درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٥

قبيل الشكّ فى الرّافع.

(ويمكن) ان يكون وجهه انّ الكلام ليس فى العدم المطلق بل فى العدم المضاف الّذى له حظّ من الوجود فيكون حكمه حكم الوجود من حيث انّه قد يكون الشكّ فيه شكّا فى المقتضى وقد يكون الشك فيه شكّا فى الرّافع ويدلّ عليه ان الوجود مستلزم للعدم غالبا بل دائما فلو كان الشك فى العدم شكا فى الرّافع دائما لجرى الاستصحاب فيه دائما وتنتفى ثمرة التفصيل بين الشكّ فى المقتضى والشكّ فى الرّافع على ما اختاره المصنف وغيره.

(قوله ثم ان نسبة القول المذكور) يعنى التفصيل بين الشكّ فى الرافع مطلقا سواء كان الشك فى وجود الرّافع او فى رافعية الموجود باقسامها وبين الشك فى المقتضى بالحجيّة فى الأول دون الثانى.

(قوله هو المقتضى) لا العموم والاطلاق الخارجين عن حريم الاستصحاب.

(قوله وعلى ان يكون حكم الشك فى وجود الرافع) اقول لا بدّ من ذكر مطلب آخر فى تتميم المطلب بان يقال وعلى ان حكم الشكّ فى رافعيّة الموجود من جهة الشبهة فى الموضوع حكم الشك فى رافعية من جهة الشبهة الحكميّة لانّ المثال الذى ذكره كان مختصّا برافعية الموجود من جهة الشبهة الحكمية.

(قوله اما لدلالة دليله المذكور على ذلك) لانّ مناط كلامه انه مع العلم بوجود المقتضى والشك فى المانع يحكم بوجود المقتضى بالفتح وانّه لا يعتنى باحتماله امّا لبناء العقلاء لرجحانه او لغيره من الوجوه الّتى احتملها فى مقام نقل كلام المعارج دليلا للقول بحجيّة الاستصحاب مطلقا ويزيد ذلك وضوحا ملاحظة الوجوه الأخر الّتى ذكرها فى المعارج الراجعة الى افادة الاستصحاب للظّنّ مطلقا الدالة بضميمة مسلميّة الكبرى وهى حجيّة الظن الاستصحابيّ مطلقا او مطلق الظن على المطلوب غاية الأمر تسلّم رجوعه عما ذكره من الاطلاق الى التقييد فى الجملة وهو تسليم كونه مفيدا للظّنّ او حجيّته بالنسبة الى الشك

٢٨١

فى الرافع فقط واما تضييق دائرة هذا التقييد بانحصاره فى الشك فى رافعية الموجود خصوصا فى الشبهة الحكمية منه دون الموضوعية مطلقا على ما يوهمه المثال فممّا لا مقتضى له.

(قوله واما لعدم القول بالاثبات الخ) يعنى لم يقل احد بحجية الاستصحاب فى الشك فى رافعية الموجود فى الشبهة الحكميّة منه او مطلقا وعدم حجيّته فى الشكّ فى وجود الرّافع الذى هو من الشبهة الموضوعيّة.

٢٨٢

(لكن) فى كلا الوجهين نظر اما الاول فلا مكان الفرق فى الدليل الذى ذكره لان مرجع ما ذكره فى الاستدلال الى جعل المقتضى والرافع من قبيل العام والمخصص فاذا ثبت عموم المقتضى وهو عقد النكاح لحل الوطى فى جميع الاوقات فلا يجوز رفع اليد عنه بالالفاظ التى وقع الشك فى كونها مزيلة لقيد النكاح اذ من المعلوم ان العموم لا يرفع اليد عنه بمجرد الشك فى التخصيص اما لو ثبت تخصيص العام وهو المقتضى لحل الوطى اعنى عقد النكاح بمخصص وهو اللفظ الذى اتفق على كونه طلاقا مزيلا لقيد النكاح فاذا شك فى تحققه وعدمه فيمكن منع التمسك بالعموم حينئذ اذ الشك ليس فى طرو التخصيص على العام بل فى وجود ما خصص العام به يقينا (اقول) قوله من قبيل العام المخصّص يعنى انّ المقتضى والمانع شبيه بالعامّ والمخصّص بحيث يجرى عليهما حكمهما لا ان يكون من افرادهما لخروجهما على التقدير المزبور عن الاصل العملى ويكون الاصل الجارى فيهما اصلا لفظيا وهو خلاف التحقيق الّذي ذكره لان مبناه على الفرق بين الشك فى رافعية الموجود وبين الشك فى وجود الرافع فى باب الاستصحاب وهذا واضح.

(وكيف كان) يرجع محصّل كلامه الى انّه اذا ثبت حكم بدليل عام او مطلق وشكّ فى عروض التخصيص وطروّ التقييد فحينئذ يجب العمل بعموم العامّ واطلاق المطلق الى ان ثبت التخصيص او التقييد كما يستفاد ذلك من قول المحقق والذى نختاره ان ننظر فى دليل ذلك الحكم الخ.

(ثم) لا يخفى ان تعبير العامّ والمخصّص بالمقتضى والمانع بحيث يكون عنوان المقتضى والمانع راجعا الى عنوان العامّ والمخصّص والمطلق والمقيّد لا يخلو عن مسامحة لانّ المقتضى عبارة عمّاله مدخليّة فى وجود الشيء والمانع عبارة عمّا يلزم من وجوده عدم الشيء فافهم.

