درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٥

(وفيه) ان المراد من الابقاء وعدم النقض هو ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على المتيقن فمعنى استصحاب الرطوبة ترتيب آثارها الشرعية فى زمان الشك نظير استصحاب الطهارة فطهارة الثوب ورطوبته سيّان فى عدم قابلية الحكم بإبقائهما عند الشك وفى قابلية الحكم بترتيب آثارهما الشرعية فى زمان الشّك.

(فالتفصيل) بين كون المستصحب من قبيل رطوبة الثوب وكونه من قبيل طهارته لعدم شمول ادلة لا تنقض للاوّل فى غاية الضعف.

١٦١

(نعم) يبقى فى المقام ان استصحاب الامور الخارجية اذا كان معناه ترتيب آثارها الشرعية لا يظهر له فائدة لان تلك الآثار المترتبة عليه كانت مشاركة معه فى اليقين السابق فاستصحابها يغنى عن استصحاب نفس الموضوع فان استصحاب حرمة مال زيد الغائب وزوجته يغنى عن استصحاب حياته اذا فرض ان معنى ابقاء الحياة ترتيب آثارها الشرعية.

(نعم) قد يحتاج اجراء الاستصحاب فى آثاره الى ادنى تدبر كما فى الآثار الغير المشاركة معه فى اليقين السابق مثل توريث الغائب من قريبه المتوفى فى زمان الشك فى حياة الغائب فان التوريث غير متحقق حال اليقين بحياة الغائب لعدم موت قريبه بعد.

(اقول) ان قوله قدس سرّه لا يظهر له فائدة انما يصح على مذهبه ومذهب المشهور القائلين بحجيّة الاستصحاب حتى فى الأمور الخارجية لا على مذهب المفصّل المانع من جريان الاستصحاب فى الأمور الخارجيّة كما هو ظاهر ومراده قده من عدم الفائدة عدم الفائدة المعتدّ بها او عدم الفائدة بالنسبة الى ترتيب الآثار اذ لا فرق بينهما من جهة ترتيب الآثار الشرعية على كليهما.

(ولكن) قد اورد على ذلك اولا ان الثمرة تظهر فى تعارض الاستصحاب الحكمى مع الاستصحاب الموضوعى فان قلنا بحجيّة الاستصحاب وجريانه فى الأمور الخارجية فيقدم الاستصحاب الموضوعى على الحكمى عند تعارضهما بخلاف ما لو قلنا بعدم حجية الاستصحاب فى الامور الخارجية فحينئذ لا بد من استصحاب الحكم الموجود فى الموضوع فيتعارض استصحابان حكميان ويتساقطان لعدم رجحان احدهما على الآخر فيرجع الى الأصل من البراءة او الاشتغال.

(وثانيا) ان قول المفصّل وهذا ما يقال الى آخره وان اقتضى اختصاص مورد كلامه بالأمور الخارجية الّا ان الظاهر انه كما لا يقول بجريان الاستصحاب

١٦٢

(لكن) مقتضى التدبر اجراء الاستصحاب على وجه التعليق بان يقال لو مات قريبه قبل الشك فى حياته لورث منه وبعبارة اخرى موت قريبه قبل ذلك كان ملازما لارثه منه ولم يعلم انتفاء الملازمة فيستصحب وبالجملة الآثار المترتبة على الموضوع الخارجى منها ما يجتمع معه فى زمان اليقين به ومنها ما لا يجتمع معه فى ذلك الزمان لكن عدم الترتب فعلا فى ذلك الزمان مع كون فرضه من آثاره شرعا ليس إلّا لمانع فى ذلك الزمان او لعدم شرط فيصدق فى ذلك الزمان انه لو لا ذلك المانع او عدم الشرط لترتب الآثار فاذا فقد المانع الموجود او وجد الشرط المفقود وشك فى الترتب من جهة الشك فى بقاء ذلك الامر الخارجى حكم باستصحاب ذلك الترتب الشأنى وسيأتى لذلك مزيد توضيح فى بعض التنبيهات الآتية هذا.

فيها كذلك لا يقول بجريانه فى الآثار الشرعية المترتبة عليها كما يرشد اليه عموم دليله.

(وثالثا) مع التسليم انه قد يمكن استصحاب الموضوع ولا يصح استصحاب الحكم المترتب عليه كما فى شهر رمضان بناء على كون كل يوم منه تكليفا مستقلا اذ يمكن استصحاب بقاء شهر رمضان على القول بجريانه فى الأمور الخارجية ولا يصح استصحاب وجوب الصوم فى يوم الشك لكون الشك فيه بدويّا موردا لاصالة البراءة لا الاستصحاب انتهى.

(وفى الوجوه المذكورة) ما لا يخفى من ان الايراد الاول يندفع بما اشرنا اليه من ان مراده قدس‌سره من عدم الفائدة عدم الفائدة المعتد بها او عدم الفائدة من جهة ترتب الآثار الشرعيّة والايراد الثانى يندفع بان الحكم المذكور مترتب على مذهب الشيخ قده والمشهور القائلين بحجية الاستصحاب حتى فى الامور

١٦٣

الخارجية لا على مذهب المفصّل المانع من جريان الاستصحاب فى الأمور الخارجية والايراد الثالث يندفع بان الحكم اذا كان مترتبا على كل يوم يكون موضوعه هو اليوم لا الشهر فان كان الزّمان ظرفا يجرى استصحاب الزمان ويجرى بناء على هذا الاشكال الذى اورده المصنف استصحاب الحكم ايضا ويكون مغنيا عن الاستصحاب الأول ولا يكون المورد موردا لاصل البراءة وان كان الزمان قيدا لا يجرى الاستصحاب الحكمى كما لا يجرى الاستصحاب الموضوعى على ما سيأتى توضيحه فى الأمر الثانى من التنبيهات فى مقام رد الفاضل النراقى حيث تخيّل تعارض استصحابى العدم والوجود فى الزّمان.

