جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣

ه : لو رهن عصيرا فصار خمرا في يد المرتهن زال الملك ، فإن أريق بطل الرهن ، ولا يتخير المرتهن لحصول التلف في يده ، فإن عاد خلا عاد الملك والرهن.

ولو استحال قبل القبض تخيّر المرتهن في البيع المشروط‌ فيه.

______________________________________________________

قوله : ( لو رهن عصيرا ، فصار خمرا في يد المرتهن زال الملك ، فإن أريق بطل الرهن ).

لا يخفى أن زوال الملك لا يقتضي زوال جميع آثاره ، فتبقى الأولوية ، لأن استبقاء الخمر للتخليل ، والتخليل جائز اتفاقا ، فيبطل كونه رهنا ، لا على معنى اضمحلال أثره بالكلية ، بل علاقته باقية لبقاء الأولوية. ففي الحقيقة ، الملك والرهن موجودان بالقوة القريبة ، لأن تخلله متوقع ، وإنما الزائل كونه ملكا ورهنا بالفعل ، لوجود الخمرية المنافية لذلك ، فإن أريق بطل الرهن لفوات محله. في العبارة لطيفة ، حيث قال : ( زال الملك فيما إذا صار خمرا ) ولم يقل بطل الرهن. ومع الإراقة حكم ببطلان الرهن ، إيذانا بأن أثر الرهن لا يضمحل بالتخمر بالكلية ، كما حققناه.

قوله : ( ولا يتخير المرتهن لحصول التلف في يده ).

المفهوم من هذه العبارة : أن المرتهن إذا اشترى أو باع بشرط رهن له ، فعرض للرهن التخمر في يده لا خيار له في فسخ ذلك البيع المشروط به ، بدليل ما سيأتي في العبارة.

لكن ما ذكره من التعليل غير جيد ، لأن مقتضاه : أنه لو تلف في يد الراهن يتخير في البيع ، وليس كذلك ، غاية ما في الباب : أنه لو عرض ذلك قبل القبض ، وقلنا بأن القبض شرط لصحة الرهن أثر ، وإلا فلا.

قوله : ( فان عاد خلا عاد الملك والرهن ).

توجيهه معلوم مما سبق.

قوله : ( ولو استحال قبل القبض ، تخيّر المرتهن في البيع المشروط فيه ).

٦١

فإن عاد خلا تعلق حق المرتهن به إن لم نشترط القبض في الرهن.

ولو جمع خمرا مراقا فتخلل في يده ملكه ، ولو غصب خمرا فتخلل في يده فالأقرب انه كذلك. أما لو غصبه عصيرا فصار خمرا في يده ثم تخلل فإنه يرجع الى مالكه.

______________________________________________________

ينبغي أن يكون هذا منزلا على القول باشتراط القبض في الرهن ، أما على القول بعدم اشتراطه فلا وجه له ، وبمثل ذلك صرح في التحرير قال : لو رهنه عصيرا ، فصار خمرا قبل القبض بطل الرهن ، ولا خيار للمرتهن في البيع الذي شرط فيه ارتهانه عندنا ، ومن شرط القبض اثبت الخيار (١). وعبارة التذكرة قريبة مما هنا (٢).

قوله : ( فإن عاد خلا تعلق حق المرتهن إن لم يشرط القبض في الرهن ).

لأن الرهن قد تم ، لعدم توقف تمامه على القبض ، ولم يبطل بالكلية بمجرد صيرورته خمرا كما عرفت.

قوله : ( ولو جمع خمرا مراقا ، فتخلل في يده ملكه ).

لأن الأولوية تزول بالإراقة ، كما لو زال أولويته في تحجير الأرض ، ونحو ذلك ، فكل من حازه كان أحق به ، فإذا تخلل في يده ملكه.

قوله : ( ولو غصب خمرا ، فتخلل في يده فالأقرب أنه كذلك ).

وجه القرب : زوال ملك الأول عنها ، فيكون لصاحب اليد كسائر المباحات. ويحتمل عود الملك الى المغصوب منه ، فان له حقا ، وهو إثبات اليد عليها.

والتحقيق : أن الخمر قسمان :

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ٢٠٣.

(٢) التذكرة ٢ : ١٩.

٦٢

و : يجوز أن يستعير مالا ليرهنه ، فيذكر قدر الدين ، وجنسه ، ومدة الرهن.

______________________________________________________

محترمة : وهي التي اتخذت للتخليل ، فإن إبقاءها لذلك جائز إجماعا ، ولأنه لو لا احترامها لأدى ذلك الى تعذر اتخاذ الخل ، أن العصير لا ينقلب إلى الحموضة إلا بتوسط الشدة ، فلو لم تحترم ، وأريقت في تلك الحالة لتعذر اتخاذ الخل ، فهذه لو غصبها غاصب يأثم ، ويجب عليه ردها ، وبالتخليل يضمن المثل لو تلفت.

وغير المحترمة : ما اتخذت لغرض الخمرية. فما قربه المصنف صحيح في القسم الثاني ، دون الأول.

واعلم : أن تأنيث الخمر سماعي ، فالضمائر الواقعة في العبارة مذكرة عائدة إليها حقها أن تكون مؤنثة. وفي بعض النسخ ( فتخللت ) وهو الصواب. لكن يجب في الباقي التأنيث أيضا.

قوله : ( يجوز أن يستعير مالا ليرهنه ، فيذكر قدر الدين وجنسه ومدة الرهن ).

ظاهر هذه العبارة : أن هذا على طريق الوجوب ، فلا يكون الرهن صحيحا بدونه ، وإن كان ظاهر قوله فيما بعد : ( ولو لم يعين تخير الراهن ... ) المخالفة.

ويبعد أن يقال : أن التعيين واجب ، ولو أخل به تخير ، تمسكا بظاهر الإطلاق ، ويكون جمعا بين الكلامين ، فإنه جمع غير واضح.

