥.
(٢) التذكرة ٢ : ٤٥ ، وذهب الى هذا القول الشافعي كما في المغني لابن قدامة ٤ : ٤٨٨.
ولو ادعى الراهن الغلط في إقراره بقبض المرتهن الرهن تعويلا على كتاب وكيله فخرج مزورا ، أو قال : أقبضته بالقول وظننت الاكتفاء قدّم قول المرتهن مع اليمين. وكذا لو قال : تعمدت الكذب إقامة لرسم القبالة.
أما لو أقر في مجلس القضاء بعد توجه دعواه فالوجه انه لا يلتفت اليه ، وكذا لو شهدت البينة بمشاهدة القبض.
______________________________________________________
إذا تقرر هذا ، علم أن مذهب الأصحاب تقديم قول المرتهن ، فينبغي الوقوف معه ، وان كان الدليل يقتضي خلافه.
قوله : ( ولو ادعى الراهن الغلط في إقراره بقبض المرتهن ، تعويلا على كتاب وكيله فخرج مزورا ، أو أقبضته بالقول ، وظننت الاكتفاء قدم قول المرتهن مع اليمين ).
وذلك ، لأن الأصل في الإقرار الصحة ، ومطابقة الواقع. واعلم أن في قول المصنف : ( أو أقبضته ) حذفا ، تقديره : أو قال : أقبضته ، ونحو ذلك. ومعنى أقبضته بالقول : قلت له : أقبضتك ، ونحوه من القول الذي ليس قبضا ، ظنا منه الاكتفاء به.
قوله : ( وكذا لو قال : تعمدت الكذب إقامة لرسم القبالة ).
القبالة ، فيما نسمعه ، بفتح القاف : الوثيقة ، والمعنى إني أردت إقامة رسم القبالة ، وهي وثيقة الرهن ، أي : كتبها ، والشهادة بها ، ولما لم يتم من دون الإقرار بالقبض أقررت به ، ولم يكن في الواقع قبض ، فان المرتهن يحلف لا الراهن ، لاعتضاد المرتهن بالأصل ، ومثل ذلك يجري كثيرا في العادة.
قوله : ( أما لو أقر في مجلس القضاء بعد توجه دعواه فالوجه أنه لا يلتفت إليه ).
لأن الإقرار في مجالس الحكام بعد توجه الدعوى ، وطلب الجواب مما لم تجر العادة بالمسامحة فيه ، والمجازفة والعقل يقتضي أن المدعى عليه لا يقر الآن إلا بما أقدم على المؤاخذة به والإلزام بمقتضاه ، فلا يجيب إلا بما هو محقق عنده ، ولو لا
ولو اعترف الجاني بالجناية على الرهن ، فصدّقه الراهن خاصة أخذ الأرش ، ولم يتعلق به المرتهن. ولو صدقه المرتهن خاصة أخذ الأرش ، وكان رهنا الى قضاء الدين ، فإذا قضى من مال آخر فهو مال ضائع لا يدعيه أحد ، ولو جنى العبد فاعترف المرتهن خاصة قدّم قول الراهن مع اليمين.
______________________________________________________
ذلك لم يوثق بالأقارير الجارية في مجالس الحكام.
واحترز بقوله : ( بعد توجه الدعوى ) عما لو أقر في مجلس القضاء ، لا مع توجه الدعوى ، بل إقامة لرسم القبالة مثلا ، فان اليمين لا ينتفي عن المرتهن هنا.
قوله : ( ولو اعترف الجاني بالجناية على الرهن ، فصدقه الراهن خاصة أخذ الأرش ، ولم يتعلق به المرتهن ).
أي : ولم يكن للمرتهن به علاقة حق ، لتكذيبه بالجناية المقتضي لنفي استحقاقه الاستيثاق.
قوله : ( ولو صدّقه المرتهن خاصة أخذ الأرش وكان رهنا الى قضاء الدين ، فإذا قضى من مال آخر فهو مال ضائع لا يدعيه أحد ).
قد يقال : أخذ المرتهن الأرش إنما يستقيم بناء على أن المرتهن يستحق إدامة اليد على الرهن ، وقد عرفت سابقا ما فيه. إلا أن يقال : الحكم باليد هنا ثبت مطلقا ، ضرورة تعذر إذن الراهن هنا ، لإنكاره الجناية. وقوله : ( وكان رهنا الى قضاء الدين ... ) لا محصل له ، لأن كل رهن كذلك ، وكأنه أراد بكونه رهنا : مقتضاه السابق ، وهو كونه في يده الى حين قضاء الدين ثم هو مال ضائع ، أي : لا يعرف مالكه فيسلم الى الحاكم. وسيأتي ان شاء الله تعالى حكمه في الإقرار ، فيما لو كذّب المقر له المقر في إقراره. وقد يعلم من قوله : ( فإذا قضي من مال آخر ) أنه يجوز القضاء منه ، وهو صحيح لانتفاء المانع.
قوله : ( ولو جنى العبد ، فاعترف المرتهن خاصة قدّم قول الراهن مع اليمين ).
لأنه المالك ، فلا يثبت حق الجناية عليه بمجرد إقرار المرتهن.
ولو اعترف الراهن خاصة قدّم قول المرتهن مع اليمين ، فإن بيع في الدين فلا شيء للمقر له ، ولا يضمن الراهن. ويحتمل الضمان مع تمكنه من الفك لقضاء ثمنه في دينه.
