درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

مثل ذيل مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة فاذا لم يقل بوجوب الاحتياط فى صورة التعارض مع ورود اخبار خاصة بوجوب الاحتياط فيها فلا بد ان لا يقول بوجوب الاحتياط فيما لم يرد فيه نص مع عدم ورود اخبار خاصة بلزوم الاحتياط فيه بطريق اولى وبالاجماع المركب كما اشار الى ذلك بقوله فالظاهر ان كل من قال الخ.

(ومنهم) يعنى ممن يدل ظاهر كلامهم على البراءة لا الاحتياط فيما لم يرد دليل على تحريمه من حيث هو الصدوق قدس‌سره فانه قال اعتقادنا ان الاشياء على الاباحة حتى يرد النهى فيظهر من عبارته ان الاصل فى الاشياء قبل ورود النهى الاباحة ويظهر ايضا من قوله اعتقادنا موافقة والده ومشايخه لانه لا يعبر بهذه العبارة اى اعتقادنا مع مخالفته لهم بل يقول الذى اعتقده وافتى به واستظهر من عبارته ان كون الاشياء على الاباحة من دين الامامية.

(واما السيدان) اى السيد مرتضى علم الهدى والسيد ابو المكارم ابن زهرة فقد صرحا بأنه يستقل العقل باباحة ما لا طريق الى كونه مفسدة وصرحا ايضا فى مسئلة العمل بخبر الواحد انه متى فرضنا عدم الدليل من كتاب أو سنة أو اجماع على حكم الواقعة رجعنا فيها الى حكم العقل وهو الاباحة.

(واما الشيخ قدس‌سره) فانه وان ذهب وفاقا لشيخه المفيد قدس‌سره الى ان الاصل فى الاشياء من طريق حكم العقل هو الوقف إلّا انه صرح فى العدة بأن حكم الاشياء من طريق العقل وان كان هو الوقف لكنه لا يمتنع ان يدل دليل شرعى على ان الاشياء على الاباحة بعد ان كانت على الوقف عقلا بل عندنا الامر كذلك واليه نذهب انتهى واما من تأخر عن الشيخ كالحلى والمحقق والعلامة والشهيدين وغيرهم فحكمهم بالبراءة يعلم من مراجعة كتبهم وبالجملة فلا يعرف قائل معروف بالاحتياط وان كان ظاهر المعارج نسبة القول بالاحتياط الى جماعة.

١٢١

(ثم) انه ربما نسب الى المحقق رجوعه عما فى المعارج الى ما فى المعتبر من التفصيل بين ما يعم به البلوى وغيره وانه لا يقول بالبراءة فى الثانى وسيجىء الكلام فى هذه النسبة بعد ذكر الادلة إن شاء الله ومما ذكرنا يظهر ان تخصيص بعض القول بالبراءة بمتأخرى الامامية مخالف للواقع وكأنه ناش عما رأى من السيد والشيخ من التمسك بالاحتياط فى كثير من الموارد ويؤيده ما فى المعارج من نسبة القول بوجوب الاحتياط على الاطلاق الى جماعة (الثانى) الاجماعات المنقولة والشهرة المحققة فانها قد تفيد القطع بالاتفاق وممن استظهر منه دعوى ذلك الصدوق فى عبارته المتقدمة عن اعتقاداته.

(اقول) ان المحقق اختار فى المعارج فى الشبهة التحريمية الرجوع الى اصل البراءة وعدم لزوم الاحتياط حيث ذكر فى المعارج على ما حكى عنه ان الاصل خلو الذمة عن الشواغل الشرعية فاذا ادعى مدع حكما شرعيا جاز لخصمه ان يتمسك فى انتفائه بالبراءة الاصلية فيقول لو كان ذلك الحكم ثابتا لكان عليه دلالة شرعية لكن ليس كذلك فيجب نفيه وهذا الدليل لا يتم إلّا ببيان مقدمتين.

(إحداهما) انه لا دلالة عليه شرعا بان ينضبط طرق الاستدلالات الشرعية وتبين عدم دلالتها عليه.

(والثانية) ان يبيّن انه لو كان هذا الحكم ثابتا لدلت عليه احدى تلك الدلائل لانه لو لم يكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق للمكلف الى العلم به وهو تكليف بما لا يطاق ولو كانت عليه دلالة غير تلك الادلة لما كانت الدلالات منحصرة فيها لكنا بينا انحصار الاحكام فى تلك الطرق وعند ذلك يتم كون ذلك دليلا على نفى الحكم انتهى. (والمستفاد) من كلامه الرجوع الى اصل البراءة وعدم لزوم الاحتياط ولكن نسب رجوعه عما فى المعارج الى ما فى المعتبر من التفصيل بين ما يعم به البلوى وغيره وانه لا يقول بالبراءة فى الثانى.

١٢٢

(وممن ادعى) اتفاق المحصلين عليه الحلى فى اول السرائر حيث قال بعد ذكر الكتاب والسنة والاجماع انه اذا فقدت الثلاثة فالمعتمد فى المسألة الشرعية عند المحققين الباحثين عن مأخذ الشريعة التمسك بدليل العقل انتهى ومراده بدليل العقل كما يظهر من تتبع كتابه هو اصل البراءة وممن ادعى اطباق العلماء المحقق فى المعارج فى باب الاستصحاب وعنه فى المسائل المصرية ايضا فى توجيه نسبة السيد الى مذهبنا جواز ازالة النجاسة بالمضاف مع عدم ورود نص فيه ان من اصلنا العمل بالاصل حتى يثبت الناقل ولم يثبت المنع عن ازالة النجاسة بالمائعات فلو لا كون الاصل اجماعيا لم يحسن من المحقق جعله وجها لنسبة مقتضاه الى مذهبنا واما الشهرة فانما تتحقق بعد التتبع فى كلمات الاصحاب خصوصا فى الكتب الفقهية ويكفى فى تحققها ذهاب من ذكرنا من القدماء والمتأخرين.

