جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٣

ح : لو أسلم الكفيل على الخمر بري‌ء من الكفالة ، ولو أسلم أحد الغريمين بري‌ء الكفيل والمكفول على اشكال فيهما.

______________________________________________________

المال ، وهذا الوجه ليس بذلك البعيد ، وعبارة المصنف تقتضي الأول لقوله : ( وإلا فلا ... ).

وإن لم يطلب منه الإحضار ، ولا قال : له اخرج من حقي ، ولكن أراد هو إحضاره فلا يجب عليه المتابعة ، لأنه متبرع بالكفالة فلا حق له على المكفول ، ولو كفل بالإذن وجب عليه المتابعة قطعا.

وقول المصنف : ( وإلا فكالأول ) معناه وإن لم يكن متبرعا ، بل كانت الكفالة بالإذن فكالأول ، أعني ما إذا طلب المكفول له من الكفيل إحضار المكفول ، إذ تجب عليه المتابعة حينئذ كما ذكرنا.

إذا تقرر هذا ، فلو أدى المال عنه في شي‌ء من هذه المواضع ، فان كان متبرعا بأدائه لم يرجع قطعا ، وإن كان قد كفل بالاذن سواء شرط الرجوع بما يؤديه أو مطلقا على أظهر الوجهين ، إذا أدى مع تعذر إحضار المكفول ، ومطالبة المكفول له وتضيقه فله الرجوع عليه ، لأن الاذن في الكفالة اذن في لوازمها ، ومن جملة لوازمها الأداء مع عدم الإحضار.

أما إذا تمكن من الإحضار ، وادى المال فقد قال في التذكرة : إن الأقرب أنه لا يرجع وإن كانت الكفالة بإذنه ، لأن الواجب في الكفالة الإحضار مع المكنة ، وقد أمكن فيكون في أداء المال متبرعا ، سواء حبس مع ذلك أم لا (١) ، وما قربه قريب.

قوله : ( لو أسلم الكفيل على الخمر بري‌ء من الكفالة ، ولو أسلم أحد الغريمين بري‌ء الكفيل والمكفول على اشكال فيهما ).

هنا مسألتان والاشكال فيهما معا ، فهما مرجع الضمير في قوله : ( على اشكال فيهما ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٠٢.

٤٠١

______________________________________________________

أ : إذا كانت الكفالة بين ذميين لمديون بخمر ، وأسلم الكفيل بري‌ء من الكفالة على اشكال ، ينشأ : من امتناع كون المسلم كفيلا بالخمر ، فتبطل ويبقى الحق بين ذميين كما كان. ومن أن الكفالة ليست بالخمر ، بل بمن عليه الخمر. وهو حق بالنسبة إلى الذميين يثبت في الذمة مع عدم التظاهر ، وشرط صحة الكفالة ثبوت حق في الجملة فيتناول ذلك.

والحق أن الوجه الأول ضعيف جدا ، لأن الإسلام لا يسقط حق الذمي وإن كان خمرا ، فتجب قيمته عند مستحليه ، فإنه محترم بالنسبة إليه.

ولهذا يمنع المسلم من التعرض اليه ، ويضمن قيمته لو أتلفه مع عدم التظاهر ، بل قد بالغ السيد الفاضل عميد الدين فجوّز كفالة المسلم للذمي إذا كان في ذمته خمر أو خنزير لذمي آخر ، محتجا بأن الكفالة ليست بالمال ، بل بالنفس مع ثبوت الحق للمكفول له في ذمة المكفول ، وهو هنا كذلك.

ولا شبهة في وجوب الحضور على المديون هنا الى مجلس الحكم لو طلبه المستحق ، فلا مانع من صحة الكفالة أصلا ، وما ذكره حسن.

ب : الصورة بحالها وأسلم أحد الغريمين فقط ، وفي الحكم إشكال ينشأ : من عدم وجوب الخمر على المسلم ، وامتناع استحقاقه إياها فيبرؤون جميعا. ومن أن الواجب بالنسبة إلى المسلم هو القيمة عند مستحليه ، والأصل بقاء الكفالة.

والتحقيق أن يقال : إن كان المسلم هو مستحق الخمر سقط ، إذ الواجب قبل الإسلام إنما هو الخمر ، وقد امتنع استحقاقه بالإسلام ، لامتناع ملك المسلم إياه ، والأصل براءة الذمة من وجوب القيمة على الذمي ، وحيث كان المانع من جهة المسلم انتفى استحقاق القيمة.

وإن كان المسلم هو من عليه الخمر كان عليه القيمة عند مستحليه ، لأنه بإسلامه منع الخمر المستحق في ذمته لذمي مستتر ، فيجب الانتقال إلى القيمة ، فتنتفي الكفالة هنا ، وتزول في الفرض الأول ويبرؤون جميعا.

٤٠٢

أما لو كان ضامنا فإنه لا يسقط بإسلام المضمون عنه ، وفي رجوع الضامن المأذون عليه بالقيمة نظر.

ط : لو خيف على السفينة الغرق فألقى بعض الركبان متاعه لتخف لم يرجع به الى أحد وإن قصد الرجوع به أو قال له بعضهم : ألقه فألقاه.

______________________________________________________

قوله : ( أما لو كان ضمانا فإنه لا يسقط بإسلام المضمون عنه ، وفي رجوع الضامن المأذون عليه بالقيمة نظر ).