وفي التذكرة صرح بأن الأقوى وجوب تعيين قدر الدين ، وجنسه ، وصفته ، في الحلول والتأجيل ، وغيرهما ، مستدلا بلزوم التغرير بالمالك بدونه ، لاحتمال أن يرهن ماله على أضعاف قيمته ، والى مدة تزيد على عمره ، ولا غرر أعظم من ذلك (١).

وفي الدروس ذهب الى عدم وجوب التعيين إن جعلناه عارية (٢).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥.

(٢) الدروس : ٣٩٧.

٦٣

فإن خالف فللمالك فسخه ، وإلاّ فلا.

ولو رهن على أقل صح ، وعلى أكثر يحتمل البطلان مطلقا ، وفيما زاد.

______________________________________________________

والأصح ما في التذكرة ، لأنه مع اللزوم لا فرق بين كونه عارية وضمانا.

وهل يجب تعيين من يرهن عنده؟ حكى في التذكرة عن العامة خلافا في ذلك (١) ، ولم يفت بشي‌ء. ولا بأس بوجوب تعيينه ، لما في ذلك من التفاوت المفضي إلى حصول الضرر.

قوله : ( فان خالف فللمالك فسخه ، وإلاّ فلا ).

لكونه حينئذ تصرفا فضوليا.

قوله : ( ولو رهن على أقل صح ).

لثبوت الإذن في الأقل بطريق أولى.

قوله : ( وعلى أكثر يحتمل البطلان مطلقا ، وفيما زاد ) (٢).

ووجه الأول : أنه تصرف غير مأذون فيه ، ووجه الثاني : أنه الذي لم يؤذن فيه ، فأشبه ما لو جمع ما بين رهن المأذون وغيره. وكل من الوجهين محتمل.

ولا يخفى أن المراد بالبطلان : عدم اللزوم ، بدليل ما سبق ، فيما لو خالف المأذون فيه. ويجب أن يستثني من هذه المسألة ما لو رهنه بالزائد ، وبكل جزء منه فإنه رهن بالمقدار المأذون فيه على وفق الإذن ، والزائد موقوف. ويكون موضع الوجهين ما إذا رهنه بمجموع الزائد فقط.

ويشكل على الصحة : انا إذا حكمنا بتقسيط الاجزاء على الاجزاء ، يكون‌

__________________

(١) فتح العزيز ( مع المجموع ) ١٠ : ٢٢ ـ ٢٣ ، الوجيز ١ : ١٦١.

(٢) « المتجه أنه إن رهن على الأكثر وعلى كل جزء منه فيصح في المأذون فيه ويبطل في الزائد وجها واحدا ، وإن رهن على الأكثر مقتصرا على ذلك فالمتجه البطلان مطلقا ، لاستلزامه رهن البعض بالقدر المأذون فيه فلا يكون مأذونا فيه إذ المأذون فيه رهن المجموع بالقدر المعيّن لا بعضه ، ولا يخفى أن المراد بالبطلان في العبارة الوقوف على الإجارة بدليل ما سبق في قوله : ( فإن خالف فللمالك فسخه ) ». هكذا ورد في نسخة « م » ، والظاهر أنها هامش أدخل في المتن لاتحاد المعنى مع ما بعدها.

٦٤

ولو لم يعيّن تخيّر الراهن في رهنه بما شاء ، عند من شاء ، الى أي وقت شاء. وللمالك مطالبته بالفك عند الحلول ، وقبله على اشكال.

______________________________________________________

بعضه رهنا بالمأذون فيه ، فيكون خلاف الإذن ، لأن الإذن اقتضى رهن مجموعه بالمأذون فيه من الدين المعين.

ولا يقال : يصح بطريق أولى ، لأنه إذا رضي برهن جميعه بالكل ، فلئن يرض برهن بعضه بالكل أولى. وليس بجيد ، لأن الأولوية غير معلومة ، ولأن فيه تشقيصا يثبت به العيب بالشركة.

قوله : ( ولو لم يعين ، تخير الراهن في رهنه بما شاء ، عند من شاء ، الى أي وقت شاء ).

إن سوّغ له الرهن كيف شاء ، فلا بحث في استناد ذلك الى اختياره. وإن أطلق الرهن ، ولم يفوض اليه ، فعلى وجوب التعيين ، المتجه توقف صحته على التنصيص على شي‌ء بخصوصه ، أو تفويض ذلك الى اختياره.

قوله : ( وللمالك مطالبته بالفك عند الحلول ).

لأن العارية وإن لزمت بالنسبة إلى الرهن ، لكن لزومها غير مانع من المطالبة بالفك بعد الحلول ، إذ لا دليل على انتفاء ذلك ، والاستصحاب يقتضي بقاءه.

قوله : ( وقبله إشكال ).

أي : وقبل الحلول ، ومنشأ الإشكال : البناء على أنه عارية ، فيثبت الرجوع فيه متى شاء ، أو ضمان دين في عين خاصة من غير تعلق بالذمة.

والتحقيق : أنه عارية لازمة ، لأن الاذن في عقد لازم يوجب على الآذن الوفاء به. ولا استبعاد في إفراد هذا القسم من العارية باللزوم عن معظم أقسامها ، كما في الإعارة للدفن ، لتحريم النبش بعده. فعلى اللزوم ليس له المطالبة قبل الأجل ، لمنافاته مقتضى الرهن المأذون فيه ، وعلى العدم يثبت ، والأول أصح.

٦٥

وللمرتهن البيع لو لم يقبضه الغريم ، فيرجع المالك على الراهن بالأكثر من القيمة وما بيعت به ، وللمالك الرجوع في الاذن قبل العقد ، وبعده قبل القبض إن جعلنا القبض شرطا.