(قوله لكن مقتضى التدبر اجراء الاستصحاب على وجه التعليق الخ) اقول قد يطلق على بعض الاستصحابات الاستصحاب التقديرى تارة والتعليقى اخرى باعتبار كون القضية المستصحبة قضية تعليقية حكم فيها بوجود حكم على تقدير وجود آخر فربما يتوهم لاجل ذلك التّعليق الاشكال فى اعتباره بل منعه والرجوع فيه الى استصحاب مخالف له.

(توضيح البحث) عن الاستصحاب التعليقى تفصيلا يأتى فى الأمر الرابع من التنبيهات ومورده كل حكم ثبت فى الزمان السابق تكليفيا كان او وضعيّا معلّقا على شيء سببا كان او شرطا بحيث لم يكن لتحققه حالة منتظرة الّا وجود المعلق عليه ثم شكّ فى بقائه فى الزمان الثانى من جهة تبدّل حال او زمان او مكان فالاستصحاب الجارى فيه يسمى بالاستصحاب التعليقى وجريانه تارة يكون فى الشبهة الموضوعية واخرى فى الشبهة الحكمية.

(ومن جملة) الامثلة له ما لو رأت المرأة الدم فى اوّل وقت الفريضة وتردّد دمها بين الحيض والاستحاضة فيقال انه قد جاز لها الدخول فى الفريضة قبل رؤية الدم الّا ان فقد الشرط وهو دخول الوقت قد منع من ثبوت هذا الحكم لها قبل الرؤية لكن مع تحقق الشرط يشك فى ترتب هذا الحكم عليها من جهة الشكّ فى

١٦٤

بقاء الموضوع على الصفة التى كان معها موضوعا له وهى صفة الخلوّ من الحيض فتستصحب الملازمة الثابتة.

(وكيف كان) ان المستصحب قد يكون موضوعا وقد يكون حكما. (وعلى الاول) لا يخلو اما ان يكون الحكم المترتب على استصحابه مما كان موجودا معه فى الزمان السابق وجودا منجّزا فعليّا واما ان يكون مترتبا على وجوده فى الزمان الذى اريد استصحابه فيه بحيث يكون للزمان المذكور مدخلية فيه فيمكن فرض وجود تقديرى لهذا الحكم فى الزمان السابق مع المستصحب وهو كثير جدا كاستصحاب حيوة العبد الغائب مثلا فى عيد رمضان لإثبات وجوب فطرته واستصحاب حيوة الوارث عند موت مورثه الى غير ذلك.

(وعلى الثانى) لا يخلو ايضا اما ان يكون له وجود فعلى منجّز مطلق لا تعليق فيه اصلا واما ان يكون له وجود على بعض التقادير وعلى بعض الوجوه لا اشكال فى جريان الاستصحاب فى الشق الاول من القسمين بل لا خلاف فيه انما الاشكال والخلاف فى الشق الثانى من القسمين الذى يسمى استصحابه بالاستصحاب التعليقى والتقديرى فى لسان جمع من الاعلام.

(ولكن) لا يبعد ان يكون هذا الاصطلاح منهم مختصا بالشّق الثانى من القسم الثانى لان المستصحب فيه من الشق الاوّل لا تعليق فيه ابدا غاية ما هناك ترتّب الحكم على وجوده الثانوى وهذا لا تعلّق له بالتعليق فى المستصحب وانما هو من التعليق فى حكمه على بعض الوجوه وان توهّم منعه ايضا بل من حيث ان استصحاب الموضوع لا معنى له الّا ترتيب الحكم المترتب عليه على ما عرفت غير مرة والمفروض عدم ترتيب الحكم المفروض عليه فى السابق الّا على نحو التعليق فيلحق حكما بالاستصحاب التعليقى وان لم يكن من افراده.

(وعلى كل حال) ذهب المشهور الى عدم الفرق بين الاستصحاب التعليقى والتنجيزى فى الحكم على ما حكى ذلك عن العلّامة الطباطبائى فى الرسالة الّتى

١٦٥

صنفها فى مسئلة العصير الزّبيبى وغيره بانيا على حجية الاستصحاب التعليقى وعن صاحب المناهل حاكيا عن والده صاحب الرياض فى مجلس الدرس عدم اعتبار الاستصحاب التعليقى متمسكا فى ظاهر كلامه بان مجرد قابليّة ثبوت الشيء ببعض الاعتبارات لا يكفى فى استصحابه بل يشترط فى الاستصحاب القطع بثبوت المستصحب فى الزّمان السابق وهذا المعنى غير موجود فى الاستصحابات التقديرية هذا مجمل الكلام فى الاستصحاب التعليقى والبحث عنه تفصيلا يأتى فى التنبيهات إن شاء الله تعالى.