٢٨٣

فيحتاج اثبات عدمه المتمم للتمسك بالعام الى اجراء الاستصحاب بخلاف ما لو شك فى اصل التخصيص فان العام يكفى لاثبات حكمه فى مورد الشك وبالجملة فالفرق بينهما ان الشك فى الرافعية فيما نحن فيه من قبيل الشك فى تخصيص العام زائدا على ما علم تخصيصه نظير ما اذا ثبت تخصيص العلماء فى اكرم العلماء بمرتكب الكبائر وشك فى تخصيصه بمرتكب الصغائر فانه يجب التمسك بالعموم والشك فى وجود الرافع فيما نحن فيه شك فى وجود ما خصص العام به يقينا نظير ما اذا علم تخصيصه بمرتكبى الكبائر وشك فى تحقق الارتكاب وعدمه فى عالم فانه لو لا احراز عدم الارتكاب باصالة العدم التى مرجعها الى الاستصحاب المختلف فيه لم ينفع العام فى ايجاد اكرام ذلك المشكوك هذا.

(وقوله ان العموم لا يرفع اليد عنه) اذا كان الشك فى مخصّصية الموجود مع الانفصال وامّا مع الاتّصال كما فى الاستثناء الواقع عقيب جمل متعددة فيحكم بالاجمال بناء على مذهب المصنف من حجيّة الظواهر من باب الظّهور العرفى لا الظّن النّوعى المطلق ولا المقيّد ولا غير ذلك كما تبيّن ذلك فى باب حجيّة الظواهر (قوله بل فى وجود ما خصص العام به يقينا) فحينئذ تكون الشبهة موضوعيّة يكون منشأ الاشتباه فيها الامور الخارجية لا اجمال النصّ او فقده او تعارض النصين ومن المعلوم انّه لا يتمسّك بالعموم الّا فيما اذا كان الشك فى المراد والشكّ فى فى الشبهات الموضوعيّة ليس كذلك وما ذكره بعض الاعلام فى هذا المقام من انّه لا يتمسّك بالعموم فيما اذا رجع الامر الى التنويع كما اذا قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم الفسّاق وشكّ فى عالم انّه فاسق ام لا لانه ليس ادخاله فى احد العنوانين اولى من ادخاله تحت آخر وامّا اذا لم يكن كذلك كما اذا قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم زيدا واشتبه عالم فى كونه زيدا او عمروا فانه لا بأس بالتمسّك

٢٨٤

بالعموم فيه نعم قد يكون له وجه صحة فيما اذا كان المخصّص منفصلا لبيّا كما اذا قال اكرم جيرانى وقطع بانّه لا يريد اكرام عدوّه فيتمسك به بالنسبة الى من شك فى عداوته لبناء العقلاء على ذمّ من توقّف فى اكرام من يحتمل فى حقّه ذلك ولعل مبنى كلام بعض الاعلام المزبور ليس عليه.

(قوله فيحتاج اثبات عدمه المتمم للتمسك بالعام الخ) يعنى اذا قال اكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق وشك فى عالم انّه فاسق بعد العلم بما يوجب الفسق وكون الشبهة موضوعية لا يمكن التمسك بالعام لاثبات وجوب الاكرام فى الشخص المخصوص المذكور فلا بدّ فى ترتيب وجوب الاكرام التمسّك بالاستصحاب المثبت للحكم المستفاد من العامّ فى مرحلة الظّاهر فاذا لم يكن للعالم المشكوك فسقه فاسقا فى السّابق وشك فى بقاء عدم فسقه او عدالته فيحكم بوجوب اكرامه فى مرحلة الظاهر من جهة استصحاب عدم فسقه او عدالته ومن المعلوم عدم امكان ذلك لعدم امكان اثبات حجية الاستصحاب ولا عدمها بالاستصحاب بل لا بدّ لها من دليل آخر غيره فقد ظهر ان الاستصحاب لا يكون متمّما للتمسّك بالعام ومصحّحا له فى الحقيقة لانّ العامّ دليل اجتهادى لا يمكن اثباته بالاصل العملى الّذي ليس فى عرضه بل فى طوله فالمقصود اثبات مثل الحكم المزبور فى مرحلة الظاهر لا عينه لعدم امكانه كما قرّرناه.

٢٨٥

(ولكن) يمكن ان يقال ان مبنى كلام المحقق قده لما كان على وجود المقتضى حال الشك وكفاية ذلك فى الحكم بالمقتضى فلا فرق فى كون الشك فى وجود الرافع او رافعية الموجود والفرق بين الشك فى الخروج والشك فى تحقق الخارج فى مثال العموم والخصوص من جهة احراز المقتضى للحكم بالعموم ظاهرا فى المثال الاول من جهة اصالة الحقيقة وعدم احرازه فى الثانى لعدم جريان ذلك الاصل لا لاحراز المقتضى لنفس الحكم وهو وجوب الاكرام فى الاول دون الثانى فظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين المثالين واما دعوى عدم الفصل بين الشكين على الوجه المذكور فهو مما لم يثبت نعم يمكن ان يقال ان المحقق قده لم يتعرض لحكم الشك فى وجود الرافع لان ما كان من الشبهة الحكمية من هذا القبيل ليس إلّا النسخ واجراء الاستصحاب (اقول) انّ غرضه قده من الكلام المذكور ابطال الفرق فى المقتضى والمانع الذين ذكرهما المحقق بين الشّك فى وجود المانع وبين الشكّ فى مانعية الموجود وتسليم الفرق بين الشكّ فى وجود المخصص وبين الشك فى مخصصية الموجود فى العامّ والخاصّ بانّ مبنى كلام المحقق على انه اذا وجد المقتضى لا يعتنى باحتمال المانع بل يحكم بوجود المقتضى بالفتح من جهة بناء العقلاء او غيره بزعم وجود هذا المبنى فى كلتا صورتى الشك فى وجود المانع والشك فى مانعية الموجود.

