جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣

وليس للمحاذي في النافذ منع مقابله من وضع الروشن وإن استوعب الدرب ، فإن خرب جاز لمقابله المبادرة فليس للأول منعه.

ويجوز جعل الدار اثنتين ، ويفتح في المرفوع آخر في موضع له استطراقه ، وفتح باب في النافذ لذات المرفوع دون العكس ، إلا على‌ الاحتمال ،

______________________________________________________

فإنه هو السبب في الشبهة ولا خفاء ، لضعف هذا الاحتمال.

قوله : ( وليس للمحاذي في النافذ منع مقابله من وضع الروشن وإن استوعب الدرب ).

لما لم يكن الطريق النافذ حقا لذوي الدور فيه ، لم يكن للجار المقابل ولا لغيره الاعتراض على بعض أهل الدرب ، إذا وضع روشنا لا ضرر فيه على المارة ، سواء استوعب الدرب أم لا ، بشرط أن لا يضع شيئا منه على جدار المقابل.

قوله : ( فإن خرب جاز لمقابله المبادرة فليس للأول منعه ).

لأن الأول لم يملك الموضع بوضع الروشن فيه ، فلما خرب بناؤه زالت الأولوية وعاد الأمر ( الى ما كان ) (١).

قوله : ( ويجوز جعل الدار اثنتين ويفتح في المرفوع أخر في موضع له استطراقه ).

قد سبق أن له أن يفتح لذات الدرب المرفوع بابا آخر أقرب الى صدر الدرب ، وهو الموضع الذي له استطراقه ، فإذا جعل الدار الواحدة اثنتين ، ثم فتح بابا للآخر في موضع له استطراقه لم يكن مانع منعه.

قوله : ( وفتح باب في النافذ لذات المرفوع دون العكس ).

والفرق جواز احداث الأبواب ، والاستطراق في النافذ لكونه غير مملوك بخلاف المرفوع.

قوله : ( إلاّ على الاحتمال ).

__________________

(١) في « م » : كما كان.

٤٢١

والجدار المختص ليس للجار التصرف فيه بتسقيف ، وطرح خشب ، وغير ذلك.

ولا تجب عليه الإعارة لو استعاره الجار ، بل تستحب.

ولو أذن جاز له الرجوع قبل الوضع وبعده على الأقوى ، لكن مع الأرش على اشكال.

______________________________________________________

أي : دون العكس ، فلا يجوز إلا على الاحتمال السابق ، من جواز إدخال الباب في المرفوعة ، نظرا الى أن ذلك كان له في ابتداء الوضع وأن له رفع جميع الجدار ، وقد علمت ضعفه.

قوله : ( ولا تجب عليه الإعارة لو استعاره الجار بل تستحب ).

خلافا لبعض العامة (١).

قوله : ( وبعده على الأقوى لكن مع الأرش على اشكال ).

اختلف في جواز الرجوع في عارية الجدار بعد وضع البناء عليه ، فقال الشيخ (٢) وابن البراج (٣) بمنعها ، لأن الإذن اقتضى الدوام ، وأفضى إلى اللزوم كالإذن في الدفن. وهو ضعيف ، فإن الأصل أن للمالك التصرف في ملكه كما كان ، والحاقه بالدفن قياس مع الفارق ، فان تحريم النبش ثابت هنا اتفاقا.

والأصح أن له الرجوع ، وهل يرجع مجانا أم مع الأرش ، وهو نقصان بناء الغير على الجدار؟ فيه إشكال ينشأ : من أنه إنما اذن له عارية ، ومن خواص العارية الرجوع متى أراد ، ومن أنه بناء محترم صدر بالاذن ، فلا يجوز قلعه إلا بعد ضمان نقصه ، ولأن فيه جمعا بين الحقين ، ولأنه سبب الإتلاف لإذنه ، والمباشر ضعيف لأنه بالأمر الشرعي ، وهو الأصح.

__________________

(١) منهم : الشافعي في القديم ومالك وأحمد ، راجع فتح العزيز ١٠ : ٣١٥ ، والمغني لابن قدامة ٥ : ٣٨ ، والمجموع ١٣ : ٤٠٥.

(٢) قاله في المبسوط ٢ : ٢٩٧.

(٣) قال العاملي في المفتاح ٥ : ٤٨٢ : (. وقد حكي ذلك عن القاضي ).

٤٢٢

ولو انهدم افتقر في تجديد الوضع الى تجديد الإذن.

ويجوز الصلح على الوضع ابتداء بشرط عدد الخشب ، ووزنه ، ووقته.

ولو كان مشتركا لم يكن لأحدهما التصرف فيه بتسقيف وغيره إلاّ بإذن شريكه ،

______________________________________________________

وعلى القول بالأرش فهل هو عوض ما نقصت الآلات بالهدم أو تفاوت ما بين العامر والخراب؟ قال في الدروس : كل محتمل (١). قلت : الثاني لا يخلو من قوة ، لأن وصف العمارة حصل بسعيه وهو مملوك له.

قوله : ( ولو انهدم افتقر في تجديد الوضع الى تجديد الإذن ).

لأن المأذون فيه وهو الوضع قد حصل ، فلا يجوز وضع آخر بدون الإذن.

قوله : ( ويجوز الصلح على الوضع ابتداء بشرط عدد الخشب ووزنه ووقته ).