لما كان الضمان ناقلا ، لم يسقط حق المضمون له عن الضامن بإسلام المضمون عنه لو كان الدين خمرا ، لانتقاله إلى ذمة الضامن ، وبراءته من حق المضمون له ، لكن لو كان الضمان بالإذن وأدى الضامن الى المضمون له ما ضمنه ، فهل للضامن الرجوع عليه بالقيمة؟ نظر ينشأ : من أنه أدى دينه باذنه فيستحق الرجوع ، ولما تعذر الرجوع بالمثل لا سلامه استحق الرجوع بالقيمة ، ولأنه بإسلامه متلف لخمر محترمة على ذمي فتكون مضمونة. ومن أن الرجوع إنما هو بما أدى ، ولم يؤد إلا الخمر ، ويمتنع الرجوع بها على المسلم بها ، والقيمة لم يضمنها ولم يؤدها.

ويضعّف بأن الواجب هو الخمر ، ولما تعذر على المسلم أداؤها تعذر المثل ، فوجب الانتقال إلى القيمة ، فوجوب القيمة ليس بالأداء بل بأمر آخر ، خصوصا والمانع من حق الغير إنما هو إسلام المستحق عليه ، فكيف يسقط لا إلى بدل ، فوجوب القيمة أقوى.

قوله : ( وإن قصد الرجوع به ، أو قال له بعضهم : ألقه فألقاه ).

هذا وصلي لما قبله ، ووجه عدم الرجوع في الأول أنه أتلف متاعه باختياره ، من غير أن يلتزم له أحد بالرجوع به فلا يرجع ، وليس هذا كايجار المضطر الطعام ، للاذن من الشارع حيث أوجبه وهو مقتض (١) للرجوع ، وفي‌

__________________

(١) في « ق » : متضمن.

٤٠٣

أما لو قال له : ألقه وعليّ ضمانه فألقاه فعلى القائل الضمان للحاجة.

ولو قال : عليّ وعلى ركبان السفينة ضمانه فامتنعوا ، فإن قال : أردت التساوي لزمه قدر نصيبه.

______________________________________________________

الثاني أن الأمر بالإلقاء باختياره لا يستلزم التزام الرجوع.

قوله : ( أما لو قال : ألقه وعليّ ضمانه فألقاه فعلى القائل الضمان للحاجة ).

لا ريب أنه إذا قال : ألقه وعليّ ضمانه يضمن ما ألقاه بالتزامه الضمان ( للحاجة ) (١) ، وهذا وإن كان ضمانا لما لم يجب ، لكنه حكم بصحته للحاجة الداعية إليه ، فإن فيه استنقاذا للنفوس ، وربما ضاق الوقت عن إجراء المعاملة فيه ، وربما اقتضت تجاذبا فيفوت الغرض. هذا إن جعلناه ضمانا ، وإن جعلناه جعالة لكون المجعول في مقابله عملا مقصودا محللا خلصنا من الإلزام ، ونحوه قال في التذكرة (٢).

فرع : لو قطع بغرق السفينة وهلاك بعض أهلها ، وبسلامتها لو القى المال في البحر ، ففي وجوب الإلقاء لإنقاذ الغير من الهلاك اشكال.

قوله : ( ولو قال : عليّ وعلى ركبان السفينة ضمانه فامتنعوا ، فان قال : أردت التساوي لزمه قدر نصيبه ).

المراد بالتساوي : أن يكون هو كأحدهم فيما يصيبه من المال بعد التوزيع ، فحينئذ يوزع ويلزم بقدر نصيبه ، لأن الاشتراك يقتضي ذلك.

وإن قال : أردت به ضمان اشتراك وانفراد ، على معنى أن كل واحد ضامن للمجموع لزم القائل ضمان الجميع ، ولا شي‌ء على الباقين في الصورتين ، سواء سمعوا وسكتوا أو قالوا : لا نضمن أو لم يسمعوا ، لأن السكوت أعم من‌

__________________

(١) لم ترد في « م ».

(٢) التذكرة ٢ : ١٠٣.

٤٠٤

ولو قال : وعليّ ضمانه وعلى الركبان فقد أذنوا لي فأنكروا بعد الإلقاء ضمن الجميع بعد اليمين على اشكال ، ينشأ : من استناد التفريط الى المالك. ولو لم يكن خوف فالأقرب بطلان الضمان.

______________________________________________________

الرضي.

وقول المصنف : ( فامتنعوا ) يحتمل أن يكون بعد الإلقاء فيشمل الصور الثلاث ، أو قبله فيكون صورة واحدة وهي الرد ، ولا يخفى أنه لو ادعى الأمر الأول ولم يصدقه صاحب المال كان له تحليفه.

قوله : ( ولو قال : عليّ ضمانه ، وعلى ركبان السفينة فقد أذنوا لي فأنكروا بعد الإلقاء ضمن الجميع بعد اليمين على اشكال ... ).

لا يخفى أن الظرف الأول يتعلق بـ ( أنكر ) ، واحترز (١) به عما لو كان الإنكار قبل الإلقاء ، فإنه لا يضمن حينئذ سوى حصته ، لأن التفريط أو التضييع حينئذ من المالك ، والظرف الثاني يتعلق بـ ( ضمن ) ، والمراد أن ضمانه للجميع إنما يكون بعد يمينهم على عدم الإذن له في الضمان عنهم.

ومنشأ الاشكال مما ذكره المصنف ، أعني استناد التفريط الى المالك حيث ألقى متاعه قبل الاستيثاق ، ومن أن المغرور يرجع على من غره. ويضعّف بمنع الغرور هنا ، فإنه قد يكون صادقا فيما أخبر عنهم ، والخيانة من قبلهم في الإنكار وترك الاشهاد ، والسؤال منهم مستند الى تقصير المالك فالأصح أنه لا يضمن إلا حصته.