(وجه التفصيل بين ما يعم به البلوى وغيره المحقق القمى) بان العادة تقتضى بانه لو كان حكم من الشارع فيما يعم به البلوى لنقل الينا فيحصل الظن من عدم الوجدان بعدم الوجود بخلاف غير ما يعم به البلوى ثم قال وهذا الكلام انما يناسب زمان الغيبة وما يشبهها كما هو المهم المحتاج اليه لنا لا اول زمان صدور الشرع وتوجيهه على مذهبنا من صدور جميع الاحكام عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وكونها مخزونة عند الائمة عليهم‌السلام وانه لم يبق شىء الا وقد صدر حكمه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ان مراد المحقق ان فيما يعم به البلوى يحصل الظن بان الحكم الذى صدر فيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انما هو الاباحة اما بتصريحه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكنه لكونه غير محتاج اليه لموافقته للاصل لم ينقل الينا واما بتقريره لما هو مقتضى الاصل بخلاف ما لا يعم به البلوى فانه يحتمل ان يكون حكمه الصادر عنه (ص) مخالفا للاصل ولكن لم يصل الينا لعدم توفر الدواعى.

(وانت خبير) بانه انما يحسن نكتة وعلة للحكم بالاباحة الشرعية وعدمه بالخصوص ولكنه لا ينافى ذلك كون حكم ما لم يعلم حكمه من الشارع بالخصوص هو البراءة للزوم التكليف بما لا يطاق لولاه وان المثمر فى البيان هو البيان الواصل الى

١٢٣

المكلف لا مطلق البيان ومقتضى ان التكليف لا يصح إلّا بعد وصول البيان لا يتفاوت فيه الامران وبالجملة الحق والتحقيق جواز التمسك باصل البراءة فيما لم يبلغ الينا فيه نص سواء كان مما يحتمل الوجوب او الحرمة.

(ومما) ذكر الشيخ قدس‌سره من ذهاب المتقدمين والمتأخرين الى البراءة يظهر ان تخصيص بعض القول بالبراءة بمتأخرى الامامية مخالف للواقع وكأن التخصيص ناش عما رأى من السيد والشيخ من التمسك بالاحتياط فى كثير من الموارد ويؤيده ما فى المعارج من نسبة القول بوجوب الاحتياط على الاطلاق الى جماعة.

(الثانى) من وجوه الاجماع الاجماعات المنقولة والشهرة المحققة فانها قد يفيد القطع باتفاقهم على البراءة وممن استظهر منه دعوى الاجماع الصدوق فى عبارته المتقدمة بقوله اعتقادنا ان الاشياء على الاباحة وممن ادعى اتفاق المحصلين عليه الحلى فى اول السرائر حيث قال بعد ذكر الكتاب والسنة والاجماع انه اذا فقدت الثلاثة فالمعتمد فى المسألة الشرعية عند المحققين الباحثين عن مأخذ الشريعة التمسك بدليل العقل ومراده بدليل العقل كما يظهر من تتبع كتابه هو أصل البراءة.

(وممن ادعى) اتفاق العلماء على البراءة المحقق فى المعارج حيث قال على ما حكى عنه فى باب الاستصحاب فى الوجه الرابع من الوجوه التى اقامها لحجية الاستصحاب ما هذا لفظه اطبق العلماء على انه يجب ابقاء الحكم على ما يقتضيه البراءة الاصلية مع عدم الدلالة الشرعية ولا معنى للاستصحاب الا هذا انتهى.

(وعن المحقق ايضا) فى المسائل المصرية ايضا فى توجيه نسبة السيد الى مذهبنا جواز ازالة النجاسة بالمضاف مع عدم ورود نص فيه ان من اصلنا العمل بالاصل حتى يثبت الناقل ولم يثبت المنع عن ازالة النجاسة بالمائعات فلو لا كون الاصل اجماعيا لم يحسن من المحقق جعله وجها لنسبة مقتضاه الى مذهبنا.

(قد فهم من توجيه المحقق) لكلام السيد حيث نسب جواز ازالة

١٢٤

النجاسة بغير الماء من المائعات الى اصلنا كون اصل الاباحة اجماعيا عند السيد وعند المحقق ايضا فيتم ما قصده الشيخ قدس‌سره من كون الرجوع الى اصل الاباحة عند المحقق اجماعيا.

وفى محكى التنقيح اصل البراءة حجة عندنا ما لم يثبت دليل على خلافها وممن ادعى اطباق العلماء على البراءة العلامة على ما نسبه اليه الوحيد البهبهانى.

(والحاصل) اتفق العلماء على البراءة غاية الاتفاق واطبقوا عليها نهاية الاطباق وعمل المسلمين كان عليها قال فى مفاتيح الاصول على ما حكى عنه يؤكد الاجماع ويحققه انا نقطع ان المسلمين من زمن الرسول (ص) الى زمان القائم عليه‌السلام ما كانوا يتوقفون فى كل واحد واحد من حركاتهم وسكوناتهم ومأكولهم ومشروبهم وغير ذلك على الرخصة واما الشهرة فانما تتحقق بعد التتبع فى كلمات الاصحاب خصوصا فى الكتب الفقهية ويكفى فى تحققها ذهاب من ذكره قدس‌سره من القدماء والمتأخرين الى البراءة.