(واما فى العام والخاص) فمنشأ الحكم بالعموم فيهما هو جريان اصالة الحقيقة او اصالة عدم التخصيص التى نتيجتهما ارادة الحقيقة فلما كان الاصلان جاريين فى الشك فى مخصصية الموجود سواء كان الشك فى اصل التخصيص او كان فى التخصيص الزائد لا جرم يحكم بالعموم فيهما واما فى الشك فى وجود المخصص الراجع الى الشبهة الموضوعية فلما لم يمكن جريان الاصلين فلا يحكم بالعموم فيهما لامتناع وجود المعلول مع انتفاء علته فظهر من ذلك الفرق بين ما ذكره المحقق

٢٨٦

فيه اجماعى بل ضرورى كما تقدم فتامل واما الشبهة الموضوعية فقد تقدم خروجها فى كلام القدماء عن معقد مسئلة الاستصحاب المعدود فى ادلة الاحكام فالتكلم فيها انما يقع تبعا للشبهة الحكمية ومن باب تمثيل جريان الاستصحاب فى الاحكام وعدم جريانه بالاستصحاب فى الموضوعات الخارجية فترى المنكرين يمثلون بما اذا غبنا عن بلد فى ساحل البحر لم يجر العادة ببقائه فانه لا يحكم ببقائه بمجرد احتماله والمثبتين بما اذا غاب زيد عن اهله وماله فانه يحرم التصرف فيهما بمجرد احتمال الموت ثم ان ظاهر عبارة المحقق وان اوهم اختصاص مورد كلامه بصورة دلالة المقتضى على تأبيد الحكم فلا يشمل ما لو كان الحكم موقتا حتى جعل بعض هذا من وجوه الفرق بين قول المحقق والمختار بعد ما ذكر وجوها أخر ضعيفة غير فارقة لكن مقتضى دليله شموله لذلك اذا كان الشك فى رافعية شىء للحكم قبل مجىء الوقت. من المقتضى والمانع وبين العامّ والخاصّ وبطلان الفرق بين الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية فيما ذكره المحقق وصحته فى العام والخاص ومقصود المصنف من هذا الكلام ابداء الفرق الحكمى بين الطائفتين دون الموضوعى لوضوحه. (قوله واما دعوى عدم الفصل بين الشكين الخ) هذا ايراد على الوجه الثانى الذى ذكره المصنف فى كلامه المتقدم بقوله ولكن فى كلا الوجهين نظر الخ فانّ ظاهر المحقق انما هو الشك فى رافعيّة الموجود بمقتضى ما ذكره من المثال وامّا من حيث الشك فى وجود الرافع فكلامه ساكت من هذه الجهة فادّعى المصنف فى تقريب كلامه على كون حكم الشكّ فى وجود الرّافع حكم الشك فى رافعيّة الشىء واستدل عليه بدلالة دليله المذكور على ذلك وبالاجماع المركب وعدم القول بالفصل بين الشكّ فى الرّافعية والشك فى وجود الرّافع وتعرّض فى المقام للايراد على الوجه الثانى الذى مرجعه الى دعوى الاجماع بانه لم يثبت لكن لم يعلم سند

٢٨٧

المنع بل قد عرفت فيما تقدّم وجه عدم الفرق بينهما كما صرّح بذلك بعض الاعلام.

(قوله واجراء الاستصحاب فيه اجماعى) مضافا الى ما ذكره سابقا من انه خارج عن الاستصحاب رأسا وداخل فى الاصول اللفظية.

(قوله فقد تقدم خروجها) يعنى ان مقصود القدماء بالاصالة من عقد بحث الاستصحاب انّما هو بيان كونه دليلا على الحكم الشرعى الكلى مثل ساير الأدلّة او عدمه فالشبهة الموضوعيّة التى منها الشكّ فى وجود الرّافع خارج عن مقصودهم بالاصالة وذلك لا ينافى كون الاستصحاب فى الموضوعات الخارجية ايضا حجّة عندهم وان كان خارجا عن كلامهم.

(قوله ثم ان ظاهر عبارة المحقق وان اوهم الخ) ولعلّ وجه الظهور فهم التأبيد من الاطلاق فى قوله فان كان يقتضيه مطلقا وجب الحكم الخ كما فهمه صاحب الفصول حتى يكون مفاده التأبيد الى زمان الشكّ الشامل للحالة الثانية ومن هنا فهم بعضهم من كلامه هذا انّه من المنكرين كما سمعت عن صاحب المعالم ونحوه ولكن قد عرفت فيما تقدّم انّ المراد بالدّليل هو المقتضى للحكم فلا يلزم حينئذ كونه من المنكرين سواء اريد بالاطلاق التأبيد او الاطلاق الى زمان الشك بخلاف ما لو اريد بالدّليل العلّة المستقلة سواء اريد بالاطلاق التأبيد او الاطلاق الى زمان الشكّ فانه يلزم من ذلك كونه من المنكرين لكفاية الدليل فى ثبوت الحكم فى الزّمان الثانى من غير حاجة الى استصحابه بخلاف حمل الدليل على نفس المقتضى فان ثبوت الحكم فى الزمان الثانى محتاج الى استصحابه كما لا يخفى.

