درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٥

فالفرق انّ كلام المصنف فى الشكّ فى حدوث الحكم الشرعى وكلام الشيخ اعمّ من الشكّ فى الحدوث والشك فى البقاء والشكّ فى المقتضى والشكّ فى الرّافع (اما) كون الشبهة حكمية فمشترك بين القولين على التقديرين مع انّ التمسك بعدم الدليل ليس بتمام عند المصنف كما عرفت وقد دلّ على ذلك قوله والكلام فى حجيّة هذا الظنّ بمجرّده من غير ضمّ حكم العقل بقبح التعبد فى باب اصل البراءة بخلاف الشيخ فان الظّاهر من كلماته تماميّة الاستدلال به كما لا يخفى على من امعن النظر فيه. (قوله بطريق آخر) يعنى بطريق عدم الدليل دليل العدم.

(قوله وذلك خارج عن استصحاب الحال) وذلك لانّ فى الاستصحاب الحكم بثبوت الحكم فى الزمان الثانى لاجل ثبوته فى السابق والاستناد اليه لا لاجل عدم وجدان الدليل على مخالفة حكم الزمان الثانى لحكم الزمان الاوّل وانّ عدم الوجدان دليل على عدم الوجود فيحكم بالبقاء من اجل ذلك.

١٢١

(احتج) النافون بوجوه منها ما عن الذريعة وفى الغنية من ان المتعلق بالاستصحاب يثبت الحكم عند التحقيق من غير دليل توضيح ذلك انهم يقولون قد ثبت بالاجماع على من شرع فى الصلاة بالتيمم وجوب المضى فيها قبل مشاهدة الماء فيجب ان يكون على هذا الحال بعد المشاهدة وهذا منهم جمع بين الحالتين فى حكم من غير دليل يقتضى الجمع بينهما لان اختلاف الحالتين لا شبهة فيه لان المصلى غير واجد للماء فى إحداهما واجد له فى الاخرى فلا يجوز التسوية بينهما من غير دلالة فاذا كان الدليل لا يتناول الا الحالة الاولى وكانت الحالة الاخرى عارية منه لم يجز ان يثبت فيها مثل الحكم انتهى اقول ان كان محل الكلام فيما كان الشك لتخلف وصف وجودى او عدمى متحقق سابقا يشك فى مدخليته فى اصل الحكم او بقائه فالاستدلال المذكور متين جدا لان المفروض عدم دلالة دليل الحكم الاول وفقد دليل عام يدل على انسحاب كل حكم ثبت فى الحالة الاولى فى الحالة الثانية لان عمدة ما ذكروه من الدليل هى الاخبار المذكورة وقد عرفت اختصاصها بمورد يتحقق معنى النقض وهو الشك من جهة الرافع.

(اقول) لا بدّ قبل الخوض فى بيان الوجوه التى احتج النافون بها على عدم حجيّة الاستصحاب مطلقا من البحث عن انّ النافى فى المسائل المتنازع فيها هل يحتاج الى الدليل كالمثبت لكى يحكم بالتوقّف فى صورة فقد الدليل فى طرفى الاثبات والنفى او لا يحتاج الى الدليل لكى يحكم بتقديم النفى على الاثبات فى صورة فقد الدليل فان المسألة كما يظهر من بعض الاعلام ذات اقوال ثلاثة ثالثها التفصيل بين العقليات والشرعيات فلا يحتاج النّفى الى الدليل فى الثانى ويظهر من استدلال العلّامة للقول بالاحتياج تفصيل آخر وهو انه ان قلنا باعتبار الاستصحاب فلا يحتاج الى الدليل فى موارده والّا فمحتاج اليه وهذا التفصيل كما ترى غير جار فى المقام اذ

١٢٢

النزاع فيه فى اعتبار الاستصحاب وعدمه.

(قوله منها ما عن الذريعة الخ) الظاهر انهم من المنكرين مطلقا من غير فرق بين كون الشكّ فى الرّافع وبين كون الشكّ فى المقتضى واحتمال كون الاستدلال مخصوصا بالشكّ فى المقتضى وانّ الاستصحاب حجة عندهم فى الشكّ فى الرّافع فى غاية الضعف بل ينبغى القطع ببطلانه.

(ثم) انّ الاستدلال المذكور مبنىّ كما هو الاظهر على التمسّك بالاصل فى المنع عن العمل بالاستصحاب لانّ مقتضى الاصل الاوّلى عدم اعتباره لو لا الدّليل عليه ولكن قد افرط بعض المنكرين من الاخباريين فى المقام كبعض اصحابنا الاصوليين وحكم بانّ المتعلق بالاستصحاب حقيقة يثبت الحكم بالقياس حيث انّ الحالة الثانية مغايرة للحالة الاولى سواء فى ذلك الشّك فى الرّافع والشكّ فى المقتضى ومن المعلوم انه مع تعدّد الموضوعين لا بدّ من الظنّ بوجود القدر الجامع فى الحالين فيحكم من اجل ذلك بالحاق الحالة الثانية بالحالة الاولى والّا لما امكن الالحاق فيكون ما يسمّونه استصحابا من القياس المحرّم الذى قد تواترت الاخبار بعدم جواز العمل به.