المراد بقوله : ( ابتداء ) قبل الوضع ، فإنه إذا وضع وبنى لم يجب إلا تعيين المدة ، لصيرورة الباقي معلوما ، بخلاف ما إذا لم يبن فان الضرر يتفاوت في ذلك تفاوتا عظيما ، ولا ضابط يرجع اليه عند الإطلاق ، وهذا في الخشب دون الآجر واللبن ونحوهما ، للعادة صرح به في التذكرة (٢).

ولو كانت الآلات حاضرة استغنى بمشاهدتها عن كل وصف وتعريف ، وقد صرح به في التذكرة (٣) أيضا.

قوله : ( ولو كان مشتركا لم يكن لأحدهما التصرف بتسقيف وغيره إلا بإذن شريكه ).

كغيره من الأموال المشتركة ، ويجوز الاستناد اليه واسناد المتاع اليه مع‌

__________________

(١) الدروس : ٣٨٢.

(٢) التذكرة ٢ : ١٨٨.

(٣) المصدر السابق.

٤٢٣

ولا يجبر أحدهما على الشركة في عمارته لو انهدم.

ولو هدمه فالأقوى الأرش ، وكذا لا يجبر على الشركة في عمارة الدولاب والبئر وغيرهما ،

______________________________________________________

انتفاء الضرر ، لأنه بمنزلة الاستضاءة بسراج الغير ، والاستظلال بجداره. ولو منع المالك حرم على الأقرب وفاقا لما في التذكرة (١) ، لأنه نوع تصرف بإيجاد الاعتماد بخلاف الاستظلال ، واختار في الدروس انه ليس له المنع إذا كان المجلس مباحا (٢).

قوله : ( ولا يجبر أحدهما على الشركة في عمارته لو انهدم ).

إذ لا يجب على الشخص عمارة جداره المنهدم ففي الشركة أولى.

قوله : ( ولو هدمه فالأقوى الأرش ).

لأن النقصان الفائت بالهدم غير مثلي فيصار إلى القيمة وهو الأرش ، وقال الشيخ : تجب إعادته (٣) ، وفي الدروس : عليه إعادته إن أمكنت المماثلة (٤) ، وهو بعيد إذ لا يعد الجدار مثليا ، على أن الأعيان باقية ، وإنما الفائت صفتها ، والمماثلة في الصفة في غاية الندرة.

قوله : ( وكذا لا يجبر على الشركة في عمارة الدولاب والبئر وغيرهما ).

لمثل ما قلناه ، وخص بعض العامة هذه بوجوب العمارة والإصلاح على الشريك ، لعدم إمكان القسمة في هذه فيحصل الضرر بخلاف الجدار (٥) ، والفرق مردود.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٨٥.

(٢) الدروس : ٣٨٢.

(٣) المبسوط ٢ : ٣٠٣.

(٤) الدروس : ٣٨٣.

(٥) ذهب إليه أبو حنيفة ، انظر : المجموع ١٣ : ٤١٦ ، وفتح العزيز ١٠ : ٣٢١.

٤٢٤

ولو انفرد بها أحدهما لم يمنع.

______________________________________________________

فرع : لو أراد أحد الشريكين الإضرار بصاحبه في الجدار ، والقناة ، والدولاب ونحوها ، فامتنع من العمارة وغيرها من الوجوه التي يمتنع الانتفاع بدون جميعها ، فليس ببعيد أن يرفع أمره الى الحاكم ليخيره الشريك بين عدة أمور : من بيع ، واجارة ، وموافقة على العمارة ، وغير ذلك من الأمور الممكنة في ذلك ، عملا بقوله عليه‌السلام : « لا ضرر ولا إضرار » (١) ، ولأن في ترك جميع هذه الأمور إضاعة للمال وقد نهي عنها ، ولم أظفر هنا بتصريح فينبغي أن يلمح.

قوله : ( ولو انفرد بها أحدهما لم يمنع ).

أي : لو انفرد بالعمارة أحدهما ، والحال لا يخلو من أن تكون الإعادة بالآلات المشتركة ، أو بما يختص بملكه المعيد. وعلى كل تقدير فإما أن يكون الأساس والهواء الذي يكون فيه الجدار مملوكا لهما ، أو للمنفرد بالعمارة ، وليست الصور كلها سواء في الحكم ، فان الآلات المشتركة كيف يجوز الانفراد بالتصرف فيها بالعمارة من دون اذن المالك ، ومال المسلم لا يحل إلا عن طيب نفس منه.

وكذا القول في الأساس والهواء إذا كان مشتركا ، وإطلاق المصنف يقتضي عدم التوقف على الاذن مع الاشتراك ، وحكى في الدروس (٢) عن الشيخ (٣) منع التوقف على اذن الآخر ، والأصح التوقف لما قلناه ، وقواه في الدروس (٤).

نعم لو كانت الأرض موقوفة وقفا عاما ، لم يتوقف على الاذن بالنسبة إليها ، ومتى اعاده بغير اذن بآلات نفسه والأساس مشتركة فللآخر الإزالة ، أو‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٢ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٤٥ حديث ١٥٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٤ حديث ٢٣٤٠ ، ٢٣٤١ ، سنن الدار قطني ٤ : ٢٢٧ حديث ٨٣ ، مسند أحمد ١ : ٣١٣ و ٥ : ٣٢٧.