بقي شي‌ء ، وهو أنه لو ثبت أنهم لم يأذنوا له بالبينة وإن عسر ، لأنه شهادة على النفي أو بإقراره ، فهل يضمن لكونه قد غر المالك حينئذ؟ لا استبعد الضمان هنا.

قوله : ( ولو لم يكن خوف فالأقرب بطلان الضمان ).

وجه القرب أنه ضمان ما لم يجب ، ولم تمس الحاجة اليه إن جعلناه‌

__________________

(١) في « ق » : يحترز.

٤٠٥

وكذا مزق ثوبك وعليّ الضمان ، أو اجرح نفسك وعليّ ضمانه ، بخلاف طلّق زوجتك وعليّ كذا.

ي : الأقرب انتقال حق الكفالة إلى الوارث ، ولو انتقل الحق عن المستحق ببيع أو إحالة وغيرها بري‌ء الكفيل ، وكذا لو أحال المكفول المستحق ، لأنه كالقضاء.

______________________________________________________

ضمانا ، وإن جعلناه جعالة فليست على عمل مقصود بخلاف محل الحاجة ، ويحتمل ضعيفا الصحة للانتفاع بالإلقاء (١) لخفة السفينة ، وليس بشي‌ء.

قوله : ( وكذا مزّق ثوبك وعليّ ضمانه ، أو اجرح نفسك وعليّ ضمانه ).

أي : ضمان الثوب والجرح ، لأنه مع كونه ضمان ما لم يجب يعد سفها.

قوله : ( بخلاف طلق زوجتك وعليّ كذا ).

وكذا أعتق عبدك وعليّ كذا ، فإنه يصح ذلك جعالة ، فيلزم الجعل إذا أتى بالمجعول عليه ، ودليل الصحة أنه عمل مقصود محلل ، وربما كان عالما بالتحريم بينهما فطلب التفرقة بالعوض ، أو علم كون العبد حرا في الواقع ، أو طلب ثواب العتق ، أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة للعقلاء.

قوله : ( الأقرب انتقال حق الكفالة إلى الوارث ، ولو انتقل الحق عن المستحق ببيع أو احالة وغيرهما بري‌ء الكفيل ، وكذا لو أحال المكفول المستحق لأنه كالقضاء ).

قد سبق ثبوت انتقال حق الكفالة بالإرث كسائر الحقوق ، وذكرها هنا للفرق بين انتقال الحق عن المورث الى الوارث ، وبين انتقال الحق من المستحق الى غيره ببيع ونحوه ، فإن الكفالة لا تنتقل حينئذ ، كما لو باع الدين أو أحال به غيره ، ونحو ذلك ، فإن الكفالة لا تنتقل الى من انتقل اليه الدين ، لأنه لم ينتقل إليه‌

__________________

(١) في « م » : بالإبقاء.

٤٠٦

يب : لو ادى الكفيل لتعذر إحضار المكفول كان له مطالبة المكفول بما اداه عنه ، سواء كفل بإذنه أو لا.

ولو ظهر بعد الأداء سبق موت المكفول رجع الكفيل على المكفول له.

المقصد الخامس : في الصلح : وفصوله ثلاثة :

الأول : الصلح : عقد سائغ شرع لقطع التجاذب ، إلا ما أحل‌

______________________________________________________

سواه ، لا سائر الحقوق المتعلقة به ، على أن الكفالة ليست حقا قابلا للنقل بالاختيار ، بخلاف الإرث فإنه يقتضي نقل كل حق للمورث ، فينتقل الدين وما يتعلق به. ومثله ما لو أحال المكفول المستحق بالدين ، لأن ذلك كالقضاء.

قوله : ( لو أدى الكفيل لتعذر إحضار المكفول كان له مطالبة المكفول بما أداه عنه ، سواء كفل بإذنه أولا ).

لأنه أدى دينه بإذن شرعي فيستحق الرجوع ، فعلى هذا لا بد من تقييده بمطالبة المكفول له بحيث يكون واجبا عليه.

قوله : ( الصلح عقد سائغ شرع لقطع التجاذب ... ).

ربما يقال عليه : إن هذا يقتضي اشتراطه بسبق الخصومة كما يراه بعض العامة (١) ، لأن القاطع للتجاذب مسبوق بالتجاذب ، فيجاب. بأن أصل شرعيته لذلك ، ولا يلزم ثبوت التجاذب في كل فرد من أفراد الصلح ، كما في القصر للمشقة في السفر.

فان قيل : السفر المخصوص مظنة المشقة والقصر تابع له ، بخلاف الصلح‌

__________________

(١) ذهب إليه الشافعي كما في الوجيز ١ : ١٧٧.

٤٠٧

حراما أو حرّم حلالا ، كالصلح على استرقاق حر ، أو استباحة بضع ، أو صالحه بخمر أو خنزير ، أو صالحه ـ مع إنكاره ظاهرا ـ على بعض ما عليه ، سواء عرف المالك قدر حقه أو لا ، فإن الصلح في مثل ذلك لا يثمر ملكا ولا إبراء ، إلا أن يعرف المالك ما عليه ويرضى باطنا.

______________________________________________________

فان الحكم لا يتعلق بما هو مظنة التجاذب كما هو ظاهر

قلنا : حيث تثبت شرعيته لنقل الملك مع الخصومة تثبت شرعيته ، والأصل عدم كون الخصومة شرطا له.

قوله : ( كالصلح على استرقاق حر ، أو استباحة بضع ).