______________________________________________________

قوله : ( وللمرتهن البيع لو لم يقبضه الغريم ).

لأن ذلك مقتضى الرهن المأذون فيه.

قوله : ( فيرجع المالك على الراهن بالأكثر من القيمة وما بيعت به ).

لأنه مضمون عليه ، فإن كان الأكثر قيمته استحقها المالك ، لأن بيعه بأنقص من القيمة كان لأجل مصلحة الراهن في وفاء دينه. وإن كان ما بيعت به أكثر استحقه ، لأنه ثمن ملكه ، لأن العين باقية على ملكه الى زمان البيع ، وهنا إشكالان :

أ : ان القيمة هي ما تقتضي الرغبات بذلها في مقابل العين ، باعتبار الزمان والمكان ، فلا تتصور زيادة الثمن على القيمة ، ولا نقصانه عنها في الفرض المذكور ، لوجوب استقصاء ذوي الرغبات في وقت البيع ، لأنه مال الغير.

ب : ان البيع إن كان برضى المالك لم يستحق إلا الثمن ، وإلا كان باطلا.

والجواب عن الأول : أن القيمة هي ما يليق بالمال في الزمان والمكان عند ذوي الرغبات ، وإن كان قد يعرض لهم في ذلك الوقت ما قد يمنع من ارادة الشراء الموجب لقلة الطلب ، فيخل ذلك ببلوغ القيمة اللائقة.

وعن الثاني : أن خصوص ذلك البيع ليس برضى المالك ، لأنه قد صار حقا لازما بإذنه الأول حتى لو صرح بعدم الرضى لم يعتد به ، فيجب حينئذ أن يضمن له كمال حقه حذرا من الضرر.

ولا يخفى أن ضمان القيمة ، حيث يكون الثمن أقل منها ، إنما هو في القيمي ، فلو كان أقل منها في المثلي فالضمان بالمثل.

٦٦

ولو تلف في يد المرتهن فالأقرب سقوط الضمان عنه ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو تلف في يد المرتهن فالأقرب سقوط الضمان ).

لأنه أمين ، قال الشارح عميد الدين : إن مراده : لو تلف الرهن المستعار في يد المرتهن فأقرب الوجهين : أنه لا ضمان على المرتهن ، لأنه أمين لا يضمن إلا بالتفريط. وأضعفهما الضمان ، لأن العارية للرهن مضمونة ، ويد المرتهن مرتبة على يد الراهن المستعير ، وهي يد ضمان ، فتكون المرتبة كذلك.

والشارح ولد المصنف قال : إن المسألة موضع اشتباه ، وحكى عن المصنف رحمه‌الله في الدرس في تحقيقها : أنها متفرعة على قوله : ( وللمالك مطالبته بالفك عند الحلول وقبله إشكال ) (١).

أما بعد الحلول ، فان الراهن إذا كان موسرا بالدين ، فللمالك إلزامه بالافتكاك. فإذا جعلناه عارية ، أو غلبنا عليه العارية ، ففي صحة الرجوع فيها قبل الافتكاك وجهان : التفاتا الى أن العارية مبنية على الجواز ، وان ابتناء عقد لازم عليها اقتضى اللزوم بالعارض.

فإن قلنا بصحة الرجوع ، فهل له مطالبة المرتهن ـ على معنى أن يلزم المرتهن المديون بالدين ، أو يرهن آخر ، فيضمن بعد المطالبة له من المالك ، وإهمال مطالبته الراهن ، وإمساك الرهن الى أن تلف ـ أو لا؟ وجهان : أقربهما الثاني عند المصنف ، لأنه اذن في عقد لازم فيلزم.

ولك أن تقول : إن كان هذا الحكم مبنيا على أن له الرجوع ، وتجب على المرتهن المطالبة بالمال أو البدل ، فإن الأقرب الضمان ، لأن يده عادية حينئذ.

وإن كان مبنيا على أنه ليس له ذلك فلا وجه ، لاحتمال الضمان على هذا التقدير الخاص أصلا ، فلا معنى لتخصيصه بترتب الحكم المذكور عليه.

وأما قبل الحلول ، فعلى تقدير أن يدفع الراهن ، هل يجب على المرتهن القبول ، أم لا؟ وجهان : أصحهما العدم ، فعلى الوجوب إذا لم يأخذ المرتهن وتلف في يده يضمن ، وعلى العدم لا ضمان.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٦.

٦٧

______________________________________________________

وفي هذا نظر ، لعدم مطابقة ذلك للعبارة ، فإن الذي فيهما : أن الأقرب عدم الضمان مع احتماله ، فلا بد من فرض المسألة في موضع يحتمل الضمان احتمالا مرجوحا.

إلا أن يقال في الموضعين : بناء الأقرب على ثبوت الرجوع ، ووجوب المطالبة في الاولى ، ووجوب قبول المبدل في الثانية ، ومقابله على عدمه. وهنا كلامان :

أ : انه أطلق وجوب القبول على المرتهن ، فإن أراد تعميم الحكم في وجوب قبول عوض الرهن والدين فليس بجيد ، لأن الدين قبل الأجل لا يجب قبوله بدون الرهن ، فكيف يتصور وجوبه مع الرهن.

وإن أراد وجوب قبول عوض الرهن فينبغي ـ تفريعا على كونها عارية جائزة ـ وجوب القبول ، بل جواز الرجوع يثبت مجانا ، وعلى اللزوم لا يجب بحال.

ب : تخصيص الحكم بما إذا دفع الراهن لا وجه له ، لأنه إن حكم بكون العارية هنا جائزة فالجواز على كل حال ، أو لازمة فاللزوم على كل حال ، فلا وجه لما ذكره.