(هذا) ملخص ما ذكره الشيخ قدس‌سره فى مجلس البحث على ما حكاه صاحب بحر الفوائد لتوضيح مرام المتوهم وقد ارتضاه وبنى على تماميّته لو لا ورود الاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشكّ بل بعد ملاحظته ايضا بالنسبة الى الشكّ فى المقتضى واما بالنسبة الى الرّافع فلا يتمّ ما ذكر بعد ملاحظة الاخبار فانّا نسلم انّ هنا قضيتين الموضوع فى إحداهما غير الموضوع فى الاخرى الّا انّ من المقرّر فى محله بل الواضح الذى لا يحتاج الى البرهان بل البيان انّ القياس ليس هو مجرّد الحكم فى موضوع بما حكم به فى غيره ولو كان من جهة قيام دليل عليه والّا لكان اكثر الاحكام الثابتة فى الموضوعات من باب القياس بل هو ذلك مع كون الحكم فى الفرع من جهة استنباط كون العلة فى الاصل هو القدر المشترك بينهما

١٢٣

ظنا فيؤخذ بالجامع ويلقى الفارق بينهما بحسب الظنّ فالحاق النّبيذ بالخمر فى الحكم من جهة الظنّ بكون المناط هو الاسكار الموجود فيهما قياس لكن الحاقه به من جهة ورود الدليل على وجود الحكم فى النبيذ بما حكم به فى الخمر ليس من القياس فى شيء فاثبات الحكم فى المقام فى الحالة الثّانية من جهة دلالة الاخبار على وجوب اجراء حكم الثابت فى الحالة الاولى فى الحالة الثانية خارج عن القياس موضوعا لا ان يكون مخصّصا لما دلّ على حرمة العمل بالقياس ومنافيا له هذا.

(قوله وقد عرفت اختصاصها بمورد يتحقق معنى النقض الخ) قد يقال انّ الاخبار الواردة فى ذلك الباب التى ادعى تواترها معنى مطلق فى كون الشّك من جهة المقتضى او من جهة المانع والمورد غير قابل لتخصيص الحكم به والعام لا يصح تخصيصه بالمورد كما حرّر فى محله والمشهور فى الالسن ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد.

١٢٤

(نعم) قد يتخيل كون مثال التيمم من قبيل الشك من جهة الرافع لان الشك فى انتقاض التيمم بوجدان الماء فى الصلاة كانتقاضه بوجدانه قبلها سواء قلنا بان التيمم رافع للحدث ام قلنا انه مبيح لان الاباحة ايضا مستمرة الى ان ينتقض بالحدث او يوجد الماء ولكنه فاسد من حيث ان وجدان الماء ليس من الروافع والنواقض بل الفقدان الذى هو وصف المكلف لما كان مأخوذا فى صحة التيمم حدوثا وبقاء فى الجملة كان الوجدان رافعا لوصف الموضوع الذى هو المكلف فهو نظير التغير الذى يشك فى زوال النجاسة بزواله فوجدان الماء ليس كالحدث وان قرن به فى قوله عليه‌السلام حين سئل عن جواز الصلوات المتعددة بتيمم واحد نعم ما لم يحدث او يجد ماء لان المراد من ذلك تحديد الحكم بزوال المقتضى او طرو المانع وكيف كان فان كان محل الكلام فى الاستصحاب ما كان من (اقول) انه قد تخيّل بعض ان مثال التّيمم الذى احتج به النافون لمرامهم من قبيل الشكّ من جهة الرافع اذا الشك فى انتقاض التيمّم بوجدان الماء فى الصلاة كانتقاضه بوجدانه قبلها سواء قلنا بان التيمّم رافع للحدث ام قلنا انه مبيح لان الاباحة ايضا مستمرّة بمعنى ان الاباحة امر قابل للاستمرار الى ان ينقض بالحدث او بوجدان الماء فيكون وجدان الماء رافعا لذلك الامر الحادث من التيمّم ويؤيد ذلك اطلاق لفظ النقض والانتقاض على وجدان الماء فى كلمات العلماء وفى بعض الاخبار فعدّ وجدان الماء من النواقض يدل على كونه من الروافع والشك انما هو فى الرافع دون المقتضى للعلم بحدوثه واستمراره الى حصول الرافع. (ولكنه فاسد) بيان ذلك ان وجدان الماء عنوان وفقدان الماء عنوان آخر وكل منهما وصف ثابت للمكلف مأخوذ فى الحكم الشرعى فالوجدان الّذى هو وصف للمكلف مأخوذ فى الحكم بصحة الوضوء والفقدان الذى هو وصف له

