درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٥

مع الخلاف وعدم استحالة شمول الصيغة مع الخلاف فهذه دقيقة يجب التنبيه لها ثم قال فان قيل الاجماع يحرم الخلاف فكيف يرتفع بالخلاف اجاب بان هذا الخلاف غير محرم بالاجماع ولم يكن المخالف خارقا للاجماع لان الاجماع انما انعقد على حالة العدم لا على حالة الوجود فمن الحق الوجود بالعدم فعليه الدليل لا يقال دليل صحة الشروع دال على الدوام الى ان يقوم دليل على الانقطاع لانا نقول ذلك الدليل ليس هو الاجماع لانه مشروط بالعدم فلا يكون دليلا عند العدم وان كان نصا فبينه حتى ننظر هل يتناول حال الوجود ام لا.

(قوله لانا نقول ذلك الدليل الخ) قال بعض الاعلام من المحشين ان فى كلامه هذا ايضا شهادة على عدم الفرق فى عدم اعتبار الاستصحاب بين حال الاجماع وغيرها مما يكون مماثلا لها فى عدم الدلالة بالنسبة الى الزمان الثانى فانه لو كان قائلا بحجيته فى غير حال الاجماع لم يكن معنى لمطالبة البيان حتى ينظر فيه هل يتناول حال الوجود ام لا.

(وبالجملة) لا ريب عند الفطن فى ظهور كلامه بل صراحته فيما ذكرنا سيّما بملاحظة السؤال الذى ذكره والجواب عنه فانّهما من اقوى القرائن على ارادة ما ذكرنا وكذا قوله بعد هذا وكذا خبر الشارع من اقوى الدلائل على ما ذكرنا حسبما صرّح به الاستاد العلّامة ايضا وبالجملة كلّ من تامل فى الكلام المحكى عن الغزالى فلا يبقى له الارتياب فى دلالته على كونه من النافين مطلقا وانه لم يرد التفصيل بين حال الاجماع وغيرها نعم التمسّك بالعموم والاطلاق مسلّم عنده لو فرض وجودهما كما هو مسلّم عند جميع المنكرين حسبما يفصح عنه مقالتهم كما لا يخفى على من راجع اليها فلو كان الاستصحاب شاملا عنده لمثل التمسك بالعموم والاطلاق وان لم يدلّ كلامه المذكور عليه اصلا فهو قائل باعتبار استصحاب خارج عن محل النزاع فهو اذا من المنكرين مطلقا ايضا.

٢٦١

(لا يقال) لم ينكروا على من يقول الاصل ان ما ثبت دام الى وجود قاطع فلا يحتاج الدوام الى دليل فى نفسه بل الثبوت هو المحتاج كما اذا ثبت موت زيد أو بناء دار كان دوامه بنفسه لا بسبب لانا نقول هذا وهم باطل لان كل ما ثبت جاز دوامه وعدمه فلا بد لدوامه من سبب ودليل سوى دليل الثبوت ولو لا دليل العادة على ان الميت لا يحيى والدار لا ينهدم الا بهادم أو طول زمان لما عرفنا دوامه بمجرد ثبوته كما لو اخبر عن قعود الامير واكله ودخوله الدار ولم يدل العادة على دوام هذه الاحوال فانا لا نقضى بدوامها وكذا خبر الشارع عن دوام الصلاة مع عدم الماء ليس خبرا عن دوامها مع وجوده فيفتقر فى دوامها الى دليل آخر انتهى ولا يخفى ان كثيرا من كلماته خصوصا قوله اخيرا خبر الشارع عن دوامها مع

(اقول) قوله الى دليل آخر وفى النّهاية بعد ذلك لا يقال ليس مأمور بالشروع فقط بل به والاتمام لانّا نقول انه مأمور بالشروع مع العدم وبالاتمام معه اما مع الوجود فهو المتنازع فيه لا يقال انه منهىّ عن ابطال العمل وفى استعمال الماء ابطال للعمل لانّا نقول هذا دليل غير الاستصحاب مع ضعفه ثم قال لا يقال الاصل انه لا يجب شيء بالشكّ ووجوب استيناف الصلاة مشكوك فيه فلا ندفع به اليقين لانّا نقول انه معارض بانّ وجوب المضىّ فى هذه الصلاة مشكوك فيه وبراءة الذمّة بهذه الصلاة مع وجود الماء مشكوك فيها الى آخر ما نقله فيها عنه ويفهم من ذيله انّ قاعدة عدم دفع اليقين بالشكّ محكمة لو لا المعارضة فتأمل.

(قوله ولا يخفى ان كثيرا من كلماته الخ) اقول منها قوله بخلاف العموم والنص الخ فان فيه شهادة على عدم جريان الاستصحاب فى غير الاجماع ايضا اذا كان مثله فى الاهمال والّا لكان اللّازم ان يقول بخلاف ما اذا كان الدليل غير الاجماع ولا يخصه بالعموم والاطلاق وفيه انه من باب التشبيه بالضدّ حيث انه لما انكر ثبوت

٢٦٢

عدم الماء صريح فى ان هذا الحكم غير مختص بالاجماع بل يشمل كل دليل يدل على قضية مهملة من حيث الزمان بحيث يقطع بانحصار مدلوله الفعلى فى الزمان الاول والعجب من شارح المختصر حيث انه نسب القول بحجية الاستصحاب الى جماعة منهم الغزالى ثم قال ولا فرق عند من يرى صحة الاستدلال به بين ان يكون الثابت به نفيا اصليا كما يقال فيما اختلف كونه نصابا ان الزكاة لم تكن واجبة علينا والاصل البقاء او حكما شرعيا مثل قول الشافعى فى الخارج من غير السبيلين انه كان قبل خروج الخارج منه متطهرا والاصل البقاء حتى يثبت معارض والاصل عدمه انتهى ولا يخفى ان المثال الثانى مما نسب الى الغزالى انكار الاستصحاب فيه كما عرفت من النهاية ومن عبارة الغزالى المحكية عنه فيها.