ثم حكى عن المصنف توجيها آخر للمسألة ، وهو : أنه على القول بكونها عارية جائزة لا يبطل الرهن بالرجوع ، ولا يجوز للمرتهن إمساك العين ، بل يجعلها بقول الحاكم ، أو باتفاقهما عند عدل ينصبه الحاكم لقبضها ، فان لم يفعل المرتهن كان ضامنا (١).

ولا يخفى أن توجيه العبارة على هذا التقدير يحتاج الى تكلف بناء المسألة على أن العارية للرهن جائزة أو لازمة.

وأعلم أن في العبارة من أولها اشكالا ، فان قوله أولا : ( فإن خالف فللمالك فسخه ، وإلا فلا ) يقتضي أن تكون العارية للرهن لازمة من غير توقف. وقوله بعد : ( وقبله إشكال ) يقتضي التردد في كونها لازمة ، إلا أن يعتذر بأنه كما‌

__________________

(١) حكاه ولد المصنف في إيضاح الفوائد ٢ : ١٧.

٦٨

ويضمنه المستعير وإن لم يفرط بقيمته. وكذا إن تعذر إعادته ، ولو لم يرهن ففي الضمان اشكال.

ز : لو قال : أذنت لي في رهنه بعشرة ، فقال : بل بخمسة قدم قول المالك مع اليمين.

ح : لا يصح رهن المجهول.

______________________________________________________

يحتمل ذلك ، يحتمل فرض المسألة فيما إذا بدل المرتهن قبول الدين أو البدل ، فلا يلزم تفريع الاشكال على التردد في لزوم العارية وجوازها.

إلا أن هذا خلاف ظاهر العبارة ، وارتكابه لا يخلو من تعسف ، ومع ذلك فبناء كون الأقرب عدم ضمان المرتهن ، على أن الأقرب لزوم هذه العارية ، والضمان على عدم اللزوم فيه من التعسف ما لا يخفى ، لأن ظاهر السياق يقتضي بناء الحكم في الأقرب ، ومقابله على اللزوم الذي أتى به على وجه الجزم. وفيه مع الإخلال بالفهم ، الاحتياج في بناء مقابل الأقرب على ما لا تشعر به العبارة أصلا ، فما ذكره الشارح عميد الدين أولى مما نقل عن المصنف.

قوله : ( ويضمنه المستعير وإن لم يفرط بقيمته ).

لأنها عارية أفضت إلى الإتلاف بسبب لزومها ، فيجمع بين مقتضى العارية من وجوب الرد ، وإفضائها إلى التلف بوجوب ضمان العوض. ولا يخفى أن الضمان بالقيمة إنما هو في القيمي ، لا في المثلي.

قوله : ( ولو لم يرهن ففي الضمان إشكال ).

أي : لو تلف المستعار للرهن ، في يد الراهن ، قبل الرهن ، ومنشؤه : من أن المقتضي للضمان رهنه في الدين ، لأن العارية بمطلقها أمانة ، ولم يحصل. ومن أن القبض لذلك ، فهو قبض ضمان ، فيكون المقتضي للضمان هو القبض لذلك ، لا الرهن في الدين ، كالمقبوض بالسوم ، وهو الأصح.

قوله : ( لا يصح رهن المجهول ).

المراد به : المجهول جهالة تمنع من توجه القصد اليه ، كشاة من قطيع‌

٦٩

ط : لو غصب عينا ثم باعها ، أو رهنها ، أو وهبها ، أو آجرها ثم ظهر مصادفة التصرف الملك بميراث ، أو شراء وكيل ، وشبهه صح التصرف.

______________________________________________________

مثلا. أما المجهول لا كذلك ، كهذه الصبرة إذا لم يعلم قدرها ، فلا بأس ، لأن عقد الرهن ليس من العقود المبنية على المغابنة والمكايسة ، لأن ذلك في عقود المعاوضات التي يطلب فيها كل من المتعاوضين غبن صاحبه ، فان الرهن مبني على قبول الغبن ، إذ الراهن مغبون للمرتهن.

قال المصنف في التذكرة في باب بيع الغائب : الأقرب جواز هبة الغائب غير المرئي ولا الموصوف ، ورهنه ، لأنهما ليسا من عقود المغابنات ، بل الراهن والواهب مغبونان ، والمتهب والمرتهن مرتفقان ، ولا خيار لهما عند الرؤية لانتفاء الحاجة إليه (١).

قلت : باعتبار هذين العقدين لا خيار ، نعم لو شرط كل من الهبة والرهن لموصوف في عقد البيع مثلا ، فظهر بخلاف الوصف يثبت الخيار بالعارض لتبعية المعاوضة.

قوله : ( لو غصب عينا ثم باعها ، أو رهنها ، أو وهبها ، أو آجرها ، ثم ظهر مصادفة التصرف الملك بميراث ، أو شراء وكيل ، وشبهه ، صح التصرف ).

قد سبق أنه لو باع مال أبيه بظن حياته فبان ميتا ، وإن المبيع ملكه بالإرث ان الأقوى عند المصنف الصحة ، فجرى في قوله هنا : ( صح التصرف ) على ما سبق في البيع ، ولما اخترنا في البيع توقفه على الإجازة ، فلا بد من القول بتوقفه عليها هنا ، وكذا نقول في سائر العقود.

أما الرهن بالنسبة إلى مختار المصنف فقد سبق في كلامه : أنه لو شرط عليه رهنا في بيع فاسد ، فظن اللزوم فرهن له فله الرجوع. وهذا يقتضي كون هذا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٨٨.

٧٠

ي : لو رهن ما له الرجوع فيه قبله لم يصح على اشكال ، كموهوب له الرجوع فيه ، وكالبائع مع إفلاس المشتري ، أما لو رهن الزوج قبل الدخول نصف الصداق فإنه باطل.

يا : لو رهن الوارث التركة وهناك دين فالأقرب الصحة وإن استوعب ، ثم إن قضى الحق والا قدّم حق الديان.