______________________________________________________
قوله : ( ولو اعترف الراهن خاصة قدم قول المرتهن مع اليمين ).
لأن له حق الاستيثاق ، فلا تثبت الجناية المفضية إلى سقوطه بمجرد إقرار الراهن.
قوله : ( فان بيع في الدين فلا شيء للمقر له ، ولا يضمن الراهن ).
لعدم تقصيره ، حيث انه أقر بالجناية ، ولا تعدية ، إذ الفرض أن البيع ليس منه.
قوله : ( ويحتمل الضمان مع تمكنه من الفك لقضاء ثمنه في دينه ).
كبرى القياس محذوفة وهي : كلما كان كذلك فهو مضمون ، وقد نقل الشارح الإجماع على حقية الكبرى (١) ، ومقتضى الدليل المذكور الضمان مع قضاء الدين به وأن يتمكن من الفك. ووجهه ظاهر ، فإن إقرار الراهن بالجناية يقتضي استحقاق المجني عليه الجاني لو لا حق المرتهن ، فإذا قضى دين الراهن منه بأمره ، أو بأمر الحاكم الجاري مجرى أمره كان عليه الضمان ، وهذا قوي جدا.
لكن يرد عليه : أنه على تقدير وقوع الجناية ، فبيع العبد في الدين غير صحيح ، إن كانت الجناية عمدا ، ويبقى استحقاق القصاص والاسترقاق بحاله ، لأن الاختيار فيه الى المجني عليه ، فلا يصح الاستدلال بالقياس المذكور على الضمان في هذا الفرد.
نعم ، لو كانت الجناية خطأ ، وبيع بأمر الراهن فان وجه الضمان هنا
__________________
(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٧.
ولو قال الراهن : أعتقته ، أو غصبته ، أو جنى على فلان قبل أن رهنت حلف المرتهن على نفي العلم ، وغرّم الراهن للمقر له للحيلولة.
ولو نكل فالأقرب إحلاف المقر له لا الراهن ،
______________________________________________________
ظاهر ، لأن الأمر بالبيع من الراهن يكون التزاما للفداء فيضمنه. والظاهر أن أمر الحاكم بالبيع ـ لكونه لقضاء دين واجب عليه ـ منزل منزلة أمره ، فينبغي أن يلحظ ذلك ، وهذا إذا كانت الجناية بعد الرهن.
أما قبله فان عليه الضمان قطعا ، لأن تضييع حق المجني عليه منه حيث رهن الجاني ، ولم يخبر بالحال.
واعلم أن في عبارة المصنف مناقشة ، فإنه لا معنى لقضاء الثمن في الدين ، لأن القضاء للدين لا للثمن ، فكان حقه أن يقول : لقضاء دينه من ثمنه ، فهو كلام مغلوب. ولعله ارتكبه لظهوره ، كما في قولهم : خرق الثوب المسمار ، وهو فن من فنون كلامهم.
قوله : ( ولو قال الراهن : أعتقته ، أو غصبته ، أو جنى على فلان قبل أن رهنت حلف المرتهن على نفي العلم ، وغرم الراهن للمقر له للحيلولة ).
أي : لو قال الراهن كنت أعتقته ، أي : العبد المرهون ، أو غصبته من فلان ، أو جنى على فلان ، وكان ذلك قبل الرهن ، فأنكر المرتهن ذلك حلف على نفي العلم بما ادعاه.
والخصومة كما تجري بين المرتهن والمعتق ، والمغصوب منه والمجني عليه ، فكذا تجري بينه وبين الراهن ، لأن تخليص نفسه من الإثم والغرم أمر مطلوب ، فإذا حلف اندفعت الدعوى ، فيغرم الراهن حينئذ للمعتق ، وللمغصوب منه ، وللمجني عليه الذين هم المقر لهم ، لحيلولته بينهم وبين حقهم برهنه قبل الإقرار وإثبات السلطنة للمرتهن عليه ظاهرا.
قوله : ( ولو نكل فالأقرب إحلاف المقر له لا الراهن ).
أي : لو نكل المرتهن عن اليمين أحلف المقر له من الثلاثة المذكورين ، لا
فيباع العبد في الجناية والفاضل رهن ، أو العبد فيعتق.
ولو نكل المقر له احتمل الضمان لاعترافه بالحيلولة ، وعدمه لتقصيره بالنكول مع تمكين المقر بإقراره ، والمرتهن بنكوله ،
______________________________________________________
الراهن على الأقرب ، لأن الحق للمقر له ، فإذا نكل المدعى عليه ردت اليمين على من له الحق.
ويحتمل إحلاف الراهن ، لأن الخصومة معه ، وخلاصه من الضمان أمر مطلوب. والأصح الأول ، لأن الحلف لإثبات مال الغير لا يجوز ، والخلاص من الضمان فرع ثبوته.
قوله : ( فيباع العبد في الجناية ، والفاضل رهن ، أو العبد فيعتق ).
إذا حلف المقر له اليمين المردودة ثبت الحق ، ففي الغصب يأخذ المغصوب من ماله وهو ظاهر ، ولهذا لم يتعرض له المصنف. وفي الجناية يباع العبد إن استوعبته ، أو لم يمكن بيع ما تستدعيه الجناية.
