درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

ارتكابها لاجل دفع الضرر مثل اكل الدم والميتة ولحم الخنزير وغير ذلك فى حال المخمصة والضرورة الشديدة والتداوى فلا اشكال فى ارتكابها فيها لدفع الضرر.

(قوله واما ورود الصحيحة المتقدمة الخ) جواب عن شبهة محتملة فى مورد الاضرار بالغير حاصلها ان الامام عليه‌السلام حكم عند استكراه الرجل على الحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك بانه لا اثر لهذه الامور لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع ما استكرهوا عليه ورفع اثر هذه الامور اضرار على العبد والفقراء.

(ومحصل الجواب عنها) ان رفع اثر الاكراه انما يقبح اذا اوجب ضررا على الغير واما اذا اوجب فوات نفع فهو كالاكراه المتعلق بحقوق الله تعالى كالاكراه على شرب الخمر ونحوه فى عدم قبح رفع الاثر عنه والواقع فى الصحيحة من هذا القبيل.

(قوله وكذلك رفع اثر الاكراه عن المكره الخ) يعنى رفع اثر الاكراه عن المكره بالفتح فيما اذا تعلق الاكراه باضرار مسلم نظير رفع اثر الاكراه عن الحالف كما اذا اكره زيد بهدم دار الفلانى وان تمرد فهو مأخوذ باعطاء مائة دينار فانه يجوز له الهدم فرارا عن عدم اعطاء هذه المبلغ لانه لو توجه ضرر الى الغير ابتداء لم يجب صرفه عنه بتحمل الضرر ففى موارد الاكراه باضرار الغير كالمثال المذكور يحكم بجوازه من حيث ان الضرر متوجه الى الغير ابتداء بمقتضى ارادة المكره بالكسر لا الى المكره بالفتح فلا يجب عليه تحمل الضرر الا فيما دل دليل عليه كما فى القتل فانه لا يجوز ارتكابه بل يجب عليه تحمل الضرر وان كان نفسيا.

(قوله فافهم) يحتمل ان يكون اشارة الى ان الضرر وان كان اولا وبالذات متوجها الى الغير لكنه فعلا متوجه الى المكره بحيث لو لم يضر بالمكره عليه احتمل اندفاع الضرر عنه ووقوعه على نفسه فاذا عمل بقول المكره دفعه عن نفسه فيصدق حينئذ الاضرار على الغير لدفع الضرر عن نفسه. (ويحتمل) ايضا ان يكون اشارة الى وجوب تحمل الضرر اليسير لدفع الضرر القوى عن الغير.

٨١

(بقى فى المقام) شىء وان لم يكن مربوطا به وهو ان النبوى المذكور مشتمل على ذكر الطيرة والحسد والتفكر فى الوسوسة فى الخلق ما لم ينطق الانسان بشفته وظاهره رفع المؤاخذة على الحسد مع مخالفته لظاهر الاخبار الكثيرة (ويمكن حمله) على ما لم يظهر الحاسد اثره باللسان او غيره بجعل عدم النطق باللسان قيدا له وايضا يؤيده تأخير الحسد عن الكل فى مرفوعة الهندى عن أبى عبد الله عليه‌السلام المروية فى آخر ابواب الكفر والايمان من اصول الكافى قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وضع عن أمتى تسعة أشياء الخطاء والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا اليه وما استكرهوا عليه والطيرة والوسوسة فى التفكر فى الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو بيد الحديث.

(ولعل الاقتصار) فى النبوى الاول على قوله ما لم ينطق لكونه ادنى مراتب الاظهار وروى ثلاثة لا يسلم منها أحد الطيرة والحسد والظن قيل فما نصنع قال اذا تطيرت فامض واذا حسدت فلا تبغ واذا ظننت فلا تحقق والبغى عبارة عن استعمال الحسد وسيأتى فى رواية الخصال أن المؤمن لا يستعمل حسده ولذلك عدّ في الدروس من الكبائر فى باب الشهادات بغض المؤمن واظهار الحسد لا نفسه وفى الشرائع ان لحسد معصية وكذا الظن بالمؤمن والتظاهر بذلك قادح فى العدالة والانصاف ان فى كثير من أخبار الحسد اشارة الى ذلك.

(اقول) ان الظاهر من النبوى المذكور كون الطيرة والحسد وان لم يظهره الحاسد والوسوسة فى التفكر وان لم يظهرها المتفكر من المحرمات فى الامم السابقة نظرا الى امكان رفعها بتزكية النفس. (وكيف كان) ظاهر الحديث رفع المؤاخذة على الحسد مطلقا سواء ظهر اثره باللسان او غيره ام لا فالمعنى ان الحسد كان منهيا عنه فى الامم السابقة وارتفعت حرمته عن الامة المرحومة. (ولكن) ان الظاهر من بعض الآيات وكثير من الروايات وبعض الكلمات كون

٨٢

الحسد حراما مطلقا فى هذه الشريعة ايضا وان لم يكن من الكبائر قبل الاظهار مثل قوله تعالى ام يحسدون الناس على ما آتيهم الله من فضله الآية فى سورة النساء آية ٥٨ وقوله عزوجل (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) الآية فى سورة البقرة آية ١٠٤ وقوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) فى سورة الفلق وقوله تعالى بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون الا قليلا فى سورة الفتح آية ١٦.