الحكم فى الزّمان الذى كان ثبوته فى الآن الأوّل بالاجماع اراد ان يبيّن انّ الدليل الدالّ على ثبوت الحكم فى الزمان الثانى انّما هو من قبيل العموم والنص واين هذا من اختصاصه الاستصحاب بمورد العموم والاطلاق ومنها قوله وان كان نصّا فبيّنه الخ وفيه ايضا شهادة على عدم الفرق فى عدم اعتبار الاستصحاب بين حال الاجماع وغيره ممّا يكون مماثلا له فانّه لو كان قائلا بحجيته فى غير حال الاجماع لم يكن معنى لمطالبته البيان حتى ينظر فيه.

(قوله حيث انه نسب القول بحجية الاستصحاب الخ) يعنى مطلقا وقد ذكرنا عبارة شارح المختصر وما ذكره المصنّف هو المستفاد من قوله وقد اختلف فى صحة الاستدلال به لافادته الظنّ وعدمها لعدم افادته ايّاه فاكثر المحققين كالمزنى والصيرفى والغزالى على صحته واكثر الحنفيّة على بطلانه الخ.

(وقد استظهر المحقق القمى) فى القوانين من العبارة المزبورة انّه نسب الحجيّة مطلقا الى الغزالى وذكر انّ المستفاد من عبارة الغزالى عدم الحجّية

٢٦٣

مطلقا لكنّه لم يجتر على مخالفة العلّامة وذكر دليل الغزالى فى مقام التفصيل بين حال الاجماع وغيره بعد نسبة التفصيل اليه بين حال الاجماع وغيره صريحا فى مقام تقسيم الاستصحاب الى اقسام وقبلهما التّفتازانى فى شرح الشرح قال فيه على ان نسبة القول بصحته الى الغزالى فى مسئلة الخارج من غير السبيلين ليس بمستقيم ولا موافق لكلام الاصل يعنى المختصر فانّه جعل هذا البحث مسألتين إحداهما فى استصحاب الحال ونسب القول بصحته سواء كان لأمر وجودى او عدمىّ عقلىّ او شرعىّ الى المزنى والصيرفى والغزالى وغيرهم والاخرى فى استصحاب حكم الاجماع فى محل الخلاف كما فى مسئلة الخارج من غير السبيلين ونسب القول بنفيه الى الغزالى وجعلهما يعنى العضدى هنا مسئلة واحدة انتهى.

(اقول) انه يمكن دفع التعجّب والايراد عن شارح المختصر بانه قد عنون المسألة فى استصحاب الحال حيث قال فى الشرح اقول يعنى استصحاب الحال انّ الحكم الفلانى قد كان ولم يظنّ عدمه وكلّما كان كذلك فهو مظنون البقاء وقد اختلف فى صحة الاستدلال به الخ ونسب القول بحجية استصحاب الحال الى جماعة منهم الغزالى على ما عرفت والمراد به فى اصطلاحهم استصحاب حال غير الاجماع كما يظهر من النهاية حيث جعل عنوان الاستصحاب مسألتين إحداهما استصحاب الحال ونسب القول بحجيته الى جماعة منهم الغزالى ثم عنون استصحاب حال الاجماع ونسب القول بعدم حجيته الى الغزالى ومثله ابن الحاجب فى المختصر على ما نقله عنه فى شرح الشرح على ما عرفت الآن وعلى ما نقله عنه فى شرح الوافية على ما عرفت عن قريب ايضا فقول العضدى فاكثر المحققين كالمزنى والصّيرفى والغزالى وغيرهم على صحته راجع الى ما عنونه وهو استصحاب الحال لا الى مطلق الاستصحاب وانما لم يذكر استصحاب حال الاجماع وانكار الغزالى له اعتمادا على المتن واما مثال الخارج من غير السبيلين فهو مبنىّ على مذهب غير الغزالى كالمزنى والصيرفى وغيرهم لا على مذهبه ايضا او انّ المثال المذكور له جهتان جهة

٢٦٤

ثبوت الطهارة السابقة فيه من الاجماع وجهة ثبوتها فيه من النص والتمثيل فى مقام استصحاب الحال انما هو من الجهة الثانية والتمثيل به فى مقام استصحاب حال الاجماع انما هو من الجهة الاولى فاندفع التعجّب والايراد عن شارح المختصر ويدلّ على ذلك عدم ايراد العضدى على المصنف حيث جعل الغزالى من المنكرين لاستصحاب حال الاجماع فيفهم منه ارتضائه له.