١٢٥

(الثالث) الاجماع العملى الكاشف عن رضاء المعصوم عليه‌السلام فان سيرة المسلمين من اول الشريعة بل فى كل شريعة على عدم الالتزام والالزام بترك ما يحتمل ورود النهى عنه من الشارع بعد الفحص وعدم الوجدان وان طريقة الشارع كان تبليغ المحرمات دون المباحات وليس ذلك إلّا لعدم احتياج الرخصة فى الفعل الى البيان وكفاية عدم وجدان النهى فيها قال. المحقق على ما حكى عنه ان اهل الشرائع كافة لا يخطّئون من بادر الى تناول شىء من المشتبهات سواء علم الاذن فيها من الشرع ام لم يعلم ولا يوجبون عليه عند تناول شىء من المأكول والمشروب ان يعلم التنصيص على اباحته ويعذرونه فى كثير من المحرمات اذا تناولها من غير علم ولو كانت محظورة لا سرعوا الى تخطئته حتى يعلم الاذن انتهى.

(اقول) ان القسم الثالث من الاجماع الذى قرره الشيخ قدس‌سره على وجوه ثلاثة هو الاجماع العملى من المسلمين الكاشف عن رضاء المعصوم عليه‌السلام فان سيرة المسلمين من اول الشريعة بل فى كل شريعة على عدم الالتزام والالزام بترك ما يحتمل ورود النهى عنه من الشارع بعد الفحص وعدم الوجدان والحال ان طريقة الشارع كان تبليغ المحرمات دون المباحات.

(ويؤيد) ذلك قوله تعالى (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) الآية فلو كان الحكم التوقف بما كان فائدة فى تلاوة ما حرم الله بل لا بد من تلاوة (ما أَحَلَّ اللهُ) فدل ذلك على ان المحتاج الى البيان هو الحظر لا الاباحة لكونها موكولة الى الاصول ومركوزة فى العقول. (ويؤيد ذلك ايضا) ما قاله المحقق على ما حكى عنه من ان اهل الشرائع كافة وديدنهم عدم تخطئة من بادر الى تناول شىء من المشتبهات سواء علم الاذن فيها من الشرع ام لم يعلم ولا يوجبون عليه عند تناول شىء من المأكول والمشروب ان يعلم التنصيص على اباحته ويعذرونه فى كثير من المحرمات اذا تناولها من غير علم ولو كانت المشتبهات ممنوعة لا سرعوا الى تخطئته حتى يعلم الاذن انتهى.

١٢٦

(اقول) ان كان الغرض مما ذكر من عدم التخطئة بيان قبح مؤاخذة الجاهل بالتحريم فهو حسن مع عدم بلوغ وجوب الاحتياط عليه من الشارع لكنه راجع الى الدليل العقلى الآتي ولا ينبغى الاستشهاد له بخصوص اهل الشرائع بل بناء كافة العقلاء وان لم يكونوا من اهل الشرائع على قبح ذلك وان كان الغرض منه ان بناء العقلاء على تجويز الارتكاب مع قطع النظر عن ملاحظة قبح مؤاخذة الجاهل حتى لو فرض عدم قبحه لفرض العقاب من اللوازم القهرية لفعل الحرام مثلا او فرض المولى فى التكاليف العرفية ممن يؤاخذ على الحرام ولو صدر جهلا لم يزل بنائهم على ذلك فهو مبنى على عدم وجوب دفع الضرر المحتمل وسيجىء الكلام فيه إن شاء الله.

(قوله ان كان الغرض مما ذكر الخ) يعنى ان كان مراد المحقق من قوله ان اهل الشرائع لا يخطئون من بادر الخ بيان قبح مؤاخذة الجاهل بالتحريم فهو حسن ان لم يقم دليل على وجوب الاحتياط على الجاهل من الشارع لكنه راجع الى الدليل العقلى الآتي فوجه تخصيص اهل الشرائع للاستشهاد لا يصح مع ان هذا الحكم من المستقلات العقلية بل بناء كافة العقلاء وان لم يكونوا من اهل الشرائع على قبح مؤاخذة الجاهل بالتحريم.

(وان كان مراد المحقق) هو الثانى اى بناء العقلاء على تجويز الارتكاب مع قطع النظر عن ملاحظة قبح مؤاخذة الجاهل فلا شبهة فى تحقق السيرة على ذلك فلا ينبغى منعها وانما الكلام فى حجيتها وهى ايضا ثابتة فى محلها مع عدم استنادها الى التساهل وعدم المبالات.

(قوله لفرض العقاب من اللوازم القهرية الخ) تعليل لعدم قبح المؤاخذة باعتبار جعل العقاب من اللوازم القهرية لفعل الحرام لا لفعل الحرام المعلوم بمعنى ان ثبوت فعل الحرام ووجوده فى ظرف الواقع يستلزم ترتب العقاب عليه من غير مدخلية للعلم والجهل فيه نظير اللوازم العادية والعقلية بالنسبة الى ملزوماتها حيث يترتب

١٢٧

اللوازم عليهما من غير مدخلية للعلم فى ذلك كترتب آثار السم من الهلاكة وغيرها على أكل السم من غير العلم به والالتفات اليه حال الاكل.