(ومن الاخبار) مثل ما روى عن الباقر والصادق عليهما‌السلام من ان الحسد يأكل الايمان كما يأكل النار الحطب وما روى عن الصادق عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عزوجل لموسى بن عمران يا ابن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيهم من فضلى ولا تمدن عينيك الى ذلك ولا تتبعه نفسك فان الحاسد ساخط لنعمى صاد لقسمى الذى قسمته بين عبادى ومن يك كذلك فلست منه وليس منى والمروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله اياكم والحسد فانه يأكل الحسنات كما تاكل النار الحطب الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة وهى باطلاقها تمنع من التقييد بصورة الاظهار باللسان وان شهد به بعض الروايات كما زعمه الشيخ قدس‌سره.

(قوله ويمكن حمله) ويمكن الجمع بين النبوى والاخبار الكثيرة بحمل الاول على ما لم يظهر الحاسد اثره باللسان او غيره بملاحظة جعل عدم النطق باللسان قيدا له ايضا والمعنى ان الحسد كان منهيا عنه مطلقا فى الامم السابقة وارتفعت حرمته او مؤاخذته عن هذه الامة وحمله على ما ذكر قوى متين قد ذكره المجلسى فى البحار ايضا(ويحمل) الاخبار الكثيرة الدالة على حرمة لحسد مطلقا على ما يظهر الحاسد اثره باللسان او غيره.

(قوله ويؤيده الخ) يعنى يؤيد عدم النطق باللسان قيدا للحسد تأخير الحسد عن جميع الفقرات فى مرفوعة الهندى وفى بعض النسخ النهدى بتقديم النون على الهاء عن أبى عبد الله عليه‌السلام المروية فى آخر أبواب الكفر والايمان من اصول الكافى قال قال رسول الله (ص) وضع عن أمتى تسعة أشياء الخطاء والنسيان وما لا يعلمون

٨٣

وما لا يطيقون وما اضطروا اليه وما استكرهوا عليه والطيرة والوسوسة فى التفكر فى الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو بيد الحديث.

(واعلم) ان الحسد هو تمنى زوال النعمة عن الغير وان لم يرد لنفسه عكس الغبطة وهى ان يريد النعمة لنفسه مثل ما لصاحبها ولم يرد زوالها عنه.

(وفى مجمع البحرين) الحاسد هو الذى يتمنى زوال النعمة عن صاحبها وان لم يردها لنفسه والحسد مذموم والغبطة محمودة وهو ان يريد من النعمة لنفسه مثل ما لصاحبها ولم يرد زوالها عنه انتهى وفى رواية الخصال ان المؤمن لا يستعمل حسده ولذلك عد فى الدروس من الكبائر فى باب الشهادات بغض المؤمن واظهار الحسد لا نفسه وفى الشرائع ان الحسد معصية وكذا بغضة المؤمن والتظاهر بذلك قادح فى العدالة والانصاف ان فى كثير من اخبار الحسد اشارة الى ذلك.

(وفى المسالك) فى شرح عبارة الشرائع ان الحسد معصية وكذا بغضة المؤمن ما هذا لفظه لا خلاف فى تحريم هذين الامرين والتهديد عليهما فى الاخبار مستفيض وهما من الكبائر فيقدحان فى العدالة مطلقا وانما جعل التظاهر بهما قادحا لانهما من الاعمال القلبية فلا يتحقق تأثيرهما فى الشهادة الا مع اظهارهما وان كانا محرمين بدون الاظهار انتهى.

(ولعل الاقتصار) فى النبوى الاول على قوله ما لم ينطق لكونه ادنى مراتب الاظهار لان اظهار الحسد باليد ليس إلّا ترتيب آثار الحسد على المحسود ولا شك انه اعلى مراتب الاظهار بل هو وسيلة لترتيب الآثار.

(قوله وروى ثلاثة لا يسلم منها احد الخ) هذه الرواية ايضا تؤيد ان الحسد المرفوع حرمته هو ما لم يظهر اثره حيث قال الامام عليه‌السلام فيما اذا حسدت فلا تبغ والبغى عبارة عن استعمال الحسد لا نفسه والمراد من استعمال الحسد هو ترتيب آثار الحسد على المحسود.

(ثم) انه قد نقل بعض عن بعض المشايخ ما هذا لفظه ان صريح كلمات ارباب اللغة والفقهاء ان الحسد ان يتمنى زوال نعمة المحسود وان تكون له دون المحسود

٨٤

واظن ان ذلك تفسير باللازم وان الحسد صفة فى النفس مقتضية لذلك كما فى ساير الاوصاف النفسانية من السخاء والبخل والشجاعة والجبن ونحوها ويلزمها التمنى النفسانى وشيء من الامرين غير قابل لتوجه النهى اليه لكونهما غير مقدورين (نعم) ازالة هذا الوصف او تضعيفه بالرياضة والمجاهدة امر مقدور ولا ملازمة بين جواز الامر بازالته وبين جواز النهى عنه او عن لازمه قبل الازالة فالظاهر من الاخبار الناهية هو النهى عن اظهار ذلك التمنى النفسانى بالقول والفعل الخ قد انتهى مورد الحاجة من نقل كلامه.