هذا صلح يحل الحرام.

قوله : ( أو صالحه بخمر أو خنزير ).

هذا يمكن جعله من قبيل ما يحرم الحلال ، ويمكن أن يجعل كل من الأقسام محللا للحرام ومحرما للحلال باعتبار العوضين.

قوله : ( أو صالحه ـ مع إنكاره ظاهرا ـ على بعض ما عليه ، سواء عرف المالك قدر حقه أو لا ، فإن الصلح في مثل ذلك لا يثمر ملكا ولا إبراء ، إلا أن يعلم المالك ما عليه ويرضى باطنا ).

لا بحث في صحة الصلح مع الإقرار ، أما مع الإنكار فإذا أنكر المدعى عليه المدعى به ظاهرا وصولح على بعض ما عليه ـ أي على قدر بعض ما عليه في الواقع ، سواء كان من جنسه أم لا ، ومنه ما لو صالحه ببعض ما ادعى به ـ فان هذا الصلح باطل بحسب الواقع ، ولا يثمر ملكا إن كان المدعى به عينا ، ولا إبراء إن كان دينا ، سواء عرف المالك قدر حقه أم لا ، وسواء ابتدأ هو بطلب الصلح عن حقه أم لا ، لأن صلحه ربما كان توصلا إلى أخذ بعض حقه ، إلا أن يعلم أن المالك قد رضي باطنا مع علمه بقدر الحق.

فلو كان له عليه دين لا يعلمه ، فصالحه عليه بأقل منه من غير أن يعلمه‌

٤٠٨

وكذا لو كان المدعي كاذبا فصالحه المنكر فإنه غير مباح ، إلا مع الرضى الباطن ، وهو أصل في نفسه ليس فرعا على غيره وإن أفاد فائدته.

______________________________________________________

بقدره لم يبرأ بذلك ، لرواية علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في يهودي أو نصراني كان له عند السائل أربعة آلاف درهم ومات ، أصالح ورثته ولا أعلمهم كم كان؟ قال : « لا يجوز حتى تخبرهم » (١) ، هذا حال الصلح في نفس الأمر وأما ظاهرا فإنه صحيح يحكم على كل منهما به.

نعم لو أقر المدعى عليه بعد الصلح بصحة الدعوى وجب تسليم المدعى به ظاهرا أيضا ، ثم المدعي إن كان قد رضي بالصلح باطنا لا يجوز له أخذه ، وإلا أخذه.

قوله : ( وكذا لو كان المدعي كاذبا فصالحه المنكر فإنه غير مباح ، إلا مع الرضى الباطن ).

لأن الظاهر أنه يريد التخلص من عهدة دعواه الكاذبة ، ولأنه مع عدم التراضي أكل مال بالباطل ، هذا بحسب نفس الأمر ، أما بحسب الظاهر فإنه صلح صحيح. ولو ادعى مثلا بحظ مورثه أو وكيله ونحوه ، فاتجه على المنكر اليمين فأراد الصلح لقطع هذه الخصومة وإسقاط اليمين ، فليس بعيدا من الصواب صحته ظاهرا.

وما في نفس الأمر تابع لصحة الدعوى وعدمها ، ويحتمل الصحة مطلقا ، لأن اليمين حق فيصح الصلح لإسقاطها.

قوله : ( وهو أصل في نفسه ليس فرعا على غيره ، وإن أفاد فائدته ).

هذا هو المشهور والأصح ، وللشيخ قول بأنه فرع على غيره (٢) ، وهو مذهب الشافعي (٣) ، فجعله فرع البيع إذا أفاد نقل الملك ، وفرع الإجارة إذا وقع على‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٩ حديث ٦ ، الفقيه ٣ : ٢١ حديث ٥٤ ، التهذيب ٦ : ٢٠٦ حديث ٤٧٢.

(٢) المبسوط ٢ : ٢٨٨.

(٣) المجموع ١٣ : ٣٨٥ ـ ٣٨٧.

٤٠٩

ويصح على الإقرار والإنكار من غير سبق خصومة ، ومع سبقها سواء علما بقدر ما تنازعا عليه أو جهلاه ، دينا كان أو عينا ، وهو لازم من الطرفين لا يبطل إلاّ باتفاقهما على فسخه.

ولا بد من متعاقدين كاملين ، وما يتصالحان به ، وعليه.

______________________________________________________

المنفعة ، وفرع الإبراء إذا اقتضى إسقاط بعض الدين ، وفرع الهبة إذا تضمن هبة بعض العين ، بان يصالح من العين على بعضها ، وفرع العارية فيما إذا أقر له بدار في يده ، وصالحه على سكناها سنة ، وهو مردود ، فإن أفاده عقد فائدة أخر لا يقتضي كونه من افراده.

قوله : ( ويصح على الإقرار والإنكار من غير سبق خصومة ، ومع سبقها سواء علما بقدر ما تصالحا عليه أو جهلاه ، دينا كان أو عينا ).

خالف الشافعي في الصلح على الإنكار فمنع منه ، وكذا منع من الصلح من غير سبق خصومة (١) ، وعندنا يصح الصلح في ذلك ، ولا فرق بين علمهما بقدر ما تصالحا عليه وجهلهما ، لحسنة حفص بن البختري عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، ولو علم من عليه الحق وجب عليه إعلام الآخر.

ولا يحكم بصحة الصلح بدون الإعلام ، لرواية علي بن أبي حمزة السالفة (٣) ، ولعدم العلم بالرضى الباطن ، إلا أن يعلم أنه قد رضي بالصلح كائنا ما كان المصالح عليه ، وقد صرح به في التذكرة (٤).