١٢٥

قبيل هذا المثال فالحق مع المنكرين لما ذكروه وان شمل ما كان من قبيل تمثيلهم الآخر وهو الشك فى ناقضية الخارج من غير السبيلين قلنا ان اثبات الحكم بعد خروج الخارج ليس من غير دليل بل الدليل ما ذكرناه من الوجوه الثلاثة مضافا الى امكان التمسك بما ذكرنا فى توجيه كلام المحقق فى المعارج لكن عرفت ما فيه من التامل ثم انه اجاب فى المعارج من الدليل المذكور بان قوله عمل بغير دليل غير مستقيم لان الدليل دل على ان الثابت لا يرتفع إلّا برافع فاذا كان التقدير تقدير عدمه كان بقاء الثابت راجحا فى نظر المجتهد والعمل بالراجح لازم انتهى وكان مراده بتقدير عدم الرافع عدم العلم وقد عرفت ما فى دعوى حصول الظن بالبقاء بمجرد ذلك إلّا ان يرجع الى عدم الدليل بعد الفحص الموجب للظن بالعدم. مأخوذ فى الحكم بصحة التيمم فكل من الوصفين موضوع لحكم ومقتض لثبوته لا ان وجدان الماء رافع بالنّسبة الى الحكم المترتب على فقدان الماء كالحدث الرافع للتيمم ولذا يحكم بوجوب الوضوء عند وجود الماء قبل الشروع فى الصلاة لكون المقام من قبيل تبدّل الموضوع لصيرورة الفاقد واجدا مثل صيرورة المسافر حاضرا والاحكام تابعة للموضوعات ولا يحكم به بعد دخوله فى الصلاة. (ووجه الفرق) كما تعرّض له بعض المحشين ان فقدان الماء مأخوذ فى صحة التيمّم فبزوال الموضوع يزول الحكم هذا بخلاف ما لو شرع فى الصلاة لأن المكلّف المتصف بفقدان الماء بعد دخوله فى الصلاة محكوم بالمضىّ فيها ونعلم ان هذا الوصف له مدخليّة فى ثبوت الحكم بالمضىّ لكن لا نعلم ان هذا الوصف هل له مدخلية فى هذا الحكم حدوثا وبقاء حتى يمضى عند الوجدان فى الاثناء او ان له مدخلية فى ذلك الحكم من حيث الحدوث فقط حتى يحكم بعدم

١٢٦

جواز المضىّ عند وجدان الماء فى اثناء الصلاة.

(فمرجع الشك) الى اصل المقتضى بمعنى انّا نشك فى ان الفقدان المأخوذ فى الحكم بالمضىّ بعد دخوله فى الصلاة هل له مدخليّة فى هذا الحكم من حيث الحدوث والاستمرار معا او له مدخليّة من حيث الحدوث فقط فمقتضى القاعدة على مذهب من اختار حجيّة الاستصحاب مطلقا سواء كان من حيث المقتضى او من حيث الرّافع هو الحكم بوجوب المضىّ هذا.

(وكيف كان) محصل كلام الشيخ قده فى المقام انّ محل الكلام فى الاستصحاب ان كان من قبيل المثال المذكور فالحقّ مع المنكرين لما ذكروه وان شمل ما كان من قبيل تمثيلهم الآخر وهو الشّك فى ناقضيّة الخارج من غير السبيلين فانه من الشك فى الرافع قلنا انّ اثبات الحكم بعد خروج الخارج ليس من غير دليل بل الدليل ما ذكرناه من الوجوه الثلاثة وهى الاجماع والاستقراء والاخبار مضافا الى امكان التمسك بما ذكرناه فى توجيه كلام المحقق فى المعارج من انّ مراده بالمقتضى هو العامّ والمطلق وبالمانع هو المخصص والمقيد وانه من المعلوم مع الشكّ فى المخصص والمقيد لا بد من التمسّك بالعام والمطلق لكن عرفت ما فيه من التامّل من انه مع عدم استقامته فى نفسه لا ينطبق على قوله والذى نختاره وقد ذكر فيما تقدم عدم انطباقه على صدر كلام المحقق وعلى الدليلين التاليين للدليل المذكور.

(ثم) انه اجاب فى المعارج من الدليل المذكور بان قوله عمل بغير دليل غير مستقيم لان الدليل دلّ على ان الثابت لا يرتفع الّا برافع فاذا كان التقدير تقدير عدمه كان بقاء الثابت راجحا فى نظر المجتهد والعمل بالرّاجح لازم انتهى. (وكان مراده) بتقدير عدم الرّافع عدم العلم وقد عرفت ما فى دعوى حصول الظنّ بالبقاء بمجرّد ذلك وانه لو افاد الظنّ لا دليل على حجيته الّا ان يرجع الى عدم الدليل بعد الفحص الموجب للظن بالعدم وقد عرفت انه لا يفيد الظن الّا فى عام البلوى ولا دليل على حجيته على تقدير الرجوع اليه وافادته الظن.

١٢٧

(ومنها) انه لو كان الاستصحاب حجة لوجب فيمن علم زيدا فى الدار ولم يعلم بخروجه منها ان يقطع ببقائه فيها وكذا كان يلزم اذا علم بانه حى ثم انقضت مدة لم يعلم فيها بموته ان يقطع ببقائه وهو باطل وقال فى محكى الذريعة قد ثبت فى العقول ان من شاهد زيدا فى الدار ثم غاب عنه لم يحسن اعتقاد استمرار كونه فى الدار إلّا بدليل متجدد ولا يجوز استصحاب الحال الاولى وقد صار كونه فى الدار فى الزمان الثانى وقد زالت الرؤية بمنزلة كون عمرو فيها واجاب فى المعارج عن ذلك بانا لا ندعى القطع لكن ندعى رجحان الاعتقاد ببقائه وهذا يكفى فى العمل به اقول قد عرفت مما سبق منع حصول الظن كلية ومنع حجيته.

(اقول) ان المستدل بهذا الدليل هو السيد واتباعه وهم قائلون بانفتاح باب العلم فلما كان عدم حجيّة غير العلم عندهم مفروغا عنه فبنوا على انّ الاستصحاب لو كان حجة فلا بد من ان يحصل منه القطع بالحكم ولمّا لم يحصل القطع منه فلا بد من البناء على عدم اعتباره.