٨٥

(واما الطيرة) بفتح الياء وقد تسكن وهى فى الاصل التشأم بالطير لان أكثر تشأم العرب كان به خصوصا الغراب والمراد اما رفع المؤاخذة عليها ويؤيده ما روى من ان الطيرة شرك وانما يذهبه التوكل واما رفع اثرها لان التطيّر كان يصدّهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع (واما الوسوسة) فى التفكر فى الخلق كما فى النبوى الثانى او التفكر فى الوسوسة فيه كما فى الاول فهما واحد والاول انسب ولعل الثانى اشتباه من الراوى (والمراد) به كما قيل وسوسة الشيطان للانسان عند تفكره فى امر الخلقة وقد استفاضت الاخبار بالعفو عنه ففى صحيحة جميل بن دراج قلت لابى عبد الله عليه‌السلام انه يقع فى قلبى امر عظيم فقال قل لا إله إلّا الله قال جميل فكلما وقع فى قلبى شيء قلت لا إله إلّا الله فذهب عنى وفى رواية حمران عن ابى عبد الله عليه‌السلام عن الوسوسة وان كثرت قال لا شيء فيها تقول لا إله إلّا الله وفى صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام جاء رجل الى النبى (ص) فقال يا رسول الله انى هلكت فقال (ص) له اتاك الخبيث فقال لك من خلقك فقلت الله تعالى فقال من خلقه فقال اى والذى بعثك بالحق قال كذا فقال ذلك والله محض الايمان قال ابن ابى عمير حدثت ذلك عبد الرحمن بن الحجاج فقال حدثنى ابى عن ابى عبد الله عليه‌السلام ان رسول الله (ص) انما عنى بقوله هذا محض الايمان خوفه ان يكون قد هلك حيث عرض فى قلبه ذلك.

(فى مجمع البحرين) الطيرة هى بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن مصدر تطيّر يقال تطيّر طيرة وتخيّر خيرة ولم يجئ من المصادر كذا غيرهما واصل الطيرة التشأم بالطير ثم اتسع فيها فوضعت موضع الشوم فيكون الشوم بمعنى الكراهة شرعا او طبعا كعدم القرار على الفرس وضيق الدار ومنه قوله عليه‌السلام لا طيرة فان تك فى شيء ففى الدار والفرس والمرأة والطير جمع طائر مثل صاحب وصحب.

(وفى الخبر) الطيرة شرك ولكن الله يذهبه بالتوكل قيل انما جعلت الطيرة من الشرك لانهم كانوا يعتقدون ان التطير يجلب لهم نفعا ويدفع عنهم ضررا اذا عملوا بموجبه فكانهم اشركوه مع الله ولكن الله يذهبه بالتوكل وليست الكفر بالله ولو كانت

٨٦

كفرا لما ذهبت بالتوكل ومعناه كما قيل انه اذا خطر له عارض الطيرة فتوكل على الله وسلّم امره اليه لم يعمل به ذلك الخاطر انتهى.

(وكيف كان) ظاهر الرواية ان الطيرة كانت منهيا عنها فى الامم السابقة وربما يكشف عنه الخبر المذكور وقد ارتفعت عن هذه الامة(والمراد) من ارتفاعها اما رفع المؤاخذة عليها بمعنى انها كانت محرمة فى الامم السابقة فارتفعت حرمتها او المؤاخذة بها عن هذه الامة ويؤيده ما روى من ان الطيرة شرك الخبر(واما) رفع أثرها لان التطيّر كان يصدّهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وابطله ونهى عنه واخبر انه ليس له جلب نفع ودفع ضرر.

(وقد ذكرهما المجلسى قدس‌سره) فى مرآة العقول على ما حكى عنه حيث قال كون الطيرة موضوعة يحتمل ثلاثة معان (الاول) وضع المؤاخذة والعقاب عن هذا الخطور(والثانى) دفع تأثيرها عن هذه الامة ببركة ما وصل اليهم من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام (والثالث) ان المراد بوضعها دفعها والمنع والزجر عن العمل بها فلا يكون على سياق ساير الفقرات والاول اظهر انتهى وما جعله قدس‌سره اظهر ليس ببعيد ان قلنا بأن المرفوع فى الحديث هو الاثر الشرعى فيكون رفع المؤاخذة بتبعيته.