٢٦٥

(ثم) ان السيد صدر الدين جمع فى شرح الوافية بين قولى الغزالى تارة بان قوله بحجية الاستصحاب ليس مبنيا على ما جعله القوم دليلا من حصول الظن بل هو مبنى على دلالة الروايات عليها والروايات لا تدل على حجية استصحاب حال الاجماع واخرى بان غرضه من دلالة الدليل على الدوام كونه بحيث لو علم او ظن وجود المدلول فى الزمان الثانى او الحالة الثانية لاجل موجب لكان حمل الدليل على الدوام ممكنا والاجماع ليس كذلك لانه يضاد الخلاف فكيف يدل على كون المختلف فيه مجمعا عليه كما يرشد اليه قوله والاجماع يضاده نفس الخلاف اذ لا اجماع مع الخلاف بخلاف النص والعموم ودليل العقل فان الخلاف لا يضاده ويكون غرضه من قوله فلا بد لدوامه من سبب الرد على من ادعى ان علة الدوام هو مجرد تحقق الشىء فى الواقع وان الاذعان به يحصل من مجرد العلم بالتحقق فرد عليه بانه ليس الامر كذلك وان الاذعان والظن بالبقاء لا بد له من امر ايضا كعادة

قال السيد صدر الدين ره فى شرح الوافية ثم انك اذا تأمّلت القولين للغزالى اعنى قوله بحجيّة استصحاب الحال وعدم حجيّة استصحاب حال الاجماع قضيت منه العجب لانّ مبنى قوله الثانى انّما هو اصول المنكرين لا استصحاب الحال كقوله فانّا نقول انّما يستدام الحكم الّذي دلّ الدليل على دوامه وكقوله فان ما ثبت جاز ان يدوم وجاز ان لا يدوم فلا بدّ لدوامه من سبب ودليل سوى دليل الثبوت اللهم الّا ان يجمع بين قوليه الى آخر ما نقله المصنف ره.

(وكيف كان) انّ الظّاهر عدم الرّيب فى وجود القائل بالتفصيل المذكور سواء كان هو الغزالى او غيره فالمهمّ بيان الفارق بين ما ثبت بالاجماع وغيره ولعلّه احد وجوه.

(منها) ما افاده السيد صدر الدين من انّ قوله بحجية الاستصحاب فى غير حال

٢٦٦

او امارة او غيره انتهى اقول اما الوجه الاول فهو كما ترى فان التمسك بالروايات ليس له اثر فى كلام الخاصة الذين هم الاصل فى تدوينها فى كتبهم فضلا عن العامة واما الوجه الثانى ففيه ان منشأ العجب من تناقض قوليه حيث ان ما ذكره فى استصحاب حال الاجماع من اختصاص دليل الحكم بالحالة الاولى بعينه موجود فى بعض صور استصحاب حال غير الاجماع فانه اذا ورد النص على وجه يكون ساكتا بالنسبة الى ما بعد الحالة الاولى كما اذا ورد ان الماء ينجس بالتغير مع فرض عدم اشعار فيه بحكم ما بعد زوال التغير فان وجود هذا الدليل بوصف كونه دليلا مقطوع العدم فى الحالة الثانية كما فى الاجماع واما قوله وغرضه من دلالة الدليل على الدوام كونه بحيث لو علم او ظن بوجود المدلول فى الآن الثانى الى آخر ما ذكره.

الاجماع ليس من جهة حصول الظن حتى يكون مطالبا بعدم الفرق بينهما فى حصوله بل من جهة الاخبار وهى مختصّة بغير حال الاجماع.

(وفيه اولا) ان التمسّك بالاخبار ليس فى كلام الخاصّة فضلا عن العامّة وثانيا انّ دعوى اختصاصها بغير حال الاجماع رجم بالغيب.

(ومنها) ما فى كلام السيد ايضا من انّ الحكم الثابت بالنص المجمل يستكشف منه ولو بالامور الخارجية كالغلبة وغيرها ثبوت الحكم فى الزمان الثانى والاجماع ليس كذلك لانّه يضادّ الخلاف فكيف يدلّ على كون المختلف فيه مجمعا عليه والاستصحاب مورده مختصّ بما اذا كان الدليل الدالّ على ثبوت الحكم فى الآن الاول قابلا للدوام والاستمرار لكن طرأ الاجمال المانع عن شموله للآن الثانى وامّا اذا لم يكن كذلك بان لا يمكن استناد الحكم فى الآن الثانى الى الدليل الاوّل كما فى الاجماع فلا يجرى فيه الاستصحاب.

(وفيه) انّ ما ذكره من كون الدليل قابلا للشمول فى الآن الثانى ولو بالقرائن

٢٦٧

الخارجية ان اريد منه امكان شموله للآن الثانى بحسب الدلالة فهو ممنوع فى غير حال الاجماع ايضا اذ قد يكون الدليل فى غير حال الاجماع ساكتا بالنسبة الى الحالة الثانية لا ان يكون الدالّ مجملا كما اذا ورد ان الماء ينجس بالتغيّر مع فرض عدم اشعار فيه بحكم ما بعد الزّوال فانّ دلالة هذا اللفظ على ثبوت الحكم بعد زوال التغيّر معلوم العدم ولو ثبت ثبوته بعد زواله من الغلبة وغيرها وان اريد انّ الحكم المستفاد من الدليل كان قابلا للدوام فى غير الاجماع فنقول انّ ذلك ممّا لا فرق فيه بين الاجماع وغيره لان الاجماع ايضا كاشف عن الحكم الواقعى التابع للمصلحة القابلة للدوام والاستمرار وان كان الاجماع قاصرا عن افادته نعم بينهما فرق بناء على مذهب بعض العامّة من كون الاجماع محدثا للحكم فى مورده اذ لازمه زوال الحكم الواقعى فى الآن الثانى.

