درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٦

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٥

ان الدلوك والكسوف ونحوهما كذلك والمقصود من هذا البيان انه ليس فى كلامه دلالة على كون السبب والشرط والمانع لا بدّ من ان يكون من قبيل الطهارة والنجاسة (قوله كحياة زيد ورطوبة ثوبه) اقول خروج مثل ذلك عن كلام الفاضل لاجل ان كلامه فى الاستصحاب المختلف فيه اذا كان حكما شرعيّا حسب ما رامه المصنّف وهذا ليس من ذلك مع انّ الاستصحاب فيه مجمع عليه على ما ادّعاه جمع من الأخباريين لكن قد عرفت سابقا ان ظاهر كلام المنكرين كالسيدين وغيرهما عدم حجية الاستصحاب فيه ايضا فراجع.

(قوله فلا يخفى ان هذه الامور الشرعية الخ) قال فى بحر الفوائد الاولى فى الجواب على هذا التقدير ما ذكره فى مجلس البحث من انّ هذه الامور اذا كانت مسبّبة عن اسباب فلا بدّ من نقل الكلام اليها فيقال انّ حكم الشّارع بسببيتها لها امّا ان يكون دائميا او موقتا الى آخر ما ذكره فلا مجرى للاستصحاب بالنسبة اليها لعين ما ذكره فى طىّ كلامه السابق وهذا الايراد مما لا مدفع له واما ما ذكره فى الكتاب فى جواب الدّعوى فربما يناقش فيه بان نقل ذلك عن الشهيد لا يقتضى بمصيره اليه ثم ان قوله دام ظله فهما اعتباران الخ بيان لما اراده الشهيد ره من كلامه لان من المقطوع عدم ارادته كون النجاسة عين وجوب الاجتناب فهذا تعبير بمنشإ الانتزاع تسامحا كما وقع عن غيره ايضا فى محل البحث.

٢٤١

(ودعوى) ان الممنوع فى كلامه جريان الاستصحاب فى الحكم التكليفى المسبب عن الاسباب الا تبعا لجريانه فى نفس الاسباب مدفوعة بان النجاسة كما حكاه المفصل عن الشهيد ليست إلّا عبارة عن وجوب الاجتناب والطهر الحاصل من التيمم ليس إلّا اباحة الدخول فى الصلاة المستلزمة لوجوب المضى فيها بعد الدخول فهما اعتباران منتزعان من الحكم التكليفى قوله ووقوعه فى الاحكام الخمسة انما هو بتبعيتها الخ قد عرفت وستعرف ايضا انه لا خفاء فى ان استصحاب النجاسة لا يعقل لها معنى الا ترتيب اثرها اعنى وجوب الاجتناب فى الصلاة والاكل والشرب فليس هنا استصحاب للحكم التكليفى لا ابتداء ولا تبعا وهذا كاستصحاب حيوة زيد فان حقيقة ذلك هو الحكم بتحريم عقد زوجته والتصرف فى ماله وليس هذا استصحاب (قوله مدفوعة بان النجاسة) اقول فيه اوّلا ان نقله هذا الكلام من الشهيد ره لا يقتضى مصيره اليه كما تقدمت الاشارة الى ذلك فى كلام بحر الفوائد وثانيا ان مراد الشهيد ره من هذا الكلام ليس كون النجاسة عين وجوب الاجتناب بل تعبير منه بمنشإ الانتزاع تسامحا.

(قوله قد عرفت وستعرف ايضا انه لا خفاء الخ) اقول ليس غرض الفاضل التّونى من اجراء الاستصحاب فى الحكم التكليفى تبعا هو الاستصحاب المصطلح حتى يرد عليه ما ذكر بل مراده هو معناه اللغوى اى الانسحاب بمعنى انّ استصحاب الاسباب والشروط يوجب انسحاب التكليف المسبّب عنهما اذ لا معنى لاستصحاب السبب والشرط الّا ترتيب آثارهما اى المسبب والمشروط ويشهد عليه قوله تبعا ضرورة ان الاستصحاب التبعى ليس له معنى محصّل غير ما ذكرنا من الانسحاب.

(قوله لا يبقى بهذه الملاحظة شك الخ) يعنى فى مرحلة الظاهر والّا فالشك لا يرتفع بجريان الاستصحاب فى الحاكم فى الحقيقة كما لا يخفى وبعبارة اخرى

٢٤٢

لهذا التحريم بل التحقيق كما سيجىء عدم جواز اجراء الاستصحاب فى الاحكام التى يستصحب موضوعاتها لان استصحاب وجوب الاجتناب مثلا ان كان بملاحظة استصحاب النجاسة فقد عرفت انه لا يبقى بهذه الملاحظة شك فى وجوب الاجتناب لما عرفت من ان حقيقة حكم الشارع باستصحاب النجاسة هو حكمه بوجوب الاجتناب حتى يحصل اليقين بالطهارة وان كان مع قطع النظر عن استصحابها فلا يجوز الاستصحاب فان وجوب الاجتناب سابقا عن الماء المذكور انما كان من حيث كونه نجسا لان النجس هو الموضوع لوجوب الاجتناب فما لم يحرز الموضوع فى حال الشك لم يجر الاستصحاب كما سيجىء فى مسئلة اشتراط القطع ببقاء الموضوع فى الاستصحاب.

بجريان الاستصحاب فى الحاكم يرتفع حكم الشكّ فى المحكوم لا نفسه.