(قوله واما الوسوسة فى التفكر فى الخلق) ان المراد من الوسوسة كما قيل وسوسة الشيطان عند تفكره فى امر الخلقة وقد استفاضت الاخبار بالعفو عنه قد ذكر قدس‌سره بعضها منها صحيحة جميل بن دراج قلت لابى عبد الله عليه‌السلام انه يقع فى قلبى امر عظيم فقال قل لا إله إلّا الله قال جميل فكلما وقع فى قلبى شىء قلت لا إله إلّا الله فذهب عنى وغير ذلك من الروايات الواردة عن الائمة عليهم‌السلام وقد أشار الشيخ قدس‌سره خمس روايات منها.

(قال العلامة المجلسى قدس‌سره) على ما نسب اليه انه يحتمل فى الفقرة المذكورة فى النبويين اى الوسوسة فى التفكر فى الخلق كما فى النبوى الثانى او التفكر فى الوسوسة فى الخلق كما فى النبوى الاول وجوه.

٨٧

(الاول) ان يكون المراد وسوسة الشيطان من جهة التفكر فى احوال الخلق وسوء الظن بهم بما يشاهد منهم فان هذا الشىء لا يمكن دفعه عن النفس لكن يجب عليه ان لا يحكم بهذا الظن ولا يعمل بموجبه من القدح فيهم ونحو ذلك.

(الثانى) التفكر فى الوسوسة التى تحدث فى النفس فى مبدإ خلق الاشياء وان الله سبحانه من خلقه وكيف وجد وأين هو مما لو تفوّه به لكان كفرا ويؤيده الاخبار التى مضت فى باب الوسوسة وحديث النفس.

(الثالث) ان يتفكر فى القضاء والقدر وخلق اعمال العباد والحكمة فى خلق بعض الشرور فى العالم كخلق ابليس والموذيات وغير ذلك كله معفو عنه اذ لم يستقر فى النفس ولم يحصل بسببه شك فى حكمة الخالق وعدله ولعل الاول هنا أظهر وان كان للثانى شواهد كثيرة انتهى كلامه رفع مقامه.

(قوله والاول انسب) قد ورد تقديم الوسوسة على التفكر فى النبوى الثانى وتقديم التفكر على الوسوسة فى النبوى الاول وهما واحد معنا(ولكن) الاول انسب لان الوسوسة انما توجد فى التفكر فى الخلق والتفكر مما يوجب الوسوسة لا العكس ولعل الثانى اشتباه من الراوى.

٨٨

(وفى رواية اخرى) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله والذى بعثنى بالحق ان هذا لصريح الايمان فاذا وجد تموه فقولوا آمنا بالله ورسوله ولا حول ولا قوة إلّا بالله وفى اخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ان الشيطان آتيكم من قبل الاعمال فلم يقو عليكم فآتيكم من هذا الوجه لكى يستزلكم فاذا كان كذلك فليذكر احدكم الله وحده ويحتمل ان يراد بالوسوسة فى امور الناس وسوء الظن بهم وهذا انسب بقوله ما لم ينطق بشفته :

(ثم) هذا الذى ذكرنا هو الظاهر المعروف فى معنى الثلاثة الاخيرة المذكورة فى الصحيحة وفى الخصال بسند فيه رفع عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال ثلث لم يعر منها نبى فمن دونه الطيرة والحسد والتفكر فى الوسوسة فى الخلق وذكر الصدوق قدس‌سره فى تفسيرها ان المراد بالطيرة التطيّر بالنبى (ص) والمؤمن لا تطيّره عليه كما حكى الله عزوجل عن الكفار (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) والمراد من الحسد أن يحسد لا ان يحسد من غيره كما قال الله تعالى (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ) والمراد بالتفكر ابتلاء الانبياء عليهم‌السلام باهل الوسوسة لا غير ذلك كما حكى الله عن الوليد بن المغيرة انه فكر وقدّر فقتل كيف قدّر فافهم وقد خرجنا فى الكلام فى النبوى الشريف عما يقتضيه وضع الرسالة.

(اقول) انه يحتمل ان يراد من الوسوسة وسوسة الشيطان بسبب التفكر فى امور الناس وسوء الظن بهم بما يشاهد منهم وهذا الاحتمال هو الاحتمال الاول فى عبارة المجلسى ره التى تقدمت ذكرها.

(وهذا الاحتمال) هو الانسب بقرينة قوله ما لم ينطق بشفته اذ الوسوسة فى امور الناس ربما يجرى على اللسان دون الوسوسة فى امر الخلقة(ولا يخفى) بعد هذا الاحتمال على من لاحظ اجتماع لفظى التفكر والوسوسة سيما مع تقدم لفظ الوسوسة كما هو الانسب عند الشيخ قدس‌سره هذا المعنى الذى ذكره هو الظاهر المعروف فى معنى الثلاثة الاخيرة المذكورة فى الصحيحة.

(خلافا للصدوق قدس‌سره) فى تفسيرها بمعنى يغاير المعنى المعروف

٨٩

المذكور حيث ذكر الرواية فى الخصال بسند فيه رفع عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال ثلاث لم يعر منها نبىّ فمن دونه الطيرة والحسد والتفكر فى الوسوسة فى الخلق وقال فى تفسيرها ان معنى الطيرة فى هذا الموضع هو ان يتطير منهم قومهم فأما هم عليهم‌السلام فلا يتطيرون وذلك كما قال الله عزوجل عن قوم صالح (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) قال طائركم عند الله) (١) وكما قال آخرون لانبيائهم عليهم‌السلام انا تطيّرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم - الآية (٢).

