درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٥

التفريع المذكور هو التفصيل فى الاستصحابات الوجودية بين الآثار الوجودية المترتبة عليها والآثار العدمية.

(وثانيها) انّ المراد هو التفصيل بين الموارد الجزئية والحكم الشرعى الكلى فلا يثبت به الثانى لا التفصيل المذكور.

(وثالثها) ما فى القوانين من ان قول الحنفية بان الاستصحاب لا يثبت به حكم شرعى انما هو من جهة تعارض استصحاب البقاء مع اصالة عدم انتقال المال الى المفقود كما فرضه التفتازانى لا القول بالتفصيل بين الوجودى والعدمى.

(وكيف كان) لا اشكال فى بطلان القول بالتفصيل بين العدمى والوجودى بالاعتبار فى الاوّل وعدمه فى الثانى لان اعتبار الاستصحاب ان كان من حيث الظن واعتباره فهو حاصل فى الوجودى من دون فرق والمفروض هو استصحاب الامر الوجودى مع حصول الظنّ وان كان من حيث التعبد فمن الواضح ان دعوى شمول الاخبار للمستصحبات العدمية دون الوجودية لا وجه لها اصلا مع انّ مورد بعضها هو الامر الوجودى الّا ان يقال بالاوّل وانّ الفرق من حيث انّ العدم شىء واحد مستمر فالمتحقق سابقا يظنّ بتحققه لاحقا بخلاف الوجود فانّه ينحل الى وجودات عديدة فبمجرد تحقّقه سابقا لا يحصل الظن ببقائه فتامّل جيدا.

(وما استظهره التفتازانى) لا يخلو ظهوره عن تأمل لما تقدمت الاشارة اليه فى كلام صاحب بحر الفوائد من انّ عبارة العضدى تفصح عن ان النّزاع بين النافى والمثبت صغروىّ بمعنى انه فى افادة الظن وعدمها ومع ذلك كيف يخصّص خلاف الحنفيّة بالاثبات بان يدّعى حصول الظنّ فى العدمى دون الوجودى هذا مضافا الى ما افاده الشّيخ قده من ان كلّ استصحاب وجودى لا ينفكّ عن استصحاب عدمى.

(قوله وهو ان القول باعتبار الاستصحاب فى العدميات يغنى عن التكلم الخ) لا يخفى انه انما يغنى عنه عند من يقول بحجيّة مطلق الظنّ او الظن الخاص دون من لا يقول بذلك لعدم الملازمة بين اعتبار هذا الظّن فى العدميات

١٤١

واعتبار ظن آخر فيها فضلا عن اعتباره فى الوجوديّات وتضعيفه قده بقوله فيما يأتى واضعف من ذلك الخ لا وجه له لوقوع اختلاف الظنون فى الحجيّة وعدمها فى مورد واحد عند العقلاء فضلا عن الموارد كما يظهر ذلك من حجيّة الظنّ الناشى عن الظهور عندهم فى تعيين المراد وعدم حجيّة ما ينشأ منه فى آخر مما لا دخل له به فتدبر جيّدا.

(قوله واقل ما يكون عدم ضده) المراد بالضدّ هو مطلق ما لا يجتمع مع ما هو ضدّ له بحسب التحقق والصّدق وليس المراد به الامر الوجودى فقط على ما هو مصطلح اهل المعقول.

(قوله لا ينفك عن عدم ما عداه من اضداده) فيلزم من الظّن بعدم ما عداه الظنّ به بعد ملاحظة عدم جواز خلوّ الواقعة عن الحكم الشرعى على ما يدلّ عليه عمومات الاخبار الواردة بان لكل شيء حكما.

(قوله خصوصا بناء على ما هو الظاهر المصرح به الخ) وجه الخصوصية بناء على صغرويّة النزاع هو ان حصول الظنّ ببقاء الموجود من ظن بقاء عدم ضده وجدانى لا يعقل انكاره فاذا كان الوجه فى اعتبار الاستصحاب هو حصول الظنّ ببقاء الحالة السابقة فلا يعقل التّفصيل فيه بين الوجودى والعدمى وهذا بخلاف ما اذا كان النزاع كبرويا فانّه يعقل التفصيل بين الوجودى والعدمى من حيث قيام الدليل على اعتبار الظنّ فى الثانى دون الاول وان كان هذا التخيّل ايضا فاسدا.

(وفى المقام) بحث طويل يحتاج الى التّفصيل والتحقيق لا يسعه هذا المختصر مضافا الى ان الطلّاب والمحصلين فى زماننا لا يرغبون فى التحقيق والتدقيق بل يعتقدون ان العلم بالاصطلاحات يكفى ويشهد على ذلك ان تدريسهم وتدرسهم من الكتب الّتى تشمل على الاصطلاحات ويرغبون عن الكتب الشاملة على التحقيقات وان قلت قلت ولا يقال فانه يقال ويصرفوا هممهم الى الكتب المترجمة باللّغة الفارسية وبذلوا مجهود هم فيها وحبسوا افكارهم وانظارهم عليها وتخيلوا ان درسها شفاء من اسقام الجهالات ويشهد على ما ذكرناه شاهد الحال.