(ومنها) ما افاده بعض الاجلّاء من انّ عدم اعتبار الاستصحاب فى حال الاجماع من جهة فقد شرطه وهو بقاء الموضوع.

(قوله اقول اما الوجه الاول الخ) قال فى بحر الفوائد انّ مراده من الخاصة هو الاكثر اذ قد اعترف دام ظله بتمسك جماعة منهم بالاخبار فيما تقدّم من كلامه حتى انه استفاده من كلمات بعض القدماء ايضا فراجع والعجب من السيد انه كيف قال بهذه المقالة مع انّ العامّة لا يعتنون بالاخبار الواردة عن الائمة سلام الله عليهم اجمعين اللهم الّا ان يقال انّ بعضها مروىّ عن امير المؤمنين عليه‌السلام وهم يتمسكون بالاخبار المرويّة عنه عليه‌السلام فتامّل هذا مضافا الى ما ذكره الاستاد من القطع بعدم كون النزاع عند العامّة الّا من حيث العقل والظنّ وليس فى كلامهم اشعار بالتمسك بالرّوايات اصلا انتهى.

(قوله واما الوجه الثانى ففيه ان منشأ العجب من تناقض الخ) اقول لا يخفى ان العبارة يحتاج الى متمّم والتقدير أنّ منشأ العجب انّما هو التناقض فى قولى الغزالى وما ذكره السيد الشارح لاجل الجمع لا يدفع هذا التناقض.

٢٦٨

(قوله فى بعض صور استصحاب حال غير الاجماع) لا يخفى انّه لا بدّ فى جميع صور الاستصحاب ان يكون الدليل بالنسبة الى الزمان الثانى ساكتا بحيث يكون وجود الدليل بوصف كونه دليلا مقطوع الانتفاء فى الحالة الثانية كما فى الاجماع.

(قوله بوصف كونه دليلا مقطوع العدم) اذ لا بدّ فى الدّلالة من النصوصية او الظّهور فمع انتفائهما تنتفى الدّلالة فاذا فرض كونه ساكتا بالنسبة الى الحالة الثانية كيف يكون دليلا عليها.

٢٦٩

ففيه انه اذا علم لدليل او ظن لامارة بوجود مضمون هذا الدليل الساكت اعنى النجاسة فى المثال المذكور فامكان حمل هذا الدليل على الدوام ان اريد به امكان كونه دليلا على الدوام فهو ممنوع لامتناع دلالته على ذلك لان دلالة اللفظ لا بد من سبب واقتضاء والمفروض عدمه وان اريد امكان كونه مرادا فى الواقع من الدليل وان لم يكن الدليل مفيدا له ففيه منع اختصاصه بالاجماع عند العامة الذى هو نفس مستند الحكم لا كاشف عن مستنده الراجع الى النص وجريان مثله فى المستصحب الثابت بالفعل او التقرير فانه لو ثبت دوام الحكم لم يمكن حمل الدليل على الدوام ان هذا المقدار من الفرق لا يؤثر فيما ذكره الغزالى فى نفى استصحاب حال الاجماع لان نفيه لذلك كما عرفت من تمثيله بموت زيد وبناء داره احتياج الحكم فى الزمان الثانى الى دليل او امارة هذا وعلى كل حال فلو فرض

(اقول) انّ الاشكال المذكور يرد على قوله فيما تقدّم من قوله وغرضه من دلالة الدليل على الدوام كونه بحيث لو علم او ظنّ بوجود المدلول فى الآن الثانى الى آخر ما ذكره وحاصل الاشكال انّه اذا علم لدليل او ظنّ لأمارة بوجود مضمون هذا الدليل الساكت اعنى النجاسة فى المثال المذكور فامكان حمل هذا الدليل على الدوام ان اريد به امكان كونه دليلا على الدّوام فهو ممنوع لامتناع دلالته على ذلك لانّ دلالة اللفظ لا بدّ من سبب واقتضاء والمفروض عدمه.

(قوله ففيه منع اختصاصه بالاجماع عند العامة الخ) اقول انّ الاجماع عند العامّة دليل مستقلّ فى قبال الادلة الثلاثة كاشف عن الحكم الواقعى مثلها وليس راجعا الى السنة وحاصل الفرق بين المذهبين فى الاجماع انّ العامة العمياء قائلون بحجية الاجماع من حيث هو اجماع بمعنى انّ الاتفاق حجة من دون ملاحظة شىء معه واما الخاصّة فيقولون انّ الاجماع باعتبار كشفه عن قول المعصوم ورأيه حجة