والفاضل عنها من القيمة يكون رهنا ، وإن أمكن بيع مقدار الجناية فالباقي كما كان رهن. وفي العتق تنقطع السلطنة عن العبد المرهون ، بثبوت عتقه وحريته. واعلم أن نظم العبارة ليس بحسن ، لأن العبد مقر له ، فيندرج في قوله : ( فالأقرب إحلاف المقر له ).
فلا يحسن قوله بعد : ( أو العبد فيعتق ) لأن ذلك تكرار بغير فائدة ، مع إبهامه عدم اندراجه في قوله : ( المقر له ) وليقرأ قوله : ( فيعتق ) بفتح الياء وكسر التاء ، أي : فيظهر عتقه ، لأنه بإقراره معتق.
قوله : ( ولو نكل المقر له احتمل الضمان ، لاعترافه بالحيلولة ، وعدمه لتقصيره بالنكول مع تمكين المقر بإقراره ، والمرتهن بنكوله ).
ولو نكل المقر له عن اليمين احتمل ضمان المقر له ، لاعترافه بالحيلولة الموجبة لضمانه ، فلا يسقط الغرم الواجب بسببهما بنكول المقر له. ويحتمل عدمه ، لتقصير المقر له بنكوله عن اليمين ، مع تمكين المقر إياه من اليمين بإقراره والمرتهن
وغرامته للعبد بفكه من الرهن عند الحلول ، فإن تعذر وبيع وجب فكه بالقيمة مع البذل ، وبالأزيد على اشكال.
______________________________________________________
بنكوله. وليس بشيء ، لأن تقصيره في إثبات حقه على المرتهن لا يسقط حقه عن الراهن.
ولا محصل لقوله : ( مع تمكين المقر بإقراره ) فإنّ ردّ اليمين على المقر له لا يتوقف على إقرار المقر. وكأنه أراد معنى آخر ، وهو : أن المقر لم يقصّر فيما وجب عليه ، حيث أقر بالصورة الواقعة ، فلم تساعده العبارة.
ويرد عليه : أن عدم تقصيره لا يسقط ما وجب بالعدوان السابق حيث رهنه ، ولم يخبر بالواقع ، على أن النكول عن اليمين لا يعد تقصيرا ، فان الفرار من الحلف أمر مطلوب مرغب فيه في الكتاب والسنة ، والحق أنه يضمن.
قوله : ( وغرامته للعبد بفكه من الرهن عند الحلول ).
أي : الغرامة للمجني عليه والمغصوب منه للحيلولة حيث يجب معلوم ، فلا يحتاج الى التعرض لبيانه. وأما الغرم للعبد الذي أقر بأنه معتق ، فحيث أنه ليس على نهج الغرم في الأولين تعرض لبيانه.
فغرامته له إنما تعقل بفكه من الرهن ، إذ لا يعقل أمر آخر مثل غرم القيمة له مثلا ، إذ الحر لا قيمة له. وقوله : ( عند الحلول ) مستدرك ، بل مفسد ، لأن فكه واجب سواء كان قبل الحلول أو بعده. وإن كان بعد الحلول قد صار متمكنا من إلزام المرتهن باستيفاء دينه ، وفك الرهن ، إلا أنه قبل الحلول لو امكنه ذلك ، بإرضائه إياه ولو ببذل زيادة وجب عليه.
قوله : ( فان تعذر وبيع وجب فكه بالقيمة مع البذل ، أو بالأزيد على اشكال ).
لا شبهة في وجوب الفك بالقيمة فما دون مع القدرة على البذل ، وإنما الإشكال مع عدم القبول إلا بزيادة على القيمة.
ومنشؤه : من أن بذل ما زاد على القيمة ضرر ، فيكون منفيا ، ومن أن التخليص واجب ، ولا يتم إلا بذلك فيجب ، وهو الأصح ، لأنه أدخل هذا
فإن أعتق فلا ضمان ، إلا في المنافع التي استوفاها المشتري لا غيرها ، إذ منافع الحر لا تضمن بالفوات ، وقبله يضمنها لما يتبع به بعد العتق كالجناية.
______________________________________________________
الضرر على نفسه برهن الحر ، نعم لو أجحف بماله. (١).
قوله : ( فإن أعتق فلا ضمان ، إلاّ في المنافع التي استوفاها المشتري لا غيرها ، إذ منافع الحر لا تضمن بالفوات ).
إذا أعتق هذا العبد المقر بحريته بسبب من الأسباب ، فإن وجوب التخليص حينئذ يسقط عنه لحصوله بالعتق ، ولا يجب على المقر ضمان شيء لأجله ، سوى المنافع التي استوفاها المشتري لتقومها ، وكون الراهن سببا في تسلط المشتري على استيفائها ، سواء استوفاها بنفسه ، أو بوكيله ، أو بالإجارة ، أو بالعارية ، ونحو ذلك ، والمباشر ضعيف بالغرور.
أما المنافع التي فاتت فإنها لا يجب ضمانها ، لأن منافع الحر لا تضمن بالفوات ، إذ لا يدخل الحر تحت اليد ، لأن الذي يدخل تحت اليد هو المال.
ويظهر من العبارة أنه لو استوفى المنافع غير المشتري ، بأن غصب العبد غاصب ، وانتفع به ، أنه لا يجب ضمانها على المقر. وهو محتمل ، لأن ذلك ليس ناشئا عنه ، إذ ليس بسبب تعديه برهن الحر ، وإنما ذلك بعدوان الغاصب.