(ولكن) قال الشيخ قدس‌سره فى مجلس البحث على ما نقله صاحب بحر الفوائد انّ المقصود من هذا الكلام ليس هو القطع ببقاء المستصحب واقعا حسبما هو قضية ظاهره الاولى حتى يرد عليه ان احدا لم يتوهم ان الاستصحاب يفيد القطع ومعتبر من جهته بل المقصود هو البناء عليه من العقلاء والحكم به على سبيل القطع بمعنى كون بنائهم على سلوكه غير مبنى على التردد هذا ولا يخفى انّ هذا التوجيه متين جدا.

(قوله منع حصول الظن كلية ومنع حجيته) قد اورد بعض المحشين عليه بان منع حجية الظن الحاصل من الاستصحاب على وجه الاطلاق ليس فى محله لما عرفت من ثبوت بناء العقلاء على اعتبار الاستصحاب فى خصوص الشكّ من

١٢٨

من حيث الرّافع وقد اعترف المصنف ايضا بثبوت بنائهم فيما يحصل لهم الظن بالبقاء.

(نعم) يرد على المحقق ان مذهب السيد هو حرمة العمل بالظن لما ذهب اليه السيد من دعوى انفتاح باب العلم وعدم انسداده فالدليل عنده لا بد ان يكون مفيدا للعلم فما لا يفيد القطع ليس دليلا عنده فعلى مختاره يكون الدليل دائما ملازما لافادة القطع فالعمل بما لا يفيد القطع عنده عمل بغير دليل وحصول الرّجحان من الاستصحاب لا يكون موجبا لالزام السيّد لعدم اعتنائه بالرجحان اذ بناؤه دائما على الاعتماد بالقطع وعلى هذا فينحصر الجواب عن الاستدلال باعتراف القطع بمؤدى الاستصحاب بدعوى قيام الادلة القاطعة على اعتباره اذ الاخبار الواردة فى هذا الباب قد قيل انها متواترة معنى فتامّل.

١٢٩

(ومنها) انه لو كان حجة لزم التناقض اذ كما يقال كان للمصلى قبل وجدان الماء المضى فى صلاته فكذا بعد الوجدان كذلك يقال ان وجدان الماء قبل الدخول فى الصلاة كان ناقضا للتيمم فكذا بعد الدخول او يقال الاشتغال بصلاة متيقنة ثابت قبل فعل هذه الصلاة فيستصحب قال فى المعتبر استصحاب الحال ليس حجة لان شرعية الصلاة بشرط عدم الماء لا يستلزم الشرعية معه ثم ان مثل هذا لا يسلم عن المعارض لانك تقول الذمة مشغولة بالصلاة قبل الاتمام فكذا بعده انتهى واجاب عن ذلك فى المعارج بمنع وجود المعارض فى كل مقام ووجود المعارض فى الادلة المظنونة لا يوجب سقوطها حيث يسلم عن المعارض اقول لو بنى على معارضة الاستصحاب بمثل استصحاب الاشتغال لا يسلم الاستصحاب فى اغلب الموارد عن المعارض اذ قلما ينفك مستصحب عن اثر حادث يراد ترتبه على بقائه فيقال الاصل عدم ذلك الاثر (اقول) ان التناقض المذكور بالتقريب الذى ذكره الشيخ قدس‌سره واضح باعتبار ان كل مستصحب له آثار هى فى الحقيقة معلولة فلو كان الاستصحاب حجة لوجب ان يكون حجة فى طرف العلة والمعلول وهو مستلزم للتناقض لان استصحاب وجود العلة وبقاؤها معارض باستصحاب عدم ذلك المعلول فيرجع ما ذكره المستدل من المثال الى معارضة استصحاب صحة التيمم الذى يلزمه جواز الدخول ووجوب المضىّ لاستصحاب عدم وجوب المضىّ وان كان هو من آثار ناقضية وجدان الماء الذى فرضه المستدل الاستصحاب فيه هذا.

(ولكن) لا يخفى عليك ان مقتضى التامّل انه ليس مراد المستدل من التناقض هو التناقض المعروف اذ يلزم عليه استحالة حجية الاستصحاب بل مراده من التناقض هو التعارض فى جميع موارد ارادة اجراء الاستصحاب فلزوم التعارض فى جميع المقامات مع فرض عدم دليل على ثبوت الترجيح او التخيير فى المقام يكشف

١٣٠

عن ان الشارع لم يجعل الاستصحاب حجة والّا للزم اللغوية حيث انّ المفروض عدم جواز الاخذ به ولو فى الجملة فيكون جعله عبثا وقبيحا على الشارع.

(ثم) اجاب المحقّق ره فى المعارج عن الوجه المذكور بمنع وجود المعارض فى كل مقام ووجود المعارض فى الادلة المظنونة لا يوجب سقوطها حيث يسلم عن المعارض.