قوله : ( ولا بد من متعاقدين كاملين ).

وكذا لا بد من صيغة مشتملة على الإيجاب والقبول ، كسائر العقود اللازمة.

قوله : ( وما يتصالحان به ، وعليه ).

__________________

(١) كفاية الأخيار ١ : ١٦٧ ، الوجيز ١ : ١٧٨ ، فتح العزيز ١٠ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ المجموع ١٣ : ٣٩٠.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٩ حديث ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ حديث ٤٧٩.

(٣) الكافي ٥ : ٢٥٩ حديث ٦ ، الفقيه ٣ : ٢١ حديث ٥٤ ، التهذيب ٦ : ٢٠٦ ، حديث ٤٧٢.

(٤) التذكرة ٢ : ١٧٨ ـ ١٧٩.

٤١٠

ويشترط فيهما التملك ، ولو صالح على عين بأخرى في الربويات ففي إلحاقه بالبيع نظر ،

______________________________________________________

لأنه من عقود المعاوضات فلا بد من عوضين.

قيل عليه : إن الصلح إذا وقع موقع الإبراء ، كما لو صالحه من الحق على بعضه فإنه صحيح ، لعموم شرعية الصلح وليس فيه عوضان.

قلنا : تكفي في المغايرة الجزئية والكلية.

قوله : ( ولو صالح على عين بأخرى في الربويات ففي إلحاقه بالبيع نظر ).

ينشأ : من إمكان اختصاص الربا بالبيع ، فيتمسك في الصلح بأصالة الجواز. ومن أن ظاهر قوله سبحانه ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (١) يقتضي تحريم الزيادة في المتماثلين في كل المعاوضات فلا يختص بالبيع ، وفي هذا قوة وتمسك بجانب الاحتياط. ومن جعل الصلح بيعا فلا اشكال عنده في تحريم الزيادة.

وقد قال الشارح الفاضل : إن الشيخ ألحقه بالربويات ، واختاره ابن البراج ، وهو يبنى على قاعدتين :

أ : الصلح بيع أم لا؟

ب : الربا يختص بالبيع أم يعم (٢)؟

وهذا كلام فاسد ، لأنه لا معنى لإلحاقه بالربويات عند الشيخ وابن البراج ، إذ هو بيع على قولهما.

ثم بنى ذلك على قاعدتين أعجب ، وإن كان المبني كلام المصنف فأغرب ، لأن المصنف قد حكم سابقا بأنه أصل برأسه لا فرع على غيره ، فكيف يكون تردده لاحتمال كونه فرعا ، وإنما تردده لاحتمال عدم اختصاص الربا بالبيع.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ١٠٤.

٤١١

وكذا في الدين بمثله ، فإن ألحقناه فسد لو صالح من ألف مؤجل بخمسمائة حال.

ولو صالح من ألف حال بخمسمائة مؤجل فهو إبراء على اشكال ، ويلزم التأجيل ،

______________________________________________________

قوله : ( وكذا في الدين بمثله ).

أي : وكذا يجي‌ء النظر في الصلح عن الدين بمثله ، أي : بدين آخر فإنه يحتمل عدم صحته ، نظرا الى مشاركته للبيع في علة المنع فيشتركان في الحكم ، والأصح العدم.

قوله : ( فإن ألحقناه فسد لو صالح من ألف مؤجل بخمسمائة حال ).

أي : فان ألحقنا الصلح بالبيع في تحريم الربا ، فصالح من ألف درهم مؤجل بخمسمائة درهم حالة فسد ، كما إذا باع ألفا مؤجلة بخمسمائة حالة للربا.

قوله : ( ولو صالح من ألف حال بخمسمائة مؤجل فهو إبراء على اشكال ، ويلزم التأجيل ).

لما كان الصلح قد يفيد فائدة الإبراء احتمل صحته في هذه الصورة ، وهي ما لو صالح من الف حال بخمسمائة مؤجل. والفرق بينهما وبين التي قبلها : أنه في التي قبلها جعل الحلول في مقابل خمسمائة فامتنع الإبراء فيها ، لأن الإبراء إسقاط محض ، وما كان في مقابله شي‌ء لا إسقاط فيه ، بخلاف الأخيرة ، لأن الخمسمائة المسقطة لا في مقابله شي‌ء ، إذ الأجل المشروط نقصان أخر ، وضعف هذا الفرق ظاهر. ومنشأ الاشكال : من أنه إبراء كما ذكرنا ، ومن أن الصلح معاوضة بالاستقلال لثبوت المغايرة بين العوضين ، ووقوع أحدهما في مقابلة الآخر.

فإن قلنا بالصحة لزم الأجل خلافا للشافعي (١) ، وربما استدل على الصحة‌

__________________

(١) الوجيز ١ : ١٧٨ ، فتح العزيز ١٠ : ٣٠٠.

٤١٢

وليس طلب الصلح إقرارا بخلاف بعني أو ملّكني.

ولو اصطلح الشريكان على أن لأحدهما رأس ماله وللآخر الربح والخسران صح.

ولو صالح عن الدنانير بدراهم ، أو بالعكس صح ولم يكن صرفا ،

______________________________________________________

بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكعب بن مالك : « اترك الشطر واتبعه ببقيته » (١) وروي ذلك عن الصادق عليه‌السلام.

وجوابه القول بالموجب ، فان الترك ليس معاوضة وإنما هو تصريح بالإبراء وكلامنا في المعاوضة ، والذي يقتضيه النظر البطلان في الصورتين للزوم الربا المحرم.