٢٧٠

كون الغزالى مفصلا فى المسألة بين ثبوت المستصحب بالاجماع وثبوته بغيره فيظهر رده مما ظهر من تضاعيف ما تقدم من ان ادلة الاثبات لا يفرق فيها بين الاجماع وغيره خصوصا ما كان نظير الاجماع فى السكوت عن حكم الحالة الثانية خصوصا اذا علم عدم ارادة الدوام منه فى الواقع كالفعل والتقرير وادلة النفى كذلك لا يفرق فيها بينهما ايضا وكذا لو فرق بينهما بان الموضوع فى النص مبين يمكن العلم بتحققه وعدم تحققه فى الآن اللاحق كما اذا قال الماء اذا تغير نجس فان الماء موضوع والتغير قيد للنجاسة فاذا زال التغير امكن استصحاب النجاسة للماء واذا قال الماء المتغير نجس فظاهره ثبوت النجاسة للماء المتلبس بالتغير فاذا زال التغير لم يمكن الاستصحاب لان الموضوع هو المتلبس بالتغير وهو غير موجود كما اذا فالحجيّة انما هى من جهة المكشوف عنه الرّاجع الى النّصّ لا الكاشف الذى هو نفس الاتفاق فمستند الحكم هو قول المعصوم عليه‌السلام المكشوف عنه لا قول العلماء الكاشف عنه كما حرّر فى محلّه.

(قوله وجريان مثله فى المستصحب الخ) بل فى الدليل اللفظى ايضا اذا كان مهملا فانه لا يمكن ارادة الدوام منه ايضا كما فى الفعل والتقرير بخلاف ما اذا كان مجملا فانه يمكن فيه ذلك كما نبّه على ذلك بعض المحشين.

(قوله ان هذا المقدار الخ) يعنى انّ الفرق بين حال الاجماع وغيرها بامكان ارادة الدّوام من الثانى دون الاوّل لا يوجب الفرق بينهما بجريان الاستصحاب فى الثانى دون الأول لانّ امكان الارادة لا يمكن ان يكون وجها للحجيّة عند احد اذ القائلون بحجية الاستصحاب امّا ان يقولوا بها من باب الظنّ او من باب التعبّد ولم يقل احد بانه حجّة من جهة امكان الارادة لمعلومية عدم مدخلية فيها هذا مضافا الى انّ جعل المناط هو امكان الارادة فى الحجية وعدمه فى عدمها مناف لما جعله

٢٧١

قال الكلب نجس فانه لا يمكن استصحاب النجاسة بعد استحالته ملحا فاذا فرضنا انعقاد الاجماع على نجاسة الماء المتصف بالتغير فالاجماع امر لبى ليس فيه تعرض لبيان كون الماء موضوعا والتغير قيدا للنجاسة او ان الموضوع هو المتلبس بوصف التغير وكذلك اذا انعقد الاجماع على جواز تقليد المجتهد فى حال حياته ثم مات فانه لا يتعين الموضوع حتى يحرز عند ارادة الاستصحاب لكن هذا الكلام جار فى جميع الادلة الغير اللفظية نعم ما سيجىء وتقدم من ان تعيين الموضوع فى الاستصحاب بالعرف لا بالمداقة ولا بمراجعة الادلة الشرعية يكفى فى دفع الفرق المذكور فتراهم يجرون الاستصحاب فيما لا يساعد دليل المستصحب على بقاء الموضوع فيه فى الزمان اللاحق.

الغزالى مناطا لعدمها لانه جعل المناط فى عدم حجية استصحاب حال الاجماع عدم حصول الظنّ من مجرّد الوجود السابق بل لا بدّ فيه من وجود دليل او امارة ومنه يظهر انه لو قال مع ان مناط نفيه الخ فيكون جوابا آخر كان اولى.

(قوله فالاجماع امر لبى ليس فيه تعرض الخ) اقول انّ الامر اللبّىّ لا يتصور فيه اطلاق ولا عموم كما يتصوّر فى الأمر اللفظى فعموم الاجماع واطلاقه انما هو باعتبار عموم معقده واطلاقه ولعلّه المراد من عبارة بعض مشايخ الاعلام من انّ الاجماع على نجاسة الماء المتغيّر قد يتحصّل من اجماع الفتاوى بهذه العبارة مثلا وحينئذ لا اجمال فى الموضوع كما لو كان الدليل لفظيا ووجه ذلك واضح وقد يتحصّل من اتّفاقهم على نجاسة ماء متغير كما لو قالوا هذا نجس ولم يعلم انّ الموضوع لهذا الحكم هو الماء او مع وصف التغيّر فحينئذ يحصل الاجمال بالنسبة الى الموضوع. (ولكن) لما كان متيقّن الوجود فى الآن الأول وبعد زوال التغيّر نشكّ فى

٢٧٢

بقائه لدورانه بين المطلق والمقيّد بالوصف الذاهب نحكم ببقاء ذلك المجمل بالاستصحاب ويترتّب عليه النجاسة وذكر ان المقصود من الاصل هو ابقاء الموضوع على وجه الاجمال لا انّ المقصود منه تعيين انّ الموضوع هو المطلق حتى يقال انه من الاصول المثبتة.

(قوله من ان تعيين الموضوع فى الاستصحاب بالعرف لا بالمداقة الخ) وفيه انّ الرجوع الى العرف انّما هو فى فهم معانى الالفاظ واما فى تشخيص الموضوعات فلا دليل على اعتبار العرف فيها نعم قد يرجع اليهم فى تعيين بعض المصاديق كما لو شك فى اندراج بعض الافراد الخفيّة فى المفاهيم الكلية مثل بعض افراد الغناء او بعض افراد المياه لخفاء فرديّتها الّا انّ الرجوع حينئذ اليهم انّما هو من جهة الشكّ فى معنى ذلك المفهوم الكلّى اعنى الموضوع المستنبط.