(٢) في « م » : التذكرة.

(٣) المبسوط ٢ : ٣٠١.

(٤) الدروس : ٣٨٣.

٤٢٥

ولا يجبر صاحب السفل ولا العلو على عمارة الجدار الحامل للعلو.

ولو طلبا قسمته طولا أو عرضا جاز ، ولا يجبر أحدهما لو امتنع عن القسمة في كل الطول ونصف العرض ، وكذا في نصف الطول وكل العرض ، وتصح القرعة في الثانية دون الأولى ، بل يختص كل وجه‌

______________________________________________________

بالآلات المشتركة فهو مشترك وإن أثم.

ولو طالبه الشريك بهدمه أمكن وجوب الإجابة ، لأن تصرفه في الآلات كان ممنوعا منه ، وربما تعلق الغرض بها وطلبت قسمتها لذلك (١).

قوله : ( ولا يجبر صاحب السفل ولا العلو على عمارة الجدار الحامل للعلو ).

إذا كان علو الجدار لواحد وسفلها لغيره ، فانهدمت لم يكن لواحد منهما مطالبة الآخر بالعمارة ، أما صاحب العلو فلانه ملك غيره ولا يجب عليه عمارة ملك غيره ، وأما صاحب السفل فلأنه لا يجب عليه عمارة ملكه لأجل الغير.

لكن يجب أن يقيد ذلك بما إذا لم يكن حمل جدار العلو ، أو سقفه واجبا عليه بعقد لازم ، فان وجب كذلك لزمه البناء ، وقد نبه عليه في الدروس (٢). ولو طلب صاحب العلو بناء جدران السفل قال في التحرير : لم يكن لصاحب السفل منعه (٣). وظاهر سوق كلامه أن ذلك حيث يكون جدران السفل لصاحب السفل ، ولم يكن حمل جدران العلو واجبا ، وهو مشكل إذا كان الأساس ملكا لصاحب السفل ، أو مشتركا كما نبهنا عليه سابقا.

قوله : ( ولو طلبا قسمته طولا أو عرضا جاز ، ولا يجبر أحدهما لو امتنع عن القسمة في كل الطول ونصف العرض ، وكذا في نصف الطول وكل العرض ، وتصح القرعة في الثانية دون الاولى بل يختص كل وجه‌

__________________

(١) في « ق » : كذلك.

(٢) الدروس : ٣٨٣.

(٣) التحرير ٢ : ١٣٦.

٤٢٦

بصاحبه.

______________________________________________________

بصاحبه ).

هذا من أحكام الجدار المشترك ، فهو راجع الى أول الكلام من قوله : ( ولو كان مشتركا ) والضمير للشريكين المذكورين غير مرة ، وما بينهما من أحكام الدولاب والبئر والعلو والسفل معترض.

وتحقيقه : أنه لو طلب كل من الشريكين في الجدار قسمته طولا أو عرضا جاز قطعا ، لثبوت التراضي ، فلا أثر لحصول النقص معه لو نشراه أو اكتفيا (١) بالعلامة فإن لهما هدمه.

ولو طلب أحدهما القسمة وامتنع الآخر فلا يخلو : إما أن يطلب القسمة في كل الطول ونصف العرض هكذا

أو في كل العرض ونصف الطول هكذا :

فان كان المطلوب الأول لم تجب الإجابة ولم يجبر الممتنع قطعا ، لأنا لو أوجبنا القسمة على هذا النحو لاعتبرت القرعة في التخصيص ، لأن الأخذ بغير قرعة ولا تراض مناف للقسمة ، ولا مثل له في الشرع.

والقرعة ربما وقعت لأحدهما على الشق الذي يلي الآخر ، فلا يتمكن من الانتفاع بما وقع له ، ولعدم إمكان فصل كل سهم عن الآخر حينئذ ، لأنه إن اكتفى بالعلامة ـ وهو خط بين السهمين ـ كان بناء أحدهما على نصيبه موجبا‌

__________________

(١) في « ق » : أو اكتفينا.

٤٢٧

______________________________________________________

لتعدي الثقل ، والتحامل الى الآخر ، وإن كان بالنشر ضعف الجدار وتناقصت قوته. وان كان المطلوب الثاني فقد أطلق المصنف عدم الإجبار على القسمة فيه أيضا. وفي التذكرة قال : إن انتفى الضرر عنهما أو عن الممتنع اجبر عليها ، وإن تضرر الممتنع لم يجبر (١).

ومقتضى كلام الدروس : الإجبار على القسمة في كل العرض ونصف الطول ، مع انتفاء الضرر عن الممتنع فينشر الجدار (٢) ، فكأنه يرى أن النشر وإن استلزم إتلاف شي‌ء من الجدار إلا أنه هين ، لأنه بمنزلة قسمة الثوب الصفيق ، وليس ببعيد.

إذا عرفت هذا فاعلم أن شيخنا الشهيد أورد في بعض حواشيه ، أن القسمة طولا وعرضا هي القسمة في كل الطول ونصف العرض ، وفي نصف الطول وكل العرض فيلزم التكرار. ثم أجاب باختلاف الحكمين ، فإن الأول يعطي الجواز ، والثاني يعطي عدم الإجبار ، فالفرق بينهما فرق ما بين العام والخاص.