(واما الحسد) فانه فى هذا الموضع هو ان يحسد وإلّا انهم يحسدون غيرهم وذلك كما قال الله عزوجل ام يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (٣).

(واما التفكر) فى الوسوسة فى الخلق فهو بلواهم عليهم‌السلام باهل الوسوسة لا غير ذلك وذلك كما حكى الله عزوجل عنهم عن الوليد بن المغيرة المخزومى انه فكّر وقدّر فقتل كيف قدّر ثم قتل كيف قدّر يعنى قال للقرآن ان هذا الا سحر يؤثر ان هذا إلّا قول البشر (٤) ولا يخفى قد خرج الشيخ قدس‌سره فى البحث عن النبوى الشريف عما يقتضيه وضع رسالته اذ مقتضاه الاكتفاء بتحقيق فقرة ما لا يعلمون.

__________________

(١) النمل : ٤٧

(٢) يس : ١٨.

(٣) النساء : ٥٤

(٤) المدثر : ١٦ / ١٨

٩٠

(ومنها) قوله عليه‌السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فان المحجوب حرمة شرب التتن فهى موضوعة عن العباد (وفيه) ان الظاهر مما حجب الله علمه ما لم يبينه العباد لا ما بيّنه واختفى عليهم من معصيته من عصى الله فى كتمان الحق او ستره فالرواية مساوقة لما ورد عن مولانا امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ان الله حدّ حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم.

(اقول) ان الحديث المذكور موثق كما فى الفصول مروى فى الوسائل فى القضاء فى باب وجوب التوقف والاحتياط عن زكريا بن يحيى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم.

(وكيف كان) انه قد احتمل بعض ان الرواية شاملة للشبهة الموضوعية ايضا فعليه لا بد من اضمار المؤاخذة نظرا الى انه لا معنى لوضع الموضوع (ولكن الظاهر) من نسبة الحجب الى الله تعالى كون المحجوب مشتبه الحكم فان شأن الشارع بيان الحكم الكلى لا الجزئى فلا تشمل الرواية الشبهة الموضوعية ومن جملة افراده حرمة شرب التتن فهى موضوعة عن العباد بناء على ان الموصول عبارة عن الحكم.

(فمحصل تقريب الاستدلال من الرواية) انه عليه‌السلام اسند حجب العلم الى الله تعالى وهذا يقتضى كون الموصول كناية عما من شأنه ان يبينه الله تعالى وليس إلّا الحكم الكلى المجعول للواقعة ومعنى كونه موضوعا عنهم كونه مرفوعا عن ذممهم على معنى خلوها عن ذلك الحكم المجعول فتكون الرواية مخصوصة بالشبهات الحكمية كما فى قراءة الدعاء عند رؤية الهلال فيقال هذا ما حجب الله تعالى علمه عن العباد وكلما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فهذا موضوع عنهم.

(وفيه ان الظاهر الخ) حاصله انه لا دلالة فى الرواية على المدعى لان الظاهر مما حجب الله علمه الحكم الذى لم يؤمر الانبياء بتبليغه وكان مخزونا عندهم ومخفيا عن الخلق كما هو مقتضى عدة من الاخبار ولا ينافى ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى حجة الوداع

٩١

من تبليغه تمام الدين الى الناس وتكميله ذلك بتبليغ امر الولاية التى هى بمنزلة الروح له حقيقة فانه يكفى فى صدقه بتبليغه الى الوصى عليه‌السلام وامره بالبيان حسب اقتضاء المصلحة فيخرج عن محل البحث.

(فالرواية) مساوقة من جهة الدلالة لما ورد عن مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام ان الله تعالى حدّ حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تعصوها فسكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم.

(نعم) ان اريد مما حجب الله علمه الحكم الذى بيّنه واختفى فى كتمان الحق او ستره فيمكن دلالتها على المدعى للعباد من معصية من عصى الله.

(كما قيل) انه يمكن ادعاء شمول الرواية للحكم الذى اختفى بعد البيان فانه ايضا مما حجب الله علمه عنا بعد تقصير المقصرين وعلى تقدير ظهوره فيما ذكره المصنف فالاجماع المركب آت هنا اذ لم يقل احد من الاخباريين بالفصل بينهما لانهم يقولون بوجوب الاحتياط مطلقا سواء لم يبينه اصلا او عرض الجهل بعد البيان وقد اجيب عن الاستدلال بالخبر بوجوه أخر لا فائدة فى التعرض لها.