(وبالجملة) فالقدر المسلم من اتّباع العرف انّما هو فى معانى الالفاظ والموضوعات المستنبطة وامّا الموضوعات الصرفة فلا دليل على اعتبار العرف فى تشخيصها الّا من باب الشهادة بعد اجتماع شرائطها من العدد والعدالة مضافا الى ما ذكره بعضهم من انّ المصنف لا يلتزم بذلك فى الفقه كما يظهر فى عدّة مواضع من كتابه المكاسب.

(وكيف كان) فالمرجع فى احراز الموضوع فى الاستصحاب على ما ذكره الى العرف ولا شكّ ان العرف يحكمون فى بعض الاحيان بانّ الموضوع المقيّد ببعض القيود هو بعينه عند ارتفاع ذلك القيد كالكرّ الذى نقص منه قليل حيث يحكمون بانّ هذا الناقص هو المتيقّن السابق وبعد احراز الموضوع بالمسامحة العرفيّة يستصحب حكم المتيقن السابق واما اذا كان المدار فى ذلك على المداقّة الفلسفية فلا يجوز الاستصحاب بعد حصول تغير ما واما اذا كان احراز الموضوع بالادلّة الشرعية فلا بدّ من ملاحظة حال الدليل فى اعتبار القيد الذاهب فى الموضوع وعدمه مثلا لو قال الماء المتغيّر نجس يكون القيد قيدا للموضوع ولو قال الماء ينجس اذا تغيّر

٢٧٣

يكون التغيّر ظرفا للحكم والموضوع مطلق الماء لا الماء المقيد بالتغيّر فبعد زوال التغير لو شككنا فى بقاء الحكم وارتفاعه يستصحب ذلك لبقاء الموضوع وهو الماء (قوله يكفى فى دفع الفرق المذكور الخ) وفى بعض النسخ فيكفى بالفاء وعلى العبارة الاولى يكون قوله يكفى خبرا للموصول المذكور وعلى بعض النسخ التى كانت فيه لفظة مع يكون التقدير هو او ما ذكر من الرجوع الى العرف فى تعيين الموضوع يكفى فى دفع الفرق المذكور وعلى الثانى اى فيكفى بالفاء جواب شرط محذوف والتقدير اذا عرفت ما ذكرنا من انّ تعيين الموضوع فى الاستصحاب بالعرف فيكفى الخ.

(ووجه الدفع) انّ تبدّل الموضوع وتغيره بارتفاع قيد من قيوده غير ضائر بعد ما عرفت من جواز التسامح فى العرف ولذا تراهم يجرون الاستصحاب فيما لا يساعد دليل المستصحب على بقاء الموضوع فيه فى الزّمان اللاحق وليس ذلك الّا لاجل المسامحة العرفية ومن هذه الجهة لا فرق بين الاجماع وغيره.

(وقد يقال) انه يمكن نفى الفرق بانّ الاجماع وان كان دليلا لبيا لكنه انّما ينقل باللفظ فحال ذلك اللفظ المنقول به حال النص من غير فرق بينهما.

(وفيه) انّ الكلام فى نفس الاجماع وما ذكره هو معقده وقد ذكرنا سابقا انّ معقد الاجماع حاله حال الادلة اللفظية يمكن فرض الاطلاق والعموم فيه كما يتحقق فيها وهو خارج عن محل النزاع.

٢٧٤

(حجة القول التاسع) وهو التفصيل بين ما ثبت استمرار المستصحب واحتياجه فى الارتفاع الى الرافع وبين غيره ما يظهر من آخر كلام المحقق فى المعارج كما تقدم فى نقل الاقوال حيث قال والذى نختاره ان ننظر فى دليل ذلك الحكم فان كان يقتضيه مطلقا وجب الحكم باستمرار الحكم كعقد النكاح فانه يوجب حل الوطى مطلقا فاذا وجد الخلاف فى الالفاظ التى يقع بها الطلاق فالمستدل على ان الطلاق لا يقع بها لو قال حل الوطى ثابت قبل النطق بها فكذا بعده كان صحيحا فان المقتضى للتحليل وهو العقد اقتضاه مطلقا ولا يعلم ان الالفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء فيثبت الحكم عملا بالمقتضى.

(اقول) قد تقدّم فى نقل الاقوال الواردة فى الاستصحاب انّ القول التاسع هو التفصيل بين الشكّ فى المقتضى والمراد به الشكّ من حيث استعداد المستصحب وقابليّته فى حدّ ذاته للبقاء كالشكّ فى بقاء الليل والنّهار وخيار الغبن بعد الزّمان الاوّل ونحو ذلك فلا يعتبر الاستصحاب فيه وبين الشكّ فى وجود الرّافع كالشكّ فى حدوث البول الناقض للطهارة القابلة للبقاء لو لا الرّافع لها فيعتبر الاستصحاب فيه بجميع اقسامه من غير فرق بين الشبهة الموضوعيّة والحكميّة وهذا التفصيل قد نسبه الشيخ قدّس سره الى ظاهر المعارج وقد اختار هو بنفسه ايضا.