(قوله او فرض المولى الخ) معطوف على قوله لو فرض فالمعنى لو فرض المولى ممن يؤاخذ على الحرام ولو صدر جهلا فى التكاليف العرفية فلم يزل بناء العقلاء على تجويز الارتكاب فهو مبنى على عدم وجوب دفع الضرر المحتمل وسيجىء الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

(ولا يخفى عليك) انه قد افاد الشيخ قدس‌سره فى تقرير الاجماع وجوها ولكن الذى ينفع منه فى المقام هو اجماع العلماء كافة من الاصوليين والاخباريين على البراءة والاجماع على هذا الوجه لم ينعقد بل هو مقطوع العدم كيف وجلّ الاخباريين ذهبوا الى وجوب الاحتياط فى الشبهة التحريمية الحكمية التى هى مورد البحث ولا يمكن دعوى عدم قدح مخالفتهم فى تحقق الاجماع مع ان جملة منهم من اجلّاء الاصحاب واعيانهم واما بقية تقريرات الاجماع فلا يمكن الركون اليها والاعتماد عليها بحيث تقدم او تعارض ما سيأتى من الوجوه التى تمسك بها الاخباريون على وجوب الاحتياط لو تمت دلالتها وسلمت عن المناقشة فى حد نفسها.

(ولصاحب بحر الفوائد) فى المقام مناقشة لا يخلو نقلها عن فائدة حيث قال ان التمسك بالسيرة فى المقام لا يخلو عن مناقشة من حيث عدم العلم بتحققها من المتدينين مضافا الى عدم العلم بتحقق شرائط كشفها عن تقرير المعصوم عليه‌السلام كيف ويكفى فى الردع اخبار التوقف والاحتياط فلا يتم الاستناد اليها الا بعد منع دلالتها ولا خلاف فى البراءة على التقدير المذكور.

(واما القول) بان بناء الشرع على تبليغ المحرمات دون المباحات وليس ذلك إلّا من جهة عدم حاجة الاباحة الى البيان وكفاية عدم العلم بالتحريم فى الحكم بالرخصة سيما بملاحظة ما روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فى حجة الوداع فهو كما ترى اذ يتوجه عليه مضافا الى ان بناء الشرع على تبليغ جميع الاحكام من غير فرق بين التحريم والاباحة ان ذلك انما يفيد فيما لو كان عدم العلم بالتحريم دليلا على الاباحة الواقعية

١٢٨

لا على الاباحة العقلية الظاهرية فتدبر.

(واما ما افاده المحقق قدس‌سره) فى بيان اتفاق اهل الشرائع على عدم تخطئة من بادر الى تناول المشتبهات بل المحرمات عن جهل فلم يعلم له معنى محصل اذ مبادرتهم الى تناول المحرمات من دون فحص غير مجوزة بالاتفاق فكيف يكفون عن نهيهم عنه مع عدم جوازه فى حقهم حتى على القول بالبراءة إلّا اذا فرض غفلتهم عن الزام العقل بوجوب الفحص بحيث يرتفع عنهم التقصير اذا لم نقل بوجوب تنبيههم على ذلك.

(واما ما افاده شيخنا قدس‌سره) فى رده فيراد به ان تقرير اهل الشرائع انما هو من جهة ما ارتكز فى عقولهم مع عدم حكم الشارع بوجوب الاحتياط فلا يثبت بذلك الا الاصل فى المسألة فلا يكون الاتفاق المذكور من ادلة المسألة بل هو نظير حكم العقل الآتي فتدبر انتهى كلامه رفع مقامه.

١٢٩

(الرابع) من الادلة حكم العقل بقبح العقاب على شيء من دون بيان التكليف ويشهد له حكم العقلاء كافة بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما يعترف بعدم اعلامه اصلا بتحريمه (ودعوى) ان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلى فلا يقبح بعده المؤاخذة (مدفوعة) بان الحكم المذكور على تقدير ثبوته لا يكون بيانا للتكليف المجهول المعاقب عليه وانما هو بيان لقاعدة كلية ظاهرية وان لم يكن فى مورده تكليف فى الواقع فلو تمت عوقب على مخالفتها وان لم يكن تكليف فى الواقع لا على التكليف المحتمل على فرض وجوده فلا يصلح القاعدة لورودها على قاعدة القبح المذكورة بل قاعدة القبح واردة عليها لانها فرع احتمال الضرر اعنى العقاب ولا احتمال بعد حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان.

(اقول) من ادلة البراءة فى الشبهة التحريمية حكم العقل فان حكمه بالبراءة مما لا يكاد يخفى لاستقلاله بقبح العقاب بلا بيان واصل الى المكلف بعد اعمال العبد ما تقتضيه وظيفته من الفحص عن حكم الشبهة واليأس عن الظفر به فى مظان وجوده.

(ولا يكفى) فى صحة المؤاخذة واستحقاق العقوبة مجرد البيان الواقعى مع عدم وصوله الى المكلف فان وجود البيان الواقعى كعدمه غير قابل لان يكون باعثا ومحركا لارادة العبد ما لم يصل اليه ويكون له وجود علمى فكما ان الاسد الخارجى لا يوجب التحرز والفرار عنه الا بعد محرزية وجوده فكذلك الحرمة المجعولة من الشارع لا يترتب عليها الانزجار الا بعد وصولها وقبله لا اقتضاء للمحركية.

ويشهد لقبح العقاب بلا بيان حكم العقلاء كافة بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما يعترف بعدم اعلامه اصلا بتحريمه.

(ودعوى) انه يكفى فى البيان فى موارد احتمال الحرمة حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل فان الشك فى التكليف يلازم الشك فى الضرر والعقل يستقل بلزوم دفع الضرر المحتمل فيرتفع موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.