قوله : ( وليس طلب الصلح إقرارا بخلاف بعني أو ملكني ).

خلافا لبعض العامة (٢) ، فإن الصلح قد يكون على الإنكار ، وأما البيع والتمليك فهما فرع الملك.

قوله : ( ولو اصطلح الشريكان على أن لأحدهما رأس ماله وللآخر الربح والخسران صح ).

هذا إذا انتهت الشركة وأريد فسخها وكان بعض المال دينا ، لصحيحة أبي الصباح عن الصادق عليه‌السلام في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه ربحا ، وكان من المال دين وعين فقال أحدهما لصاحبه : أعطني رأس المال والربح لك وما توى (٣) فعليك فقال : « لا بأس به إذا شرط » (٤) الحديث.

قوله : ( ولو صالح عن الدنانير بدراهم ، أو بالعكس صح ولم يكن صرفا ).

لأن الصلح عقد مستقل بنفسه ، والصرف بيع فلا يشترط في الصلح‌

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ : ٣٠٤ حديث ٣٥٩٥.

(٢) نسب هذا الخلاف إلى الشافعي في أحد وجهيه ، انظر : فتح العزيز ١٠ : ٣٠٢.

(٣) توى المال : هلك ، مجمع البحرين ( توا ) ١ : ٧١.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٠٧ حديث ٤٧٦.

٤١٣

ولو ظهر استحقاق أحد العوضين بطل الصلح. ويصح على كل من العين والمنفعة ، بجنسه أو مخالفه.

ولو صالح على ثوب أتلفه بدرهم على درهمين لزم.

الفصل الثاني : في تزاحم الحقوق : يجوز إخراج الروشن ، والجناح ، ووضع الساباط ، واستجداد الأبواب ، ونصب الميازيب في‌

______________________________________________________

التقابض لو كان العوضان من الأثمان.

قوله : ( ويصح على كل من العين والمنفعة بجنسه أو مخالفه ).

لأنه يفيد فائدة عقود متعددة كما سبق ، ولو صالح على إسقاط خيار ، أو على حق أولوية ونحو ذلك صح.

قوله : ( ولو صالح على ثوب أتلفه بدرهم على درهمين لزم ).

هذا إن لم نقل : إن الربا يعم الصلح ، أو قلنا إن القيمي يثبت في الذمة مثله ، ثم ينتقل إلى القيمة لتعذر المثل ، واختار المصنف في المختلف الصحة (١) كما هنا ، واستشكله شيخنا الشهيد في الدروس (٢) ، ومنعه في الخلاف (٣) والمبسوط (٤) ، وابن البراج (٥) ، واحتج المصنف (٦) بعموم روايات (٧) معاوضة بقوله تعالى ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٨) ، والأصح عدم الصحة.

قوله : ( يجوز إخراج الروشن ، والجناح ، ووضع الساباط ).

لا فرق بين الروشن والجناح ، فان كل واحد منهما إخراج الخشب من الجدار والبناء عليه ونحوه ، بحيث لا يصل الى الجدار المقابل ، فان وصل فهو‌

__________________

(١) المختلف : ٤٧٥.

(٢) الدروس : ٣٧٨.

(٣) الخلاف ٢ : ٧٦ مسألة ١٠ كتاب الصلح.

(٤) المبسوط ٢ : ٣٠٨.

(٥) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٧٥.

(٦) المختلف : ٤٧٥.

(٧) الكافي ٥ : ٢٥٩ حديث ٥ ، ٧ ، التهذيب ٦ : ٢٠٦ ، ٢٠٨ حديث ٤٧٣ ، ٤٧٩.

(٨) البقرة : ٢٧٥.

٤١٤

الطرق النافذة مع انتفاء ضرر المارة وإن عارض مسلم.

أما لو كانت مضرة ، أو أظلم بها الدرب على الأقوى ، أو كانت في المرفوعة فإنه لا يجوز.

______________________________________________________

الساباط ، وفسر اللغويون الروشن بأنه الكوة (١).

قوله : ( وإن عارض مسلم ).

خلافا للشيخ منا (٢) ، وابي حنيفة من العامة (٣) فيما إذا عارض مسلم فإنه منع ، حكاه المصنف في التذكرة (٤).

قوله : ( أما لو كانت مضرة ، أو أظلم بها الدرب على الأقوى ، أو كانت في المرفوعة فإنه لا يجوز ).

الضابط في الضرر وعدمه العرف ، ويختلف باختلاف حال الطرق ، وظلمة الدرب بها إن كانت بحيث يزول الضياء بالكلية مانعة إجماعا ، وبدونه كذلك على الأقوى ، خلافا للشيخ (٥) ، لأن ذلك يضر بضعيف البصرية نهارا وفي الليل مطلقا.

ولو كان إخراج شي‌ء من هذه في غير النافذة ، وهي الطريق المرفوعة المسدودة لم يجز ، لأنها مملوكة لأرباب الأبواب فيها ، وهم محصورون فلا يجوز لأحدهم التصرف فيها بدون إذن الباقين.

__________________

(١) كما في الصحاح ( رشن ) ٥ : ٢١٢٤ ، ولسان العرب ( رشن ) ١٣ : ١٨١.

(٢) المبسوط ٢ : ٢٩١ ، والخلاف ٢ : ٧٤ : ٧٥ مسألة ٢ كتاب الصلح.

(٣) فتح العزيز ١٠ : ٣٠٨ ، المجموع ١٣ : ٣٩٦.

(٤) التذكرة ٢ : ١٨١.