(قوله حتى جعل بعض هذا من وجوه الفرق الخ) والمراد بالبعض هو صاحب الفصول حيث جعل هذا الوجه الّذي تنظّر فيه المصنف من وجوه الفرق بين قول المحقّق وما اختاره صاحب الفصول قال فى الفصول واعلم انّ ما اختاره المحقّق فى الاستصحاب وان كان قريبا الى مقالتنا الّا انه يفارقها من وجوه.

(الاول) انه لم يتعرّض لحكم الاستصحاب فى غير الحكم الشرعى وانّما

٢٨٨

ذكر التفصيل المذكور فى الحكم الشرعى جريا للكلام على مقتضى المقام.

(الثانى) انه اعتبر فى سبب الحكم ان يكون مقتضيا لبقائه ما لم يمنع منه مانع ليصح ان يكون دليلا على البقاء عند الشك ونحن انّما اعتبرنا ذلك ليكون مورد الاستصحاب مشمولا لاخبار الباب.

(الثالث) انّ أدلّة الاستصحاب عنده مختلفة على حسب اختلاف اسباب الحكم وقضيّة ذلك ان لا يكون الاستصحاب حجّة فى موارده وامّا على ما اخترناه فقاعدة الاستصحاب مستندة الى دليل عامّ وهى حجّة على الحكم بالبقاء فى مواردها الخاصة

(الرابع) انّه اعتبر فى الاستصحاب ان لا يكون الدليل الّذي يقتضيه موقّتا وهذا انّما يعتبر عندنا فيما اذا كان الشّك فى تعيين الوقت مفهوما او مصداقا دون غيره.

(ثم) قال ويمكن تنزيل كلامه على وجه يرجع الى ما ذكرناه انتهى ويمكن الخدشة فى هذه الوجوه بانّها غير فارقة بين قول المحقق وما اختاره.

(اما الأول) فانّ تعرّض المحقّق للشّبهة الحكمية فقط انّما هو لكون المقصود بالاصالة بيان اجراء الاستصحاب فى الحكم الشّرعى وذلك لا ينافى كون الاستصحاب فى الموضوعات الخارجية ايضا حجّة عند المحقّق خصوصا بملاحظة ما ذكره المحدّث الأسترآباديّ من انّ حجيّة الاستصحاب فى الامور الخارجية محل اتّفاق بين الامة بل من ضروريات الدين.

(واما الثانى) فلانّ اختلاف المدرك فى اعتبار الاستصحاب لا يصير سببا للاختلاف فى المدّعى اعنى القول باعتباره فى مقام الشّك فى الرافع فالمدّعى واحد غايته الاختلاف فى الطريق.

(واما الثالث) فلانّا نمنع اختلاف أدلّة الاستصحاب على حسب اختلاف اسباب الحكم بل الدّليل عنده ايضا واحد وهو كون المستصحب مقتضيا لبقائه ما لم يمنع منه مانع غاية الامر انّ مصاديقه فى الخارج متعددة كما انّ افراد اليقين

٢٨٩

والشّك ومصاديقهما فى الخارج متعددة مع كون الدليل واحدا وشاملا لجميعها

(واما الرابع) فلانّ كلامه وان اوهم الاختصاص بصورة دلالة المقتضى على تأبيد الحكم فلا يشمل ما لو كان الحكم موقّتا لكن مقتضى دليله اعنى قاعدة المقتضى والمانع شموله كذلك اذا كان الشكّ فى رافعيّة شيء للحكم قبل مجيء الوقت كما لو شكّ فى حصول مرض مبيح للافطار فى اثناء النهار مثلا فانه حينئذ يكون من قبيل الشّك فى الرافع فى الحكم الموقّت ولعلّ ما ذكره صاحب الفصول فى ذيل كلامه ويمكن تنزيل كلامه على وجه يرجع الى ما ذكرناه اشارة الى هذا (ولكن) الاولى ان يقول المصنف من وجوه الفرق بين قول المحقّق ومختاره لان ظاهر عبارة الكتاب ان وجوه الفرق انما هو بين قول المحقّق ومختار المصنف كما لا يخفى.

(قوله قبل مجىء الوقت) اى الوقت الّذي ينقضى فيه اقتضاء المقتضى والاولى ان يقال قبل انقضاء الوقت.