(مدفوعة) بان هذه القاعدة اى قاعدة وجوب دفع الضرر على تقدير ثبوتها

١٣٠

(فمورد) قاعدة دفع العقاب المحتمل هو ما ثبت العقاب فيه ببيان الشارع للتكليف فيردد المكلف به بين امرين كما فى الشبهة المحصورة وما يشبهها هذا كله ان اريد بالضرر العقاب وان اريد بها مضرة اخرى غير العقاب التى لا يتوقف ترتبها على العلم فهو وان كان محتملا لا يرتفع احتماله بقبح العقاب من غير بيان إلّا ان الشبهة من هذه الجهة موضوعية لا يجب الاحتياط فيها باعتراف الاخباريين فلو ثبت وجوب دفع المضرة المحتملة لكان هذا مشترك الورود فلا بد على كلا القولين اما من منع وجوب الدفع واما من دعوى ترخيص الشارع واذنه فيما شك فى كونه من مصاديق الضرر وسيجىء توضيحه فى الشبهة الموضوعية إن شاء الله تعالى. لا تكون بيانا للحكم الواقعى المجهول بحيث توجب ازالة الشبهة عن الواقع فملاك عدم العقاب وهو الجهل بالواقع باق بحاله فيكون المرجع قاعدة قبح العقاب دون قاعدة دفع الضرر.

(نعم) يكون هذه القاعدة اى قاعدة وجوب دفع الضرر قاعدة كلية ظاهرية يترتب العقاب على مخالفتها وان لم يكن تكليف فى الواقع فالعقاب انما هو على مخالفة هذه القاعدة لا على التكليف الواقعى المجهول على فرض وجوده فلا يكون القاعدة المذكورة واردة على قاعدة قبح العقاب بل قاعدة القبح واردة عليها لان قاعدة وجوب الدفع فرع احتمال الضرر اعنى العقاب ولا احتمال بعد حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان.

(فمورد) قاعدة دفع العقاب المحتمل هو ما ثبت العقاب فيه ببيان الشارع للتكليف فيردد المكلف به بين امرين كما فى الشبهة المحصورة الموضوعية كالإناءين المشتبهين وما يشبهها من الشبهة الحكمية كالشك فى وجوب الظهر او الجمعة.

هذا كله اى كون قاعدة قبح العقاب بلا بيان واردا على قاعدة وجوب دفع الضرر ان اريد بالضرر العقاب وان كان الضرر غير العقاب فسيأتى الجواب عنه بعيد هذا.

١٣١

(ولا يخفى عليك) ما فيما افاده قدس‌سره فى الجواب عن الاشكال المذكور من ان حكم العقل بقبح الاقدام على ما يحتمل فيه الضرر العقابى انما يكون ارشادا محضا لا يمكن ان يستتبع حكما مولويا شرعيا فكيف يمكن ان يكون العقاب على مخالفته وان لم يكن فى مورده تكليف واقعى وكيف صار هذا الحكم العقلى من القواعد الظاهرية مع ان مخالفة الاحكام الظاهرية لا تستتبع استحقاق العقاب مع عدم مصادفتها للواقع بل العقاب يدور مدار مخالفة الواقع مع وجود طريق اليه. (وفى جميع) موارد القواعد الظاهرية يكون العقاب على مخالفة الواقع او على مخالفة القاعدة عند ادائها الى مخالفة الواقع لا مطلقا على اختلاف فيها من كونها محرزة للواقع كالامارات والاصول التنزيلية فالعقاب على الواقع او غير محرزة كاصالة الاحتياط فالعقاب على مخالفة القاعدة ولكن بشرط كونه مؤديا الى مخالفة الواقع وعلى كل حال ما افاده الشيخ قدس‌سره من ان العقاب على مخالفة نفس القاعدة الظاهرية وان لم تؤدى الى مخالفة الواقع مما لا يستقيم.

(قوله وان اريد بها مضرة اخرى الخ) حاصله ان اريد بقاعدة وجوب الدفع مضرة اخرى غير العقاب دنيويا كان كاحتمال هلاك النفس وقساوة القلب والبعد عن الحق ام اخرويا غير العقاب كسكرات الموت وطول الموقف فهو وان كان محتملا لا يرتفع احتماله بقبح العقاب من غير بيان إلّا ان الشبهة من هذه الجهة موضوعية لا يجب الاحتياط فيها.

(مع ان الاخباريين) معترفون بوجوب الرجوع الى البراءة فيها دون الاحتياط فلو ثبت وجوب دفع المضرة المحتملة الدنيوية لكان هذا مشترك الورود فلا بد على كلا القولين اما من منع وجوب الدفع واما من دعوى ترخيص الشارع واذنه فيما شك فى كونه من مصاديق الضرر وسيجىء توضيحه فى الشبهة الموضوعية إن شاء الله تعالى.

(ولا يذهب عليك) ان الضرر الدنيوى اذا كان من قبيل الاعراض والنفوس والاطراف والاموال فى الجملة فالعقل مستقل بوجوب دفع هذا النوع من الضرر الدنيوى.

١٣٢

(ثم) انه ذكر السيد ابو المكارم قده فى الغنية ان التكليف بما لا طريق الى العلم به تكليف بما لا يطاق وتبعه بعض من تأخر عنه فاستدل به فى مسئلة البراءة والظاهر ان المراد به ما لا يطاق الامتثال به واتيانه بقصد الطاعة كما صرح به جماعة من الخاصة والعامة فى دليل اشتراط التكليف بالعلم وإلّا فنفس الفعل لا يصير مما لا يطاق بمجرد عدم العلم بالتكليف به (واحتمال) كون الغرض من التكليف مطلق صدور الفعل ولو مع عدم قصد الاطاعة او كون الغرض من التكليف مع الشك فيه اتيان الفعل لداعى حصول الانقياد بقصد الاتيان بمجرد احتمال كونه مطلوبا للآمر وهذا ممكن من الشاك وان لم يمكن من الغافل (مدفوع) بانه ان قام دليل على وجوب اتيان الشاك فى التكليف بالفعل لاحتمال المطلوبية اغنى ذلك من التكليف بنفس الفعل وإلّا لم ينفع التكليف المشكوك فى تحصيل الغرض المذكور (والحاصل) ان التكليف المجهول لا يصلح لكون الغرض منه الحمل على الفعل مطلقا وصدور الفعل من الفاعل احيانا لا لداعى التكليف لا يمكن ان يكون غرضا للتكليف.