وعندي أن السؤال والجواب كلاهما ليس بشي‌ء ، فإن معنى العبارة أنهما لو طلبا القسمة على واحدة من الصورتين طولا أو عرضا فلا بحث في الجواز ، لأن لهما نقض الجدار كله ، فكيف قسمته على وجه مخصوص.

ولو طلب أحدهما القسمة وامتنع الآخر ، فان طلبها في كل الطول ونصف العرض لم يجبر الممتنع قطعا ، للضرر بالتمييز ، وإن طلبها في نصف الطول وكل العرض لم يجبر أيضا ، وان كان هذا أولى من الأول بالإجبار ، لانتفاء الضرر المعتد به ، وإمكان القرعة التي هي معيار القسمة هنا بخلاف الأول ، ولا تكرار في هذا بوجه من الوجوه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٨٥.

(٢) الدروس : ٣٨٢.

٤٢٨

ولو تعاونا على إعادة المشترك ، أو أعاده أحدهما بالآلة المشتركة فهو على الشركة ، ولو طلب صاحب العلو عمارة السفل بنقض صاحبه كان له المنع.

ولو أعاده بآلة من عنده فله ذلك ، والمعاد ملكه. ولا يمنع صاحب السفل من الانتفاع بسفله ، لكن يمنع من فتح كوة ، أو ضرب وتد.

ولو انفرد أحد الشريكين بالإنفاق على البئر والقناة لم يكن له‌

______________________________________________________

وأشار المصنف إلى أولوية الصورة الثانية بالإجبار بقوله : ( وكذا في نصف الطول وكل العرض ) فان المشبه به أقوى من المشبه ، وبصحة القرعة فيها دون الاولى.

قوله : ( ولو طلب صاحب العلو عمارة السفل بنقض صاحبه كان له المنع ).

النقض بالكسر : المنقوض ذكره في الصحاح (١) وهي آلات البناء.

قوله : ( ولو أعاده بآلة من عنده فله ذلك ).

ليس على إطلاقه ، بل هو مقيد بما إذا لم يكن الأساس للآخر ولا مشتركا بينهما ، وإلا لم يجز بدون الإذن.

قوله : ( ولا يمنع صاحب السفل من الانتفاع بسفله ، لكن يمنع من فتح كوة أو ضرب وتد ).

الوتد بالكسر : واحد الأوتاد ، وبالفتح لغة ، واعلم أنه يمنع من التصرف المضعف للجدار الحامل للعلو ، لأنه إضرار بصاحب العلو في أمر مستحق له.

__________________

(١) الصحاح ( نقض ) ٣ : ١١١٠.

٤٢٩

منع الآخر من الانتفاع بالماء ، ولا يجب على مستحق اجراء الماء في ملك غيره مشاركة المالك في عمارة سقف المجرى وان خرب من الماء ، ولا على المالك إصلاح القناة لو خربت بغير سببه.

ويجوز لصاحب العلو الجلوس على السقف الحائل بينه وبين السفل وإن كان مشتركا ، ووضع ما جرت العادة بوضعه للضرورة.

ولصاحب السفل الاستكنان ، وتعليق ما لا يتأثر به السقف المشترك كالثوب ، أما ضرب الوتد في السقف فلا.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يجب على مستحق اجراء الماء في ملك غيره مشاركة المالك في عمارة سقف المجرى وإن خرب من الماء ).

فإنه لا يجب عليه ( أن يسقف المجرى ، فلا يجب عليه ) (١) عمارته لو خرب بأي سبب كان.

قوله : ( ولا على المالك إصلاح القناة لو خربت بغير سببه ).

لأن استحقاق الإجراء لا يقتضي استحقاق عمارة المجرى.

قوله : ( ويجوز لصاحب العلو الجلوس على السقف الحائل بينه وبين السفل وإن كان مشتركا ، ووضع ما جرت العادة بوضعه للضرورة ).

إنما جاز الجلوس ، ووضع ما جرت العادة بوضعه من آلات المنزل ونحوها للضرورة ، فإن الساكن في مكان مضطر الى ذلك لا بد له منه ، أما ما لم تجر العادة بوضعه فلا يجوز إذا كان مشتركا قطعا ، ولو اختص به فله التصرف في ملكه كيف شاء.

قوله : ( ولصاحب السفل الاستكنان ، وتعليق ما لا يتأثر به السقف المشترك كالثوب ، أما ضرب الوتد في السقف فلا ).

اختار المصنف في التذكرة منع تعليق صاحب السفل الأمتعة في السقف ،

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

٤٣٠

فروع :

أ : إذا استحق وضع خشبة على حائط فسقطت ، أو وقع الحائط استحق بعد عوده الوضع ، بخلاف الإعارة. ولو خيف على الحائط السقوط ففي جواز الإبقاء نظر.

ب : لو وجد بناءه ، أو خشبه ، أو مجرى مائه في ملك غيره ، ولم يعلم سببه فالأقرب تقديم قول مالك الأرش والجدار في عدم‌ الاستحقاق.

______________________________________________________

سواء يتأثر به أولا كالثوب ونحوه (١). ومختاره هنا قريب ، لجريان العادة بذلك ، نعم لا يجوز نحو ضرب الوتد قطعا.

قوله : ( إذا استحق وضع خشبة على حائط فسقطت ، أو وقع الحائط استحق بعد عوده الوضع ، بخلاف الإعارة ).