١٦٦

(ولكن التحقيق) ان فى موضع جريان الاستصحاب فى الامر الخارجى لا يجرى استصحاب الاثر المترتب عليه فاذا شك فى بقاء حيوة زيد فلا سبيل الى اثبات آثار حياته إلّا بحكم الشارع بعدم جواز نقض حياته بمعنى وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على الشخص الحى ولا يغنى عن ذلك اجراء الاستصحاب فى نفس الآثار بان يقال بان حرمة ماله وزوجته كانت متيقنة فيحرم نقض اليقين بالشك لان حرمة المال والزوجة انما تترتبان فى السابق على الشخص الحى بوصف انه حى فالحياة داخل فى موضوع المستصحب ولا اقل من الشك فى ذلك فالموضوع مشكوك فى الزمن اللاحق

(اقول) انّ هذا التحقيق تحقيق لفساد ما ذكره قدس سرّه فى كلامه السابق من قوله نعم يبقى فى المقام الخ وتضعيف لما ذكره فى كلامه المتقدّم من انّ استصحاب الآثار يغنى عن استصحاب نفس الموضوع.

(وبالجملة) فحاصل ما ذكره قده فى هذا المقام انّ مورد جريان الاستصحاب فى الامر الخارجى لا يكون الّا بعد الشكّ فى بقائه ومعه لا يجوز استصحاب آثاره اذ المفروض انّه موضوع لها وبقاء الموضوع شرط فى الاستصحاب كما سيأتى ومن هنا ظهر عدم امكان اجرائه فى الآثار مطلقا امّا فى الشكّ فى المقتضى فواضح وامّا فى الشكّ فى الرّافع فلما عرفت من انّ الشكّ فى الآثار فيه مسبب عن الشك فى وجود الرّافع او رافعيّة الموجود وحيث انّ الاصل فى المسبب خارج عن اخبار الباب موضوعا تعين الاصل فى السبب وحيث انّ الآثار آثار فى الحقيقة لعدم الرّافع وهو موضوع له فمع الشكّ فيه لا يجوز استصحابها رعاية لبقاء الموضوع فتعيّن حينئذ استصحاب عدم الرّافع لانه موضوع من الموضوعات وان كان فى التعبير عنه بالامر الخارجى مسامحة ولا نعنى باستصحابه الّا ترتيب الآثار المذكورة عليه فيحصل الاغناء عن استصحابها بل لا يجوز فيها للشكّ فى الموضوع فهذه خلاصة ما ذكره

١٦٧

وسيجىء اشتراط القطع ببقاء الموضوع فى الاستصحاب واستصحاب الحياة لاحراز الموضوع فى استصحاب الآثار غلط لان معنى استصحاب الموضوع ترتيب آثاره الشرعية فتحقق ان استصحاب الآثار نفسها غير صحيح لعدم احراز الموضوع واستصحاب الموضوع كاف فى اثبات الآثار وقد مر فى مستند التفصيل السابق وسيجىء فى اشتراط بقاء الموضوع وفى تعارض الاستصحابين ان الشك المسبب عن شك آخر لا يجامع معه فى الدخول تحت عموم لا تنقض بل الداخل هو الشك السببى ومعنى عدم الاعتناء به وعدم جعله ناقضا لليقين زوال الشك المسبب به فافهم. قده فى التحقيق المذكور.

(ولكن) قال بعض الاعلام من المحشين ان ما ذكره من التحقيق مما لا شبهة فيه اذا قلنا باشتراط احراز الموضوع فى باب الاستصحاب بالدّقة العقلية فانّ فى جميع صور الشكّ فى بقاء الحكم الشرعى من جهة الشكّ فى بقاء موضوعه حسبما هو مفروض الكلام يكون الموضوع مشكوك البقاء فلا يعلم صدق النقض على عدم الالتزام بحكمه حينئذ على ما عرفت فى وجه اشتراط بقاء الموضوع وسيأتى تفصيل القول فيه فى التنبيهات ايضا فاستصحاب الحكم مما لا يعقل جريانه مع الشكّ فى بقاء موضوعه حتى يغنى عن استصحاب الموضوع ومع استصحابه لا يعقل ايضا جريانه لانّ معنى ابقاء الموضوع حسبما عرفت سابقا هو الالتزام بآثاره فيرتفع الشكّ عن الحكم على سبيل الحكومة هذا مضافا الى انّه لا يعقل انشاء آخر بالنسبة الى وجوب الالتزام بالآثار الذى هو عين الإنشاء الاوّل من حيث كون كل منهما ظاهريّا والّا لزم اللغو والعبث على الحكيم تعالى هذا مع انّ ما ذكر خروج عن الفرض لانّ الكلام فيما لم يجر الاستصحاب فى الموضوع اصلا.

(واما) اذا قلنا بكفاية احراز الموضوع بالمسامحة العرفيّة يمكن اجراء

١٦٨

الاستصحاب بالنسبة الى الحكم فى بعض الصّور كما يقال فيما اذا شكّت الحائض فى ارتفاع حدث الحيض عنها الاصل بقاء حرمة العبادة عليها وكذا سائر الاحكام المترتبة على الحيض فانّ اهل العرف يجعلون مسامحة الموضوع فى الحكم نفس المرأة من غير ملاحظة ترتبه على عنوان الحائض الصادق عليها وكذا يقال فيما اذا شكّ فى حرمة الزّبيب بالغليان الاصل بقاء حرمة حال العنبية مسامحة فى جعل الموضوع ذات العنب الموجودة فى الزّبيب لا عنوان العنبيّة المفقود فيه وهكذا هذا.