(قوله اذ قلما ينفك مستصحب عن اثر حادث الخ) اقول الاثر اما اثر حادث مسبوق بالعدم يراد ترتبه على الاستصحاب كالحكم بتورّثه عن مورّثه الميت لاستصحاب الحياة واما اثر موجود فى السابق يراد ترتّبه على الاستصحاب فما يمكن ان يكون جاريا ومعارضا لاستصحاب الموضوع هو الأثر الحادث اذ هو الذى يمكن ان يجرى فيه استصحاب العدم حتى يعارض به استصحاب الوجود الجارى فى موضوعه واما الأثر السّابق فلا يمكن جريان الاستصحاب فيه الّا بملاحظة بقاء وجوده السابق. (ومن المعلوم) انه لا يعارض استصحاب موضوعه لعدم التنافى بينهما وان كان لا يجرى فيه على التّحقيق سواء جرى استصحاب موضوعه ام لا اما على الأوّل فلان معناه هو ترتيب الأثر عليه فلا معنى لاجراء استصحاب آخر متعلّق بالأثر واما اذا لم يجر فلا يجرى ايضا لعدم امكان استصحاب المحمول مع الشّك فى الموضوع هذا ولكن التحقيق عدم جريان استصحاب الأثر فى القسم الاوّل ايضا حتى يعارض به استصحاب الموضوع لما حقّقه بقوله والاولى فى الجواب الخ هذا مع ان ما ذكره من اصل الاشتغال ليس داخلا فى الاستصحاب اصلا ورأسا بل هو اصل عقلىّ ملاكه وجوب دفع الضرر المحتمل.

١٣١

(والاولى) فى الجواب انا اذا قلنا باعتبار الاستصحاب وافادته الظن بالبقاء فاذا ثبت ظن البقاء فى شيء لزمه عقلا ظن ارتفاع كل امر فرض كون بقاء المستصحب رافعا له او جزءا اخيرا له فلا يعقل الظن ببقائه فان ظن بقاء طهارة ماء غسل به ثوب نجس او توضأ به محدث مستلزم عقلا لطهارة ثوبه وبدنه وبراءة ذمته من الصلاة بعد تلك الطهارة وكذا الظن بوجوب المضى فى الصلاة يستلزم الظن بارتفاع اشتغال الذمة بمجرد اتمام تلك الصلاة وتوهم امكان العكس مدفوع بما سيجىء توضيحه من عدم امكانه وكذا اذا قلنا باعتباره من باب التعبد بالنسبة الى الآثار الشرعية المترتبة على وجود المستصحب او عدمه لما ستعرف من عدم امكان شمول الروايات الا للشك السببى ومنه يظهر حال معارضة استصحاب وجوب المضى باستصحاب انتقاض التيمم بوجدان الماء.

(اقول) ملخص الجواب انا اذا قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن فكل مؤثر ظنّ ببقائه من الاستصحاب لزمه عقلا الظّن بترتب اثره الحادث عليه مثلا اذا ظن ببقاء طهارة ماء غسل به الثّوب النجس او توضأ به المحدث فيلزمه عقلا الظّن بطهارة ثوبه وبراءة ذمته من الصلاة بعد تلك الطّهارة وكذا الظن بوجوب المضىّ فى الصلاة يستلزمه عقلا الظّنّ بارتفاع اشتغال الذّمة بمجرد اتمام هذه الصّلاة.

(وتوهم امكان العكس) بمعنى ان الظن ببقاء الاشتغال من استصحاب الاشتغال مستلزم عقلا للظن بعدم وجوب المضىّ فى الصلاة وكذا الظن بنجاسة ثوبه من استصحاب النجاسة مستلزم للظن بنجاسة ماء غسل به الثوب النجس.

(مدفوع) بما سيجىء توضيحه من منع تقديم الاستصحاب الجارى فى اللازم على الاستصحاب الجارى فى الملزوم باعتباران الملزوم مقدّم على اللازم

١٣٢

رتبة فيكون الذهن منصرفا اليه اولا فيكون الاستصحاب فى طرفه مقدما دائما فتامل.

(وكذا) اذا قلنا باعتباره من باب التعبد بالنسبة الى الآثار الشرعية المترتبة على وجود المستصحب او عدمه لما ستعرف من عدم امكان شمول الرّوايات الّا للشّك السّببى ومقتضى القاعدة فى كل مورد يكون التّعارض فيه بين الاصلين من قبيل السبب والمسبّب جريان الاصل فى السبب وسقوط الاصل بالنّسبة الى المسبب.

(قوله ومنه يظهر حال معارضة استصحاب وجوب المضى الخ) يعنى ان الشك فى وجوب المضى مسبب عن الشّك بانتقاض التيمم بوجدان الماء فاذا فرض استصحاب كون وجدان الماء ناقضا لم يجر استصحاب وجوب المضىّ لعدم امكان معارضة الشك فى المسبب للشكّ فى السبب وهذا الكلام مع قطع النظر عن الاشكال فى جريان الاستصحاب فى الشك فى كون الوجدان ناقضا من جهة انه تعليقىّ ولا اشكال فى جريان الاستصحاب التعليقى عند الشيخ قده.