ويحتمل الضمان ، لأن الظاهر غصبه لزعمه أنه مملوك ، وذلك الاعتقاد بسبب المقر.
قوله : ( وقبله يضمنها ، لما يتبع به بعد العتق كالجناية ).
أي : قبل العتق ، أما عدم ضمان المنافع بعد عتق العبد ، وزوال السلطنة الظاهرة عنه فواضح. وأما ضمانها قبل العتق في حال العبودية ، وثبوت السلطنة ظاهرا فقد يتوهم امتناعه ، وذلك لأن المدفوع اليه اجرة منافعه ملك للمشتري ظاهرا ، فيستحق انتزاعه ، فلا بد من ضمانه ، فإذا دفع اليه انتزعه المشتري ،
__________________
(١) هكذا في النسخة الخطية والحجرية.
______________________________________________________
وهكذا الى ما لا نهاية له ، فيلزم التسلسل.
وهذا إنما يتم على تقدير أمرين :
أحدهما : أن كلما ضمن للعبد لا بد من دفعه اليه على وجه يعلم به المشتري ، وليس ذلك بلازم ، لإمكان ضمانه على وجه يرضى ببقائه في يده ، أو يد شخص آخر بالوكالة ، أو يسلمه اليه ، بحيث لا يعلم المشتري ، ويستره العبد عنه.
الثاني : أن كلما وصل الى المشتري من العبد يجب على المقر ضمانه ، ومقتضى كلام المصنف الآتي ـ فيما لو سعى العبد : أنه لا يضمن المقر الا اجرة المنافع ، دون ما دفعه بالكتابة ـ عدم الضمان ، وحينئذ فإذا أخذه المشتري لا يجب ضمانه دفعة اخرى.
ولا يقال : إن بين هذا ، وبين ما زاد على اجرة منافعه من مال الكتابة فرقا ، لأن العبد التزم به ، ودفعه باختياره.
وأما هنا فإن المأخوذ منه قهرا ، فلا يلزم من إسقاط الضمان هناك سقوطه هنا ، لأنا نقول : إن التزامه بمال الكتابة ليس باختياره قطعا ، وإنما هو لخلاص رقبته من سلطنة الرق بغير حق ، الناشئ عن تغرير المقر ورهنه ، فلا فرق.
إذا عرفت هذا ، فلتوهم امتناع هذا الضمان قيّد المصنف الضمان بكونه لما يتبع به بعد العتق ، كالجناية التي يقر بها العبد ، وينكرها المشتري ، ولا يمكن إثباتها ، وكذا لو أقرّ بها المشتري ، أو ثبتت وصرف ذلك فيها باذن العبد ، إذا كانت توجب المال ، أو وقع التراضي على المال.
وكذا لو أقر بمال ، أو أتلف مالا ، أو تزوج امرأة بغير اذن المشتري ، وهي جاهلة بحاله ، فإن المضمون للعبد حينئذ من المقر يرصد لهذه بيد الحاكم ، ولا يتعين ، بل إن أمكن أن يرصد في يد شخص باذن العبد جاز ، بل هو متعين ، ومقدم على التسليم الى الحاكم ، وكذا صرفه الى المقر له باذن العبد حالا.
وإن كوتب بالقيمة ، أو بالأدون ، أو بالأزيد مع عدم التخلص إلا به وجب على المقر تخليصه به ،
______________________________________________________
فان قلت : كيف يجوز للحاكم ، أو الوكيل ، أو المقر له أخذ هذا المال ، الذي هو مال مملوك ظاهرا ، فهو ملك للمشتري في الحقيقة بغير إذنه؟ إذا قال المقر له : هذا مالي ، ضمنته لهذا العبد الذي أعتقته قبل الرهن بمقتضى الغرم ، لم يكن للمشتري المطالبة به ، ولا للحاكم ، وللوكيل الاعتراض ، لأنه إن كان صادقا في قوله فلا بحث ، وإن كان كاذبا فهو ماله يدفعه الى من شاء ، وقول الشارح : ان اجرة المنافع تعد عند الحاكم (١) ، إن أراد به تعيين ذلك فقد عرفت ما فيه ، وإن لم يكن ذلك مراده فلا وجه لقصر الحكم عليه ، بل إذا أمكن دفعه الى وكيل العبد تعين كما قلناه.
بل قول المصنف : ( يضمنها لما يتبع به بعد العتق كالجناية ) ليس بجيد ، لأن مقتضاه الحصر في ذلك. وليس بجيد ، لأن هذا مال للعبد ، وتعذر إيصاله اليه على ما قرروه إن تم لا يقتضي حصره في المصرف المذكور ، لانه لو صرف في مأكله وملبسه مع الحاجة جاز ، ولو صرف في نفقة قريبه الحر إذا كان واجب النفقة جاز ، الى غير ذلك ، فلا وجه لما ذكره.
قوله : ( وإن كوتب بالقيمة ، أو بأدون ، أو بالأزيد مع عدم التخليص إلاّ به ، وجب على المقر تخليصه ).
هذا ايضا من أحوال العبد ، وتقريره : أنه إذا لم يمكن فكه ، ولم يعتق ، بل كوتب ، سواء كانت بالقيمة ، أو بالأدون ، أو بالأزيد ، لأن ذلك كله بحسب الواقع بمقتضى الإقرار بغير حق وجب على المقر تخليصه ببذل مال الكتابة ، إن لم يمكن التخليص إلا به.