٢٤٣

(ثم اعلم) انه بقى هنا شبهة اخرى فى منع جريان الاستصحاب فى الاحكام التكليفية مطلقا وهى ان الموضوع للحكم التكليفى ليس إلّا فعل المكلف ولا ريب ان الشارع بل كل حاكم انما يلاحظ الموضوع بجميع مشخصاته التى لها دخل فى ذلك الحكم ثم يحكم عليه وحينئذ فاذا امر الشارع بفعل كالجلوس فى المسجد مثلا فان كان الموضوع فيه هو مطلق الجلوس فيه الغير المقيد بشيء اصلا فلا اشكال فى عدم ارتفاع وجوبه إلّا بالاتيان اذ لو ارتفع الوجوب بغيره كان ذلك الرافع من قيود الفعل وكان الفعل المطلوب مقيدا بعدم هذا القيد من اول الامر والمفروض خلافه وان كان الموضوع فيه هو الجلوس المقيد بقيد كان عدم ذلك (اقول) الفرق بين الشبهتين مع رجوع كل منهما الى منع جريان الاستصحاب الحكمى لا يكاد ان يخفى لانّ الشبهة التى ذكرها الفاضل التّونى كانت مبنية على وجوب الرّجوع الى الدليل اللفظى عند الشكّ فلا مجرى للاستصحاب من هذه الجهة وهذه الشبهة مبنيّة على كون الشكّ المتحقق دائما من الشك فى الموضوع فلا معنى لجريان الاستصحاب فيه وبينهما فرق آخر وهو انّ الممنوع عند صاحب الشبهة الاولى الرّجوع الى الاستصحاب الحكمى ابتداء ويجوز تبعا ومقتضى هذه الشبهة عدم جريانه مطلقا لا ابتداء ولا تبعا.

(وكيف كان) تفصيل البحث فى الفرق بينهما ان هذه الشبهة غير الشبهة التى ذكرها الفاضل التونى لمنع جريان الاستصحاب فى الحكم التكليفى الرّاجع الى عدم فرض الشكّ الخالى عن الدليل فى الحكم الشرعى حتى يرجع الى الاستصحاب فان هذه الشبهة راجعة الى كون الشك المتحقّق دائما من الشكّ فى الموضوع فلا معنى لجريان الاستصحاب ومحصل الشبهة ان موضوع التكاليف ليس الّا فعل المكلف ولا ريب انّ الحاكم انما يلاحظ الموضوع بجميع مشخصاته ومن جملتها الزمان

٢٤٤

القيد موجبا لانعدام الموضوع فعدم مطلوبيته ليس بارتفاع الطلب عنه بل لم يكن مطلوبا من اول الامر وحينئذ فاذا شك فى الزمان المتأخر فى وجوب الجلوس يرجع الشك الى الشك فى كون الموضوع للوجوب هو الفعل المقيد او الفعل المعرى عن هذا القيد ومن المعلوم عدم جريان الاستصحاب هنا لان معناه اثبات حكم كان متيقنا لموضوع معين عند الشك فى ارتفاعه عن ذلك الموضوع وهذا غير متحقق فيما نحن فيه وكذا الكلام فى غير الوجوب من الاحكام الاربعة الأخر لاشتراك الجميع فى كون الموضوع لها هو فعل المكلف الملحوظ للحاكم بجميع مشخصاته خصوصا اذا كان حكيما وخصوصا عند القائل بالتحسين والتقبيح لمدخلية المشخصات فى الحسن والقبح حتى الزمان.

والشك فى بقاء ذلك الحكم فى الآن اللاحق ليس الّا من جهة زوال ما يحتمل مدخليّته فى الموضوع من المشخصات وحينئذ فالشكّ فى الحكم التكليفى لازم للشك فى الموضوع دائما وسيجيء اشتراط القطع ببقاء الموضوع فى الاستصحاب.

(ودعوى) ان الزّمان كما يصلح ان يكون قيدا للفعل كذلك يصلح ان يكون قيدا للطلب بان يقال التبريد مطلوب فى زمان الصيف على ان يكون الموضوع نفس التبريد والزّمان قيدا للطلب فيجرى الاستصحاب اذا شكّ فى بقائه بعد الصيف للقطع ببقاء الموضوع.

(مدفوعة) بان الزّمان فى الفرض الاخير ايضا قيد للموضوع وتقييد الطّلب به مسامحة فى التعبير ولإبداء الفرق بين الواجب المطلق والمشروط محل آخر وان شئت توضيح هذه الشبهة فقل انه اذا حكم الشارع بحكم لموضوع فلا يخلو اما ان يجرده من جميع الخصوصيات والاحوال حتى الزّمان او يقيده ببعضها سواء كان من الزمان او غيره فان كان الاوّل فلا يعقل الشكّ فى بقائه ابدا اذ مع القطع

٢٤٥

ببقاء الموضوع حسبما هو الفرض لا يعقل الشكّ فى بقاء الحكم فيه وان كان الثانى فما دام تلك الخصوصية موجودة مع الموضوع فلا يعقل الشكّ فى بقاء الحكم وان عدمت فلا يعقل الشّك فى عدمه وان شكّ فى الوجود والعدم فيرجع الى الشكّ فى بقاء الموضوع وان لم يعلم حال كيفية جعل الشارع فمرجعه ايضا الى الشكّ فى بقاء الموضوع وعلى التقادير لا وجه لجريان الاستصحاب.