١٣٣

(ومنها) انه لو كان الاستصحاب حجة لكان بينة النفى اولى وارجح من بينة الاثبات لاعتضادها باستصحاب النفى والجواب عنه اولا باشتراك هذا الايراد بناء على ما صرح به جماعة من كون استصحاب النفى المسمى بالبراءة الاصلية معتبرا اجماعا اللهم إلّا ان يقال ان اعتبارها ليس لاجل الظن او يقال ان الاجماع انما هو على البراءة الاصلية فى الاحكام الكلية فلو كان احد الدليلين معتضدا بالاستصحاب اخذ به لا فى باب الشك فى اشتغال ذمة الناس فانه من محل الخلاف وثانيا بما ذكره جماعة من ان تقديم بينة الاثبات لقوتها على بينة النفى وان اعتضدت بالاستصحاب اذ رب دليل اقوى من دليلين نعم لو تكافأ دليلان رجح موافق الاصل به لكن بينة النفى لا تكافؤ بينة الاثبات إلّا ان يرجع ايضا الى نوع من الاثبات فيتكافئان وحينئذ فالوجه تقديم بينة النفى لو كان الترجيح فى البينات كالترجيح فى الادلة منوطا بقوة الظن مطلقا او فى غير الموارد المنصوصة على الخلاف كتقديم بينة الخارج وربما تمسكوا بوجوه أخر يظهر حالها بملاحظة ما ذكرنا فيما ذكرنا من ادلتهم هذا ملخص الكلام فى ادلة المثبتين والنافين مطلقا.

(اقول) ان هذا الدليل ذكره العلّامة ره على ما تعرض له بعض المحشين وقال صاحب الكفاية فى حاشيته الظّاهر انه اراد استلزامه غالبا والّا فربما كان بينة الاثبات معتضدة بالاستصحاب كبينة من يدّعى بقاء ذمة مديونه مشغولة بدينه وهو يدعى عدم اشتغالها به كما لا يخفى فالأولى ان يقرر الاستدلال بان الاستصحاب لو كان حجة لكان ما يوافقه من البينتين ارجح مما يخالفه لاعتضادها به.

(قوله والجواب عنه اولا باشتراك هذا الايراد) يعنى استصحاب النفى المسمى بالبراءة الاصلية معتبر حتى عند القائلين بعدم حجية الاستصحاب مطلقا بمعنى

١٣٤

ان هذا الفرد من الاستصحاب خارج من محلّ النزاع بين النافى والمثبت وان النزاع بينهم فى غيره وحينئذ فيرد على النافين بانه يلزم تقديم بينة النّافى اذا كانت على طبق استصحاب البراءة الاصلية مع ان الفقهاء لا يقولون به من جهة اعتضادها باستصحاب البراءة فما هو جوابكم فى الصورة المذكورة فهو جوابنا فى جميع صور كون بينة النّفى على طبق الاستصحاب.

(قوله اللهم إلّا ان يقال ان اعتبارها الخ) يعنى الّا ان يقال بان البراءة الاصلية اصل على حدة معتبر من باب التعبّد لا من باب الظن فلا يكون داخلا فى الاستصحاب اصلا حتى يرد به النقض ويقال باشتراك الايراد اذ هو انما يتجه اذا كان اصل البراءة داخلا فى الاستصحاب الذى هو حجة من باب الظّن فيتوهّم اعتضاد بينة النفى به من جهة ان تعاضد ظن بظن آخر يوجب قوّته على الظن الذى ليس كذلك والاخذ به لا بما ليس كذلك واما اذا كان تعبّديا فلا تكون البينة التى على طبقه راجحة على البينة التى ليست كذلك لامتناع الترجيح بالأمور التعبدية التى ليست فى عرض ما يكون حجة من باب الظّن.

(قوله او يقال ان الاجماع الخ) يرد عليه ان حجية البراءة الأصلية فى الاحكام الكلية مستلزمة لحجيته فى الموضوعات بطريق اولى لان الاخباريين المنكرين لاستصحاب البراءة فى الاحكام اما مطلقا او فى الشبهات التحريمية يقولون بها فى الشبهات الموضوعية.

(قوله وثانيا بما ذكره جماعة الخ) توضيح الجواب الثانى انه اذ قلنا بان البينة من المنكر عزيمة بمعنى عدم جعل البينة فى حقه من الشرع فالملازمة ممنوعة اذ لا معارضة بين البينتين حتى يقدّم المعاضدة بالاستصحاب واذا قلنا بانه من المنكر رخصة بمعنى اعتبارها للمنكر لكن لا يطالب بها تسهيلا عليه فان كانتا متكافئتين بان يرجع بينة النفى الى الاثبات فبطلان التالى ممنوع اذ الوجه حينئذ هو تقديم بينة النفى لو كان الترجيح فى البيّنات كالترجيح فى الادلة منوطا بقوّة الظن اما مطلقا

١٣٥

او فى غير الموارد المنصوصة على الخلاف كالخلاف فى تقديم بينة الخارج اذ المفروض اعتضاد بينة النفى بالاستصحاب فيكون اقوى وان كانتا غير متكافئتين بان لا يرجع بينة النفى الى الاثبات فالوجه تقديم بيّنة الاثبات ولو كانت بينة النفى معتضدة بالاستصحاب اذ ربّ دليل اقوى من الدليلين كما يظهر للمتأمل فى كلمات الاواخر والاوائل ولعلّ السرّ فى ذلك ان مرجع البينتين الى ادرى ولا ادرى ومن المعلوم ان الثّانى لا ينافى الاول ولذا يقدم على الثانى وان كان معتضدا بالأصل.