(٥) المبسوط ٢ : ٢٩١ ، علما بأن عبارته مطلقة تشمل زوال الضياء بالكلية أو قسما منه ، فالشيخ لا يحسبه مانعا على ما يبدو.

قال في المفتاح ٥ : ٤٧٤ : ( ولعل إطلاقه منزل على الظلمة الغير المزيلة للضياء بالكلية. وقد لا يكون الشيخ مخالفا عند التأمل ) ، فتأمل جيدا.

٤١٥

ولو أذن أرباب الدرب المرفوع ، أو فتح روزنة ، أو شباكا جاز ، وإذنهم إعارة يجوز الرجوع فيه.

ويمنع من استجداد باب في المرفوعة لغير الاستطراق دفعا للشبهة ، ويجوز الصلح بينه وبين أرباب المرفوع على إحداث روشن وشبهه على رأي ، وليس لغيرهم مع رضاهم الاعتراض.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اذن أرباب الدرب المرفوع ، أو فتح روزنة ، أو شباكا جاز ).

لا بحث في الجواز مع الإذن ، ولو أراد فتح روزنة أو شباك جاز وإن لم يأذنوا أو نهوا ، لأنه إنما يتصرف في جداره ولا ضرر عليهم.

قوله : ( ويمنع من استجداد باب في المرفوعة لغير الاستطراق دفعا للشبهة ).

المراد بالشبهة : ما يشعر به الباب من ثبوت حق الاستطراق ، فربما استدل به على ثبوت الاستحقاق بمرور الأيام ، ولأن الباب بعد فتحه لا ينضبط عدم الاستطراق به ، ولا يؤمن حصوله ليلا ونهارا. ويحتمل ضعيفا الجواز كما سيأتي.

قوله : ( ويجوز الصلح بينه وبين أرباب المرفوع على احداث روشن وشبهه على رأي ).

لعموم الدلائل الدالة على جواز الصلح (١) بحيث تتناول هذا ، وهو مختار ابن إدريس (٢) ، وهو الأصح. وقال الشيخ (٣) وابن البراج (٤) : لا يجوز لأن فيه افرادا للهواء بالبيع ، وهو يقتضي البناء على أن الصلح فرع البيع وقد بينا ضعفه.

__________________

(١) منها : ما رواه الكليني في الكافي ٥ : ٢٥٩ حديث ٥ ، والشيخ في التهذيب ٦ : ٢٠٨ حديث ٤٧٩.

(٢) لم نجده في السرائر ، وقال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ٤٧٦ : (. موافق للسرائر فيما حكي لأني لم أجده ).

(٣) قاله في المبسوط ٢ : ٢٩٢.

(٤) نقله عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ١٠٦.

٤١٦

ولكل من له الاستطراق فيه إزالة ما أحدثه بغير إذن ، ولذي الدارين المتلاصقين في در بين مرفوعين فتح باب بينهما.

وفي استحقاق الشفعة حينئذ نظر ،

______________________________________________________

قوله : ( ولكل من له الاستطراق فيه ازالة ما أحدثه بغير اذن ).

لأنه تصرف في حقه بغير اذنه فكان له إزالته ، ولا فرق بين أن يأذن الباقون أو لا.

قوله : ( ولذي الدارين المتلاصقين في در بين مرفوعين فتح باب بينهما ).

وليس لأحد من أهل واحدة من السكتين منعه ، لأنه يستحق المرور في كل من السكتين ، ورفع الجدار الحائل بين الدارين وجعلهما دارا واحدة جائز إجماعا ، ففتح باب من إحداهما إلى الأخرى بطريق أولى ، إذ هو عبارة عن رفع بعض الجدار.

ومنع منه بعض الشافعية (١) ، لأن ذلك يثبت له حق الاستطراق من الدرب المسدود الى دار لم يكن لها طريق منه ، ولأن ذلك ربما أدى الى إثبات الشفعة في قول من يثبتها بالطريق لكل واحد من الدارين في زقاق الأخرى.

وغلّطهم المصنف في التذكرة بالأولوية السابقة اللازمة عن رفع الجدار كله ، مع أن المحذور لازم (٢).

قوله : ( وفي استحقاق الشفعة حينئذ نظر ).

أي : وفي بقاء استحقاق الشفعة بسبب الاشتراك في الطريق حينئذ نظر ، ينشأ : من التردد في كون ذلك موجبا للاشتراك في الطريق من الجانبين الموجب للكثرة وعدمه.

ويمكن أن يكون المراد : وفي حدوث استحقاق الشفعة لكل من‌

__________________

(١) فتح العزيز ١٠ : ٣١٣ ، المجموع ١٣ : ٤١٢ ـ ٤١٣.

(٢) التذكرة ٢ : ١٨٣.

٤١٧

______________________________________________________

الشريكين في الدربين المرفوعين بالنسبة إلى الدار الأخرى نظر ، ينشأ : من التردد في كون ذلك موجبا للاشتراك وعدمه ، إلا أن هذا لا يستقيم إلا على القول بثبوت الشفعة مع الكثرة.

والأصح أن الشفعة على ما كانت قبل فتح الباب ، وفتحه لا يوجب ثبوت الاستحقاق لواحدة من الدارين في طريق الأخرى.