(ثم) قال انّ ما ذكره الشيخ قدس‌سره من اطلاق القول بعدم جريان استصحاب الحكم مع الشكّ فى بقاء الموضوع حسبما صرّح به فى مجلس البحث مبنىّ على القول باشتراط احراز الموضوع فى باب الاستصحاب بالدّقة العقلية وامّا على القول الثانى فلا شبهة فى ورود ما ذكره على المتوهّم لانّه يكفى فى فساد توهّمه عدم اغناء الاستصحاب الحكمى عن الاستصحاب الموضوعى فى الجملة لارتفاع الموجبة الكليّة بالسالبة الجزئية وليس لاحد ان يقول بتسامح العرف فى جميع صور الشكّ فى بقاء الموضوع ضرورة عدم تسامحهم فى كثير من المقامات هذا.

١٦٩

(واما القول الخامس) وهو التفصيل بين الحكم الشرعى الكلى وبين غيره فلا يعتبر الاول فهو المصرح به فى كلام المحدث الأسترآباديّ لكنه صرح باستثناء استصحاب عدم النسخ مدعيا الاجماع بل الضرورة على اعتباره قال فى محكى فوائده المكية بعد ذكر اخبار الاستصحاب ما لفظه : (لا يقال) هذه القاعدة تقتضى جواز العمل بالاستصحاب فى احكام الله تعالى كما ذهب اليه المفيد والعلامة من اصحابنا والشافعية قاطبة ويقتضى بطلان قول اكثر علمائنا والحنفية بعدم جواز العمل به.

(لانا نقول) هذه شبهة عجز عن جوابها كثير من فحول الاصوليين والفقهاء وقد اجبنا عنها فى الفوائد المدنية تارة بما ملخصه ان صور الاستصحاب المختلف فيها عند النظر الدقيق والتحقيق راجعة الى انه اذا ثبت حكم بخطاب شرعى فى موضوع فى حال من حالاته نجريه فى ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة وحدوث نقيضها فيه ومن المعلوم انه اذا تبدل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد اختلف موضوع المسألتين

(اقول) انّ الظاهر من كلمات الاخباريين انكار الاستصحاب فى الشبهة الحكمية وحجيّته ان كان منشأ الشكّ والاشتباه الحكم الجزئى او الامور الخارجية وذلك بناء على ما ذهبوا اليه من لزوم الاحتياط فى الشبهة الحكمية دون الموضوعيّة واستندوا لهذا التفصيل بعدم شمول اخبار الاستصحاب لما يكون منشأ الاشتباه الشكّ فى الحكم الشرعى الكلى وباخبار التوقف والاحتياط. (وكيف كان) انّ هذا التفصيل هو المصرّح به فى كلام المحدّث الأسترآباديّ لكنه صرّح باستثناء استصحاب عدم النسخ مدّعيا الاجماع بل الضرورة على اعتباره حيث قال فى محكىّ فوائده المكيّة ما هذا لفظه اعلم انّ للاستصحاب صورتين معتبرتين باتّفاق الامّة بل اقول اعتبارهما من ضروريّات الدين.

١٧٠

فالذى سموه استصحابا راجع فى الحقيقة الى اسراء حكم موضوع الى موضوع آخر متحد معه فى الذات مختلف معه فى الصفات ومن المعلوم عند الحكيم ان هذا المعنى غير معتبر شرعا وان القاعدة الشريفة المذكورة غير شاملة له وتارة بان استصحاب الحكم الشرعى وكذا الاصل اى الحالة السابقة التى اذا خلى الشىء ونفسه كان عليها انما يعمل بهما ما لم يظهر مخرج عنهما وقد ظهر فى محل النزاع لتواتر الاخبار بان كلما يحتاج اليه الامة ورد فيه خطاب وحكم حتى ارش الخدش وكثير مما ورد مخزون عند اهل الذكر عليهم‌السلام فعلم انه ورد فى محل النزاع احكام لا نعلمها بعينها وتواتر الاخبار بحصر المسائل فى ثلاث بين رشده وبين غيه أي مقطوع فيه ذلك لا ريب فيه وما ليس هذا ولا ذاك وبوجوب التوقف فى الثالث انتهى.

(إحداهما) انّ الصّحابة وغيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ان يجىء ما ينسخه.

(الثانية) انّا نستصحب كل امر من الامور الشرعية مثل كون الرجل مالك ارض وكونه زوج امرأة وكونه عبد رجل وكونه على وضوء وكون الثوب طاهرا او نجسا وكون الليل او النهار باقيا وكون ذمّة الانسان مشغولة بصلاة او طواف الى ان يقطع بوجود شىء جعله الشارع سببا مزيلا لنقض تلك الامور ثم ذلك الشىء قد يكون شهادة العدلين وقد يكون قول الحجّام المسلم او من فى حكمه وقد يكون قول القصّار او من فى حكمه وقد يكون بيع ما يحتاج الى الذّبح والغسل فى سوق المسلمين واشباه ذلك من الامور الحسيّة.