والفرق أن الإعارة إذن في الوضع فلا يقتضي التكرر ما لم يصرح به ، وبعد انقضاء المأذون فيه لا يبقى استحقاق ، أما إذا كان الوضع مستحقا بعقد لازم إلى أمد معين فإنه يقتضي استحقاق الإعادة ، للقطع ببقاء الاستحقاق بعد السقوط.

قوله : ( ولو خيف على الحائط السقوط ففي جواز الإبقاء نظر ).

ينشأ : من أن له حق الإبقاء فيستصحب ، ومن أنه ضرر منفي. ويضعّف بأن الإزالة ضرر أيضا ، والضرر لا يزال بالضرر وهو الأصح. ولا فرق في ذلك بين استحقاق الوضع والإعادة ، ما لم يبذل الأرش في الإعادة فتجب الإزالة حينئذ.

قوله : ( لو وجد بناءه ، أو خشبه ، أو مجرى مائه في ملك غيره ولم يعلم سببه فالأقرب تقديم قول مالك الأرض والجدار في عدم الاستحقاق ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٨٧.

٤٣١

ج : لا يجوز بيع حق الهواء ، ولا مسيل الماء ، ولا الاستطراق.

الفصل الثالث : في التنازع :

لو صالح المتشبث المصدّق لأحد المدعيين لسبب يوجب التشريك كالإرث على شي‌ء شاركه الآخر إن كان بإذنه ، والأصح في الربع ولا‌ شركة.

______________________________________________________

أي : لو وجد واجد بناءه ، أو خشبه ، أو مجرى مائه كدولابه ، ونحو ذلك في ملك غيره ، ولم يعلم سببه كأن ينتقل إليه بالإرث ، فهل يكون ذلك مقتضيا للاستحقاق ، بحيث لا يجوز للمالك منعه من الإبقاء ، ولا من الإعادة لو انهدم أو لا فيكون له ذلك؟ الأقرب الثاني تمسكا بأصالة عدم الاستحقاق في ملك الغير ، ولأن اليد تقتضي الاختصاص بالانتفاع ، والوضع أعم من الاستحقاق.

وغاية ما في الباب أن يكون بحق ، وهو أعم من العارية التي يجوز الرجوع فيها ، وخالف الشيخ في ذلك نظرا الى أن الظاهر أن ذلك وضع بحق ، فلا يمنعه صاحب الملك من الإبقاء إلا إذا ثبت ذلك (١) ، وقول الشيخ ضعيف.

واعلم أن عبارة المصنف لا تخلو من مناقشة ، لأن من لا يعلم سبب كون بنائه في ملك الغير مثلا ، ما دام لا يعلم الاستحقاق فلا يدعيه ، فلا يتصور منه اليمين عليه ليكون قول المالك بيمينه مقدما.

وقد كان الأولى أن يقول : لو اختلفا في الاستحقاق وعدمه ، فيما إذا كان بناؤه في ملك الغير فالأقرب أن اليمين على المالك مع عدم البينة ، لأنه المنكر.

قوله : ( لا يجوز بيع حق الهواء ، ولا مسيل الماء ، ولا الاستطراق ).

لأنه ليس شي‌ء من ذلك عينا ، لكن يجوز الصلح على ذلك بشرط التعيين.

قوله : ( لو صالح المتشبث المصدق لأحد المدعيين ، بسبب يوجب التشريك كالإرث على شي‌ء شاركه الآخر إن كان بإذنه ، والأصح في‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٢٩٨.

٤٣٢

ولو تغاير السبب صح الصلح في حصته أجمع ولا شركة ،

______________________________________________________

الربع ولا شركة ).

أي : لو صالح المتشبث وهو صاحب اليد ، وقد ادعى عليه مدعيان بأن العين الفلانية مثلا ملك لهما ، بسبب يقتضي التشريك بينهما في الملك كالإرث ، كابنين يدعيان على زيد بأن الدار التي في يده ملك لهما بالإرث من أبيهما ، فصدق أحدهما وكذب الأخر ، فتحقق بإقراره عدم ملكه لنصف الدار ، والابنان متفقان على أن النصف كالكل مملوك لهما بالإرث ، فيمتنع استحقاق أحدهما النصف من دون الآخر.

بل كلما ثبت أنه مخلف عن أبيهما ، فهما مشتركان فيه الى أن يعلم السبب الناقل ، وقد ثبت بإقرار الابن أن النصف مخلف عن أبيه ، فامتنع انفراده بملكه ، فيكون مشتركا بينهما ، والتالف بإنكار المتشبث منهما.

فان قيل : إنما أقر المتشبث باستحقاق واحد خاصة فلا يستحق الآخر شيئا.

قلنا : الاستحقاق إنما ثبت من جهة أن سبب الملك مقتض للتشريك ، ولا فرق بين أن يقولا : ورثناها ( وقبضناها ) (١) ثم غصبها منا ، وعدمه كما نص عليه في التذكرة (٢) ، لأن سبب التشريك موجود ، فإذا صالح المتشبث المقر له ـ والحالة هذه ـ عن النصف المقر به فإما أن يكون باذن شريكه أولا.

فإن كان بالاذن صح الصلح واشتركا في العوض ، لأنه عوض ما لهما المشترك ، والأصح في الربع خاصة ، وبقي الربع الآخر على ملك الابن الآخر إن لم يجز الصلح.