٢٩٠

(حجة القول العاشر) ما حكى عن المحقق السبزوارى فى الذخيرة فانه استدل على نجاسة الماء الكثير المطلق الذى سلب عنه الاطلاق بممازجته مع المضاف النجس بالاستصحاب ثم رده بان استمرار الحكم تابع لدلالة الدليل والاجماع انما دل على النجاسة قبل الممازجة ثم قال لا يقال قول ابى جعفر (ع) فى صحيحة زرارة ليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا ولكن تنقضه بيقين آخر يدل على استمرار احكام اليقين ما لم يثبت الرافع لانا نقول التحقيق ان الحكم الشرعى الذى تعلق به اليقين اما ان يكون مستمرا بمعنى ان له دليلا دالا على الاستمرار بظاهره ام لا وعلى الاول فالشك فى رفعه يكون على اقسام ثم ذكر الشك فى وجود الرافع والشك فى رافعية الشيء من جهة اجمال معنى ذلك الشيء والشك فى كون الشيء

(القول العاشر) وهو عدم حجيّة الاستصحاب فى الشّك فى المقتضى وفى الشك فى الرّافع ايضا اذا كان الشك فى رافعية الموجود وحجيّته اذا كان الشك فى وجود الرّافع فقط.

(اقول) انّ صاحب القوانين نقل عن المحقّق السبزوارى فى الذخيرة انّه قال بعد نقل الاستدلال على نجاسة الماء الكثير المطلق الّذي سلب اسم الاطلاق عنه بعد ممازجته بالمضاف النجس بانّ الماء المضاف قبل امتزاجه بالكرّ كان نجسا فيستصحب فيه الحكم المذكور الى ان يثبت الرّافع لان اليقين لا ينقض الّا باليقين واذا ثبت نجاسته بعد الامتزاج يلزم منه نجاسة الجميع لانّ الكرّ المفروض بعد سلب اسم الاطلاق عنه ينفعل بذلك المضاف الممتزج به ويرد عليه انّ التحقيق ان استمرار الحكم تابع لدلالة الدّليل على الاستمرار ثانيا والّا فلا فههنا لمّا دلّ الاجماع على استمرار النجاسة فى الماء المضاف النجس الى زمان ملاقاته مع الماء الكثير حكمنا به وبعد الملاقاة فالحكم مختلف فيه فاثبات الاستمرار حينئذ يحتاج الى دليل

٢٩١

مصداقا للواقع المبين مفهوما والشك فى كون الشيء رافعا مستقلا ثم قال ان الخبر المذكور انما يدل على النهى عن نقض اليقين بالشك وذلك انما يعقل فى القسم الاول من تلك الاقسام الاربعة دون غيره لان فى غيره لو نقض الحكم بوجود الامر الذى شك فى كونه رافعا لم يكن النقض بالشك بل انما يحصل النقض باليقين بوجود ما شك فى كونه رافعا او باليقين بوجود ما يشك فى استمرار الحكم معه لا بالشك فان الشك فى تلك الصور كان حاصلا من قبل ولم يكن بسببه نقض وانما يعقل النقض حين اليقين بوجود ما يشك فى كونه رافعا للحكم بسببه لان الشيء انما يستند الى العلة التامة او الجزء الاخير منها فلا يكون فى تلك الصور نقض اليقين بالشك وانما يكون ذلك فى صورة خاصة دون غيرها انتهى كلامه رفع مقامه.

(قوله بالاستصحاب) اى استصحاب نجاسة الماء المضاف الّذي لاقى الكثير المطلق وسلب عنه اسم الاطلاق فيكون هو ايضا نجسا بالممازجة كما عرفت من كلامه (قوله لانا نقول التحقيق ان الحكم الشرعى الذى تعلق باليقين اما ان يكون مستمرا الخ).

اقول ان حاصله بعد منع شمول الاخبار للشك فى المقتضى لعدم صدق النقض عليه هو الاستدلال لمطلبه باحد الوجهين على سبيل منع الخلوّ.

(احدهما) انّ ظاهر الاخبار هو كون النقض بالشك بحيث يكون الشك سببا لنقض اليقين وهذا المعنى ليس الّا فى الشكّ فى وجود الرّافع دون غيره اذ سبب النقض فى غيره ليس هو الشكّ كيف ولو كان سبب النقض فى تلك الصور هو الشك لكان اجتماعه مع اليقين محالا والمفروض فى تلك الصور اجتماعه معه بل تقدّمه عليه ولم يكن لسببه نقض اصلا بل سبب النقض فى تلك الصور هو اليقين بوجود ما شكّ فى رافعيّته فلا يكون فى تلك الصّور نقض اليقين بالشك بل باليقين.

٢٩٢

(وثانيهما) انّه سلّمنا ان للشّك فى تلك الصور ايضا مدخليّة فى النقض بمعنى ان الشك فى رافعيّة المذى مثلا منضمّا الى اليقين بوجوده سبب للنّقض لا انّ السبب هو خصوص اليقين بوجود المذى المشكوك الرّافعية الّا انّ المستفاد من الاخبار كون الشك جزءا اخيرا للعلة التامة لحصول النقض وليس ذلك الّا فى الشك فى وجود الرّافع ضرورة ان النقض فيه ايضا وان كان مستند الى اليقين برافعية الحدث مثلا والشك فى وجوده الّا ان الجزء الاخير من العلة التامة لحصول النقض فيه هو الشك كما لا يخفى بخلاف غيره من الصور فان الجزء الاخير من العلة التامة فيها هو اليقين بوجود مشكوك الرّافعية لا الشك فى رافعيته وظاهر المصنف انه فهم من عبارة الذّخيرة الوجه الاوّل ولذا اجاب عنه بوجوه ثلاثة.