(قوله) خصوصا اذا كان حكيما لانّ الامر فيه اوضح.

(قوله) وخصوصا عند القائل بالتحسين اذ الامر بناء على مذهبهم اوضح والّا فالاشاعرة لا ينكرون كون القيود راجعة الى الموضوع وانّه علة للمحمول.

(قوله لمدخلية المشخصات فى الحسن والقبح حتى الزمان) وفى المحكى عن بعض انّه قد يقال انّ الزّمان ظرف وليس بقيد لا فى الشّبهات الموضوعيّة ولا فى الشّبهات الحكميّة اجماعا بل ضرورة ولا يدّعى احد انّ لليوم او الغد مدخلية فى الطّهارة والنجاسة ولذا كانت قاعدة الاشتراك مرجعا عند الشكّ فى النسخ بل لا معنى لها الّا عدم مدخليّة الزّمان نعم قد يكون التكليف موقّتا بوقت خاصّ ولا نلتزم بالاستصحاب لو كان الشكّ من جهة الزّمان لا فى الوقت ولا فى خارجه وان كان جاريا لو كان من غير جهة الزّمان من طروّ المزيل او المانع ولكن لا ربط بالزّمان حينئذ (ولكن) لا يخفى ما فيه من انّه لا اشكال فى ان يكون الزّمان من المشخصات فاذا قيّد الموضوع او الحكم بزمان بحيث صار الزّمان من قيودهما وعوارضهما فحينئذ لا ريب فى تبدّلهما بتبدّل الزّمان ولا يجرى الاستصحاب فى امثال المقام وامّا وقوع الزّمان فى بعض الاحيان من الظروف لا من القيود فغير ضائر اذ لا ينفى ذلك كونه قيودا ومن المشخّصات فى بعض الاحيان ودعوى الاجماع لا يخلو عن تامّل.

٢٤٦

(وبه يندفع) ما يقال له انه كما يمكن ان يجعل الزمان ظرفا للفعل بان يقال ان التبريد فى زمان الصيف مطلوب فلا يجرى الاستصحاب اذا شك فى مطلوبيته فى زمان آخر امكن ان يقال ان التبريد مطلوب فى زمان الصيف على ان يكون الموضوع نفس التبريد والزمان قيدا للطلب وحينئذ فيجوز استصحاب الطلب اذا شك فى بقائه بعد الصيف اذ الموضوع باق على حاله فى الحالتين توضيح الاندفاع ان القيد فى الحقيقة راجع الى الموضوع وتقييد الطلب به احيانا فى الكلام مسامحة فى التعبير كما لا يخفى فافهم وبالجملة فينحصر مجرى الاستصحاب فى الامور القابلة للاستمرار فى موضوع (اقول) حاصله انّ ما ذكره من ان الشكّ فى الحكم الشرعى اذا كان موضوعه فعل المكلف فلا يكون الّا من جهة الشكّ فى بقاء موضوعه لقائل ان يقول انّ الشكّ ربّما يكون فى الحكم الشرعى مع القطع ببقاء موضوعه فاذا قيل فى زمان الصيف التّبريد مطلوب لم يكن الشكّ فى مطلوبيّة التبريد فى الشتاء من الشكّ فى بقاء موضوعه لانّ الزمان لم يجعل قيدا للموضوع والمطلوب بل جعل قيدا للطلب ويدفع بانّ قيود الطلب راجع الى المطلوب ضرورة انّ الطالب اذا اخذ شيئا فى طلبه وحكمه فلا بدّ من مدخليّته فى حصول مطلوبه كما هو واضح.

(قوله توضيح الاندفاع الخ) والوجه فى انّ القيد فى الحقيقة يرجع الى الموضوع انّ الامر انما ينتزع من المأمور به والطّلب من المطلوب فانّ الطّالب لا يطلب شيئا الّا بعد ملاحظة جميع اجزائه ومقوّماته وما يعرضه من العوارض الخارجية وبعد حصول المطلوبيّة يتعلّق بها الطلب من الطّالب ولو كان فى المطلوب شيئا غير مقصود للامر فلا يطلب المطلوب بكماله فيكون الطلب بالنسبة الى غير المقصود لغوا وبالجملة انّ هيئة الامر تقتضى طلب ما يفيده المادة مقيّدا او معرّاة مضافا الى انّ المصالح والمفاسد فى الاحكام ترجع بالاخرة الى موضوعاتها.

٢٤٧

وللارتفاع عن ذلك الموضوع بعينه كالطهارة والنجاسة والملكية والزوجية والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك ومن ذلك يظهر عدم جريان الاستصحاب فى الحكم الوضعى أيضا اذا تعلق بفعل الشخص هذا والجواب عن ذلك ان مبنى الاستصحاب خصوصا اذا استند فيه الى الاخبار على القضايا العرفية المتحققة فى الزمان السابق التى ينتزعها العرف من الادلة الشرعية فانهم لا يرتابون فى انه اذا ثبت تحريم فعل فى زمان ثم شك فى بقائه بعده ان الشك فى هذه المسألة فى استمرار الحرمة لهذا الفعل وارتفاعها وان كان مقتضى المداقة العقلية كون الزمان قيدا للفعل وكذلك الاباحة والكراهة والاستحباب.