١٤٢

(وبالجملة) فانكار الاستصحاب فى الوجوديات والاعتراف به فى العدميات لا يستقيم بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن نعم لو قلنا باعتباره من باب التعبد من جهة الاخبار صح ان يقال ان ثبوت العدم بالاستصحاب لا يوجب ثبوت ما قارنه من الوجودات فاستصحاب عدم اضداد الوجوب لا يثبت الوجوب فى الزمان اللاحق كما ان عدم ما زيد من افراد الانسان فى الدار لا يثبت باستصحابه ثبوت زيد فيها كما سيجىء تفصيله إن شاء الله تعالى لكن المتكلم فى الاستصحاب من باب التعبد والاخبار بين العلماء فى غاية القلة الى زمان متأخرى المتأخرين مع ان بعض هؤلاء وجدناهم لا يفرقون فى مقارنات المستصحب بين افرادها ويثبتون (ملخص الكلام) اذا قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن فانكار الاستصحاب فى الوجوديات والاعتراف به فى العدميات لا يستقيم.

(نعم) اذا قلنا باعتبار الاستصحاب من باب التعبد من جهة الاخبار فلا بأس من ان يقال انّ ثبوت العدم بالاستصحاب لا يوجب ثبوت ما قارنه من الوجودات فاستصحاب عدم اضداد الوجوب لا يثبت الوجوب فى الزّمان اللّاحق كما انّ عدم ما عدا زيد من افراد الانسان فى الدّار لا يثبت باستصحاب ثبوت زيد فيها على ما يأتى تفصيله إن شاء الله تعالى.

(لكن المتكلم) فى الاستصحاب من باب التعبّد والاخبار بين العلماء فى غاية القلّة الى زمان متأخرى المتأخرين مع ان بعض هؤلاء وجدناهم لا يفرقون فى مقارنات المستصحب بين افرادها ويثبتون بالاستصحاب جميع ما لا ينفك عن المستصحب على خلاف التحقيق الآتى فى التّنبيهات الآتية. (ودعوى) انّ اعتبار الاستصحابات العدمية لعلّه ليس لاجل الظنّ حتى يسرى الى الوجوديات المقارنة بل لبناء العقلاء عليها فى امورهم بمقتضى طبيعتهم.

١٤٣

بالاستصحاب جميع ما لا ينفك عن المستصحب على خلاف التحقيق الآتى فى التنبيهات الآتية إن شاء الله تعالى ودعوى ان اعتبار الاستصحابات العدمية لعله ليس لاجل الظن حتى يسرى الى الوجوديات المقارنة معها بل لبناء العقلاء عليها فى امورهم بمقتضى جبلتهم مدفوعة بان عمل العقلاء فى معاشهم على ما لا يفيد الظن بمقاصدهم والمضى فى امورهم بمحض الشك والتردد فى غاية البعد بل خلاف ما نجده من انفسنا معاشر العقلاء.

(مدفوعة) بانّ عمل العقلاء فى معاشهم على ما لا يفيد الظّن بمقاصدهم والمضى فى امورهم بمحض الشكّ والتّردد فى غاية البعد فانه يشبه الترجيح بلا مرجح الّذى ثبتت استحالته فى محله واما التعبد الواقع فى الشّرعيات فليس من ذلك عند العدليّة القائلين بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد النفس الامريّة لوجود المرجح عند الشارح ونعلم ايضا بوجوده اجمالا لا تفصيلا واما عند الاشاعرة فيمكن ان يكون من ذلك لعدم استحالة التّرجيح بلا مرجّح عندهم على ما نسب اليهم جمع من اهل المعقول فتأمل.

١٤٤

(واضعف) من ذلك ان يدعى ان المعتبر عند العقلاء من الظن الاستصحابيّ هو الحاصل بالشىء من تحققه السابق لا الظن السارى من هذا الظن الى شىء آخر وحينئذ فنقول العدم المحقق سابقا يظن بتحققه لا حقا ما لم يعلم او يظن تبدله بالوجود بخلاف الوجود المحقق سابقا فانه لا يحصل الظن ببقائه لمجرد تحققه السابق والظن الحاصل ببقائه من الاستصحاب المتعلق بالعدمى المقارن له غير معتبر اما مطلقا او اذا لم يكن ذلك الوجودى من آثار العدمى المترتبة عليه من جهة الاستصحاب ولعله المراد بما حكاه التفتازانى عن الحنفية من ان حياة الغائب بالاستصحاب انما يصلح عندهم من جهة الاستصحاب لعدم انتقال ارثه الى وارثه لا انتقال ارث مورثه اليه فان معنى ذلك انهم يعتبرون ظن عدم انتقال مال الغائب الى وارثه لا انتقال مال مورثه اليه وان كان احد الظنين لا ينفك عن الآخر.

(اقول) ان المدّعى هو صاحب الفصول وحاصل ما ذكره من الدعوى هو ان القدر الثّابت من بناء العقلاء على اعتبار الظنّ الحاصل من الاستصحاب انما هو الظن الحاصل من نفس الاستصحاب بلا واسطة وامّا الظن المتولد من الظن الاستصحابيّ فبناء العقلاء على اعتباره غير معلوم فعلى هذا لا ينفع استصحاب العدميات لإثبات الوجوديّات ومرجعه الى التفكيك فى الظنّ الحاصل من الاستصحاب بين الظنّ بالملزوم والظنّ باللازم فى الاعتبار فى الأول دون الثانى.

(قوله وحينئذ فنقول العدم المحقق الخ) هذا من تتمة ما ذكره من الدعوى التى مرجعها الى التفكيك بين الظن بالملزوم والظن باللازم فى الاعتبار فى الأول دون الثانى وليس فى مقام البيان للاضعفيّة ولا من متمّمات اصل الأشكال.