ويمكن أن يكون معنى العبارة : وفي بقاء استحقاق صاحب الدارين المفتوح بينهما ، باعتبار كل منهما الشفعة ( على شريكه في كل من الدربين المرفوعين ، لو باع داره وقلنا باستحقاق الشفعة ) (١) بمجرد الاشتراك في الطريق ، أو كانت الداران مشتركتين ثم ميزتا بالقسمة وبقي الطريق نظر ، ينشأ : من أن مجاز تلك الدار في درب يشارك فيه آخر ، غير الشريك في هذه الدرب فتكثر الشركاء ، فينتفي استحقاق الشفعة حينئذ بناء على المنع منه مع الكثرة. ومن أن شركته مع أزيد من واحد إنما هو باعتبار دارين ، فلم يزد الشركاء باعتبار كل واحدة على اثنين.

ويمكن أن يكون المراد : وفي استحقاق الشريك الشفعة لو باع ذو الدارين أحدهما نظر ، من تخيل تكثر الشركاء ، وعدمه ، ويمكن أن يراد كل منهما.

فان قيل : على الفرض الثاني لا يجي‌ء هذا النظر ، لأن الاشتراك في الطريق إذا كان حادثا بعد القسمة لا يعتد به ، إنما المعتبر الاشتراك قبل القسمة ، وتمييز الشقصين مع بقاء الاشتراك في الطريق.

قلنا : يمكن أن يكون الاشتراك في الطريقين لكل من الدارين قبل القسمة ، فلما حصلت القسمة سد ما بينهما ، ثم طرأ فتح الباب.

ولقائل أن يقول : على هذا التقدير الشريك متكثر لا محالة ، ومع ذلك ففرض المسألة لا يطابق هذا ، إذ المفروض داران لا حق لأحدهما في درب الأخرى ،

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

٤١٨

وينفرد الأدخل بما بين البابين ، ويتشاركان في الطرفين.

ولكل منهما الخروج ببابه مع سد الأول وعدمه ،

______________________________________________________

فلا يجي‌ء النظر في المسألة إلا على قول من يثبتها بمطلق الاشتراك في الطريق ، كما ترشد إليه عبارة التذكرة (١).

ولا بد في مجي‌ء النظر في استحقاق أحد الشريكين الشفعة ، لو باع أحد الدارين من التقييد بعدم اشتراط سد الباب بينهما ، فان شرطه فلا وجه للنظر أصلا.

قوله : ( وينفرد الأدخل بما بين البابين ).

فيكون الخارج شريكا الى عند بابه ، إذ المقتضي لاستحقاقه الشركة هو الاستطراق ونهايته الباب ، وقوى في الدروس مشاركته للأدخل فيما دخل عن بابه ، لاحتياجه الى ذلك عند ازدحام الأحمال ووضع الأثقال (٢) : وفيه نظر ، لأنه لا يلزم من الاحتياج الشركة ، وإنما المقتضي للملك هو الإحياء ، فإذا وضع الباب على وجه معين لم يكن لاستحقاقه فيما دخل عنه وجه ، والمشهور الأول ، وعليه الفتوى.

قوله : ( ويتشاركان في الطرفين ).

لانتفاء الأولوية لواحد على غيره بخلاف ما بين البابين ، لأن أدخلية الباب تقتضي الاستطراق ، وهو مختص به فيتحقق الترجيح.

قوله : ( ولكل منهما الخروج ببابه مع سد الأول وعدمه ).

لأن حق الاستطراق ثابت له الى بابه ، فكل ما خرج عنه له فيه شركة ، وتصرفه في جداره برفع كله أو بعضه لا شك في جوازه. ولا يقال : إنه بتكثر الأبواب يكثر المستطرقون ، لأنه لا يتفاوت الحال بكثرة المستطرقين والباب واحد ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٨٣.

(٢) الدروس : ٣٨١.

٤١٩

فإن سده فله العود اليه ، وليس لأحدهما الدخول ، ويحتمله إذ قد كان له ذلك في ابتداء الوضع ، ورفع الحائط أجمع.

______________________________________________________

مع أن الازدحام ربما كان أكثر على هذا التقدير.

قوله : ( فإن سده فله العود إليه ).

لأن حقه الثابت لا يسقط بسد الباب ، بل ولا بالإسقاط.

قوله : ( وليس لأحدهما الدخول ).

أي : ببابه عن موضعه ، لأنه لا حق له فيما دخل عنه.

قوله : ( ويحتمله إذ كان له ذلك في ابتداء الوضع ورفع الحائط أجمع ).

أي : ويحتمل جواز الدخول ، والعبارة تحتمل أن يريد جواز الدخول بالباب من غير استطراق ، وأن يريد مع ذلك جواز الاستطراق ، وهو بعيد جدا. والوجه الأول من الوجهين اللذين استدل بهما لو تم لدل على الثاني ، بخلاف الوجه الثاني.

وتوضيح الأول : أنه قد كان في ابتداء الوضع مخيرا بين وضع الباب داخلا وخارجا ، والأصل بقاء ذلك. ويضعّف بأن تملك المباح إنما يقع على الوجه الذي اتفق ، فإنه قد كان له فتح باب من أي الجوانب شاء ، وقد امتنع عليه الآن فتحه الى بيت جاره.

وتوضيح الثاني : ان جعل الباب أدخل عبارة عن رفع بعض الجدار ، ورفع جميعه جائز فبعضه أولى. ويضعّف بأن رفع الجميع لا تتطرق اليه شبهة استحقاق الاستطراق ، بخلاف جعل الباب ادخل.

قيل عليه : رفع الجميع قد تتطرق اليه شبهة كون الطرف الأدخل كله أو بعضه داخلا في ملكه.

قلنا : ليس الرفع هو المحصل لهذه الشبهة ، نعم هو غير مانع ، بخلاف الباب‌

٤٢٠