(وبعبارة اخرى) وجه رجوع القيد مطلقا الى الموضوع ولو كان من قيود الطّلب بحسب القواعد العربيّة بناء على تبعيّة الاحكام لما فى افعال الانام من المصالح والمفاسد واضح فانّ تفاوت الافعال بحسب المصلحة والمفسدة بمراتبهما ليس الّا لتفاوتها بحسب الذات او العوارض اللّاحقات له فلا يكون اتّصافها بهما بسبب له من خارج بل لا سبب له غير الموضوعات كما هو الحال فى حكم العقل بالحسن والقبح ايضا كما لا يخفى ولا وجه له بناء على تبعيّتها للحكم والمصالح فى نفس الاحكام فانّ عروضها على موضوعاتها وانتفائها بحسب اقتضاء علتها مع بقاء موضوعاتها بعينها وبشخصها كما هو الحال فى الاعراض وموضوعاتها فتامّل جيّدا.

(قوله فافهم) لعلّه اشارة الى ضعف ما ذكره من جهة انّ الاغراض تختلف بارادة التقييد او تعدّد المطلوب كما فى الاوامر بالنّسبة الى المرّة والفور وغيرهما وبه يختلف الاحكام فلا وجه لما ذكر.

(قوله وبالجملة فينحصر مجرى الاستصحاب فى الامور الخ) اقول بيان ذلك انّ الشكّ فى الموضوع الخارجى او الحكم الوضعى الذى موضوعه غير

٢٤٨

فعل المكلّف يكون لا محالة فى بقاء المحمول مع القطع ببقاء موضوعه فانّ الشكّ فى بقاء حيوة زيد ورطوبة ثوبه ونجاسة بدنه مثلا فى الزّمان الثانى لا يكون من جهة الموضوع فانّ الموضوع فى الاوّل نفس الماهيّة وفى الثانى والثالث نفس الثوب والبدن والمفروض القطع ببقائها فى الزّمان الثانى.

(قوله فى الحكم الوضعى ايضا) كالصحة والفساد المتعلّقين بالبيع والصلح وغيرهما وسببيّتها لملك العين او المنفعة وغير ذلك.

(قوله ان مبنى الاستصحاب خصوصا الخ) الوجه فى الخصوصيّة احتمال كون مبنى الاستصحاب على المداقّة العقليّة على تقدير كونه من باب العقل بخلاف ما اذا كان من باب الاخبار بل قد عرفت من المصنف فى باب تقسيم المستصحب الى الحكم العقلى وغيره الفرق بين كون الاستصحاب من باب الاخبار وبين كونه من باب الظن ببناء الاوّل على المسامحة العرفيّة دون الثانى فما ذكره هنا مناف له.

(وكيف كان) انّ الوجه هو ما ذكره هنا من الرّجوع الى العرف مطلقا لانّ القائلين بحجيّة الاستصحاب من باب الظنّ المصرّحين بحرمة العمل بالقياس لا بدّ لهم من الفرق بينهما بوحدة الموضوع فى الاوّل وتعدّده فى الثانى ولمّا كان الحكم بالوحدة مع الرّجوع الى الدقة العقلية متعذّر فى الاستصحاب فلا بدّ من الرّجوع الى العرف فى احراز موضوعه ووحدته والرّجوع اليه يحرز بقاء الموضوع فى جميع موارد الشكّ فى الرّافع وفى بعض موارد الشكّ فى المقتضى ولا يلزم من ذلك القول بحجيّة الاستصحاب مطلقا حتى فى موارد الشكّ فى المقتضى الذى احرز موضوعه بالعرف لوجود المانع من جهة لفظ النقض او غيره ممّا عرفت من المصنف وغيره.

٢٤٩

(نعم) قد يتحقق فى بعض الواجبات مورد لا يحكم العرف بكون الشك فى الاستمرار مثلا اذا ثبت فى يوم وجوب فعل عند الزوال ثم شككنا فى الغد انه واجب اليوم عند الزوال فلا يحكمون باستصحاب ذلك ولا يبنون على كونه مما شك فى استمراره وارتفاعه بل يحكمون فى الغد باصالة عدم الوجوب قبل الزوال اما لو ثبت ذلك مرارا ثم شك فيه بعد ايام فالظاهر حكمهم بان هذا الحكم كان مستمرا وشك فى ارتفاعه فيستصحب ومن هنا ترى الاصحاب يتمسكون باستصحاب وجوب التمام عند الشك فى حدوث التكليف بالقصر وباستصحاب وجوب العبادة عند شك المرأة فى حدوث الحيض لا من جهة اصالة عدم السفر الموجب للقصر وعدم الحيض المقتضى لوجوب العبادة حتى يحكم بوجوب التمام لانه من آثار عدم السفر الشرعى الموجب للقصر و (اقول) قد يوجد مورد فى بعض الواجبات انّ العرف لا يحكم بكون الشكّ فى الاستمرار كما اذا ثبت فى يوم وجوب فعل عند الزوال ثم شكّ فى الغد أنه واجب اليوم عند الزوال فلا يحكم العرف باستصحاب ذلك ولا يبنون على كونه ممّا شك فى استمراره وارتفاعه بل يحكمون فى الغد باصالة عدم الوجوب قبل الزوال.

(واما لو ثبت) وجوب فعل مرارا ثم شك فيه بعد ايّام فالظّاهر حكمهم بان هذا الحكم كان مستمرا وشك فى ارتفاعه فيستصحب والوجه فى حكمهم انّما هو الانتقال الى وجود المقتضى للحكم المذكور فى الوقت المزبور عن تكرار الطلب عنده فيرجع حكمهم بالاستمرار الى حكمهم باستمرار هذا المقتضى والّا فلو فرض كون ثبوت الحكم فى كل مرة مستندا الى مقتضى مستقل فنمنع من حكمهم بالاستمرار المعتبر فى باب الاستصحاب.