(قوله واضعف من ذلك ان يدعى الخ) وجه الاضعفية اشتماله على دعويين إحداهما حصول الظنّ فى العدمى من جهة ملاحظة تحقّقه السابق وعدم تحقّقه

١٤٥

(ثم) ان معنى عدم اعتبار الاستصحاب فى الوجودى ان عدم الحكم ببقاء المستصحب الوجودى وان كان لترتب امر عدمى عليه كترتب عدم جواز تزويج الامرأة المفقود زوجها المترتب على حياته واما عدم ثبوت الامر الوجودى لاجل الاستصحاب وان كان المستصحب عدميا فلا يترتب انتقال مال قريب الغائب اليه وان كان مترتبا على استصحاب عدم موته ولعل هذا هو المراد بما حكاه التفتازانى عن الحنفية من ان الاستصحاب حجة فى النفى دون الاثبات.

فى الوجودى كذلك وثانيتهما عدم اعتبار الظنّ الحاصل ببقاء الوجودى من جهة الظن الاستصحابيّ المتعلق بالعدمى.

(وجه ضعف) الأولى ان حصول الظن فى العدمى بملاحظة الحالة السابقة امّا من جهة ان ما ثبت دام وامّا من جهة الغلبة ولا شكّ ان هذين الوجهين موجودان فى الوجودى ايضا.

(ووجه ضعف) الثانية ان بناء العقلاء على اعتبار الظنّ اما من جهة كونه من افراد الظن المطلق الذى يكون حجة من جهة دليل الانسداد او قبح ترجيح المرجوح على الراجح او وجوب دفع الضرر المظنون واما من جهة كونه ظنّا خاصا كبنائهم على العمل بالظنّ فى الأمور المستقبلة او ظن السلامة فى المبيع وغيره او العمل بالظهور اللفظى وغير ذلك.

(ومن المعلوم) انه لا يفرق فى المقامين بين ظنّ وظنّ نعم قد يتحقق فى الأول فضلا عن الثانى جهة داعية الى العمل بظن غير موجودة فى ظن آخر فلا يتعدى حينئذ الى ذلك الغير فاذا كان بنائهم على العمل بالظن اذا كان مستفادا من اللفظ من جهة ان التّفهم والتفهيم يكونان غالبا بالالفاظ الغير المفيدة للقطع غالبا او فى كثير من الأوقات فلا يتعدى عنه الى مطلق ما يفيد الظنّ بالمراد ولو كان ظنا خارجيا

١٤٦

غير حاصل من نفس اللفظ وكذلك اذا كان بنائهم على العمل بالظن فى القبلة من جهة جريان شبه دليل الانسداد فيها لا يوجب بنائهم على الظن بالوقت وان كان حاصلا من الظن بالقبلة لعدم جريان مقدمات دليل الانسداد فيه وقد صرح بهذا الشيخ قده فى مباحث دليل الانسداد.

(ففيما نحن) فيه اذا قلنا ببناء العقلاء على اعتبار الظن الاستصحابيّ من جهة كون الغلبة مثلا معتبرة عندهم من باب الظن الخاصّ فلا يفرق عندهم بين الظن الحاصل ابتداء من ملاحظة الحالة السابقة وبين الظنّ الذى يتولّد من هذا الظن وان كان احدهما حاصلا بالذات والآخر حاصلا بالواسطة وكذلك اذا قلنا بحجّية الظنّ الاستصحابيّ عند العقلاء من باب دليل الانسداد الجارى فى الاحكام بناء على تمامية مقدماته فلا يعقل الفرق بين ظنّ وظنّ فافهم.

(قوله ثم ان معنى عدم اعتبار الخ) حاصله انه اما ان يرادان الأمر الوجودى لا يستصحب بخلاف الأمر العدمى وهو القول بالتفصيل واما ان يراد ان الامر الوجودى لا يترتب على استصحاب شيء سواء كان المستصحب وجوديا او عدميا فحينئذ فلا دخل له بالتفصيل المذكور.

(قوله ولعل هذا هو المراد) بل المتعيّن هو هذا المعنى لتصريح التّفتازانى فى مقام نقل مذهبهم بانهم يقولون ان حياة المفقود بالاستصحاب انما يصلح حجّة لبقاء ملكه يعنى عدم انتقاله الى وارثه لا لانتقال ملك مورّثه اليه فان معنى هذه العبارة ان الاستصحاب سواء جرى فى الوجودى او فى العدمى لا يترتّب عليه الّا الأمر العدمى ولا يترتب عليه الأمر الوجودى اصلا ولا يخفى ان هذا لا دخل له بالتفصيل بين الأمر الوجودى وبين الامر العدمى الذى كلامنا فيه فان معنى ذلك التفصيل بين كون المستصحب امرا وجوديّا وبين كونه امرا عدميّا لا التفصيل بين ترتيب الأثر العدمى وان كان المستصحب وجوديا وبين عدم ترتّب الأثر الوجودى وان كان المستصحب عدميّا وقد اشار الى هذا فى بحر الفوائد ايضا.