(اقول) ان السيد قدس‌سره استدل فى الغنية للبراءة بان التكليف بما لا طريق الى العلم به تكليف بما لا يطاق وتبعه بعض من تأخر عنه كالمحقق فى المعارج والمحقق القمى فى القوانين وغيرهما فاستدل به فى مسئلة البراءة.

(والظاهر) ان المراد به كما استظهره الشيخ قدس‌سره هو الاتيان بالعمل على وجه الاطاعة والامتثال بحيث كان الامر هو الداعى الى اتيان العمل لا مجرد صدور العمل فى الخارج كيفما اتفق وإلّا فنفس الفعل لا يصير مما لا يطاق بمجرد عدم العلم بالتكليف به.

(وبيان ذلك) ان الغرض من الامر المولوى لما كان هو داعوية الامر ومحركيته لايجاد العمل ولو بتوسيط حكم العقل بلزوم الاطاعة فلا بد فى مقام توجيه التكليف من الحاجة الى ايصال الخطاب الى المكلف ليتمكن من اتيان المأمور به على وجه الاطاعة والامتثال.

١٣٣

وإلّا فبدونه يستحيل توجيه التكليف الفعلى الى المكلف بايجاد العمل لعدم تمكنه حينئذ من الايجاد عن دعوة الامر وعدم ترتب ما هو الغرض من الامر والخطاب وهى الدعوة.

(قوله واحتمال كون الغرض من التكليف مطلق صدور الفعل الخ) قد توهم بعض ان التكليف بما لا طريق الى العلم به ليس تكليفا بما لا يطاق بالمعنى الذى تقدم ذكره فى قوله قدس‌سره والظاهر ان المراد به الخ لاحتمال كون الغرض من التكليف مطلق صدور الفعل ولو مع عدم قصد الاطاعة او كفاية مجرد الاتيان بالعمل عند الشك انقيادا بداعى احتمال المطلوبية فى التكليف به وهذا ممكن من الشاك وان لم يمكن من الغافل فيمكن توجيه التكليف مع عدم العلم به لاحد هذين الوجهين.

(وهذا التوهم مندفع) بانه ان قام الدليل على وجوب اتيان الشاك فى التكليف بالفعل لاحتمال المطلوبية اغنى ذلك عن التكليف بايجاده وان لم يقم لم ينفع مجرد التكليف المشكوك مع عدم الاعلام فى تحصيل الغرض لعدم رادع للمكلف حينئذ وعدم باعث له عليه (غاية الامر) حصول ذلك الغرض احيانا وهو بمجرده لا يصحح التكليف بالمجهول هذا الرد المذكور بتوضيح منّا فى دفع الفقرة الثانية اعنى بها قوله ره او كون الغرض من التكليف مع الخ

(قوله والحاصل الخ) فى مقام دفع الفقرة الاولى اعنى بها قوله ره واحتمال كون الغرض من التكليف مطلق صدور الفعل الخ بيان ذلك انه لا شبهة فى ان الغرض من التكليف هو بعث المكلف الى اتيان المكلف به وايجاده فى الخارج واتيان الفعل باحتمال المطلوبية لا يكون من آثار التكليف لانه يكفى فيه مجرد احتمال المطلوبية فيكون نفس التكليف لغوا هذا غاية ما قيل او يمكن ان يقال فى توجيه كلام السيد قدس‌سره.

١٣٤

(واعلم) ان هذا الدليل العقلى كبعض ما تقدم من الادلة النقلية معلق على عدم تمامية ادلة الاحتياط فلا يثبت به الا الاصل فى مسئلة البراءة ولا يعد من ادلتها بحيث يعارض اخبار الاحتياط وقد يستدل على البراءة بوجوه غير ناهضة منها استصحاب البراءة المتيقنة حال الصغر او الجنون وفيه ان الاستدلال به مبنى على اعتبار الاستصحاب من باب الظن فيدخل اصل البراءة بذلك فى الامارات الدالة على الحكم الواقعى دون الاصول المثبتة للاحكام الظاهرية وسيجىء عدم اعتبار الاستصحاب من باب الظن إن شاء الله تعالى واما لو قلنا باعتباره من باب الاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك فلا ينفع فى المقام لان الثابت بها ترتب اللوازم المجعولة الشرعية على المستصحب والمستصحب هنا ليس إلا براءة الذمة من التكليف وعدم المنع من الفعل وعدم استحقاق العقاب عليه.

(اقول) ان الدليل العقلى كبعض ما تقدم من الادلة الثلاثة اى الآيات والروايات والاجماع معلق على عدم تمامية ادلة الاحتياط لان موضوع الدليل العقلى قبح العقاب بلا بيان ولو تمت ادلة الاحتياط تكون بيانا فلا يتم الاستدلال به فحينئذ لا يثبت بالدليل العقلى الا الاصل فى مسئلة البراءة ولا يعد من ادلتها بحيث يعارض اخبار الاحتياط بل اخبار الاحتياط لو تمت ترد على الدليل العقلى وترفع موضوعه.