(ومن هنا ترى الاصحاب) يتمسكون باستصحاب وجوب التمام عند الشك فى حدوث التكليف بالقصر وباستصحاب وجوب العبادة عند شك المرأة فى حدوث

٢٥٠

بوجوب العبادة لانه من آثار عدم الحيض بل من جهة كون التكليف بالتمام وو بالعبادة عند زوال كل يوم امرا مستمرا عندهم وان كان التكليف يتجدد يوما فيوما فهو فى كل يوم مسبوق بالعدم فينبغى ان يرجع الى استصحاب عدمه لا الى استصحاب وجوده.

(والحاصل) ان المعيار حكم العرف بان الشيء الفلانى كان مستمرا فارتفع وانقطع وانه مشكوك الانقطاع ولو لا ملاحظة هذا التخيل العرفى لم يصدق على النسخ انه رفع للحكم الثابت او لمثله فان عدم التكليف فى وقت الصلاة بالصلاة الى القبلة المنسوخة دفع فى الحقيقة للتكليف لا رفع ونظير ذلك فى غير الاحكام الشرعية ما سيجىء من اجراء الاستصحاب فى مثل الكريه وعدمها وفى الامور التدريجية المتجددة شيئا فشيئا وفى مثل وجوب الناقص بعد تعذر بعض الاجزاء فيما لا يكون الموضوع فيه باقيا إلّا بالمسامحة العرفية كما سيجىء ان شاء الله تعالى.

الحيض لا من جهة اصالة عدم السفر الموجب للقصر وعدم الحيض المقتضى لوجوب العبادة حتى يحكم بوجوب التمام لانه من آثار عدم السفر الشرعى الموجب للقصر وبوجوب العبادة لانه من آثار عدم الحيض بل من جهة كون التكليف بالتمام وبالعبادة عند زوال كل يوم امرا مستمرا عندهم وان كان التكليف يتجدد يوما فيوما فهو فى كل يوم مسبوق بالعدم فينبغى ان يرجع الى استصحاب عدمه لا الى استصحاب وجوده (قوله لانه من آثار عدم السفر) هذا بناء على كون الحضور هو عدم السفر فباستصحاب عدمه يترتب عليه حكم الحضور واما بناء على كون الحضور لازما عقليا لعدم السفر وكون الحكم حكما له لا لعدم السفر فيكون الاصل مثبتا.

(قوله ولم يصدق على النسخ انه رفع للحكم الثابت او لمثله) اقول ان الترديد من جهة اختلافهم فى تعريف النسخ فذهب بعض الاشاعرة الى انه رفع

٢٥١

للحكم الثابت والمعتزلة الى انه رفع لمثل الحكم الثابت والمراد بالحكم الثابت هو الثابت لو لا النسخ بحسب الظاهر لعدم جواز البداء على الله تعالى ونظر المعتزلة حيث زادوا لفظ المثل ان الحكم السّابق الذى عمل به فى برهة من الزمان لا يكون قابلا للرّفع والازالة فالمراد أنّه لو لا النسخ لكان مثل الحكم السابق ثابتا فى الازمنة المتأخّرة ولما جاء النسخ علم بعدم ثبوته فيها واتفقوا على انه لا بدّ فى النسخ من ان يكون اللفظ الدالّ على الحكم السابق ظاهرا فى الاستمرار اذ لو كان موقتا او محدودا لانقضى بانقضاء وقته وبلوغ اجله ولا يصدق عليه النسخ وكيف كان انّ النسخ فى اللغة الازالة وفى الاصطلاح هو رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخّر على وجه لولاه لكان ثابتا والنسخ عند الاماميّة كاشف عن عدم وجود المقتضى للحكم بالنسبة الى الوقت المنسوخ فيه لا ان يمنع عن وجوده فيه مع ثبوت نقيضه حتّى يكون رافعا فما ذكره قده فى المقام مبنىّ على المسامحة فتأمل هذا مجمل الكلام فى النسخ وتفصيل البحث عنه تحقيقا فى محلّ آخر إن شاء الله تعالى.

(قوله وفى الامور التدريجية) كالزّمان والزمانيات.

(قوله وفى مثل وجوب الناقص) كاستصحاب وجوب باقى اجزاء المركب بعد تعذّر بعضها فان المقصود منه اثبات الوجوب النفسى لباقى الاجزاء بعد تعذّر بعضها مع ان الوجوب النفسى كان متعلقا بالكلّ عند تيسره وسيذكر الشيخ قدّس سره فى التنبيه الحادى عشر وجوها ثلاثة فى تقرير الاستصحاب فى فرض المزبور.