فقوله : ( مع عدم التخليص إلاّ به ) قيد لقوله : ( وجب على المقر تخليصه ) فهو في معنى الشرط.
__________________
(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٨.
فإن سعى العبد ضمن الأجرة خاصة على الأقوى بخلاف الميراث.
______________________________________________________
فكأنه قال : وجب تخليصه ، وذلك لأنه لم يمكن التخليص إلا به ، والظرف متعلق بقوله : ( وجب ) ، والضمير يعود الى محذوف يدل عليه السياق ، تقديره : وجب تخليصه بذلك المذكور من القيمة ، والأدون ، والأزيد الذي هو مال الكتابة.
واعلم أن في قوله : ( أو بالأزيد ... ) رجوعا عن الاشكال السابق ، في وجوب التخليص بالأزيد من القيمة.
قوله : ( فان سعى العبد ضمن الأجرة خاصة على الأقوى ، بخلاف الميراث ).
أي : فان لم يخلصه ، وسعى العبد في أداء مال الكتابة فالواجب على المقر حينئذ ضمان اجرة منافعه فقط ، دون ما زاد عليها ، مما بذله في مال الكتابة ، لأنه دفعه بغير اذنه في فك رقبة لم تدخل تحت ضمانه ، فإن رقبة الحر لا تضمن.
ويضعّف بأن الضمان غير منحصر سببه في الإذن بالدفع ، فان التسبب إلى الإتلاف موجب للضمان ، حيث يكون المباشر ضعيفا ، وهاهنا كذلك ، فان العبد لما كان حرا بزعم المقر ، وكان تحت سلطنة الرق بغير حق ناشئا عن المقر كان كلما ينشأ عن الرقية من الإتلافات مستندا اليه ، والمباشر ضعيف بالغرور ، فيكون الضمان عليه.
ولا ريب أن الخلاص من الرق أمر مطلوب للعقلاء ، لما فيه من الخلاص من الذل العظيم والحقوق الكثيرة ، خصوصا إذا كان الرق في نفس الأمر منتفيا ، فالأصح ضمان أكثر الأمرين.
ويحتمل ضعيفا ضمان أقل الأمرين ، لأنه إن كان المدفوع أقل فهو التالف ، وإن كانت الأجرة أقل فهي المضمونة على ما سبق أولا ، وضعفه معلوم مما سبق.
وقوله : ( بخلاف الميراث ) أراد به على ما فسره به بعضهم : أنه لو مات ، فأدى مال الكتابة من ميراثه وجب ضمانه للوارث ، وإن كان أزيد من اجرة
وإن أعتق من الزكاة فلا ضمان فيه ، وكذا لو أبرأه السيد.
ولو عجز عن أداء الجميع وجب دفع ما يتمكن منه ،
______________________________________________________
المنافع ، لأنه مدفوع بأمر الشارع ، لا باختيار المكاتب ، وأمر الشارع نشأ عن تسبيب المقر ، فيكون عليه ضمان الجميع.
وحمله الشارح ولد المصنف على أن المراد به : ما يدفع من تركة مورث هذا العبد ، إذا مات مورثه ولم يخلف وارثا غيره (١) ، فان قيمته تدفع إلى المشتري ، ويسلم باقي الإرث اليه ـ على ما سيأتي بيانه في الميراث إن شاء الله تعالى ـ فإن هذا المدفوع يجب ضمانه على المقر ، لكونه ناشئا عن رهنه إياه المفضي الى بيعه ، والدافع هو الحاكم دون العبد ، وإنما كان هذا مخالفا لحكم مال الكتابة ، حيث لا يضمن المقر ثمّ إلا اجرة المنافع ، وهذا مضمون عليه ، مع كونه ليس من الأجرة.
والفرق ما قدمناه ، من أن الدفع هنا بأمر الشارع الناشئ عن رهن المقر ، والمدفوع هناك باختيار العبد ، وعلى ما اخترناه فهذا ساقط.
قوله : ( وإن أعتق من الزكاة فلا ضمان فيه ).
أي : دفع مال الكتابة من الزكاة ، وأعتق من أول الأمر بدون الكتابة فلا ضمان في هذا إذا لم تكن هناك منافع مستوفاة ، إذ لا تفويت هنا ، ولم يدخل المأخوذ في ملك العبد.
ويحتمل ضمانه للأصناف ، لأن صرفه في غير وجهه مستند الى تسبيبه ، وفيه قوة.
قوله : ( وكذا لو أبرأه السيد ).
أي : لا ضمان هنا أيضا ، مع عدم استيفاء شيء من المنافع ، أو لا ضمان في هذا المال الذي أبرأه السيد ، إذ لا مال بمقتضى الإقرار ، ولا إبراء.
قوله : ( ولو عجز عن أداء الجميع وجب دفع ما يتمكن منه ).
__________________
(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٩.
ولو كانت مشروطة فدفع القيمة لعجزه عن تمام مال الكتابة ثم استرق رجع المقر بما دفعه في التخليص.
ولو جنى على عبد المقر ، أو نفسه ، أو مورثه وكان عبدا ، أو مكاتبا أخلص منه بقدرها.
______________________________________________________
أي : لو عجز المقر عن أداء جميع مال الكتابة وجب عليه أن يدفع ما يتمكن من دفعه ، إذ لا يسقط الميسور بالمعسور ، ولأن فيه تخفيفا للأمر على العبد ، وتقليلا لدينه.