٩٢

(ومنها) قوله عليه‌السلام الناس فى سعة ما لا يعلمون فان كلمة ما اما موصولة اضيف اليه السعة واما مصدرية ظرفية وعلى التقديرين يثبت المطلوب (وفيه) ما تقدم فى الآيات من ان الاخباريين لا ينكرون عدم وجوب الاحتياط على من لم يعلم بوجوب الاحتياط من العقل والنقل بعد التأمل والتتبع (ومنها) رواية عبد الاعلى عن الصادق عليه‌السلام عمن لم يعرف شيئا هل عليه شىء قال لا بناء على ان المراد بالشىء الاول فرد معين مفروض فى الخارج حتى لا يفيد العموم فى النفى فيكون المراد هل عليه شىء فى خصوص ذلك الشىء المجهول واما بناء على إرادة العموم فظاهره السؤال عن القاصر الذى لا يدرك شيئا.

(من جملة ادلة البراءة) قوله عليه‌السلام الناس فى سعة ما لا يعلمون وقد نقله فى القوانين بكلمة لم ولفظ سعة يحتمل كونه نكرة فتكون كلمة ما مصدرية كون الناس فى الوسعة عن الحرمة الغير المعلومة او معرفة بالاضافة فتكون لفظة ما موصولة وعلى التقديرين يتم المطلوب اى : (وجه الدلالة) ان السعة عبارة عما يقابل الضيق تقابل التضاد او العدم والملكة والتكليف الالزامى ايجابا او تحريما لتضمنه المنع من الترك او الفعل يضيق الامر على المكلف وقوله عليه‌السلام فى سعة كناية اما عن عدم هذا الضيق او عن الرخصة فى الفعل او الترك ما لم يعلموا الضيق فى شبهة حكمية او موضوعية على قراءة المصدرية او فيما لم يعلموا الضيق فيه لشبهة حكمية او موضوعية على قراءة الموصولة بناء على كون الاضافة ظرفية بتقدير فى.

(وعلى التقديرين) اى تكون كلمة مصدرية او موصولة فالظاهر من الرواية انشاء الحكم الظاهرى فى مورد عدم العلم بالحكم الواقعى فمعنى الحديث ان الناس فى وسعة من شرب التتن مثلا من حيث كون حكمه الواقعى غير معلوم لهم اى تكون ذمتهم بريئة فحكمهم البراءة والاباحة دون الاحتياط.

(قوله وفيه ما تقدم فى الآيات الخ) يعنى ان ما تقدم فى الآيات التى استدلوا

٩٣

بها على البراءة وارد على الرواية المذكورة ايضا من ان الآيات لا تنهض على ابطال القول بوجوب الاحتياط لان غاية مدلول الدال منها هو عدم التكليف فيما لم يعلم خصوصا او عموما بالعقل او النقل وهذا مما لا نزاع فيه بين الاصولى والاخبارى.

(وانما) اوجب الاحتياط من اوجبه بزعم قيام الدليل العقلى او النقلى على وجوبه فاللازم على منكره رد ذلك الدليل او معارضته بما يدل على الرخصة وعدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه هذا محصل الاشكال الذى اورده قدس‌سره على دلالة الآيات وهو وارد على الرواية المذكورة ايضا لانها لا يعارض ادلة الاحتياط على تقدير تماميتها بل يكون النسبة كنسبة الاصل الى الدليل.

(ولكن ناقش صاحب بحر الفوائد) فيما افاده الشيخ قدس‌سره من جعل مفاد الرواية اصلا فى المسألة بحيث لا يصلح للمعارضة مع دليل الاحتياط حيث قال فى بيان المناقشة انه على تقدير كون كلمة ما موصولة اضيف اليه السعة يكون مفادها اثبات السعة ونفى الضيق بالنسبة الى الحرمة المجهولة فانها غير معلومة ولو بملاحظة اخبار الاحتياط فانها لا توجب العلم بالحرمة الواقعية وانما تثبت وجوب التحرز فى مورد احتمالها فتثبت الضيق فى قبال الرواية فلا محالة يقع التعارض بينهما على تقدير تسليم دلالة اخبار الاحتياط على هذا المعنى كما هو ظاهر فالرواية تنفى وجوب الاحتياط عند احتمال الحرمة من حيث عدم العلم بها لا من حيث عدم العلم به حتى يقال بثبوته والفرق بينهما ظاهر فافهم.

(واما على تقدير) كونها مصدرية زمانية فالامر كذلك ايضا وان لم يكن مثل الاول فى الظهور فانه يصدق بعد ورود اخبار الاحتياط ايضا ان المكلف غير عالم بالحكم الواقعى وان لم يصدق عليه الجاهل بقول مطلق بعد فرض علمه بالحكم الظاهرى فتامل وجعل العلم بوجوب الاحتياط من بعض مراتب العلم بالحكم الواقعى كما ترى انتهى.

(قوله ومنها رواية عبد الاعلى الخ) اقول لا يخفى ان ظاهر الرواية هو المعنى

٩٤

الثانى اى ارادة العموم فهذا المعنى هو الظاهر من الرواية دون المعنى الاول لان ارادة فرد معين مفروض فى الخارج خلاف ظاهر الرواية ولا قرينة عليه ووقوع لفظ شىء فى سياق النفى ظاهر فى العموم فلا دلالة لها على المدعى فظاهرها السؤال عن القاصر الذى لا يدرك شيئا ولعل عدم تعرضه قدس‌سره لرد هذه الرواية لضعف دلالتها على المدعى وهذه الرواية رواها فى الوافى فى كتاب العقل والعلم والتوحيد فى باب البيان والتعريف ولزوم الحجة.