٢٥٢

(حجة القول الثامن) وجوابها يظهر بعد بيانه وتوضيح القول فيه فنقول قد نسب جماعة الى الغزالى القول بحجية الاستصحاب وانكارها فى استصحاب حال الاجماع وظاهر ذلك كونه مفصلا فى المسألة وقد ذكر فى النهاية مسئلة الاستصحاب ونسب الى جماعة منهم الغزالى حجيته ثم اطال الكلام فى ادلة النافين والمثبتين ثم ذكر عنوانا آخر لاستصحاب حال الاجماع ومثل له بالمتيمم اذا راى الماء فى اثناء الصلاة وبالخارج من غير السبيلين من المتطهر ونسب الى الاكثر ومنهم الغزالى عدم حجيته إلّا ان الذى يظهر بالتدبر فى كلامه المحكى فى النهاية هو انكار الاستصحاب المتنازع فيه رأسا وان ثبت المستصحب بغير الاجماع من الادلة المختصة دلالتها بالحال الاول المعلوم انتفائها فى الحال الثانى فانه قد يعبر عن جميع ذلك باستصحاب حال الاجماع كما ستعرف فى كلام الشهيد وانما المسلم عنده استصحاب عموم النص أو اطلاقه الخارج عن محل النزاع بل عن (اقول) قد تقدّم فى نقل الاقوال الواردة فى الاستصحاب ان القول الثامن هو التفصيل بين ما ثبت بالاجماع وغيره فلا يعتبر فى الاوّل ويعتبر فى الثانى قال الشيخ قدس‌سره فى تقسيم الاستصحاب باعتبار الدليل الدالّ على المستصحب ما لفظه احدها من حيث انّ الدليل المثبت للمستصحب اما ان يكون هو الاجماع واما ان يكون غيره وقد فصّل بين هذين القسمين الغزالى فانكر الاستصحاب فى الاول انتهى.

(ولكن) الشيخ قده قد رجع عن ذلك فى المقام حيث قال الّا ان الذى يظهر بالتّدبر فى كلامه المحكى فى النهاية يعنى كلام الغزالى هو انكار الاستصحاب المتنازع فيه رأسا وان ثبت المستصحب بغير الاجماع. (وكيف كان) قد اختلفت كلماتهم فى النسبة قد نسب جماعة الى الغزالى

٢٥٣

حقيقة الاستصحاب حقيقة فمنشأ نسبة التفصيل اطلاق الغزالى الاستصحاب على استصحاب عموم النص او اطلاقه وتخصيص عنوان ما انكره باستصحاب حال الاجماع وان صرح فى اثناء كلامه بالحاق غيره مما يشبهه فى اختصاص مدلوله بالحالة الاولى به فى منع جريان الاستصحاب فيما ثبت كما ستعرف فى كلام الشهيد قال فى الذكرى بعد تقسيم حكم العقل الغير المتوقف على الخطاب على خمسة اقسام ما يستقل به العقل كحسن العدل والتمسك باصل البراءة وعدم الدليل دليل العدم والاخذ بالاقل عند فقد دليل على الاكثر الخامس اصالة بقاء ما كان ويسمى استصحاب حال الشرع وحال الاجماع فى محل الخلاف مثاله المتيمم الخ واختلف الاصحاب فى حجيته وهو مقرر فى الاصول انتهى.

القول بحجيّة الاستصحاب اى استصحاب الحال وانكارها فى استصحاب حال الاجماع وظاهر ذلك كونه مفصلا فى المسألة وان كان ربما ينسب الى الغزالى النفى المطلق مطلقا والاصل فى هذا النقل هو العلّامة فى النّهاية على ما ستعرف عن قريب ومثله ابن الحاجب فى المختصر على ما حكاه عنه فى شرح الوافية والتفتازانى فى شرح الشّرح.

(وقد ذكر) فى النهاية مسئلة الاستصحاب يعنى استصحاب الحال قال فى النهاية اختلف الناس فى استصحاب الحال هل هو حجة ام لا فذهب اكثر الحنفية وجماعة من المتكلمين كابى الحسين البصرى والسيد المرتضى وغيرهما الى انه ليس بحجية وذهب جماعة من الشافعية كالمزنى والصيرفى والغزالى وغيرهم الى انّه ليس حجة ثم قال بعد كلام طويل البحث الثانى فى حكم استصحاب الاجماع فى محلّ الخلاف اختلف الناس فيه فقال الاكثرون انه ليس بحجة وبه قال الغزالى وقال آخرون انه حجة ومثل له بالمتيمم اذا وجد الماء فى اثناء الصلاة وبالخارج من

٢٥٤

غير السبيلين لا يقال القول بصحة الصلاة وثبوت الطهارة فى محلّ النزاع لا بد له من دليل وليس نصا ولا قياسا ولا اجماعا لعدم وجوده فى محل الخلاف لانّا نقول سلمنا انه لا بد له من دليل لكن لا نسلم انحصار الدّليل فى النص والقياس والاجماع الّا اذا ثبت ان الاستصحاب ليس دليلا وهو نفس النزاع سلمنا ان الاستصحاب ليس دليلا بنفسه لكنه قد دلّ الدليل على الحكم بالبقاء لما تقدّم فى مسئلة الاستصحاب من وجود غلبة الظنّ ببقاء كل ما كان متحققا على حاله.

(قوله المعلوم انتفائها فى الحال الثانى) يعنى ان انتفاء الدلالة فى الزمان الثانى معلوم بالوجدان وان امكن كونه مرادا كذلك اذ لو لم ينتف الدلالة فى الزمان الثانى او علم بعدم كونه مرادا كذلك لا يكون من الاستصحاب فى شيء.

(قال فى الذكرى) الأصل الرابع دليل العقل وهو قسمان الاول قسم لا يتوقف على الخطاب وهو خمسة.

(الاول) ما يستفاد من قضية العقل كوجوب قضاء الدين ورد الوديعة.