قوله : ( ولو كانت مشروطة ، فدفع القيمة لعجزه عن تمام مال الكتابة ، ثم استرق رجع المقر بما دفعه في التخليص ).
الضمير في ( دفع ) يعود الى المقر ، وكذا في قوله : ( لعجزه ) ، ولا يخفى أن ضمير ( استرق ) يعود الى المكاتب ، والمعنى : أنه لو دفع القيمة لعجزه عما سواها من باقي مال الكتابة ، ولا وجه لتعيين القيمة في الفرض ، إذ الحكم آت في كل ما دفع من قليل وكثير ، ثم استرق العبد ، فان المال المدفوع لم يتبرع المقر به ، ولا قضى به دينا على العبد ، لأن إقراره يقتضي فساد الكتابة وبراءة ذمته ، وإنما حاول بهذا تخليص رقبة الحر ، وافتداءه من الرقية الثابتة ظاهرا ، فحيث لم يحصل رجع الى ما دفعه. ويحتمل العدم ، لأن المشتري ملكه بالدفع اليه ، على أنه من مال الكتابة ، فلا يثبت الرجوع به ، فإن المأخوذ من الزكاة لا يستعاد لو دفع الى المكاتب المشروط ، فدفعه الى مولاه ، أو دفع الى المولى ، فهنا أولى.
والحق أن يقال : إن له الرجوع فيما بينه وبين الله إن كان إقراره صحيحا. وأما ظاهرا فان دفع الى المشتري ذلك ، وأخبره بالصورة حين الدفع فله الرجوع عليه ، وكذا لو أقر بأن الدفع ما كان إلا لهذه الجهة ، وإلا فلا.
قوله : ( ولو جنى على عبد المقر ، أو نفسه ، أو مورثه وكان عبدا ، أو مكاتبا خلص منه بقدرها ).
من أحوال العبد المذكور : أنه لو جنى على عبد المقر ، أو نفسه ، أو مورثه
ولو أوصى لشخص بخدمته دائما ، ولآخر برقبته فأعتق ضمن له اجرة المثل لكل خدمة مستوفاة.
______________________________________________________
وكان عبدا ، أو مكاتبا فإنه يخلص منه ـ من سلطنة المشتري الثابتة عليه ظاهرا ـ مقدار ما أوجبته الجناية ، فيسقط حينئذ عن المقر وجوب تخليص ذلك القدر ، ويسعى في تخليص ما بقي إن بقي منه بعد الجناية بقية.
وهذا لا يستقيم على إطلاقه ، بل إنما يكون ذلك في الجناية عمدا إن لم يقتص ورضي بالاسترقاق ، أو خطأ وسلمه المشتري فلم يفده ، فإنه حينئذ يتسلط على تملكه بمقتضى الجناية ، فتنقطع سلطنة المشتري عنه ، فيسقط وجوب تخليصه لحصوله بذلك ، لكن لا يسقط ما وجب عليه من مال ، أو قصاص.
فلو ثبت له عليه اجرة منافع تقاصّا ، حيث تجتمع شروط التقاص ، ولو فداه المشتري في الخطأ سقطت المطالبة بالجناية ، ولا يجوز له أخذ عوض الجناية ، إلا أن يخبره بالحال ، ويدفع اليه تبرعا ، ومتى لم يخلص بالجناية ، فوجوب التخليص بحاله.
ولا يخفى أن جنايته على مورث المقر إنما تسقط وجوب التخليص ، إذا مات وورثه المقر قبل الاستيفاء ، والتقييد بكونه عبدا أو مكاتبا ، لان وجوب التخليص في هاتين الحالتين ، إذ لو كان حرا لم يعقل وجوب تخليصه ، والضمير في
قوله : ( بقدرها ) يعود إلى الجناية المذكورة في قوله : ( جنى ) ضمنا.
قوله : ( ولو اوصى لشخص بخدمته دائما ، ولآخر برقبته ، فأعتق ضمن له اجرة المثل لكل خدمة مستوفاة ).
من أحوال العبد المذكور : أنه لو لم يفتكه المقر ، وأوصى المشتري بخدمته دائما ، ولآخر برقبته ، فأعتق الرقبة الموصى له بها ، فإن المقر يضمن له اجرة المثل لكل خدمة مستوفاة ، وعلى ما اخترناه من ضمان أكثر الأمرين يضمن له كل ما استوفى منه ، مما له قيمة من خدمة ، وغيرها.
ولو مات عبدا ضمن لوارثه الحر اجرة منافعه المستوفاة ، وما وصل الى مولاه من كسبه ، ولو أعتقه فأخذ كسبه بالولاء ضمنه للإمام.
ولو انتقل الى مورث المقر فأعتقه في كفارة ، أو نذر غير معين وحاز المقر التركة ، أو بعضها أخرج الكفارة أو النذر.
ولا يزاحم الديون والوصايا مع التكذيب.
______________________________________________________
قوله : ( ولو مات عبدا ضمن لوارثه الحر اجرة منافعه المستوفاة ، وما وصل الى مولاه من كسبه ).
أي : لو مات العبد ، وقد أوصى به على ما سبق قبل أن يعتق ـ ويمكن أن يكون هذا فرعا برأسه منقطعا ، لصحته على كل من التقديرين ـ ضمن لوارثه الحر الذي لا مانع له من الإرث ، ولو سكت عن قوله : ( الحر ) لم يضر ، لأن العبد لا يعد وارثا.