(ثم) بعد ذكر اخبار الاستصحاب قال ما هذا لفظه لا يقال هذه القواعد تقتضى جواز العمل بالاستصحاب الى آخر ما ذكره الشيخ قده فى المتن فيظهر من كلام المحدّث المذكور استثناء صورة واحدة من الشبهة الحكمية اعنى الشكّ فى النسخ

١٧١

وجميع صور الشبهة الموضوعيّة واصرح من العبارة المذكورة فى اختصاص محل الخلاف بالشبهة الحكميّة عبارته فى الفوائد المدنية حيث قال فى جملة كلام له انّ صور الاستصحاب المختلف فيه راجعة الى انّه اذا ثبت حكم بخطاب شرعى فى موضوع فى حال من حالاته نجريه فى ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة وحدوث نقيضها فيه.

(ومن المعلوم) انّه اذا تبدّل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد اختلف موضوع المسألتين فالّذى سمّوه استصحابا راجع فى الحقيقة الى اجراء حكم لموضوع الى موضوع آخر متحد معه بالذات مختلف بالقيد والصفات انتهى.

(وكيف كان) ظهر من كلام المحدث انّ الوجه فى عدم اعتبار الاستصحاب فى الاحكام الكلية امران.

(احدهما) دعوى انّ اخبار الاستصحاب لا يشتمل الاحكام الكليّة لانّ اسراء الحكم الشرعى الثابت فى موضوع فى حال من حالاته الى ذلك الموضوع عند زوال تلك الحالة وحدوث نقيضها يكون نظير اسراء حكم موضوع الى موضوع آخر وهذا قياس سمّوه بالاستصحاب وهو غير معتبر شرعا.

(والثانى) انّ تلك الاخبار على فرض شمولها مخصّصة باخبار التوقف والاحتياط حيث ثبت بالادلة اللفظيّة انّ جميع الاحكام قد صدر من الشّارع حتّى ارش الخدش الّا انّ بعضها وصل الينا ببيان الحجج عليهم‌السلام وكان بعضها مخزونا عندهم عليهم‌السلام ويدل حديث التثليث على حصر المسائل فى ثلاث امر بيّن رشده فيتّبع وامر بين غيّه فيجتنب وامر مشكل يردّ علمه الى الله والى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ففى القسم الثالث لا بدّ من التوقف فى مقام الفتوى والاحتياط فى مقام العمل فعند الشكّ فى الاحكام لا بدّ من الالتزام بالتوقف والاحتياط فلا يجوز الاستصحاب والبراءة عند الشكّ فى احكام الله تعالى وفيه ما سيأتى الاشارة اليه فى الكتاب.

(قوله ويقتضى بطلان قول اكثر علمائنا الخ) اقول قد نسب المحدّث

١٧٢

الأسترآباديّ فى فوائده المكية عدم حجيّة الاستصحاب مطلقا الى اكثر علمائنا وتبعه صاحب الوافية حيث قال وانكره المرتضى والاكثر ولكنه رجع عن ذلك بعد نقل كلام المحدّث الأسترآباديّ حيث قال صاحب الوافية بعد تضعيف ما ذكره المحدّث وايراد شطر من الكلام فى ذلك ثم اعلم انّ حجيّة الاستصحاب والعمل به ليس مذهبا للمفيد والعلّامة من اصحابنا فقط بل الظّاهر انّه مذهب الاكثر فانّ من تتبّع الفروع الفقهية سيّما فى ابواب العقود والايقاعات يظهر عليه انّ مدارهم فى الاغلب على الاستصحاب يشهد بذلك شرح الشرائع للشهيد الثانى وقد صرّح الشهيد الاوّل فى قواعده باختياره فى مواضع منها قاعدة اليقين ونسب الشهيد الثانى اختياره فى تمهيد القواعد الى اكثر المحقّقين حيث قال استصحاب الحال حجّة عند اكثر المحققين انتهى ما فى الوافية.

وفى شرح الوافية للسيد المحقّق الكاظمى انّ المشهور بين اصحابنا هو الحجيّة مطلقا وفى مفاتيح الاصول انّ معظم اصحابنا الاماميّة على حجيّة الاستصحاب على ما شهد به جماعة من ثقاتهم ومحقّقيهم والاصل فيما صاروا اليه الحجيّة بناء على حجيّة الشّهرة.

(وفى المعالم) اختلف الناس فى حجيّة استصحاب الحال ويحكى عن المفيد المصير الى الحجيّة وهو اختيار الاكثر وفى محكى غاية المأمول اكثر اصحابنا على حجيّة استصحاب الحال وهو اختيار اكثر العامّة وفى المناهج انّ الحجيّة مطلقا لاكثر محققى الخاصّة والعامّة وفى الفوائد العتيقة انّ المشهور الحجيّة مطلقا وفى القوانين المشهور حجية الاستصحاب مطلقا وفى محكى الزبدة الاظهر انّه حجّة وفاقا لاكثر اصحابنا.