(الثانى) التمسك باصل البراءة عند عدم دليل وهو عام الورود فى هذا الباب الى ان قال ويسمى استصحاب حال العقل وقد نبّه عليه فى الحديث بقولهم عليهم‌السلام كل شىء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه وشبه هذا

(والثالث) عدم الدليل دليل العدم.

(والرابع) الاخذ بالاقلّ عند فقد دليل على الاكثر.

(الخامس) اصالة بقاء ما كان المسمّاة باستصحاب حال الشرع وحال الاجماع ولا يختص كون المستصحب ثابتا بالاجماع بل لو ثبت به وبغيره من الادلة الشّرعية المختصة دلالتها بالحال الاول الساكتة فى الحال الثانى ايضا يسمى باستصحاب حال الاجماع لانه اصطلاح معروف بين كثير من ارباب هذا الفنّ والغزالى يعبر عن جميع ذلك باستصحاب حال الاجماع كما لا يخفى.

(وقال السيد الكاظمى ره) فى شرح الوافية ان الاستصحاب ينقسم الى اربعة اقسام.

٢٥٥

(الاول) استصحاب حال العقل.

(الثانى) استصحاب حال الشرع.

(الثالث) استصحاب حكم الشرع وهو استصحاب حكم حكم به الشارع عند الشكّ فى نسخه الرابع استصحاب ما لا يدور ثبوته على حكم العقل ولا على حكم الشرع كاستصحاب حيوة زيد وصحته وسقمه واستصحاب الحقيقة والعموم والاطلاق وغير ذلك.

(وجملة الامر) فى التسمية ان استصحاب الحال قد يطلق على الجميع وقد يخص بما عدا استصحاب حكم الاجماع كما وقع لابن الحاجب واستصحاب حال العقل يخصّ باستصحاب البراءة ونحوه وبالجملة استصحاب العدم واستصحاب حال الشرع قد يطلق على ما عدا استصحاب حال العقل كما وقع فى الذكرى وقد يخصّ باستصحاب حال الاجماع المخصوص بما عرفت ثم قال فى مقام آخر فلم يبق الاستصحاب حال الشرع المسمى باستصحاب حكم حال الاجماع وقال فى موضع آخر وابن الحاجب جعل الاستصحاب ضربين استصحاب الحال ونسب القول بصحته الى المزنى والصيرفى والغزالى وغيرهم سواء كان لامر وجودى او عدمى عقلى او شرعى واستصحاب حكم الاجمال فى محل الخلاف كما فى مسئلة الخارج من غير السبيلين ونسب القول بنفيه الى الغزالى.

(وكيف كان) الظاهر ان اقاويل العامّة فيه ثلاثة القول بحجيته على الاطلاق والقول بعدم الحجية على الاطلاق وهو الذى حكاه الشّيخ عن كثير من اصحاب ابى حنيفة وغيرهم واكثر المتكلمين والظاهر انه فى غير الموضوعات بل لا يبعد ان يكون فى استصحاب حكم الاجماع فانه ذكر مثال واجد الماء فى الاثناء وعقبه بذكر الخلاف والثالث التفصيل بالحجية فيما عدى استصحاب حكم الاجماع وعدمها فيه وهو المحكى عن الغزالى.

٢٥٦

ونحوه ما حكى عن الشهيد الثانى فى مسئلة ان الخارج من غير السبيلين ناقض ام لا وفى مسئلة المتيمم الخ وصاحب الحدائق فى الدرر النجفية بل استظهر هذا من كل من مثل لمحل النزاع بمسألة المتيمم كالمعتبر والمعالم وغيرهما ولا بد من نقل عبارة الغزالى المحكية فى النهاية حتى يتضح حقيقة الحال قال الغزالى على ما حكاه فى النهاية المستصحب ان اقر بانه لم يقم دليلا فى المسألة بل قال انا ناف ولا دليل على النافى فسيأتى بيان وجوب الدليل على النافى وان ظن اقامة الدليل فقد أخطأ فانا نقول انما يستدام الحكم الذى دل الدليل على دوامه فان كان لفظ الشارع فلا بد من بيانه فلعله يدل على دوامها عند عدم الخروج من غير السبيلين لا عند وجوده وان دل بعمومه على دوامها عند العدم والوجود معا كان ذلك

(اقول) قال الشهيد الثانى فى تمهيد القواعد استصحاب الحال حجة عند اكثر المحققين وهو اربعة اقسام.

(احدها) استصحاب النفى فى الحكم الشرعى الى ان يرد دليل وهو المعبّر عنه بالبراءة الاصليّة.

(وثانيها) استصحاب العموم الى ان يرد مخصّص وحكم النصّ الى ان يرد ناسخ.

(وثالثها) استصحاب ما ثبت شرعا كالملك عند وجود سببه وشغل الذمّة عند اتلاف او التزام الى ان يثبت رافعه.

(رابعها) استصحاب حكم الاجماع فى موضع النزاع كما يقال الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء للاجماع على انه متطهر قبل هذا الخارج وكما يقال فى المتيمّم اذا وجد الماء فى اثناء الصلاة لا ينقض تيممه للاجماع على صحة صلاته قبل وجوده فيستصحب الى آخر ما ذكره ومثل عبارة الشهيد الثانى عبارة صاحب

٢٥٧

تمسكا بالعموم فيجب اظهار دليل التخصيص وان كان بالاجماع فالاجماع انما انعقد على دوام الصلاة عند العدم دون الوجود ولو كان الاجماع شاملا حال الوجود كان المخالف له خارقا للاجماع كما ان المخالف فى انقطاع الصلاة عند هبوب الرياح وطلوع الشمس خارق للاجماع لان الاجماع لم ينعقد مشروطا بعدم الهبوب وانعقد مشروطا بعدم الخروج وعدم الماء فاذا وجد فلا اجماع فيجب ان يقاس حال الوجود على حال العدم المجمع عليه لعلة جامعة فاما ان يستصحب الاجماع عند انتفاع الجامع فهو محال وهذا كما ان العقل دل على البراءة الاصلية بشرط عدم دليل السمع فلا يبقى دلالة مع وجود دليل السمع وكذا هنا انعقد الاجماع بشرط العدم فانتفى الاجماع عند الوجود.