(قوله وعلى الاول فالشك فى رفعه يكون على اقسام الخ) ذكر فى الذخيرة الاوّل اذا ثبت ان الشىء الفلانى رافع لحكمه لكن وقع الشك فى وجود الرّافع.

(الثانى) انّ الشىء الفلانى رافع للحكم معناه مجمل فوقع الشك فى كون بعض الاشياء هل هو فرد له ام لا.

(الثالث) انّ معناه معلوم ليس بمجمل لكن وقع الشك فى اتّصاف بعض الاشياء به وكونه فردا له لعارض كتوقّفه على اعتبار متعذّر او غير ذلك.

(الرابع) وقع الشك فى كون الشىء الفلانى هل هو رافع للحكم المذكور ام لا.

(ثم قال) انّ الخبر المذكور انما يدل الخ وقد يمثّل للاوّل باستمرار علاقة الزّوجية مع الشك فى موت الزوج واستمرار نجاسة الثوب مثلا مع الشك فى تحقق المطهر وللثانى باستمرار الطهارة الى زمان الحدث مع الشك فى كون المذى فردا للحدث.

(وللثالث) باستمرار الطهارة الى خروج البول مع الشك فى كون الخارج

٢٩٣

قبل الاستبراء بولا او كون الخارج من غير السبيلين حدثا وللرابع باستمرار نجاسة العذرة مع الشك فى استحالتها ترابا مطهّرة لها او استمرار نجاسة الكلب مع الشك فى كون استحالة الكلب بالملح فى الممحلة مطهرة وزاد بعضهم اقساما أخر الّا انّه بعد التامّل يمكن ارجاعها الى تلك الاقسام على ما صرح به بعض الاعلام.

(قوله ثم ذكر الشك فى وجود الرافع) والشبهة فيه موضوعية كما اذا شكّ فى وجود حدث النوم منه مثلا بعد طهارته.

(قوله والشك فى رافعية الشىء من جهة اجمال الخ) والشبهة فيه حكميّة اذ منشأها امّا اجمال النص او فقده او تعارض النصين وذكر اجمال النص انّما هو على سبيل المثال وذلك كالتيمم بالحجر مع الشك فى شمول الصعيد له.

(قوله والشك فى كون الشىء مصداقا الخ) والشبهة فيه موضوعيّة كالرطوبة المردّدة بين البول والوذى.

(قوله والشك فى كون الشىء رافعا مستقلا) والشبهة فيه حكمية كالخارج من غير السبيلين وكما لو شكّ فى كون المذى والقيء والرّعاف مثلا رافع ايضا ام لا.

(قوله انما يعقل فى القسم الاول) وهو الشك فى وجود الرّافع قوله دون غيره من الاقسام الثلاثة للشك فى الرّافع.

(قوله لان فى غيره لو نقض الخ) يعنى فى غيره من الاقسام الثلاثة للشك فى الرّافع فلا يشمل كلامه الشك فى المقتضى بقرينة قوله بوجود الامر الذى يشك فى كونه رافعا توضيح ما ذكره انّ ظاهر قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك من جهة لفظ الباء السببيّة كون الشك علّة تامّة للنقض وليس الشك كذلك اذا كان فى رافعية الموجود من جهة اجمال النصّ مثلا لانّ الشك لما كان موجودا قبل خروج المذى من المكلّف فى الخارج لوجود منشئه وهو الاجمال كذلك بل كان موجودا قبل حصول الطهارة منه ايضا لما ذكر من كون الشبهة حكمية منشأها الاجمال المذكور لم يتصور كونه ناقضا اذ لا معنى للحكم به كذلك مع عدم خروجه وعدم وجوده فى الخارج

٢٩٤

سيّما بملاحظة عدم وجود الطهارة فى الخارج وانما يتصوّر النقض لو حصلت الطهارة فى الخارج ووجد المذى عقيبه كذلك فيكون النقض مستندا الى هذا الامر اليقينى اذ لا اقلّ من كونه جزءاً اخيرا للعلة التامة والشىء اما يستند الى العلة التامة او الجزء الاخير منها والشك لما كان سابقا لا يكون علة تامة ولا جزءا اخيرا لها ومع الاغماض عن ذلك فلا شكّ ان الشك ليس علة تامة للنقض وظاهر الرّواية كون الشك علة تامة وان حرمة النقض انما هى فى هذه الصورة فعلى تقدير كون العلة مركبة وان قطع النظر عن كون الامر اليقينى جزءاً اخيرا لا تشمل الرّواية للصورة المزبورة ويرد عليه ما اورده بعض الاعلام بانّ الشك فى القسم الثالث وهو ان يكون الشك فى رافعية الموجود من جهة الشبهة الموضوعية كالرطوبة المرددة بين البول والوذى لما كان من جهة الامور الخارجية كان متأخرا عن وجودها اليقينى ويكون نقض اليقين السابق نقضا بالشك ايضا.

(قوله او باليقين بوجود ما يشك فى استمرار الحكم معه) اقول هذه عبارة اخرى لقوله باليقين بوجود ما يشكّ فى كونه رافعا وليست كلمة او للتقسيم بان تكون هذه العبارة لبيان حال الاستصحاب فى الشك فى المقتضى والعبارة السابقة للشك فى الرافع وقد نبّه بعض الاعلام من المحشين على ذلك والقرينة على ذلك قوله باليقين بوجود الخ لان الشك فى استمرار الحكم فى الشك فى المقتضى من جهة الشك فى مقدار الاستعداد لا من جهة اليقين بوجود ما يشك فى استمرار الحكم معه وايضا قد اقتصر فى العبارة السابقة واللّاحقة على بيان حال الشك فى الرافع فقط.