قوله : ( ولو تغاير السبب صح الصلح في حصته أجمع ولا شركة ).

المراد بتغاير السبب : أن يكون سبب ملك كل منهما غير سبب ملك‌

__________________

(١) لم ترد في « ق ».

(٢) التذكرة ٢ : ١٨٩.

٤٣٣

______________________________________________________

الآخر ، فلا يكون السبب مقتضيا للتشريك ، بل الشركة بسبب آخر وهو الشيوع ، كأن يكون أحدهما مستحقا للنصف بالإرث ، والآخر بالشراء مثلا ، فإن الإقرار لأحدهما لا يقتضي مشاركة الآخر إياه.

وهل يكون شراؤهما معا ، واتهابهما ، وقبضهما معا إذا أقر به المصدق من المدعيين كالإرث ، أم يلحق بالسببين المتغايرين؟ الأقرب عند المصنف في التذكرة الأول ، لاعتراف المقر بأن السبب المقتضي لتملكه مقتض لتملك الآخر (١).

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن البيع لا ثنين بمنزلة الصفقتين.

ولقائل أن يقول : لا فرق بين تغاير السبب ، وكونه مقتضيا للتشريك في عدم الشركة ، لأن الصلح إنما هو على استحقاق المقر له ، وهو أمر كلي يمكن نقله عن مالكه الى آخر. ولهذا لو باع أحد الورثة حصته من الإرث صح ، ولم يتوقف على رضى الباقين.

فإن أجيب بأن الإنكار لاستحقاق الآخر صيّر النصف كالتالف ، فيجب أن يكون منهما لامتناع تلف حصة أحدهما دون الآخر.

قلنا : فإذا تغاير السبب يجب أن يكون كذلك مع اعتراف المقر له بالشركة ، وقد سبق في البيع ـ فيما إذا قال : النصف لك والنصف الآخر لي ولشريكي ـ ما ينافي إطلاق ما هنا ، حيث أنه حكم بالتشريك بينهما في الحاصل والتالف.

وفي أحكام التنازع في الرهن تردد في التشريك وعدمه ، ونبه شيخنا الشهيد على ذلك في حواشيه على الكتاب ، والذي يقتضيه النظر أن الحكم في مسألة الإرث قبل قبض الوارثين صحيح ، لأن الحاصل من التركة قبل القبض هو المحسوب تركة بالنسبة إلى الورثة ، والتالف لا يحسب عليهم وكأنه لم يكن.

وامتناع الوصول اليه كتلفه في هذا الحكم ، والظاهر أنه لا خلاف في‌

__________________

(١) المصدر السابق.

٤٣٤

ويعطى مدعي الدرهمين أحدهما ونصف الآخر ، ومدعي أحدهما الباقي مع التشبث.

______________________________________________________

ذلك ، أما بعد القبض واستقرار الملك لهم وانقطاع كل من الورثة عن حق الورثة إلى آخر.

ولا دليل على إلحاق تعذر الوصول الى ( حق ) (١) بعضهم بالإنكار مع عدم البينة ، ونحوه بتلف البعض في هذا الحكم والأصل ، عدمه ، فينتفي التوقف فيه فيلحظ الحكم المذكور في البيع.

ولو كان المشترك دينا فأقر لبعض وأنكر بعضا ففي التركة قبل القبض لا بحث ، وبعد القبض وغير التركة من أقسام الشركة فيه الخلاف المشهور ، من أن الحاصل لهما والتالف عليهما ، وعدمه.

قوله : ( ويعطى مدعي الدرهمين أحدهما ونصف الآخر ، ومدعي أحدهما الباقي مع التشبث ).

إذا كان في يد شخصين درهمان فادعاهما أحدهما ، وادعى الآخر واحدا منهما اعطي مدعيهما معا درهما ، لعدم منازعة الآخر فيه ، ويتساويان في الدرهم الآخر ، لأن كل واحد منهما صاحب يد ودعوى لجميعه فيقسم بينهما ، لرواية عبد الله بن المغيرة ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام (٢).

قال في التذكرة : والأقرب أنه لا بد من اليمين ، فيحلف كل منهما على استحقاق نصف الآخر ، الذي تصادمت دعواهما فيه وهو ما في يده ، فمن نكل منهما قضي به للآخر ، ولو نكلا معا أو حلفا معا قسّم بينهما نصفين (٣).

وما قربه جيد لعموم : « واليمين على من أنكر » (٤) ، ومتى نكل أحدهما‌

__________________

(١) لم ترد في « م ».

(٢) الفقيه ٣ : ٢٢ حديث ٥٩ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ حديث ٤٨١.

(٣) التذكرة ٢ : ١٩٥.

(٤) سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢ اختلاف الحديث للشافعي : ١٩٦.

٤٣٥

وكذا لو استودع من اثنين ثلاثة ، ثم تلف واحد من غير تفريط واشتبه ، بخلاف ممتزج الأجزاء.

______________________________________________________

ردت اليمين على الآخر ، لأنا لا نقضي بالنكول.

واعلم أن قول المصنف : ( مع التشبث ) تشبثهما بأن تكون اليد لهما معا ، قال في الدروس : ويشكل إذا ادعى الثاني النصف مشاعا ، فإنه يقوي القسمة نصفين ويحلف الثاني للأول ، وكذا في كل مشاع (١). وما قاله متجه ، وأنكر في الدروس ذكر الأصحاب اليمين هنا (٢) ، وقد نقلنا عن التذكرة (٣) خلافه.