(وبعبارة اوضح) فى مقام الجواب عن الدّليل المذكور ان هذا الدليل مبنىّ على مقدمتين إحداهما صلاحيّة معارضة بينة النفى مع بيّنة الاثبات والثانية ثبوت التّرجيح فى تعارض البينات بمطلق الظّن كما فى تعارض الاخبار حسبما هو قضيّة ظاهر كلماتهم وشيء منهما غير ثابت عندنا بل الثابت عند المحقّقين خلافهما.

(اما الاولى) فلانّ بينة النفى لا تخلو اما ان ترجع الى نوع اثبات ام لا فان كان الثانى فلا اشكال فى عدم اعتبارها حتّى فيما لم يكن هناك بينة على خلافها لان البينة التى تشهد على البراءة الاصليّة لا تخلو اما ان تستند فى شهادتها الى القطع او اصالة البراءة فان استندت الى القطع فلا اشكال فى عدم اعتبارها لانه نظير قطع القطّاع وخبر الفاسق فى كثرة مخالفته بالنّسبة الى الواقع الموجبة لعدم جواز تصديقها فى اخبارها المستندة اليه ضرورة ان اسباب الاشتغال غير محصورة لا يمكن العلم بنفيها عادة فالمدّعى للقطع فيها ينتهى قطعه الى سبب حدسى غير موجب للعلم لمتعارف الناس فالتعليل فى آية النبإ يدل على عدم اعتبار مثل هذه البينة واما الثانى ففساده لا يحتاج الى البيان لان جميع الناس والحاكم يشهدون ببراءة ذمّة المنكر بمقتضى الأصل وان رجعت الى نوع من الاثبات فان قلنا بما ذهب اليه المشهور من عدم اعتبار البينة من الدّاخل اصلا فلا اشكال ايضا فيصير كالاولى وان قلنا بما هو المحقّق عندنا من اعتبارها فى نفسها بمعنى اغنائها عن اليمين مع عدم مقاومتها

١٣٦

لبينة الخارج لكونها كالأصل بالنّسبة اليها وهى كالدليل بالنسبة اليها فلا اشكال ايضا وان قلنا بما ذهب اليه بعض القدماء من تقديم بينة الداخل على بينة الخارج فنلتزم على هذا بصحة التّالى ونمنع بطلانه فتأمل.

(واما الثانية) فلان المحقق فى محله عدم كون الترجيح فى البيّنات كالترجيح فى الاخبار منوطا بمطلق الظنّ بل القدر الثابت هو الترجيح بالاكثرية والاعدليّة لا غيرهما وعلى تقدير الالتزام بالترجيح بمطلق الظن فى البيّنات نلتزم ايضا بصحة التالى ونمنع بطلانه هذا على تقدير القول باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ كما هو المعروف بين الخاصة والعامة واما على القول باعتباره من باب التعبد فنمنع الملازمة وان قلنا بالترجيح بمطلق الظنّ فى البيّنات.

(قوله وربما تمسكوا بوجوه أخر الخ) مثل ما نقله الحاجبى من انّ الحكم بالطهارة ونحوها حكم شرعى والدليل عليه نص او اجماع او قياس ومثل ما نقله فى القوانين وغيره من ان العمل بالاستصحاب عمل بالظنّ وهو محرّم بالآيات والاخبار ومثل ما حكى عن الامين الأسترآباديّ من انّ العمل بالاستصحاب يستلزم عدم العمل بالاحتياط واللّازم باطل فكذا الملزوم الى غير ذلك مما تعرّض له بعض المحشين.

١٣٧

(بقى الكلام) فى حجج المفصلين فنقول اما التفصيل بين العدمى والوجودى بالاعتبار فى الاول وعدمه فى الثانى فهو الذى يستظهر من كلام التفتازانى حيث استظهر من عبارة العضدى فى نقل الخلاف ان خلاف منكرى الاستصحاب انما هو فى الاثبات دون النفى وما استظهره التفتازانى لا يخلو ظهوره عن تامل مع ان هنا اشكالا آخر قد اشرنا اليه فى تقسيم الاستصحاب فى تحرير محل النزاع وهو ان القول باعتبار الاستصحاب فى العدميات يغنى عن التكلم فى اعتباره فى الوجوديات اذ ما من مستصحب وجودى الا فى مورده استصحاب عدمى يلزم من الظن ببقائه الظن ببقاء المستصحب الوجودى واقل ما يكون عدم ضده فان الطهارة لا تنفك عن عدم النجاسة (اقول) حكى الفاضل القمى عن العضدى انه قال معنى استصحاب الحال انّ الحكم الفلانى قد كان ولم يظنّ عدمه وكلّما كان كذلك فهو مظنون البقاء وقد اختلف فى صحة الاستدلال به لافادته ظنّ البقاء وعدمها لعدم افادته ايّاه فالاكثر على صحته واكثر الحنفيّة على بطلانه فلا يثبت به حكم شرعى.

(ولا فرق) عند من يرى صحته بين ان يكون الثابت به نفيا اصليا كما يقال فيما اختلف فى كونه نصابا لم تكن الزكاة واجبة عليه والاصل بقاؤه او حكما شرعيا مثل قول الشافعية فى الخارج من غير السبيلين انه كان قبل خروج الخارج متطهرا والاصل البقاء حتى يثبت معارض والاصل عدمه.