والتقييد بـ ( الحر ) لا يكفي في كونه وارثا اجرة منافعه المستوفاة على ما سبق ، وما وصل الى مولاه من كسبه ، وهذا الحكم لا يجري إلا على القول بضمان أكثر الأمرين.
قوله : ( ولو أعتقه فأخذ كسبه بالولاء ضمنه للإمام ).
من أحوال هذا العبد : أن المشتري ، أو الموصى له برقبته لو أعتقه تبرعا ، بحيث ثبت له عليه الولاء ظاهرا ، فأخذ كسبه بالولاء إرثا ضمنه المقر للإمام ، إذا كان المقر قد أعتقه سائبة ، إذ لو أعتقه تبرعا كان الولاء له ، ولا يغرم لنفسه ، فلا يتصور ضمان إلا في السائبة ، وإطلاقه ضمان الكسب للإمام يتخرج على ضمان أكثر الأمرين ، وإلا ضمن اجرة المنافع خاصة.
قوله : ( ولو انتقل الى مورث المقر ، فأعتقه في كفارة ، أو نذر غير معين ، وحاز المقر التركة أخرج الكفارة أو النذر ، ولا يزاحم الديون والوصايا مع التكذيب ).
من أحوال هذا العبد : انه لو انتقل الى مورث المقر ، فأعتقه في كفارة ، أو
ولو استولدها المشتري لم يحسب على الولد نصيب المقر لو كان وارثا ،
______________________________________________________
نذر عتق غير معين ـ واحترز به عما لو كان نذر العتق معينا بأن نذر عتقه بخصوصه ـ فإنه كما أن العتق باطل فكذا النذر ، لتعلقه بعينه ، وهو مفروض الحرية.
أما إذا كان النذر غير متعلق بعينه فإنه يلزم ، ولا يجزئ إعتاقه ، لكونه حرا بزعم المقر الذي هو الوارث ، أو أحد الورّاث. فإذا مات مورث المقر ، وحاز التركة ، أو بعضها أخرج الكفارة ، أو النذر مما في يده ، لبقائهما في ذمة مورثه.
ولو أن مورثه قضى بالعبد المذكور بعض الحقوق الواجبة عليه ، كأن أعتقه من زكاته الواجبة عليه وجب عليه إخراج تلك الزكاة أيضا.
وقوله : ( ولا يزاحم الديون والوصايا مع التكذيب ) معناه : أنه لو كان على المورث ديون ، أو أوصى لجماعة بوصايا لم تزاحم هذه الكفارة ونذر العتق تلك الديون والوصايا ، مع تكذيب أرباب الديون والموصى لهم ، لو ضاقت التركة لنفوذ العتق ظاهرا ، فلا يقبل إقرار المقر عليهم ، وتصرف جميع التركة في الديون ، وتبقى الكفارة والنذر في ذمة الميت.
ولو أمكن أن يقتطع من التركة ما يقتضيه التقسيط للكفارة والنذر ، بحيث لا يعلم أرباب الديون فليس ببعيد وجوبه.
أما الوصايا ، فان تصوير المسألة فيها بحيث تستوعب التركة ، ولا تزاحمها الكفارة والنذر ونحوهما ، ولا ينفذ إقرار المقر على أربابها مشكل ، فإنها من الثلث ، فلا بد أن تبقى بعدها بقية ، فيصرف في النذر والكفارة.
نعم قد يتصور قصور الباقي ، فلا يزاحم في الثلث. ولا يقال : إنه قد تتصور اجازة الورثة الوصايا ، فتستوعب التركة ، لعدم جواز هذه الإجازة منه ، إلا أنه قد يتصور وقوعها منه ، فيؤاخذ بها ظاهرا.
قوله : ( ولو استولدها المشتري لم يحسب على الولد نصيب المقر لو كان وارثا ).
ولا يحسب من مال المشتري بالنسبة إلى المقر ، فلا يخرج ما أوصى له المشتري به منه ، إلا في أخذه في دينه لو دفع اليه فيعتق عليه.
______________________________________________________
أي : لو كان المملوك الذي أقر الراهن بسبق عتقه أمة ، وانتقلت إلى المشتري ، فاستولدها ، ومات ، وكان المقر وارثا له ، فان نصيبه من المستولدة على تقدير الرق لا يحسب على الولد من نصيبه من التركة ، لاعترافه بكونها حرة.
قوله : ( ولا يحسب من مال المشتري بالنسبة إلى المقر ، فلا يخرج ما أوصى له به منه ، إلا في أخذه في دينه لو دفع اليه ، فينعتق عليه ).
من أحوال هذا العبد : أنه لو كان مشتريه قد مات ، واوصى للمقر المذكور بشيء من أمواله ، ولم يجز الوارث ، فاحتيج إلى معرفة قدر الثلث ، لتخرج منه الوصية لا يحسب ذلك العبد من التركة ، لأنه حر بإقرار الموصى له ، فلا يستحق باعتباره شيئا من الوصية ، إذ التركة بمقتضى إقراره ما عدا العبد ، فيكون له بحساب الثلث ما سواه.
ولو كان ما أوصى له به المشتري دينا عليه ، فدفع اليه عن دينه وجب القبول ، فيعتق عليه حينئذ بمقتضى إقراره.