______________________________________________________

العقد جائزا من طرف الراهن أيضا ، نظرا إلى أنه إنما أوقعه ظانا لزوم البيع.

ولا يخفى أن هذا غير ضائر ، وبتقدير تأثيره فينبغي أن يكون تأثير ما إذا وقع العقد على أنه مال غيره ، وأنه فضولي بطريق أولى.

قوله : ( لو رهن ما له الرجوع فيه قبله لم يصح على اشكال ، كموهوب له الرجوع فيه ، وكالبائع مع إفلاس المشتري ).

ينشأ : من أن صحة الرهن موقوفة على الرجوع ليكون مملوكا ، ولم يحصل قبله ، فلا يكون صحيحا. ومن أن عبارة العاقد الأصل فيها الصحة ، فيجب تنزيلها على ما يتحقق معه ، وهو الرجوع الى الملك.

ولا استبعاد في أن يكون القصد الى الرهن المتصل بالعقد مقتضيا للرجوع والعود الى الملك ، فيكون الرهن صحيحا لوقوعه في مملوك ، وقد سبق مثله في الخيار ، وهو الأصح.

قوله : ( لو رهن الوارث التركة ، وهناك دين فالأقرب الصحة وإن استوعبت ).

وجه القرب : أنه مالك ، كما سيأتي ان شاء الله تعالى في الوصية وغيرها ، والتخيير إليه في جهات الأداء ، فيكون رهنا من أهله في محله. ويحتمل العدم لتعلق حق الديان بالتركة ، أو لأن الوارث إنما يملك مع عدم الدين ، وكلاهما ضعيف.

قوله : ( ثم إن قضى الحق وإلاّ قدّم حق الديان ).

أي : إن قضى حق الديان فلا بحث ، وإن لم يقضه فالديان أحق بالتركة ،

٧١

الفصل الثالث : في العاقد : ويشترط كمالية الموجب ، والقابل ، وتملك الموجب أو حكمه كالمستعير ، وولي الطفل مع المصلحة كالاقتراض في نفقته ، أو إصلاح عقاره.

ولو استدانا ورهنا ، ثم قضى أحدهما صارت حصته طلقا إن لم يشترط المرتهن رهنه على كل جزء من الدين ،

______________________________________________________

فيقدّم حقه على حق المرتهن ، لتعلق حقه بها سابقا.

قوله : ( وتملك الموجب ).

لو قال : وملك الموجب لكان أولى وأخصر ، مع أن فيه إيهام الاكتفاء بتجدد تملكه.

قوله : ( وولي الطفل مع المصلحة كالاقتراض في نفقته ، أو إصلاح عقاره ).

هو بفتح العين ، ومثله نفقة مملوكه ودابته ، وذلك حيث يتوقف الاقتراض على الارتهان.

قوله : ( ولو استدانا ورهنا ، ثم قضى أحدهما صارت حصته طلقا إن لم يشترط المرتهن رهنه على كل جزء من الدين ).

أي : لو استدان شخصان كل منهما دينا ، ورهنا على الدينين رهنا لهما ، بعقد واحد صادر منهما مباشرة أو بالوكالة ، ثم قضى أحدهما ما عليه صارت حصته من الرهن طلقا ، لافتكاكها بأداء ما عليها من الدين.

وهذا إذا لم يجعلا في حال الرهن مجموع كل من الاستحقاقين رهنا لمجموع الدين [ وبكل جزء منه. أما إذا جعلاه كذلك فظاهر ، لأن رهن الغير ملكه على مال آخر جائز. وأما إذا لم يجعلا ، فلأن مقابلة مجموع ] (١) الرهن المملوك لهما بمجموع دينهما يقتضي مقابلة الأبعاض بالأبعاض. ولما كان رهن ملك الإنسان‌

__________________

(١) لم ترد في نسخة « م ».

٧٢

ولو تعدد المرتهن واتحد العقد من الواحد فكل منهما مرتهن للنصف خاصة.

وفي التقسيط مع اختلاف الدين اشكال ،

______________________________________________________

على دين غيره خلاف الأصل ، احتيج الى دليل يدل عليه من قبل المالك ، ولما انتفى الدليل هنا من المالك ، وجب أن يصرف رهن ملك كل منهما الى ما عليه من الدين ، حذرا من ارتكاب خلاف الأصل من غير دليل. وحينئذ فيفتك نصيب كل منهما بأداء ما عليه ، إذ يمتنع بقاء الرهانة بعد أداء الحق.

قوله : ( ولو تعدد المرتهن ، واتحد العقد من الواحد ، فكل منهما مرتهن للنصف خاصة ).

هذه مقابلة للمسألة ، لاتحاد الراهن وتعدد المرتهن. وإنما كان كل منهما مرتهنا للنصف ، لانفراده بشطر الدين ، وينزّل على الإشاعة ما لم يعين. ولا يخفى أن هذا إذا استوى قدر الدينين بدليل ما سيأتي من بيان حكم ما إذا تفاوتا.

قوله : ( وفي التقسيط مع اختلاف الدين إشكال ).

أي : مع اختلافه في القدر ، سواء اختلف مع ذلك الجنس أم لا. ومنشأ الإشكال : من أنه مشترك بينهما في الرهن ، والأصل في التشريك التنصيف ، ولأن دين كل منهما سبب في الرهن مستقل ، والأسباب إذا اجتمعت تساوت في التقسيط لاعتبار سببية كل منهما ، ومن أن التنصيف حيث لا يدل دليل على خلافه ـ والدليل على التقسيط قائم هنا ، لأن مقتضى الرهن قضاء الدين كله من ثمن المرهون إذا وفي به ـ ففي محل النزاع إن قضى الزائد من أحد الدينين على الآخر من ثمن الرهن ، اقتضى تعلق ذلك الزائد بالرهن ، فيكون متعلق مجموع الدين الزائد من الرهن أكثر من متعلق الأخر. وإن لم يقض امتنع كونه رهنا بالمجموع ، وقد فرض كونه رهنا بالمجموع هنا.