١٤٧

(وبالجملة) فلم يظهر لى ما يدفع هذا الاشكال عن القول بعدم اعتبار الاستصحاب فى الاثبات واعتباره فى النفى من باب الظن نعم قد اشرنا فيما مضى انه لو قيل باعتباره فى النفى من باب التعبد لم يغن ذلك عن التكلم فى الاستصحاب الوجودى بناء على ما سنحققه من انه لا يثبت بالاستصحاب إلّا آثار المستصحب المترتبة عليه شرعا لكن يرد على هذا ان هذا التفصيل مساو للتفصيل المختار المتقدم ولا يفترق احدهما عن الآخر اذ الشك فى بقاء الاعدام السابقة من جهة الشك فى تحقق الرافع فيستصحب عدمه ويترتب عليه بقاء ذلك الامر الوجودى وتخيل ان الامر الوجودى قد لا يكون من الآثار الشرعية لعدم الرافع فلا يغنى العدمى عن الوجودى مدفوع بان الشك اذا فرض من جهة الرافع فيكون الاحكام الشرعية المترتبة (اقول) قد ظهر ممّا ذكره الشيخ قده الى هنا ضعف ما وجّه به صاحب الفصول القول بذلك التفصيل بعد اعترافه بعدم عثوره على دليل ذكروه وهو انّ استمرار الوجود ينحلّ الى وجودات متعددة فيحتاج فى اثباته فى الزمان الثانى بالاستصحاب الى دليل بخلاف العدم فانه امر واحد مستمرّ وقد اعترف هو ره بضعف ما ذكره.

(قوله لكن يرد على هذا ان هذا التفصيل مساو للتفصيل المختار الخ) حاصله انّ هذا التفصيل مساو للتفصيل المختار المتقدم وهو اعتبار الاستصحاب فى الشك فى الرافع دون المقتضى اذا الشكّ فى بقاء الاعدام ليس الّا من جهة الشك فى تحقّق الرافع لها وهى علة الوجود والشكّ فى بقاء الأمور المستمرة من الموجودات ليس الّا من جهة الشك فى الرافع ولو كان الشّك فى رافعيّة الموجود اذ مرجعه الى الشّكّ فى وجود الرافع فيستصحب عدمه ويترتب عليه بقاء ذلك الامر الوجودى.

١٤٨

على ذلك الامر الوجودى مستمرة الى تحقق ذلك الرافع فاذا حكم بعدمه عند الشك يترتب عليه شرعا جميع تلك الاحكام فيغنى ذلك عن الاستصحاب الوجودى وحينئذ فيمكن ان يحتج لهذا القول اما على عدم الحجية فى الوجوديات فبما تقدم فى ادلة النافين واما على الحجية فى العدميات فبما تقدم فى ادلة المختار من الاجماع والاستقراء والاخبار بناء على ان الشىء المشكوك فى بقائه من جهة الرافع انما يحكم ببقائه لترتبه على استصحاب عدم وجود الرافع لا لاستصحابه فى نفسه فان الشاك فى بقاء الطهارة من جهة الشك فى وجود الرافع يحكم بعدم الرافع فيحكم من اجله ببقاء الطهارة.

(وتوهم) ان الأمر الوجودى قد لا يكون من الآثار الشرعية لعدم الرافع فلا يغنى العدمى عن الوجودى.

(مدفوع) بان المرفوع اذا كان شرعيّا فمعنى الحكم بعدم الرّافع عند الشك هو ترتّب المرفوع واحكامه وان لم يكن المرفوع من آثار العدم وبعبارة اخرى المرفوع اذا كان شرعيا فهو وان لم يكن من آثار ذات المستصحب العدمى الّا انه من آثار عدم الرافع بوصف كونه رافعا.

(وبعبارة اخرى) مقصود المتوهّم انه لا يصح ارجاع احد التفصيلين الى الآخر لان الامر الوجودى اذا كان شرعيا وكذا الرافع كالطهارة والحدث على القول بثبوت الاحكام الوضعيّة يستقيم ما ذكر من كفاية اجراء استصحاب واحد عدمىّ اذ معنى استصحاب عدم الحدث ترتيب الآثار الشرعيّة التى منها الطهارة واما اذا كان كلاهما غير شرعيين كالرطوبة والرّيح المجففة لها فاذا شك فى بقائهما بعد ثبوتهما فى السابق فباستصحاب عدم الريح لا يمكن اثبات الرطوبة لانها ليست اثرا شرعيا له بل لا بدّ من استصحاب آخر فى مقام ارادة ابقاء الرطوبة ولا يكون استصحاب عدم المانع فى مثل المثال المذكور مغنيا عن الاستصحاب الوجودى بل

١٤٩

لا بد من اجراء الاستصحابين فلا يرجع احد التفصيلين الى الآخر.

(والوجه فى دفع) هذا التوهم ان الرطوبة فى المثال وان لم تكن امرا شرعيّا لكن لها احكام شرعية تترتّب على استصحاب عدم الريح من غير حاجة الى اثبات نفس الرطوبة فصح ما ذكر من رجوع احد التفصيلين الى الآخر.

(ويرد على هذا الدفع) ما سيذكره الشيخ قده بقوله ولكن يرد عليه الخ حاصله ان الأمر الوجودى المستمرّ قد يكون من الموضوعات الخارجيّة التى يترتب عليها آثار شرعية كالرطوبة وامثالها فاذا شكّ فى وجود الرافع لها لم يجزان يثبت به الرطوبة حتى يترتب عليه احكامها لما يأتى من ان المستصحب لا يترتب عليه الّا آثاره الشّرعية المترتبة عليه بلا واسطة امر عقلى او عادى فيتعين حينئذ استصحاب نفس الرطوبة ليترتب عليه احكامها واصالة عدم الرافع ان اريد بها اصالة عدم ذات الرافع كالريح المجففة للرطوبة مثلا لم ينفع فى الاحكام المترتبة شرعا على نفس الرطوبة بناء على عدم اعتبار الاصل المثبت كما سيجيء وان اريد بها اصالة عدمه من حيث وصف الرافعية ومرجعها الى اصالة عدم ارتفاع الرطوبة فهى وان لم يكن يترتب عليه الّا الاحكام الشرعيّة للرطوبة لكنّها عبارة اخرى عن استصحاب نفس الرطوبة فالانصاف افتراق القولين فى هذا القسم.