٩٥

(ومنها) قوله عليه‌السلام ايما امرئ ركب امرا بجهالة فلا شىء عليه وفيه ان الظاهر من الرواية ونظائرها من قولك فلان عمل بكذا بجهالة هو اعتقاد الثواب والغفلة عن الواقع فلا يعم صورة التردد فى كون فعله صوابا أو خطاء ويؤيده ان تعميم الجهالة بصورة التردد يحوج الكلام الى التخصيص بالشاك الغير المقصر وسياقه يأبى عن التخصيص فتأمل (ومنها) قوله عليه‌السلام ان الله يحتج على العباد بما آتيهم وعرفهم وفيه ان مدلوله كما عرفت فى الآيات وغير واحد من الاخبار مما لا ينكره الاخباريون.

(اقول) من ادلة البراءة فى الشبهة التحريمية قوله عليه‌السلام ايما امرئ ركب الخ لكن لفظ الرواية اىّ رجل بدل أيّما امرئ وصورة الرواية انه روى عبد الصمد بن بشير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (فى حديث) ان رجلا أعجميا دخل المسجد يلبى وعليه قميصه فقال لابى عبد الله عليه‌السلام انى كنت رجلا أعمل بيدى واجتمعت لى نفقة فحيث أحج لم اسأل أحدا عن شىء وافتونى هؤلاء ان أشق قميصى وأنزعه من قبل رجلى وان حجى فاسد وان علىّ بدنة فقال له متى لبست قميصك أبعد ما لبيت أم قبل قال قبل ان البس قال فأخرجه من رأسك فانه ليس عليك بدنة وليس عليك الحج من قابل أىّ رجل ركب امرأ بجهالة فلا شىء عليه طف بالبيت سبعا وصل ركعتين عند مقام ابراهيم عليه‌السلام واسع بين الصفا والمروة وقصّر من شعرك فاذا كان يوم التروية فاغتسل وأهلّ بالحج واصنع كما يصنع الناس (والمستفاد) من الرواية ان من ارتكب شيئا من المشتبه لجهله بحكمه الواقعى المجعول فليس عليه شىء من المؤاخذة والعقاب.

(قوله وفيه ان الظاهر من الرواية الخ) محصل اشكال الشيخ قدس‌سره على الرواية انها كانت ظاهرة فى ارادة الجهل المركب لا البسيط الذى هو محل النزاع لظهور كلمة الباء فى السببية الغير المتحققة الّا مع الجهل المركب لان الشك بما هو لا يكون سببا فحينئذ لا يعم صورة التردد فى كون فعله صوابا أو خطاء(ويؤيد) كونها ظاهرة فى ارادة الجهل المركب ان تعميم الجهالة بصورة التردد يحوج

٩٦

الكلام الى التخصيص بالشاك الغير المقصر وسياقها آبية عن التخصيص.

(وربما) ناقش بعض المحشين فى التأييد المذكور بأن التخصيص مما لا بد منه على كل تقدير اذ الجاهل المركب المقصر أيضا غير معذور ومن هنا أمر قدس‌سره بالتأمل فان هذه المناقشة مما لا يمكن الذب عنه انتهى وفى وجه التأمل وجوه أخر لا فائدة فى التعرض لها احسنها ما نقلنا عن البعض.

(ومنها) رواية ابن الطيار عن ابى عبد الله عليه‌السلام رواها فى الوافى فى كتاب العقل والعلم والتوحيد فى باب البيان والتعريف ولزوم الحجة قال عليه‌السلام ان الله يحتج على العباد بما آتيهم وعرفهم وجه الاستدلال بهذه الرواية انها تدل على عدم احتجاج الله تعالى على العباد بما لم يعرّفه بناء على ان الشبهة التحريمية أيضا مما لم يعرّف حكمها على العباد(وفيه) ان مدلوله كما عرفت فى الآيات وغير واحد من الاخبار مما لا ينكره الاخباريون لانهم معترفون ان الله لا يحتج ولا يكلف الا بالاعلام والبيان لكنهم يدعون ان الموضوع المشتبه الحرمة مما عرّفه الله على العباد نظرا الى أدلة الاحتياط.

٩٧

(ومنها) قوله فى مرسلة الفقيه كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى استدل به الصدوق قدس‌سره على جواز القنوت بالفارسية واستند اليه فى اماليه حيث جعل اباحة الاشياء حتى يثبت الحظر من دين الامامية ودلالتها على المطلب اوضح من الكل وظاهره عدم وجوب الاحتياط لان الظاهر ارادة ورود النهى فى الشيء من حيث هو لا من حيث كونه مجهول الحكم فان تم ما سيأتى من ادلة الاحتياط دلالة وسندا وجب ملاحظة التعارض بينها وبين هذه الرواية وامثالها مما يدل على عدم وجوب الاحتياط ثم الرجوع الى ما يقتضيه قاعدة التعارض.