(قوله حين اليقين) فيكون اليقين المزبور جزءا اخيرا للعلة التامة فلا بدّ من ان يستند النقض اليه.

(قوله فى صورة خاصة دون غيرها) يعنى فى الصورة الاولى وهى الشك فى وجود الرافع اذ ليس وراء الشك يقين بوجود شيء يحتمل رافعيته حتى يكون اليقين به ناقضا لليقين السابق كما فى صورة الشك فى رافعية الموجود فالنقض فى تلك

٢٩٥

الصورة ليس الّا بالشك وظاهر الاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك كون الشك علة تامة للنقض او جزءا اخيرا لها.

(ولا ريب) ان الشك فى صورة الشكّ فى رافعية الموجود ليس علة تامة مستقلة كما لا يخفى ولا جزءا اخيرا له بل الجزء الاخير له هو اليقين بوجود المشكوك الرافعية لان الشك المذكور قد يكون حاصلا قبل وجود ذلك المشكوك ولم يكن مؤثرا لانّ المكلف قبل وجود المذى مثلا كان شاكا فى الطهارة على تقدير وجوده فالنقض انما يكون مستندا الى وجوده وهو الجزء الاخير له فانحصر مورد الاخبار بالشك فى وجود الرافع لكون الشكّ فيه علة تامة للنقض وقد عرفت ضعفه.

٢٩٦

(اقول) ظاهره تسليم صدق النقض فى صورة الشك فى استمرار الحكم فيما عدا القسم الاول ايضا وانما المانع عدم صدق النقض بالشك فيها ويرد عليه اولا ان الشك واليقين قد يلاحظان بالنسبة الى الطهارة مقيدة بكونها قبل حدوث ما يشك فى كونه رافعا ومقيدة بكونها بعده فيتعلق اليقين بالاولى والشك بالثانية واليقين والشك بهذه الملاحظة يجتمعان فى زمان واحد سواء كان قبل حدوث ذلك الشىء او بعده فهذا الشك كان حاصلا من قبل كما ان اليقين باق من بعد وقد يلاحظان بالنسبة الى الطهارة المطلقة وهما بهذا الاعتبار لا يجتمعان فى زمان واحد بل الشك متأخر عن اليقين (اقول) انّ الخصم بحسب الظاهر معترف بانّ موضوع القضية المتيقنة هو مطلق الطهارة لا الطهارة المقيدة بكونها قبل المذى والّا لم يكن رفع اليد عن اثرها بعد خروج المذى نقضا لها فان نقض تلك الطهارة انما يحصل برفع اليد عن الاثر المترتب عليها كالحكم بفساد الصلاة الواقعة معها واعادتها لا بعدم ترتيب اثرها بعد تبدّل موضوعها.

(قوله ويرد عليه اولا الخ) توضيح ذلك ان اليقين والشك لا يعقل ان يتعلقا بشيء واحد فى زمان واحد فلا بد من اختلاف اما فى متعلق اليقين والشك او فى زمان نفس الوصفين كما فى قاعدة اليقين والشك على ما عرّف فى محله وستعرف ان متعلق اليقين والشك فى باب الاستصحاب مختلف فان متعلق اليقين مثلا عدالة زيد يوم الجمعة او طهارته قبل خروج المذى او مضىّ زمان يشك فى خروج ناقض منه ومتعلق الشك عدالته يوم السبت وطهارته بعد خروج المذى او بعده مضى زمان يزول يقينه بالبقاء فحينئذ ان لوحظ الزمان قيدا فى متعلقيهما اجتمع الوصفان فى زمان لصحة قولنا هذا المتوضّئ ما لم يخرج منه بول او مذى متطهر يقينا وبعد خروج البول محدث يقينا وعند خروج المذى مشكوك الطهارة.

٢٩٧

ولا ريب ان المراد باليقين والشك فى قوله عليه‌السلام فى صدر الصحيحة المذكورة لانك كنت على يقين من طهارتك وشككت وغيرها من اخبار الاستصحاب هو اليقين والشك المتعلقان بشىء واحد اعنى الطهارة المطلقة وحينئذ فالنقض المنهى عنه هو نقض اليقين بالطهارة بهذا الشك المتأخر المتعلق بنفس ما تعلق به اليقين واما وجود الشىء المشكوك الرافعية فهو بوصف الشك فى كونه رافعا الحاصل من قبل سبب لهذا الشك فان كل شىء لا بد له من سبب متيقن الوجود حتى الشك فى وجود الرافع فوجود الشىء المشكوك فى رافعيته جزء اخير للعلة التامة للشك المتأخر الناقض لا للنقض (ومن الواضح) ان ادلة الاستصحاب لا تعم مواردها بهذه الملاحظة وانما تعمها بعد فرض وحدة متعلق اليقين والشك وعدم اخذ الزمان قيدا فيه بمعنى ملاحظته من حيث هو وبهذه الملاحظة يمتنع ان يتعلق به اليقين والشك فى زمان واحد فما دام متيقنا بطهارة زيد امتنع ان يشك فيها فهو قبل خروج المذى منه كان على يقين من طهارته وبعد خروجه صار شاكا فيها وهذا الشك لم يكن حاصلا من قبل جزما والذى كان حاصلا من قبل كان شكا تقديريا متعلقا بخروج المذى.