(قوله ومن المعلوم عند الحكيم ان هذا المعنى غير معتبر شرعا) اقول ان اراد المحدّث الأسترآباديّ انّه لا بدّ ان يكون منشأ الشكّ فى الشبهات الحكمية تغيير وصف او حال فى الموضوع فيوجب تغيير الموضوع وتعدّده فيكون الموضوع فى الحال الاول غيره فى الزمان الثانى فلا يشمله الاخبار لعدم صدق النقض والابقاء

١٧٣

فيحكم بعدم حجيّته من جهة دلالة الادلة العامّة على حرمة التعبّد بغير العلم.

(ففيه) مع النقض بالشّبهات الموضوعيّة التى قد تسلّم المحدّث حجية الاستصحاب فيها انّه لا يحصل الشكّ الّا مع تغيّر ما فى الموضوع الذى هو علّة للمحمول ولا اقلّ من انتفاء ما يحتمل مدخليّته فى الحكم فى الزّمان الثانى او وجود ما يحتمل مدخليّة عدمه كذلك.

(وان اراد) انّ تغيّر الموضوع يوجب دخوله فى القياس الّذى ورد النهى عنه بالخصوص ففيه انّ ذلك يوجب دخول الاستصحاب الذى تسلّمه ايضا فى القياس المنهى عنه لانّ فيه ايضا لا بد من تغيّر الموضوع وان اراد ان الاجماع والضرورة الدالّين على حجيّة الاستصحاب فى الأمور الخارجيّة اوجبا خروجه عن القياس موضوعا او حكما ففيه منع الاجماع والضرورة فان السيدين قد منعا من استصحاب حياة زيد واستصحاب البلد المبنىّ على ساحل البحر على ما صرّح به المصنف فيما سبق وفى هذا المقام وصاحب المدارك قد انكر استصحاب عدم التذكية وقد عرفت ان الأخبار لا يظهر شمولها للأمور الخارجيّة عن بعضهم مع انّ الإجماع ليس حجّة عند الأخباريين مضافا الى ان الإجماع والضّرورة قد قاما على حرمة العمل بالقياس فكيف يمكن قيامهما على وجوب العمل به مع ان الإجماع لو صلح لخروج الاستصحاب عن القياس موضوعا او حكما فعموم الأخبار الشّاملة للشّبهات الحكمية ايضا صالح لذلك كما لا يخفى.

(قوله وكذا الاصل) والمراد بالأصل هو اصل البراءة وغرضه من التنظير بيان انه يعمل باستصحاب الحكم الشرعى وكذا اصل البراءة ما لم يظهر مخرج عنهما وكما انّ اصل البراءة لا يعمل به بعد ورود دليل لفظىّ فى مورده فكذلك الاستصحاب لا يجوز العمل به عند الشّكّ فى احكام الله تعالى لما ورد انّ الأمر المشكل يجب رده الى الله والرّسول فعند الشكّ فى الأحكام لا بدّ من الالتزام بالتوقف والاحتياط وملخّصه ان تلك الأخبار على فرض شمولها للاحكام الكليّة

١٧٤

مخصصة باخبار التوقف والاحتياط وهذا هو الأمر الثانى الذى استند اليه المحدّث الأسترآباديّ على عدم شمول الأخبار الناهية لنقض اليقين بالشكّ للاحكام الكليّة والأمر الأول الذى استند اليه المحدّث هو قوله وان القاعدة الشّريفة المذكورة غير شاملة له.

(وقد حكى) فى المقام عن المحدّث الحر العاملى حيث قال فى كتابه المسمّى بالفصول المهمة فى اصول الائمة عليهم‌السلام بعد ذكر جملة من الأخبار الواردة فى بعض الموارد مثل صحيحة زرارة وامثالها ما هذا لفظه اقول هذه الاحاديث لا تدلّ على حجيّة الاستصحاب فى نفس الحكم بل انّما تدل عليه فى موضوعاته ومتعلقاته كتجدّد الحدث بعد الطهارة او الطهارة بعد الحدث او طلوع الشمس او غروبها او تجدّد ملك او نكاح او زوالهما ونحو ذلك كما هو ظاهر من احاديث المسألتين.

(وقال ايضا) فى فوائده ان اخبار الاستصحاب غير شاملة للاستصحاب فى نفس الحكم لان المستفاد منها هو عدم نقض اليقين بالشكّ وحده وفى الشبهات الحكمية لو نقض اليقين فليس النّقض بالشكّ بل بالشّك واليقين والنقض بهما ليس نقضا بالشك وحده واستدل على ذلك بان منشأ الشكّ فى الشبهات الحكمية انّما يكون باعتبار حدوث امر لم يكن قبله شكّ فى بقاء الحكم كحدوث المذى فى استصحاب الطّهارة وزوال التغير فى استصحاب نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيره ونحو ذلك وهذا الامر الحادث موجب للشكّ فى بقاء الحكم السّابق فلو نقض الحكم السابق لكان ذلك نقضا بهذا الأمر الحادث اليقينى وبالشك معا لا بالشك وحده وهو ظاهر انتهى.