(قوله وقد يستدل على البراءة بوجوه غير ناهضة) اقول انه قد تمسك بعضهم على البراءة فى المقام بادلة الاستصحاب الدالة على حرمة نقض اليقين بالشك فان حرمة شرب التتن قبل البلوغ لم يكن ثابتة يقينا وشك فى حدوثها بعده فمقتضى الاستصحاب هو البناء على بقاء عدم الحرمة بعد البلوغ (والمستدل) بهذا الوجه صاحب الفصول استنادا الى ان ادلة الاستصحاب عامة لا تختص بغير مورد البراءة بل يجرى فى موردها ايضا ثم قال ولا يخفى ان هذا الدليل اخص من المدعى إذ بين مورد الاستصحاب ومورد اصل البراءة عموم من وجه ثم ذكر المثال لمادتى الافتراق فراجع.

١٣٥

(والمطلوب) فى الآن اللاحق هو القطع بعدم ترتب العقاب على الفعل او ما يستلزم ذلك اذ لو لم يقطع بالعدم واحتمل العقاب احتاج الى انضمام حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان اليه حتى يأمن العقل عن العقاب ومعه لا حاجة الى الاستصحاب وملاحظة الحالة السابقة ومن المعلوم ان المطلوب المذكور لا يترتب على المستصحبات المذكورة لان عدم استحقاق العقاب فى الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية حتى يحكم به الشارع فى الظاهر واما الاذن والترخيص فى الفعل فهو وان كان امرا قابلا للجعل ويستلزم انتفاء العقاب واقعا إلّا ان الاذن الشرعى ليس لازما شرعيا للمستصحبات المذكورة بل هو من المقارنات حيث ان عدم المنع عن الفعل بعد العلم اجمالا بعدم خلوّ فعل المكلف عن احد الاحكام الخمسة لا  ينفك عن كونه مرخصا فيه فهو نظير اثبات الوجود احد الضدين بنفى الآخر باصالة العدم.

(قيل) فى المقام لا يمكن اجتماع الاستصحاب والبراءة فى مورد واحد فان حجية الاستصحاب ان كانت من باب الظن فمؤداه الواقع ومؤدى البراءة هو الظاهر وان كانت من باب التعبد فمؤداه جعل الحكم السابق فى اللاحق ومؤدى البراءة عدم الوجوب ولا جعل للشارع فيها فهما متضادان وما يتخيل من ان عدم الوجوب يلزمه الاباحة وهى حكم شرعى ففاسد لمنع اللزوم اولا وبطلان الاصل المثبت ثانيا فتأمل.

(وربما) يتوهم من عبارة الشيخ قدس‌سره فى المقام وفى بحث الاستصحاب ان نظره فى منع التمسك بالاستصحاب فى المقام الى المنع عن جريان الاستصحاب فيما اذا كان المستصحب عدم الحكم مطلقا ولكن الامر ليس كذلك فان صريح بعض عباراته فى بحث الاستصحاب هو تسليم جريان استصحاب عدم الحكم فى الجملة وانما منع عن الاستدلال به فى المقام لخصوصية فيه.

(وفيه) ان الاستدلال على البراءة بالاستصحاب مبنى على اعتباره من باب الظن فيدخل اصل البراءة باعتبار الاستصحاب من باب الظن فى الامارات الدالة على الحكم الواقعى دون الاصول المثبتة للاحكام الظاهرية وسيأتى فى الاستصحاب

١٣٦

انه خلاف التحقيق.

(واما لو قلنا) باعتبار الاستصحاب من باب الاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك فلا ينفع فى المقام لان الاستصحاب المذكور بناء على القول باعتباره من باب الاخبار والتعبد غير جار من حيث ان المقصود به نفى المؤاخذة واستحقاق العقوبة فى الزمان اللاحق ولا يمكن ترتبه عليه نظرا الى عدم كونه من الاحكام الشرعية القابلة للجعل والتشريع.

(وستعرف) إن شاء الله تعالى تفصيلا فى باب الاستصحاب انه لا يترتب على الاستصحاب بناء على اعتباره من جهة الاخبار الا ما كان من الاحكام والمحمولات الشرعية الاولية للمستصحب فلا يترتب عليه ما لا يكون من الاحكام الشرعية من الاحكام واللوازم العقلية او العادية والعرفية او ما كان من الاحكام الشرعية الغير المحمولة على المستصحب بالحمل الاولى بل بالحمل الثانوى وبواسطة لازم غير شرعى للمستصحب سواء كان بواسطة او بوسائط.

فاذا لم يكن الاثر المذكور مما يقبل تعلق الجعل به والمفروض ان الاخبار الواردة فى باب الاستصحاب من مقولة الانشاء لا الاخبار فلا مجال يكون احتمال العقاب موجودا فيحكم العقل بلزوم الاحتياط ما دام الاحتمال باقيا فلا بد من التمسك بقاعدة القبح من غير بيان او غيرها من ادلة البراءة لنفى الاحتمال المذكور وهذا معنى قوله ان المطلوب هو القطع فى الزمان اللاحق بعدم العقاب وهو لا يترتب على الاستصحاب المذكور.

(واما الاذن والترخيص) فى الفعل فانه وان كان من الامور الشرعية وكان قابلا للجعل ويستلزم انتفاء العقاب واقعا إلّا ان الاذن الشرعى ليس لازما شرعيا للمستصحبات المذكورة اى براءة الذمة من التكليف وعدم المنع من الفعل وعدم استحقاق العقاب عليه بل هو من المقارنات مثلا استصحاب عدم المنع من الفعل لا يترتب عليه اذن الشارع بفعله بل هو من المقارنات لان عدم المنع من الفعل لا ينفك عن الاذن