فإن قلت : إنما يجب قبول المدفوع عن الدين إذا ساواه جنسا وقدرا ، فكيف يجب قبول العبد؟
قلت : يمكن فرض المساواة ، كما لو كان الدين عبدا ثبت بالسلف ، وطابق الواجب ما في الذمة ، ويجب أيضا قبوله لو انحصر طريق تخليصه من الرق في قبوله عن الدين ، لا إن أمكن تخليصه بوجه آخر ، فإطلاق بعض الشارحين وجوب القبول لا يخلو من شيء.
إذا عرفت ذلك ، فقوله : ( فلا يخرج ما أوصى له به منه ) المتبادر منه : أن ما أوصى به المشتري للمقر لا يخرج من العبد ، فان الضمير الأول للمقر ، والثاني للوصية وهي : ( ما ... ) ، والثالث للعبد.
ولا محصل له ، لأنه لو أوصى له بعبد يختاره الوارث ، فدفع اليه هذا العبد لم يكن له الامتناع بعد قبول الوصية ، خصوصا إذا توقف تخليصه على القبول ، فإنه
ولو اعترفا بقبض العدل الرهن لم يضر إنكاره في اللزوم إن شرطناه.
ولو اعترف أحدهما خاصة فالقول قول المنكر ، ولا تقبل شهادة العدل عليه.
ولو قال المالك : بعتك السعة بألف ، فقال : بل رهنتها عندي
______________________________________________________
يجب قطعا ، ويحسب من مال المشتري على هذا التقدير ، فلا تخلو العبارة من شيء ، إلا أن ينزل من على معنى السببية ، وفيه ما لا يخفى.
وليس الاستثناء منقطعا ، لأنه مما دل عليه قوله : ( ولا يحسب من مال المشتري بالنسبة إلى المقر ) ، فكأنه قال : لا يحسب منه في حال ، إلا في أخذه من دينه ، على تقدير دفعه. وعبارة الكتاب خالية من الدلالة على وجوب القبول ، لأن كونه في حال الأخذ عن الدين محسوبا مالا لا يستلزم وجوب الأخذ.
قوله : ( ولو اعترفا بقبض العدل الرهن لم يضر إنكاره في اللزوم إن شرطناه ).
أي : لو اعترف كل من الراهن والمرتهن بقبض العدل عن المرتهن باذن الراهن ، وأنكر هو لم يضر إنكاره في صحة الرهن ولزومه ، لأن تصديقه لا أثر له في ذلك ، إذ المعتبر إقرارهما ، وهذا على تقدير اشتراط القبض في لزوم الرهن.
قوله : ( ولو اعترف أحدهما خاصة فالقول قول المنكر ).
فان كان هو الراهن فلا بدّ من اليمين لنفي دعوى المرتهن ، وإن كان المرتهن انتفى بغير يمين ، لأن الحق له.
قوله : ( ولا تقبل شهادة العدل عليه ).
اي : على المنكر ، لأن الفرض كونه وكيلا في القبض الذي به لزوم الرهن ، ولا تقبل شهادة الوكيل فيما هو وكيل فيه.
قوله : ( ولو قال المالك : بعتك السلعة بألف ، فقال : بل رهنتها
بها فالقول قول كل منهما في العقد الذي ينكره بعد اليمين ، ويأخذ المالك سلعته.
المقصد الثالث : في الحجر :
وهو المنع عن التصرف ، وأسبابه ستة : الصغر ، والجنون ، والرق ، والمرض ، والسفه ، والفلس. فهنا فصول :
الأول : في الصغر : ويحجر عليه في جميع التصرفات ، ويعتد باخباره عن الاذن في فتح الباب ، والملك عند إيصال الهدية ، وإنما يزول الحجر عنه بأمرين : البلوغ ، والرشد.
أما البلوغ فيحصل بأمور :
أ : إنبات الشعر الخشن على العانة ، سواء كان مسلما أو كافرا ، ذكرا أو أنثى.
______________________________________________________
عندي بها ، فالقول قول كل منهما في العقد الذي ينكره [ بعد اليمين ] (١) ويأخذ المالك سلعته ).
الحاصل أنّ كلّ واحد منهما مدع لشيء ينكره الآخر ، فيتحالفان ، ويندفع كلّ من العقدين المدعى بهما ، فيأخذ المالك سلعته.
قوله : ( المقصد الثالث : في الحجر : وهو : المنع عن التصرف ، وأسبابه ستة : الصغر ، والجنون ، والرق ، والمرض ، والسفه ، والفلس ، فهنا فصول : الأول : الصغر : ويحجر عليه في جميع التصرفات ، ويعتد باخباره عن الاذن في فتح الباب ، والملك عند إيصال الهدية ، وإنما يزول الحجر عنه بأمرين : البلوغ والرشد ، أما البلوغ فيحصل بأمور : أ : إنبات الشعر الخشن على العانة ، سواء كان مسلما أو كافرا ، ذكرا أو أنثى ).
ردّ بذلك على الشافعي في أحد قوليه (٢) ، حيث لم يحكم بالبلوغ به في حق المسلمين.
__________________
(١) لم ترد في « م » و « ق » ، وأثبتناها من خطية القواعد لاقتضاء الشرح لها.
(٢) الوجيز ١ : ١٧٦ ، السراج الوهاج : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.