(ويمكن الجواب) عمّا ذكره المحدّث العاملى بوجوه اوّلا بالنقض بما اذا كان الشكّ فى رافعيّة الحادث من الشك فى الشّبهة المصداقيّة كما اذا حدث رطوبة لم يعلم انّها بول او غيره فانّ النقض هنا ايضا مستند الى الشكّ والحادث اليقينى مع انّه يعترف بشمول الاخبار له وثانيا بانّ المناط فى الاستصحاب هو عدم

١٧٥

نقض اليقين الّا بيقين لقوله عليه‌السلام ولا تنقض اليقين الّا بيقين مثله وقوله عليه‌السلام ولكن تنقضه بيقين آخر وفى المثال المذكور لم يتحقّق نقض اليقين باليقين وثالثا بانّ الامر الحادث ليس ممّا ينقض به اليقين لانّ نقض اليقين السابق وعدم البناء عليه عملا لا يعقل الّا بالشكّ فى اليقين السابق او بيقين على خلافه والّا فرفع اليد عن اليقين السابق قول بالحكم ومخالفة له فالمقصود من عدم النّقض بالشك هو عدم البناء على مقتضاه من التردد والأمر الحادث بنفسه لا يوجب نقضا لليقين اصلا فتأمّل.

١٧٦

(اقول) لا يخفى ان ما ذكره او لا قد استدل به كل من نفى الاستصحاب من اصحابنا واوضحوا ذلك غاية الايضاح كما يظهر لمن راجع الذريعة والعدة والغنية وغيرها إلّا انهم منعوا عن اثبات الحكم الثابت لموضوع فى زمان له بعينه فى زمان آخر من دون تغيير واختلاف فى صفة الموضوع سابقا ولا حقا كما يشهد له تمثيلهم بعدم الاعتماد على حيوة زيد او بقاء البلد على ساحل البحر بعد الغيبة عنهما واهملوا قاعدة البناء على اليقين السابق لعدم دلالة العقل عليه ولا النقل بناء على عدم التفاتهم الى الاخبار المذكورة لقصور دلالتها عندهم ببعض ما اشرنا اليه سابقا او لغفلتهم عنها على ابعد الاحتمالات عن ساحة من هو دونهم فى الفضل وهذا المحدث قد سلم دلالة الاخبار على وجوب البناء على اليقين السابق وحرمة نقضه مع اتحاد الموضوع إلّا انه ادعى تغاير موضوع المسألة المتيقنة والمسألة المشكوكة فالحكم فيها بالحكم السابق ليس بناء على اليقين السابق وعدم الحكم به ليس (يعنى) ان ما ذكره المحدّث الأسترآبادى اوّلا بقوله تارة بما ملخّصه ان صور الاستصحاب المختلف فيها الخ ليس مختصّا بالمحدث بل هو مما استدل به كلّ من لا يقول بحجية الاستصحاب من اصحابنا الاماميّة كما يظهر من السيد فى الذّريعة وابن زهرة فى الغنية والشيخ فى العدّة.

(غاية ما فى الباب) ان ظاهر كلام المحدّث تخصيص المورد بالشك فى المقتضى حيث ذكر تغاير موضوع المسألتين وامّا السيد ومن تبعه منعوا الاستصحاب مطلقا حتى فى الشّك فى الرافع حيث نفى السيد بقاء البلد على ساحل البحر بعد الغيبة عنه واهمل المانعون قاعدة البناء على اليقين ولم يعتمدوا على حيوة زيد بعد الغيبة عنه فمنعهم اشمل من منع المحدّث فانه خصّ المنع بما كان الشكّ فى المقتضى بخلاف المانعين وانهم منعوا فى الشكّ فى الرافع ايضا وما ذكرناه احد

١٧٧

نقضا له فيرد عليه اولا النقض بالموارد التى ادعى الاجماع والضرورة على اعتبار الاستصحاب فيها كما حكيناها عنه سابقا فان منها استصحاب الليل والنهار فان كون الزمان المشكوك ليلا او نهارا اشد تغايرا واختلافا مع كون الزمان السابق كذلك من ثبوت خيار الغبن او الشفعة فى الزمان المشكوك وثبوتهما فى الزمان السابق ولو اريد من الليل والنهار طلوع الفجر وغروب الشمس لا نفس الزمان كان الامر كذلك وان كان دون الاول فى الظهور لان مرجع الطلوع والغروب الى الحركة الحادثة شيئا فشيئا ولو اريد استصحاب احكامها مثل جواز الاكل والشرب وحرمتهما ففيه ان ثبوتهما فى السابق كان منوطا ومتعلقا فى الادلة الشرعية بزمانى الليل والنهار فاجراؤهما مع الشك فى تحقق الموضوع بمنزلة ما انكره على القائلين بالاستصحاب من اجراء الحكم من موضوع الى موضوع آخر.

الاحتمالين فى تفسير قول الشّيخ قده الّا انهم منعوا الخ والاحتمال الآخر ما ذكره صاحب بحر الفوائد من ان ما ذكره المحدث هو بعينه ما ذكره المتقدّمون من اصحابنا كالسيد ره وتابعيه الّا ان الفرق بينه وبينهم هو تسليمه لاعتبار الاستصحاب فى الموضوعات الخارجيّة وانكارهم له مطلقا كما يظهر من تمثيلهم بعدم الاعتماد على حيوة زيد وبقاء البلد على ساحل البحر بعد الغيبة عنهما.