(والاولى) ان يقال فى تقريب الايراد بان الشك الذى كان حاصلا من قبل هو الشك فى الحكم الشرعى الكلى وهو ان المذى هل هو ناقض فى الشريعة ام لا وهذا الشك ليس له حالة سابقة معلومة حتى يجرى فيه الاستصحاب والشك فى بقاء طهارته بعد خروج المذى منه شك فى حكم شرعى جزئى نشاء ذلك من الجهل بالحكم الكلى وهذا الشك المتعلق بطهارته المتيقنة يمتنع اجتماعه مع اليقين بها فما زعمه المحقق المزبور نظير المناقشة المتقدمة عند توجيه مذهب المحقق ناش من الخلط بين المفاهيم الكلية ومصاديقها فليتامل.

(محصل جواب الشيخ قدس‌سره) عن دليل القول المذكور بوجوه ثلاثة

٢٩٨

الاول ان المراد باليقين والشك فى صدر الصحيحة المذكورة فى قوله عليه‌السلام لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت هو اليقين والشك المتعلقان بشىء بل المرتكز فى الاذهان من اطلاق اليقين والشك هو ما تعلقا بشيء واحد ومن هنا يقال ان قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك ظاهر فى النهى عن نقض اليقين بالشك بما تعلق هو به وحينئذ فالنقض المنهى عنه هو نقض اليقين بالطهارة بهذا الشك المتأخر والشك فى رافعية شيء لشيء قبل تعلق اليقين بوجوده وان كان متقدما عليه الّا ان استناد النقض ليس الى ذلك الشيء حتى لا يعقل النقض بالشك بل النقض مستند الى الشك المتعلق بما تعلق به اليقين السابق بسبب وجود ما يشك فى رافعيته والشك فى رافعية شيء قبل تعلق اليقين بوجوده لا ينافى تحقق حصول الشك المتعلق بمتعلق اليقين بعد اليقين بوجود ذلك الشيء فوجود الشيء المشكوك رافعيته يكون محققا لحصول هذا الشك المتأخر لا محققا لحصول النقض.

(قوله لا بد له من سبب متيقن الوجود الخ) ووجه ما ذكره ظاهر لان حصول الشك فيما نحن فيه انما هو من جهة وجود وصف او قيد او فقدهما فيكون موجب الشك متيقنا وجودا او عدما فلو كان نقض اليقين باليقين بوجود ما يشك فى رافعيته لزم نقض اليقين باليقين الموجب للشك لا بالشك فلم يبق مورد للاخبار الناهية لنقض اليقين بالشك كما لا يخفى ولو نادرا.

(قوله حتى الشك فى وجود الرافع) فان الشك فى وجود الرافع ايضا مسبب عن الامور اليقينية فلو بنى على هذا لزم انكار الاستصحاب رأسا.

٢٩٩

(وثانيا) ان رفع اليد عن احكام اليقين عند الشك فى بقائه وارتفاعه لا يعقل إلّا ان يكون مسببا عن نفس الشك لان التوقف فى الزمان اللاحق عن الحكم السابق او العمل بالاصول المخالفة له لا يكون إلّا لاجل الشك غاية الامر كون الشيء المشكوك كونه رافعا منشأ للشك والفرق بين الوجهين ان الاول ناظر الى عدم الوقوع والثانى الى عدم الامكان.

(وثالثا) سلمنا ان النقض فى هذه الصور ليس بالشك لكنه ليس نقضا باليقين بالخلاف ولا يخفى ان ظاهر ما ذكره فى ذيل الصحيحة ولكن لا تنقضه بيقين آخر حصر الناقض لليقين السابق باليقين بخلافه وحرمة النقض بغيره شكا كان ام يقينا بوجود ما شك فى كونه رافعا ألا ترى انه لو قيل فى صورة الشك فى وجود الرافع ان النقض بما هو متيقن من سبب الشك (اقول) الجواب الثانى عن القول المذكور انّ نقض اليقين بشيء كالطهارة مثلا لا يعقل ان يكون مسببا عن اليقين بوجود ما يشك فى رافعيته بل نقض اليقين اما بسبب الشك او باليقين بخلافه.

(قوله لا يعقل إلّا ان يكون مسببا عن نفس الشك لان التوقف الخ) وجه عدم معقولية استناد النقض الى اليقين هو انّ المراد بنقض اليقين بالشك بدلالة الاقتضاء هو نقض احكام اليقين وآثاره به بمعنى رفع اليد عن الآثار المترتبة على على المتيقن وترتيب آثار الشك عليه ولا ريب انّ بعد رفع اليد عن آثار اليقين لا بدّ فى ذلك المورد من التوقف والرجوع الى البراءة او الاحتياط ولا يعقل كون هذا من اثر اليقين بل هو من آثار الشكّ فلا يعقل استناد النقض الّا الى الشكّ نظرا الى ما ذكر من الآثار.

(فالحاصل) انّ رفع اليد عن احكام اليقين السابق يحصل باحد امرين.

(الاول) التوقف فى بقاء الحكم السابق وعدم بقائه بمعنى عدم الحكم بشيء

٣٠٠