وإذا ثبت هذا ، كان التقسيط مستفادا من خارج ، وهو جعل الرهن رهنا بالمجموع ، لا من أصل التشريك ، فعلى هذا إن وفي فلا بحث ، وإلا قسّط عليهما بحسبهما.

٧٣

فإن وفي أحدهما صار النصف طلقا ، فإن طلب قسمة المفكوك ولا ضرر على الآخر أجيب ، وإلا فلا ، بل يقر في يد المرتهن نصفه رهنا ونصفه أمانة. والمرتهن والراهن ليس لأحدهما التصرف إلا بإذن الآخر ، فإن بادر أحدهما بالتصرف لم يقع باطلا بل موقوفا ، إلاّ عتق المرتهن فإنه يبطل وإن أجازه الراهن ، ولو سبق اذنه صح ، فلو افتك الرهن ففي لزوم العقود نظر ،

______________________________________________________

قوله : ( فان وفي أحدهما صار النصف طلقا ).

يجب أن يقيد بما إذا تساويا ، أو لم يقل بالتقسيط مع التفاوت.

قوله : ( فان طلب قسمة المفكوك ... ).

أي : فإن طلب الراهن قسمة المفكوك من الرهن الى آخره ، حيث كان مشاعا.

قوله : ( فلو بادر أحدهما بالتصرف لم يقع باطلا ، بل يقع موقوفا ، إلا عتق المرتهن فإنه يبطل ، وإن أجازه الراهن ).

تردد في الشرائع في صحة عتق المرتهن إذا أجازه الراهن ، ثم حكم بعدم الصحة (١) ، وهو المعتمد ، لأنه لا عتق إلا

في ملك.

قوله : ( ولو سبق اذنه صح ).

أي : لو سبق اذن الراهن للمرتهن في العتق صح. ويحتمل أن يكون المراد : لو سبق اذن أحدهما للآخر في التصرف صح تصرفه ، وفيه تكلف.

قوله : ( فلو افتك الرهن ففي لزوم العقود نظر ).

أي : لو افتك الراهن الرهن ، أو افتكه مفتك ـ بأن يقرأ للمجهول ـ ففي لزوم العقود الصادرة من الراهن نظر ، ينشأ : من أنها وقعت جائزة ، فيبقى جوازها مستصحبا ، ومن أنها لازمة في أصلها ـ لأنه الفرض ـ وجوازها إنما كان بسبب حق‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٨٢.

٧٤

والأقرب اللزوم من جهة الراهن قبل الفك.

______________________________________________________

المرتهن وقد زال ، فيزول الجواز ، ولأنها لازمة من طرف الراهن ، لما سيأتي عن قريب ان شاء الله. والجواز إنما هو لعلاقة ـ حق المرتهن ، فإذا زال لم يبق للجواز مقتض.

فان قيل : حق التصرف مشترك بين الراهن والمرتهن ، فتصرف الراهن وحده لا ينفذ ، بالإضافة إلى المرتهن ، لوجود حقه المنافي لذلك ، فيتوقف على إجازته ، فإذا زال حقه ، وانحصر الحق كله في الراهن ، كان كما لو باع مال غيره فضوليا ثم اشتراه أو ورثه ، فكما يتوقف على الإجازة ثمّ ، أو يحتمل البطلان ، فكذا هنا.

قلنا : الفرق واقع ، لأن مال الغير غير مملوك للمتصرف ، فالمقتضي للصحة منتف ، إذ مجرد الصيغة لا يعد مقتضيا ، بخلاف ما نحن فيه ، لأن الملك منحصر في الراهن ، والمقتضي وهو العقد الصادر من أهله في مملوك موجود.

غاية ما في الباب أن حق المرتهن مانع ، فإذا انتفى عمل المقتضي عمله. وأيضا فإنه لا سبيل الى اعتبار اجازة المرتهن بعد انقطاع علاقته ، ولا الى بطلان تصرف الراهن المالك ، إذ تصرفه قبل الانفكاك غير محكوم ببطلانه ، فكيف يحكم ببطلانه بعده؟ وبهذا يظهر أن الحكم باللزوم هو الأقوى.

قوله : ( والأقرب اللزوم من جهة الراهن قبل الفك ).

وجه القرب : صدور العقد اللازم منه في حال كونه مالكا ، فحقه أن يكون لازما ، ولا مقتضي للجواز إلا حق المرتهن ، وهو منحصر في جانبه ، فيختص الجواز به.

والتحقيق أن يقال : إن الإجازة في العقد الفضولي إن جعلناها كاشفة ، فالجواز من طرف من وقع العقد فضوليا بالنسبة إليه خاصة ، دون العاقد الآخر مع الفضولي ، فاللزوم هنا من طرف الراهن أظهر.

وإن جعلناها ناقلة وجزء للسبب ، اتجه في الفضولي الجواز أيضا من طرف العاقد الآخر ، نظرا الى أن المأتي به إنما هو جزء السبب فقط ، فهو بمنزلة‌

٧٥

ولو أجاز الرهانة الثانية ففي كونه فسخا لرهنه مطلقا ، أو فيما قابل الدين الثاني ، أو العدم مطلقا نظر.

______________________________________________________

الإيجاب وحده وأما هنا ففيه تردد. واللزوم أيضا على هذا التقدير متجه هنا ، لما عرفت من أن المأتي به هنا سبب تام ، غاية ما في الباب أن المانع موجود وهو لا يخل بوجود السبب التام من الراهن الذي هو المالك. وما قربه أقرب ، فإنا قد أسلفنا في الفضولي أن الإجازة كاشفة.