قوله : ( وكذا لو استودع من اثنين ثلاثة ثم تلف واحد من غير تفريط واشتبه ، بخلاف ممتزج الأجزاء ).

أي : وكذا الحكم لو استودع شخص من رجل دينارين مثلا ومن آخر دينارا ، ثم امتزجا إما بغير تفريط منه أو بإذن المالكين ، ثم تلف واحد بغير تفريط ، وإنما اعتبرنا عدم التفريط ، لأنه مع التفريط يضمن التالف فلا حاجة الى القسمة.

فأما مع عدمه ، فلانه لا ضمان عليه ، وحينئذ فيدفع الى صاحب الدينارين دينارا ، لأن الآخر معترف له به ، ويبقى الدينار الآخر فيقسّم بينهما نصفين ، لرواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام : بالأمر بإعطاء صاحب الدينارين دينارا ونصفا وللآخر ما بقي (٤).

وإطلاق الرواية يقتضي دفع ذلك وإن لم تتصادم دعواهما في الدينار ، فلذلك لم يحكم باليمين ، ولم يذكر المصنف في التذكرة هنا يمينا (٥).

وفي الدروس قال : إن الأصحاب لم يذكروا يمينا هنا ، وفي التي قبلها ، وذكروها في باب الصلح ، فجائز أن يكون ذلك الصلح قهريا وجائز أن يكون‌

__________________

(١) الدروس : ٣٧٩.

(٢) الدروس : ٣٨٠.

(٣) التذكرة ٢ : ١٩٥.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٣ حديث ٦٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ حديث ٤٨٣.

(٥) التذكرة ٢ : ١٩٥.

٤٣٦

ويباع الثوبان مع الاشتباه معا إن لم يمكن الانفراد ، ويقسّط الثمن على القيمتين مع التعاسر ، فإن بيعا منفردين ، فإن تساويا في الثمن فلكل مثل صاحبه ، وإن تفاوتا فالأقل لصاحبه.

______________________________________________________

اختياريا ، فان امتنعا فاليمين (١).

قلت : ظاهر الرواية ، وكلام الأصحاب أن ذلك قهري ، وأنه بغير يمين ، بل ربما امتنعت اليمين إذا صرح كل واحد بعدم العلم بعين حقه ، قال : ولو قيل بالقرعة أمكن (٢).

وما ذكره متجه ، إلا أن الخروج عما عليه أكثر الأصحاب بعيد. وهذا كله في غير ممتزج الأجزاء ، وهو متساويها كالحنطة والشعير فإنهما لو امتزجا مزجا يرفع الامتياز ، وكان أحدهما قفيزين والآخر قفيزا ، ثم تلف قفيز فان التالف على نسبة المالين.

وكذا الباقي ، فيكون لصاحب القفيزين قفيز وثلث ، وللآخر ثلثا قفيز ، فان الفرض أن عين أحد الدينارين لا حق لصاحب الدينار فيه.

قوله : ( ويباع الثوبان مع الاشتباه معا إن لم يمكن الانفراد ، ويبسط الثمن على القيمتين مع التعاسر فان بيعا منفردين فان تساويا في الثمن فلكل مثل صاحبه ، وإن تفاوتا فالأقل لصاحبه ).

روى إسحاق بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال في ثوبين أحدهما بعشرين والآخر بثلاثين فاشتبها : « يباعان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، والآخر خمسي الثمن ، وإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصفه » (٣) وعمل بمضمونها أكثر الأصحاب.

__________________

(١) الدروس : ٣٨٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٣ حديث ٦٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ حديث ٤٨٢.

٤٣٧

ولو كان عوض الصلح سقي الزرع ، أو الشجر بمائة فالأقرب الجواز مع الضبط ، كما في بيع الماء. وكذا لو صالحه على إجراء الماء الى سطحه أو ساحته صح ، بعد العلم بالموضع الذي يجري الماء منه.

______________________________________________________

وقال ابن إدريس بالقرعة (١) ، ورده المصنف ، وحكم بأن الثوبين إن لم يمكن افرادهما بان يباع كل واحد وحده ، لعدم الراغب في واحد ، وتعاسر مالكاهما بأن لم يتسامحا فيجبر أحدهما صاحبه ( يباعان ثم يبسط الثمن على القيمتين وإن أمكن بيعا منفردين. ثم إن تساويا في الثمن فلكل مثل صاحبه ) (٢) وهو واضح ، وإن تفاوتا فالأقل لصاحب الأقل قيمة عملا بالظاهر وإن أمكن خلافه ، لأنه نادر ولا أثر للنادر في الشرع.

وشيخنا في الدروس ـ بعد أن حكى مختار المصنف أنه متى أمكن بيعهما منفردين امتنع الاجتماع ـ قال : الرواية مطلقة في البيع ، ويؤيدها أن الاشتباه مظنة تساوي القيمتين (٣).

قلت : فعلى هذا يكون مورد الرواية ما إذا تساوت القيمتان ، فيبقى ما إذا تفاوتتا خاليا عن النص ، فيجب العمل فيه بما ذكره المصنف إذ لا راد له.