الحدائق فى الدرر النجفيّة الّا انه قال ورابعها اثبات حكم فى زمان لوجوده فى زمان سابق عليه وهذا هو محلّ الخلاف انتهى ولا يخفى عدم دلالة كلام صاحب الحدائق على ما ذكره المصنف وفى دلالة كلام الشهيد الثانى ايضا كلام.

(قوله بل قال انا ناف) يعنى انا ناف لكون الحكم فى الزّمان الثانى على خلاف الحكم الثّابت فى الزمان الاول او ناف لوجوب النقض او ناف للرّافع وعلى الأخير يكون محطّ نظره الشكّ فى الرافع.

(قوله على دوامها) اى الصلاة لما سيأتى.

(قوله وان دل بعمومه على دوامها عند العدم والوجود معا الخ) اقول مراده قدس سرّه من هذا الكلام بل صريحه على ما ادّعاه بعض الاعلام انه لو كان دليل الحكم فى مسئلة الخروج من غير السبيلين ومسئلة التيمّم عاما شاملا للحالة الاولى والثانية معا كان ثبوت الحكم فى الآن الثانى حينئذ بالعموم لا بالاستصحاب بمعنى ان دليل وجوب الصلاة ووجوب اتيانها اذا دلّ على دوام هذا الحكم عند

٢٥٨

عدم خروج شيء من غير السبيلين وعند خروجه ايضا فثبوت الحكم فى الحالة الثانية انما هو من جهة الدليل لا من جهة الاستصحاب وكذا فى مسئلة التيمم اذا دلّ الدليل على وجوب اتمام الصّلاة مع التيمّم قبل وجدان الماء وكذا بعد وجدان الماء فثبوت الحكم فيها ايضا فى الحالة الثانية من جهة عموم الدليل او اطلاقه لا من جهة الاستصحاب.

(فعلى هذا) يجب على المخالف اظهار دليل التخصيص والّا يكون ملزما بالعموم وهذا لا ربط له باستصحاب العموم فلا وجه لما ذكره المصنف فى كلامه المتقدّم من ان منشأ نسبة التفصيل اطلاق الغزالى الاستصحاب على استصحاب عموم النص او اطلاقه وتخصيص عنوان ما انكره باستصحاب حال الاجماع وسيأتى ما هو الظاهر من كلام الغزالى وما هو المحقّق عنده فى نقل كلامه فتأمل.

٢٥٩

(وهنا) دقيقة وهو ان كل دليل يضاده نفس الخلاف فلا يمكن استصحابه والاجماع يضاده نفس الخلاف اذ لا اجماع مع الخلاف بخلاف العموم والنص ودليل العقل فان الخلاف لا يضاده فان المخالف مقر بأن العموم بصيغته شامل لمحل الخلاف فان قوله عليه وآله الصلاة والسلام لا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل شامل بصيغته صوم رمضان مع خلاف الخصم فيه فيقول المسلم شمول الصيغة لكنى اخصه بدليل فعليه الدليل وهذا المخالف لا يسلم شمول الاجماع لمحل الخلاف لاستحالة الاجماع (اقول) ان المصنف ره قد فهم من هذه العبارة اى ان كل دليل يضادّه نفس الخلاف ان مراد الغزالى انه لو كان الدليل يضاده نفس الخلاف فلا يمكن استصحابه بخلاف ما لا يضاده نفس الخلاف فانه يمكن استصحابه فتخيّل من ذلك ان نظر الغزالى الى بيان منع الاستصحاب واثباته ومن هذه الجهة جعله من المنكرين.

(ولكن) يمكن ان يقال ان الأمر ليس كما فهمه المصنف بل نظره الى بيان احوال الادلة بان منها ما يضاده نفس الخلاف كغيره من العموم والنص ودليل العقل فمراده من الدقيقة لعلها اشارة الى هذه الدقّة التى اشرنا اليها من كونه فى مقام بيان احوال الادلّة لا انه فى مقام بيان جريان الاستصحاب وعدمه ويدلّ على ذلك انه معترف بانه لو سلّم شمول الصيغة وعمومها لمحل الخلاف فعلى المخالف بيان دليل التخصيص والّا يكون ملزما بالعموم ويؤيده قوله فان المخالف مقرّ بان العموم بصيغته يشمل لمحل الخلاف الخ.

(قوله فان قوله عليه الصلاة والسلام الخ) الظاهر قراءته لم يبتّ من البتّ بمعنى القطع على ما ذكر فى بعض اللغة والمراد هو النيّة الجازمة للصّوم فى الليل ولكن يحتمل تصحيح لم يبيت بالياءين ايضا ولكنه تكلف خصوصا بملاحظة ذكر من الليل.

(قوله) على حالة العدم اى عدم الخروج من غير السبيلين.

٢٦٠