(قال التفتازانى) فى شرح الشرح قوله فلا يثبت به حكم شرعى كأنه يشير الى انّ خلاف الحنفية فى اثبات الحكم الشرعى دون النفى الاصلى وهذا ما يقولون انه حجة فى الدفع لا فى الاثبات حتى انّ حياة المفقود بالاستصحاب تصلح حجة لبقاء ملكه لا لاثبات الملك فى مال مورّثه انتهى المحكى عنه. (ثم) انّ قول العضدى فلا يثبت به حكم شرعى يحتمل وجوها.

١٣٨

والحياة لا تنفك عن عدم الموت والوجوب او غيره من الاحكام لا ينفك عن عدم ما عداه من اضداده والظن ببقاء هذه الاعدام لا ينفك عن الظن ببقاء تلك الوجودات فلا بد من القول باعتباره خصوصا بناء على ما هو الظاهر المصرح به فى كلام العضدى وغيره من ان انكار الاستصحاب لعدم افادته الظن بالبقاء وان كان ظاهر بعض النافين كالسيد قده وغيره استنادهم الى عدم افادته للعلم بناء على ان عدم اعتبار الظن عندهم مفروغ عنه فى الاخبار الآحاد فضلا عن الظن الاستصحابيّ.

(الاول) عدم حجية الاستصحاب فى الحكم الشرعى بالمعنى الاعمّ من الكلى والجزئى وحجيته فى غيره.

(الثانى) انّ مقصود الاصوليين البحث فى اجراء الاستصحاب فى الحكم الشرعى وعدمه والاستصحاب فى غيره ليس مقصودا بالبحث فعلى هذا يكون كلام العضدى ساكتا عن اجراء الاستصحاب فى غير الحكم نفيا واثباتا عند الحنفية.

(الثالث) ان يكون اشارة الى التفصيل بين النفى الاصلى والحكم الشرعى بالحجيّة فى الاوّل دون الثانى وهذا هو الظاهر من كلامه لوجهين الاوّل انه ذكر التعميم عند القائلين بصحة الاستدلال وقال سواء كان نفيا اصليّا او حكما شرعيا وذكر فى مقام نقل مذهب الحنفية انه لا يثبت به حكم شرعى ولم يذكر الشقّ الآخر فدلّ ذلك على انّهم قائلون بحجية الاستصحاب فيه الثانى انّ النفى الاصلى كعدم وجوب الزكاة عند الشكّ فى النصاب على ما مثله به هو المسمى باستصحاب البراءة الاصلية وهو حجة اجماعا عند العامة وعند القدماء من الخاصّة نعم اصل البراءة عندنا ثابت من باب العقل والاخبار لا من باب الاستصحاب وحينئذ فقول العضدى يمكن ان يكون ايرادا على مختصر ابن حاجب ويمكن ان يكون بيانا لمراده وما اورده التفتازانى عليه ليس بوارد على التقديرين كما لا يخفى على من تدبّر.

١٣٩

(قوله وما استظهره التفتازانى لا يخلو ظهوره عن تامل) يمكن ان يكون وجهه ما ذكره فى الفصول من ان الحكم الشرعى فى كلام العضدى عامّ للنفى والاثبات قال بعد نقل كلام العضدى ولكن استفاد التفتازانى من قوله فلا يثبت به حكم شرعى انّ الحنفية انما ينكرون صحته فى اثبات الحكم الشرعى دون نفيه وهو غير واضح لانّ نفى الوجوب والتحريم الشرعيين مثلا ايضا حكم شرعى ولهذا لا يجوز بغير دليل معتبر نعم يتّجه ذلك اذا اريد بالحكم خصوص الخمسة التكليفية والوضعيّة دون مطلق الحكم ولعلّه اوفق باطلاق الحكم انتهى وفيه انّ النفى ليس حكما شرعيّا وإلّا لزاد الاحكام على الخمسة مضافا الى انّ العضدى جعل النفى الاصلى فى مقابل الحكم الشرعى.

(ويمكن) ان يكون وجهه ما اشرنا اليه فى بيان الوجه الثانى من ان مقصود الأصوليّين البحث فى اجراء الاستصحاب فى الحكم الشرعى وعدمه والاستصحاب فى غيره ليس مقصودا بالبحث فعلى هذا يكون كلام العضدى ساكتا عن اجراء الاستصحاب فى غير الحكم نفيا واثباتا عند الحنفية.

(ولكن) حكى صاحب بحر الفوائد عن الشيخ قده فى بيان وجه التامّل فى الظهور انّ العضدى حسبما يفصح عنه عبارته جعل النزاع بين النافى والمثبت فى اعتبار الاستصحاب صغرويّا بمعنى افادته للظنّ بالبقاء وعدمها ومع ذلك كيف يعقل تخصيص خلاف الحنفيّة بالاثبات فانّ دعوى حصول الظنّ من الاستصحاب العدمى دون الوجودى كما ترى هذا مضافا الى ما افاده من التامّل فى امكان التفصيل المذكور على القول باعتباره من باب الظنّ من حيث انّ كل استصحاب وجودى لا ينفك دائما عن استصحاب عدمى يستلزم من الظنّ الحاصل منه الظنّ ببقاء المستصحب الوجودى. (قال بعض الاعلام) من المحشين ان منشأ التامّل وجوه.

(احدها) انّ المراد ليس التفصيل بين الوجودى والعدمى بل المراد بقرينة

١٤٠