(قوله فبما تقدم فى ادلة النافين الخ) اقول ان ادلّة النافين وان كانت عامّة للعدمى والوجودى كليهما الّا انّا لا نعمل بها فى العدمى لما دلّ على حجية الاستصحاب فيه من الاجماع والاستقراء والأخبار بناء على ان الشيء المشكوك فى بقائه من جهة الرافع انما يحكم ببقائه لترتبه على استصحاب عدم وجود الرافع لا لاستصحابه فى نفسه فان الشاكّ فى بقاء الطهارة من جهة الشكّ فى وجود الرافع يحكم بعدم الرافع فيحكم من اجله ببقاء الطهارة.

١٥٠

(وحينئذ) فقوله عليه‌السلام وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك وقوله عليه‌السلام لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغى لك أن تنقض اليقين وغيرهما مما دل على ان اليقين لا ينقض اولا يدفع بالشك يراد منه ان احتمال طرو الرافع لا يعتنى به ولا يترتب عليه اثر النقض فيكون وجوده كالعدم فالحكم ببقاء الطهارة السابقة من جهة استصحاب العدم لا من جهة استصحابها والاصل فى ذلك ان الشك فى بقاء الشىء اذا كان مسببا عن الشك فى شىء آخر فلا يجتمع معه فى الدخول تحت عموم لا تنقض سواء تعارض مقتضى اليقين السابق فيهما ام تعاضدا بل الداخل هو الشك السببى ومعنى عدم الاعتناء به زوال الشك المسبب به وسيجىء توضيح ذلك هذا ولكن يرد (اقول) قوله وحينئذ وقوله عليه‌السلام والّا فانه على يقين الخ اشارة الى دفع ما قد يورد فى المقام حاصله انه كيف يمكن القول بعدم حجيّة استصحاب الامر الوجودى لاجل الشكّ فى وجود الرّافع والحال انّه المذكور فى مثل هذا الخبر اذ المتيقّن فى السابق هو الطهارة.

(وحاصل الدفع) هو ما ذكره الشيخ قده بقوله يراد منه الخ محصّله انّ المقصود من ذلك هو بيان عدم الاعتناء باحتمال طروّ الرّافع ولا يترتب عليه اثر النقض فيكون وجوده كالعدم فالحكم ببقاء الطهارة السّابقة انما هو من جهة استصحاب العدم لا من جهة استصحابها والسر فى ذلك هو انّ الشك فى بقاء الشىء اذا كان مسببا عن الشكّ فى شىء آخر فاللّازم دخول الشكّ السببى فى اخبار الاستصحاب دون الشكّ المسببى فالشكّ فى بقاء الطهارة مسبب عن الشك فى وجود الرّافع وعدمه فافهم.

(قوله سواء تعارض مقتضى اليقين السابق فيهما ام تعاضدا الخ) يعنى سواء كان مقتضى اليقين فى الشكّ المسببى معارضا لمقتضى اليقين فى الشكّ السببى

١٥١

عليه انه قد يكون الامر الوجودى امرا خارجيا كالرطوبة يترتب عليها آثار شرعيه واذا شك فى وجود الرافع لها لم يجز ان يثبت به الرطوبة حتى يترتب عليه احكامها لما سيجىء من ان المستصحب لا يترتب عليه إلّا آثارها الشرعية المترتبة عليه بلا واسطة امر عقلى او امر عادى فيتعين حينئذ استصحاب نفس الرطوبة واصالة عدم الرافع ان اريد بها اصالة عدم ذات الرافع كالريح المجففة للرطوبة مثلا لم ينفع فى الاحكام المترتبة شرعا على نفس الرطوبة بنا على عدم اعتبار الاصل المثبت كما سيجىء وان اريد بها اصالة عدمه من حيث وصف الرافعية ومرجعها الى اصالة عدم ارتفاع الرطوبة فهى ان لم يكن يترتب عليه الا الاحكام الشرعية للرطوبة لكنها عبارة اخرى عن استصحاب نفس الرطوبة فالانصاف افتراق القولين فى هذا القسم. او معاضدا له.

(مثال الاول) كاستصحاب وجوب المضىّ فى الصّلاة للمتيمم الواجد للماء المعارض باستصحاب الاشتغال.

(ومثال الثانى) كاستصحاب الطهارة السّابقة المتيقّنة واستصحاب عدم وجود الرّافع من بول ونحوه فان استصحاب الطهارة معاضد باستصحاب عدم وجود الرّافع لتلك الطهارة ولا بدّ من تقديم الشكّ السببى ودخوله تحت الاخبار الناهية من غير فرق بين حصول التّعارض بينهما او كونهما متعاضدين وغير ذلك من الامثلة وسيأتى شطر من الكلام فى ذلك فى تعارض الاستصحابين إن شاء الله تعالى.

(قوله ولكن يرد عليه الخ) اقول يمكن الايراد عليه بوجه آخر ايضا وهو انّ اللّوازم المترتّبة على الامر الوجودى المترتب على الاستصحاب العدمى قسمان لوازم شرعية ولوازم عقليّة او عاديّة.

(اما اللوازم الشرعية) كجواز الدخول فى الصلاة فى مثل الطهارة فيمكن اثباتها باستصحاب الرّافع كالحدث فى المثال.