(وكيف كان) انّ الكلام فى هذا القول من المحقق تارة يقع فى فهم مراد قائله من عبارته واخرى فى بيان دليله وثالثا فى بيان الفرق بينه وبين مختار المصنف ره

(اما الاول) فقد مضى فى مقام نقل الاقوال وعند ذكر ادلة المثبتين ان صاحب المعالم قد فهم منه القول بالانكار مطلقا والمصنّف وصاحب الفصول فهما من عبارة المحقق القول بالتفصيل فراجع ثمّة.

(واما الثانى) فنقول انّ دليله يمكن ان يكون احد امور اربع على طريق

٢٧٥

(لا يقال) ان المقتضى هو العقد ولم يثبت انه باق لانا نقول وقوع العقد اقتضى حل الوطى لا مقيدا فيلزم دوام الحل نظرا الى وقوع المقتضى لا دوامه فيجب ان يثبت الحل حتى يثبت الرافع فان كان الخصم يعنى بالاستصحاب ما اشرنا اليه لم يكن ذلك عملا بغير دليل وان كان يعنى امرا آخر وراء هذا فنحن مضروبون عنه انتهى وحاصل هذا الاستدلال يرجع الى كفاية وجود المقتضى وعدم العلم بالرافع لوجود المقتضى وفيه ان الحكم بوجوب الشىء لا يكون إلّا مع العلم بوجود علته التامة التى من اجزائها عدم الرافع فعدم العلم به يوجب عدم العلم بتحقق العلة التامة إلّا ان يثبت التعبد من الشارع بالحكم بالعدم عند عدم العلم به وهو عين الكلام فى اعتبار الاستصحاب.

منع الخلوّ.

(احدها) انّ الشك فى الرافع مجرى اصالة عدم المانع وقد ثبت اعتباره فى محله عقلا ونقلا.

(وثانيها) الاخبار وقد مضى تقريب اختصاصها بالشكّ بالرّافع.

(وثالثها) هما معا على وجه التطابق.

(ورابعها) التفكيك بين الشبهات الموضوعيّة والحكميّة باستفادة اعتباره فى الاولى من الاخبار لتوهّم اختصاص موردها بها وفى الثانية باصالة عدم المانع (واما الثالث) فنقول انّ هذا القول بعينه هو مختار المصنف ومقتضى ذلك عدم عدّه قولا مستقلا فى قباله واذا بنوا على ذلك فالفرق باحد امور افادها فى الفصول وارتضى بعضها المصنف ره منها ابداء الفرق بينهما بحسب المدرك يعنى ان مدرك الاستصحاب عنده هو العقل وعند غيره هو الاخبار وهذا كما ترى غير فارق مضافا الى عدم ترتب ثمرة عمليّة عليه ومنها ان مدرك الاستصحاب عنده متعدّد

٢٧٦

وعند غيره واحد وهذا بظاهره فاسد ولعلّ المراد منه انّ مراد المحقق من المقتضى هو مقتضى الحكم وهو يختلف باختلاف الاحكام ففى النكاح شيء وفى الطلاق شيء آخر وهكذا وفيه مضافا الى انه لا محصّل له فى مقام الفرق انّ ذلك لازم لمذهب المصنف ايضا ومنها انّ مذهبه اعتباره فى خصوص الشبهة الموضوعيّة ويشهد له تمثيله بعقد النكاح بخلاف قول المصنف وهذا الفرق جيّد بذاته الّا انّ غرضه من التمثيل هو مجرد ذكر المثال ويشهد عليه عموم تعليله ومنها انه لا يقول باعتباره فى الموقّتات بخلاف المصنف والفصول ويشهد عليه قول المحقق فان كان يقتضيه مطلقا الخ واعترف الشيخ قده بان ظاهره وان كان ذلك الّا انّ عموم تعليله دخولها ايضا اذا كان الشكّ فى رافعية شيء للحكم قبل مجىء الوقت قلت وكأنهما قد فهما من قول المحقق فان كان يقتضيه مطلقا التأبيد فظنّا خروج الموقّت عن كلامه لكن يمكن ان يكون مراده من قوله هذا هو الاعمّ من زمانى العلم والشكّ يعنى ان اقتضاه مطلقا حتى فى زمان الشكّ وحينئذ ظاهره دخول الموقت ايضا اذا كان الشكّ قبل مجىء الوقت من غير حاجة الى ملاحظة عموم التعليل.

(قوله ننظر فى دليل ذلك الحكم) يستفاد من هذا الكلام ومن المثال وساير كلماته انّ مقصود المحقق التفصيل بين الشكّ فى المقتضى والشك فى الرافع فى الشبهات الحكمية ولا نظر فى كلامه الى الشبهات الموضوعية لكن يفهم من كلماته فى الشرائع فى المواضع المتعدّدة القول بالاستصحاب فى الشبهات الموضوعية ايضا.

(قوله فان كان يقتضيه مطلقا) يعنى كان اقتضائه مطلقا بحيث لا يرتفع فعليته الّا برافع وليس المراد ما قد يتوهّم من انه تمسك بالاطلاق اللفظى وانه خارج عن الاستصحاب المصطلح فالاطلاق هنا غير الاطلاق الذى ينافى الاستصحاب.