(اقول) ان عبارة الشيخ قده بقوله منعوا من اثبات الحكم الثابت لموضوع فى زمان له بعينه فى زمان آخر من دون تغيير واختلاف فى صفة الموضوع سابقا ولاحقا وان كان لا يناسب الاحتمال الاوّل ولكن يبعّده انه قده موافق للمحدّث المذكور فى عدم حجيّة الاستصحاب فى الشكّ فى المقتضى فى الشبهات الحكمية فحينئذ لا وجه لرده نقضا وحلّا ولذا قال فيما سبق بعد ذكر استدلال السيدين فى الذريعة والغنية ان الاستدلال المذكور اذا كان فى الشكّ فى المقتضى فهو متين

١٧٨

جدّا هذا مضافا الى ان الشكّ من غير جهة النّسخ فى الاحكام الكلية قد يكون من جهة الشكّ فى المقتضى كما اذا شكّ فى بقاء نجاسة الماء المتغير الذى زال تغيّره من قبل نفسه وقد يكون من جهة الشكّ فى الرافع كما اذا شكّ فى رافعية المذى للطهارة ورافعية الخارج من غير السبيلين لها وغير ذلك من الأمثلة فلو كان دليل المحدّث مختصّا بالشك فى المقتضى لكان الدّليل اخصّ من المدعى الّا ان يقال بانّ هذا ايراد يرد على المحدث من جهة انه لا شبهة فى ظهور كلامه فى الشك فى المقتضى فقط ويحمل ردّ الشيخ له على مذهب الغير او ان مقصوده الايراد عليه فى دليله لا فى مدعاه وان كان هذان خلاف ظاهر عبارته ره.

(قوله لقصور دلالتها عندهم) او لعدم حجيّة خبر الواحد عندهم كما هو مذهب السيدين وغيرهما او لعدم حجية خبر الواحد الّا الصحيح الأعلائى الذى زكى كلّ واحد من سلسلة سنده بشاهدين عدلين كما هو مذهب المدارك والمعالم او لعدم حجية خبر الواحد الغير الجامع للشّروط الخمسة التى ذكرها فى باب دليل الانسداد بزعم عدم وجود هذا او ذاك فى اخبار الاستصحاب.

(قوله او لغفلتهم عنها) او لعدم غفلتهم بل لان نزاعهم كان فى حجيّة الاستصحاب من باب الظن خصوصا مع ملاحظة ان نزاعهم كان مع العامّة القائلين بحجية الاستصحاب من باب الظن فلا ينافى قولهم بحجيته من باب التعبّد والأخبار كما قيل وقريب منه ما تعرّض له بعض المحشين فى هذا المقام من ان عدم ذكرهم الأخبار ليس من باب الغفلة بل من جهة ان القاعدة المستفادة من الأخبار بقاعدة اليقين معدودة عندهم فى القواعد الشرعية ومقصودهم فى الاستدلال بيان القاعدة المستدلّ عليها بالعقل المسماة عندهم بالاستصحاب.

(لكن) لا يخفى بعد هذين التوجيهين مع عدم تماميّتهما الّا بالنسبة الى بعض المنكرين والّا فالظّاهر من كثير منهم بل اكثرهم عدم حجية الاستصحاب مطلقا لا عقلا ولا نقلا كما لا يخفى.

١٧٩

(قوله فيرد عليه النقض بالموارد التى الخ) اقول توضيح النقض انّ استصحاب اللّيل والنهار الذى ادّعى المحدّث المذكور الإجماع على جواز استصحابهما يحتمل وجوها ثلاثة اذ مجرى الاستصحاب فيهما اما نفس الليل والنهار او الكيفية الحاصلة منهما مثل كون الشمس تحت الأرض او فوقها التى يتولد منها الغروب والطّلوع او الأحكام المترتبة عليهما مثل جواز الأكل فى شهر رمضان فى الاوّل وحرمة الافطار فيه فى الثانى وتبدّل الموضوع واختلاف زمانى اليقين والشكّ وتغايرهما ظاهر فى جميع التقادير المذكورة.

(اما على الاول) فلان الموضوع المستصحب هو اللّيل والنّهار الكائن قبل عروض الشكّ فهو ظاهر البطلان لعدم تعلّق الشك بهما للعلم بارتفاعهما فى زمن الشّك.

(واما على الثانى) فلان استصحاب كون الشّمس تحت الأرض حتى يكون الليل باقيا ولم تطلع الشمس او كونها فوق الأرض حتى يكون النهار باقيا ولم تغرب الشّمس ولا ريب انّ كونها تحت الأرض او فوقها فى زمان اليقين مغاير لكونها كذلك فى زمان الشك للعلم بارتفاعه فى زمان الشك.

(واما على الثالث) فالاختلاف فى التغاير بين الزّمانين اظهر من ان يحتاج الى البيان.

(واما ما ذكره) المحدّث من الإجماع والضرورة فيتوجّه عليه حينئذ النقض بما ذكره الشيخ قده مع انه لو بنى الأمر عليه وان كان خلاف صريح كلامه لقلنا بمثله فيما تدّعى حجيته فيه فانه ان صلح ما ورد فى باب الاستصحاب ان يخصّص ادلة القياس لم يعقل الفرق بين ما ذكره وما ذكره القوم بل اخراج ما ذكره القوم اولى من اخراج ما قال باعتباره فيه من حيث كون تغاير الموضوع فيه اوضح كما يعلم من البيان الذى ذكره الماتن قده.

(قوله اشد تغايرا الخ) اذ لا يمكن الحكم بابقاء الزّمان السابق مع كون

١٨٠