قوله : ( ولو أجاز الرهانة الثانية ، ففي كونه فسخا لرهنه مطلقا ، أو فيما قابل الدين الثاني ، أو العدم مطلقا نظر )

هنا احتمالات ثلاثة ، منشأ النظر من تعارض دلائلها :

أحدها : كون الإجازة موجبة لفسخ رهنه مطلقا ، أي : في مجموع الرهن ، سواء ما قابل دينه وما زاد عليه.

ووجهه : أن مقتضى الرهن الاختصاص بمجموعه بالنسبة إلى الدين المرهون به ، ليقضى ذلك الدين من ثمنه ، واختصاص كل من الدينين بمجموع الرهن متنافيان ، لأن اختصاص أحدهما بالمجموع على هذا الحكم ينافي اختصاص الآخر وقد ثبت الرهن الثاني بالسبب الطارئ ، وإجازة المرتهن الأول ، فيبطل الأول ، وفي المنافاة المذكورة نظر.

الثاني : كونها موجبة لفسخ رهنه فيما قابل الدين الثاني ، لأن المنافاة باعتبار مقصود الرهن مختصة به ، بخلاف ما زاد.

ويضعّف : بان الرهن متعلق بالمجموع ، فان اقتضى الاختصاص اقتضاه في المجموع ، وإلا لم يقتض في شي‌ء منه ، ولأن الثمن على تقدير اعتبار المقابلة والزيادة بالنسبة إليه لا ينضبط ، فقد يكون في وقت الرهانة كثيرا يبقى منه بقية بعد ، واما هنا ففيه تردد. واللزوم أيضا على هذا التقدير متجه هنا ، لما عرفت من أن المأتي به هنا سبب تام ، غاية ما في الباب أن المانع موجود ، وهو لا يخل بوجود الدين الثاني ، ثم يتجدد النقصان وبالعكس. ويستحيل تجدد ثبوت الحق ، بعد كون العقد حال وقوعه غير مقتض له.

٧٦

ويترتب حكم إسقاط الثاني حقه ،

______________________________________________________

الثالث : عدم الفسخ مطلقا ـ أي : في شي‌ء من الرهن ـ لعدم التنافي ، لأنه لا يمتنع كون الشي‌ء رهنا بمجموع لا يفي ثمنه بأدائه ، لأن الأداء ثمرة الرهن بعد تحققه ، لا نفسه.

وإنما يثبت الأداء بحسب حال الثمن ، باعتبار كثرته وقلته. وتقديم دين شخص في الأداء على دين آخر لا ينافي تعلق كل من الدينين بالرهن ، لما قلناه من أن ذلك ثمرة الرهن ومقصوده.

ولا محذور في أن يكون المقصود في بعض أولى وأسبق من البعض الآخر ، وإن استويا فيما له المقصود والثمرة ، لأنه لو تضمن عقد واحد رهنا بدينين وتقديم أحدهما في الأداء على الآخر ، ثم تأدية الآخر بعد أداء الأول لم يكن ذلك باطلا ، ففي العقدين المستقلين أولى ، لوقوع الثاني بعد القطع بصحة الأول ، فلا بد في طروء البطلان عليه من دليل أقوى من دليل الصحة ، لا صحة أحدهما أو فساده ، وفي العقد الواحد صحة كل من العقد والشرط وفساده لازم للآخر ، فاما أن يصحا أو يفسدا.

والذي يقتضيه النظر الصحة وعدم الانفساخ مطلقا ، لوجود الدلائل الدالة على وجوب الوفاء بالعقد ، الشامل بعمومه لموضع النزاع ، وعدم ثبوت مناف يقتضي البطلان.

قوله : ( ويترتب حكم إسقاط الثاني حقه ).

أي : ويترتب على الاحتمالات الثلاثة ، حكم إسقاط المرتهن الثاني حقه من الرهن ، فعلى الأول لا حق للمرتهن الأول ، لبطلان حقه بوجود منافيه ، وإن طرأ عليه البطلان.

وعلى الثاني ، لا حق له فيما قابل الدين الثاني.

وعلى الثالث حقه بحاله ، لأن حق الرهانة بالنسبة إليه ثابت.

وتقدم الثاني في الاستيفاء قد انتفى بإسقاط حقه ، فيبقى حكم الرهن بالنسبة إلى الأول متوفرا.

٧٧

ولو لم يعلم الأول حتى مات الراهن ، ففي تخصيص الثاني بالفاضل عن دين الأول من دون الغرماء اشكال.

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم يعلم الأول حتى مات الراهن ، ففي تخصيص الثاني بالفاضل عن دين الأول من دون الغرماء إشكال ).

ينشأ : من أن الرهن الثاني لازم من طرف الراهن ، كما سبق بيانه آنفا.

وتوقفه على إجازة المرتهن الثاني ، لتعلق حقه به من جهة استيفاء دينه من قيمته ، فإذا استوفى حقه من ثمنها بعد بيعها ـ كما يرشد اليه قوله : ( ففي تخصيص الثاني بالفاضل عن دين الأول ) ـ لم يبق له تعلق به ، فيكون الزائد بمقتضى اللزوم مختصا بالثاني. ومن أن الرهن الثاني موقوف على الإجازة ، ولم يحصل ، فيبقى كما كان.

والتحقيق : أن نفوذ الرهن الثاني إنما يكون بأحد أمرين : إجازة الأول ، أو افتكاك العين ، بنحو أداء دينه لاختصاصه بجميع العين. فإذا لم تحصل الإجازة والافتكاك ، حتى بيعت العين في دين المرتهن الأول ، امتنع نفوذ الرهن الثاني ، لفوات محله بالبيع.