١٣٧

فيه لعدم خلوّ المكلف عن احد الاحكام الخمسة فاثبات الاذن باستصحاب عدم المنع من الفعل كاثبات وجود احد الضدين بنفى الآخر باصالة العدم كاثبات الحركة باصالة عدم السكون. (والثابت) بالاستصحاب بناء على اعتباره من باب الاخبار لا بد ان يكون امرا شرعيا مترتبا على المستصحب لا مطلق الاثر المترتب ولو كان من الآثار العقلية أو العادية ولا مطلق الآثار الشرعية وان لم يكن مترتبا على المستصحب بل يكون من المقارنات الوجودية وقد مرت الاشارة الى ذلك فيما تقدم وستعرف تفصيلا فى باب الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

(وقد اورد) على استصحاب البراءة ايضا بالعلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة لان اليقين بالبراءة فى حال الصغر والجنون انما هو مع العلم بعدم التكليف رأسا وقد علمنا اجمالا بانتقاض هذه الحالة بعد البلوغ والافاقة بالعلم بان للشارع فى كل واقعة حكما من الاحكام الخمسة وسيأتى الاشارة الى هذا الايراد فى كلامه قدس‌سره مع الامر بالتأمل فيه فانتظر.

١٣٨

(ومن هنا) تبين ان استدلال بعض من اعترف بما ذكرنا من عدم اعتبار الاستصحاب من باب الظن وعدم اثباته الا اللوازم الشرعية فى هذا المقام باستصحاب البراءة منظور فيه نعم من قال باعتباره من باب الظن او انه يثبت بالاستصحاب من باب التعبد كلما لا ينفك عن المستصحب لو كان معلوم البقاء ولو لم يكن من اللوازم الشرعية فلا بأس بتمسكه به مع انه يمكن النظر فيه بناء على ما سيجىء من اشتراط العلم ببقاء الموضوع فى الاستصحاب وموضوع البراءة فى السابق ومناطها هو الصغير الغير القابل للتكليف فانسحابها فى القابل اشبه بالقياس من الاستصحاب فتأمل (وبالجملة) فأصل البراءة اظهر عند القائلين بها والمنكرين لها من ان يحتاج الى الاستصحاب.

(اقول) انه قد سبقت الاشارة منه قدس‌سره الى عدم اعتبار الاستصحاب من باب الظن ليدخل اصل البراءة بذلك فى الامارات الدالة على الحكم الواقعى دون الاصول المثبتة للاحكام الظاهرية.

(بل اعتباره) من باب الاخبار والتعبد ومن هنا تبيّن ان استدلال صاحب الفصول معترفا بأن اعتبار الاستصحاب من باب التعبد والاخبار وعدم اثباته الّا اللوازم الشرعية باستصحاب البراءة منظور فيه لان الثابت بالاستصحاب بناء على التعبد كما يأتى فى محله ترتب اللوازم المجعولة الشرعية على المستصحب والمستصحب هنا ليس إلّا براءة الذمة من التكليف وعدم المنع من الفعل وعدم استحقاق العقاب عليه والمطلوب فى الآن اللاحق هو القطع بعدم ترتب العقاب على الفعل او ما يستلزم ذلك اذ لو لم يقطع بالعدم واحتمل العقاب احتاج الى انضمام حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان حتى يأمن العقل عن العقاب ومعه لا حاجة الى الاستصحاب وملاحظة الحالة السابقة.

(نعم) من قال باعتبار الاستصحاب من باب الظن أو انه يثبت به من باب التعبد كلما لا ينفك عن المستصحب لو كان معلوم البقاء ولو لم يكن من اللوازم

١٣٩

(ومنها) ان الاحتياط عسر منفى وجوبه وفيه ان تعسره ليس إلّا من حيث كثرة موارده فهى ممنوعة لان مجريها عند الاخباريين موارد فقد النص على الحرمة وتعارض النصوص من غير مرجح منصوص وهى ليست بحيث يفضى الاحتياط فيها الى الحرج وعند المجتهدين موارد فقد الظنون الخاصة وهى عند الاكثر ليست بحيث يؤدى الاقتصار عليها والعمل فيها عداها على الاحتياط الى الحرج ولو فرض لبعضهم قلّة الظنون الخاصة فلا بد له من العمل بالظن الغير المنصوص على حجيته حذرا عن لزوم محذور الحرج ويتضح ذلك بما ذكروه فى دليل الانسداد الذى اقاموه على وجوب التعدى عن الظنون المخصوصة فراجع (ومنها) ان الاحتياط قد يتعذر كما لو دار الامر بين الوجوب والحرمة وفيه ما لا يخفى ولم ار ذكره الّا فى كلام شاذ لا يعبأ به.

الشرعية فلا بأس بتمسكه به. (وفيه) انه يمكن ان يقال ان الاستصحاب المذكور غير جار مطلقا من غير فرق بين القول به من باب التعبد والاخبار أو الظن لتغير موضوع المستصحب وعدم بقائه فى الزمان اللاحق حيث ان عدم المنع من الفعل كان ثابتا فى حق الصغير وبوصف عدم البلوغ وان بقاء الموضوع شرط فى جريان الاستصحاب وقد تبدل الموضوع فى المقام لان مناط البراءة فى السابق هو الصغر وقد تبدل فى اللاحق الى الكبر.

(فانسحاب) البراءة بعد الكبر اشبه بالقياس من الاستصحاب لان القياس لا يعتبر فيه اتحاد الموضوع غاية الامر اعتبار الجامع بين المقيس والمقيس عليه بخلاف الاستصحاب فان من شرائطه بقاء الموضوع وإلّا لم يجر الاستصحاب وبالجملة فاصل البراءة اظهر عند القائلين بها والمنكرين لها من ان يحتاج الى الاستصحاب.

(قوله فتامل) لعله اشارة الى ان المناط فى بقاء الموضوع فى الاستصحاب هو العرف لا المداقة العقلية وإلّا اشكل الامر فى كثير من الاستصحابات المسلمة وسيجىء

١٤٠