١٥٢

(واما اللوازم العقلية او العادية) فلا يمكن اثباتها به الّا على القول بحجية الاصل المثبت فلا يكون الاستصحاب كافيا فى اثباتها فيبقى الاحتياج الى الاستصحاب الوجودى بحاله ويمكن دفعه بانّ الاصل المثبت الّذى لا يكون حجة هو الذى يثبت اللّوازم العقليّة او العادية الثابتة للواسطة المحمولة عليها كالطهارة فى المثال واما الذى يثبت اللّوازم العقلية او العادية التى يمكن حملها على نفس المستصحب ايضا فلا اشكال فى حجيته وذلك كجواز الدخول فى الصلاة فى المثال فانّه كما يثبت للطهارة يثبت لعدم الحدث ايضا الّا انّ هذا لا يرفع مادّة الايراد فتامّل.

(قوله واصالة عدم الرافع ان اريد بها الخ) اقول انّ الشكّ فى الرّافع على اقسام اربعة الشكّ فى وجود الرّافع والشكّ فى رافعيّة الموجود من جهة الشبهة الموضوعية والشكّ فيها من جهة الشبهة الحكمية والشكّ فى كون الشىء رافعا مستقلا.

(ففى القسم الاول) يجرى استصحاب عدم وجود الرّافع فى نفسه لكونه مسبوقا بالحالة السابقة وفى الاقسام الأخر لا يجرى استصحاب عدم الرّافعية لعدم الحالة السابقة.

(نعم) يمكن اجراء استصحاب العدم فى الاقسام الثلاثة الاخيرة بجعل استصحاب عدم وجود الرّافع شاملا لجميع الاقسام سواء كان الشكّ فى الوجود او فى الرّافعية اذ فى الثانى ايضا يكون الوجود بوصف انّه رافع مشكوكا فيستصحب عدم وجود الرافع بوصف انّه رافع.

(لكن) هذا لا ينفع ولا يمكن الحكم باجراء الاستصحاب مطلقا فى مثل المقام مما كان الامر الوجودى امرا خارجيا لانه لا يمكن ترتيب الاحكام الشرعية للرطوبة مع الشكّ فيها ولا يمكن اثباتها بالاصول العدمية المذكورة لعدم حجية الاصل المثبت هذا.

(قوله فالانصاف افتراق القولين فى هذا القسم) بل مقتضى الانصاف

١٥٣

افتراق القولين فى القسم الاوّل الذى يكون الامر الوجودى امرا شرعيا ايضا كالطهارة فلا يجرى فى كلا القسمين الّا الاستصحاب الوجودى لما عرفت من كون اصل العدم مثبتا فى كلا القسمين فينحصر على ما ذهب اليه الشيخ قده من التفصيل بين الشكّ فى الرّافع والشكّ فى المقتضى جريان الاستصحاب فى الوجودى مطلقا اذا كان من قبيل الشكّ فى الرّافع وفى العدمى اذا كان الحكم الشرعى مترتبا عليه بلا توسّط امر عقلىّ او عادىّ كاستصحاب عدم التذكية لترتب النجاسة وحرمة الاكل عليه وكاستصحاب عدم الموت لترتب بقاء ملكيته ماله ووجوب الانفاق على زوجته وغير ذلك عليه.

١٥٤

(حجة) من انكر اعتبار الاستصحاب فى الامور الخارجية ما ذكره المحقق الخوانسارى فى شرح الدروس وحكاه فى حاشية له عند كلام الشهيد ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه على ما حكاه شارح الوافية واستظهره المحقق القمى قده من السبزوارى من ان الاخبار لا يظهر شمولها للامور الخارجية مثل رطوبة الثوب ونحوها اذ يبعد ان يكون مرادهم بيان الحكم فى مثل هذه الامور الذى ليس حكما شرعيا وان كان يمكن ان يصير منشأ لحكم شرعى وهذا ما يقال ان الاستصحاب فى الامور الخارجية لا عبرة به انتهى وفيه اما او لا فبالنقض بالاحكام الجزئية مثل طهارة الثوب من حيث عدم ملاقاته للنجاسة ونجاسته من حيث ملاقاته لها فان بيانها ايضا ليس من وظيفة الامام عليه‌السلام كما انه ليس وظيفة المجتهد ولا يجوز التقليد فيها وانما وظيفته من حيث كونه مبينا للشرع بيان الاحكام الكلية المشتبهة على الرعية.

(اقول) حجّة من فصّل بين الامور الخارجية وبين الحكم الشرعى بالمعنى الاعمّ من الجزئى والكلى بعدم الاعتبار فى الاول والاعتبار فى الثانى مطلقا ما ذكره المحقّق الخوانسارى قال فى شرح الدروس على ما حكى عنه فى مسئلة الاستنجاء بالأحجار إنّ الاستصحاب ينقسم الى قسمين باعتبار انقسام الحكم المأخوذ فيه الى شرعى وغيره ومثل للاوّل بنجاسة الثوب والبدن وللثّانى بالرطوبة ثم قال وذهب بعضهم الى حجيّته بقسميه وبعضهم الى حجيّة القسم الاوّل.

(ثم) استدلّ للقول الثانى فى حاشية شرح الدروس بمنع حصول الظنّ فى الموضوعات ومنع اعتباره فيها ومنع دلالة الاحبار فانّه لا يظهر شمولها للامور الخارجية مثل رطوبة الثوب ونحوها اذ يبعد ان يكون مرادهم بيان الحكم فى مثل هذه الامور الذى ليس حكما شرعيا وان كان يمكن ان يصير منشأ لحكم شرعى بالعرض ومع

١٥٥

عدم الظهور لا يمكن الاحتجاج فيها وهذا ما يقال من انّ الاستصحاب فى الامور الخارجية لا عبرة به انتهى وهذا هو الّذى استظهره المحقق القمى من السّبزوارى على ما يستفاد من كلام الشيخ قده.