وقول ابن إدريس بالقرعة وإن كان له وجه ، إلا أن مخالفته النص وكلام الأصحاب مشكل.

فان قلت : الرواية حكاية حال ، لأنها حكم في واقعة.

قلت : الظاهر خلافه لعمل الأصحاب بمضمونها.

قوله : ( ولو كان عوض الصلح سقي الزرع أو الشجر بمائة فالأقرب الجواز مع الضبط كما في بيع الماء ).

وجه القرب أنه مال مملوك يقصد نقله فجاز جعله عوضا للصلح ، وحكى‌

__________________

(١) السرائر : ١٧١.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

(٣) الدروس : ٣٧٩.

٤٣٨

ويصح جعل الخدمة المضبوطة بالعمل أو الزمان عوضا ، فإن أعتقه صح ، وفي رجوع العبد إشكال ، ينشأ : من أن إعتاقه لم يصادف الملك سوى الرقبة ، فلا يؤثر إلاّ فيه ، كما لو أوصى لرجل برقبته ولآخر بخدمته ، فأعتق الأول ، ومن اقتضاء العتق زوال الملك عن الرقبة والمنفعة ، وقد حال بين العبد والمنفعة ، حيث لم تحصل المنفعة للعبد.

______________________________________________________

الشارح قولا بالمنع ، لأنه فرع البيع ولا يصح بيع الماء ، (١) والمقدمتان ممنوعتان.

قوله : ( ويصح جعل الخدمة المضبوطة بالعمل أو الزمان عوضا ، فإن أعتقه صح ، وفي رجوع العبد إشكال ينشأ : من أن إعتاقه لم يصادف الملك سوى الرقبة ، فلا يؤثر إلا فيه ، كما لو أوصى لرجل برقبته ولآخر بخدمته ، فأعتق الأول ، ومن اقتضاء العتق زوال الملك عن الرقبة والمنفعة ، وقد حال بين العبد والمنفعة حيث لم تحصل المنفعة للعبد ).

أي : يصح الصلح عن شي‌ء مملوك على خدمة العبد ، بشرط ضبطها بالعمل كعمارة بيت معين ، أو بالزمان كسنة ، ووجه الصحة ظاهر ، لكن إذا أعتق العبد ففي رجوعه على السيد ( بعوض هذه المنفعة ) (٢) إشكال ينشأ : من أن إعتاقه لم يصادف في الملك سوى الرقبة فلا يؤثر إلا في ملكها فيزيله.

ومثله ما لو أوصى مالك العبد لشخص برقبة العبد ، ولآخر بخدمته ، فأعتقه الموصى له بالرقبة ، فإنه لا يرجع على تركة الموصي بعوض الخدمة قطعا لمثل ما قلناه.

ومن أن العتق يقتضي زوال الملك عن الرقبة والمنفعة فتصير مملوكة للعبد ، وقد حال بينه وبينها حيث جعلها عوضا في عقد الصلح فينتقل الى البدل.

ويضعّف بأن العتق يزيل الملك عن الرقبة ، والمنفعة التي لم يسبق‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٠٩.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

٤٣٩

والراكب أولى من قابض اللجام على رأي ، وذو الحمل على الدابة أولى من‌ غيره ،

______________________________________________________

استحقاقها على العتق ، أما التي سبق استحقاقها فان العتق لم يصادفها في ملك المعتق فكيف يزيل الملك عنها ، والأصح الأول.

قوله : ( والراكب أولى من قابض اللجام على رأي ).

أي : لو اختلف قابض لجام الدابة وراكبها في ملكها ، فالراكب أولى على قول الشيخ في المبسوط وإن احتاط بجعلها بينهما نصفين (١) ، واختاره نجم الدين (٢) ، واختار في الخلاف كونها بينهما (٣) ، وهو مختار ابن إدريس (٤).

وفي شرح الإرشاد : لا شك أن كلا منهما مدع بتفسيرات المدعي ومنكر أيضا لها ، ولكل يد إلا أن يد الراكب تضاف الى تصرفه ، فان ثبت أن التصرف له مدخل في الرجحان رجح به.

أما الترجيح لقوة اليد فلا أثر له ، لأن قوة سلطان اليد لم تؤثر في ثوب بيد أحد المدعيين أكثره ، وما ذكره حق ، والأصح أنها بينهما ، لكن بعد أن يحلف كل لصاحبه إذا لم تكن بينة ، كما ذكره في التذكرة قال فيها : إنه يبعد تمكين صاحب الدابة غيره من ركوبها ويمكن أخذ اللجام (٥).

قلت : ما ذكره ليس بواضح ، لأن الركوب واللجام بيد المالك أمر سهل واقع كثيرا ، نعم لو اختلف لا بس الثوب وقابضه فقوة جانب اللابس أظهر ، لأن الظاهر أنه لا يتمكن من لبسه إلا وهو غالب قاهر مستقل باليد ، وهذا الذي سبق حكم الدابة ، أما اللجام فلمن في يده وكذا السرج للراكب.

قوله : ( وذو الحمل على الدابة أولى من غيره ).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧.

(٢) شرائع الإسلام ٢ : ١٢٦ وقال مع يمينه.

(٣) الخلاف ٢ : ٧٥ مسألة ٥ كتاب الصلح.

(٤) السرائر : ١٧.

(٥) التذكرة ٢ : ١٩٦.

٤٤٠