(اقول ان الرواية) مختلف العبارة قد ورد فى بعض الروايات مباح اى كل شيء مباح حتى يرد فيه نهى وفى بعضها حتى يرد فيه نص وفى آخر حتى يرد فيه امر او نهى وكيف كان.

(دلالة الرواية على المطلب اوضح من الكل) لانها تدل على ان كل شيء مطلق العنان غير مقيد بزجر الشارع فلا يجب الاحتياط بترك ما يحتمل الحرمة لان الظاهر منها ورد النهى فى الشيء من حيث هو بخصوصه لا من حيث كونه مجهول الحكم ليصير من جهة ادلة الاحتياط معلوم الحكم.

(فلو تمت) ادلة الاحتياط دلالة وسندا فيقع التعارض بينها وبين هذه الرواية لا واردة عليها فحينئذ يلزم الرجوع الى ما يقتضيه قاعدة التعارض من الترجيح عند وجود المرجح او التخيير عند عدمه (نعم) لو كان مفاد الرواية بيان حكم الشيء من حيث هو مجعول الحكم لكان الادلة التى ذكروها للاحتياط واردة على هذه الرواية لا انها معارضة لها فافهم.

(والظاهر) من عبارة الشيخ قدس‌سره ان دلالة الخبر على ما نحن فيه لا غائلة فيها ولكن يمكن الخدشة فى دلالتها على ما نحن فيه وقد تعرض لها ودفعها بعض بما هذا لفظه انه يمكن الخدشة فى دلالته بان مفاده ليس إلّا ان الاصل فى الاشياء قبل ان يرد فيها النهى الاباحة لا الحظر وهذه مسئلة اخرى اجنبية عما نحن فيه اذ المقصود فى

٩٨

المقام اثبات الرخصة فيما شك فى انه هل ورد فيه نهى واختفى علينا ام لا.

(ويمكن دفعها) بان المقصود بها بحسب الظاهر ارادة الحكم الفعلى عند عدم العلم بحرمة شيء فالمراد بعدم ورود النهى فيه عدم وصوله الى المكلف لا عدم وروده فى الواقع وإلّا لكانت ثمرته علمية لا عملية وهو بعيد عن سوق الاخبار.

(نعم) لو كانت الرواية صادرة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فى صدر الشريعة قبل اكمالها لكان المتجه حملها على ارادة المعنى المزبور حيث يترتب عليها ح ثمرة عملية وهذا بخلاف ما لو صدرت عن الائمة عليهم‌السلام بعد اكمال الشريعة وورود النهى فى جميع المحرمات الواقعية ووصوله الى اهل العلم الذين لا يختفى عليهم شيء من النواهى الشرعية فليتأمل انتهى.

٩٩

(وقد يحتج) بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فيمن تزوج امرأة فى عدتها أهي لا تحل له ابدا قال اما اذا كان بجهالة فليزوجها بعد ما ينقضى عدتها فقد يعذر الناس فى الجهالة بما هو اعظم من ذلك قلت باىّ الجهالتين اعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه ام بجهالته انها فى العدة قال احدى الجهالتين اهون من الاخرى الجهالة بان الله حرم عليه ذلك وذلك لانه لا يقدر معها على الاحتياط قلت فهو فى الاخرى معذور قال نعم اذا انقضت عدتها فهو معذور فله ان يزوجها.

(اقول) تقريب الاستدلال بها لاصل البراءة فى الشبهة التحريمية الحكمية فقرتان يدل كل منهما على معذورية الجاهل.

(إحداهما) قوله عليه‌السلام فقد يعذر الناس فى الجهالة بما هو اعظم من ذلك فانه ظاهر فى ان وجه المعذورية التى ظاهرة فى المعذورية بحسب التكليف هو جهالته بالحرمة سواء كان من جهة جهله بكونها فى العدة او بحرمة التزويج فيها.

(وثانيهما) قوله باى الجهالتين أعذر بجهالته ان النكاح فى العدة محرم عليه ام بجهالته انها فى العدة قال عليه‌السلام احدى الجهالتين اهون من الاخرى يعنى فى كلتيهما معذور لانه لا يقدر مع الجهالة على الاحتياط قال السائل قلت فهو فى الاخرى معذور يعنى فى الجهل بالعدة ايضا معذور قال عليه‌السلام نعم اذا انقضت عدتها فهو معذور فى ان يزوجها هذا محصل الاستدلال بها على ما نحن فيه فافهم.

(وعلى كل حال) غاية ما قيل او يمكن ان يقال فى تقريب الاستدلال بها للبراءة ان الصحيحة قد دلت على معذورية كل من الجاهل بالحكم والجاهل بالموضوع جميعا اى الجاهل بان ذلك محرم عليه والجاهل بانها فى العدة فيتم المطلوب ولو فى خصوص الشبهات التحريمية دون الوجوبية.

١٠٠