(الحاصل) انّه استدلّ للقول المذكور بوجوه الاوّل انّ بيان حكم الموضوعات الجزئية ليس وظيفة للشارع فيبعد كونها مشمولة للاخبار وجوابه نقضا وحلّا مذكور فى المتن وزيد على الجواب النقضى المزبور فى المتن نقض آخر وهو النقض بسائر القواعد الجارية فى الموضوعات كقاعدة الحلية والطهارة بل بالامارات المعتبرة فيها فانّه اذا لم يكن بيان الموضوع من شأن الشارع لا يفرق بين الاستصحاب وبينها (الثانى) انّ النهى عن النقض لا يصحّ الّا فيما هو من الامور الاختياريّة التى كان ابقائها بيد المكلّف والموضوعات ليس كذلك وجوابه مذكور فى المتن نقضا وحلّا.

(والثالث) انّ معنى استصحاب الموضوع ليس الّا ترتيب آثاره الشرعية عليه وهذه الآثار المترتبة كانت مشاركة مع الموضوع فى اليقين السابق فاستصحابها يغنى عن استصحابه نعم قد يكون الآثار آثارا له فى زمان الشكّ كتوريث الغائب من المورّث الذى اتّفق موته فى زمان الشكّ فى حياته وحينئذ ليس للاثر حالة سابقة كى يستصحب لكنّ الاستصحاب هنا ايضا موجود على وجه التّعليق والحاصل انّ اجراء الاستصحاب فى الآثار تنجيزا او تعليقا يغنينا عن الاستصحاب فى الموضوع (واجاب عنه) فى المتن بما محصّله منضمّا الى ما افاده فى التفصيل السّابق من انّ المرجع فى الامور الوجودية عند الشكّ فى الرّافع هو استصحاب عدم الرّافع اذ الاستصحاب فى الاحكام والآثار المترتّبة على الموضوعات لا مجرى لها مطلقا لا مع الشكّ فى بقاء تلك الموضوعات ولا مع العلم به امّا الاوّل فلما سيأتى من اشتراط بقاء الموضوع وامّا الثّانى فلما عرفت فى التّفصيل السّابق من ان المرجع عند الشكّ فى الرّافع هو استصحاب عدم الرّافع الذى هو من الموضوعات

١٥٦

لا استصحاب بقاء تلك الاحكام لانّ الاوّل اصل فى السّبب والثانى فى المسبب فيقدّم الاوّل فالمرجع فى جميع موارد الشكّ فى الرّافع الذى هو مفاد الاخبار هو الاستصحاب فى الموضوع دون الحكم فافهم.

(قوله فان بيانها ايضا ليس من وظيفة الامام عليه‌السلام) لانّ رفع الشكّ من الحيثية المزبورة لا يكون الّا بان يبيّن الشارع انّ الثوب لاقى النجاسة او لم يلاقها ولا ريب انّ هذا ليس وظيفة للشارع من حيث انه شارع كبقاء الرّطوبة واقعا وعدم بقائها.

(ولا يخفى) انّ بيان الموضوعات الكليّة المستنبطة التى تترتّب عليها احكام كليّة ليس ايضا وظيفة الشارع نعم يستثنى من تلك الموضوعات المخترعة كالصلاة والصوم وغيرهما سواء قلنا بثبوت الحقيقة الشرعية ام قلنا بمجازيّتها فانّ بيانها من وظيفة الشارع كالحكم الشرعى ومثلها الموضوعات التى ليست بيد العرف ويترتّب عليها حكم شرعى كالمسوخ فى مقام ترتيب الاحكام عليها من الطهارة والنجاسة فانّ بيانها ايضا من وظيفة الشارع فتامّل جيدا.

١٥٧

(واما ثانيا) فبالحل توضيحه ان بيان الحكم الجزئى فى المشتبهات الخارجية ليس وظيفة للشارع ولا لاحد من قبله نعم حكم المشتبه حكمه الجزئى كمشكوك النجاسة او الحرمة حكم شرعى كلى ليس بيانه الا وظيفة للشارع وكذلك الموضوع الخارجى كرطوبة الثوب فان بيان ثبوتها وانتفائها فى الواقع ليس وظيفة للشارع نعم حكم الموضوع المشتبه فى الخارج كالمائع المردد بين الخل والخمر حكم الكلى ليس بيانه وظيفة الا للشارع وقد قال الصادق عليه‌السلام كل شىء لك حلال حتى تعلم انه حرام وذلك مثل الثوب يكون عليك الى آخره وقوله عليه‌السلام فى خبر آخر ساخبرك عن الجبن وغيره ولعل التوهم نشاء من تخيل ان ظاهر لا تنقض (اقول) انّه قد تقدّم توضيح الجواب الحلّى اجمالا وتفصيله ان تعرّض الشّارع للشك فى الموضوع على وجهين.

(احدهما) تعرّض الشارع لرفع الشّك عن الموضوع وبيان نفس الموضوع المشتبه وهذا ممّا ليس بيانه من شأن الشّارع بالضّرورة ولكن لم يرد احد من اعتبار الاستصحاب فى الموضوع بحكم الأخبار هذا المعنى بل ولا فى الأحكام الكلية الّتي بيانها من شأن الشارع بل ولا يعقل القول بارادة هذا المعنى اى ازالة الشك عن المشكوك حتى فى الاحكام الكلية حيث ان مفاد الأخبار اثبات الحكم فى موضوع الشك فكيف يعقل رفعها للشك الذى هو جزء لموضوعها فمعنى اعتبار الاستصحاب فى الحكم الكلى ايضا ليس هو جعله واقعا وابقاؤه كذلك فهذا المعنى لا يفرق فيه بين الموضوع والحكم فى عدم كونه مرادا فى كل منهما.