(قوله ولم يثبت انه باق) بل عدم بقاء نفس العقد مقطوع به.

(قوله لم يكن ذلك عملا بغير دليل) فانّ الدليل هو المقتضى الذى يكون

٢٧٧

اثره واقتضائه مستمرا الى الرافع فمع عدم العلم به كما هو المفروض يحكم ببقاء اثره بناء على ما قصده قدّس سره من كفاية ذلك فليس فى كلامه التمسك بالعموم والاطلاق كما توهّم.

(قوله إلّا ان يثبت التعبد من الشارع) يعنى لا من العقلاء فانه غير معقول.

٢٧٨

(والاولى) الاستدلال له بما استظهرناه من الروايات السابقة بعد نقلها من ان النقض رفع الاثر المستمر فى نفسه وقطع الشىء المتصل كذلك فلا بد ان يكون متعلقه ما يكون له استمرار واتصال وليس ذلك نقل اليقين لانتقاضه بغير اختيار المكلف فلا يقع فى حيز التحريم ولا احكام اليقين من حيث هو وصف من الاوصاف لارتفاعها بارتفاعه قطعا بل المراد به بدلالة الاقتضاء الاحكام الثابتة للمتيقن بواسطة اليقين لان نقض اليقين بعد ارتفاعه لا يعقل له معنى سوى هذا فحينئذ لا بد ان يكون احكام المتيقن كنفسه مما يكون مستمرا لو لا الناقض هذا ولكن لا بد من التأمل فى ان هذا المعنى جار فى المستصحب العدمى ام لا ولا يبعد تحققه فتأمل.

(اقول) قد يقال انّ الاستدلال بالاخبار انما يتمّ بعد فرض شمولها للشّبهات الحكمية وعدم قصر مؤدّاها بالاستصحاب فى الشبهات الموضوعية مع انه محلّ المناقشة لبعضهم وحينئذ لا يتمّ هذا المذهب الّا بالتمسك باصالة العدم فى الشبهات الحكمية بل سند المحقق لمقالته ليس الّا الاصل واما الأخبار فليس التمسّك بها متداولا عند القدماء وهذا هو الفرق بين مذهب المحقق وبين ما اختاره من المتأخرين من التفصيل بين المقتضى والمانع حيث انّ سندهم هو الأخبار وسنده هو اصل العدم الّذى هو من الاصول العقلائية.

(قوله الاحكام الثابتة للمتيقن) يعنى فيما اذا كان المستصحب من الموضوعات الخارجية اذ لو كان المستصحب نفس الحكم يكون معنى الاستصحاب جعل نفسه فى الزّمان الثانى فى مرحلة الظاهر وانّما اجمله اعتمادا على ما سلف ايضا.

(والمراد بدلالة الاقتضاء) التى هى قسم من اقسام الدّلالة الالتزاميّة هى الدّلالة الّتى تكون مقصودة للمتكلم بحيث يتوقف صدق الكلام او صحته عقلا او شرعا عليه.

٢٧٩

(ثم) ان نسبة القول المذكور الى المحقق قده مبنى على ان مراده من دليل الحكم فى كلامه بقرينة تمثيله بعقد النكاح فى المثال المذكور هو المقتضى وعلى ان يكون حكم الشك فى وجود الرافع حكم الشك فى رافعية الشىء اما لدلالة دليله المذكور على ذلك واما لعدم القول بالاثبات فى الشك فى الرافعية والانكار فى الشك فى وجود الرافع وان كان العكس موجودا كما سيجىء من المحقق السبزوارى.

(اما الاول) فكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع عن امتى تسعة الخطاء والنسيان الخ فان المراد رفع المؤاخذة عنهما والّا لكذب لوجودهما فى الامّة ممّا لا يعدّ ولا يحصى.

(واما الثانى) فكقوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) والتقدير واسأل اهل القرية اذ لو لم يقدّر الاهل لما صحّ الكلام عقلا.

(واما الثالث) فكقول القائل اعتق عبدك عنّى علىّ الف اى مملّكا لى على الف ولو لم يقدّر لم يصح شرعا اذ لا يصح العتق شرعا الّا فى ملك وما نحن فيه من قبيل الثانى اذ لا يصح عقلا النهى عن نقض اليقين بعد عروض الشك اذ لم يبق يقين بعد الشك حتّى يتوجه اليه التكليف بعدم النقض فلا بدّ من تقدير الاحكام الثابتة للمتيقّن بواسطة اليقين فيكون التكليف بعدم النقض صحيحا بالنسبة الى الاحكام المذكورة فتأمّل.

(قوله ولكن لا بد من التأمل الخ) قد ذكرنا فيما تقدم فى مقام التفصيل بين العدمى والوجودى انّه يظهر منه فى غير موضع الجزم بكون الشك فى الاعدام دائما من قبيل الشك فى الرّافع ويظهر منه فى هذا المقام التأمل فى كون الشك فى الاعدام من قبيل الشك فى الرّافع فتكون كلماته مضطربة فى هذا الباب.

(قوله فتأمل) لعلّ وجه التأمّل انّ عدم وجود علّة الوجود ليس مقتضيا للعدم ووجودها رافعا له والّا لصحّ العكس فيكون الشكّ فى الوجودات دائما من

٢٨٠