وليست القيمة متعلق الرهن ، لأن متعلقة هو العين ، وإن استحق بسببه الاستيفاء من القيمة ، فلا وجه لنفوذ الرهن الثاني في الفاضل عن دين الأول في الفرض المذكور بحال.

نعم لو أجاز المرتهن الأول الرهانة الثانية ، بعد الموت مع بقاء العين ، لم يمتنع القول بنفوذها ، لتحقق المقتضي وزوال المانع حينئذ فيعمل عمله وما قيل : من أن حق باقي الغرماء يتعلق بالتركة ، فلا أثر لإجازته إن قلنا بعدم اختصاص الثاني بالفاضل ، ولا لفسخه إن قلنا بعدم الاختصاص ، لا يكاد يتحصل له معنى ، لأن تعلق بحق الغرماء وعدمه فرع الاختصاص بالفاضل وعدمه ، والاختصاص وعدمه فرع نفوذ الرهانة الثانية وعدم نفوذها.

ونفوذها بالنسبة إلى العين ، إنما يكون بأحد أمرين : إما إجازته ، أو الافتكاك ، كما سبق ، فتكون إجازته بالنسبة إلى العين معتبرة بعد موت الراهن ،

٧٨

ولا حكم لإجازة الأول ، ولا فسخه بعد موت الراهن.

ولو عتق الراهن بإذن المرتهن ، وبالعكس سقط الغرم.

ولو اذن في الهبة فوهب ، فرجع قبل الإقباض صح الرجوع على اشكال ، ينشأ : من سقوط حقه بالاذن ، وعدمه.

______________________________________________________

كما كانت قبله ، إذ لا دليل على زوال اعتبارها ، فتكون إجازته كاشفة عن عدم تعلق حق باقي الغرماء ، ورده كاشفا عن التعلق.

وبالنسبة إلى القيمة لا يعقل النفوذ أصلا ، كما حققناه من أن الرهانة متعلقة بالعين ، وإنما يقتضي التعلق إلى القيمة بتوسط التعلق بالعين ، فإذا انتفى التعلق بالعين امتنع التعلق بالقيمة ليختص الثاني بالفاضل عن دين الأول.

وقول المصنف : ( ولا حكم لإجازة الأول ، ولا فسخه بعد موت الراهن ، فلا تكون أجازته مقتضية للنفوذ ، ولا فسخه مقتضيا لعدمه ) إنما يصح على تقدير احتمال نفوذ رهن الثاني في قيمة الرهن ، بعد بيعه لأداء دين الأول وعدمه ، فان النفوذ على هذا التقدير ، وعدمه بعد انقطاع علاقة المرتهن الأول ، فلا حق له حينئذ أصلا ، إلا أن هذا الاحتمال لا يتوجه أصلا ، لما حققناه ، فلا يستقيم ما ذكره. والصحيح عدم اختصاص الثاني بالفاضل من دين الأول.

قوله : ( لو أعتق الراهن باذن المرتهن ، وبالعكس سقط الغرم ).

أما في الثاني فظاهر ، وأما في الأول فلأن الإذن في التصرف المنافي لبقاء حق الرهانة لا يقتضي وجوب بذل القيمة ليكون رهنا.

قوله : ( ولو أذن في الهبة فوهب ، فرجع قبل الإقباض صح الرجوع على اشكال ، ينشأ : من سقوط حقه بالإذن ، وعدمه ).

أي : ينشأ من التردد في سقوط حق المرتهن بالإذن ، وعدمه. ووجه التردد : أن الإذن في المسقط يدل على الرضى بالسقوط ، فيمكن عده مسقطا. وفيه نظر ، لأن المنافي للرهن هو المقتضي للسقوط ، لا الرضى به ، فالأصح صحة الرجوع.

٧٩

ولو أحبلها الراهن لم يبطل الرهن ، وإن كان بإذن المرتهن ، وإن صارت أم ولده ، وفي بيعها اشكال.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أحبلها الراهن لم يبطل الرهن ، وإن كان باذن المرتهن ، وإن صارت أم ولده ).

لأن الرهن بعد تمامه ولزومه إنما يبطل بمنافيه ، والإحبال وإن وقع بالإذن غير مناف وإن صارت أم ولد ، إذ لا يمتنع بيعها إذا تعلق بها حق المرتهن سابقا على الاستيلاد ، اما مطلقا أو مع الإعسار.

ومع اليسار يجب بذل القيمة ليكون رهنا ، وذلك أثر بقاء الرهانة لا محالة ، فلا منافاة حينئذ ، نعم لو افتكها امتنع البيع ، والرهانة بعد ذلك.

قوله : ( وفي بيعها إشكال ).

ينشأ : من تعلق حق المرتهن سابقا ، فيقدم ، ومن عموم النهي عن بيع أمهات الأولاد (١). وللشيخ قولان في المسألة :

أحدهما قوله في الخلاف : يبيعها مع إعسار الراهن ، ومع يساره يجب بذل القيمة ، ليكون رهنا جمعا بين الحقين (٢). ويضعف بأن الرهانة إن بقيت فهي متعلقة بالعين ، وإلا فلا تعلق لها بالقيمة.

والثاني : قوله في المبسوط بجواز بيعها مطلقا (٣) ، وهو اختيار ابن إدريس (٤).

وحكى شيخنا في شرح الإرشاد عن المبسوط خلاف ذلك ، والظاهر أنه وهم.

وتحقيق القول : أن عمومات بيع الرهن لأداء الدين ، وعمومات بيع أم الولد قد تعارضت ، فلا بد من المرجح لتخصيص بعض ببعض آخر ، والمرجح هنا‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٩٣ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٨٣ حديث ٢٩٩.

(٢) الخلاف ٢ : ٥٩ مسألة ١٩ كتاب الرهن.

(٣) المبسوط ٢ : ٢١٧.

(٤) السرائر : ٢٥٩.

٨٠