(ثانيهما) بيان الشارع لحكم الشكّ فى الموضوع وانّ الموضوع المشكوك حكمه ما ذا وهذا هو المراد باعتبار الاستصحاب فى الامور الخارجيّة ومن المعلوم ضرورة انّ بيان حكم الشكّ فى الموضوع ليس وظيفة الّا للشارع ضرورة رجوعه

١٥٨

ابقاء نفس المتيقن السابق وليس ابقاء الرطوبة مما يقبل حكم الشارع بوجوبه ويدفعه بعد النقض بالطهارة المتيقنة سابقا فان ابقائها ليس من الافعال الاختيارية القابلة للايجاب ان المراد من الابقاء وعدم النقض هو ترتيب آثارها الشرعية المترتبة على المتيقن فمعنى استصحاب الرطوبة ترتيب آثارها الشرعية فى زمان الشك نظير استصحاب الطهارة فطهارة الثوب ورطوبته سيان فى عدم قابلية الحكم بإبقائهما عند الشك وفى قابلية الحكم بترتيب آثارهما الشرعية فى زمان الشك فالتفصيل بين كون المستصحب من قبيل رطوبة الثوب وكونه من قبيل طهارته لعدم شمول ادلة لا تنقض للاول فى غاية الضعف.

الى بيان الحكم الكلى المجعول للموضوعات الكليّة فكما انّ بيان الحكم الواقعى المجعول للموضوعات الاوّلية ليس بيانه الّا من شأن الشارع كذلك بيان الحكم الظاهرى الكلى المجعول للموضوع المشكوك ليس وظيفة الّا للشارع ضرورة كون كلّ منهما حكما شرعيا كما لا يخفى هذا.

(قوله ولعل التوهم انما نشأ من تخيل الخ) قد يقرّر التوهّم بوجهين الاوّل انّ التكليف لا يتوجّه الّا بما هو فعل اختيارىّ للمكلف وابقاء الرطوبة وامثالها من الموضوعات ليس بيد المكلف لانّ بقائها من جهة وجود علّتها وانتفائها من جهة انتفاء علتها من غير ان يكون لقدرة المكلف واختياره مدخليّة فيهما.

(والثانى) انّ شمول مثل قوله عليه‌السلام لا تنقض للامور الخارجيّة مستلزم امّا لتقدير الآثار وامّا لاستعمال اللفظ فى اكثر من معنى بان يراد به فى الاحكام الشرعية ترتيب نفس الحكم السابق فى مرحلة الظاهر وترتيب آثاره بالنسبة الى الامور الخارجية وامّا لاستعمال مثل لفظ الابقاء والنقض فى عموم المجاز واما للتصرف فى ظاهر الكلام من حيث ظهوره فى نسبة النقض الى نفس المتيقّن لا الى امر آخر

١٥٩

وبعض هذه المحذورات غير جائز وبعضها مرجوح بالنسبة الى التزام التخصيص فى لفظ اليقين والشكّ لما قيل من رجحان التخصيص على جميع اقسام خلاف الظاهر غير التقييد والظّاهر من كلام الشيخ قده استدلالا وجوابا هو الوجه الأوّل من التّقريرين بل كاد ان يكونا صريحين فى ذلك ويتراءى من كلام بعض الاعلام من المحشين فى هذا المقام حمل العبارة سؤالا وجوابا على التقرير الثّانى ولكن لا يخفى بعد هذا الحمل.

(ثم) انّ الجواب عن الوجه الاول هو ما ذكره الشيخ قده نقضا وحلّا والجواب عن الثانى انّا نلتزم بالتصرف فى النسبة وندّعى اختلاف مقتضى النسبة بسبب اختلاف المواضع موضوعا وحكما او نلتزم بعموم المجاز ونمنع كون التخصيص فى المقام اولى فى الصورتين من جهة كون مثل العام المذكور الوارد فى مقام اعطاء الضّابطة الكلية سيما مع ملاحظة اقترانه بقوله ابدا وكونه فى حيّز التعليل آبيا عن التخصيص سيّما مع ملاحظة ورود بعض الاخبار فى الامور الخارجية مثل مكاتبة على بن محمد التى وردت فى يوم الشّك مضافا الى تأيّد ذلك بذهاب المشهور الى التعميم.

(قوله بعد النقض بالطهارة المتيقنة سابقا) الاولى ايراد النقض عليه بالحكم الكلّى المتيقن سابقا ايضا فان ابقائه وعدم ابقائه واقعا ليس ايضا فى حيّز قدرة المكلف واختياره.

(قوله نظير استصحاب الطهارة الخ) قد اورد عليه بعض المحشين بانّ الحكم الوضعى ان كان مجعولا فمعنى استصحاب الطهارة ترتيب نفسها فى مرحلة الظاهر فى الزمان الثانى وبالنسبة الى الشارع جعل نفسها فى مرحلة الظاهر وان لم يكن مجعولا فمعنى استصحابها ترتيب منشأ انتزاعها فى مرحلة الظاهر ومن الشارع جعل منشأ انتزاعها كذلك وعلى التقديرين يفارق استصحاب الطهارة استصحاب الرطوبة الذى مقتضاه ترتيب الآثار انتهى.

١٦٠